مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - Displaying items by tag: رواتب العسكريين

ملخص تنفيذي

  • يوجد نمط سائد في عملية زيادة الرواتب قائم على ركيزتين أساسيتين هما: رفع أسعار المواد الأساسية من قبل حكومة النظام مع كل زيادة للرواتب، ثم قيام رأس النظام بزيادة الرواتب، أو يتم العكس إذ تأتي زيادة الرواتب قبل رفع الأسعار، وذلك ضمن نطاق زمني ضيق.
  • وصلت الرواتب لذروتها مقابل الدولار في شهر نيسان من عام 2011، قبل أن تنكمش مقابله بالرغم من الزيادات المتلاحقة التي طالت الرواتب، فقد وصلت الرواتب اليوم لمستويات أدنى مما كانت عليه في عام 2000 مقابل الدولار.
  • كانت زيادات الرواتب تتم بنسب متساوية بين القطاع المدني والعسكري حتى شهد عام 2018 قيام بشار الأسد بزيادة رواتب عسكريي الجيش مرات عدة دون غيرهم، فيما لم تتم زيادة رواتب المدنيين بشكل منفصل أبداً.
  • تتآكل الرواتب بسرعة أمام تكلفة المعيشة، إذ إن الحدّ الأدنى الرواتب البالغ 92,970 ليرة سورية، لا يكاد يكفي ثلاثة أيام في الشهر نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
  • تُشير قيم الرواتب مقوّمة بالدولار إلى وجود تأثير واضح لأزمة البنوك اللبنانية التي بدأت عام 2019 فقد انعكست هذه الأزمة بانكماش قيمة الليرة السورية مقابل الدولار وبالتالي انكماش قيمة الرواتب.
  • إن سياسية الرواتب المُتبعة تقود لعسكرة المجتمع، عبر دفع الشباب للتطوع في الجيش أو الالتحاق بالميليشيات والتحول لمرتزقة داخل وخارج حدود البلاد، كما أنها تعد عاملاً إضافياً لمجموعة من العوامل الدافعة للهجرة.
  • تنطلق سياسة الرواتب من منظور النظام على أسس دافعة باتجاه مضي فئات كبرى من المجتمع نحو الانخراط بالمؤسسة العسكرية الرسمية أو الميليشيات، ليكون راتب أصغر رتبة في القطاع العسكري أكبر من راتب أعلى فئة في القطاع المدني.

مدخل

تُعد مشكلة رواتب القطاع العام بشقيه المدني والعسكري من المشاكل ذات الجذور التاريخية الممتدة لنصف قرن من الزمن، ففي عهد حافظ الأسد عانى موظفو القطاع العام لسنوات طويلة من تردي قيمة رواتبهم نتيجة السياسات الاقتصادية المتبعة في تلك الفترة، وهو ما استمر لاحقاً في عهد بشار الأسد، بالرغم من جميع "محاولاته" لتحسين الوضع المعيشي لموظفي القطاع العام على حساب دعم قطاعات أخرى كالزراعة والصناعة.

لم يكن الفرق بين رواتب المدنيين والعسكريين ذا أهمية تذكر، إذ إن الهدف الكلي يتمثل بالاهتمام برواتب القطاع العام ككل ومن ضمنهم العسكريون، إلا أن الأحداث منذ عام 2011 سلطت الضوء على مختلف القطاعات في الدولة بما فيها الرواتب، إلا أنها لم تأخد حقها من ناحية التفصيل والمقارنة بين رواتب المدنيين والعسكريين والبحث بعمق في رواتب كل فئة منهما.

تحدد رواتب القطاع العام من المدنيين بناءً على نظام العاملين الأساسي في الدولة ([1])،أما رواتب العسكريين فتحدد بناءً على قانون الخدمة العسكرية بالنسبة لعسكريي الجيش([2])، وقانون خدمة قوى الأمن الداخلي بالنسبة لأفراد قوى الأمن الداخلي، ويتم إصدار تعليماتها التنفيذية من قبل القائد العام للجيش والقوات المسلحة.([3])

تاريخياً، صدرت زيادة الرواتب بمراسيم تشريعية عن رأس النظام منذ عهدي حافظ وبشار الأسد، ولم يسبق أن صدرت هذه الزيادات عن مؤسسات الدولة المعنية بالأمر، كما لم يسبق أن نفعت أي مطالبات أو ضغوط لزيادة الرواتب، في ظل غياب أي دور حقيقي لمجلس الشعب أو للنقابات منذ السيطرة عليها وتدجينها من قبل حافظ الأسد منذ ثمانينيات القرن الماضي.

ارتبطت الزيادات على الرواتب دوماً بارتفاع أسعار مواد أساسية تُحدد أسعارها من قبل "الحكومة"، كما كانت هذه الزيادات تشمل زيادة بنسب متساوية في القطاعين المدني والعسكري على حدّ سواء، أما الزيادات التي تمّت بعد عام 2011 فكانت تأتي نتيجة زيادة التضخم وانخفاض سعر صرف الليرة السورية، وكانت مترافقة مع زيادات مضطردة بأسعار المواد الأساسية، في ظل تردي الأوضاع المعيشية.

لاحقاً شهد عام 2018 زيادة رواتب العسكريين فقط دون غيرهم، وبشكل مباشر ومنفصل عن أي من موظفي القطاع العام، كما وصل الأمر في بعض الأحيان لأن تشمل بعض الزيادة فئات معينة من العسكريين دون غيرهم، بالإضافة لذلك أصبح هناك تمايز واضح لصالح أفراد الجيش عن أفراد قوى الأمن الداخلي بعد أن كانت رواتبهم متساوية، مع العلم أن هناك زيادات للعسكريين كانت تتم بشكل خفي تقريباً، كأن يتم إصدار مرسوم تشريعي يتضمن طي جدول الرواتب الوارد في المادة 87 من قانون الخدمة العسكرية واستبداله بجدول جديد يتضمن رواتب أعلى من دون أن يتم تحديدها بنسبة معينة.

ستقوم هذه الورقة برصد الرواتب في سورية منذ عام 1994، آخر سنة تمت زيادة الرواتب بها من قبل حافظ الأسد، وحتى عام 2022، للوقوف على حركة الزيادات بشكل عام وتلمس فلسفة وسياسة النظام في عملية زيادة الرواتب بين القطاع المدني والعسكري، وتقديم مقارنات مختلفة لرواتب المدنيين والعسكريين والوقوف على قيمها وما يقابلها بالدولار بسعر المصرف المركزي والسوق السوداء، وكذلك قيمة ضرائب الدخل المفروضة عليها، بالإضافة لتوفير أداة تفاعلية تُساعد على إجراء مقارنات بين مختلف فئات الرواتب بالليرة السورية والدولار الأمريكي، وذلك عبر استخدام أدوات تحليل كمّية للمعلومات، فقد تم الاعتماد على مصادر  رسمية ومعادلات رياضية للوصول لقيمة الرواتب والتأكد من صحتها([4]).

حركة زيادة الرواتب منذ عام 1994

جرت العادة في سورية أن يتم رفع الرواتب كل سنتين تقريباً، بمعدل 25%، في حين أن معدل التضخم كان يتجاوز 30 %سنوياً – قبل عام 2011 – وبالتالي يخسر العمال والموظفون سنوياً 17% نتيجة تراجع القوة الشرائية للعملة السورية([5])، وكانت آخر زيادة للرواتب في عهد حافظ الأسد قد أقرّت بالمرسوم التشريعي رقم 3 لعام 1994([6])، لتتوقف بعدها الزيادات لست سنوات متتالية لما بعد توريث السلطة لبشار الأسد في عام 2000، وبالتالي تآكلت الرواتب بشكل مضطرد وانخفض حجمها في الدخل القومي. سعت الدولة لتثبيت الرواتب والأجور عبر سياسة واضحة لتخفيض حجم الطلب الكلي من جهة، إضافة إلى ذلك فإن هذه السياسية هدفت لتخفيض التكلفة عبر سياسة الأجور الرخيصة من جهة ثانية.

بعد أقل من شهرين على توريث الحكم لبشار الأسد أصدر أول زيادة للرواتب كرسالة واضحة أن "الانتعاش الاقتصادي اقترب وأن حالة الركود الاقتصادي الممتدة من 1995 – 2000 انتهت"، إلا أن سياسة زيادة الرواتب بقيت على المنوال السابق نفسه، إذ تتم زيادة الرواتب كل سنتين تقريباً عدا الفترة الممتدة ما بين 1994 - 2000، وشهدت الفترة الممتدة ما بين 2000 – 2010 صدور 7 مراسيم تشريعية خاصة بالرواتب، بعضها كان يشمل قطاع العاملين بالدولة كافة، وبعضها كان خاصاً بالعسكريين – زيادة غير صريحة – كأن يتم تعديل جدول رواتبهم، أو حالة خاصة كإعادة العمل برتبة مرشح ومرشح أول.

في المقابل شهدت الفترة الممتدة ما بين 2011 – 2022 عدداً أكبر من المراسيم التشريعية الخاصة بالرواتب، إذ تم إصدار 14 مرسوم تشريعي منذ آذار عام 2011 شمل بعضها زيادات خاصة بالعسكريين فقط، أي إن فترة ما بعد عام 2011 شهدت ضِعف عدد المراسيم المتعلقة بالرواتب مقارنة بالفترة السابقة لها، في محاولة من النظام لسدّ وترميم الفجوة بين سعر الليرة السورية والدولار الأمريكي.

يبين الجدول التالي المراسيم التشريعية ونسب الزيادات التي تمت على الرواتب منذ عام 2000 وحتى عام 2022 كما يلي:([7]) 

قراءة في منهجية زيادة الرواتب وآثارها

استخدمت حكومة النظام أسلوب الضرائب غير المباشرة لتمويل زيادة الرواتب والأجور، والتي تُفرض على المنتجات البترولية والإسمنت والأسمدة إضافة إلى الزيوت المعدنية وغيرها من المنتجات البترولية الأخرى، وتسمى هذه الضرائب بـ"فروقات الأسعار"، لأن المؤسسات العامة التي تسوق هذه المواد تحول المبالغ مباشرة لوزارة المالية، وساهمت زيادة أسعار الطاقة لتمويل زيادة الرواتب والأجور بزيادة تكاليف المنتجات السورية وزيادة أسعار الخدمات، وقد أدت هذه الزيادة لتخفيض قدرة الصناعة السورية على المنافسة في السوق الوطنية وفي الأسواق الدولية([10]).

يُلاحظ هذا النمط العام في زيادة الرواتب والأجور بشكل وثيق، إذ يرافق هذه الزيادات ارتفاع في أسعار المواد الأساسية، وهذا هو النمط الأساسي السائد منذ عقود، طبعاً هذه النمط غير معكوس، بمعنى أن ارتفاع المواد الأساسية لا يرافقه دوماً زيادة في الرواتب والأجور، وقد تقوم حكومة النظام برفع أسعار المواد الأساسية مرات عدة قبل أن يتم رفع الرواتب والأجور، وهو ما يشير مباشرة لوجود "عطب اقتصادي" في الدولة وخلل في بيئة الإنتاج، وأن هذه الزيادات الحاصلة ما هي إلا محاولة لضبط الأسعار، وهي زيادات غير حقيقية، بل إنها مشجعة على زيادة التضخم أيضاً، وفيما يلي الزيادات على الرواتب التي تزامنت مع ارتفاع في أسعار المواد الأساسية:

مقارنة بين رواتب المدنيين والعسكريين

شهد عام 2018 تغيراً في توازنات الزيادة على الرواتب، فقد صدر أول مرسوم تشريعي يتضمن زيادة صريحة لرواتب عسكريي الجيش فقط دون غيرهم من موظفي القطاع العام بما فيهم قوى الأمن الداخلي، وكأن هذه الزيادة تأتي كمكافأة لما قدمه عناصر الجيش في منع سقوط نظام الحُكم أمام الثورة السورية، كما جاءت لمعادلة رواتب الجيش لتكون قريبة من قيمة الرواتب التي تمنحها الميليشيات لعناصرها، أي إن المفاضلة بين الرواتب والامتيازات أصبحت تدفع المجتمع نحو العسكرة باتجاه الانضمام إلى الميليشيات أو للمؤسسة العسكرية بحسب نتائج المفاضلة([13])، إذ إن الرواتب الممنوحة من قبل الميليشيات أكبر من تلك الممنوحة رسمياً في المؤسسة العسكرية، ورواتب هذه الأخيرة أكبر من رواتب القطاع المدني، علماً أن هناك امتيازات رسمية وغير رسمية ممنوحة لأفراد الجيش والقوات المسلحة وعناصر الميليشيات تزيد من مداخيلهم الشهرية. كما لا يمكن الحكم على أن زيادة رواتب العسكريين دون غيرهم منذ عام 2018 جاءت بطلب روسي أو لا، لكنها على الأقل نابعة من حاجات النظام لها، (راجع الملحق للإطلاع على رواتب الموظفين في الدولة سواء بالقطاع المدني أو العسكري وقوى الأمن الداخلي في الفترة الممتدة ما بين 1994 - 2022).

ستكون المقارنة مرتبطة بفئتين إحداهما عسكرية والثانية مدنية وذلك عند بدء التعيين، على أن تكون بين أعلى فئة في المدنيين وهي "الدكتوراه" بمقابل أقل فئة عند العسكريين وهي "الجندي"([14])، وتعود أسباب هذه المقارنة لأمرين هما: أن الرواتب المذكورة هي رواتب بدء التعيين، أي لا يمكن مقارنة راتب حامل شهادة الدكتوراه مع راتب الضابط النقيب في الجيش، باعتبار أن النقيب قد أمضى حوالي 10 سنوات في الخدمة العامة؛ إن الفروق بين رواتب هاتين الفئتين متقاربة، مع ذلك يوجد غلبة لرواتب العسكريين على المدنيين([15]).

المقارنة بالليرة السورية

يلاحظ أن الفجوة بين رواتب الجندي وحامل الدكتوراه بدأت تضيق بشكل أكبر بعد عام 2011 حتى أصبحت متقاربة جداً بعد صدور المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2018 القاضي بزيادة رواتب العسكريين فقط، ثم اختفت تماماً في بداية عام 2022 بمقابل عام 2000، فقد كانت نسبة الفرق بين رواتب الفئتين تساوي 236% لصالح راتب حامل "الدكتوراه"، ثم أصبحت هذه النسبة 178.9 % في عام 2011 حتى وصلت في عام 2022 إلى 1.9 %، بالطبع في حال احتساب الرواتب المقطوعة قبل احتساب ضريبة الدخل عليها.

 

الشكل (1) مقارنة الرواتب بحسب الليرة السورية لكل من راتب الدكتوراه والجندي

المقارنة بالدولار الأمريكي

إن عملية التسعير في سورية قائمة بشكل رئيسي على أساس الدولار الأمريكي وليس الليرة السورية، وبالتالي في حال إعادة المقارنة السابقة مقوّمة بالدولار، يُلاحظ وصول الرواتب لذروة قيمتها مقوّمة بالدولار بنهاية شهر آذار من عام 2011، فقد تم زيادة الرواتب بناءً على المرسوم التشريعي رقم 44 لعام 2011 بالتزامن مع بداية الثورة السورية، وفي ذلك الوقت كان سعر الدولار يساوي 47 ليرة بحسب سعر الصرف الرسمي و52 ليرة بحسب سعر السوق السوداء([16])، لاحقاً مع انكماش الليرة السورية بدأ مؤشر الرواتب مقابل الدولار بالانخفاض بشكل تدريجي، إذ لم تتمكن الزيادات المتلاحقة للرواتب منذ آذار 2011 وحتى 2022 من منع هذا الانخفاض أو حتى تسطيحه على الأقل، كما يُلاحظ أيضاً تأثير الأزمة اللبنانية عام 2019 على الليرة السورية وهو ما أدى لمزيد من الانخفاض في قيمة الرواتب على أساس الدولار.

إن الرواتب إذا تم قياسيها بحسب الدولار ما بين عام 2000 وعام 2022 سنجد أنها انكمشت بنسبة كبيرة جداً تقارب 360.8% وذلك بالنسبة لراتب بدء التعيين لحامل شهادة الدكتوراه، بينما انكمشت فقط بحوالي 156.3% لراتب الجندي في الجيش، وذلك نتيجة الزيادات الخاصة بالعسكريين دون غيرهم.

 

الشكل (2) الرواتب مقوّمة بالدولار بحسب السعر الرسمي من المصرف المركزي

الشكل (3) الرواتب مقوّمة بالدولار بحسب السوق السوداء

يوفر الشكل التفاعلي التالي إجراء المقارنات بين مختلف فئات الرواتب فيما بينها وبالليرة السورية والدولار الأمريكي

ضريبة الدخل: إعفاء العسكري وجباية المدني

خضع قانون ضريبة الدخل لعدة تعديلات منذ تولي بشار الأسد الحكم، فقد أصدر في عام 2001 المرسوم التشريعي رقم 8 القاضي بإعفاء الـ 1,000 ليرة الأولى من الراتب الشهري من ضريبة الدخل، لاحقاً تم إعفاء الـ 5,000 ليرة الأولى من الراتب من ضريبة الدخل بموجب قانون ضريبة الدخل الجديد رقم 24 لعام 2003، واستمر تعديل ضريبة الدخل مرات عدة كان آخرها المرسوم التشريعي 24 لعام 2020([17])، المتضمن إعفاء الـ 50 ألف الأولى من الراتب من ضريبة الدخل عبر تعديل المادتين 68 و69 وإلغاء المرسومين التشريعيين 46 و48 لعام 2015.

النقطة الأساسية هنا أن قانون ضريبة الدخل قد أعفى في المادة 67 منه "العسكريين التابعين للقوات المسلحة وعناصر قوى الأمن الداخلي وعناصر الإطفاء" بالإضافة لفئات أخرى من ضريبة الدخل، في حين لم يتم تطبيق ذلك على موظفي القطاع العام والخاص، كما وأكد المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003 المتضمن قانون الخدمة العسكرية في المادة 181 منه، استفادة العسكريين من مجموعة من الإعفاءات من ضمنها الإعفاء من الضرائب على الدخل ومختلف التعويضات والعلاوات، كما أكدّ المرسوم التشريعي رقم 1 لعام 2012 المتضمن قانون خدمة قوى الأمن الداخلي في المادة 155 منه ما تمّ منحه لعسكريي الجيش.

وبالتالي إذا تمت مقارنة الراتب المقطوع لكل من حامل شهادة الدكتوراه والجندي في الجيش عند بدء التعيين مع اقتطاع ضريبة الدخل، سنجد أن راتب الجندي الفعلي أكبر من راتب حامل شهادة الدكتوراه كما يلي:([18])

زيادة الرواتب في ضوء كِلف المعيشة

إن الرواتب المُقدمة لا تكاد تكفي ثلاثة أيام من الشهر، إذ يقدم مؤشر قاسيون أرقاماً لتكاليف المعيشة في سورية منذ عدة سنوات وبشكل دوري([19])، فقد بلغ مؤشر تكلفة المعيشة في شهر أيلول لعام 2022 لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد 3,6 مليون ليرة سورية، وهو ارتفاع غير مسبوق خلال فترة قياسية يهدّد ملايين السوريين الذين يعيشون اتساعاً كارثياً بين تكاليف المعيشة والحد الأدنى لأجر العامل السوري الذي ما يزال عند عتبة 92,970 ليرة سورية (أي أقل من نصف تكلفة الحد الأدنى لغذاء الفرد العامل لوحده) ([20])، وهو ما ساهم بجعل أكثر من 90% من إجمالي عدد سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر، وبالتالي اضطر كثير منهم إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم([21]).

يمكن مقارنة تكاليف المعيشة خلال السنوات الماضية مع الحد الأدنى للرواتب كما في الشكل التالي:

 

الشكل (4) الفرق بين تكلفة المعيشة والحد الأدنى للرواتب

خاتمة

يعاني قطاع الرواتب أسوة بباقي القطاعات في البلاد، والأكيد أن الموظفين لا يعتمدون بشكل رئيسي على رواتبهم التي لا تكاد تكفي عدة أيام، بل يعتمد هؤلاء على مصادر دخل متنوعة، كالحوالات المالية القادمة من الخارج، أو العمل بوظيفة ثانية في القطاع الخاص، بالإضافة لذلك قد يمتد الاعتماد على مصادر دخل غير مشروعة نتيجة الفساد المالي والرشاوى في الدوائر والمؤسسات الحكومية، أما بالنسبة للعسكريين بالرغم من الزيادات الخاصة بهم فهناك مصادر أخرى للدخل جميعها غير مشروعة، سواء عبر عمليات التعفيش أو الإتاوة وفرض الخوّة على المدنيين والسيارات التجارية العابرة على الحواجز، يضاف لها عمليات الفساد المالي المتعلقة بعمليات الشراء والعقود والمناقصات التابعة لوزارة الدفاع التي تشرف عليها لجان المشتريات في الوحدات العسكرية كل على حدا، وإن كانت هذه العمليات تتم بشكل أضيق نسبياً ويستفيد منها مجموعات محددة من الضباط وصف الضباط.

إن ما سبق ما هو إلا نتاج طبيعي في دولة ديكتاتورية، تضع كافة مواردها في خدمة الآلة العسكرية الخاصة بها، ولا تعمل على تهيئة دولة مدنية تنموية، وهو نتاج لبلاد مزقتها الحرب التي شنها النظام على الشعب السوري، وتظهر سياسة النظام بما يتعلق بالرواتب كسياسة واضحة المعالم يمكن تفسيرها بما يلي:

  • سياسة دافعة نحو عسكرة المجتمع وتحويل العسكرة لمهنة كبقية المهن، وهو ما تم فعلاً من خلال التعاقد معهم كمرتزقة ضمن الميليشيات أو إرسال المرتزقة إلى مناطق نزاع مسلح تحت إشراف روسي.
  • خلق بيئة طاردة:
  1. سياسة دافعة نحو الهجرة تُضاف لمجموعة من العوامل الأخرى الدافعة لها، خصوصاً لأولئك المتعلمين وأصحاب الشهادات العلمية، إذ لا يمكن لصاحب هذه الشهادة أن يستنفد عمره لسنوات طوال قبل أن يلتحق بوظيفة رسمية ما – إن وجدت – ليجد أن راتب الجندي الحاصل على شهادة التعليم الأساسي أكبر من راتبه، أي إن النظام يقول للشاب "لا تتعلم، اذهب وتطوع في الجيش".
  2. إرسال الشباب نحو الخارج من أجل قيامهم لاحقاً بإرسال الحوالات لذويهم، وبالتالي الاستفادة من القطع الأجنبي المحول لمناطق سيطرته، بالإضافة لقيام هؤلاء الشباب بدفع مبالغ مالية طائلة من أجل الإعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية، وهو ما يكلف كل شخص 5 - 10 آلاف دولار كرسوم فقط بحسب نوع الخدمة العسكرية ومدّة إقامته خارج البلاد.

تعد هذه السياسة بمثابة إنذار للدول الحاضنة للاجئين باعتبار أن إعادتهم إلى كنف النظام مع وضع سلامتهم بعين الاعتبار، سيكون مصير القسم الأعظم منهم التطوع في المؤسسة العسكرية أو الالتحاق بالميليشيات المسلحة لأنه الباب الوحيد المقبول في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي تعاني منها سورية.

ملحق: سُلم الرواتب في سورية

فيما يلي سُلم الرواتب الخاصة بالمدنيين والعسكريين وقوى الأمن الداخلي، وذلك منذ آخر زيادة في عهد حافظ الأسد في عام 1994 وحتى عام 2022:

رواتب المدنيين

 

رواتب الجيش([22])


رواتب قوى الأمن الداخلي

 

أسعار الصرف بين الرسمي والسوق السوداء

تكاد تكون أسعار الصرف مقابل الدولار ثابتة قبل عام 2011، لاحقاً بدأت تختلف مع مرور الزمن ، وبدأ يظهر اختلاف حقيقي بين سعر صرف الليرة بحسب المصرف المركزي، وسعر السوق السوداء. وفقدت الليرة السورية قيمتها أمام الدولار أضعافاً مضاعفة منذ عام 2011 وانعكس ذلك سلباً على القوة الشرائية، بالإضافة لزيادة معدلات التضخم، ويُلاحظ أن الفجوة بين سعر الصرف الليرة بحسب المصرف المركزي والسوق السوداء تزداد نسبياً بشكل مضطرد([23]). فيما يلي أسعار صرف الليرة مقابل الدولار بتاريخ صدور المرسوم التشريعي لزيادة الرواتب:

 

 

 

 


 

([1])  "القانون 50 لعام 2004، نظام العاملين الأساسي في الدولة"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 06 كانون الأول/ ديسمبر 2004، تاريخ الوصول: 20/10/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3hqpqbF

([2]) "المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003، قانون الخدمة العسكرية"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 21 نيسان/أبريل 2003، تاريخ الوصول: 14/01/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3GyL0Cq

 ([3])"المرسوم التشريعي 1 لعام 2012، قانون خدمة قوى الأمن الداخلي"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 2 كانون الثاني/يناير 2012، تاريخ الوصول 16/05/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3lbG5hA

([4])  إحدى المعادلات الرياضية المستخدمة لحساب الرواتب بعد المرسوم التشريعي 44 لعام 2011: حيث يشير (J7) لقيمة الراتب بعام 2008:

=CEILING( IF((J7+1500)>10000;((((J7+1500)-10000)*20%)+(10000*30%))+(J7+1500);((J7+1500)*30% +(J7+1500)));5)

([5])  علي كنعان، "الركود في سورية"، موقع مفهوم، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Cocmdu

([6])  المرسوم التشريعي 3 لعام 1994 الصادر بتاريخ 30/4/2000، المتضمن منح زيادة قدرها 30% من الراتب أو الأجر الشهري المقطوع إلى الرواتب والأجور الشهرية المقطوعة لكل من العاملين المدنيين والعسكريين في الدولة.

([7])  لا تتضمن المراسيم التشريعية الزيادات الحاصلة على المعاشات التقاعدية.

 ([8])"راتب الطيران" هو راتب إضافي مخصص للضباط الطيارين، يضاف للراتب المقطوع ولا يعد جزء منه، ورد في المادة 87 من قانون الخدمة العسكرية، مصدر سابق.

 ([9])إن مبلغ الـ 8% الممنوح للعسكريين ليس زيادة على أساس الراتب، بل هو تحديد لمقدار التعويضات والعلاوات والمكافآت على أساس الراتب الشهري، وشكل لغطاً من هذه الناحية عند نشره.

([10])علي كنعان، مصدر سابق.

([11]) تغير اسم الوزارة عدة مرات بعد عام 2000.

([12])تم رصد أسعار المواد الأساسية التي تزامنت مع زيادة الرواتب، دون تتبع كافة الزيادات على أسعار تلك المواد التي كانت ترتفع باستمرار دون أن يكون هناك زيادة على الرواتب.

 ([13])محسن المصطفى: "المفاضلة بين الميليشيات والجيش: مؤشرات تزايد الارتزاق"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر: 06 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، تاريخ الوصول: 20/10/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3DiG3gy

([14]) تُمنح رتبة الجندي في الجيش لمن تطوع بناءً على شهادة التعليم الأساسي.

([15]) تُمكن الأداة التفاعلية المدرجة في الموقع الإلكتروني من قيام المستخدم (القارئ) بتنفيذ المقارنات التي يريدها لكافة الفئات والرتب العسكرية بالشكل المناسب له.

([16])  تتم الإشارة لسعر الصرف بحسب المصرف المركزي بـ $F، بينما تتم الإشارة لسعر الصرف بحسب السوق السوداء بـ $B

([17]) المادة 68:أ: يحدد معدل الضريبة بما في ذلك إضافات الدفاع الوطني ورسوم المدارس وحصة البلدية والمساهمة النقدية في دعم التنمية المستدامة وفق الآتي:

4 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الواقع بين الحد الأدنى المعفى و80٫000 ل.س.

12 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الواقع بين 170٫001 و200٫000 ل.س.

6 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الواقع بين 80٫001 و110٫000 ل.س.

14 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الواقع بين 200٫001 و230٫000 ل.س.

8 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الواقع بين 110٫001 و140٫000 ل.س.

16 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الواقع بين 230٫001 و260٫000 ل.س.

10 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الواقع بين 140٫001 و170٫000 ل.س.

18 بالمئة عن جزء الدخل الصافي الشهري الذي يتجاوز 260٫000 ل.س.

ب: يحدد معدل الضريبة بنسبة 10% عن كل دفعة مقطوعة.

 المادة 69: ينزل من الدخل الصافي حد أدنى معفى من الضريبة وقدره 50٫000 ليرة سورية في الشهر.

([18]) لم يتم احتساب التعويضات والعلاوات لكلا الفئتين، باعتبار أن التركيز هو على الرواتب المقطوعة وعلى ضريبة الدخل.

([19]) مؤشر قاسيون: مؤشر لتكاليف المعيشة يصدر دورياً عن مجلة قاسيون التابعة لحزب الإرادة الشعبية ومقرها في دمشق.

([20]) " 3.5مليون وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية على أبواب الشتاء"، مجلة قاسيون، تاريخ النشر: 26 أيلول/سبتمبر 2022، تاريخ الوصول: 1/10/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3fN2SBl

([21])  "غريفيث لمجلس الأمن: 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر"، الجزيرة نت، تاريخ النشر: 28 تشرين الأول/أكتوبر 2021، تاريخ الوصول: 25/03/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3RUnLaK

 ([22])تتضمن رواتب الجيش الواردة رواتب الدرجات الأولى فقط، إذ أن لكل رتبة درجة راتب تتم ترقية العسكري إليها أثناء بقاءه في الرتبة لمدة معينة.

 ([23]) شمل هذا التعديل زيادة غير معلنة بشكل صريح على رواتب العسكريين.

([24]) شمل هذا التعديل زيادة غير معلنة بشكل صريح على رواتب العسكريين.

([25])  تم تعديل "راتب الطيران" ليتناسب والمهام الشاقة والخطرة التي يتعرض لها الضابط الطيار.

([26]) بما يخص سعر الصرف الرسمي تم الاعتماد على بيانات مصرف سورية المركزي (نشرة الحوالات) ، أما بيانات سعر صرف السوق السوداء، تم اعتمادها على الأداة التفاعلية التي قدمها كرم الشعار، (تملك الأداة منهجية خاصة بها لتحديد سعر صرف السوق السوداء)، رابط إلكتروني:  https://www.karamshaar.com/exchange-rates

التصنيف أوراق بحثية

في معظم الدول؛ تمارس اللجان البرلمانية أو الهيئات البرلمانية الأخرى مهام الرقابة المالية على مؤسسات الدولة، وتختلف هذه الصلاحية التي يملكها البرلمان من نظام لآخر فيما يتعلق بقطاع الدفاع والأمن  فهي: صلاحيات غير محدودة كما في السويد التي يمتلك برلمانها الحق في تعديل بنود الموازنة بما فيها البنود المتصلة بقطاعي الأمن والدفاع، وتستطيع البرلمانات تعديل البنود حتى لو تمخض هذا التعديل عن زيادة مبلغ النفقات أو إدخال بنود جديدة على الموازنة؛ أو هي صلاحيات مقيدة كما في سويسرا وإسبانيا التي تستطيع برلماناتها إدخال التعديلات على الموازنة ولكنها لا تملك تعديل المبلغ الكلي المرصود للنفقات فيها؛ بالإضافة إلى الصلاحيات المحدودة كما في بريطانيا وكندا إذ لا تستطيع البرلمانات إلا تقليص النفقات المرصودة في الموازنة؛([1]) وبكل الأحوال من نافل القول أن لهذه اللجان أدوار ما يمارسها وفق القانون والدستور؛ إلا أن الوضع في سورية مختلف كلياً فممارسات حكومة النظام وبرلمانه تزداد وتتقلص إلا في فيما يخص الأجهزة التي تعد دعائم حكمه وعلى رأسها الأمن والدفاع فهي أدوار صفرية بامتياز لا رقابة ولا اشراف ومقترحات ومراجعات بل موافقة وتنفيذ

يعتبر العامل الاقتصادي في سورية أحد الأسباب التي تدفع قسم من الشباب نحو التطوع في السلك العسكري بسبب عدم حاجة المتطوع لقضاء عدة سنوات في الدراسة الجامعية ومن ثم تأدية الخدمة الإلزامية لمدة سنة وثمانية أشهر، ومن ثم البحث عن عمل من أجل تلقي راتب شهري، وبالتالي يعتبر التطوع في المؤسسة العسكرية أقصر الطرق من أجل تلقي راتب شهري ولاحقاً التدرج بالرتب العسكريةً ودرجات الراتب، وخلال السنوات الماضية كان القسم الأعظم من المتطوعين ينتمي للطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد ورموز حكمه.

يعد قانون الخدمة العسكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003 الركيزة الأساسية في عمل المتطوعين من ضباط وصف ضباط وأفراد في المؤسسة العسكرية([2])، حيث تتضمن بعض مواد هذا القانون تحديد رواتب العسكريين بمختلف فئاتهم ورتبهم ودرجاتهم، وعبر السنوات التالية تم زيادة رواتب العسكريين عدد من المرات في الأعوام (2006 – 2008 – 2011 – 2013 – 2015 – 2018 مرتين) إلى جانب إعادة صياغة جدول الرواتب بما يتوافق مع تلك الزيادات التي كانت تتم بشكل عام مع زيادات العاملين المدنيين في الدولة.

ونتيجة للأوضاع الاقتصادية المتردية خلال السنوات الماضية تم إقرار "ولأول مرة في سورية" ما يسمى "بالتعويض المعيشي" بقيمة (4000 -7500) ليرة عبر مراسيم تشريعية صادرة عن بشار الأسد في عامي 2015 و2016 على التوالي.([3])

وفي شهر حزيران من عام 2018 أخذت رواتب العسكريين منحى مختلف حيث تمت زيادة رواتبهم دون بقية العاملين في الدولة بنسبة 30% بعد إضافة التعويض المعيشي ليكون من أساس الراتب المقطوع، وفي نهاية عام 2018 صدرت زيادة أخرى للعسكريين فقط بنسبة 8% بالإضافة إلى مضاعفة راتب الطيران الخاص بالضباط الطيارين لثلاثة أضعاف ما كان عليه في عام 2015، وهو ما شكّل نقلة نوعية في رواتب العسكريين وبات ينظر لهذه الزيادة على أنها مكافأة من قيادة النظام السوري لضباطه وصف ضباطه وأفراده المتطوعين على وقوفهم معه في مواجهة المعارضة المسلحة.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا؛ هل كافأ النظام السوري عسكرييه حقاً أم انه استفاد من اقتصاد الحرب بشكل ما؟ وهنا نحاول الوقوف على كيفية إدارة النظام لاستحقاق الرواتب العسكرية منذ 2003 وحتى الوقت الحاضر، إذ يؤكد المسار الزمني لرواتب العسكريين منذ 2003 وحتى 2019 أن قيمتها لاتزال أقل مما كان يتقاضاه العسكريين بنفس الرتبة والدرجة إذا ما احتُسِبت بسعر صرف الدولار الأمريكي خصوصاً أن الليرة السورية ومنذ عام 2011 وما تلاه شهدت انخفاضاً ملموساً أمام الدولار وباتت الأسواق المحلية في ظل تدهور الليرة تعتمد في حساب قيم السلع والخدمات على الدولار وهو ما انعكس على مستوى المعيشي؛([4]) وهو يدعونا لمقارنة سلسلة الرواتب مقرونة بالدولار والليرة على مدار خمسة عشر عاماً الماضية وعلى سبيل المثال لا الحصر يظهر الجدول التالي سلسلة الراتب للضابط الملازم منذ عام 2003 وحتى عام 2019:([5])

ويظهر الشكل البياني التالي حركة الراتب بالليرة والدولار بشكل متزامن مع سعر الصرف في وقت كل زيادة، إلا أن راتب الملازم بوقت الزيادة الأخيرة بنهاية عام 2018 كان مساو تماماً لما كان عليه بعام 2003 في حين أن قيمته بالوقت الحاضر يساوي 90 دولار وهو أقل مما كان عليه في عام 2003. ويلاحظ في الشكل البياني الثاني أن الخط البياني الخاص بالراتب قد انتظم بحركة تصاعدية بعد إضافة التعويض المعيشي.

 

  ويمكن تعميم ما سبق على راتب العميد من حيث الدرجتين الأولى والخامسة كما يلي:

إلا أن موضوع رواتب العسكريين والزيادات لا تنحصر عند هذا الحد، حيث أن رواتب العسكريين ضمن الرتبة الواحدة تنقسم لدرجات مختلفة بحسب المدة التي يقضيها العسكري بالرتبة، ويتم نقله من درجة إلى درجة أعلى ضمن نفس الرتبة في سلسلة الرواتب كل عامين، فعلى سبيل المثال كانت الزيادة بين درجة وأخرى في عام 2006 تمثل 7 % أما بالوقت الحالي فهي لا تزيد عن 5 % بعد مرور كل هذه السنوات. ويذكر أن قيمة الرواتب بعد الزيادة الأخيرة في عام 2018 بالليرة السورية أصبحت على الشكل التالي([6]):

الضباط:

صف الضباط:

الأفراد:

 

منذ عام 2003 وحتى الوقت الحاضر لا تزال الزيادات على الرواتب في المؤسسة العسكرية تتم عبر إصدار مراسيم تشريعية من بشار الأسد بشكل مباشر بعيداً عن مؤسسات الدولة المدنية، وهو ما خلق شرخاً إضافياً في العلاقات المدنية العسكرية كون أن "رئيس الجمهورية" هو القائد العام للجيش والقوات المسلحة،([7]) ويقوم بإصدار هذه الزيادات بمعزل عن المؤسسات المدينة ليخص بها العسكريين فقط دون غيرهم.

إلا أنه وعلى الرغم من هذه الزيادات المتواصلة فهي زيادة وهمية حيث أن السلة المعيشية قد ارتبطت طرداً مع الدولار وكذلك هو الحال بالنسبة لآجار البيوت الشهرية، حيث بلغت تكاليف معيشة أسرة في نهاية الربع الثالث من عام 2018 وفق مؤشر قاسيون لتكاليف معيشة أسرة في دمشق، مكونة من 5 أشخاص إلى 309 آلاف ليرة سورية،([8]) وهذا الأمر دفع بعض العسكريين بالتوجه نحو أساليب مختلفة للتحصيل المالي، كالارتباط بشبكات الفساد المحلية والتهريب، والمشاركة في عمليات التعفييش من المناطق التي كان يدخلها الجيش السوري منذ عام 2011، وهو ما دفع  البعض أيضاً لتفضيل التطوع في الفيق الخامس المدعوم روسياً على التطوع في مؤسسة النظام العسكرية والتي على الرغم من كافة التضحيات التي قدمتها لصالح نظام الحكم لمنع سقوطه إلا أن هذا النظام لم يؤمن لمن ضحى من أجله أبسط مقومات الحياة الأساسية.

تعد رواتب الجيش مؤشراً بالغ الوضوح لغياب أية أدوار مدنية على عمليات تقدير الرواتب والعلاوات والمكافآت لصالح الاستحواذ المستمر للنظام؛ وأن الزيادات الوهمية ما كانت إلا لتعزيز الولاء؛ فمنذ توريث بشار الأسد للحكم في سورية؛ كان ولا زال يحاول التهرب من أسئلة "الشرعية" واستحقاقات الاصلاح والتنمية البشرية والاقتصادية عبر تقديم حزمة من زيادات الرواتب للعاملين في الدولة  لا سيما العسكريين منهم بشكل خاص ( زيادات وهمية ترافقها دوماً زيادات في الأسعار) في دليل واضح على إفلاسه من أي سياسات تنموية والتي تتطلب تحرير مقدرات الدولة وتغيير الأنماط البرلمانية والاقتصادية وتعزيز الرقابة بكل أنواعها وهو ما سيعجز عنه هذا النظام لصالح إعادة اهتمامه ببناء هياكل وشبكات التحكم الخاصة به.


([1]) لينا أندرسون:" مفاهيم الرقابة المالية في القطاع الأمني والأطراف الرئيسية المشاركة فيها"، منشور صادر عن مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة، 2015، ص 39- 40.

([2]) المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003 المتضمن قانون الخدمة العسكرية، الموقع الالكتروني الرسمي لمجلس الشعب السوري، متوفر على الرابط https://bit.ly/2t8kLyH،

([3])  التعويض المعيشي، المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2015، المرسوم التشريعي رقم 13 لعام 2016، الموقع الالكتروني الرسمي لمجلس الشعب السوري، متوفر على الروابط، https://bit.ly/2tgTfz7 ، https://bit.ly/2BqEYUN

([4]) بلغ سعر الدولار الأمريكي في بداية شهر شباط/ فبراير حوالي 515 ليرة سورية مقابل كل دولار أمريكي.

([5])  تم اعتماد موقع  https://ec.europa.eu/  من أجل حساب الليرة السورية بما يقابلها بالدولار بشهر وسنة كل زيادة في الرواتب

([6]) تفاصيل المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 2018، الموقع الرسمي لوكالة الأنباء السورية "سانا"، متوفر على الرابط https://bit.ly/2WNB41x  

([7]) بشار الأسد ضابط في الجيش السوري منذ ثمانينيات القرن الماضي وهو شخصية عسكرية وليس مدنية

([8]) 309 ألف ليرة تكاليف معيشة أسرة - أيلول 2018، جريدة قاسيون، متوفر على الرابط https://bit.ly/2E8QW6f،

 

التصنيف مقالات الرأي