مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - Displaying items by tag: الرصد الروسي

توطئة

يركز هذا التقرير الذي يغطي مساحة زمنية تمتد لشهرين (تشرين الأول والثاني من عام 2017) على أهم القضايا المطروحة في الوسط الإعلامي والبحثي الروسي، والتي يمكن تقسيمها لعنوانين رئيسيين، الأول: التسويق الإعلامي لفكرة "نجاح روسيا" في إنهاء الصراع في سورية، وما تتطلبه من الدفع باتجاه تعزيز خطوات الحل وفق المخيال الروسي، وتم تناول هذا العنوان في هذا الوسط عبر استعراضهم لما أسموه "إنجازات حميميم"، ومن خلال "الاتهام السياسي" للمحاولات القانونية التي تثبت تورط، وتبيان الدلالات الكامنة وراء استدعاء الأسد وتوضيحات دفعه باتجاه الانخراط بالتسوية السياسية في سوتشي، بالإضافة إلى أنه تم التركيز على ما تبقى من مهددات لتخفيض التصعيد في سورية عبر استعراض هذا الوسط لتجاوزات و"عنصرية" قوات سورية الديمقراطية في دلالة على وضعها كهدف عسكري محتمل للنظام في حال لم تجدي المفاوضات التي تراعها حميميم بين الإدارة الذاتية والنظام.  وتتابع تلك الصحافة تحت هذا المحور في متابعة شؤون إعادة الإعمار في سورية عبر تأكيدها على محددات هذه العملية والمستنبطة من خطب وكلمات بوتين، معتبرة أن هذا الملف تحدياً حكومياً وغير مرتبط بالعملية السياسية، والبدء بتسويق نموذج غروزني كنموذج تدعي موسكو نجاعته.

أما العنوان الثاني فهو مرتبط بطبيعة العلاقات الأمريكية الروسية وحدود الاختلاف والتلاقي، إذ استحوذت القضايا والمتابعات الأمريكية الحيز الأكبر من مساحات العمل ضمن الفعاليات البحثية والإعلامية الروسية، وشكل تحليل السياسة الروسية الإقليمية والدولية الجزء الأوسع من الاهتمام الإعلامي والبحثي، تلك السياسة التي ترمي إلى تخفيف العقوبات الأمريكية والأوروبية وتذليل صعوبات الحسم في الأزمة الأوكرانية، وخلق مسارات بديلة تحسن التموضع الاقتصادي والسياسي الروسي، وفي هذا التقرير أيضاً تتابع الصحافة الروسية تحليل اللقاء الذي جمع ترامب وبوتين في قمة فيتنام وما تضمنته من "استفزازات"، وعرجت العديد من المواقع على ما اسمته تناقضات الإدارة الأمريكية و"أخطائها الكارثية" في دلالة واضحة على عدم توفر منصة التوافق البينية خاصة بعد أن امتدحت هذه الفعاليات وصول ترامب لسدة الحكم، كما أفردت بعض من هذا الصحافة لتسلط الضوء على الرؤية الروسية للنظام العالمي كما تراه إدارة بوتين التي استخدمت الملف السوري لتدعيم هذا التدليل.

تسوية روسية: خشية الورطة أم معطيات الانتصار 

يمكن تقسيم المتابعة الإعلامية والبحثية للشأن السوري خلال مدة الرصد إلى عدة مواضيع اتسمت بتوسيع دائرة الاهتمام في كافة أبعاد المشهد السوري ومآلاته المحتملة، والتي اتفقت معظمها على التدليل على طبيعة التوجه الروسي الذي بدأ بتكوين مسارات مخرجه السياسي من الملف السوري وفقاً لمقاربة قائمة على إعادة تعريف المرجعية الناظمة للعملية السياسية عبر الاستثمار للـ"الإنجازات" العسكرية، والتوظيف السياسي لمسار الأستانة من خلال إعلان مؤتمر سوتشي للحوار السوري.

"إنجازات" حميميم و"تلهف" لإعلان النصر السياسي

لا تزال النشرة الصادرة عن مركز حميميم تركز على ذات المفردات الواردة في التقارير الماضية، محاولة تصدير الإعمال المنجزة دون ذكر المعايير المتبعة في هذه النشرة، إذ يهدف القائمون عليها على تبيان فقط أن هناك "انخراط عملياتي مستمر"، وتكاد تكون معظم التقارير هي نسخ محدثة، انظر الجدول أدناه([1]):

وركز الوسط الإعلامي الروسي على المعارك الدائرة جنوب شرق مدينة دير الزور منوهاً إلى استطاعة قوات "تنظيم الدولة" إيقاف تقدم قوات النظام، وإلى طبيعة "المقاومة العنيفة" في منطقة السبخة في المدينة، كما تم تغطية هجوم الجيش الحر في محافظة حماه تدل اتجاهاته على أنه نحو المحردوة والسقيلبية والزلاقيات([3]).كما اهتمت الوسائل الإعلامية الروسية بالمشهد العسكري في سورية بعد إعادة السيطرة مدينة "البوكمال"، إذ ركزت على أن الحرب التقليدية للصراع السوري قد انتهت، إلا أنه "ستنشط الخلايا النائمة الكفيلة بعودة الحرب بزخم أقوى"، وفي هذا السياق تناول المحلل السياسي فلاديمير موخين مقالاً في صحيفة نيزافيسيمايا، أكد فيه أن تحرير البوكمال لا يعني انتهاء الحرب ولكن من الممكن القول ونتيجة لاستمرار الاشتباكات المتفرقة في أنحاء سورية مع تنظيم الدولة والمجموعات الأخرى أن عودة الحرب الأهلية قائمة وبزخم أقوى، وذلك لمجموعة من الأسباب  صنف أهمها بعدم بدأ عملية "سلام حقيقية" وعدم سحب موسكو لقواتها من سورية وأنه لا يوجد لدى المجتمع الدولي تصور واقعي لعملية السلام في سورية، كما أنه – وعلى لسان الخبير- تعد مناطق خفض التصعيد محدودة وفي معظمها غير فعالة، ولم ينسى الخبير أن يضيف إلى ذلك أن أهداف الدول الراعية بما فيها الولايات المتحدة الأميركية هي أهداف جيوسياسية متباينة وعلى خلاف مع موسكو ودمشق([4]).

إن الثابت الغائب عن حساب تلك الفعاليات هو الملف القانوني لنظام الأسد والذي اكتملت معظم أركان تثبيت الإدانة، لذا فقد تعاطت مع هذا الملف بنظرة سياسية مشككة، فحول تطورات الهجوم الكيميائي على خان شيخون ونتائج تقرير الأمم المتحدة الذي حدد مسؤولية الحكومة السورية عن الهجوم المنفذ في 4/4/2017 بغاز السارين، فيؤكد التعاطي الروسي الرسمي والإعلامي أن أدوات موسكو لدعم النظام ستبقى تشمل كافة الميادين لتغدو تلك الأدوات مثلثاً يصعب تفكيكه، فالتلازم بين الأدوات العسكرية والسياسية والدبلوماسية تلازم عضوي، ولا يخلف أي هوامش للمناورة الإقليمية والدولية، وقد شككت الصحف الروسية في صحة تلك المعلومات (متسقة مع الادعاء الروسي الرسمي في ذلك)، مشيرة إلى اعتراف الولايات المتحدة باستخدام تنظيم الدولة للأسلحة الكيميائية، في دلالة منها على احتمالية عدم قيام النظام بتلك الهجمات، وفي ذات السياق المدلل على نكران الاتهام وتمهيداً للوقوف ضد قرار أممي يحمل النظام المسؤولية، أوردت الصحف الروسية ما ذكره الكاتب سيمور هيرش الذي يشكك في مصداقية الاتهامات الأميركية، مبديةً مدى تطابقه مع النظرة الروسية([5]). ويذكر أن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قد حددت في تقرير خاص نشر على الموقع الشبكي للمنظمة مسؤولية "القوات الجوية السورية"عن استخدام الأسلحة الكيميائية في مدينة خان شيخون السورية إلى القوات الحكومية([6]). ولكن موسكو اعتبرت أن هذا التقرير يزور الحقائق([7]).

الثابت هنا أن الآلة العسكرية وإن حاولت أن تفرض شروطها على القضية، فإن العامل السياسي والاجتماعي سيبقى يفرض نفسه لتأجيج الصراع وعدم استقرار المنطقة، فأدوات المقاومة المحلية لاتزال متعددة ومتجددة، وطالما يتم التعاطي من مداخل أمنية إقليمية ودولية مع تغييب البعد الأمني والسياسي الوطني، فإن اهتزاز الاستقرار المزعوم هو السمة المتوقعة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن إعادة سيطرة النظام العسكرية على كامل الجغرافية السورية خاصة إذا ما قورنت بانسحاب تدعي موسكو بالقيام به، فإن هذه العودة أقرب لأن تكون حالة متخيلة وذلك لسببين رئيسين، الأول: اهتراء البنية العسكرية للنظام، والثاني مرتبط بالتواجد الإيراني الميليشياوي كونه أحد مصادر تأجيج الصراع ولا يتصالح وكذلك النظام( إلا مع الحلول الصفرية). وعليه يمكن الاستنتاج أن كل ما حاولت الآلة العسكرية من صياغته في المشهد العسكري واستثماراته في الميادين السياسية فإنه معرض للانتكاس وبالتالي استمرار فرضية التورط الروسي.

من جهة أخرى، منذ انتقال فعالية القوات الروسية شرق النهر وملامح المزاحمة والحرب الباردة مع الولايات المتحدة باتت أكثر وضوحاً، وتشكل قوات الحماية الشعبية (الكردية) أهم محطات المزاحمة، فمن جهة تريد موسكو تثبيت إطار عودتها السياسية لمظلة الأسد عبر "رعايتها" لمفاوضات ونقاشات مع النظام في حميميم، ومن جهة أخرى أساسية فهي تتعامل مع هذه القوات باعتبارها جسماً وظيفياً وورقة أمريكية تستوجب التعاطي معها "عسكرياً" عبر الانتقال إلى تصديرها "كقوة مارقة يستوجب أن تتعامل معها الحكومة بحزم"، فتحت  عنوان "السلطات السورية لها الحق في شن عمليات عسكرية ضد قوات الحماية الذاتية في شمال البلاد" أوردت الكاتبة انجيليكا ستانيلوفا مقالا في صحيفة بليت اكسبورت تحدثت فيه عن إشكالات هذه القوات مستعرضة عملياتها المتعلقة بالتعبئة القسرية بين المدنيين في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها. والاعتقالات التي رافقتها([8]). كما تم التركيز على نقض خطاب حزب الاتحاد الديمقراطي وعدم أحقية مشروعهم السياسي إذ ذكرت: (إن الأكراد الذين كانوا يمثلون قبل الحرب 9% من السكان يسيطرون الآن على تلث الأراضي السورية عدا عن تواجد أميركي بالقواعد والمقاتلين الذين فاق عددهم 4 آلاف جندي وحوالي 70 منشأة عسكرية مختلفة، وأن غالبية السكان عرب وهم غير راضين عن سيطرة الأكراد على المناصب القيادية في هذه المناطق عدا عن مصادرة ممتلكات السكان العرب والطرد من المنازل والتطهير العرقي مما ينذر بحرب بين الأكراد والعرب في الشمال السوري).

وبذات السياق يعلق الجنرال الروسي يوري نيكاتشيف على ذلك: (أنه بعد القضاء على "المجموعات الإرهابية" لابد لموسكو التي آمن الجميع بما فيهم الخصوم بقدرتها من خلال تواجدها وسمعتها في سورية على قيادة خطة سلام بمشاركة جميع الأطراف الفاعلة). كما علق على ذلك الخبير والمحلل السياسي في معهد الدراسات العربية والإسلامية التابع لجامعة العلوم الروسية بوريس دولغوف بأن ذلك يتم بالتنسيق مع قوات التحالف، مضيفاً: "بلا شك أن ذلك سيؤدي إلى زيادة التوتر ووجود صراع جديد بين الجيش السوري والقوات الكردية  وأن تواجد القوات الكردية في المناطق العربية غير قانوني  ويثير موجة من الإستياء والاحتجاج بين السكان العرب عدا عن ذلك يعمد الأكراد إلى العناصر الكردية في الإدارة المحلية لهذه المناطق مما يزيد في فرص الصراع بين  القوات السورية والأكراد"، وفي الوقت نفسه، لم يستبعد الخبير احتدام الوضع في سورية ليكون وفقا للسيناريو العراقي، عندما حصل القتال بين الجيش العراقي ووحدات البشمركة الكردية من محافظة كركوك([9]).

ويجدر بالذكر هنا أن الصحافة الروسية قد غطت خبر الاتصال الهاتفي ما بين أردوغان وترامب والذي تم فيه طرح فكرة إيقاف المساعدات العسكرية للـ PYD والالتزام بالشراكة الاستراتيجية مع تركيا لتعزيز الاستقرار الإقليمي، وعلقت الصحيفة بأنه "هذا الغباء" كان من المفروض إيقافه منذ زمن وهذا إن دل على شيء فيدل عن فشل السياسة الأميركية([10]).

وفي مقابلة أجراها راديو سبوتنيك الروسي مع صالح مسلم الممثل السابق للحزب الديمقراطي الكردي وبحضور الهام أحمد تحدث فيه عن المصالح الروسية والأميركية في سورية ومعقبا" على تصريحات وليد المعلم حول إمكانية منح الأكراد الحكم الذاتي حيث قال: "إن المصالح الروسية في سورية واضحة أما المصالح الأميركية فهي غامضة وغير معروفة ، مضيفا" أن التدخل الروسي في سورية أحدث فارقاً كبيراً في ميزان القوى ، وأن لنا علاقات مع روسيا قبل التدخل الروسي في سورية ، ونأمل من روسيا أن تلعب دوراً أساسياً في حل القضية السورية بطريقة ديمقراطية ، كما أضاف بأن العلاقات الروسية الكردية تقوم على الاحترام المتبادل ، مشيداً بمحاولة روسيا إشراك ممثلين أكراد في محادثات جنيف، مذكراً  برؤية روسيا إن القضية السورية لا يمكن حلها دون إشراك الأكراد، ومطالباً بتحقيق ذلك على الواقع حيث لم يشارك لا من العرب ولا الأكراد الذين يسكنون شمال سورية في المحادثات التي تخص سورية، وتابع منتقداً تصريحات وليد المعلم بإمكانية منح الأكراد الحكم الذاتي موضحا" ذلك بأنه غير كاف والأفضل مناقشة الموضوع في ظل مشروع فيدرالية ديمقراطية حسب قوله، وأضاف أن الأقليات في سورية العلويون والآشوريون وغيرهم غير راغبون في إقامة دولة تستند على الشريعة الإسلامية وناشد روسيا متابعة الجهود لضم الأكراد لمحادثات جنيف وأستانا([11]).

" التسوية" السياسية و "شرعنة" سوتشي

لعل موسكو ماضية باتجاه تخفيض تكلفة تدخلها السياسي عبر الدفع قدماً باتجاه مؤتمر سوتشي واعتباره نقطة أساس لتسوية سياسية تنهي الأزمة في سورية، وربما المتغير هنا مرتبط بما أفرزه استدعاء الأسد الذي أجمعت وسائل الإعلام الروسية على أن أنه استدعاء مفاجئ، ويحتوي رسائل أبعد من شكر بوتين على المساعدة العسكرية التي قدمتها موسكو لدعم الأسد، وقد قامت المحطة التلفزيونية 1HD بإعداد برنامج لتناول هذا الاستدعاء ومدلولاته، وقد شمل هذا البرنامج الأفكار التالية([12]):

  1. وجهة النظر الروسية الرسمية: استمرار دعم موسكو لبشار الأسد على خلاف ما روجت له بعض وسائل الإعلام من أن موسكو ستتخلى عن الأسد لقاء مصالحها وأضافت بأن بوتين قام بإعلام رؤساء كل من السعودية والأردن ومصر وتركيا منوهة أن تركيا والسعودية وقطر قد عملوا لإسقاط الأسد إلا أنهم أعادوا النظر في مواقفهم بعد التدخل الروسي الإيجابي في سورية.
  2. وجهة النظر الإسرائيلية: عبر السفير الإسرائيلي في موسكو الذي أكد أن حضور بشار الأسد شخصياً إلى موسكو يعني أن الحل السياسي للأزمة السورية قد بدأ يأخذ المسار الجدي، وأضاف أنه لابد أثناء الزيارة من مناقشة مستقبل الأسد بالذات وإلى أي حد يمكن أن يشارك الأسد في العملية السلمية.
  3. وجهة النظر الروسية غير الرسمية، عبر مدير المعهد الألماني الروسي ألكسندر راب الذي قال على الرغم من رمزية الزيارة إلا أنها ستدخل دمشق بشكل جدي في "محادثات السلام" كما أنها الغت العزلة السياسية لبشار الأسد المفروضة عليه بسبب الحرب. أما مدير المعهد الروسي الأوروبي بيتر دوكيفيتش فقال إن زيارة الأسد لروسيا مهمة لبحث أمور جوهرية تتعلق بنظام الحكم الفيدرالي المتوقع ومستقبل الحكومة السورية وحدود هذه الدولة وإلى أي حد يمكن للأسد أن يتماشى مع هذه الطروحات ويعتقد الخبير فيما إذا تمت الإجابة على هذه الأسئلة فستكون الازمة السورية قابلة للحل.

تصدر موسكو طرحها السياسي المتمثل في سوتشي كنقطة أساس لحل الأزمة السورية من جهة، ومن جهة أخرى كعنوان لمشاورات موازية من شأنها هيكلة جديدة للشرق الأوسط، إذ تم عقد اجتماع لقادة روسيا وتركيا وإيران لمناقشة مستقبل سورية. وتم وصف القمة الثلاثية في سوتشي بمؤتمر يالطا التاريخي، ويشير محاورو صحيفة "غازيتا. رو" إلى أنه بالإضافة إلى القضايا السياسية، تم التطرق أيضا إلى العوامل العسكرية ووجود الأكراد في شرق سورية، وعمل مناطق التصعيد، وفى الوقت نفسه، ووفقاً لوسائل الإعلام الغربية فإن الاجتماع هو بمثابة "التكريم" لنشاط فلاديمير بوتين، وقد أشارت الصحيفة إلى عدم مشاركة الجانب الأميركي نظراً لموقفه المتشدد من إيران، إلا أنها أكدت على العمل المشترك لاستقرار الوضع في سورية بعد هزيمة تنظيم الدولة.

وفي هذا الصدد قالت ايلينا سوبولينا الباحثة في معهد الدراسات الاستراتيجية: "أن انعقاد المؤتمر ولقاء بوتين والأسد يعني انتهاء المرحلة الأساسية من الصراع في سورية"، وأضافت الباحثة بأن كل شيء يسير حتى الآن بشكل إيجابي ولكن هذا لا يعني أن الأمور ستسير بسهولة بدون مطبات أم منزلقات سواء على المسار السياسي والعسكري، ومن القضايا الشائكة – برأيها- هي تواجد الأكراد في الشمال السوري وهي قضية قد تحتاج لمفاوضات جديدة لحلها، كما أكد الخبير في شؤون الشرق الأوسط يوري مافاشيف على ضرورة استمرار التعاون التركي الروسي في مناطق خفض التصعيد لمنع تطور أي نشاط "إرهابي محتمل" ويعتقد أن هناك تنسيق روسي تركي لضبط الأوضاع على حدود إدلب وداخلها من قبلهما، وتابع الخبير قوله لا شك أن التفاهمات الممكنة من قبل موسكو وتركيا وطهران هي دائماً موضع شك "إذا لم تلاقي" موافقة من جانب النظام، ولم تقبل أميركا بشروط اللعبة([13]).

وحول العقبات التي تقف أمام الحل السياسي، فقد تحدث الباحث الروسي فلاديمير فيتين من مركز الدراسات الاستراتيجية حول الجهود الروسية لحل الازمة السورية والعقبات التي تقف في هذا الطريق، كمنطقة التصعيد في ادلب الموجودة تحت سيطرة جبهة تحرير الشام، ومصير الأسد غير المرغوب فيه من الدول الغربية وبعض الدول الرئيسية العربية، والمسألة الكردية مع عدم التغاضي عن مشاركتهم في القضاء على تنظيم الدولة، وتأمين المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة وإيصالها الى مستحقيها، ووضع القوات الأخرى المتواجدة على الأرض السورية([14]).

وفي سياق متصل بخيارات "التسوية" للصراع السوري كتب الخبير العسكري ميخائيل خودارينكو في صحيفة غازيتا الروسية حول خيارات تسوية القضية السورية متوقعا" النموذج الأفغاني للحل، من خلال دعم المعارضة وتزويدها بالسلاح والعتاد النوعي وحتى الدعم المباشر للوصول إلى هزيمة روسيا، وبالتالي سقوط نظام بشار الأسد وتشكيل حكومة موالية لواشنطن بالكامل، وتابع الخبير متحدثاً عن هذا السيناريو:" إن أميركا على ما يبدو قطعت الاتصالات الثنائية مع الجانب الروسي بخصوص سورية إذ لم يعد شيء يتم النقاش فيه ويمثل ذلك مأساة للشعب السوري، فهدف الولايات المتحدة الإطاحة ببشار الأسد وتفكيك نظامه ولن تتخلى عنه وستتحالف مع الشيطان في سبيل تحقيقه، وهذا ما ألمح إليه "ارنست" المتحدث باسم الخارجية الأميركية وتعرفه روسيا ذلك جيداً"، كما أن أحد "الأهداف الرئيسية لأميركا هزيمة روسيا في سورية والتي ستكون مقدمة لسقوط بشار الأسد وتشكيل حكومة في دمشق تسيطر عليها أميركا بالكامل".

وكمحاولة لترسيخ خطاب الحرب الباردة في سورية، أشارت الفعاليات الصحفية الروسية إلى تقليص التعاون الأميركي الروسي في سورية إلا في بعض الحالات كاتفاقية الطيران بهدف عدم الوصول إلى حوادث تؤدي لصدام مباشر والذي لا ترغب فيه كلا الدولتين النوويتين. أما عن الولايات المتحدة فتستطيع تحقيق أهدافها بطرق سياسية واقتصادية وعسكرية وقد تكون العقوبات الأميركية الاقتصادية على روسيا إحداها، وفيما يتعلق بالأدوات العسكرية فستسعى أميركا تحقيق ذلك من خلال طرف ثالث وهذا ما حصل إبان الحرب في أفغانستان، وحسب رأي الخبير فإن تسليح المعارضة السورية وتشكيلها وتوفير المساعدات المالية والعسكرية الكبيرة بما فيها مضادات الطيران والدروع والتي ستحد من نشاط الطيران الروسي والسوري وكذلك تحركات القوات البرية على الأرض. وقد أضاف الخبير أن انقطاع الاتصالات بي الدولتين سيستغله المتطرفين لشن هجمات على المصالح الروسية حتى في روسيا نفسها([15]).

إعادة الإعمار: نموذج غروزني 

مع "ترسيم" حدود ما يعرف باسم مناطق خفض التصعيد، تزايدت الدعوات الإقليمية والدولية لعدم ربط ملف إعادة الإعمار بالانتقال السياسي وذلك بحكم ظهور تغييرات في شكل وطبيعة الحل السياسي وتلاشي لحظة الانتقال لصالح تثبيت الاستقرار والتعافي، وبالإضافة إلى عدم جدوى تلك العملية مالم يكن لها إطار سياسي فإنه من الصعب جداً استعادة سورية دون مشاركة كاملة من المجتمع الدولي. ولكن من سيشارك في عملية إعادة الإعمار وما هي آليتها؟ وكيف تراه الفعاليات الإعلامية والبحثية الروسية التي تدرك تماماً أن هذه المهمة يصعب على حلفاء الأسد القيام بها؟

فقد قدر خبراء اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) حجم الأضرار في سورية منذ بدء الحرب ب 327.5 مليار دولار منها 227 مليار خسائر الاقتصاد السوري و100مليار اضرار مادية ووفقا للتقرير فإن اكبر القطاعات المتأثرة هو قطاع الإسكان حيث دمر 30%بما يعادل 30 بليون دولار وفي خدمات الماء والكهرباء وصناعة التعدين 9% والقطاع الزراعي 7%ولا تشمل هذه التقديرات الرقة ودير الزور بسبب استمرار العمليات العسكرية  بينما دعت أميركا  لتخصيص 3 مليار دولار لاستقرار الوضع في المناطق المحررة من تنظيم الدولة  و180 مليون دولار للمساعدات  150 مليون دولار لاستقرار الوضع في الرقة

تطرق بوتين إلى محددات عملية إعادة الإعمار في كثير من خطبه إذ يرى مثل هكذا ملفات هي تحديات حكومية وليست مرتبطة بالعملية السياسية محاولاً تنفيس الأبعاد السياسية والاجتماعية لهكذا عملية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تحاول موسكو أن تعمم نموذج الأستانة (كمسار أمني وعسكري) ليصل الى السياسة كما يطرح الروس عبر (مؤتمر سوتشي) وربطهما بملف الاقتصاد والتنمية وإعادة البناء في مؤتمر يكون امتداداً لتلك المسارات، فقد ربطت إدارة بوتين تلك العملية بأمرين([16]):

  1. التنسيق على مستوى السلطة التشريعية والتنفيذية لتحديد الأولويات.
  2. عقد مؤتمرات دولية لدعم هذه العملية كما في مؤتمر مالطا.

وكان قد حذر كل من وزيري الخارجية الأميركي والبريطاني نهاية العام الماضي من تحويل مدينة حلب الى غروزني مشيرا بذلك الى عاصمة الشيشان التي دمرها الروس أثناء اقتحامها واعتبرتها الأمم المتحدة مدينة منكوبة بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بها. بينما ردت روسيا مدينة غروزني اليوم هي "مدينة سلمية وحديثة ومزدهرة. وهي تشارك بقواتها في حفظ السلام في سورية في مناطق خفض التصعيد، كما تبرع الرئيس الشيشاني ب 4 مليون دولار لإعادة بناء المسجد الأموي في حلب بعد تحويله إلى منطقة عسكرية وتدمير مئذنته "، ومن ضمن "جهود" روسيا – كما تسوقه تلك الفعاليات-لإدراج إعادة الاعمار في سورية في جدول الأعمال في المحافل الدولية والإقليمية، يمكن ذكر الآتي:

  1. رسالة وزير الدفاع الروسي سيرجى شويغو إلى الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لسورية ستيفان دي مستورا، وحثه فيها على ارسال مساعدات الى سورية والمساهمة في "الانتعاش الإنساني".
  2. اعلان وزارة الدفاع أن موسكو تعتزم إرسال 4 آلاف طن من مواد البناء إلى سورية لاستعادة البنية التحتية في المناطق المحررة. وقالت الوزارة "إن الإدارة العسكرية الروسية تقوم حاليا بنقل مواد ومعدات البناء بالسكك الحديدية الى ميناء (نوفو روسيسك) حيث سيتم تسليمها الى سورية عن طريق البحر". وسيتم إرسال أكثر من 40 وحدة من معدات البناء الثقيلة، بما في ذلك الجرافات والحفارات والرافعات، فضلا عن 2،000 طن من الأنابيب المعدنية وغيرها من المواد إلى سورية لاستعادة إمدادات المياه والكهرباء والاتصالات. كما سيتم توفير مواد البناء لإعادة تأهيل المستشفيات والمدارس والمؤسسات العامة الأخرى.
  3. تضمين موسكو في اتفاقيات خفض التصعيد ادخال مواد البناء الى هذه المناطق وتسعى للسيطرة على طرق دير الزور دمشق وطريق حلب اللاذقية عن طريق تقديم الدعم للقوات المحيطة بهذين الطريقين وتسعى لدى السلطات الأردنية لفتح معبر نصيب حيث تنتظر عمان والجيش الحر وفاء دمشق بالتزاماتها المتمثلة بسحب القوات الإيرانية من الجنوب والقبول بالإدارة المحلية في هذه المناطق وكذلك فتح طريق حمص حماه بتضمينه ضمن اتفاق المصالحة، ووضعت موضع التنفيذ الطريق درعا-دمشق-بيروت.

أما عن الدور الإيراني فوضحت تلك الفعاليات أن طهران تسعى من جانبها إلى([17]):

  1. الحفاظ على توريد الغاز لمدينة حلب لتزويدها بالكهرباء.
  2. توقيع مذكرة تفاهم والمتضمنة بناء محطة طاقة بقدرة 540 ميغاواط في محافظة اللاذقية الساحلية.
  3. تشمل الاتفاقيات ترميم وتفعيل مركز التحكم الرئيسي للنظام الكهربائي السوري في دمشق. وتنص الإتفاقيات أيضا على استعادة محطة توليد كهرباء بقدرة 90 ميغاواط في دير الزور
  4. ستشارك الشركات الإيرانية في استعادة النظام الكهربائي في سورية.
  5. اهتمام إيران بتوسيع التعاون في بناء مرافق المياه والصرف الصحي في سورية.
  6. وقعت الحكومة الإيرانية والمنظمات القريبة من الحرس الثوري الإسلامي مذكرات اتفاقات (تسير ببطء) تتعلق بتشغيل شبكة اتصالات متنقلة بهدف تامين الاتصالات للقوات الموالية لها والتي تعمل مع النظام.
  7. قدمت طهران قروضا إلى دمشق بمبلغ 6،6 بليون دولار، منح بليون منها في بداية العام. وقد أنفق نصف هذا المبلغ على تمويل صادرات النفط الخام ومشتقاته.

وفيما يتعلق موقف الدول الغربية تابعت الصحف الروسية ذلك (مستفيدة من المعلومات المتواجدة) وذكرت أن الدول الأوروبية قد خلال سنوات الحرب مساعدات لسوري حوالي 12 مليار دولار الا أن الوضع الآن أصبح مختلفا ولا ترغب في الاستمرار تحت الضغط الروسي بينما ترى هذه الدول بأن المشاركة في إعادة الاعمار مرتبط ببدء عملية الانتقال السياسي وفقاً لتصريح غريت يايلي الممثل البريطاني في سورية وأنه تقديم المساعدة إلى سورية فقط عندما تبدأ عملية انتقالية شاملة حقيقية"، كما أن الاتحاد الأوروبي في نيسان الماضي أعلن عن جاهزيته لتقديم المساعدة على أساس القرار 2254 وإعلان جنيف. وعند البدء بعملية انتقال سياسي حقيقي وشامل وعندها فقط يمكن إعادة النظر في العقوبات المفروضة وتكثيف التعاون مع السلطات الانتقالية وتوفير الأموال اللازمة لدعم إعادة الإعمار كما ظهر هذا التصور في وثيقة لوزير الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي (فيدريكا موغيريني) حيث قال: يرتبط إعادة الإعمار في سورية مع بداية الانتقال السياسي([18]).

كما تطرقت صحيفة “ايزفستيا”، الروسية إلى مسألة إنعاش الاقتصاد السوري ومشكلة النازحين بعد انتهاء الحرب، حيث كتبت الصحيفة: "تعتقد موسكو أن الوقت قد حان لمناقشة مسألتي إعادة إعمار سورية وعودة ملايين النازحين إلى ديارهم"، وترى أن جنيف قد تكون أفضل ساحة لذلك، هذا ما صرّح به للصحيفة مصدر في الدوائر الدبلوماسية الروسيّة، ويقول المصدر بهذا الشأن: “لقد آن الأوان لمناقشة هاتين النقطتين في إطار مفاوضات جنيف إلى جانب المشكلات المتعلقة بمحاربة الإرهاب وتشكيل حكومة انتقالية وصياغة الدستور الجديد وإجراء الانتخابات، ويؤكد كبير الباحثين في مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الاستشراف “بوريس دولغوف”، إن مسألة إعادة إعمار سورية مدرجة في جدول العمل داخل سورية منذ زمن بعيد. لأنها تأتي في المرتبة الثانية من ناحية الأهمية بعد مسألة وقف إطلاق النار، كما أن إلغاء واشنطن وبروكسل وبعض دول المنطقة للعقوبات المفروضة على سورية هو أمر مهم. إذ أنها "تضرّ بالناس البسطاء فقط([19]).

عموماً، الثابت في هذا الصدد أمران، الأول عدم قدرة موسكو على مواجهة هذا الملف سواء منفردة أو مع الحلفاء، لذا تدفع به لأن يكون جهداً دولياً وفق قواعد الحل الروسي، والأمر الثاني أن ملف إعادة الإعمار لا يزال ملفاً سياسياً خاضع للضغوط المشتركة بين المانح (الاتحاد الأوروبي) ومهندس الحل (روسيا الاتحادية).

"عطالة" ترامب و"عقيدة" بوتين

تستحوذ القضايا والمتابعات الأمريكية الحيز الأكبر من مساحات العمل ضمن الفعاليات البحثية والإعلامية الروسية، إذ ترمي السياسة الروسية الإقليمية والدولية بجزئها الأوسع  لتخفيف العقوبات الأمريكية والأوروبية وتذليل صعوبات الحسم في الأزمة الأوكرانية، وخلق مسارات بديلة تحسن التموضع الاقتصادي والسياسي الروسي، وفي هذا التقرير تتابع الصحافة الروسية هذا الاهتمام عبر تحليل اللقاء الذي جمع ترامب وبوتين في قمة فيتنام وما تضمنته من "استفزازات" على حد تعبير الصحافة، وعرجت العديد من المواقع على ما اسمته تناقضات الإدارة الأمريكية و"أخطائها الكارثية" في دلالة واضحة على عدم توفر منصة التوافق البينية بعد خاصة بعد أن امتدحت هذه الفعاليات وصول ترامب لسدة الحكم، كما تفرد جزء من هذا الصحافة لتسلط الضوء على الرؤية الروسية للنظام العالمي كما تراه إدارة بوتين التي استخدمت الملف السوري لتدعيم هذا التدليل.

سياسات أمريكا "الطائشة"

"لماذا الصمت الروسي على الوقاحة الأميركية؟" تحت هذا العنوان كتب لا تشيف سيرغي في صحيفة "تسارغراد"، وذكر أنه   على الرغم من الوقاحة الأميركية في إحباط اللقاء بين بوتين وترامب حسب تعبير الصحيفة فإن الرئيسين تبادلا تعابير المجاملة والمديح على عجل وتقول الصحيفة أن ترامب كان مضطرا" للرد وسط حاشيته ووجود رؤساء دول آخرين كما أن بوتين صرح بأنه تحدث مع بوتين بما يجب الحديث فيه بينما لاحظ الجميع أن اللقاء كان على عجل ولم يتعد المصافحة. ولكن بسكوف المتحدث باسم الكرملين وفي لقاء مع الصحفيين روى تفاصيل ما حدث بقوله: من المؤكد أن الاجتماع بين بوتين وترامب لم يتم بسبب عدم مرونة خدمة البروتوكول في الجانب الأميركي وتابع لقد حاولنا الاتفاق على اجتماع منفصل دون أن يقدم الجانب الأميركي اية خيارات بديلة.

ولكن اليكسي بوشكوف رئيس لجنة المعلومات الدبلوماسية كان أكثر صراحة حيث قال معروف في المفاهيم الديبلوماسية فإن الظروف الصعبة لعقد اجتماع تعني الاستعداد لإلغائه والإدارة الأميركية افشلت الاجتماع لأنها لا تريد أن يتم وهذا هو الواقع.

وتضيف الصحيفة أن المحادثات تمت "بطريقة بربرية" وأُحبطت بشكل فظيع، مما يؤكد رغبة البعض في الإدارة الأميركية بقيادة حرب ضد روسيا، واستغرب البعض غض بوتين الطرف عن هذه الوقاحة بحيث لم يبد أي ردة فعل إزاء "الإذلال الأميركي" وإنما صافح ترامب وأطرى عليه كما تمكن لافروف على الرغم من غضبه من التحدث مع نظيره الأميركي ([20]).

من جهة أخرى وفيما يرتبط بعقوبات أميركية جديدة ضد روسيا، ففي مؤتمر صحفي أعلنت المتحدثة باسم البيت الابيض عن جملة من العقوبات الأميركية الجديدة ضد روسيا، وقد علق الكسندر بوبايف رئيس برنامج روسيا في آسيا والمحيط الهادي في مركز كارينغي على ذلك، ومما جاء في هذا التعليق: "في العودة إلى قانون العقوبات المسمى قانون معاقبة أعداء روسيا بالعقوبات، وماذا فعل في الاقتصاد الروسي؟ فسوف نجد أن لا شيء تغير من بداية وحتى نهاية أيلول، فجميع حسابات البنوك الشخصية والعامة تسير كما كانت، ويفسر ذلك أن الجانب الروسي درس بعناية فائقة قانون العقوبات والتعليمات التنفيذية المتضمنة كيفية التنفيذ فلم يجدوا ما يستوجب القلق، لأنه لا توجد تعليمات واضحة عن كيفية التنفيذ ، ولدى التواصل مع المشرعين ومساعديهم الذين وضعوا المشروع وعن آلية تنفيذه أشاروا إلى عدم وضوح القانون وأساليب تنفيذه ، أما ما يجري وراء الأبواب المغلقة فإن القانون وضع بهذه الصيغة حرصاً على مصالح حلفاء الولايات المتحدة المتضررين من القانون، كما أنه صدر في ظل الفوضى المسيطرة على الكونغرس ومصيره كمصير كثير من المبادرات والمشاريع المقترحة، وتريث الإدارة الأميركية في كتابة المراسيم التنفيذية من أجل عدم إغضاب الكونغرس وبالتالي إحراج الحلفاء، وأن اتخاذ إجراءات قاسية ضد روسيا قد تلقى إجابة شديدة، لذلك على المسؤولين والمصرفيين الروس الانتظار طويلا" أو الذهاب لقضاء اجازاتهم وبمعنى آخر المراسيم قد لا تصدر نهائياً"([21]).

من جانبها موسكو، صرحت على لسان وزير المالية الروسي للصحفيين عن قدرة الميزانية الروسية في تسديد التزاماتها في حال تشديد العقوبات المفروضة، لأن لديها الموارد الداخلية اللازمة، وأضاف أن المستثمرين يتسائلون كيف ستتعامل روسيا مع توسيع العقوبات ولم يكن الموضوع مقلقاً للمستثمرين، كما أوضح أنه لم يناقش نظيره الأميركي في هذا الموضوع  ولا مع المستثمرين، لأن الموضوع غير مقلق لهم، ويرى وزير المالية أن تشديد العقوبات ستكون ضد الأميركان أنفسهم وضد المستثمرين اللذين يتعاملون مع الأوراق المالية الروسية بثقة ويحققون أرباح جراء ذلك لذلك يرى الكثيرون أن تشديد العقوبات هي بمثابة حرب على روسيا ([22]).

بالأساس تشكل "تقييمات الإدارة الأمريكية" الجانب الأكثر استحواذاً من اهتمامات الصحافة ومراكز البحث الروسي، ففي تعليقه على تصريحات ومخاوف رئيس لجنة العلاقات الدولية مجلس الشيوخ الاميركي الجمهوري حول "سياسات ترامب الطائشة" تجاه القضايا الدولية والتي قد تؤدي إلى صراع دولي خطير، أكد الخبير في معهد الدراسات الأوروبية الأطلسية كونستانتين بلوخين أنه يجب فهم ترامب نفسه فقد أطلق منذ فترة وما زال يطلق التصريحات ضد كوريا الشمالية ولكنه لم يفعل شيئاً، وحقيقة ترامب وفريقه أنهم يطلقون تصريحات متناقضة حول القضايا الآنية كالملف النووي الإيراني والقضية الكورية([23]).

كما أكد فلاديمير بروتر من معهد البحوث الانسانية والسياسية أنه لم يعد يخفى على أحد الأطوار الغريبة لدونالد ترامب وتصريحاته النارية فقد فاجأ الجمهور والعالم بتصريحه الأخير (الهدوء الذي يسبق العاصفة) في اجتماع لكبار المسؤولين وأسرهم، في إشارة لكارثة محتملة، وقد اجتمع بعدها مع كل من وزير الدفاع جيمس ماتيس ورئيس الأركان ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، أعقبه تصريحات ضد كوريا الشمالية وإيران، وهنا يؤكد بلوخين أن القيادة الأميركية ارتكبت أربعة اخطاء وهي:

  1. مقارنة انتصارها السهل على الجيش العراقي في عاصفة الصحراء بإمكانية انتصارها على الصين.
  2. تحويل روسيا من حليف أيديولوجي في التسعينات أيام القطب الواحد إلى عدو من خلال خطوات معادية لروسيا منها توسيع حلف شمال الاطلسي على حساب دول الاتحاد السوفييتي السابق، وكذلك تقطيع أوصال يوغوسلافيا، ودعم الثورات الملونة في الاتحاد السوفييتي السابق.
  3. سوء تقدير الولايات المتحدة الاميركية فبدلا" من احتواء روسيا والصين تم الذهاب إلى العراق وأفغانستان، وإضاعة 6 تريليون دولار، والأجدى إنفاقها على زيادة قدرات الجيش الأميركي، وما زلوا عالقين في المستنقع الافغاني والعراقي.
  4. أي حراك عسكري ضد كوريا الشمالية لأن في ذلك تهديد خطير للأمن والسلام في العالم وكذلك تدمير للاقتصاد العالمي وهذه الحركة المحتملة بالتالي سيضع حدا" للهيمنة الاميركية على العالم.

وفي هذا السياق لا يعتقد الخبير القيام بعمل عسكري مباشر ضد إيران وإنما سيعمد ترامب إلى تحريض حلفائه في المنطقة كالسعودية وإسرائيل ويضغط على روسيا بالتخلي عن دعم إيران، ويتابع الخبير قوله بأن شعبيته قد انخفضت لحد 40% وقد يفكر بشيء ما قبل وصولها إلى النقطة الحرجة الذي أجبرت نيكسون على الاستقالة في عام 1974 حيث وصلت إلى 27% ولذلك سيشد ترامب الأنظار إليه كبطلاً وفائزاً. وقد يدخله ذلك في ورطة مع الصين وروسيا الداعمين الفعليين لكوريا الشمالية وإيران حيث يرى المحللون الأميركيون أنه بدونهما لما كانت إيران وكوريا، وبالتالي قد تكون العاصفة ضربة لهؤلاء، ومع ذلك فيصعب التنبؤ بما سيفعله ترامب لأن هو نفسه أحجية يصعب حلها على حد تعبير الخبير.

وفيما يتعلق بملف النووي الإيراني، يعتقد خبير المعهد الدولي للبحوث الانسانية والسياسية فلاديمير بورتيرا بأن قراراً بإلغاء الاتفاق النووي قد اتخذ في البيت الأبيض، أما بخصوص كوريا الشمالية فلطالما لم يفعل ترامب شيئاً حتى الآن، فإنه لن يفعل شيء بعد ذلك. أما ما هو رد فعل إيران على إلغاء الاتفاقية؟ فقد تكمن الإجابة -وفقاً للخبير على تصريحات ترامب، ولكن فإن "مراجعة الاتفاق النووي مع إيران غباء سياسي كبير جداً"([24]).

"طموح" بوتين لنظام عالمي جديد

تناولت مراكز الدراسات الروسية النظرة الروسية لمستقبل النظام العالمي والعلاقات الدولية من خلال كلمة الرئيس بوتين في ملتقى منتدى الأعمال الدولي (فالاداي) التي حددت أفق المستقبل ولعدة سنوات، واستعرضت مقارنة كلمته مع تلك التي ألقاها في مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية في عام 2007. في الواقع هنا وهناك مواضيع مشتركة، عدا المشاعر المعادية للولايات المتحدة والمعادية للغرب، إلا أن هذه الأمور المشتركة تبحث عن وسائل للتغلب على أزمة النظام العالمي الحالي وبناء نموذج عالمي أكثر عدلاً، ومن الأفكار التي تبلورت خلال العشر السنوات الماضية عدم قبول عالم بقطب واحد لا بل استحالته، وتظهر ضرورة تحسين نظام الأمن الدولي بما فيها حق روسيا الثابت القيام بسياسة خارجية ومحلية مستقلة مع الحفاظ على الأمم المتحدة كمؤسسة تكفل التنمية السلمية والمستقرة في العالم. مع الحاجة الملحة لإصلاح المنظمة الدولية.

 كما عكست كلمة بوتين واقع الأزمات العالمية وخاصة بما يتعلق بالظلم وازدواجية المعايير في حل المشاكل الدولية وضرورة إيجاد مفهوم جديد لإدارة الأزمات الدولية من خلال إعطاء بعض المفاهيم معانيها الحقيقية كالعدالة والقيم الأخلاقية وكرامة الإنسان والعدالة التي استخدمت للهيمنة الجيوسياسية، كما أوضح بوتين أن الإحساس بالظلم يدفع الناس إلى التطرف ومن هنا يصبح الكفاح ضد الظلم والتطرف من أولويات المجتمع الدولي، لذلك تعتبر كلمة بوتين نداء لكل دولة لفعل ما يمكن فعله للقضاء على الفقر والظلم، ويرى بوتين أنه من أجل إيجاد نظام إدارة عالمي جديد يجب مشاركة دول العالم بأسره دون الاقتصار على مجموعات على أن تضم ممثلي القارات المختلفة بما فيها من التقاليد الأخلاقية والثقافية والنظم السياسة والاقتصادية المختلفة([25]).

وفي المقابل، كشف الرئيس منظار روسيا لمستقبل النظام العالمي ونظام الحكم العالمي. وبالتالي ينبغي للأمم المتحدة ومبادئها الأساسية أن تظل وتبقى مركز النظام الدولي، والمهمة العالمية هي تعزيز سلطة وفعالية المنظمة. وفي الوقت نفسه، تحتاج الأمم المتحدة إلى إصلاح، ولكنها يجب أن تسلك طريقا تطوريا وأن تحظى بدعم معظم البلدان. وأشار رئيس الدولة إلى حرمة حق النقض في مجلس الأمن كآلية لتجنب اشتباك مباشر بين أقوى القوى. كما ربط الرئيس آفاق التنمية المستدامة بالتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يكتسب أهمية سياسية عالمية في العالم. وفي هذا الصدد، أشار فلاديمير بوتين إلى ترابط التغيرات في العلاقات الدولية مع التطور العلمي والتكنولوجي. ودعا المجتمع الدولي لمحاولة معا ليس فقط لتشكيل نظام عالمي مستقر، ولكن أيضا للرد على التحديات التكنولوجية والبيئية والمناخية والإنسانية التي تواجه البشرية. كما ذكر بوتين في خطابه بأنه في عالم اليوم، المكاسب الاستراتيجية مستحيلة على حساب الآخرين". وأعطى مثالا" يحتذى حل الأزمة السورية القائم على المدخل الروسي المتمثل باحترام الشركاء وآرائهم لا على أسس مدمرة كما ارتأت بعض البلدان، وبصفة عامة، افترض رئيس الدولة أن روسيا على استعداد على الصعيد العالمي للمشاركة في إنشاء بنية جديدة لإدارة العلوم والطبيعة والفضاء ودعا جميع الأطراف المهتمة إلى التعاون في هذا الشأن. وبالإضافة إلى تحديد "نقاط النمو" الرئيسية للتهيئة الدولية للمستقبل([26]).

 طرح بوتين أيضا عدداً من المبادرات السياسية الملموسة. وعلى سبيل المثال، تقوم كتلة الشعوب السورية (كما أطلق عليها ولاقت استياء من الشعب السوري حيث اعتبرها البعض مقدمات للتقسيم) بإجراء تسوية ما بعد الصراع في البلاد. أو حول آفاق نزع السلاح النووي، التي دعا إليها الرئيس الروسي، ولكن في المستقبل البعيد، بربطها بتطوير تكنولوجيات جديدة للأسلحة غير النووية. ويعتبر وفقاً للصحافة الروسية أن هذا الخطاب هو نداء للساسة الغربيين بأن موسكو ماضية في جهودها لإقامة نظام عالمي جديد.

عموماً ومما لا شك فيه فإن شخصية وعقيدة بوتين هي المحور الرئيس لصياغة السياسات والطموحات العامة الروسية، فقد استطاع إحياء الطموح السوفياتي بحلة جديدة ويواجه كافة الصعوبات التي تعترض هذا الطموح بأدوات مصرة على حركته باتجاه المركز في النظام العالمي، ومما يؤكد ترسخ هذه العقيدة عند المواطنين الروس فقد أجرى خبراء  مختبر البحوث السياسية القادمة استطلاعاً لطلاب الجامعات حول الانتخابات الرئاسية المقبلة وشملت 6000طالب من 109 معهد وجامعة فكانت من مختلف الشرائح الدارسة منهم من يدرس على نفقة الدولة 73% وآخرين على نفقتهم الخاصة 27% والبعض بنظام المنح 32%وآخرون ممن يجمعون بين العمل والدراسة 20%وكانت نتائج الاستطلاع كما يلي : (47.1% لصالح بوتين؛ 5.8% جيرنوفسكي  وزير الدفاع سيرغي شويغ؛ 4.8% ورئيس الوزراء ميدفيدف؛ 2.4%  رئيس الحزب الشيوعي الروسي غينادي زوغانوف؛ 2.1% وأقل نتيجة حصل عليها رئيس حزب روسيا العادلة؛ 0.8% ورئيس حزب يابلاكا، اضف إلى ذلك فان 15.4% لم يعطوا اجابات محددة و12% لن يذهبوا إلى الانتخابات، واشار نائب رئيس المركز روتيسلاف توروفسكي إلى ثقة الطلاب بشخصية بوتين وثقته بنفسه وحبه لوطنه ويؤيدون سياسته الخارجية ولكن يبدون اهتماما اكثر في السياسة الداخلية وضرورة حل مشاكل البلاد الداخلية وعدم اهتمامهم بالمعارضة([27]).

الخاتمة

الثابت في هذا التقرير أن ادعاءات النصر الروسي في سورية تتناسى أن الآلة العسكرية وإن حاولت أن تفرض شروطها على القضية فإن العامل السياسي والاجتماعي سيبقى عاملاً أساس لتأجيج الصراع وعدم استقرار المنطقة، فأدوات المقاومة المحلية لاتزال متعددة ومتجددة، وطالما يتم التعاطي من مداخل أمنية إقليمية ودولية مع تغييب البعد الأمني والسياسي الوطني، فإن اهتزاز الاستقرار المزعوم هو السمة المتوقعة، هذا من جهة، من جهة أخرى فإن إعادة سيطرة النظام العسكرية على كامل الجغرافية السورية خاصة إذا ما قورنت بانسحاب تدعي موسكو بالقيام به، فإن هذه العودة أقرب لأن تكون حالة متخيلة وذلك لسببين رئيسين الأول اهتراء البنية العسكرية للنظام، والثاني مرتبط بالتواجد الإيراني الميليشياوي كونه أحد مصادر تأجيج الصراع ولا يتصالح وكذلك النظام( إلا مع الحلول الصفرية). وعليه يمكن الاستنتاج أن كل ما حاولت الآلة العسكرية من صياغته في المشهد العسكري واستثماراته في الميادين السياسية فإنه معرض للانتكاس وبالتالي استمرار فرضية التورط الروسي. وحتى فيما يتعلق بملف إعادة الإعمار فإنه عدم قدرة موسكو على مواجهة هذا الملف سواء منفردة أو مع الحلفاء، تفرض نفسها على السلوك الدبلوماسي الروسي، لذا تدفع به لأن يكون جهداً دولياً وفق قواعد الحل الروسي، محاولة تصدير كملف وتحديات حكومية ما دون السياسي إلا أنه لا يزال ملفاً سياسياً خاضع للضغوط المشتركة بين المانح (الاتحاد الأوروبي) ومهندس الحل (روسيا الاتحادية).

ورغم محاولة موسكو تصدير نموذج تدخلها في سورية "كحالة نجاح" في وجه تخبط الإدارة الامريكية التي تصفها الصحف والمراكز البحثية الروسية "بالطائشة"، أو كنموذج يعكس طبيعة السياسة الإقليمية والدولية لإدارة بوتين وفهمها للنظام العالمي، إلا أن هذه المحاولة وإن بدت في المرحلة الراهنة "واقعية"، إلا أنها دلالة على محاولة استثمار فقط وأن أي اتفاق سينتج سيوف لن يختلف عن معظم اتفاقات وتسويات المنطقة، وأن الحالة السياسية والعسكرية فيما بعد الاتفاق ستبقى هشة وغير مستدامة.


([1]) تقرير مركز المصالحة في حميميم تاريخ 26.10.2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/fx2gcR

([2]) تم تصفية 31 قياديا" من داعش كما أصيب الجولاني بجروح بالغة على حد تعبير مركز حميميم.

([3]) بقلم سيرغي جوكوف معارك ضارية في دير الزور ولم تتمكن القوات الحكومية من اختراق تحصينات التنظيم بالإضافة لهجوم جديد للجيش الحر في محافظة حماه، صحيفة نيو الفورم 27.10.2017، https://goo.gl/uojX1K     

([4]) فلاديمير موخين: "في سوريا تنشط الخلايا النائمة وقد تعود الحرب الاهلية بزخم أقوى"، صحيفة نيزافيسيمايا، تاريخ10/11/2017، الرابط https://goo.gl/4v9jHp

([5])  ميخائيل اوشاستوف:" ماذا وراء اتهام دمشق؟"، صحيفة لينتا. رو، تاريخ 4/7/2017، الرابط: https://goo.gl/Fy7bDJ

([6])  "استخدمت القوات الجوية السورية السارين في خان شيخون، مما أسفر عن مقتل أكثر من 80 شخصا"، معظمهم من النساء والأطفال. كما أصابت الضربة الجوية المؤسسات الطبية القريبة. وأدى هذا إلى انخفاض خطير في قدرتها على تقديم المساعدة لضحايا الهجوم الكيميائي، مما أدى إلى زيادة في عدد الضحايا المدنيين

([7])  اتهام الامم المتحدة دمشق بالهجوم الكيماوي في خان شيخون، صحيفة لينتا. رو، تاريخ 6/9/2017، الرابط: https://goo.gl/8sw9fu

([8]) انجيليكا ستانيلوفا: "السلطات السورية لها الحق في شن عمليات عسكرية ضد قوات الحماية الذاتية"، صحيفة بليت اكسبورت، تاريخ 10/11/2017، الرابط: https://goo.gl/bMnGXm

([9]) فلاديمير موخين: " مشكلة الشمال السوري الذي تسيطر عليه القوات الكردية بدعم أميركي"، صحيفة تنزافيسسمايا، تاريخ 10/11/2017، الرابط: https://goo.gl/vVQxra

([10])  بولينا دوخانوفا:"إيقاف المساعدات العسكرية للpyd"، روسيا اليوم، تاريخ 25/11/2017، الرابط: https://goo.gl/CtfErd

([11]) مقابلة راديو سبوتنيك مع صالح مسلم بحضور الهام أحمد، بتاريخ 13/10/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/bxP29b

 ([12]) تقرير محطة تلفزيونية 1HDروسية حول زيارة الأسد، تاريخ 21/11/2017، الرابط: https://goo.gl/7ZtFyL  

([13]اماليا زاتاري:" مصير سوريا يحدد في سوتشي وفيها تبدأ مشاورات حول هيكلية جديدة للشرق الأوسط " صحيفة غازيتا 22/11/2017، الرابط: https://goo.gl/et6B1J

([14]) فلاديمير فيتين:" عقبات امام الحل السياسي"، مركز الدراسات الاستراتيجية 23/11/2017، الرابط: https://riss.ru/events/45663/

([15])  المرجع نفسه

([16])  ايليا غاتيكويف:" إعادة إعمار سوريا والدور الروسي"، صحيفة ايزفستيا، 25/10/2017، الرابط: https://goo.gl/qJaTvN

([17]) المرجع نفسه.

([18]) وقف الدول الغربية من إعادة الاعمار في سوريا، موقع انسومي .رو نقلاً عن الشرق الأوسط، 19/9/2017، الرابط:  https://goo.gl/vTuC4n

([19]) إنعاش الاقتصاد السوري ومشكلة النازحين بعد انتهاء الحرب، موقع الحقائق السورية 11/6/2017، الرابط: https://goo.gl/nxTZj1

([20])  لا تشيف سيرغي: "لماذا الصمت الروسي على الوقاحة الأميركية؟" صحيفة "تسارغراد، تاريخ: 14/11/2017، الرابط: https://goo.gl/MAEdbr

([21])   إلكسندر روبايف:" بعقوبات اميركية جديدة ضد روسيا"، مركز كارينغي 6/10/2017، الرابط: https://goo.gl/t2eV4J

([22]) تقريرالكسي داننيتشيف، روسيا اليوم وكالة الانباء الوطنية 14/10/2017 ، الرابط: https://goo.gl/cQetN9   

([23])  كونستانتين بلوخين:" سياسات ترامب الطائشة"، سفابودنيا بيرس/ 11/10/2017، الرابط: https://goo.gl/BBH89f

([24])  للمزيد انظر تعليق كونستانتين بلوخين من معهد الدراسات الاوربية الأطلسية، وفلاديمير بروتر من معهد البحوث، الانسانية والسياسية، سفابودنيا بريس 9/10/2017 https://goo.gl/Mf2jp2

([25])  تامارا كوزينكوفا  و يفغيني بيريوكوف: " النظرة الروسية لمستقبل النظام العالمي والعلاقات الدولية"، معهد الدراسات الاستراتيجية، 23/10/2017 ، الرابط: https://goo.gl/tRvtuY

([26]) المرجع نفسه.

([27])  انغلينا غالانينا :" جيل بوتين يحدد موقفه في الانتخابات الرئاسية القادمة "،صحيفة ايزفيستيا 13 /10/2017 ، https://goo.gl/kJd1QW

التصنيف تقارير خاصة

بينما الحذر السياسي والعسكري يسيطر على الموقف في سورية بانتظار تبلور قرارات يتمخض عنها بدايات حل سياسي، وفي ظل تفاوت الآراء والمواقف حول ماهية وجوهر هذا الحل مع سعي الجانب الروسي بلورة حل سياسي وفق شروطه الجيوسياسية. تتابع الفعاليات الإعلامية والبحثية اهتمامها بالمشهد السوري وتداعياته الإقليمية والدولية، إذ ركزت خلال الشهر المنصرم العلاقات الروسية الإيرانية أوجه التوافق أوجه الخلاف والعلاقات الروسية التركية وما آلت اليه، بالإضافة لدواعي ودوافع التقارب الإيراني التركي، كما تركز الاهتمام على المشهد العسكري ومآلاته بعد انتهاء الجولة السادسة من محادثات الأستانة، كما اهتمت تلك الفعاليات على تفاعلات المشهد الكردي سواء "استفتاء استقلال" إقليم كردستان العراق أو تسليط الضوء على القوات الكردية وتبيان طبيعة مشروعها ومدى خطورته على الدولة السورية، وهذا ما سيقف هذا التقرير عند تلك القضايا مبيناً وجهة نظر المحللين والباحثين الروس حيالها بالإضافة إلى استعراض بعض قضايا الشأن الداخلي الروسي.

طبيعة العلاقات بين الضامنين الثلاث

فيما يتعلق بطبيعة العلاقة الإيرانية الروسية في سورية، فقد حاورت صحيفة "سفابودنايا بريس" بتاريخ 2/8/2017، رئيس مركز البحوث الإسلامية في معهد التطوير المبتكر الخبير "كيريللا سيمينوف" وتحت عنوان "الحلفاء في سورية يتباعدون... إيران تحاول أن تجر روسيا للحرب دون أن تنجح" حلل فيه الخبير طبيعة العلاقات بين الضامنين الثلاث وفق اتفاق موسكو ومدى اتساقها مع التصريحات الروسية الرسمية، وأهم النقاط التي تضمنتها هذا المحاورة([1]):

  • إن التصريحات الروسية لا تعكس حقيقة ما يجري على الأرض، فالتوافق الروسي الإيراني إنما هو على المواقف التكتيكية فهناك خلاف أكيد على المواقف الاستراتيجية.
  • إن مشاركة طهران لمحادثات الأستانة ما هي إلا تظاهرٌ بالدعم للمفاوضات بينما فعلياً هي تدفع باتجاه تسخين مناطق جديدة بعيد تسكين لمناطق معينة كما حصل مؤخرا" في البادية السورية.
  • تتعمد طهران إثارة الخلافات الأميركية الروسية. وبدا ذلك جلياً عندما تم الاتفاق مع أميركا على منطقة تخفيض التوتر في الجنوب وتضمين الاتفاق إبعاد الميليشيات الشيعية 40 كم عن الحدود الأردنية الإسرائيلية، وكذلك في المفاوضات مع جيش الإسلام في مصر برعاية روسية وبدء التنفيذ على الأرض، إذ شعرت إيران وكأنها المستهدفة من وراء ذلك ففي دمشق تتمركز كثير من ميليشياتها وكذلك الحرس الثوري، تعتبر دمشق من مناطق نفوذها.
  • إن انتشار الشرطة العسكرية الروسية في شرق حلب وتعاونها مع الأهالي لا يروق لإيران التي لا تترك فرصة لهيمنة ميليشياتها التي تحمل العقيدة الخمينية.
  • إن أهداف إيران في سورية ومحاولتها تشييع أبناء المنطقة لا تساعد على إحلال السلام في منطقة تقطنها غالبية سنية.
  • لكي تستطيع موسكو دفع مبادراتها لإنهاء الحرب الأهلية في سورية فلا بد لها من اتباع سياسة متوازنة بعيدة عن رغبات إيران وكذلك نظام بشار الأسد والمساهمة في بدء العملية السياسية.
  • إن موسكو التي أخذت على عاتقها تحقيق السلام في سورية تسعى لعدم تحويلها لمستعمرة إيرانية تعمل طهران من خلالها إلى تشييع سكانها وإذكاء النعرات الدينية والطائفية، والتحكم بما بقي من الجيش السوري والانخراط بالتشكيلات التي انشأها الروس كالفيلق الخامس وإدخال فيه ميليشيا تابعة لها كحزب الله.
  • لم تظهر الخلافات الإيرانية الروسية للعلن، رغم تعطيل طهران النظام السوري لمفاوضات أستانا رغبة منهما في إبرام صفقات إفرادية أو كسب المزيد من الأراضي من خلال الادعاء بمحاربة الجماعات المتطرفة فيما يلوم العالم روسيا لعدم مقدرتها على ضبط حلفائها. وفي هذا السياق نوه الخبير إلى أنه لا بد لتركيا وروسيا من اتخاذ الإجراءات السريعة لضبط الوضع في إدلب حيث تتواجد مجموعات متطرفة وإلا ستكون ذريعة للنظام وإيران بشن هجوم عل إدلب بذريعة القضاء على المتطرفين هناك.
  • إن إيران لا ترى إلا الحل العسكري وتحقيق الانتصار على المعارضة وتطلب من موسكو تقديم الدعم، بينما تسعى موسكو إلى التوصل إلى حل سياسي سلمي للصراع سيؤدي فشله إلى وقوع ضحايا جديدة.

أما فيما يرتبط بالعلاقات الروسية التركية وما آلت اليه، تحت عنوان "هل يمكن لتركيا بيع روسيا ثانية؟ "ذكرت صحيفة "سفابودنايا برس" بقلم "زاور كاراييف" 20/8/2017 أنه << في الآونة الأخيرة وبعد تحول العالم من القطبية الواحدة الأميركية إلى متعدد القطبيات، بدأت تتغير المعطيات، فعلى سبيل المثال تركيا التي لعبت دورا" هاما" في القضية السورية بتعاونها مع روسيا وإيران ولعبت هذا الدور من خارج التحالف الدولي بعد حادث اسقاط الطائرة الروسية وتسوية الوضع وحقق هذا التعاون نوعاً من الاستقرار، وقادت تركيا بعدها عملية درع الفرات غير ملتفةً للانتقادات الغربية لها وحققت أهدافها بمنع اتحاد حزب العمال الكردستاني مع باقي الميليشيات الكردية وهو الأهم بالنسبة لتركيا>>.

 وبهدف استطلاع العلاقة التركية الروسية أجرت الصحيفة حوارا" مع الخبير التركي "كيرام يلدريم" الذي ذكر أن تركيا تفضل الآن العمل مع روسيا وإيران في إشارة واضحة لأميركا بأنها تستطيع الابتعاد عنها، لأنه وفقاً للخبير فالأمريكان يبدو من تصرفاتهم قادرين على العرقلة والتعطيل أكثر من فعل شيء على الأرض من أجل السلام على الأقل في هذا الوقت وبالتالي فهذه العلاقة تحوي رسائل "ابتزاز" لأميركا. واستطرد الخبير قائلاً: "لا شك فإن أميركا وحلفائها يحققون انتصارات سريعة على التنظيم والواقع أظهر أن تنظيم الدولة ما هم إلا مجموعات لا تجيد القتال بقدر اجادتهم للقتل فهم غير مقاتلين وليسوا مسلمين، وأردوغان يعي الموقف الأميركي هذا، لذلك فانه يحضر للعمل ضد حزب العمال الكردستاني مستقبلا" -الخطر الأكبر على تركيا-وهو يعلم جيداً أن أميركا لن تدير ظهرها لتركيا، عندما يصبح الخيار تركيا أو الأكراد، فستختار تركيا بالتأكيد"([2]).

بالمقابل وفيما يتعلق بالتقارب الإيراني التركي بين موقع "بلاكستونبيت الإلكتروني" أن زيارة محمد باقري -رئيس للأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية-الذي زار تركيا منذ الثورة الإسلامية عام 1979سيجعلها دون شك زيارة فريدة ومهمة. وبالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من الجوانب التي تعزز الطابع التاريخي لهذه الزيارة. والتي نتج عنها مجموعة من المواقف الجديدة والهامة لتطوير العلاقة بين البلدين وتتلخص هذه المواقف بوقوف البلدين ضد تقسيم العراق في إشارة للاستفتاء إقليم كردستان العراق في 25/9/2017، وركزت الصحيفة على تصريح رئيس مجلس الامن القومي التركي السابق "كيلينتش" الذي اعتبر أن الزيارة ضربة لحلف الأطلسي كما أنها تُعد معلماً هاماً في السياسة المحلية التركية والدبلوماسية الإقليمية في إيران. وإذا عملت تركيا وإيران معاً، فإنه يمكن فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة وتجري هذه الزيارة في ظل التغيرات الجذرية التي تشهدها تركيا من تقربها من الصين وروسيا وابتعادها عن الرياض وأبو ظبي وواشنطن وبروكسل كما نوقش الوضع السوري أيضا" وخاصة في إدلب حيث ناقش رؤساء الأركان في الدول الثلاث الاتراك والروس والإيرانيون آخر التطورات في سورية وخاصة تلك المعلومات([3])، كما ركزت صحيفة بارتس توداي الروسية على إشادة باقري بالزيارة ونتائجها لا سيما تطابق في وجهات النظر حول محاربة الإرهاب وخاصة تنظيم الدولة وكذلك الأوضاع في العراق والوقوف ضد الآثار السلبية لتواجد قوة عظمى في المنطقة([4]).

من جهة أخرى فقد تزايدت التحاليل المتعلقة بصفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 وآثارها على تركيا، فقد ركزت الفعاليات الإعلامية الروسية على ردة الفعل الأمريكي مستعرضة رسالة النائب الأميركي بين كاردين الموجهة إلى الرئيس ترامب يطالب فيها بفرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة الدفاع الجوي s 400 ويطالب بتطبيق قانون العقوبات عليها باعتبار أن تركيا تشجع الصناعات العسكرية الروسية، وقد أوضح السيناتور أنه في هذا الوقت الحرج الذي تحتاج فيه أميركا لجمع حلفائها تعمد تركيا إلى التحالف مع روسيا وأضاف بأن نص قانون العقوبات يقضي بالتطبيق التلقائي للعقوبات ضد أنقرة لدعمها التصنيع العسكري الروسي، ويتوقع ايغور غاكشوف في صحيفة روسيا اليوم أنه في حال تطبيق مثل هذه العقوبات سيؤدي إلى نقل القواعد العسكرية الأميركية إلى دول أخرى . ويذكر ايغور أنه وفي نفس السياق وفي أيلول تم فتح تحقيق أميركي ضد وزير الاقتصاد التركي السابق ظفر كاجلايان المتهم بإجراء اتفاقات سرية مع إيران مخالفاً قانون العقوبات ضدها وهكذا تشمل تركيا قانوني عقوبات. بينما في أنقرة ترتفع أصوات حول العلاقة مع أميركا حيث أعرب أردوغان عن سروره بتطوير التقنية الخاصة بالعربات العسكرية التي لم يتمكن تركيا من الحصول عليها من أميركا، كما تعتبر تركيا قضية الوزير التركي موجهة ضدها وإن كان وزيراً سابقاً وتابع أردوغان لقد جن الناتو من شرائنا المنظومة من روسيا وخاطبهم ماذا تريدون أن نفعل هل ننتظركم يجب أن نهتم بأنفسنا؟

وقد أشار نائب رئيس مركز التقنيات اليكسي ماركا ركين إلى خيبة أمل أردوغان من السياسة الأميركية حيث كانت التوقعات أعلى من ذلك بكثير إذ كانت تربط تركيا بمستشار الأمن القومي مايكل فيلين علاقة متميزة، وتوقع أردوغان أن يكون له دور في تغيير السياسة الأميركية بما يخص الأكراد ولكن لا شيء حدث من هذا القبيل إضافة لترك فيلين لموقعه في البيت الأبيض، ويذكر ماركا انه تاريخياً يرتبط الجيش التركي ارتباطاً وثيقاً بالولايات المتحدة وبالناتو إلا أن فشل الانقلاب عام 2016 أعطى أردوغان حرية المناورة السياسية وأصبح تأثير جنرالات الجيش أقل، لذلك عمد إلى طلب الدعم التقني من روسيا. وعلق الخبير "فياتشسلاف شليكوف" بوصف العلاقة التركية الحالية بالناتو بأنها تمرد والأكثر جرأة هو شراء منظومة الدفاع الجوي وفاجأت الجميع. كما علق المستشرق "سيمون بغداساروف" قائلا": بالعودة إلى تصريحات أردوغان حول اميركا والناتو لا نعتقد انها ستذهب بعيدا ويمكن اعتبارها في سياق الابتزاز والتسخين إرضاء لأولئك الراغبين من الخروج من حلف الأطلسي وهم موجودون بكثرة حاليا "([5]).

تطورات المشهد السياسي والعسكري في سورية

تركز الاهتمام الإعلامي والبحثي الروسي فيما يتعلق بالمشهد السياسي والعسكري على ثلاثة قضايا رئيسية الأولى سياسية وترتبط بمحادثات الأستانة وآثارها على الملف السوري من جهة وعلى تموضع موسكو السياسي من جهة ثانية، والثانية عسكرية متصلة بمعارك دحر الإرهاب في دير الزور، والثالثة عسكرية أمنية فرضها هجوم بعض الفصائل المسلحة على جبهات النظام في ريف حماه الشمالي وما تضمنته من غايات أمنية.

محادثات الآستانة والتسيّد الروسي

في مقالته "ماذا فعلت روسيا في سورية بحيث لم تعد أميركا دولة عظمى" المنشورة في صحيفة كمسامولسكايا الروسية بتاريخ 16/9/2017 والتي استعرض من خلالها هذه النتيجة كمحصلة لاتفاقات الأستانة، ذكر الكاتب "ألكسندر بوبكو" أن العالم بدأ يعرف ان سياسة روسيا في الشرق الأوسط أكثر فعالية من سياسة واشنطن في العراق وأفغانستان. واستدل على تلك النتيجة من خلال استعراضه لـ “اعترافات" العديد من الصحافة الغربية ومنها صحيفة لو فيغاور الفرنسية بنجاعة العمليات العسكرية الروسية بالمقارنة مع الأميركية في أفغانستان والعراق وهذا ما أكده "ايغور كورتشينكو" -المحرر الرئيس في مجلة الدفاع الوطني عضو المجلس الاجتماعي في وزارة الدفاع الروسية-وقد فند الكاتب النتائج المتحصلة من محادثات أستانة الآتي([6]):

  • اعتبارها أكثر واقعية وفاعلية من محادثات جنيف إذ استطاعت فصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفين، ودمج المقاتلين في العملية السياسية على أساس القرارات الدولية، وتحول القادة الميدانيين من مقاتلين في البزة العسكرية إلى مفاوضين باللباس المدني.
  • انتاج مناطق خفض التصعيد التي يمكن للحياة الطبيعية العودة إليها، وأصبح الجو مهيأً لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتهاء الحرب.
  • اعتراف وسائل إعلامية دولية بكون محطة استانا كانت اختراق خطير للدول الراعية لعملية السلام.
  • الغياب (ولأول مرة) الحديث عن دور للولايات المتحدة إذ أن وجودها كمراقب لا يليق بمكانتها الدولية، وبدورها لا تستطيع الاعتراض على القرارات كون المتفاوضين لديهم تفويض من الأمم المتحدة.
  • اعتراف أغلب المحللين السياسيين بالدور الروسي في سورية والذي كان أكثر فاعلية من التدخل الأميركي، واستطاع خلق أجواء إيجابية في اتفاق إدلب لا يمكن اخفاؤها واعتبرت استانا نقطة حاسمة في مصير سورية.

ومن جهته أوضح الكاتب "روبرت فرانتسيف" في صحيفة "فيسترو" بتاريخ 16/9/2017 أن أميركا قدمت تنازلات للصين وروسيا حتى استطاعت فرض هيمنتها على العراق وحل الجيش العراقي وحاولت دعم الثورات في أوكرانيا وجورجيا وسورية وفرضت عقوبات على كوريا الشمالية وكل ذلك يعني فقدان اميركا لمكانتها الدولية، وفيما يتعلق بالأستانة أكد الكاتب على الآتي([7]):

  • وضعت جولة الأستانة الأخيرة حدود مناطق خفض التصعيد الأربع على الخارطة ولم يبق سوى المسائل التقنية.
  • لم تعد مسألة مشاركة المعارضة المسلحة قابلة للنقاش، خاصة بعد النجاحات الأخيرة للجيش السوري وروسيا وأصبحت مشاركتها حتمية وبدون شروط مسبقة منها، والزي الميداني الذي يرتديه ممثل المعارضة ما هو إلا مظهر تهديد وهمي.
  • إن الحدود التي رسمت لمناطق خفض التصعيد هي حدود مؤقتة – وفق تصريحات ألكسندر لافيرنتييف ممثل الرئيس الروسي للمفاوضات -ولا تعني أي تقسيم لسورية في المستقبل.
  • وضوح الخطوط الفاصلة بين المعارضة المسلحة والإرهابيين ولم تعد تظهر فيها الرايات السوداء.

وختم روبرت مقالته قائلاً: "وما تم في أستانة في بضعة أشهر، يحتاج لبضع سنوات في الأمم المتحدة، مع الإشارة أن الخطوط التي وضعت في أستانة ليست لسورية فقط وإنما للعالم كما يتضح أيضاً أن جميع الأزمات العالمية يمكن حلها بطريق المفاوضات وليس عن طريق الهيمنة"([8]).

على الرغم من أن محادثات الآستانة قد أحدثت تبديلاً واضحاً في عناصر العملية السياسية، إذ استطاع الروس ومن خلال فكرة الضامنين أن يهندسوا أطر هذه العملية عبر اتفاقات أمنية عسكرية تفضي لخفض التصعيد، إلا أن حركية الفواعل الدولية والإقليمية ليست على تناغم متطابق مع الفاعل الروسي، سواء في الجبهة الجنوبية أو في معارك البادية وترتيبات ما قبل تحرير الرقة ودير الزور وما بعدهما أو حتى في جبهات أخرى كإدلب وريف حماه، حيث سيشكل ظهور أي متغير جديد انتكاسة واضحة لهذا المسار هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأن الاستنزاف الحاد في بنى النظام تجعله فاقداً لعنصر المبادرة الاستراتيجية ويهدد دفاعاته العسكرية والأمنية، مما يجعل فكرة "استدامة نصره" غير قائمة، كل هذه العوامل بالإضافة إلى عوامل تتعلق بالجوهر الحقيقي للقضية السورية يجعل هذا المسار مساراً قلقاً قابلاً للتدهور على عكس ما تحاول وسائل الإعلام الروسي تأكيده.

معركة ريف حماه وهشاشة دفاعات النظام

أما فيما يتعلق بالتطورات العسكرية فقد نشرت وزارة الدفاع الروسية في 20/9/2017 تقريراً لقائد العمليات العسكرية الروسية في سورية حول الأحداث الأخيرة في منطقة إدلب، اعتمد مبادئ التهويل والتضخيم الإعلامي في الأرقام وأكد في ذات الوقت –استدلالاً- على هشاشة دفاعات قوات النظام المتمركزة في تلك المناطق وعدم استطاعتها على الحفاظ على "المكتسبات العسكرية " المتأتية من التدخل العسكري الروسي، وهو أمر يعزز من مقاربة تزمين التدخل العسكري للقوات الروسية في حال عدم نجاح خططها السياسية في تسكين الجبهات وهذا ما يعمق الكلف السياسية لتدخلها، إذ جاء في هذا البيان:

شنت بعض الفصائل الموقعة على اتفاقية وقف العمليات القتالية مع "جبهة النصرة" في 19/9/2017 هجوماً على "القوات الحكومية" على نطاق واسع في الشمال والشمال الشرقي من مدينة حماه في منطقة خفض التصعيد بإدلب، ومدعماً بمدرعات وبتمهيد ناري مدفعي كثيف، وخلال يوم تمكن "المسلحون" من اختراق دفاعات القوات الحكومية بعمق 12 كم وبجبهة 20 كم، ووفقا للتقارير فإن الهجوم تم بإيعاز من المخابرات المركزية الأميركية لعرقلة تحرير دير الزور، إذ أنه كان من مهام الهجوم أسر 29 جندياً من مفرزة الشرطة العسكرية الروسية التي تراقب وقف النار في المنطقة. وبعدها قام قائد المجموعة العملياتية في سورية بتشكيل مجموعة فك الحصار وقوامها القوات الروسية الخاصة والشرطة العسكرية التي يعمل فيها عسكريون من شمال القوقاز وبمشاركة القوات الخاصة السورية وترأس المجموعة اللواء شولياك فيكتور فاسيلييفيتش نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة، وشارك في الهجوم زوج من طائرات سو-25، ومن ارتفاعات منخفضة تم قصف "الإرهابيين" ومدرعاتهم وتم كسر الحصار.

وأشار التقرير إلى أنه: "أثناء العملية تم جرح ثلاث جنود، وتم قتل 850 "إرهابياً و11 دبابة 4 BMB، وتدمير 187 هدفاً مع 6 رشاشات و20 عربة شحن و38 مستودع ذخيرة وبالاستفادة من الضربات النارية قامت وحدات الانزال من الفيلق الخامس بالتحول إلى الهجوم المعاكس واستعادة النقاط كافة ومازالت العمليات مستمرة([9]).

كما نشرت وزارة الدفاع الروسية مجموعة من الأخبار الإعلامية والمذكرات، أهمها قيام الغواصة (فيليكي نوفوكورد) التابعة لأسطول البحر الأبيض المتوسط بإطلاق صواريخها (كاليبر) من وضعيتها تحت الماء وقصفت مراكز تجمع الإرهابيين المشاركين في محاولة أسر الجنود الروس مع العتاد المدرع غطت الصواريخ مساحة 300كم. ولقد كان للضربات المفاجئة أثر كبير في إحداث تدمير مقرات السيطرة وقواعد التدريب ومدرعات الإرهابيين([10]). كما توقعت الأركان العامة الروسية أن تقوم قوات سورية الديمقراطية، وبدعم من الولايات المتحدة، بمنع تحرير دير الزور، وقد أطلق مسلحون من هذه القوات النار على مواقع الجيش السوري عدة مرات. وبهذا الصدد أصدرت وزارة الدفاع الروسية مذكرة احتجاج "شديدة اللهجة" وأبلغتها لقيادة القوات المسلحة الأمريكية في قطر. وكما قال قائد العمليات الروسية في سورية إيغور كوناشينكو، إنه إذا تم القصف من مرة أخرى، فسيتم التعامل معها بوسائل التدمير المناسبة([11]).

معارك دير الزور وأطروحات أمريكية حول تقاسم النفوذ

 وفيما يتعلق بمعارك دير الزور فإن الصحف الروسية تتحدث عن مقترح أميركي لتقاسم مناطق النفوذ في دير الزور إذ عرضت الولايات المتحدة الامريكية حسب هذه التقارير عقد اجتماع لمناقشة مستقبل مدينة دير الزور، ووفقا لوكالة نوفوستي فقد اعد الجانب الروسي ردا" على ذلك([12]). ومن جهتها نقلت وكالة تاس الروسية تصرح الجنرال جيفري هاريجان قائد القوات الجوية الأميركية في الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا قائلا نحن لسنا في حالة حرب مع الروس ولا مع السوريين إلا أننا في حالة حرب مع تنظيم الدولة وأضاف أن روسيا وأميركا تعتزمان مواصلة عقد اجتماعات لكبار ضباطهما لمنع وقوع حوادث مختلفة بسبب سوء الفهم أحيانا([13]).

وتعقيباً على هذه أحداث دير الزور بيّن نائب مدير معهد الدراسات الاستراتيجية ديمتري ايغورشينكو أن الهجوم على دير الزور سار بوتيرة سريعة، بحيث فقدت الولايات المتحدة المبادرة الاستراتيجية ولهذا يحاولون استعادتها بكل الوسائل ولذلك يمكن ربط الاحداث الأخيرة في دير الزور ومحافظة حماه في سلسلة واحدة، ومن هنا يمكن تفسير هدف هجوم حماه بأسر جنود روس بحيث يمكن استغلال هذه الحادثة ضد روسيا([14]).

وفي الفترة الزمنية بين 8 و12 أيلول 2017 في منطقة تواجد مسلحي تنظيم الدولة وبحسب وزارة الدفاع الروسية، لوحظ تواجد أعداد كبيرة من عربات الهمر الأميركية المدرعة التي تستخدم من قبل الجيش الأميركي، وبتدقيق بالصور يلاحظ أن القوات الخاصة الأميركية متواجدة في نقاط الاستناد المجهزة مسبقا من قبل تنظيم الدولة مع بيان انه لم يلاحظ حول هذه النقاط آثار لعمليات اقتحام أو اشتباكات أو نتائج قصف جوي لقوات التحالف الدولي. "النص مترجم من الروسية كما ورد في تقرير وزارة الدفاع الروسية"، للمزيد انظر الشكل أدناه الصادر عن وزارة الدفاع الروسي:

والجدير بالذكر فيما يرتبط بالشأن العسكري هو خبر إقالة الجنرال قائد القوى الجوية الروسية، إذ ذكرت على سبيل المثال البوابة القانونية للأخبار على أنه أمر رئاسي وقد تضمن الأمر أيضا إقالة نائب قائد أسطول البحر الأسود الأدميرال "فاليري كوديكوف" الذي عين أيضا نائبا في البرلمان الروسي وإقالة مدير الأمن الداخلي في منطقة سارا توف جنرال شرطة سيرغي أربينا. أما صحيفة كاسباروف. رو أفادت بأن قائد القوى الجوية المقال سيصبح نائبا عن منطقة "كيروفسكي" في البرلمان الروسي وتم توقيع أمره من قبل قائد منطقة "كيروفسكي" بتاريخ 19/9/2017 وسيتم انتخابه يوم الأربعاء 27/9 كرئيس لجنة الدفاع والأمن في المجلس بعد أن أصبح نائباً، أما صحيفة "ميرتيسن" وصحيفة "ارغومينتي وفاكتي" فقالت أنه سيتم تعيين قائد المجموعة العملياتية في سورية الجنرال "سيرغي سورونيكن" قائدا للقوى الجوية الروسية بدلا" من باندارييف، وفي نفس الوقت تجري إقلات بين المحافظين كما سمتها إحدى الصحف بحملة تنظيف، كما اعفي رئيس هيئة مكافحة الفساد أيضاً.

عموماً: إن تركيز الفعاليات الإعلامية على الدور الأمريكي في عمليات ريف حماه الأخيرة ومحاولتها تقليل أعباء فقدانها للمبادرة الاستراتيجية في دير الزور، يدلل على تنامي المؤشرات التالية:

  1. عدم الاستكانة الأمريكية للهندسة السياسية والعسكرية الروسية من جهة، وتطويعها في تحقيق مكتسباتها في معارك تنظيم الدولة من جهة أخرى.
  2. ارتفاع مؤشرات التعارض الأمني الأمريكي الروسي، فالاتهام الروسي الصريح للولايات المتحدة الامريكية بمحاولة أسر جنود روس إنما تعتبره "استفزاز لموسكو وكشف حقيقي عن نوايا واشنطن التعطيلية".
  3. احتمالية زيادة نوعية التدخل الروسي شرق النهر، وازياد احتمالية ضربها لحلفاء واشنطن في تلك المنطقة لاسيما قوات سورية الديمقراطية.

الشأن الكردي الإقليمي والمحلي

انصب الاهتمام الإعلامي الروسي فيما يتعلق بالشأن الكردي على قضية استفتاء كردستان العراق إذ يلمح مؤشرات الرفض العام لهذا الاستفتاء، وعلى إشكالية القوات الكردية في الشمال السوري، وفي حين يبدو الأول طبيعياً بحكم أنه تطور غاية في الأهمية في تفاعلات منطقة الشرق الأوسط، فإن الاهتمام بالثاني وتسليط الضوء على "خطورتها" فإن تطور مهم في العلاقة الروسية مع حزب الاتحاد الديمقراطي ويدلل على تنامي اتجاه العلاقة نحو التوتر والاضطراب.

استفتاء يهدد الاستقرار الهش

فيما يتعلق بالاستفتاء في كردستان العراق فقد ردّ الخبير "أيغور بوروكوف" أسباب الاستفتاء المزمع أجراؤه في كردستان العراق لأسباب داخلية، كالناحية الاقتصادية وما تسببته انخفاض أسعار النفط والنفقات على تداعيات اقتصادية لوحدات البشمركة. إضافة لنواحي سياسية عدة أهمها يتعلق بطموح البرزاني، إذ يرغب مسعود البرزاني أن يبقى في ذاكرة الاكراد كرجل قاد شعبه إلى الاستقلال.

 كما تطرق الخبير إلى احتمالية منع الاستفتاء من قبل الجيش العراقي فاستبعد الفكرة كون الجيش خارج لتوه من معركة الموصل منهكاً، حيث تكبد خلالها خسائر كبيرة ولم يعد بقوته السابقة، بالإضافة إلى ذلك فلديهم عدو مشترك للجيش والأكراد وهو "جيش النقشبندية" وهم ثاني أكبر قوة في تنظيم الدولة والذي أسسه ضباط عراقيين سابقين في الجيش والأمن الذين فقدوا مصدر رزقهم بعد حل الجيش العراقي من قبل أميركا بعد دخولهم العراق على حد تحليل الخبير، ويضيف الخبير إمكانية زعزعة الاستقرار الهش في المنطقة بسبب الاستفتاء كون العراق متعدد العرقيات والطوائف حيث يتواجد الآشوريون والكلدانيون واليزيديون وهؤلاء يحتاجون إلى دولة واحدة تصون حقوقهم فماذا لو رغب كل منهم الاستقلال فسيتم تفتيت البلاد واقتتالها واراقة الدماء.

يتابع الخبير: لا شك أن هناك كثير من المؤيدين في الولايات المتحدة لإعادة رسم حدود الشرق الأوسط وهم المحافظون الجدد وهم ليسوا بعيدين عن الأفكار المتطرفة، وهم لا يؤيدون استقلال كردستان العراق لكنهم يريدون وبالقوة إقامة حكم ذاتي لهم في سورية الذين يتمتعون الآن بحكم ذاتي ضمن كنتوناتهم وهذا سؤال هام ويخص كثير من الدول. ويتساءل الخبير أنه "إذا ما اعتمد مبدأ زرع الديمقراطية في القوة كما في العراق وأفغانستان سيؤدي بالفعل إلى ظهور بؤر للإرهاب، وماذا لو تعرضت مساحات أخرى في الشرق الأوسط للتوزيع فمن الصعب التنبؤ بما سيحدث"([15]).

وفي سياق الحديث عن الاستفتاء في كردستان العراق تحدث الخبير التركي مدير معهد الطاقة والسياسة في أنقرة "فولكان اوزدمير" للوكالة الوطنية الروسية للأنباء РИА قائلا": << يتعرض الاستفتاء لمزيد من الضغوط الخارجية من جانب إيران والجامعة العربية وتركيا مضيفاً>>، وأضاف أن << المحكمة العراقية العليا اتخذت قرار بإيقاف الاستفتاء. وستعلن تركيا عن الإجراءات التي ستتخذها بعد اجتماع مجلس الأمن القومي ومجلس الوزراء في 22/9/2017>>، وحسب رأي الخبير فإن الورقة الأقوى في يد تركيا حيث تستطيع إيقاف ضخ النفط من كركوك مما يجعل أحلام اكراد العراق تذهب هباء وتعتقد تركيا بان الطرفين سيتوصلان إلى حل بتأجيل الاستفتاء، ويشرح الخبير تعاقدات حكومة كردستان مع الشركات النفطية ومنها جينيل وشركة الطاقة التركية وغيرها، لكنه شرح مستفيضا عن عقدها المبرم مع شركة(روسنفت) الروسية الموقع في حزيران عام 2017 لمد خط أنابيب عبر تركيا والذي سيبدأ العمل بالضخ المحلي في عام 2019 وللتصدير في عام 2020، ويرى الخبير ان مسعود البرزاني يسعى من وراء هذه الصفقة الحصول على دعم الروس للاستفتاء واعتقد الخبير أنه إذا ما قررت تركيا إيقاف ضخ النفط كركوك عبر أراضيها ستضطر حكومة البرزاني لتأجيل الاستفتاء([16]).

"القوات الكردية" خطر وتهديد على الدولة

برسالة واضحة، أكدت بعض الفعاليات الإعلامية الروسية على أن :"القوات الكردية في دير الزور لا تختلف كثيرا عن تنظيم الدولة وتشكل تهديداً جديداً، إذ أكد الباحث الرئيسي في مركز الأبحاث العربية والإسلامية التابع لمعهد الاستشراق "بوريس دولغوف" أن: << "قوات الحكومة السورية" وخلال فترة طويلة تعمل على تحرير مدينة دير الزور بالتعاون مع الروس، وقد بدأ الأكراد عملياتهم في المحافظة بدعم أميركي دون التنسيق مع القوات السورية وترافق ذلك مع اشتباكات لهم مع المواطنين العرب السنة، وهذا ما يذكر بعملياتهم المتعلقة بالتطهير العرقي أكثر من كونها تحرير مدينة محتلة. فعمليات الأكراد في هذه المحافظة ضد العرب السنة تعمق وتعقد الوضع في هذه المحافظة ولا بد أن يؤثر ذلك على عمليات الجيش السوري المدعوم من القوات الجوية الروسية، ولا شك ومن المنطقي أن سياسة الاكراد هذه في قتالهم تلقى مباركة من الولايات المتحدة الأميركية، ورغم أن هذه القوات لعبت دوراً ما في قتال تنظيم الدولة إلا أن أفعالها الحالية لا تختلف كثيرا عما يفعله تنظيم الدولة>>.([17])

من جهتها ذكرت المحررة "أفرورا زوريتا" في صحيفة "سفابودنايا" أن: << كل أفعال القوات الكردية في الشمال السوري توحي بإصرارهم على إقامة حكمهم الذاتي، فالقوات الكردية التي لم تنه عملها في الرقة بعد اتجهت إلى دير الزور عندما لاحظت تقدم القوات السورية باتجاه منابع النفط التي تعتبرها موردا" لدولتهم في حين أنها ضرورية لإعادة إعمار سورية المدمرة ، والملاحظ ان القوات الكردية تتعامل بوحشية ظاهرة مع السكان المحليين يشبه إلى حد بعيد تعامل إرهابيي تنظيم الدولة، عدا عن ذلك فقد عانى أكثر من 180000 من اللاجئين في الرقة من ظروف قاسية أثناء العمليات واستخدام القوات لأسلحة محرمة دولياً مثل الفسفور الأبيض وفق تصريح منظمة الصحة العالمية>>([18]).

وفي هذا السياق تحدث الخبير العسكري فلاديمير ايفيسييف نائب مدير معهد دول رابطة الدول المستقلة بقوله: على خلفية الانتصار على تنظيم الدولة سيتحول الأكراد تدريجيا" إلى القوة الوحيدة التي تشكل تهديدا" حقيقيا" وخطيرا" لسلامة سورية، مضيفاً أن << الأكراد حددوا في الخريف موعدا لسلسلة انتخابات لمستويات حكمهم الذاتي بعيداً عن دمشق>>، ويتابع الخبير قوله: يلاحظ اهتمام أميركا في الأكراد في هذه المنطقة وإقامة 13 قاعدة عسكرية لهم على الأراضي التي ستقام عليه دولتهم ويذكرنا ذلك بالسيناريو الأمريكي في العراق وإقامة كردستان العراق الذي أدى إلى تقسيم العراق، علما" أن الحكومة السورية طلبت التنسيق مع الجيش السوري في أية عمليات أو مناورات تجري على الأرض السورية على خلاف ما تقوم به القوات الكردية حاليا في دير الزور([19]).

حنين للسوفياتية بحكم الظلم والفقر

في مقالة مليئة بالسخط على الواقع المحلي الروسي افتتحت الكاتبة "مارغريتا ايفانتوفا" مقالتها في صحيفة "سفابودنايا برس" تاريخ 27/8/2017: << على الرغم من أن قسما" كبيرا" من الشعب الروسي كان يؤمن بالأفكار الليبرالية التي حملها يلتسن إلا أنه أصبح الآن أكثر حنينا" إلى الفترة السوفييتية ليس إيمانا بالأفكار الشيوعية بقدر إحساسه بالظلم الواقع عليه من حكومته التي لم تقدم له أي شيء>>، وتقوم الكاتبة بسرد بعض الأمثلة على سبيل المثال وليس الحصر:

  • المتقاعدين: فالمعاشات التقاعدية لا تسمح لهم حتى عيش الكفاف ولولا مساعدة ذويهم وبعض مدخراتهم لأصبحوا بالويل.
  • الخدمات الاجتماعية: على الرغم من وجود بعض الإصلاحات التي أدخلت في مجال التعليم والصحة فإنه بدون مال لا تستطيع الحصول عليها وبالمقارنة مع خدمات الطب والتعليم في دول أخرى حتى مع الاتحاد السوفييتي السابق فقد تدهورت كثيرا".
  • عدم وجود خطة واضحة لتنمية الإنتاج فقد تحولت روسيا من دولة صناعية كبرى إلى دولة تهتم بالصناعات الزراعية ومواد الخام في غضون ربع قرن.

وتذكر الكاتبة أن ما يميز المرحلة الحالية هو خوف المواطن من الأيام القادمة، وهذا نابع من حالة الظلم المنتشرة في بلادنا، فإطلاق النار صار عادياً في وسط موسكو، سرقة الملايين بدون حساب، حوادث السيارات التي تودي بحياة المواطنين بدون رادع، والأهم من ذلك أن فئة قليلة تجني الأرباح الطائلة من الأنشطة المصرفية وبيع المواد الخام في الخارج والعيش في النعيم في حين يرزح بقية الشعب في الفقر، وتتابع الكاتبة قولها (ساخرة): << أحيانا توجد فرص العمل ولكن بشرط ألا تمرض لأنه إذا مرضت فستحتاج لبيع كل ما تملك للمعالجة. هذا ما يجعلنا نفكر بأن شيئا خطأ حصل في البلاد حيث حفنة من البشر تعيش وتبصق على الباقي>>.

من هنا –ووفقاً للكاتبة -جاء قول إن الحياة في الحقبة السوفييتية أفضل في كل المعايير، وأن الحنين طبع انساني، إلا أنه تأصل وأخذ بعداً جديداً هذه الأيام. وتختم الكاتبة قائلة: << بالتأكيد نحن غير قادرين على إعادة الاتحاد السوفييتي إلا أننا نريد أن نعيش في وطن يشعر فيه المواطن بثقته في مستقبله، هذا الطلب يتزايد يومأ" بعد يوم طبعا" ينشد في هذا الوطن دولة العدالة والنمو المستمر. بينما الدولة منشغلة الآن بالبحث عن خطة استراتيجية لإعادة انتخاب بوتين>>. وتتساءل: <<كيف يمكن أن نثق بالعدالة عندما تقوم شركة (روسا) بإرسال عمالها إلى منجم (مير) لاستخراج الماس وهو يفتقد لأدنى ظروف الأمان، حيث غمرته المياه وفقد ثمانية من العمال دون حساب، والشركة تحقق الأرباح الطائلة هل هي هذه العدالة؟ إنها غير موجودة ولم يبق لدينا قول للمواطن إلا (انتظر وعود السماء) بعد أن أدرك الجميع أن الانتخابات لن تقدم شيئا" للوطن والمواطن طالما الحكومة باقية>>([20]).

الخاتمة

تشير الأوساط الإعلامية والبحثية الروسية إلى الآستانة كإنجاز مهم، ورغم تجمع الحلفاء في سورية على بعض الأهداف المشتركة المعلنة وكثير من الأهداف المتناقضة غير المعلنة، فقد بيّن رصد بعض وسائل الإعلام وتحليل بعض الخبراء أن هناك توافق روسي إيراني على مواقف تكتيكية متعلقة بمناطق خفض التصعيد والحفاظ على المؤسسات في سورية وتفرق بينهم قضايا استراتيجية هامة وكلا الطرفين مضطر للتعامل مع الطرف الآخر للوصول إلى أهدافه، فروسيا -وفق هذا الرصد - تحاول إقامة دولة مؤسسات علمانية والحد من النفوذ الإيراني الذي يسعى إلى بسط سيطرته على القرار السياسي السوري مع محاولة الحد من طموحها بخرق وقف اطلاق النار إلى أن تحين ساعة القرار بينما تضطر تركيا للتعامل مع كل من إيران وروسيا لتحقيق هدفها الأهم وهو منع إقامة الحكم الكردي على حدودها، وتنظر بنفس الوقت بعين الأمل لواشنطن لتغيير موقفها من تسليح الأكراد والتخلي عنهم بعد القضاء عل تنظيم الدولة تسهيلا" لهدف تركي بطرد "الأكراد" من المناطق المتواجدين فيها، ويبدو أن تركيا تعد العدة لهذه اللحظة بحشد قواتها في بعض المناطق الكردية، وما التقارب التركي الإيراني إلا ردة فعل على الخطر المشترك وهم الأكراد ولا تعتقد تلك الأوساط أن لديهم رؤى مشتركة للحل في سورية.

من جهة عسكرية ركزت تلك الأوساط على دلالات هجوم فصائل مسلحة على ريف حماه الشمالي كانهيار دفاعات النظام وملامح الدفع الأمريكي لهذه المعركة، ورغم قدرة الألة العسكرية الروسية على فك الحصار عن تلك المناطق، إلا إن هذا كشف عمق أزمة النظام على المستوى البنيوي والهيكلي وعدم قدرته على الحفاظ على المكتسبات وهو امر يعد انزلاق مستمر للتدخل العسكري الروسي وهو ما سيعود بتبعات سياسية بالغة على موسكو، ومن جهة أخرى فإن تسليط الضوء الروسي على خطورة "القوات الكردية" واعتبارها مهدداً امنياً اكثر من تنظيم الدولة فما هو إلا مؤشراً على تحول العلاقة في قادمات الأيام إلى أشكال أكثر تصعيدية.

 


 

([1]) انتون مادراسوف: "الحلفاء في سورية يتباعدون... إيران تحاول أن تجر روسيا للحرب دون أن تنجح"، صحيفة سفابودنايا بريس تاريخ 2/8/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/bAAvYs

([2]) زاور كاراييف ، صحيفة سفابودنايا برس 20/8/ 2017، الرابط الالكتروني: http://svpressa.ru/war21/article/17951

([3]) زاور كاراييف، صحيفة الصحافة الحرة 20/8/2017، الرابط الالكتروني http://svpressa.ru/war21/article/17951

([4]) المصدر: صحيفة بارتس توداي، تاريخ 18/8/2017، الرابط الالكتروني: http://parstoday.com/ru/news/iran-i73090

([5]) ايغور غا كشوف، صحيفة روسيا اليوم تاريخ 16/9/2017، الرابط الالكتروني: https://ria.ru/world/20170916/1504884251.html

([6]) ألكسندر بويكو، صحيفة كمسامولسكايا برافدا تاريخ 16/9/2017، الرابط الالكتروني: https://www.kp.ru/daily/26732.5/3759136/

([7]) المرجع نفسه.

([8]) روبرت فرانتسيف، صحيفة فيستي رو 16/9/2017، الرابط الالكتروني: https://www.vesti.ru/doc.html?id=2933024

 

([9]) وزارة الدفاع الروسية 20/9/2017، الرابط الالكتروني: http://syria.mil.ru/news/more.htm?id=12143004@egNews

([10]) وزارة الدفاع الروسية 22/9/2017، الرابط الالكتروني: http://syria.mil.ru/news/more.htm?id=12143227@egNews

([11]) صحيفة فيستي. رو 21/9/2017، الرابط الالكتروني: http://www.vesti.ru/doc.html?id=2934737&tid=95994

([12]) صحيفة النجم الأحمر تاريخ 18/9/2017، الرابط الالكتروني: https://tvzvezda.ru/news/vstrane_i_mire/content/201709181758-zoww.htm

([13]) وكالة تاس الروسية 22/9/2017، الرابط الالكتروني: https://www.vesti.ru/doc.html?id=2935410

([14]) افرورا زورينا، صحيفة بليت اكسببيرت، تاريخ21/9/2017، الرابط الكتروني: https://goo.gl/yq6w2H

([15]) ايغور بوروكوف، معهد الدراسات الاستراتيجية، تاريخ 19/9/2017، الرابط الالكتروني https://riss.ru/events/43844

([16]) فيدور سميرنوف، روسيا اليوم (الوكالة الوطنية الروسية للأنباء)، تاريخ: 19/9/2017، الرابط الالكتروني: https://ria.ru/world/20170918/1505018569.html

([17]) مجلة بليت اكسببيرت 17/9/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/pDqoHr

([18]) افرورا زورينا، صحيفة سفابودنايا بريس، تاريخ 19 /9/2017 الرابط الالكتروني: https://goo.gl/QNTGCi

([19]) مجلة بليت اكسببيرت، تاريخ 17/9/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/ELqQ5W

 

([20]) مارغريتا ايفانتوفا، صحيفة سفابودنايا برس، تاريخ 27/8/2017، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/2i8fxA

التصنيف تقارير خاصة

الملخص التنفيذي

  • بيّن معهد الدراسات الاستراتيجية أن الضربة الأمريكية أتت نتاج رغبة ترامب في إظهار حزمه وقوته العسكرية والمشاركة في لعبة الشطرنج العسكرية مع روسيا في الشرق الأوسط، وعلى عكس نبرة الخطاب المتوافق مع الخط السياسي الرسمي تساءل الكاتب " كالينين" إلى متى سندعم الأسد؟ وهو وراء عداوة العالم لروسيا، فيما أكد الخبير السياسي "فيتالي نعومكين" أن التعاون بين أمريكا وروسيا سيستمر، فالضربة تهدف أصلاً إيصال رسالة إلى الرئيس الصيني المتواجد في واشنطن في حينها، وبيان جاهزية واشنطن لضرب كوريا الشمالية.
  • عرض الرئيس الإيراني على روسيا استخدام قواعدها الجوية لمتابعة الحرب على الإرهاب، الأمر الذي خبراء روس بأنه سيعود بالعديد من الفوائد كإمكانية فتح كريدور جوي وخاصة للصواريخ المجنحة من طراز (كاليبر) إضافة للحصول على معلومات استطلاعية أوسع وأسرع، وفيما يتعلق بالعلاقة العسكرية الثنائية، تحدثت الصحف الروسية عن إمكانية قيام قاعدة بحرية إيرانية في اللاذقية بموجب اتفاقية بين روسيا وإيران بضوء أخضر من الأسد.
  • اقتصادياً: خلص عدد من الباحثين الروس إلى أن الوثيقة الصادرة عن اجتماع الدول العشرين الأخير لم تأت بشيء جديد، بحكم الخلافات بين أعضاء المجموعة؛ وعالمية ظاهرة الاقتصاد؛ أما محلياً، تسائلت صحيفة "مسكوفسكي كمساموليتس" رغم وعود رئيس الوزراء ميدفيدف منذ عشر سنوات بحل المشكلة، لماذا ثلث سكان روسيا محرومون من الغاز؟ واستعرضت نسب تأمين المواطن في دول الاتحاد السوفييتي السابق واتت روسيا بعد كلاً من أرمينيا 93%، أذربيجان 80%، أوزبكستان 75%، بلاروسيا 73.9%، أوكرانيا 72%، بلاروسيا 73.9%، أوكرانيا 72%. 
  • عسكرياً: تم الحديث عن الدعم الروسي للأكراد والاتفاق القاضي بتدريب موسكو لـقوات الـ YPG ورفع عددها الى 100 ألف مقاتل؛ وادخال القاذفة الاستراتيجية TY-160M2 في الخدمة: المجهزة بالمعدات التقنية والالكترونية التي تحميها من التشويش، كما أنها تتمكن من التصدي للأنظمة الصاروخية المضادة للطيران، وتحمل الصواريخ القادرة على تدمير أي هدف.
  • أمنياً: استحوذت قضية التفجير الذي هز مترو الأنفاق في مدينة سانت بتربورغ الحيز الأكبر لدى الفعاليات البحثية والإعلامية الروسية، إذ تم التركيز على عدة قضايا أهمها: خطورة التعايش مع فكرة الاختراق والتفجيرات؛ ارتباط تلك التفجيرات بالعمليات العسكرية في سورية؛ دلالات المكان؛ تواجد "داعش" في روسيا والحديث عن وجود أكثر من ألف روسي مع الدولة الاسلامية يتحركون بحرية من خلال جواز السفر الروسي.

أولاً: كيف تفاعل الإعلام الروسي الضربة الأمريكية؟

بعيد مجزرة الكيماوي التي ارتكبتها قوات النظام في خان شيخون تسارع الاعلام الروسي لتبني رواية مركز حميميم التابع لوزارة الدفاع التي لم تحمل النظام مسؤولية هذا الهجوم، وبذات الوقت اهتمت الفعاليات البحثية والإعلامية الروسية بقراءة أية تطورات محتملة من قبل الإدارة الأمريكية، وفي هذا الصدد تساءل المحلل الروسي "فلاديمير بلخوين" بمقالة له في صحيفة "نيزافيسيمايا" هل سيضرب ترامب سورية؟ إذ عزز "بلخوين" فرضية الضربة المحتملة مستدلاً بذلك على عدة مؤشرات منها([1]):

  1. "الغضب" الذي اعترى ترامب في مؤتمره الصحفي (الذي تحدث فيه عن المجزرة) وتوعده بعمل ما -دون الإفصاح عنه-إذ كان بمثابة مؤشر جدي على نية الإدارة الأمريكية بعمل عسكري.
  2. تصريحات نائب ترامب بأن دمشق مسؤولة عن الغارة الكيمائية وواشنطن لن تستثني أي خيار بما فيه العسكري.
  3. تأييد أنصار الرئيس من الجمهوريين للخيار العسكري مستدلاً بتصريحات السيناتور "تون كوتون" التي عبر فيها عن عدم شعوره بالأمان طالما محور روسيا إيران سورية يفعلون ما يشاؤون في سورية مضيفاً وعلى بشار أن يرحل.

من جهته استبعد الخبير العسكري "يوري بنكا تشيف" قيام الولايات المتحدة الأمريكية بعمليات عسكرية فورية قد تؤدي إلى إحداث خسائر في القوات الروسية، وقد يعتمد الطيران بدون طيار وسيلة لتصفية الأسد، إلا أن لدى موسكو الوقت الكافي لمنع هذا الاحتمال. إلا أن الأحداث بينت أن ردة الفعل الأمريكي كانت بمثابة "ضربة عقابية" للنظام، عبر استهداف مطار الشعيرات بحماه بـ 59 صاروخ توماهوك، سارعت موسكو لاستنكار وإدانة هذا الفعل ولوحت بانهاء التنسيق الجوي المشترك بينها وبين الولايات المتحدة، ترافق ذلك بزيارة قام بها وزير الخارجية الأمريكية لموسكو اهتمت بها صحيفة "اوترا" الروسية، وصدرت مجموعة من الخلاصات أهمها:

  • أن العلاقات الروسية الأمريكية تشهد أدنى مستوى لها وأن طروحات وزير الخارجية الأمريكي المتعلقة بتشكيل لجان عمل لدراسة وأسباب التوتر تؤكد على تعمق حجم الخلاف لا سيما فيما يتعلق بقضية "الرئيس السوري".
  • أن موقف أمريكا بات أكثر حسماً حيال تلك القضية، فهي "لم تعد ترى لبشار الأسد أي موقع في السلطة في سورية".

ونوهت الصحيفة بذات السياق إلى استمرار تأزم العلاقات الروسية البريطانية التي وصلت لدرجة إهانة روسيا وخاصة من المندوب البريطاني الذي دخل في مشادة كلامية مع المندوب الروسي.

أما معهد الدراسات الاستراتيجية فقد أفرد من خلال باحثيه تحليلاً موسعاً للضربة الجوية الأمريكية حيث خلص لرأي مفاده: "أن ترامب اتخذ هذا القرار نتيجة موجة الانتقادات الموجهة له من جمهور كبير من المحللين سواء في أمريكا أو من خارجها ويتضمن رغبة ترامب في إظهار حزمه وقوته العسكرية، راغباً في المشاركة في لعبة الشطرنج العسكرية مع روسيا في الشرق الأوسط، وقد تكون أيضا رسالة للرئيس الصيني المتواجد في أمريكا بأنه قادر على ضرب كوريا الشمالية إذا لم تتمكن الصين من حلها، فالنظرة السريعة على الأحداث تدل على أن القرار تم اتخاذه على عجل، ولا يخلو من الانفعالية، ولمثل هذه القرارات نتائج خطيرة لا يمكن التنبؤ بها، وهي بذلك تعمل على تغييب القانون الدولي وإلغاء كثير من المبادئ التي تمنع حصول صراعات دولية.

وفي ذات التحليل ذكر مدير معهد الدراسات الاستراتيجية "فرادكوف"، مجموعة نقط تحليلية نذكر أهمها([2]):

  1. أن مثل هذا الحدث ليس حدثاً عادياً، لأن أي عملية لا تأخذ القدر الكافي من التأني ستؤدي إلى ضياع التحكم بالحدث، وبالتالي إلى احتمالات خطيرة غير مرغوب فيها.
  2. في مصلحة من وما هو الهدف من عدم وجود تفاهم على ما يجري في سورية خاصة، والشرق الوسط بشكل عام. في ظل تنامي تهديد الأمن والسلم الدوليين.
  3. مهما تكن الظروف فيجب أن يتم العمل على تقليل الخسائر البشرية وتخفيف التوتر العالمي وفي كل الأحوال يجب عدم السماح بحصول اصطدام بين روسيا وأمريكا لما لهذا الموضوع من خطر على العالم بأكمله.

أما الباحثة "إيلينا سوبونينا" فقد كتبت مقالاً في صحيفة "ايزفستيا" بعنوان "ترامب يكافئ المسلحين السوريين" ذكرت فيه: ( أن الهجوم الصاروخي على مطار الشعيرات لم يغير في ميزان القوى على الأرض، وبقي التفوق للقوات الحكومية، والوضع الآن مختلف عن عام 2015 عندما كان "المتمردون" على مشارف العاصمة دمشق، فهجمات الجيش السوري الذي تدعمه روسيا وإيران مستمرة على معاقل "الإرهابيين" الذين تجمعوا في إدلب نتيجة تحرير شرق حلب،  ولم تحقق الضربة هدفها، فها هو الطيران يقلع من مطار الشعيرات بينما تتابع روسيا اتصالاتها مع شيوخ القبائل لتامين المصالحات،  وعلى الرغم من الخسائر المتواضعة المادية والبشرية، إلا أن النتائج السياسية مخيفة ففي قاعدة الشعيرات يعمل الإيرانيون والاخصائيين الروس على محاربة الإرهاب القريب من مطار الشعيرات في الرقة، إلا أن ترامب أعطى الأمل للإرهابيين لتنشيط عملياتهم الإرهابية في سورية([3]).

بالمقابل وعلى عكس نبرة الخطاب المتوافق مع الخط السياسي الروسي الرسمي، تساءلت صحيفة "غازيتا الروسية" بقلم الكاتب "ايفانت كالينين" إلى متى سندعم الأسد وهو وراء عداوة العالم لروسيا؟ وأشارت للعديد من النقط المدللة على تبعات دعم الأسد، نبينها في الآتي([4]):

  • احتمال قيام ترامب بتنفيذ عقوبات جديدة على روسيا بسبب دعمها للأسد.
  • تصريحات وزير الخارجية التركي بأن على روسيا اعادة النظر في موقفها من الأسد ومستقبله في العملية السلمية.
  • إلغاء وزير الخارجية البريطاني زيارته لروسيا مصرحاً بأن تواطؤ روسيا مع الأسد سبباً كافياً لإلغاء الزيارة.
  • اعتبار وزير الدفاع البريطاني روسيا (الوسيط في نزع السلاح الكيماوي السوري) شريكة في القتل ومسؤولة عن أرواح أكثر من 70 قتيلاً.
  • أعطت الغارة زمام المبادرة للدول الأوروبية في الساحة الدولية.
  • انتقادات مندوبة أمريكا في مجلس الامن والتي صرحت أن سقوط الأسد يعتبر أولوية أمريكية إضافة الى ضرورة الحد من نفوذ إيران في سوريا وأضافت في تصريح لرويترز أن أمريكا بصدد تشديد العقوبات على روسيا وإيران وأنها لا تتصور سورية سلمية برئاسة الأسد إلا أن وزير الخارجية الأمريكي فكان أقل حدة عندما قال: ان الأولوية لمحاربة تنظيم الدولة، وبعدها نلتفت لاستقرار سورية،
  • مؤسسات إعلامية تابعة لوزارة الخارجية الروسية في تعليقاتها تتحدث عن عدم معرفة او عدم فهم موسكو لما يجري في سورية.

أما وكالة انترفاكس فقد أجرت لقاء مع المحلل والخبير السياسي "فيتالي نعومكين" مدير معهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم الروسية الذي استعرض مآل العلاقة الروسية الأمريكية بعد الضربة، إذ أكد على أن التعاون بين أمريكا وروسيا سيستمر، لأن الضربة كانت تهدف أصلاً إيصال رسالة إلى الرئيس الصيني المتواجد في واشنطن في حينها، وبيان جاهزية واشنطن لضرب كوريا الشمالية. وأكد على أن لديه من الحقائق بحيث لا يستبعد قيام أمريكا بضرب كوريا الشمالية حيث يبدي الخبراء رأياً استراتيجياً مفاده إن لم يضرب الآن فسيصبح الوقت متأخراً، وأكد في هذا الصدد على أن أمريكا مهتمة الآن بالمنطقة الاسيوية والمحيط الهادئ([5]).

وفي ذات السياق المتعلق بتتبع تطورات العلاقة الروسية الأمريكية، فقد ذكرت وكالة "تاس" عن "ميخايل فرادكوف" مدير معهد الدراسات الاستراتيجية قوله حول زيارة تيرلسون ونتائجها بأن تقرير نيلسون لترامب سيؤثر على مستقبل العلاقة بين روسيا وأمريكا، موضحاً أن ساعتين من المحادثات مع بوتين كافية لتقدير الموقف الروسي الذي سيعرضه على ترامب والذي من المفترض أن يعمل على تهدئة الوضع وإقامة حوار حقيقي بين روسيا وأمريكا، وأكد أنه على روسيا انتظار رد فعل ترامب الذي عرف برغبته بإظهار حزمه واثبات ذاته. ونوه "فرادكوف" أنه ومهما تكن الحالة، فلا بد من إظهار المسؤولية وأن تسعى روسيا للاستفادة من كل الظروف لتكون علاقتها مع أمريكا أفضل، أو على الأقل ألا تذهب للأسوء، وفيما يتعلق بمحاربة الإرهاب تحدث "فرادكوف" عن محاولة روسيا اشراك الولايات المتحدة، إلا أن مثل هذه الضربات المفاجئة تقوض الجهود، وأَملَ أن تفهم الإدارة الامريكية أن موسكو لن نسمح بتكرارها وأن اعتماد حجج وذرائع لتغيير الأنظمة في العالم سيؤدي الى ضرب القوانين الدولية وبالتالي تغيير النظرة الى الأمم المتحدة ودورها([6]).

ثانياً: تطورات العلاقة الإيرانية الروسية 

زار مؤخراً الرئيس الإيراني موسكو مع وفد عالي المستوي بهدف التأكيد على التحالف الروسي الإيراني، وقد تم خلال هذه الزيارة توقيع سلة من الاتفاقيات، أهمها([7]): 1) إلغاء التأشيرة بين البلدين؛ 2) التعاون في مجال كهربة المواصلات؛ 3) انشاء مشاريع إنسانية؛ 4) نقل الوقود النووي؛ 5) تنسيق المواقف النفطية بين البلدين وتوحيد المواقف تجاه منظمة أوبك.

ونوهت الصحف الروسية إلى أنه وخلال الزيارة عرضت إيران على روسيا استخدام قواعدها الجوية بشكل مؤقت لمتابعة الحرب على الإرهاب، حيث نقلت صحيفة "الكمسامولسكايا" آراء بعض الخبراء عن ذلك، ومنهم الخبير العسكري "ألكسي بورزينكو" و "ايغور كلروتشينجو" الذين تحدثا عن الفائدة المرجوة من استخدام روسيا للقواعد الإيرانية مبينة بما يلي([8]):

  • إمكانية فتح كريدور جوي وخاصة للصواريخ المجنحة من طراز (كاليبر).
  • توفير واضح ولموس في كميات الوقود اللازمة.
  • إمكانية الحصول على معلومات استطلاعية أوسع وأسرع.
  • إمكانية التدخل السريع في حال العمليات المفاجئة.
  • إمكانية تحميل القاذفات كمية من القنابل والصواريخ أكثر.

والجدير بالذكر هنا أيضاً، أنه أثناء تلك الزيارة، أوردت صحيفة روسيا اليوم التابعة لوكالة الانباء الوطنية الروسية ИР مقالا بعنوان وزير الدفاع الإيراني ينصح الأمريكيين بمغادرة الخليج، ونوهت الصحيفة إلى تصريح "جوزيف مونيل" قائد القيادة العسكرية المركزية الأمريكية في مجلس الشيوخ في مجال التعاون الفني مع الحلفاء في الشرق الأوسط عن نية الولايات المتحدة تصدير صواريخ بالستية لمنطقة الخليج العربي، وفي الرد على هذه النوايا، نصح وزير الدفاع الإيراني الأمريكيين بمغادرة منطقة الخليج لعدم إحراج دول المنطقة، ووجه هذا النقد (حسب الصحيفة) "بطريقة شرقية" حين قال: هل من المعقول دخول سارق مسلح الى بيت ما؟ هل يعتقد انه سيفرش له سجادة حمراء؟ ألا إن هذا من وحشية العصر، وذكرت الصحيفة أنه من المعلوم أن العلاقات الإيرانية الأمريكية شهدت شيئا من الدفء في عهد أوباما حيث وقع الاتفاق النووي الذي أقر فيه الموقعون بسلمية البرنامج النووي الإيراني، وتم على أثره تخفيض العقوبات المفروضة على إيران، في حين لم يخف الجمهوريون انتقاداتهم لأوباما وعلاقته بإيران، الا أن قدوم ترامب إلى السلطة أعاد هذه العلاقة الى التعقيد من جديد([9]).

أما فيما يتعلق بالعلاقة العسكرية الثنائية، نشرت كل من صحيفة "بليت اكسببيرت" إضافة "لوكالة الأنباء الوطنية في صحيفة روسيا اليوم" موضوعاً بالغ الأهمية حول مدى إمكانية قيام قاعدة عسكرية إيرانية في سورية، هذا الأمر الذي نفاه الجنرال الايراني "رسول ساناي راد" ممثل القيادة العسكرية الإيرانية واصفاً هذه الأنباء "بالمغلوطة" تهدف لزعزعة الاستقرار وخلق عدم الثقة بين الدول في المنطقة مستنكراً سكوت الصحافة نفسها عن وجود القوات الأمريكية غير الشرعي في سورية، مضيفاً أن الوجود الإيراني في سوريا يقتصر على المستشارين العسكريين بناء على طلب الحكومة السورية، ولا تخطط طهران لبناء أي قاعدة عسكرية في سورية. إلا أن الصحافة الأمريكية (وفق تلك الصحفيتين) تؤكد على اقتراب طهران من إنشاء قاعدة بحرية في اللاذقية بموجب اتفاقية بين روسيا وإيران بضوء أخضر من بشار الأسد، وذلك لقاء الدعم المادي والعسكري الايراني لسورية خلال سنوات الحرب، وبذات الموضوع نوه الإعلام الروسي إلى تصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي في 9/3/2017 الرافض لإقامة تلك القاعدة عسكرية التي (برأيه) تسعى لبناء البنية التحتية لقاعدة بحرية مستقرة، وهذا من شأنه دعم محور إيران حزب الله وبالتالي تسهيل نقل الأسلحة الى حزب الله عبر سورية، كما أنها تزعزع الأمن والاستقرار في هذه المنطقة حسب وزارة الخارجية الإسرائيلية، أما "ألكسي نوفوبتشونوف" الباحث في معهد التخصصات المتعددة، فقد علق على هذا الموضوع بقوله إن ذلك يخص أربع دول سوريا وروسيا وإيران وتركيا المتحالفة لحل القضية السورية دون تجاهل دور اسرائيل التي تسعى للاستفادة من الازمة لصالحها تحت مقولة الرابح هو الذي يطلق الطلقة الأخيرة([10]).

ثالثاً: المتابعات الروسية للقضايا الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية

أجرى معهد الدراسات الاستراتيجية ندوة شارك فيها عدد من الباحثين الاقتصاديين والماليين في المعهد لمناقشة الوثيقة الصادرة عن اجتماع الدول العشرين الذي تم في مدينة بادن في 17/3/2017 والذي جمع وزراء المالية وممثلي البنوك المركزية في الدول العشرين اجتماعا في مدينة بادن تلك الوثيقة التي ستقدم لقادة تلك الدول في شهر حزيران القادم في ألمانيا)، وخلصت هذه الندوة إلى ما يلي([11]):

  • أن الوثيقة المنبثقة عن الاجتماع لم تأت بشيء جديد، مختلفة بذلك تماماً عن تلك الاجتماعات المنعقدة منذ عشر سنوات إبان الأزمة الاقتصادية التي كادت تعصف بالاقتصاد العالمي ووجدوا لها آنذاك الحلول المناسبة.
  • إعادة أسباب عدم التوصل لنتائج نوعية لـ:
  • الخلافات الواضحة بين أعضاء المجموعة وجو التوتر الذي ساد المناقشة.
  • عالمية ظاهرة الاقتصاد، إذ أن المجتمعون يبحثون الوضع الاقتصادي في هذه البلدان بينما هو ظاهرة عالمية، عدا عن ذلك فان كل دولة تخطط اقتصادها وفقا لمصالحها الوطنية ولا يمكن لأية قرارات أن تكون ناجحة إلا بمدى تناسبها مع الاقتصاديات الأخرى بما فيها الاقتصاديات الحديثة مثل أمريكا.
  • ان الوضع الحالي شبه مستقر مع معدل نمو منخفض وعدم وجود أزمات مالية.
  • دخول الصين باقتصادها المتنامي بقوة في الاقتصاد الدولي.
  • وصول ترامب المتشدد الى السلطة والخوف من انتشار هذه الحالة الى أوروبا.
  • انعدام التعاون بين دول هذه المجموعة لوضع نظام ضريبي موحد.

ولأن الوضع الاقتصادي يشهد (وبسهولة) تدفق الكتل النقدية الكبيرة عبر البنوك وبشكل كبير مؤثراً على الوضع المالي العالمي (بحسب الندوة)، فإن الرابح في هذه الحالة تلك الدول التي تتمتع بكتل نقدية كبيرة حيث ستضطر الدول الأقل ملاءة الى تكييف وضعها النقدي بما يتلاءم مع الوضع العالمي على الرغم من الخسائر الممكنة. واستناداً لذلك ذكرت الندوة أنه "لا يتوقع عند عرض الوثيقة على قادة هذه الدول في ألمانيا الخروج بنتائج واضحة، والأغلب أن تستمر السياسات المعمول بها حالياً، كما أن ميركل بحسب الندوة ستقف ضد أي قرارات لا تحمل نتائج معروفة".

وفي سياق اقتصادي إقليمي دللت المحررة "اولغا موزيك" في جريدة "بليت اكسببيرت" على ارهاصات حرب نفطية ما بين روسيا والمملكة العربية السعودية، حيث تبدي الدول ضمن أوبك وخارجها عدم ارتياحها من حصصها النفطية وتواجدها في السوق النفطية منوهة المحررة إلى أن اتفاق أوبك عمل على استقرار الأسعار، إلا أن السعودية تبدي امتعاضها   لتحملها الضغط الأكبر من تخفيض الإنتاج، حيث فقدت الكثير من عملائها ومازالت صامتة، وأن روسيا لا يمكنها أن تقف متفرجة عما يجري، وأنها ستسعى بشكل حثيث لكسب عملاء أساسيين كالصين والهند.

 لذلك ووفقاً لـ "موزيك" قررت السعودية العودة إلى سوقها القديمة وهي أوروبا بسعر جديد، كما أنها دخلت المنطقة الآسيوية من خلال العقود المبرمة خلال زيارة الملك سليمان إلى تلك المنطقة التي كانت تعد المنتجات النفطية الروسية مصدرها الأساس وبالتالي فإن التوقعات تشير إلى فقدان موسكو لهؤلاء الزبائن. وتؤكد "موزيك" أنه إذا ما قررت أمريكا الاعتماد على نفطها، فلا بد للسعودية وغيرها من النظر للسوق الأوروبية الأمر الذي سينشأ عنه عدم استقرار وحرباً في الأسعار، وقد أشار المحللون إلى أن هذه الحرب قد بدأت فعلاً، فها هي روسيا تتهم أرامكو بإغراق السوق الأوروبية.

تذكر المحررة أن الحرب غير مرتبطة في الأسعار فقط، وإنما هناك أيدي غريبة تعمل على إشعالها، عدا عن إمكانية عدم تمديد اتفاقية أوبك التي تحدد الكميات المنتجة لكل دولة. وأوصت المحررة بناءً على أراء العديد من المحللون الذين أكدوا على عدم رغبة روسيا والسعودية بالدخول في حرب أسعار، أنه الأفضل للجميع توحيد استراتيجية الدخول الى السوق الاوربية بدون خسائر، وأن اتفاق روسيا والسعودية يمكنهم تجاوز إيران والعراق في حرب الأسعار، وكذلك الحد من تأثير الدول الداخلة في منظمة أوبك على اعتبار أنهما الدولتين الأكثر انتاجاً([12]).

أما فيما يتعلق في الاقتصاد المحلي، فقد نشرت صحيفة "مسكوفسكي كمساموليتس" مقالا للكاتب "نيقولاي ماكاييف" بعنوان" لماذا ثلث سكان روسيا محرومون من الغاز؟ إذ أكد على أن هذه المشكلة من أهم المشاكل التي يعاني منها سكان روسيا، حيث القسم الأكبر يعتمدون على الفحم والحطب للتدفئة، وعلى الرغم من كل الوعود المعطاة لحل هذه المشكلة فلا شيء يلوح في الأفق، فمنذ عشر سنوات وعد رئيس الوزراء ميدفيدف بحل المشكلة، إلا أنها بقيت بدون حل، وبقي المواطن هو الذي يدفع ضريبة تقصير الحكومة.

وأكد "ماكاييف": (أن الحل ممكن إذا ما أريد له ذلك، عبر وضع استثمارات حقيقية في هذا القطاع، ولو صدقت الوعود الحالية فإنه في أحسن حالات تأمين الغاز يمكن أن يصل إلى 90 % في عام 2030، وزاد الكاتب من وتيرة انتقاده للدولة عبر قوله "أليس من المعيب أن دولة تعتبر من أكثر الدول انتاجاً للغاز في العالم يعيش قسم كبير من سكانها بدون غاز، وهذا ما صرح به ميدفيدف في عام 2007، ولكن يبدو أن بيع الغاز الى أوروبا أكثر فائدة من استخدامه محلياً وأن الحطب والفحم أرخص من الغاز، وبنظرة بسيطة للمقارنة فإننا نرى نسب تأمين المواطن في دول الاتحاد السوفييتي السابق كما يلي: أرمينيا 93%، أذربيجان 80%، أوزبكستان 75%، بلاروسيا 73.9%، أوكرانيا 72%، بلاروسيا 73.9%، أوكرانيا 72%([13]).

رابعاً: شؤون عسكرية وأمنية روسية

تابعت الفعاليات الإعلامية الروسية الحركة العسكرية الروسية وتطورات المشهد الأمني المحلي، وركزت على العديد من القضايا، إلا أن أهمها يتمثل في:

  • الدعم الروسي للأكراد بوصول قواتها الى عفرين، إذ أدى ظهور صور لجنود روس بالقرب من عفرين إلى طرح تساؤلات عن علاقة روسيا في الميليشيات الكردية في المنطقة، وما بين أخذ وصد وانكار موسكو للواقع وتواجدها الفعلي، صرح الجنرال اندريه فالكون لوسائل الاعلام: "أن القوات الموجودة في المنطقة هي من مركز حميميم لمراقبة وقف إطلاق النار"، بينما صرح ممثل الميليشيا الكردية عن توقيع اتفاق مع موسكو يقضي بتدريب هذه الميليشيا ورفع عددها الى 100 ألف مقاتل، من جهة أخرى أكد مصدر روسي بأنهم سيتعاملون مع الإدارة المحلية الكردية حيث هذه المناطق تقع تحت مسؤولية الجانب الروسي، ونوه الاعلام الروسي إلى أن هذه العلاقة لن تريح كلاً أنقرة والنظام السوري ، فهذا ما عبر عنه أردوغان أثناء زيارته لموسكو ومطالبته روسيا بالتوقف عن دعم الأكراد، كما يبدي الجانب السوري عدم ارتياحه إلا أنه لا يستطيع فعل شيء([14]).
  • ادخال القاذفة الاستراتيجية TY-160M2 في الخدمة: وبعد عمل استغرق 3 سنوات لتحديث القاذفة للحصول على النموذج الجديد (البجعة البيضاء) الاستراتيجية حاملة الصواريخ، فإن هذه الطائرة ستكون منافسة لمثيلاتها الأميركية، وتتحدث الصحف الروسية عن الميزات الفنية والتعبوية للطائرة والتي كان مقرراً إدخالها في الخدمة عام 2015، إلا أن الزيادة في تحسين المواصفات أدى الى التأخير، ويذكر أن مسافة الطيران فيها تصل 10.500 كم مجهزة بالمعدات التقنية والالكترونية التي تحميها من التشويش، كما أنها تتمكن من التصدي للأنظمة الصاروخية المضادة للطيران، وتحمل الصواريخ القادرة على تدمير أي هدف([15]).

وقد استحوذت قضية التفجير الإرهابي الذي هز مترو الأنفاق في مدينة سانت بتربورغ الحيز الأكبر لدى الفعاليات البحثية والإعلامية الروسية، وسيقف التقرير عند أهمها:  إذ قدم مركز كارنيغي تحليله الخاص عن طريق الباحثة "تاتيانا خروليوفا" تحت عنوان: "الاحساس بالمصيبة وكيف غيرت التفجيرات مدينة سانت بيتربورغ"، حيث قالت "خروليوفا" أنه (من البديهي أن ذلك لم يكن يحدث مصادفة، والجميع يفهم ألا إجراءات جديدة للأمن يمكن أن تشكل ضمانا لعدم التكرار، والشيء المعروف أن مثل هذه التفجيرات تترك الناس يعيشون بحذر وخاصة بعد الحدث مباشرة فالناس نزلت للميترو ولكن الكل في عربات المترو ينظر لجاره ولمن يحمل محفظة يمكن أن تنفجر، إلا أن هذا الشعور سيزول يوماً بعد يوم وتعود الحياة إلى طبيعتها، ويبقى الاحساس بالمصيبة لفترة ثم يزول، ويبقى شعوراً غامضاً عن امكانية حدوث مثل هذه التفجيرات بحيث اصبحت هذه المدينة لا تختلف عن مثيلاتها من الدول الاوربية تتعايش مع واقعها الجديد([16]).

كما أوردت صحيفة نيزافيسيماي العديد من المقالات التحليلية في هذا السياق، فالكاتب "قسطنطين ريموتشكوف" أبدى وجهة نظره في ذلك بقوله: (إن هذه التفجيرات مرتبطة بالعمليات العسكرية في سورية، وها هي داعش تريد الحضور بهذه الطريقة)، مضيفاً (أنه يجب الا ننسى تفجير الطائرة في سيناء المصرية التي أعقبت إعلان روسيا المشاركة الفعالة في الحرب في سورية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن التفجيرات حصلت في المدينة الآمنة، وهي مدينة بوتين، وكذلك أثناء وجود بوتين فيها، والأغرب من ذلك أن المنفذ هو من الجنسية الروسية، حيث يوجد أكثر من ألف روسي مع الدولة الإسلامية وهم يتحركون بحرية من خلال جواز السفر الروسي، وهذا شيء مرعب يجعل السكان يعيشون في خوف دائم. ([17])

بينما نوهت "ايكاترينا بالغوفا" إلى أنه وفقاً لقرار مجلس الوزراء، فقد تم تشكيل مجموعة للتدخل السريع في شؤون مترو الأنفاق غير القانونية وستجهز بجميع المعدات والتجهيزات اللازمة لعملها وسيتم تقييم عملها خلال ثلاثة أشهر من بدء عملها علماً أنه ذهب ضحية التفجيرات 14 قتيلاً وعدد من الجرحى([18]).

الخاتمة

لعل الحدث الأبرز التي شهده شهر نيسان تلك التفجيرات التي هزت مدينة سانت بيتربورغ، التي أوضحت الأوساط الروسية على خطورة مؤشرات وصول داعش للعمق الروسي، وأن هناك العديد من يربط هذا التطور بسياسات روسيا في سورية والمنطقة.

وفيما يتعلق بتداعيات وتطورات الهجوم الكيماوي على خان شيخون يؤكد تقرير الرصد هذا على صلابة الموقف الروسي تجاه القضية السورية بشكل عام وموقفه من الأسد بشكل خاص بعد الهجوم، فالخطاب البحثي والإعلامي الروسي رغم بعض الأصوات المعارضة إلا أنه بغالبيته اتسق مع خطاب القيادة الروسية التي مازالت ممعنة في قلب الحقائق وتطويعها لخدمة الهدف الجيوسياسي الروسي.

وأظهر التقرير مدى الاهتمام الروسي بمتابعة حيثيات الرد الأمريكي، منوهاً إلى أن التوجه العام خلص إلى ضعف نتائج الضربة الأمريكية على المستوى العسكري، وأعاد سبب هذه الضربة لأسباب محلية أمريكية ولضرورات توجيه رسالة للصين وكوريا الشمالية حيث مسرح الأحداث العديد من التصريحات والاستفزازات العسكرية والتهديدات المتبادلة بين الأطراف. وعلى صعيد العلاقات الروسية الإيرانية، لحظ التقرير مدى استراتيجية هذه العلاقة والتي تعمقت خلال زيارة الرئيس الإيراني لموسكو وحجم ونوعية الاتفاقيات المبرمة وخاصة في المجال العسكري، هذا المجال الذي تدلل المؤشرات الإعلامية على إمكانية بناء قاعدة إيرانية في اللاذقية من جهة، وتطوير موسكو لأبحاثها في تطوير ترسانتها العسكرية من خلال القاذفة الاستراتيجية MK160m2 . 

كما تابعت الدوائر الاقتصادية البحثية نتائج قمة العشرين على مستوى ووراء المالية، وقللت من أهمية تلك النتائج، كما توقفت تلك الدوائر على نتائج زيارة ملك السعودية للصين من خلال سعي السعودية لمزاحمة روسيا في أسواقها النفطية، ولعل الحدث الأبرز اقتصادياً زيادة حدة وتيرة النقد للحكومة الروسية فيما يتعلق بالنقص الكبير لمادة الغاز في روسيا على الرغم من أنها أكبر الدولة المنتجة له.  

 


([1]) فلاديمير موخين: " هل يهاجم ترامب سوريا " صحيفة نيزافيسيمايا , 06/04/2017، الرابط     http://www.ng.ru/world/2017-04-06/100_war060417.html

 

([2])  انظر مجموعة التحاليل التي أوردها فرادكوف:" مدير معهد الدراسات الاستراتيجية " بتاريخ 07/04/2017 على الرابط https://riss.ru/analitycs/39777/

([3]) الباحثة ايلينا سوبولينا:" ترامب يكافئ المسلحين السوريين "، صحيفة "ايزفستيا"، تاريخ 10/4/2017، الرابط: https://goo.gl/sQp4Fo

([4]) ايفانت كالينين: " الى متى سندعم الأسد وهو وراء عداوة العالم لروسيا"، صحيفة غازيتا , 09/04/2017، الرابط: https://goo.gl/4k68Fn

([5])  فيتالي نعومكن: " لقاء مع وكالة انترفاكس الروسية " , 09/04/2017، الرابط http://www.interfax.ru/interview/557595

([6]) مقابلة ميخايل فرادكوف مع وكالة "تاس" للمزيد انظر الرابط      http://tass.ru/politika/418166  

([7]) تقرير حول الزيارة: عباس جمعة، صحيفة كمسامولسكايا برافدا، بتاريخ 28/3/2017، http://www.kp.ru/daily/26659/3680067 

([8])  تقرير لديميتري سميرنوف، صحيفة كمسامولسكايا برافدا، بتاريخ 28/3/2017.  http://www.kp.ru/daily/26658/3680325    

([9]) أنظر: صحيفة روسيا اليوم التابعة لوكالة الانباء الوطنية الروسية ИР بتاريخ 31/30/2017 وفق الرابط: https://goo.gl/CsN1Bp

([10]) فاسيلي يابافا:" حول إقامة قاعدة عسكرية إيرانية"،صحيفة بليت اكسبورت بتاريخ 13/3/2017 وفق الرابط:          http://ria.ru/syria/20170313/1489834619.htm

([11]) ندوة في معهد الدراسات الاستراتيجية حول قمة العشرين    https://riss.ru/analitycs/39731

([12]) نيقولاي ماكاييف: " اولغا موزيك: رائحة حرب نفطية بين السعودية وروسيا"، صحيفة مسكوفسكايا، بتاريخ11/4/2017، الرابط: https://goo.gl/dGgFAa

([13])  نيقولاي ماكاييف: " لماذا ثلث سكان روسيا محرومون من الغاز؟ " كمسا موليتس بتاريخ 11/4/2017، الرابط: https://goo.gl/41WaeK

([14]) فلاديمير موخين: " الدعم الروسي للأكراد بوصول قواتها الى عفرين"، صحيفة نيزافيسيمايا بتاريخ 11/4/  2017، https://goo.gl/VhIqAv

([15])ألكسندر ايلين: ادخال القاذفة الاستراتيجية TY-160M2 في الخدمة، موقع يترو الالكتروني بتاريخ 12/4/2017، https://goo.gl/l7ckuR

([16]) تاتيانا خروليوفا:" الاحساس بالمصيبة وكيف غيرت التفجيرات مدينة سانت بيتربورغ، مركز كارينغي، 15/4/2017، https://goo.gl/ExcdkW

([17]) في تعليقه على التفجيرات الكاتب "قسطنطين ريموتشكوف"لصحيفة نيزافيسيمايا، تاريخ: 3/4/2017، https://goo.gl/56Pccv

([18]) تعقيب ايكاترينا بلوغوفا  لوكالة kp hgv,sdmبتاريخ 5/4/ 2017     http://www.kp.ru/online/news/2706094/

التصنيف تقارير خاصة