تمهيد

منذ أن أعلنت "الإدارة الذاتية" استعدادها لإجراء الانتخابات المحلية في مناطق سيطرتها لم تتوقف التهديدات التركية بشأن استهداف مشروعها، إذ ترى تركيا أن الانتخابات هي وسيلة لترسيخ الهياكل الحوكمية للإدارة بشكل يصعّب تقويضها في المستقبل. تزامناً مع ذلك، شهد مسار التقارب التركي مع نظام الأسد تطورات نوعية[1]، بمساعٍ حثيثة من موسكو لتسريع مسار التقارب بين الجانبين ورعاية لقاء ثنائي على المستوى الرئاسي يجمع أردوغان مع بشار الأسد، استعداداً لمرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية واحتمالية عودة ترامب للسلطة وتداعيات ذلك على المنطقة، إضافة إلى المخاوف الإقليمية المتعلقة باندلاع حرب جديدة في لبنان وامتداد تأثيراتها إلى الساحة السورية.

أثارت أجواء هذا التقارب مخاوف الإدارة، معتبرة ذلك "خطراً وجودياً" عليها واصفة هذا المسار بأنه "مؤامرة كبيرة ضد الشعب السوري"[2]. يتناول تقدير الموقف هذا دوافع تركيا للتقارب مع نظام الأسد، والسيناريوهات المتوقعة لكيفية تعاطي الإدارة الذاتية مع الواقع الجديد.

تحوّل تركي استراتيجي أم تكتيكي

مرَّت السياسة التركية تجاه سورية منذ 2011 بتحولات عديدة متأثرة بالمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، من دعم التحول الديمقراطي إلى استراتيجية أمنية-عسكرية تركز على حماية حدودها ومحاربة "الإرهاب" من خلال التدخل العسكري المباشر ودعم الجيش الوطني السوري.

وبعد دخول الملف السوري في حالة الاستعصاء السياسي وتجميد الصراع مما أدى إلى تثبيت الحدود الأمنية التي تفصل بين مناطق السيطرة، زاد العبء على تركيا من حيث استمرار وجود ملايين اللاجئين على أراضيها، واستمرار التهديد الأمني على حدودها، ووجود اتفاقات أمنية مع الولايات المتحدة وروسيا تعيق أي عمل عسكري جديد. وفي هذا السياق تأتي المحاولات التركية للتقارب مع نظام الأسد بدعم روسي بحثاً عن مسارات بديلة لتحقيق مصالح تركيا وحفظ أمنها القومي.

ويمكن قراءة الحماس التركي للتقارب مع النظام في بعدين أساسيين، أولهما مرتبط بالتطورات الإقليمية-الدولية ويتجلى في ثلاثة دوافع رئيسية:

  • عودة ترامب إلى السلطة: تطمح تركيا لاستعادة علاقات وثيقة وأكثر ودية مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة جديدة يقودها ترامب، بناء على وجود تفاهمات خاصة بين الرئيسين حول عدد من القضايا الإقليمية خلال فترة رئاسة ترامب السابقة، حيث تتوقع أنقرة أن تكون سياسات ترامب الخارجية أكثر توافقاً مع مصالحها، بما في ذلك إمكانية إعادة النظر في وجود القوات الأمريكية في سورية وإدارة العلاقة مع روسيا والتعامل مع "قسد". ولذلك، تسعى تركيا للتقارب مع نظام الأسد استعداداً لأي تغييرات قد تأتي مع عودة ترامب.
  • تحسين العلاقة مع موسكو: في ظل التوترات مع الغرب، ترى تركيا علاقاتها مع روسيا استراتيجية تعزز موقفها الدولي وتوسع هامش المناورة في العديد من الملفات الإقليمية والدولية. وهنا يأتي التقارب مع نظام الأسد بدعم من موسكو، كجزء من جهود أنقرة لتعزيز علاقتها مع روسيا وتأمين مصالحها والتأكيد على استقلالية قرارها في القضايا الإقليمية.
  • الخوف من تطور الحرب في غزة إلى حرب إقليمية: تخشى تركيا من أن تؤدي حرب غزة المستمرة والعمليات العسكرية المتصاعدة في لبنان إلى حرب إقليمية شاملة قد تمتد إلى سورية. وفي هذا السياق، يعتبر التقارب مع دمشق وتعزيز العلاقة مع موسكو خطوة استراتيجية لتنسيق الجهود الإقليمية وضمان حماية مصالحها وأمنها القومي في حال تفاقم الأوضاع.

أما البعد الثاني فهو مرتبط بديناميات السياسة التركية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الملفات المطروحة على الطاولة معقدة وتفوق قدرات الجانبين على تحقيقها، حيث تتشابك مصالح الفواعل المحليين والإقليميين والدوليين في سورية، وليس من السهولة مناقشة كثير من الملفات بين تركيا ونظام الأسد بمعزل عن بقية الفاعلين. وهنا يمكن تحديد الدوافع التركية بأربع أولويات رئيسية:

  • قوننة الوجود العسكري التركي في سورية: تسعى تركيا لضمان استمرار "محاربة الإرهاب" حتى القضاء على مشروع "الإدارة الذاتية". وفي ظل فقدان الثقة بنظام الأسد والولايات المتحدة الأمريكية؛ تسعى لإبقاء جنودها على الأرض لتأمين حدودها وأمنها القومي. على المدى المتوسط والبعيد، تحتاج تركيا لشرعنة هذا الوجود من قبل النظام السياسي الحاكم في سورية، عبر اتفاق جديد يعطيها الحق بمحاربة "الإرهاب" داخل سورية أو تعديل اتفاق أضنة، وإن كان من غير المرجح أن يقبل النظام بشرعنة الوجود التركي دون الحصول على ضمانات كافية للانسحاب وتحقيق مكاسب في ملفات أخرى.
  • قطع الطريق أمام أي وجود مستقبلي للإدارة الذاتية على طاولة صناعة القرار في دمشق: تخشى تركيا من ترتيبات سياسية قد تفضي إلى إعطاء شرعية دستورية "للإدارة الذاتية" ووصول "حزب الاتحاد الديمقراطيPYD" إلى دوائر صنع القرار ضمن النظام السياسي المستقبلي في دمشق، مما سيزيد من تعقيد الملف ويهدد مستقبل العلاقة بين تركيا وسورية.
  • تخفيف عبء اللاجئين: تستقبل تركيا ما يزيد عن 5 مليون لاجئ سوري على أراضيها، كما تشرف على إدارة الخدمات لقرابة 5 ملايين بين نازح ومقيم في شمال غرب سورية. وفي السنوات الأخيرة، تم تحميل اللاجئين السوريين -من قبل بعض الأطراف السياسية التركية- مسؤولية الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد. ونتيجة الاستقطاب السياسي أُقحم ملف اللاجئين في دائرة التجاذبات السياسية الداخلية، الأمر الذي أثر في تحوّل مزاج الناخب التركي، وهو ما عكسته نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة التي أسفرت عن خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم لأهم معاقله في المدن الكبرى ومدن الأناضول[3]. وغدت قضية إعادة اللاجئين السوريين على رأس أولويات الحكومة، حيث ترغب تركيا بإعادة نسبة كبيرة من اللاجئين عبر "ضمانات روسية" بعدم تعرضهم للملاحقات الأمنية من قبل قوات النظام.
  • تشتيت قوة "قوات سوريا الديمقراطية": في ظل صعوبة القيام بعمليات عسكرية جديدة، تسعى تركيا لدفع النظام للعب دور أكبر في شرق سورية بمساعدة العشائر العربية، لإنهاء سيطرة قسد على المنطقة وتشتيت قوتها العسكرية والاقتصادية، من خلال حرمانها من الاستفادة من موارد النفط والغاز، إذ تعتقد تركيا أن جزءاً كبيراً من عائدات تلك الثروات تصل إلى حزب العمال الكردستاني PKK وتستخدم في تمويل صراعه مع الدولة التركية.

مخاوف الإدارة الذاتية وخياراتها المتاحة

لا شك أن مسار التقارب التركي مع النظام طويل الأمد، وقد يستغرق الكثير من الوقت لتحقيق النتائج التي يرجوها الطرفان، إلا أن "الإدارة الذاتية" لم تعد تملك رفاهية المناورة بين الأطراف الإقليمية والدولية، فهي تدرك أن تغير السياسة التركية استراتيجي وليس تكتيكياً، وأن هذا التقارب سيقلل من خياراتها المتاحة ويضعها في مواجهة تحديات صعبة، لا سيما أنه سيقطع الطريق أمام أي اتفاق مستقبلي بينها وبين النظام. وفي حال قررت الإدارة الأمريكية الجديدة سحب قواتها كلياً أو جزئياً من شرق سورية؛ فستكون "الإدارة الذاتية" أمام تهديد حقيقي لمستقبل وجودها على خارطة الفاعلين السوريين المحليين.

وتتراوح السيناريوهات المتوقعة لكيفية تعاطي الإدارة مع التطورات الجديدة بين السيناريوهات الثلاثة التالية:

  • السيناريو الأول: تقديم تنازلات للنظام وعقد اتفاق جديد معه، وقد تكون موسكو ضامناً لاتفاق كهذا إذا كان سيفضي إلى تقليص مساحة انتشار القوات الأمريكية في سورية، بحيث تسحب قوات قسد ثقلها العسكري من المدن الشمالية بعمق 30 كم مع استمرار وجودها في المناطق المحاذية للقواعد الأمريكية الرئيسية. إضافة إلى عودة النظام إدارياً وأمنياً إلى مراكز المدن، ودمج الهياكل الإدارية المدنية للإدارة الذاتية مع المؤسسات الحوكمية للنظام. ويُعتبر هذا السيناريو المرجَح في حال تقدُّم التقارب التركي مع النظام، وفي ظل استمرار الوجود الأمريكي الذي يمنع أي محاولة إنهاء كامل لتجربة "قسد" بالوسائل العسكرية، ومع ذلك فإن هناك معوقات كثيرة تحد من إمكانية تطبيق هذا السيناريو.
  • السيناريو الثاني: انفتاح "الإدارة الذاتية" على تركيا برعاية أمريكية، بحيث تسبقه مصالحة حقيقية مع الفواعل المحليين في شمال شرق سورية، والقيام بخطوات بناء ثقة قد يكون من بينها: تنفيذ اتفاق منبج كخطوة أولى من طرف قسد، وسحب قواتها العسكرية من الشريط الحدودي، والتوافق على نظام حوكمي جديد في المنطقة تُشرف عليه الولايات المتحدة وتركيا وروسيا، وقد تلعب قوات الأمن الداخلي "الأسايش" دوراً في تحقيق الأمن العام في المنطقة. تكمن روافع هذا السيناريو في غياب قدرة النظام على تحقيق المطالب التركية، مقابل رغبة تركية بتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، إضافة إلى قناعة لدى تيار واسع في الإدارة الذاتية بعدم واقعية العداء مع تركيا والحاجة لتقديم تنازلات كبيرة خشية انسحاب أمريكي مفاجئ قد يخلط أوراق جميع الفاعلين وتكون هي من أكبر الخاسرين. في حين أن سلوك الإدارة الذاتية خلال السنوات السابقة وغياب الحماسة التركية لتجارب جديدة مع فواعل دون دولتية قد تكون من معيقات هذا السيناريو.
  • السيناريو الثالث: تمترس قسد حول مواقفها ورفض تقديم أية تنازلات والمراهنة على استمرار الدعم الأمريكي، واحتمالات تنفيذ عمليات أمنية ضد تركيا بالتعاون مع مجموعات محلية في شمال غرب سورية رافضة لمسار التقارب التركي مع النظام. وتكمن خطورة هذا السيناريو على الإدارة في أنه قد يتسبب باندلاع معارك جديدة، ورفع الحماية الروسية عن "وحدات حماية الشعب YPG" في مناطق تل رفعت وكوباني، مما يعني خسارة السيطرة على مناطق جديدة وتقدم تركيا فيهما، إضافة إلى إمكانية عقد تفاهمات مشتركة بين تركيا والنظام للتعامل المشترك مع ملف شمال شرق سورية على المدى المتوسط والبعيد.

في الختام، ليس من المرجح أن يصل التقارب بين تركيا ونظام الأسد إلى مستويات متقدمة، إلا أن المسار الجديد الذي بدأته تركيا في تعاطيها مع الملف السوري سيكون له تداعيات كبيرة على المشهد العام وعلى مستقبل "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية بشكل خاص. وتدرك الإدارة أن التطبيع التركي مع النظام سيقلل من فرص استمرارها كفاعل سوري محلي، وسيقطع الطريق أمام أي اتفاق مستقبلي مع النظام، لا سيما في حال وصول دونالد ترامب مجدداً إلى السلطة في الولايات المتحدة ورغبته في تحسين العلاقات مع تركيا وروسيا واحتمالات سحب قواته كلياً أو جزئياً من سورية.

 


 

[1] بعد تصريح رئيس الوزراء العراقي حول المبادرة العراقية الخاصة برعاية المفاوضات المباشرة بين الطرفين، توالت التصريحات التركية حول الخطوات التطبيعية القادمة، لا سيما مع الإشارة التي أرسلها النظام عبر وزير خارجيته فيصل المقداد الذي تحدث بإيجابية عن مسار التقارب مع تركيا بشرط "إعلان استعدادها للانسحاب" وتقديم تعهدات بذلك، الأمر الذي يشير الى تراجع النظام عن انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية كشرط مسبق لأي خطوات نحو تطبيع العلاقات بين الجانبين. فيما اعتبر وزير الخارجية التركي أن وقف القتال بين النظام والمعارضة لفترة طويلة أمر بالغ الأهمية يقتضي من النظام تقييم مرحلة الهدوء هذه بعقلانية لتحقيق السلام مع معارضيه، وإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وتوحيد الجهود مع المعارضة لمكافحة "الإرهاب" وخاصة حزب العمال الكردستاني.

[2] إلى الرأي العام، الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال شرق سوريا، 29.06.2024، https://2u.pw/55NOF4Lh

[3] أردوغان يقر بخسارة حزبه في الانتخابات البلدية، الجزيرة 01.04.2024، https://2u.pw/rKwXEDk6

التصنيف تقدير الموقف

 

ملخص عام

يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسة والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر نيسان 2024، حيث تزداد مؤشرات عدم الاستقرار في مختلف مناطق النفوذ مع استمرار حالة الانغلاق السياسي، ففي إدلب تستمر الاحتجاجات الشعبية ضد هيئة تحرير الشام، وفي شمال شرق سورية تحاول "الإدارة الذاتية" الالتفاف على الاستحقاقات السياسية والأمنية والحوكمية المطلوبة لكسب "شرعية محلية" من خلال الإعلان عن اجراء انتخابات بلدية تقاطعها العديد من القوى السياسية والشعبية. أمنياً، في الوقت الذي تخيم فيه حالة السيولة الأمنية وعدم الاستقرار على المشهد الميداني، يستمر مؤشر انتعاش تنظيم داعش بالتصاعد مع تزايد عملياته الأمنية فيما يحاول التحالف الدولي تكثيف حملاته الأمنية لمنع انطلاقة جديدة للتنظيم. كما لا تزال الجغرافية السورية مسرحاً لحرب الوكالة الإيرانية- الإسرائيلية. على الصعيد الاقتصادي، كان إعلان الأمم المتحدة عن نيتها انشاء صندوق للتعافي المبكر انطلاقاً من دمشق دون توضيح آليات عمل الصندوق والجهات المانحة مثار قلق لدى السوريين، في الوقت الذي تستمر فيه تداعيات السياسيات الاقتصادية الكارثية للفاعلين المحليين، في مختلف مناطق النفوذ، على الشعب السوري؛ حيث تزداد تحديات تأمين الاحتياجات الأساسية مع زيادة تكاليف المعيشة في سورية بنسبة 61 بالمئة مقارنة بالعام الماضي.

ثنائية "اللاستقرار والعطالة السياسية"

أقر الكونجرس الأمريكي قانون " الكبتاغون 2"، الذي يمنح الحكومة الامريكية صلاحيات واسعة في معاقبة شبكات تهريب المخدرات أو تصنيعها أو تهريبها أو الاستفادة من الريع الناجم عنها، بصرف النظر عن جنسيته، كما يسمح القانون بإصدار عقوبات جديدة ضد المتورطين في هذه التجارة. ومن المتوقع أن يساهم هذا القانون إلى جانب الإجراءات الدولية والأمريكية السابقة في تقييد عمليات تمويل نظام الأسد والميليشيات المرتبطة به والمتورطة بشكل كبير في عمليات تصنيع وتهريب المخدرات.

في سياق آخر ومع استمرار الانغلاق في الملف السياسي، تراجع الحديث حول عقد الجولة التاسعة من أعمال اللجنة الدستورية على الرغم من تأكيد الأطراف الدولية والإقليمية المستمر على ضرورة العودة إلى مسار اللجنة، ومن المتوقع عدم انعقاد أعمال اللجنة في المستقبل القريب بسبب غياب التوافق حول مكان انعقاد اجتماعات اللجنة.

من جهة أخرى، تنوي الأمم المتحدة إطلاق برنامج خاص للتعافي المبكر في سورية انطلاقاً من دمشق بهدف إقامة مشاريع في عدد من القطاعات الاقتصادية بتمويل من بعض المانحين غير التقليديين تحت مظلة دولية. وفي حين يرتبط التعافي المبكر بالفاعلين المعنيين ومصالحهم واشتراطاتهم، الأمر الذي يجعل منه مقاربة ليست تقنية فحسب وإنما ذات مضمون سياسي تتباين فيها المبادئ والأولويات بما يفسر التعريفات المتعددة له، فإن صندوق التعافي، المزمع إنشاؤه، يحمل فرصاً بقدر ما يحتويه من مخاطر، الأمر الذي يستوجب حوكمة الصندوق بمبادئ توجيهية وأطر معيارية، لضمان مساهمته في تحقيق الاستقرار ودفع العملية السياسية التفاوضية.

محلياً، وفي إطار سعيها لزيادة أوراق القوة وكسب شرعية شعبية تحاول قسد تطوير نموذجها الحوكمي وتنظيم البيئة القانونية في مناطق سيطرتها عبر إعلان إجراء انتخابات محلية للبلديات في نهاية شهر أيار القادم. وأصدرت الإدارة قانون تنظيم عمل البلديات في الوقت الذي أعلنت فيه قوى سياسية أنها لن تشارك في هذه الانتخابات معتبرة إياها غير شرعية كونها لا تستند الى إرادة شعبية أو توافق بين القوى السياسية. وتعتبر مقاطعة القوى السياسية لهذه الانتخابات أحد المؤشرات التي تدلل على شكلانية هذه الانتخابات وعدم جدية الإدارة في تطبيق إصلاحات حقيقية فيما يتعلق بتهيئة بيئة سياسية وقانونية سليمة لتوسيع دائرة التمثيل وصناعة القرار في مؤسساتها.

من جهة أخرى، رحب مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) بوثيقة المناطق الثلاث التي صدرت عن نشطاء وأكاديميين في السويداء ودرعا وحلب، ووثيقة تجمع العمل الوطني في الساحل السوري، حيث أكد بيان مسد على أهمية وحدة السوريين دون إقصاء أو تهميش، وذلك عبر الحوار المباشر وصولاً الى الحل السياسي وفق القرارات الدولية.

وفي إدلب استمرت الاحتجاجات الشعبية ضد هيئة تحرير الشام، ويبدو أن هذه الاحتجاجات تربك الهيئة وتشغلها عن المشهد السوري العام حيث تعتبر هذه أكبر أزمة تواجهها وتهدد شرعية وجودها.

ولم تسفر "الخطوات الإصلاحية" التي اتخذتها الهيئة على الصعيد الاقتصادي والحوكمي في إيقاف هذه الاحتجاجات([1])، إلا أن الهيئة تحرص على استمرارها في سياسة الاحتواء وتجنب الاصطدام المباشر مع المحتجين واستخدام القوة المفرطة ضدهم.

ارتفاع مؤشرات السيولة الأمنية

في سياق تفاعل حرب غزة وتأثيرها على المشهد الأمني في سورية، استهدف الطيران الإسرائيلي مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، وقد تسبب القصف بمقتل 13 شخصاً من بينهم محمد رضا زاهدي قائد الحرس الثوري الإيراني في سورية ولبنان. ويعد هذا الاستهداف الأول من نوعه سواء من حيث مكانة القيادي الإيراني أو مكان الاستهداف، إذ يعد زاهدي رجل إيران الأول في سورية ولبنان، ومسؤول عن معظم سياسات إيران فيهما، وتعد هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها القصف الاسرائيلي مبنىً دبلوماسياً إيرانياً في سورية، حيث كان التركز على المواقع العسكرية والأمنية وطرق ومخازن الأسلحة.

كما شهد هذا الشهر ارتفاعاً في مؤشرات استهداف القواعد الأمريكية في سورية بعد أن توقفت بشكل شبه كامل منذ شباط الماضي، الأمر الذي يؤكد على استمرار تدهور الواقع الأمني السوري في ظل المواجهة والتنافس المستمر بين القوى الفاعلة الإقليمية والدولية على الجغرافية السورية.

بالمقابل، ارتفعت وتيرة النشاط العسكري الروسي، حيث استهدف الطيران، الحربي والمسير، مواقع قرب قاعدة التنف الأمريكية في البادية، كما أجرت تدريباً عسكرياً مشتركاً مع قوات النظام في قاعدة طرطوس البحرية، ويأتي هذا النشاط المتزايد ضمن الجهود الروسية لرفع مستوى كفاءة وفاعلية قوات النظام والتي بدأت منذ أشهر عبر تدريبات على استخدام الطيران المسير وصولاً إلى التدريبات البحرية، وهي تدريبات تأتي في سياق دعم موسكو للمؤسسة العسكرية للنظام مقابل الدعم الإيراني للميليشيات.

في الجنوب السوري، لاتزال المنطقة ميداناً للفوضى الأمنية وعمليات الاغتيال المتبادل، إذ شهدت محافظة درعا مقتل عدد من ضباط وعناصر قوات النظام والأجهزة الأمنية التابعة له جراء استهدافهم بالعبوات الناسفة وإطلاق النار  والاشتباكات في الصنمين ودرعا البلد وبصر الحرير وريف درعا الغربي، وارتفعت عمليات استهداف قوات النظام لجهة نوعية وعدد حالات الاغتيال والاشتباكات وتنظيمها، حيث تعرضت الحواجز العسكرية في ريف درعا الغربي والقنيطرة لهجمات متزامنة أوقعت قتلى وجرحى في صفوف قوات النظام، كما أعلن مقاتلون ملثمون تشكيل " كتيبة الظل" بهدف مواجهة التواجد الإيراني والميليشيات المرتبطة به في مناطق درعا والقنيطرة.

في إدلب، لا تزال ديناميات الصراع الداخلي بين قيادات هيئة تحرير الشام وتفاعل "قضية العملاء" وتصاعد الاحتجاجات الشعبية تلقي بظلالها على الواقع الأمني للمنطقة، إذ تعرض القيادي في هيئة تحرير الشام أبو ماريا القحطاني لعملية اغتيال أثر تفجير انتحاري استهدفه في مدينة سرمدا، وتعرض عدد من الناشطين الفاعلين في تنظيم المظاهرات لاعتداءات ومحاولات اغتيال، إلا أنَّ تداعيات الأحداث لم تخرج عن سيطرة هتش. كما لا تزال المنطقة عرضة لهجمات الطيران المسير، الذي زاد تعويل النظام عليها في استهداف مناطق شمال غربي سورية، بالإضافة إلى القصف المدفعي.

في شرق سورية، جدد الطيران التركي استهداف البنية التحتية والموارد الاقتصادية والمنشآت النفطية في مناطق سيطرة قسد. وفي سياق مكافحة نشاط تنظيم الدولة، نفَّذ التحالف الدولي 28 عملية ضد مواقع التنظيم، أسفرت عن مقتل 7 عناصر واعتقال 27 آخرين. من جهته نفذ التنظيم 15 عملية استهدف خلالها " قوات سوريا الديمقراطية"، وتوزعت العمليات في دير الزور والحسكة وحلب، كما أسفر استهداف التنظيم لحافلة تابعة لميليشيا لواء القدس عن مقتل 21 عنصراً. وتشير عمليات تنظيم داعش الأخيرة إلى استمراره في عملية التعافي واستعادة النشاط في الجغرافية السورية بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها، كما تعيده مجدداً إلى قائمة مهددات الأمن والاستقرار في سورية والإقليم.

التعثر الاقتصادي كسمة عامة

بعد التحسن المؤقت لليرة السورية خلال شهر رمضان انخفضت قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية 14250 أمام الدولار الأمريكي. ويؤكد هذا التراجع ارتباط التحسن بمعدل الحوالات الخارجية الآتية إلى السوق مقابل ارتفاع الطلب على الليرة. 

كما رفع مصرف سورية المركزي سعر صرف الدولار الخاص بالحوالات بمقدار مئة ليرة، بعد أكثر من شهر على ثبات السعر، ورفع كذلك سعر صرف الدولار الخاص بالجمارك بعد أربعة أشهر على رفع قيمته بنحو 30%. ومن شأن ارتفاع الدولار الجمركي أن يساهم في زيادة تكاليف المواد الخام والسلع والخدمات المستوردة من الخارج وهو ما قد ينعكس سلباً على العملية الإنتاجية وتوفر السلع في السوق، وبالمحصلة على السكان بعد ارتفاع الأسعار في السوق تزامناً مع انخفاض القوة الشرائية، حيث ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من 5 أفراد خلال شهر آذار الماضي إلى نحو 12.5 مليون ليرة، في وقت لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور 278 ألفاً و910 ليرات، أي أقل من 20 دولاراً.

وفي أول مشاركة له بموسم الحج منذ 12 عاماً، استغلّ النظام الموسم لتعزيز قيمة الليرة من خلال تحديد طريقة تسديد رسوم الحج بالدولار الأمريكي من جهة، وإلزام الحجاج المستنكفين بإعادة استبدال الليرة السورية بالدولار.

من جهة أخرى، رفعت حكومة النظام أسعار البنزين والمازوت والغاز المنزلي، وتأتي هذه الزيادة في إطار رفع أسعار المحروقات بشكل دوري كل 15 يوم تماشياً مع استراتيجية النظام بتخفيض الدعم. ولا يزال ارتفاع أسعار الطاقة أحد الحوامل الرئيسية لمعدل التضخم. وعلى إثر زيادة أسعار الكهرباء طالب صناعيون في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام بضرورة إصدار قرارات سريعة لتخفيض تعرفة الكهرباء الصناعية تفادياً للخسائر الكبيرة في القطاع، حيث أصبحت سورية أغلى دولة في تسعيرة الكهرباء بين دول الجوار، ويهدد ارتفاع الكهرباء، إضافة إلى فقدان مادة الفيول لتشغيل المولدات، إلى توقف صناعة النسيج والألبسة بشكل كامل.

في شمال غرب سورية، دعت وزارة الزراعة في حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، المزارعين الراغبين بزراعة محصول القطن ضمن مشروع “القرض العيني الحسن” لعام 2024، إلى الاكتتاب على البذار المطلوبة والمحروقات والسماد. في حين زادت مساحات زراعة البصل في رأس العين بريف الحسكة على أمل تحقيق أرباح بعد خسائر تعرض لها المزارعون في محصولي القطن والقمح إثر كسادهما وعدم وجود سوق تصريف لهما، إضافة إلى تحكم التجار بتحديد السعر. وبحثاً عن الربح أيضاً شهد عام 2024 إقبالاً واسعاً من المزارعين في إدلب على زراعة الكمون، أكثر من الزراعات التقليدية المعتادة كالقمح والشعير إذ بلغت المساحة المزروعة بشكل تقريبي 4350 هكتاراً في إدلب وأريافه وإضافة إلى الكمون فقد زادت زراعة العصفر في إدلب وريف حلب بشكل ملحوظ نظراً لمقاومة النبتة لتقلبات المناخ، وأسعارها المرتفعة في السوق. وعلى صعيد الأسعار فقد شهدت سلة النفقات الأدنى قيمة للبقاء على قيد الحياة (SMEB)، والتي تعد مؤشراً لتكاليف الأصناف الأساسية التي تحتاجها أسرة مكونة من 6 أفراد لمدة شهر، زيادة في تكلفتها بنسبة 61 بالمئة خلال العام الماضي؛ حيث تعكس هذه الزيادات التحديات المتزايدة التي تواجه الأسر في تأمين احتياجاتها الأساسية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

أما في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، تسعى "الإدارة الذاتية" لزيادة نسبة فرض الضرائب بهدف تغطية العجز المالي في ميزانيتها، حيث فرضت على أصحاب محطات الوقود دفع مبلغ مالي جديد قيمته عشرة آلاف دولار مقابل استمرار تزويدها بالوقود أو تعرضها للإغلاق في حال عدم الدفع، وتعمل الإدارة منذ أشهر على إصدار قرارات جديدة من شأنها توفير مصادر ومبالغ مالية في خزينتها العاجزة عن تأمين رواتب موظفيها مطلع كل شهر. وتلقي هذه الزيادات أعباء مالية جديدة على السكان تؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة وإثارة سخط التجار وأصحاب المشاريع والشركات.

من ناحية أخرى تسعى الإدارة لزيادة استلام محصول القمح عبر زيادة مراكز التسليم إلى 30 مركز بقدرة استيعابية تفوق المليون ونصف المليون طن، وهو الإنتاج المتوقع في مناطق شمال شرق سورية، كما عقدت عدد من الورشات والاجتماعات بهدف تخفيف أعباء وتكاليف نقل وتكييس القمح عن المزارعين، وتأتي هذه الخطوات في سياق التنافس بين نظام الأسد والإدارة الذاتية للحصول على قمح المنطقة.


 

([1]) أعلنت هيئة تحرير الشام عن سلسلة من الإجراءات لاحتواء الاحتجاجات منها، استحداث إدارة "الأمن العام" التي ستعمل تحت إشراف حكومة الإنقاذ، إضافة الى إعادة هيكلة الجناح العسكري، كما أصدرت حكومة الإنقاذ عفواً عاماً عن المعتقلين، وأعلنت عن تخفيض رسوم بعض المواد الخدمية وسياسات ضريبية جديدة، وإطلاق حوار مع المجتمع المدني.

التصنيف التقارير

ملخص تنفيذي

• تحاول "قسد" عبر إعلانها العقد الاجتماعي وتعديلاته وقانون الأحزاب السياسية كسب غطاء قانوني لسلطة الأمر الواقع التي تفرضها بالقوة على سكان منطقة شمال وشرق سورية، ولكن هذه النصوص تعاني من مشاكل شرعية وبنيوية وتطبيقية تفقدها قيمتها، في ظل هيمنة فكرية وسياسية وأمنية واضحة من قبل كوادر "حزب الاتحاد الديمقراطي".
• تفيد خارطة الفواعل السياسية أن جل حراكها يسير باتجاهين لا ثالث لهما: إما القبول بالانضمام إلى “الإدارة الذاتية" والرضى بقيادة وهيمنة "حزب الاتحاد الديمقراطي"، في استنساخ لتجربة حزب البعث في سورية من خلال "الجبهة الوطنية التقدمية" مع تحصيل بعض الأدوار الهامشية، أو التصنيف كمعارضة والتعرض للتضييق والمحاصرة.
• تخضع آلية صنع القرار والموقف السياسي داخل الإدارة لتوازنات تفرضها أجندات وإملاءات من قيادة "حزب الاتحاد الديمقراطي"، المتأثرة عضوياً بمحددات "حزب العمال الكردستاني"، مع الإقرار بوجود بعض المؤثرات الداخلية والخارجية على هذه القرارات.
• تنطلق محددات "الإدارة الذاتية" في تقاربها مع النظام من ضرورة تحصيل مكاسب تشرعن سلطة الأمر الواقع، وللبحث عن خيارات أخرى لمواجهة التهديدات التركية، كما أنها تنفتح على بعض الأطراف المعارضة في محاولة لتأطير مساحات عمل مشتركة تخفف من خسائرها، جراء عدم وجودها في الأطر الرسمية للمعارضة السورية.
• أثّرت عملية "نبع السلام" بشكل واضح على سلوك "قسد" السياسي إذ انفتحت على روسيا والنظام بشكل أكبر، كما كان للعملية أثر في تغليب "التيار اليميني" في حزب الاتحاد الديمقراطي والمرتبط بحزب العمال بشكل ملحوظ، على "التيار الإصلاحي" الذي حاول التقارب أكثر مع الغرب، كما أن دخول روسيا بشكل فاعل في الشرق السوري بعد عام 2019 أعطى الإدارة ورقة سياسية جديدة للتفاوض، لكنه اضطرها كذلك لتقديم تنازلات سياسية وأمنية، مع احتفاظها بهامش مناورة سياسية في علاقتها مع روسيا والدول الغربية.
• إضافة إلى الفجوات والمعوقات البنيوية داخل "قسد"؛ فإن مشروعها بشكل عام مرتبط باتجاهات الملف السوري المستقبلية، ففي حال تعزيز سيطرة المركز على الأطراف، ستحاول الإدارة تحصيل مكاسب بسيطة من النظام وداعميه. فيما يشكّل خيار تحريك الملف السوري فرصة لها لتقديم نفسها كشريك جديد، لكنه لن يلقى القبول الإقليمي والمحلي. بينما يرجح سيناريو بقاء الجمود كما هو عليه، وبالتالي استمرار سعي الإدارة لتكريس لامركزية الأمر الواقع.

مقدمة

تسيطر "الإدارة الذاتية" لـشمال شرق سورية منذ عام 2013 على مساحة واسعة من الجغرافية السورية، تربط معها مجموعات سكانية كبيرة، تتميز بالتنوع الإثني والديني والاجتماعي، ونظراً لما تمتلكه من تأثير مباشر على ديناميات الحكم المحلي الذي يتخذ شكلاً "فدرالياً"؛ فإن هذه الدراسة تحاول فهم واقع هذه الإدارة، وتلمّس اتجاهاتها المستقبلية، وذلك من مدخل الأداء السياسي لهذه الإدارة متمثلة في "مجلس سوريا الديمقراطية"، وأيضاً "قوات سوريا الديمقراطية"، ومعرفة عوامل استمرارها أو عدم استمرارها، في ظل تبدلات المصالح الدولية في سورية على وجه العموم ومنطقة شمال شرق سورية على وجه الخصوص.
تتمثّل إشكالية هذه الدراسة في تفكيك وتحليل المقولات والأداء السياسي لـ “لإدارة الذاتية"، وبيان مدى اتساقها مع رؤية الإدارة المعلنة، والمتمثلة بأنها "مظلة سياسية انعكاساً لإدارة التنوع فيها"، بينما تحاول فرض مشروعٍ سياسيٍّ ليكون "نموذجاً بديلاً" عن النظام السياسي الراهن، وذلك من خلال قياس مؤشرات الفاعلية الأداء السياسي، عبر رصد البيانات، وتحليل التصريحات الرسمية، وفهم بوصلة الاجتماعات والفعاليات، للتمكن من تكوين مقاربة تفضي إلى فهم واقع هذا المؤشر وسيناريوهاته المستقبلية.
تتبع هذه الدراسة منهج دراسة الحالة، فتفرد في فصلها الأول تفصيلاً حول المحددات القانونية الناظمة للحياة السياسية، وبيان حجم تحكّم الإدارة الذاتية "التي يشكّل حزب الاتحاد الديمقراطي عصبها الرئيس" في رسم هذه المحددات وأطرها العامة، سواء في العقد الاجتماعي المطروح، أو من خلال قانون الأحزاب الذي أعلنته الإدارة. بينما يستعرض الفصل الثاني سمات الحياة الحزبية في "الإدارة الذاتية"، ويقيس نوعياً مؤشر الحريات السياسية فيه، باعتبار ذلك تطبيقاً عملياً للمحددات القانونية أعلاه، وبالتالي تلمّس الفجوات ما بين النظرية والتطبيق.
أما الفصل الثالث فتحاول الدراسة فيه توضيح آليات صنع القرار السياسي ومؤسساته، وأبرز شخوصه، والعوامل المؤثرة فيه، وفهم أدوات "حزب الاتحاد الديمقراطي" للتحكّم في هذا القرار. ويوضّح الفصل الرابع الفلسفة والرؤية السياسية للإدارة، من خلال معايير عدة، كالحوار الكردي-الكردي، والموقف من النظام والتفاوض معه، ناهيك عن موقفها من الفواعل المحلية والخارجية. وقد تمت قراءة مؤشرات الأداء السياسي لـ “لإدارة الذاتية" خلال الفترة التي تلت إعلان وقف إطلاق النار عام 2019، من خلال محددات أساسية عدة هي: البيانات الرسمية، والتصريحات الصحفية لقادة الإدارة الذاتية، والنشاط الدبلوماسي سواء العلاقات مع القوى الدولية، أو مع القوى المحلية، بالانطلاق من عملية "نبع السلام" كنقطة تحول لما أحدثته من تغيرات جديدة في توازنات القوى شرق سورية، مدخلةً قوى جديدة بشكل فاعل إلى مناطق الشرق السوري.
وفي الفصل الأخير تحاول الدراسة بيان الاتجاهات المحتملة لمستقبل هذه الإدارة، في ظل الجمود السياسي والتمترس الجغرافي الذي يعانيه المشهد السوري منذ وقف إطلاق النار غير المعلن في عام 2020.

عقد اجتماعي وإطار قانوني: مستلزمات شكلانية

يعود تأسيس "الإدارة الذاتية" إلى 13 آب /أغسطس عام 2013، حين أعلن "حزب الاتحاد الديمقراطي pyd" خلال مؤتمر صحفي بمدينة القامشلي، حضرته آسيا عبد الله الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي، عن انتهاء المرحلة الأولى لمشروع الإدارة الذاتية، وتم إطلاق هيئات تنفيذية في مختلف مناطق سيطرة الحزب. مطلع 2014 تم الإعلان عن أول حكومة محلية في مقاطعة الجزيرة مؤلفة من عدد من الوزراء ينتمون إلى مكونات سياسية واجتماعية عدة(1)، وفي نهاية عام 2023 تم الإعلان عن عقد اجتماعي جديد تم من خلاله تغيير اسم "الإدارة الذاتية" إلى "الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال شرق سوريا"(2)، ومع انطلاق العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش ودعم التحالف الدولي لـ "وحدات حماية الشعب" الجناح العسكري لـ "حزب الاتحاد الديمقراطي"، تم الإعلان في 11 تشرين الأول/أكتوبر عام 2015 عن إطلاق تحالف عسكري تحت مسمى "قوات سوريا الديمقراطية/قسد" ضم إلى جانب وحدات حماية الشعب قوات عشائرية عربية، مثل "الصناديد" التابعة لقبيلة شمر(3)، وقوات "سوتورو" السريانية(4)، وكتائب أخرى.
في 10 كانون الأول/ديسمبر عام 2015 تم الإعلان عن تشكيل "مجلس سوريا الديمقراطية/مسد" وهو الجناح السياسي لـ “قسد"، وبذلك اكتملت ثلاثة أركان للمشروع الجديد تمثلت بـ: هيئة تنفيذية هي "الإدارة الذاتية"، قوات عسكرية "قسد"، ممثل سياسي "مسد". ويشكل كوادر "حزب الاتحاد الديمقراطي" الفاعل الأساسي في الأجسام الثلاثة.

وقد عملت "الإدارة الذاتية" على فرض نفوذها الإداري والأمني والاجتماعي والعسكري والسياسي في منطقة شمال شرق سورية، إذ شكلت قوات الأمن الداخلي "الأسايش" لحفظ الأمن، وقسمت المقاطعات وشكلت هيئات حكم تشريعية، وأطلقت نظام الكانتونات والكومينات لضمان الوصول إلى كل القرى والأحياء، كما تم تفعيل رئاسة تنفيذية مشتركة وهيئات تنفيذية على شكل وزارات، مثل: هيئة العلاقات الخارجية، هيئة الدفاع والحماية الذاتية، هيئة الداخلية، هيئة العدل، هيئة التربية والتعليم، هيئة الزراعة.
يحتاج "الإدارة الذاتية" إلى قواعد ونواظم قانونية كضرورة لضبط علاقة مؤسساتها بالمجتمع الذي تحكمه، وبهذا الإطار أصدرت عقداً اجتماعياً وقانوناً ناظماً للحياة الحزبية.

العقد الاجتماعي

عملت "الإدارة الذاتية" على إضفاء شرعية دستورية لسلطتها التي فرضتها على منطقة شمال شرق سورية وعفرين كأمر واقع، من خلال إعلان وثيقة عقد اجتماعي. فقد أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي أن مجلس مقاطعة الجزيرة صادق بتاريخ 6 كانون الثاني/ يناير 2014 على ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية، والذي كان بمثابة إعلان دستوري يتضمن: ديباجة، وتسع أبواب، تلاها إصدار 4 ملاحق إضافية(5).
تناولت مواد العقد الاجتماعي تعريفات للسلطة والمؤسسات التشريعية والنظام التعددي، ثم هيكلية "الإدارة الذاتية الديمقراطية" التي تشمل المجالس التشريعية ووحدات حماية الشعب والهيئات التنفيذية والقضائية والمحكمة الدستورية العليا، كما تناول موضوع الحريات والحقوق والواجبات، وحرية الإعلام وتشكيل الأحزاب السياسية، وقدم شرحاً عن المجلس التنفيذي والمجلس القضائي، والمفوضية العليا للانتخابات، والمحكمة الدستورية العليا، والمناهج التعليمية.
وصدرت أربعة ملاحق للعقد الاجتماعي، تضمن الأول الصادر عام 2014، تعديلات على هيكلية المجلس القضائي لمقاطعة الجزيرة، وعدّل الثاني الصادر عام 2014 المادة 54 لاشتراط أن يكون "الحاكم مشتركاً بين الجنسين"، وفي الملحق الثالث الصادر عام 2016 عدّلت بعض المواد المتعلقة بالهيكلية التنظيمية للمجلس التنفيذي لمقاطعة الجزيرة، وتضمّن الملحق الأخير الصادر عام 2018 تعديل المادتين 55 و58 من العقد الاجتماعي المتعلقتين بالحاكمية المشتركة لإقليم الجزيرة.
وبتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر2023 أصدرت "الإدارة الذاتية" النسخة المعدلة من العقد الاجتماعي الذي تضمن ديباجة وأربعة أبواب، وقد تمثّلت أبرز التعديلات في تغيير اسم "الإدارة الذاتية" إلى "الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا"، وتعديل تسمية "المجلس العام" إلى "مجلس شعوب شمال وشرق سوريا"، والتأكيد على اعتماد "النظام الديمقراطي البيئي المجتمعي"، مع استمرار مبدأ الرئاسات المشتركة، والإشارة إلى أن الإدارة جزء من جمهورية سورية "الديمقراطية"، كما تضمن العقد تغييرات طالت هيكلية البلديات في جميع المناطق، وتحويل هيئة البلديات إلى تجمّع واتحاد البلديات، وأقر استحداث مؤسسة رقابة ومجلس جامعات، وإنشاء مكتب مدفوعات مركزي، ومحكمة حماية العقد الاجتماعي التي تعد بمقام محكمة دستورية(6).
وبغض النظر عن المغالطات المفاهيمية حول العقد الاجتماعي المطروح؛ فإنه يعدّ بمثابة القانون الأعلى/الدستور، وعليه ستحاول الدراسة تتبع معايير المصداقية والقابلية للتنفيذ، من خلال أربع ركائز رئيسة وهي: شرعية هذا العقد، وأدوات إنتاجه، وفلسفته، ومستلزمات تنفيذه.
فيما يخص ركيزة الشرعية، وعلى الرغم من محاولة "قسد" إظهار هذا العقد على أنه مصدر شرعيتها الدستوري؛ إلا أن غياب مؤشرات التمثيل السياسي والقبول المجتمعي تجعل العقد بمثابة قواعد حكم سلطة أمر واقع، تهدف من خلاله إلى شرعنة وجودها الطارئ الذي استحوذت عليه بالتغلّب والقوة، دون أية مراعاة لآليات التوافق والتمثيل، سواء التوافق المجتمعي أو الانتخابات التمثيلية(7).
أما الركيزة الثانية المتمثلة بـأدوات إنتاج هذا العقد، فعلى الرغم من توفير إطار شكلاني يدل على مناقشات سبقت إنتاج هذا العقد؛ إلا أنها شهدت غياب التنسيق والحوار مع أهم الفاعلين السياسيين المحليين في منطقة شمال شرق سورية، مما يجعله عقداً من منظور "حزب الاتحاد الديمقراطي"، إذ تشير الوقائع إلى أن اللجنة مكونة من ممثلي أحزاب ومنظمات مدنية محسوبة على "حزب الاتحاد الديمقراطي" أو الأحزاب الموالية له، بينما غاب الممثلون الحقيقيون لمنظمات المجتمع المدني وبقية الأحزاب السياسية في المنطقة.
وفيما يرتبط بركيزة الفلسفة، تؤكد نصوص هذا العقد على مضمون فلسفة "حزب العمال الكردستاني" و"الاتحاد الديمقراطي" التي رسمها عبد الله أوجلان، ما يثبت أنه انعكاسٌ لثقافة سياسية حزبية، وليس إطاراً ثقافياً للمنطقة بكل مكوناتها وتنوعاتها، إذ أكد العقد على مبدأ "الأمة الديمقراطية"، وهو مدخل فكري رئيس لكوادر حزب العمال والاتحاد الديمقراطي للسيطرة على جميع مؤسسات الدولة، وفرض هذه الأفكار بالقوة على المجتمع، وتحويلها إلى إيديولوجيا رسمية، كما تدل المضامين القانونية لمواد هذا العقد على إشارات سياسية غير متفق عليها داخل مناطق سيطرة الإدارة وخارجها، كترسيخ فكرة الفدرالية بشكل عام، ووفق مفهوم "الإدارة الذاتية" للفدرالية بشكل خاص، عبر إطلاق اسم "إقليم شمال وشرق سورية"، إضافة للإشارة إلى اتخاذ علم ونشيد خاص، وقوى عسكرية خاصة، ومجالس تشريعية كذلك، كما تعد نصوص هذا العقد التفافاً واضحاً على العملية السياسية والمستندات القانونية الناظمة لها، كالقرار الدولي 2254 الذي أنتج لجنة دستورية بإشراف أممي، مهمتها كتابة دستور سوري جديد.
وأخيراً ما يتعلق بركيزة قابلية التنفيذ، فبالإضافة إلى غياب آليات تشكيل وتعيين مسؤوليها، والتي تعد مؤشراً دالاً على تحكّم الحزب في هذه الأدوات، وبالتالي مركزة القوة بيد الحزب؛ فإن غياب البنية المؤسسية والرقابة المستقلة والقضاء المستقل هي مؤشرات دالة على عدم القدرة على تحويل نصوص هذا العقد إلى واقع، وكل الإيحاءات والإشارات حول التنوع والتعددية والديمقراطية ستبقى صيغاً شكلانية، طالما استمر غياب أداوت إدارة التنوّع، وأدوات إدارة الاختلاف، وأدوات توزيع القوة بين مكونات هذه المظلة السياسية. إذ تؤكد المقاربات المحلية أن كوادر "حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني" يفرضون ما يريدون بالقوة على جميع المؤسسات والمجالس التشريعية والسياسية(8)، كما برزت مشاكل تعيين قادة "الإدارة الذاتية"، وحكام الأقاليم والمقاطعات وتشكيلات المجالس المدنية، بسبب تعيينهم دون انتخابات مباشرة ودون اشتراط الكفاءة، إنما وفقاً لمدى قربهم وولائهم لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي"(9).

النواظم القانونية للحياة السياسية

أصدرت المجالس التشريعية بمناطق الإدارة الذاتية في 26 نيسان/ أبريل العام 2014، قانوناً ينظم عمل الأحزاب الكردية في مناطق سيطرتها، قوبل بمعارضة من أحزاب وشخصيات كردية، ويقضي القانون بوجوب حصول أي حزب سياسي كردي في سورية على ترخيص رسمي من المجالس لمباشرة عمله بالمقاطعات (الكانتونات) الثلاث التابعة "للإدارة الذاتية"، وهي: عفرين وعين عرب/كوباني والجزيرة، وفقاً للتقسيم المفروض من "حزب الاتحاد الديمقراطي" أواخر ديسمبر/كانون الأول عام 2013(10).
وتعمل الإدارة على تطوير قانون الأحزاب بين الحين والآخر، إذ بدأت في شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2021 بصياغة قانون لتنظيم الحياة السياسية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وذكرت أن المجلس العام التابع لها عقدَ اجتماعاً هو الأول من نوعه مع لجنة كتابة مسودة قانون الأحزاب السياسية(11)، وكانت إدارة إقليم الجزيرة التابعة "للإدارة الذاتية" قد أصدرت قانوناً خاصاً بترخيص الأحزاب السياسية في الإقليم بتاريخ 12/5/2018، تضمن 41 مادة، توضح شروط تأسيس الأحزاب وترخيصها، إضافة إلى وجود أربع مواد في نهاية القانون حول المخالفات والعقوبات لكل من لا يلتزم بالترخيص أو يخالف أحد شروطه(12).
ولا بد من الوقوف على المثالب القانونية لهذا القانون، المتمثلة في شرعية الجهة التي أصدرت القانون، ومراحل صياغة القانون وإقراره. فمن جهة شرعية الجهة مصدرة القانون، سواء اللجنة التي شكلها المجلس العام لكل المقاطعات، أو القانون الذي أصدره إقليم الجزيرة وحده، لا تعد هذه الجهات شرعية، لأنها لم تأت عبر انتخابات عامة، وإنما بالتعيين من قبل "حزب الاتحاد الديمقراطي"، ووفق العقد الاجتماعي تتكون مجالس الشعب لكل الوحدات الإدارية من أفراد يمثلون هذه الوحدة بما نسبته 60 بالمئة، و40 بالمئة من ممثلي المؤسسات والمنظمات (المحسوبة على الاتحاد الديمقراطي) حتى لو حصلت الانتخابات، الأمر الذي يضمن ل"حزب الاتحاد الديمقراطي" السيطرة على هذه المجالس، من أصغر وحدة إدارية وصولاً إلى المجلس العام. أما عن مراحل إقرار هذا القانون، فقد جاء نتيجة مشاورات من لجنة مكلفة من قِبل المجلس العام دون النظر والتشارك مع بقية الأطراف، كما أن لجنة تنفيذ القانون والموافقة على تشكيل الأحزاب مؤلفة من 6 أشخاص ممثلين عن: هيئات مكاتب العدل، والداخلية، والعمل، ومجالس الشعب، والرئاسة المشتركة، ومفوضية الانتخابات (13)، وهم محسوبون على سلطة الإدارة التي يتحكم فيها "حزب الاتحاد الديمقراطي"، وتعتبر هذه المؤشرات كافية لاعتبار الحزب متحكماً بمصادر وقنوات سن التشريع.
وبقراءة هذه التشريعات يمكن تلمّس ملاحظات قانونية عدة، أهمها: أن الحديث عن إصدار قانون أحزاب مرتبط بأن تكون هناك دولة وسلطة، ومؤسسات تشريعية على الأراضي السورية كافة، وهي مهمة الدولة بحكم وظيفتها التشريعية، وليست مهمة حزب أو ميليشيا عسكرية، كما أن القانون يجب أن يشمل الأراضي السورية كافة، وليس كانتوناً بحد ذاته. إضافة لثغرات قانونية تتعلق بالتنظير دون أي فاعلية على الأرض، كما أن الأحزاب يجب ألا تقوم على أساس ديني أو مذهبي أو مناطقي أو قبلي، أو على أساس التمييز بالعرق أو الجنس أو اللون أو الدين، وهذا غير متوفر عند مُصدري هذا القانون. إلى ذلك يجب ألا ينطوي نشاط الحزب على إقامة ميليشيات أو تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، بل أن يبتعد عن استخدام العنف بكل أشكاله، وهذا ما لا ينطبق على "حزب الاتحاد الديمقراطي". إضافة إلى مسألة إعلان أهداف الحزب ومصدر تمويله، وهي مسألة غابت عن القانون، لأن واضعيه ينتمون إلى حزب لديه أجندات ومصادر تمويل غير معلومة، مما يجعلنا أمام تجربة مستنسخة عن إصدار نظام البعث لقانون الأحزاب، وتشكيل الجبهة الوطنية من الأحزاب التي يرضى عنها (14).
يبدو أن "قسد" استغلت هذا القانون ليكون وسيلة للضغط على الأحزاب، حتى المرخصة منها، فهي تعمل على التضيق عليها، وتكثر التعديات على الأحزاب السياسية في المنطقة من قبل الإدارة الذاتية وأذرعها العسكرية، وكمثال على ذلك: فقد أصدرت الإدارة قراراً يقضي بوقف نشاطات "الحزب الجمهوري الكردستاني" العامل ضمن مناطقها، وإغلاق المكاتب التابعة للحزب كافة، بذريعة ارتكابه مخالفات (15).
قبل التعديل الأخير للعقد الاجتماعي لم تكن هناك مؤسسة تمثل المحكمة الدستورية عند "الإدارة الذاتية"، للإشراف على مراقبة تنفيذ بنود العقد الاجتماعي وحمايته، وكان الأمر متروكاً للمؤسسات القضائية الموجودة في كل منطقة، علماً أن القضاء في مناطق الإدارة يمتلك نسبة فاعلية متدنية، إذ تحولت مؤسسات القضاء إلى دوائر تسيير معاملات أكثر منها دوائر عدلية دستورية، لما تعانيه المؤسسة القضائية من مشكلات في البنية والتمثيل، إضافة إلى سيطرة كوادر حزب العمال عليها. كما أن العقد الاجتماعي بات أقرب إلى النظرية دون تطبيق فعلي على الأرض، بسبب المركزية التي يفرضها "حزب الاتحاد الديمقراطي" على مختلف السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في مناطق سيطرة الإدارة (16).
تحاول "قسد" عبر إعلانها العقد الاجتماعي وتعديلاته، وقانون الأحزاب السياسية، كسب غطاء قانوني لسلطة الأمر الواقع التي تفرضها بالقوة على سكان منطقة شمال وشرق سورية، ولكن هذه النصوص تعاني من مشاكل شرعية وبنيوية وتطبيقية تفقدها قيمتها، في ظل هيمنة فكرية وسياسية وأمنية واضحة من قبل كوادر "حزب الاتحاد الديمقراطي"، تتجلى في مركزيتهم في عمليات إقرار القانون وتنفيذه وتفسيره، في ظل استمرار غياب أي قنوات قضائية أو رقابية مستقلة.

الحياة السياسية في مناطق "الإدارة الذاتية": استنساخ سلوك البعث

تنشط في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية تحالفات حزبية، كل تحالف مكون من عدد من الأحزاب يغلب عليها الطابع القومي الكردي، وهي أربع تحالفات رئيسة: أحزاب الوحدة الوطنية، حركة المجتمع المدني تف دم، المجلس الوطني الكردي، التحالف الوطني الكردي.

الخارطة الحزبية في مناطق الإدارة الذاتية

أولاً: أحزاب "الوحدة الوطنية" المنخرطة في مشروع "الإدارة الذاتية الديمقراطية"

أعلن يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2014 عن تأسيس "الإدارة الذاتية"، المشكلة من تحالف بين حركة المجتمع الديمقراطي وأحزاب سياسية وعشائر وتجمعات مدنية، وتم الإعلان يوم 18 آيار/مايو 2020 عن تحالف أحزاب "الوحدة الوطنية الكردية"، على رأسها "حزب الاتحاد الديمقراطي"، وتضم أكثر من 25 حزباً، موضحة في الجدول أدناه (17).

 

 

يعد تحالف أحزاب "الوحدة الوطنية" الممثل الرسمي للتحالف السياسي الذي يضم جميع مؤيدي مشروع "الإدارة الذاتية"، ويقوده "حزب الاتحاد الديمقراطي"، في تجربة قريبة إلى حد كبير من تجربة "الجبهة الوطنية التقدمية" التي يقودها "حزب البعث العربي الاشتراكي" عند النظام السوري، مع أدوار هامشية للأحزاب الأخرى، ومركزية قرار واضحة لحزب الاتحاد وقيادات حزب العمال، إذ تحصل هذه الأحزاب وفق مقاربات محلية على بعض المناصب في المؤسسات الخدمية، ولكن دون فعل حقيقي، وقد تحصل كذلك على بعض الدعم المالي، سواء للحزب أو لشخصيات بعينها بقصد "شراء الولاء" (18).

ثانياً: حركة المجتمع الديمقراطي "تف دم"

تأسست الحركة يوم 3 نيسان/أبريل عام 2011، وكانت تتألف من أربع كيانات رئيسة هي: مجلس شعب غربي كردستان، حزب الاتحاد الديمقراطي، اتحاد ستار، منظمة عوائل الشهداء. وكانت تمثل الواجهة السياسية لنشاط "الإدارة الذاتية" حتى تشكيل "مجلس سوريا الديمقراطي"، ثم توسعت لتضم 9 كيانات موضحة في الجدول أدناه (19).

تعد "حركة المجتمع الديمقراطي" أول واجهة سياسية لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" بعد تأسيس "الإدارة الذاتية"، وكانت كردية بالكامل، ولكن مع دخول مزيد من التحالفات والأحزاب السياسية تحت مظلة الإدارة أعلنت الحركة عام 2020 أنها تحولت إلى حركة مدنية تبتعد عن العمل السياسي، ويعد ذلك مؤشراً وازناً على محاولة "حزب الاتحاد الديمقراطي" التفاعل والسيطرة على المجال المدني.

ثالثاً: المجلس الوطني الكردي

تأسس يوم 26 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2011 ويضم أحزاب كردية سورية عدة، كان معظمها نشطاً قبل الثورة السورية، وللمجلس ممثلون في الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض السورية واللجنة الدستورية، وينخرط في تحالف سياسي إلى جانب تيار الغد والمنظمة الآثورية الديمقراطية تحت مسمى "جبهة الحرية والسلام"، ولكن تبدلت أسماء كثيرة من الأحزاب المشاركة فيه وتعرض لانشقاقات، ويوضح الجدول أدناه مكونات المجلس الوطني الكردي (20).

يمتلك المجلس الوطني الكردي شرعية دولية، باعتباره مشاركاً في هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، فيما تحاول "الإدارة الذاتية" تحصيل الشرعية من فرض سيطرتها على الأرض، وسط استمرار فشل الحوار بين المجلس الوطني والإدارة. مما يجعل الحياة السياسية في منطقة سيطرة الإدارة لوناً واحداً يرفض أي محاولة معارضة، ورغم أن معظم أحزاب المجلس لديها مكاتب في مدن محافظة الحسكة، لكنها تتعرض لمضايقات متكررة من أجهزة "قسد" الأمنية، ويعلن المجلس الوطني الكردي صراحة عدم اعترافه بسلطة "الإدارة الذاتية" وتشريعاتها، وأصدر بيانات عدة تعارضها، كما أنه انخرط في حوار معها برعاية أميركية في إقليم كردستان العراق، ولكنه وصل إلى طريق مسدود.

رابعاً: التحالف الوطني الكردي

تأسس عام 2016 من مجموعة أحزاب تركت المجلس الوطني الكردي، ويضم خمسة أحزاب رئيسة، موضحة في الشكل أدناه (21).

يحاول التحالف من خلال بياناته الرسمية أخذ موقف مختلف قليلاً عن "الإدارة الذاتية" و"المجلس الوطني الكردي"، ولكن لا يمكن قياس وزنه وتأثيره السياسي نتيجة عدم توفر البيانات الكافية، إذ يعلن صراحة رفضه لما حصل في رأس العين وعفرين، ويصف الوجود التركي بـ"الاحتلال"، وفي الوقت نفسه يوجه انتقادات "للإدارة الذاتية" بخصوص بعض الأمور الخدمية، ولكنه لا يناصبها العداء كما يفعل المجلس الوطني الكردي (22).

خامساً: أحزاب أخرى

1. المنظمة الآثورية الديمقراطية: نشطت قبل الثورة كتيار معارض للنظام السوري بين أبناء المكون السرياني والآشوري في سورية، وتشارك المنظمة حالياً في الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض السورية واللجنة الدستورية، كما تعد أحد مكونات جبهة الحرية والسلام، ولديها مواقف تنتقد سياسات "الإدارة الذاتية" (23).
2. حزب الاتحاد السرياني: حزب سوري تأسس عام 2005، ينشط بين أبناء المكون السرياني في سورية، وهو مقرب من "حزب الاتحاد الديمقراطي"، أعلن بداية الثورة معارضته لنظام الأسد، يتزعمه بسام سعيد إسحاق، ويعد الحليف الأساسي لـ "لاتحاد الديمقراطي"، ومنخرط في "الإدارة الذاتية"، وله ممثلون في أجسام عدة، كعضوية الهيئة الرئاسية في "مسد" ويشغلها ايشوع كورية، وللحزب جناح عسكري ضمن "قسد" يسمى "السوتورو"(24).
3. الحزب الديمقراطي التقدمي: يعتبر نفسه أقدم حزب كردي في سورية، وكان يحظى بشعبية جيدة في الشارع الكردي، لكنه شهد انقسامات وخلافات بعد وفاة حميد حاج درويش الأمين العام للحزب (25).
4. حزب سوريا المستقبل: تأسس في مدينة الرقة عام 2018، يعتبر جزء من المنظومة السياسية التي تدعم مشروع "الإدارة الذاتية" وقوات قسد، ويتبنى رؤية سياسية تدعو إلى أن تكون سورية دولة "ديمقراطية تعددية لا مركزية"(26).
شهدت السنوات الماضية ولادة عدد من الأحزاب العربية، أبرزها: "حزب المحافظين" المدعوم من قبيلة شمر وقوات الصناديد، وهناك أحزاب وتجمعات سياسية في المنطقة محسوبة على النظام السوري أو روسيا، يتبين موقفها عبر البيانات التي تصدرها في كل مناسبة، ولكن تبقى فاعليتها أقل بكثير من "الإدارة الذاتية"، التي تمتلك علاقات دولية وإقليمية، وخاصة بعد معارك "قسد" مع داعش.
من خلال دراسة وضع الأحزاب والتحالفات السياسية في مناطق سيطرة قسد يبدو أن الحركات الحزبية بين خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالانضمام إلى "الإدارة الذاتية"، والرضى بقيادة وهيمنة "حزب الاتحاد الديمقراطي" في استنساخ لتجربة حزب البعث في سورية من خلال "الجبهة الوطنية التقدمية"، مع تحصيل بعض المكاسب المتمثلة بمقاعد هامشية في مؤسسات الإدارة وبعض الدعم المادي، أو التصنيف كمعارضة والتعرض للتضييق، وعدم إمكانية العمل بحرية، والتعرض للانتهاكات بشكل مستمر.

الحريات السياسية: ما بين النص والتطبيق

رغم وجود قانون للأحزاب وعقد اجتماعي تؤكد مواده على "الحريات السياسية واحترام حقوق الإنسان"، إلا أن الأحزاب السياسية لاقت صعوبات في عملها السياسي، ووصل الأمر إلى تحذير سلطة الرئاسة المشتركة لهيئة الداخلية في مقاطعة الجزيرة بداية شهر آذار/مارس 2017 الأحزاب غير المرخصة لمراجعة لجنة "شؤون الأحزاب السياسية" الإشكالية، مهددة بإغلاق المكاتب والإحالة إلى القضاء أصولاً(27)، إذ يتجلى هدف الإدارة من هكذا سياسات في أمرين: الأول سياسة الحظر والتضييق والضغط على الأحزاب المناوئة، أما الثاني فيتمثّل في تحصيل الاعتراف بشرعية سلطتها من هذه الأحزاب، وبالتالي الدخول في ديناميات الحياة السياسية وفق قواعد سلطة الأمر الواقع(28).
تقول "قسد" إنها تضمن حرية التعبير، ولديها قوانين تنظم الحياة السياسية والإعلام، لكن تُتهم الإدارة القائمة بالتسلط والتضييق على الحريات السياسية، فقد شهدت المنطقة عشرات الاعتداءات على مقرات الأحزاب المعارضة لسياسة الإدارة الذاتية ومنتسبي هذه الأحزاب، نذكر منها:
1. الاعتداء على مقر تابع لـ "المجلس الوطني الكردي" في بلدة عامودا ليومين على التوالي، في منتصف شهر كانون الأول/ ديسمبر لعام 2020(29).
2. هجوم مجهولين على مكتب "حزب الوحدة الديمقراطي الكردي (يكيتي)"، أحد مكونات المجلس الوطني الكردي، في مدينة عين العرب/كوباني شمال شرقي محافظة حلب، منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر لعام 2020، في اعتداء هو الرابع من نوعه على مكاتب تابعة للأحزاب الكردية شمال شرقي سورية، إضافة إلى اعتداء مماثل شهده مقر الحزب في مدينة الحسكة، ويُتهم عناصر يتبعون لما يسمى "الشبيبة الثورية" التابعة لحزب العمال بتنفيذ هذه الهجمات، فيما تتنصل "قسد" من المسؤولية(30).
3. وثقت مؤسسات حقوقية وصحفية عشرات الاعتقالات والاعتداءات على صحفيين ومؤسسات إعلامية، إضافة إلى قيام "قسد" بقمع التظاهرات الرافضة لسياسية الإدارة، واعتقال المشاركين، وإطلاق النار على المظاهرات في بعض الأحيان كما حصل في مدينة الشدادي في شهر آيار/مايو 2021(31)..
4. شهدت مدن أخرى مظاهرات ضد "الإدارة الذاتية"، منها المظاهرة الطلابية التي نظمتها مجموعة طلاب بمدينة الدرباسية، في 20 كانون الثاني/يناير عام 2021، أمام مركز الأسايش وحزب الاتحاد الديمقراطي تنديداً باعتقال عددٍ من المدرّسين الكُرد، وقوبلت بالضرب والإهانة من قبل عناصر الأسايش، واعتقال عدد من الطلاب (32).
وقد وثقت منظمات حقوقية سورية ودولية انتهاكات الإدارة للحريات وحقوق الإنسان في تقارير عدة، فقد ورد في تقارير اللجنة الأممية المستقلة للتحقيق في سورية توثيق دوري لانتهاكات قسد بحق المدنيين والحريات السياسية (33)، ومنها ما ورد من توثيق في التقارير الدورية التي تصدرها الشبكة السورية لحقوق الإنسان (34)، وتقارير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الذي أصدر عدداً من التقارير التي يوثق فيها انتهاكات قسد بحق المدنيين والناشطين (35).
ترسم "الإدارة الذاتية" إطاراً عاماً يوحي بالتعددية وهوامش الحركة والعمل السياسي (36)، إلا أنه هامش ضيق، ولا يضمن تحقيق مؤشر الفاعلية للقوى السياسية المعارضة في هذا المجال، ولا سيما المجلس الوطني الكردي، وتوحي حالة الديكورية والتحكّم في مفاصل الحياة السياسية من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي على أنه يستنسخ تجربة حزب البعث العربي الاشتراكي في حكم الدولة والمجتمع من جهة، وفي تعامله مع باقي القوى السياسية من جهة أخرى.
يضاف إلى ذلك التضييق على النشاط السياسي والإعلامي للجهات السياسية المعارضة تضييقاً ممنهجاً، تثبته تعاملات قسد مع المظاهرات والاعتصامات المعارضة لسياستها، إضافة إلى المنظمات الأخرى غير المنضوية في إطارها العام، مما يدل على أنها تحكم المنطقة بفكر شمولي (37).
يضمن "حزب الاتحاد الديمقراطي" عبر "الإدارة الذاتية" تحكمه بديناميات الحياة كافة، وبالفعل السياسي، سواء عبر المستندات الناظمة للحياة السياسية، أو عبر آليات تنفيذ هذه القوانين، والتضييق على كل الأصوات المناوئة، في سلوك مشابه لما فعله حزب البعث لبسط سيطرته على الحياة السياسية في سورية.

محددات الأداء السياسي لـ “لإدارة الذاتية": ثنائية (المركزية والبراغماتية)

بعد استعراض القوانين الناظمة التي أسست لتحكم وسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي في الحياة السياسية داخل مناطق سيطرته، نحاول فهم المخرجات السياسية والمواقف التي تصدر عن "الإدارة الذاتية"، من خلال فهم كيفية صنع القرار، والعوامل المؤثرة في صنع القرار السياسي.

آلية صنع القرار السياسي: غياب التشاركية

يمكن القول نظرياً إن آلية صنع القرار في "مجلس سوريا الديمقراطية" وبقية مؤسسات الإدارة الذاتية، تتبع للمكاتب السياسية والرئاسات المشتركة، ويطلع عليها المجلس العام المكون من ممثلي المناطق والأحزاب والشخصيات، وذلك بالاستناد إلى مبدأ التشاركية والتوافق، ولكن تدل المعلومات على استفراد قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي بالقرار حتى دون علم بقية الأطراف، في كثير من الأحيان، فمثلاً: تم الإعلان عن وثيقة تفاهم بين "مسد" وهيئة التنسيق، ولكن نشرت أحزاب عدة توضيحاً ذكرت فيه أن التفاهم الذي جرى مع هيئة التنسيق كان بقرار فردي من "حزب الاتحاد الديمقراطي"، دون استشارتهم أو مشاركتهم(38).
الأمر الذي يشير إلى أن القرار يُتخذ أساساً ضمن دائرة ضيقة، وبإشراف مباشر من قيادات الحزب، وهذا التصرف يبعث على الاحتجاج أو التحفظ عند بعض الأطراف المنضوية تحت إطار مسد (39)، ويبرر هذا التفرّد من وجهة نظر الإدارة وفق مقاربات محلية نتيجة تمتع "حزب الاتحاد الديمقراطي" بصلاحيات واسعة داخل "مسد"، فهو من يتخذ القرارات المصيرية ويرسم سياسات المجلس، مع أدوار أخرى لبعض الشخصيات في المجلس.
وهذا يحيلنا إلى البحث عن آلية صنع القرار داخل بنية "حزب الاتحاد الديمقراطي"، إذ يتحكم "حزب العمال الكردستاني" بالقرار بشكل واضح، ورغم ذلك يمكن ملاحظة وجود تيارين؛ الأول: التيار التقليدي اليساري الاشتراكي، الذي يرى أولوية تمتين العلاقة مع النظام وإيران وروسيا على أنها الأكثر واقعية لإمكانية تحصيل مكاسب سياسية مرضية من هذه الأطراف، رغم وجود بعض الفروقات والاختلافات حول ذلك، ويمثل هذا التيار بشكل واضح: محمود رش، فوزة يوسف، آلدار خليل، بدران جيا كرد. والثاني: التيار الغربي، ويرى أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي هم الحليف الأقوى الممكن الاعتماد عليه، وتحصيل دور سياسي مهم في المنطقة عبرهم، ويمثل هذا التيار: إلهام أحمد، مظلوم عبدي (40)..
شهدت المرحلة التي سبقت عملية "نبع السلام" عام 2019 صراعاً بين التيارين، إذ حاول كل طرف جر الثقل السياسي لصالحه، لتميل الكفة لصالح التيار الأول بعد العملية، نتيجة تخلي الإدارة الأميركية عن حماية قسد، وموافقتها على إنشاء تركيا منطقة عازلة داخل مناطق سيطرة قسد، فأصبح التيار الأول صاحب الصوت الأعلى، وراجع كل من مظلوم عبدي وإلهام أحمد مواقفهما وأصبحا يبديان مرونة أكثر تجاه رأي التيار الأول (41). رغم ذلك تعرضت الإدارة لانتقادات من قيادة حزب العمال بخصوص ملفات عدة، أبرزها الحوار الكردي-الكردي، ما يؤشر إلى براغماتية من نوع ما تتمتع بها قيادة مسد (42).
أما نفوذ حزب العمال الكردستاني داخل مؤسسات الإدارة فيمكن تلمّسه عبر النظر إلى بنية المؤسسات، ومن خلال التصريحات الرسمية، ففي بنية هذه المؤسسات يتبوأ مراكز صنع القرار في معظم المؤسسات إما كوادر كانت قد خضعت لدورات في قنديل، أو أنها تتبع لكوادر حزبية موجودة وتتدخل في كل تفصيل، وجميع المكاتب والهيئات تخضع للضغط والتحكم من قبل قيادات أمنية من كوادر حزب العمال، تشكل ما يشبه حكومة الظل في هذه المؤسسات (43).
ومن خلال التصريحات الرسمية، التي تحدث عنها قيادات الإدارة التي تقول إن العلاقة العضوية مع حزب العمال هي نتيجة تلاقي المصالح المشتركة، ولمشاركة كوادر الحزب في الدفاع عن المنطقة خلال هجمات تنظيم داعش، وكان مظلوم عبدي قد اعترف بوجود مئات المقاتلين والكوادر من حزب العمال ضمن تشكيلات الإدارة للتدريب والاستشارة (44)، فيما يتفق عدد من المتابعين والناشطين من أبناء المنطقة أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" وهياكله العسكرية والمدنية يشكل الجناح السوري من حزب العمال الكردستاني، وكل تلك الهياكل والأطر التنظيمية والسياسية والمسلحة تعبيرات شكلية، بينما القرار الفعلي بيد قيادة حزب العمال في قنديل(45).

محددات القرار السياسي: عوامل داخلية وخارجية

رغم المركزية التي تبدو واضحة في سياسات "حزب الاتحاد الديمقراطي" المتحكم الفعلي بـ"مجلس سوريا الديمقراطي/ مسد" إلا أننا يمكن أن نتلّمس عوامل مؤثرة واضحة على الأداء السياسي، منها ما هو داخلي يتمثل في موقف مكونات "مسد" نفسها من أحزاب ومكونات اجتماعية، أو خارجي متعلق بتبدلات الموقف الدولي من القضة السورية.
فيما يتعلق بالعوامل الداخلية المؤثرة، يمكن حصرها بالعوامل التالية (46):
1. موقف "حزب العمال الكردستاني" وقياداته من مختلف القضايا، إذ يؤثر الحزب في قرارات "الإدارة الذاتية" ومواقفها السياسية من تركيا أو إقليم كردستان العراق، انطلاقاً من موقف الحزب نفسه.
2. مواقف مكونات "مسد" من بعض القضايا، كالتعاطي مع حكومة النظام مثلاً، والتي تقابلها بعض المكونات خاصة في دير الزور والرقة بالرفض لسيطرة النظام والميلشيات الداعمة له خصوصاً الإيرانية.
3. الأخذ بعين الاعتبار التوازنات العشائرية، إذ يتم مراعاة مصالح بعض وجهاء وشيوخ العشائر.
أما بالنسبة للعوامل الخارجية المؤثرة على صنع القرار داخل الإدارة، فتتشكل في ثلاثة مستويات:
1. التغيرات الإقليمية والدولية تجاه النظام السوري وحلفائه.
2. موقف الشركاء الدوليين الداعمين لـ “قسد" ومؤسسات الإدارة الذاتية.
3. التهديدات التركية والمتغيرات في السياسة التركية فيما يتعلق بالشأن السوري.
يتأثر "حزب الاتحاد الديمقراطي" ببعض العوامل الداخلية والخارجية مع الحفاظ على مركزية القرار، ومدى تناسبه مع أفكار وأيدولوجيات الحزب، دون أن يعير بالاً لتخوفات أو آراء المكونات الشعبية في مناطق سيطرة "قسد"، وما حصل في دير الزور من انتفاضة مطلبية دليل مهم على تجاهل هذه المطالب، واتهام المنتفضين بالتبعية لأجندات للنظام(47). وشهدت مدينة القامشلي ومدن عدة في الجزيرة السورية احتجاجات استمرت أكثر من أسبوعين، رفضاً لقرار رفع أسعار المحروقات، ورغم ذلك لم تستجب "قسد" و"الإدارة الذاتية"، واكتفت ببيانات حول تفهمها للمطالب دون تراجع عن القرار، مما اضطر القائمين على الاحتجاجات لإعلان وقفها (48).
يبدو أن أبرز عوامل التأثير على القرار السياسي الخارجي هي مصالح وتوجيهات القوى المشغّلة مثل الولايات المتحدة، أو من يقدمون الدعم أو الرعاية مثل نظام الأسد وإيران، وبذلك يمكن القول: إن "الإدارة الذاتية" تتمتع بالقدرة على التوفيق بين المتناقضات إلى الآن (49).
يمكن الاستنتاج من خلال هذه المؤشرات أن آلية صنع القرار والموقف السياسي داخل الإدارة تخضع لتوازنات، تفرضها أجندات وإملاءات من قيادة "حزب الاتحاد الديمقراطي"، الخاضعة بدورها لحسابات "حزب العمال الكردستاني"، مع الإقرار بوجود بعض المؤثرات الداخلية والعوامل الخارجية على هذه القرارات، وعدم قدرة الإدارة على احتواء تلك المؤثرات يدل على فشلها في أن تكون مظلة سياسية ممثلة لجميع مكونات وأحزاب المنطقة.

محددات الأداء السياسي لـ "لإدارة الذاتية" منذ 2019: مؤشرات التحكّم والتفرّد

من خلال رصد أهم البيانات والتصريحات السياسية، والاجتماعات مع الأطراف المحلية والدولية التي حصلت عقب إعلان وقف إطلاق النار نهاية 2019 حتى نهاية شهر حزيران/ يونيو 2023، تم رصد أكثر من 120 مخرجاً، توزعت بين: بيان رسمي، وتصريح صحفي، واجتماعات محلية أو دولية.
ويمكن تحليل هذه المخرجات وفق ثلاثة معايير: العدد والمضمون والمستهدفين. من حيث نوع المخرجات: يظهر من خلال توزع القيم في الشكل أن الإدارة بمختلف مؤسساتها ومسؤوليتها اعتمدت بشكل كبير على التصريحات الإعلامية، ما يدل على تفاعلها وتواصلها المتزايد مع مختلف وسائل الإعلام، مستفيدة من الاهتمام الإعلامي بها خلال معاركها مع تنظيم "داعش"، فيما جاءت الاجتماعات الدولية (50) ثانياً، ما يدلل على قوة ونشاط مكتب العلاقات الخارجية لديهم، وكذلك الاجتماعات مع المكونات السورية.
ومن حيث المضمون: تدل النتائج على نهج سياسي واضح للإدارة، من خلال التصريحات والاجتماعات، فقد كثفت الإدارة من الحديث عن علاقتها مع الجانب الروسي بشكل ملحوظ في بيانتها وتصريحاتها، وذلك نتيجة دخول موسكو كفاعل جديد في الشرق السوري بعد عملية "نبع السلام"، لا سيما في رعايتها المفاوضات بين "قسد" والنظام، كما أظهرت النتائج تكثيفاً ملحوظاً في البيانات والتصريحات حول العلاقة مع نظام الأسد والمطالبة بالتوصل لشراكة في إدارة وحماية المنطقة، كما لم تخلُ من انتقادات لاستراتيجية النظام في التعامل مع القضية الكردية، وكذلك محاولة التطبيع مع تركيا، فيما صدرت بيانات وتصريحات عدة من "الإدارة الذاتية" تدين الهجمات التركية، وتطالب المجتمع الدولي بالتدخل لحماية مناطق سيطرتها من الهجمات التركية، ولوحظ من خلال البيانات ميلها إلى التقارب مع الدول العربية.
فيما يتعلق بمعيار المستهدفين: فإن الاجتماعات التي عقدتها الإدارة بلغت أكثر من 30 اجتماعاً داخل وخارج سورية، مع مكونات وأحزاب سورية، بهدف التوصل لصيغ تفاهم، سواء مع مكونات حزبية وعشائرية في منطقة الشرق السوري، أو أحزاب سياسية خارج سورية في دمشق أو خارج البلاد، ويعزى ذلك إلى تعثرها المستمر في الدخول إلى هيئة التفاوض السورية والمشاركة في اللجنة الدستورية، كما أنها عقدت لقاءات دولية متنوعة مع ممثلي خارجيات دول أوربية عدة، إضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا.
ومن خلال تحليل نصوص البيانات الرسمية والتصريحات الصحفية، يمكننا استخلاص مواقف الإدارة السياسية خلال الفترة المذكورة من قضايا عدة، أهمها: الموقف من الفاعلين المحليين، الموقف من النظام والمفاوضات معه، الموقف من الحوار الكردي-الكردي، الموقف من العملية السياسية السورية، إضافة إلى الموقف من الفاعليين الدوليين، كالموقف من تركيا وروسيا والولايات المتحدة والدول العربية.

الموقف من القضايا والأطراف المحلية

يمكن قياس هذا الموقف من خلال الرؤية السياسية للإدارة، وموقفها من النظام والتفاوض معه، وموقفها من المعارضة، وموقفها من الحوار الكردي-الكردي.

الرؤية السياسية لـ "الإدارة الذاتية"

تكرر الإدارة ومؤسساتها أنها تتخذ من نظرية "الأمة الديمقراطية" لزعيم "حزب العمال الكردستاني" المسجون في تركيا عبد الله أوجلان مرجعاً لرؤاها السياسية كافة، والتي تستند إلى "اللامركزية ومبادئ المساواة والتعددية"، دون أن تدعي أنها تسعي لإقامة دولة قومية كردية في سورية (51). وبناء عليه تدّعي الإدارة أن رؤيتها السياسية المعلنة تعكس رؤية أبناء المنطقة نحو شكل سورية المستقبلية، ومنها ما أعلنته كمبادرة للحل في سورية في نيسان الماضي (52)، وهي رؤية ذات طابع يساري في بيئة متعددة الاتجاهات الثقافية والسياسية.
خلال عام 2023 ظهرت مناسبات عدة حاولت "قسد" استغلالها لإظهار بعض التغييرات في خطابها وعلاقاتها السياسية، انطلاقاً من كارثة الزلزال يوم 6 شباط/فبراير الذي ضرب تركيا والشمال السوري، حيث أبدت استعدادها لتقديم المساعدة، وبدأت بجمع تبرعات، وحاولت إظهار نفسها للسوريين على أنها طرف مرن ومبادر للتعاون مع مختلف الأطراف السورية، في محاولة لإحراج النظام والمعارضة(53)، وللسبب نفسه بادرت إلى إعلان استعدادها استقبال اللاجئين السوريين من لبنان(54)، كذلك حاولت استغلال التطبيع العربي مع نظام الأسد وإعادته للجامعة العربية، وأصدرت تصريحات وبيانات عدة، ويندرج ذلك التغيير في خطاب الإدارة كله ضمن تكتيك سياسي تحاول الإدارة تصديره مستغلة بعض المناسبات، دون أن يكون متأتياً عن مراجعات ناتجة عن تراكم وإرادة حقيقة في الإصلاح والتغيير.
وكانت "الإدارة الذاتية" قد أعلنت في 18 نيسان 2023 عن مبادرة تهدف إلى "التوصل إلى حل سلمي وديمقراطي للأزمة السورية"، داعية النظام السوري إلى "إظهار موقف مسؤول، واتخاذ إجراءات عاجلة تساهم في إنجاح هذه المبادرة". وفي بيان لها، أعربت "الإدارة الذاتية" عن استعدادها للقاء جميع الأطراف السورية "للحوار معها من أجل التشاور والتباحث لتقديم مبادرات وإيجاد حل للأزمة السورية"، ووفق بيان "الإدارة الذاتية"، نصت المبادرة على 9 نقاط، هي: " وحدة الأراضي السورية، مشاركة جميع فئات المجتمع، والاعتراف بالحقوق المشروعة لسائر المكونات، تطبيق تجربة النظام الديمقراطي المعمول به في مناطق شمال شرقي سوريا في بقية المناطق، توزيع الثروات والموارد الاقتصادية بشكل عادل بين كل المناطق السورية، استقبال النازحين والمهجرين في مناطق شمال شرقي سورية، استمرار جهود مكافحة الإرهاب، وقف التدخل التركي في الشؤون السورية، مطالبة الدول العربية بلعب دور إيجابي وفعال لإيجاد حل مشترك، طرح المبادرة على قاعدة وطنية، دعوة الجميع للمشاركة والإسهام في المبادرة"(55) .
تتحدث قسد بشكل متواصل في بياناتها عن حرصها على مراعاة حقوق جميع المكونات ومحاولة التقارب معها، خاصة العشائر العربية، إذ عقدت اجتماعات عدة مع وجهاء وشيوخ عشائر مؤكدة على شراكاتها السياسية معهم، ولكن انتفاضة العشائر في دير الزور في شهر أيلول عام 2023 أظهرت الفرق الكبير بين النظرية والتطبيق على الأرض، فقد رفضت "قسد" المطالبات العشائرية بتحسين ظروف المنطقة الأمنية والاقتصادية، وإعادة هيكلة مجلسي دير الزور المدني والعسكري ليكونا ممثلين لمصالح أبناء عشائر المنطقة، وليس تبعاً لمقياس الولاء لـ"قسد"، ناهيك عن التعامل مع الحراك العشائري باستخدام القوة والاعتقالات.
تدل المؤشرات على محاولة فرض رؤية "حزب الاتحاد الديمقراطي" على "الإدارة الذاتية"، مما يجعل هذه الرؤية محل اغتراب من قبل بعض مكونات الإدارة والحواضن الاجتماعية في المنطقة التي تسيطر عليها.

الحوار الكردي-الكردي

كانت وما تزال قضية التمثيل السياسي للكرد السوريين محل تنافس وخلاف مستمر في الوسط الكردي نفسه، تمظهر هذا التنافس ما بين "حركة المجتمع الديمقراطي/ تف دم" التي يتزعمها الاتحاد الديمقراطي، وبين أحزاب المجلس الوطني الكردي، وعلى الرغم من بدء هذه الحوارات في "هولير/أربيل 1 و2" 2012 و 2013، إلا أنها تعثرت كما لم تطبق مخرجات اجتماعاتها، ثم جاءت دعوة قيادة "قوات سوريا الديمقراطية" في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2019 للحوار بين الأطراف الكردية، والتي ترافقت مع دفعٍ أمريكي واضحٍ، مما يؤكد أن الرغبة في الحوار دافعها خارجي يهدف للوصول إلى صيغة توافق معقّدة؛ تتمكن عبرها من "التمكين المحلي"، و"التفاعل أكثر" مع المعارضة السورية و"تهدئة" الجانب التركي(56).
سبقت الجلسات إجراءات تعزيز ثقة، تمثلت في السماح بإعادة افتتاح مكاتب أحزاب المجلس الوطني الكردي في مناطق سيطرة الإدارة، وانطلقت أولى جلسات الحوار بين "أحزاب الوحدة الوطنية" المكونة للإدارة الذاتية و"المجلس الوطني الكردي"، في شهر نيسان/أبريل 2020 برعاية أميركية، تلتها جولتان، واستمرت المفاوضات حتى نهاية 2020، إذ تم الاتفاق على الرؤية السياسية المتمثلة بـ "سورية دولة ذات سيادة، يكون نظام حكمها اتحادياً فيدرالياً يضمن حقوق جميع المكونات"، واعتبار "الكُرد قومية ذات وحدة جغرافية سياسية متكاملة في حل قضيتهم القومية"، والاتفاق على تأسيس (المرجعية الكردية العليا) بنسبة 40% لكل طرف و20% لبقية الأحزاب والمستقلين. لكن الجولة الثالثة أظهرت نقاط الاختلاف بين الطرفين في نقاش ملفات: عودة بيشمركة روج(57)، المشاركة في الإدارة الذاتية، فك الارتباط بحزب العمال الكردستاني، المناهج التعليمية (58).
ويبدو أن سبب تعثر المحادثات يعود إلى رفض الشراكة الكاملة إدارياً ومالياً وعسكرياً، ورفض فك الارتباط مع حزب العمال وإخراج كوادره الأجنبية من المنطقة، كما أن الإدارة اشترطت لعودة قوات بيشمركة روج أن تكون تحت قيادتها وضمن مؤسستها العسكرية بمعزل عن المجلس الوطني الكردي، إضافة لمطالبة أحزاب المجلس بإصدار موقف واضح من الصدام العسكري بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال في إقليم كردستان العراق، وطلب الانسحاب من الائتلاف(59).
يمكن تصنيف أسباب فشل جلسات الحوار الكردي-الكردي ضمن سببين رئيسين:
1. ذاتي: نتيجة إصرار قيادة "قسد" على أنها المظلة الشرعية التي يجب على مختلف القوى الكردية الانضمام لها، إضافة إلى رفض مناقشة تعديل "الإدارة الذاتية"، أو شكل القوات الأمنية، في سلوك يشبه ما حاول نظام حزب البعث فرضه على القوى السياسية السورية بالانضمام إلى "الجبهة الوطنية التقدمية". كما أن مشكلات الصراع على السلطة وعلاقة الأحزاب الكردية بالحاضنة الشعبية، وأطماع بعض قيادات الأحزاب بالحصول على مكاسب اقتصادية من "قسد"؛ كانت سبباً في امتلاكها زمام المبادرة وقوة الموقف خلال جلسات الحوار.
2. خارجي: كارتباط كل من "قسد" والمجلس الوطني الكردي بحليف خارجي، الأمر الذي وسّع مساحة الاختلاف من كونه اختلافاً كردياً-كردياً إلى خلاف الحلفاء أنفسهم، مما أدى إلى إخفاق المحادثات، فقد رفضت "قسد" طلب التبرؤ من حزب "العمال الكردستاني"، وفي ظل انعدام الرغبة لإنجاح الحوار من قبل "قسد"، جاءت جلسات الحوار الأخيرة فقط استجابة للضغوط الأميركية دون تقديم أي تنازلات.

الموقف من النظام والتفاوض معه

أعلن نظام الأسد مطلع شهر شباط/فبراير من عام 2020 موافقته على بدء مفاوضات جدية مع "مسد" بعد جهود ووساطات روسية. ومن خلال تحليل الخطابات طالبت "مسد" بإعادة النظر في قانون الإدارة المحلية للمشاركة في إدارة المنطقة، على أن تكون "قسد" جزءاً من منظومة جيش النظام، معلنة رفضها لمساري "سوتشي" و"أستانا"(60).
إلا أن هذه المفاوضات لم تستمر طويلاً، فقد أعلنت رئيسة مجلس "مسد" إلهام أحمد، في 19 كانون الأول/ديسمبر عام 2021، عن فشل المفاوضات التي ترعاها روسيا مع نظام الأسد، وقالت: "لم يتم التوصل إلى أي نتيجة في الحوارات السابقة مع النظام السوري في دمشق" وأضافت: "روسيا فشلت ولم تستطع لعب دور "الضامن" في الحوار مع النظام السوري"(61).
تشهد المفاوضات بين "مسد" والنظام حالات تقارب وتباعد، حسب الظروف والتطورات الإقليمية والمحلية، وبالأخص تلك المرتبطة بالتهديدات التركية، فمع كل مرة تهدد فيها تركيا بشن عملية جديدة شرق سورية؛ تشهد هذه المفاوضات تقارباً ولقاءات، حيث انطلقت جولة مفاوضات جديدة بين الطرفين في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 بين "قسد" والنظام السوري برعاية روسية، وكان وفد "مسد" برئاسة بدران جيا كرد نائب الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، لكن النظام رفض مجدداً الاعتراف بـ"الإدارة الذاتية" و"قسد" دستورياً بأي شكل من الأشكال، لأن الاعتراف سيؤدي إلى تقويض سلطته المركزية في البلاد، فأعلنت "الإدارة الذاتية" فشل هذه المفاوضات. وكان النظام قد دعا إلى تسليم المنطقة له من دون أي شروط، ورفض بشكل قطعي القبول بمقترحات وفد "مسد" التي تعلقت بشرعنة "الإدارة الذاتية" وقوات "قسد" والآسايش(62).
تعمل "مسد" جاهدة للتقارب مع النظام، وتبدي رغبتها في ذلك، إلا أن مطالب الطرفين متباعدة، وقد أعلنت قيادة "مسد" في أكثر من تصريح لها رغبتها بالحوار والتفاهمات بشأن المنطقة، وانخراط "قسد" في جيش النظام، وتهدف من ذلك لشرعنة وجودها (63). ويبدو أن المحدد الأساسي في رغبة "الإدارة الذاتية" في التفاهم مع النظام تأتي كمحاولة لتجنّب الضغوط التركية، وكرد فعل على رفض إدخالها في المفاوضات السياسية الأممية ضمن وفد المعارضة، لكن رغم ذلك لم تتمكن "قسد" من تحقيق إنجاز واضح نتيجة إصرار النظام على "شروط تعجيزية".

الموقف من المعارضة السورية

بعد عدم تمكنها من الانضمام إلى مؤسسات المعارضة الرسمية، مثل هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، اتجهت "الإدارة الذاتية" إلى البحث عن إطار جديد للعمل مع المعارضة السورية، وعملت على ذلك بجدية، وعقدت اجتماعات ولقاءات عدة داخل سورية، وفي فيينا وستوكهولم خلال عامي 2021 و2022، لكنها لم تجنِ ثماراً مهمة منها، لأن معظم من شارك في الاجتماعات من أطراف سياسية سورية؛ كان يخرج بنتيجة أن "مسد" تحاول فرض نفسها كطرف مهيمن لا كشريك، وترفض التنازل عن أي مكسب أو منصب سيادي (64). ويبدو أن الإدارة لم تنجح دبلوماسياً في تحقيق مكاسب سياسية بسبب أداء فريق عملها الذي تعثّر على مدار هذه السنوات، وما يزال يصر على قيادتها دون أي تغييرات جذرية قد تأتي بشخصيات تحظى بقبول إقليمي ودولي، ويمكن التفاوض معها (65).
إذاً تنطلق محددات الإدارة الذاتية في تقاربها مع النظام من ضرورة تحصيل مكاسب تشرعن سلطة الأمر الواقع، وللبحث عن خيارات أخرى لمواجهة التهديدات التركية، كما أنها تنفتح على بعض الأطراف المعارضة في محاولة لتأطير مساحات عمل مشتركة تخفف من خسائرها، جراء عدم وجودها في الأطر الرسمية للمعارضة السورية، أما فيما يتعلق بقضية الحوار مع المجلس الوطني الكردي فيبقى خارج اهتمامات الإدارة، ولا تستكمل جلسات هذا الحوار إلا بضغط غربي، وتكون جلساته غالباً صورية دون نتائج ملموسة، كما تبرز أمام الإدارة تحديات الشرعية المحلية والسياسية، وارتباطها بحزب العمال الذي يمنعها من فتح أي شراكة حقيقية.

الموقف من الفاعليين الدوليين

تبيّن الفقرات أدناه طبيعة مواقف الإدارة الذاتية تجاه مختلف الفاعلين الدوليين، سواء كحلفاء أو خصوم أو دول أخرى.

الموقف من تركيا

طرحت "مسد" مرات عدة، استعدادها لإيجاد صيغة تفاهم مع تركيا، دون أن تتطرق للمشكلة الجوهرية المتمثلة بعلاقتها مع حزب العمال الكردستاني، وهو ما يجعل أنقرة ترفض الأمر بشكل قاطع، وتتعامل مع قيادات "قسد" و"الإدارة الذاتية" على أنهم جزء من حزب العمال المصنف على قوائم الإرهاب عندها، ولذلك عوّلت "مسد" على التغيرات الداخلية في السياسية التركية، وبدا ذلك في اهتمامها بالانتخابات التركية 2023، وأبدت دعمها لتحالف حزب الشعب وتحالف اليسار الأخضر، ونظمت مسيرات شعبية عدة لدعمهم في مناطق الشرق السوري، وتخوّفت من فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان(66).
وحول الضربات التركية لمواقع قوات "قسد" وقيادتها، كررت "مسد" إدانتها هذه الضربات، والطلب المتكرر من التحالف الدولي وروسيا وغيرها من الدول ذات النفوذ بالمنطقة العمل لوقفها، ومنع أي عملية عسكرية تركية في شمال سورية (67)، مع أخذ التهديدات التركية الدائمة على محمل الجد (68). وتؤكد المعطيات أن الإدارة لا تملك هوامش مناورة، بالتحديد بعد العملية العسكرية التركية "نبع السلام" 2019، فقد خسرت جزءاً من فاعليتها نتيجة الاتفاقيات التركية-الأمريكية والتركية-الروسية (69)، إذ استثمرت تركيا كل جهدها في سورية على تقليص قدرات "الإدارة الذاتية" العسكرية والسياسية والاقتصادية، وهذا واضح من استمرار سياسة استهداف كوادر "قسد"، من دون أي اعتراض أمريكي أو روسي، وكذلك زيادة فرض القيود على النشاط السياسي لـ"الإدارة الذاتية" في دول الاتحاد الأوروبي(70).

الموقف من روسيا

تدير قسد علاقتها مع موسكو وفق محددات عدة: فمن جهة أولى تنظر إلى موسكو كوسيط للعلاقة مع النظام، وقوة معادلة يمكن الاستفادة منها في التخفيف من التهديدات التركية المتكررة، ومن جهة ثانية فوجود القوات الروسية في منطقة الجزيرة السورية يتطلب إبقاءها في مناطق سيطرة النظام (71)، إذ تعتقد قسد أن روسيا لم تقم بدورها المطلوب للضغط على النظام لإنجاح المحادثات، وأن كلاً من روسيا والنظام يحاولان استخدام التهديدات التركية لدفع قسد للتنازل.
وقد شهدت علاقات "قسد" بروسيا شدّاً وجذباً، نتيجة عدم التزام موسكو بنقاط المراقبة في بلدتي عين عيسى وتل تمر، وعدم ضغطها على تركيا لإيقاف هجماتها عبر الطائرات المسيّرة التي تكرّرت مراراً. إلا أن دائرة الاختلاف المركزية تتحدد أكثر في الضغط الروسي على "قسد" لتسليم نقاط الحدود مع تركيا إلى النظام بشكل كامل، وانسحاب "قسد" إلى جنوب الطريق الدولي"M4"، وهذا ما ترفضه "قسد" جملة وتفصيلاً(72)، رغم إدراكها أن الوجود الروسي يشكّل ضامناً لعدم دخول الأتراك إلى مناطق نفوذها.

العلاقة مع أوروبا والولايات المتحدة

تتركز اجتماعات الوفود الغربية التي جاءت إلى مناطق الإدارة شرق سورية على موضوع محاربة الإرهاب، ووضع مخيم الهول، وقد استفادت الإدارة بشكل كبير من وضع المخيم وخاصة الرعايا الأجانب، إذ استقبلت منذ عام 2020 عشرات الوفود من مختلف دول العالم لمناقشة مستقبل المخيم وقاطنيه، ومخاطر وجود مقاتلي التنظيم وعائلاتهم على استقرار المنطقة (73). كما ركّزت الإدارة عبر مكتب العلاقات الخارجية وما يقوم به من زيارات لدول أوروبا والولايات المتحدة أيضاً على موضوع محاربة الإرهاب واستخدامه كفزاعة لضمان استمرار الدعم الغربي لها ولمؤسساتها، وعلى الرغم من نهاية العمليات العسكرية المباشرة ضد داعش، إلا أن قسد تطالب باستمرار بضرورة بقاء قوات التحالف الدولي على الأرض في المنطقة (74).
وتركز قسد في حراكها الدبلوماسي مع الوفود القادمة إلى سورية وخلال لقاءاتها في الخارج على موضوعين آخرين؛ أولهما: أن على تلك الدول إعادة تقييم علاقتها مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أو هيئة التفاوض السورية من خلال شرعية تمثيل المكونات السياسية المعارضة(75)، ثانيهما: مطالبة "مسد" بشكل دائم بمزيد من الضغط الغربي لوضع حد للتهديدات التركية، وحماية مناطق الإدارة من أي عملية عسكرية تركية محتملة. لكن الحرب الأوكرانية أثرت بشكل واضح على تعامل الدول الغربية، فقد اضطرت لتقديم تنازلات لتركيا من أجل الموافقة على انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو(76).
أما عن علاقة الإدارة مع الولايات المتحدة فتتسم بأنها علاقة استراتيجية، تهدف من خلالها واشنطن إلى ضمان عدم عودة تنظيم "داعش"، إضافة إلى حرمان النظام وروسيا من الاستفادة من ثروات الشرق السوري، إلى حين التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.
وبالتالي يتجلى موقف الإدارة الذاتية من الفاعلين الدوليين في محددات عدة، أهمها: الإبقاء على علاقة متوازنة مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، تحكمها الحاجة للطرفين لحماية مناطق سيطرتها، مع الإبقاء على نظرية الشراكة في محاربة الارهاب، وتسعى للانفتاح على دول إقليمية عدة لمحاولة أخذها أداوراً مستقبلية تعوضها عن عدم مشاركتها في مؤسسات المعارضة الرسمية، ولكنها تواجه تحديات أبزرها الرفض التركي لأخذها أي دور محلي، أو حتى فتح علاقات إقليمية أو دولية.

النتائج والاتجاهات المستقبلية: التماهي مع سيناريوهات الملف السوري

يمكن تفصيل وقياس مؤشر الفاعلية السياسية وفق مستويات عدة، هي:
1. مؤشر الشرعية: على الرغم من محاولة "الإدارة الذاتية" إنتاج نصوص تشريعية لتحكم مؤسساتها، وإظهار شرعيتها في المناطق التي تسيطر عليها، إلا أن هذه النصوص تفتقد الشرعية بسبب طريقة صياغتها وإقرارها، وتعاني من مشاكل بنيوية في النصوص، إضافة لرفضها من قبل المجتمع نتيجة اعتمادها على فلسفة بعيدة عن طبيعة المنطقة، وفوق كل هذا بقيت النصوص حبراً على ورق دون تطبيق، نتيجة المركزية التي يفرضها "حزب الاتحاد الديمقراطي" ومن خلفه حزب العمال على مختلف المؤسسات السياسية والخدمية والأمنية.
2. الأداء السياسي: كان لعملية "نبع السلام" تأثير كبير في تغليب التيار اليميني داخل حزب الاتحاد الديمقراطي، ما عزّز استفراد شخصيات بعينها في صناعة القرار والموقف السياسي، مع استمرار تدخّل حزب العمال الكردستاني في مختلف الملفات السياسية والأمنية، ولكن بالوقت نفسه أفرزت "نبع السلام" حاجة قسد لتقديم بعض التنازلات لكسب أصدقاء جدد.
3. العلاقة مع القوى المحلية: لم تفلح جهود "مسد" في الدخول في هيئة التفاوض واللجنة الدستورية بسبب الرفض التركي، فانتهجت سياسة الانفتاح على مختلف القوى السياسية السورية داخل وخارج البلاد، ولكن إصرار قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي على احتكار مركزية القرار، دون تقديم تنازلات جوهرية واضحة، وعدم فتح مجالات التشاركية الفعلية مع باقي القوى؛ أدى لإفشال معظم جلسات الحوار والتواصل، كما في إفشال جلسات الحوار مع المجلس الوطني الكردي.
4. العلاقات الدولية: يبدو أن سلوك "قسد" تغيّر نوعاً ما بعد "نبع السلام"، فقد استمرت في تعزيز علاقتها مع الغرب، وفي الوقت نفسه سعت أيضًا إلى التعاون والتحالف مع روسيا والنظام السوري مما دفعها لتقديم بعض التنازلات، ومع ذلك لم تنجح في تحقيق اختراق واضح، بسبب التطورات الدولية والمحلية، بما في ذلك تطور العلاقات الروسية التركية، وظروف الحرب في أوكرانيا التي دفعت الغرب إلى مراعاة المصالح التركية.
الاتجاهات المستقبلية لمشروع الإدارة الذاتية
يرتبط مستقبل الإدارة الذاتية بعوامل بنيوية، باتت تمتلك جزءها الأكبر من خلال سياسة التحكّم والضبط والمركزية التي تفرضها، إلا أن ذلك لا يعني أن البنية بشكلها العام لم تعد عرضة لانتكاسات تهدد المشروع وفق تسويق الإدارة له باعتباره مظلة سياسية، خاصة التحديات المرتبطة بملف تمثيل المكونات، وملف الحريات السياسية، وملف الحياة المدنية والسياسية.
كما يرتبط مستقبل هذه الإدارة أيضاً بمسيرة الحل السياسي السوري واتجاهاته المستقبلية، والتي تتراوح بين البقاء في حالة الجمود والتمترس الجغرافي، أو احتمالية عودة سيطرة النظام إلى مناطق شمال شرق سورية، أو إنجاز مقاربة جديدة للحل السياسي، كما هي موضحة أدناه:

أولاً: إعادة سيطرة النظام على مناطق شمال شرق سورية

تعتبر إعادة سيطرة المركز على الأطراف كافة احتمالاً له مؤشراته وعوائقه، من المؤشرات الداعمة له زيادة رقعة سيطرة النظام مع مرور الزمن والمتغيرات الدولية، وزيادة التعاون الإقليمي معه وازدياد عمليات التطبيع، أما عن معيقاته فتتمثل في الوجود الأميركي بالمنطقة وما يحدثه من معادلات أمنية، إضافة إلى عدم امتلاك النظام للأسباب المادية للقيام بعمل عسكري نتيجة ما يعانيه من أزمات اقتصادية وأمنية.
وفي هذا الاتجاه المحتمل، تعمل "الإدارة الذاتية" على خطوات تقارب ملحوظ خلال الفترة الماضية مع النظام وروسيا، محاولة تحصيل اعتراف من النظام والروس بسلطتها المحلية، وذلك عبر الحصول على حلول وسط من خلال الروس مثل منح حصة نفطية وإدارية، ودمج قوات قسد بالجيش، وهذا ما يمثل الحد الأدنى لمطالب "قسد" وأقصى ما يمكن أن يقدمه النظام. وعند نقاش مستقبل "الإدارة الذاتية" ومؤسساتها السياسية والعسكرية والخدمية، وعلاقاتها مع الغرب، يبدو أن هذا السيناريو بعيد المنال حالياً، نتيجة رفض النظام تقديم تنازلات جوهرية تفقده المركزية، إضافة إلى رفض تركيا منح الإدارة أي امتيازات تعزز سلطتها.

ثانياً: استمرار حالة الجمود

إن بقاء النظام في المركز ضعيفاً، وتعزيز قوة سلطات الأمر الواقع في مختلف مناطق السيطرة السورية، قد يؤدي إلى استمرار لامركزية الأمر الواقع. وفي هذا السياق قامت الإدارة بعدة خطوات تشكل مؤشرات داعمة لوجودها في حال استمرار هذا السيناريو كخطوات تعديل العقد الاجتماعي، وإعادة الهيكلة الجديدة، وطرح رؤى تنطلق من سلطة الأمر الواقع التي فرضتها. إلا أن أبرز معيقات هذه الخطوات تتمثل في تركيا وعدم قبولها بخطوات من جانب واحد كفرض لامركزية غير متناظرة، إضافة لرفض هذا الاحتمال من قبل روسيا والنظام.
وبالتالي يمكن للإدارة ومؤسساتها السعي للحفاظ على الوضع القائم دون تغييرات ميدانية أو سياسية، وتكريس سلطة الأمر الواقع في منطقة سيطرتها، مع إدخال بعض الشخصيات المقبولة محلياً ودولياً في قيادات الصف الأول، وهذا ما حصل فعلياً بتشكيلة "مسد" الجديدة، إضافة إلى تقديم تنازلات شكلية لصالح بعض المناطق مثل دير الزور، والحفاظ على علاقة متوازنة مع الروس والأمريكان، مع الحفاظ على الوضع الراهن حتى ظهور متغيرات جديدة، وهذا الخيار الأقرب للترجيح على المدى المنظور.

ثالثاً: تحريك الملف السياسي السوري

مع احتمال تحريك الملف السوري والضغط للوصول إلى حل سياسي سوري عام، ومع فشل تطبيق مخرجات القرار الدولي 2254، يمكن أن يتم طرح مقاربات جديدة منها خيار اللامركزية، وهو سيناريو تجهزت له قسد مسبقاً، من دعاماته: أن تستغل "مسد" الدعم الغربي لها في ملف محاربة الإرهاب، وحالة الجمود غير المستدامة، وخطر عودة انتشار الإرهاب والتطرف، إضافة إلى زيادة النفوذ الإيراني بعد حرب غزة، والتصعيد التركي ضد مناطق قسد، للدفع نحو تحريك الملف سياسياً.
لكن القدرة على اعتبار "قسد" شريكة في ذلك، يتطلب منها إبداء مرونة أكبر في التفاوض وقدرة أعلى على مواجهة خطر المليشيات الإيرانية، واتخاذ مواقف أقل عدائية مع تركيا وفصائل المعارضة السورية، مع إتاحة فرصة لإنجاح الحوار الكردي-الكردي، وإبداء مؤشرات حول القبول بإعادة هيكلة مؤسسات الإدارة، ومناقشة مستقبل قواتها العسكرية. لكن آليات صنع القرار في "مسد"، ومؤشرات أدائها السابقة، تجعل من هذا السيناريو مستبعداً، نتيجة رفض قادة "مسد" إعلان فك الارتباط بحزب العمال، وانخراط هؤلاء القادة بتنفيذ الأجندة السياسية التي يفرضها الحزب من قنديل، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع تركيا وإقليم كردستان العراق وإيران.

خاتمة

يظهر من خلال الدراسة أن "الإدارة الذاتية" بمختلف مؤسساتها حاولت إضفاء شرعية على سلطة الأمر الواقع التي فرضتها، من خلال إعلان نصوص "شبه دستورية"، ورفع شعارات "الديمقراطية والتعددية والمشاركة العادلة"، ولكن مؤشرات التفاعل والأداء السياسي وواقع الحريات في المنطقة أظهر خللاً واضحاً بين النظرية والتطبيق، كما أن البراغماتية التي تحاول إظهارها في بعض القضايا تبقى مؤطرة ضمن رؤية مجموعة ضيقة من قيادات "حزب الاتحاد الديمقراطي"، الذي يفرض رؤيته بشكل جلي على مؤسسات الإدارة، ليظهر نفسه كسلطة أمر واقع "قابلة للحياة والاستمرار".

كما تجهد "الإدارة الذاتية" بالإبقاء على الوضع القائم، مستغلة التنافس الدولي وتضارب المصالح الإقليمية في منطقة شمال شرق سورية، ولكن مركزيتها المطلقة وتبعيتها الأيديولوجية بدأت تسبب لها أزمات متراكمة، وخاصة ما ظهر مؤخراً من انتفاضة عشائرية ضدها في دير الزور، من الممكن أن تتكرر في مختلف مناطق سيطرتها، ويرتبط مستقبل هذه الإدارة بالمتغيرات السياسية، التي ربما تحمل توافقات دولية وإقليمية من شأنها الإجهاز على مشروع الإدارة برمته أو تحجيمه.


([1]) بدر ملا رشيد، "المظلة الكردية المفقودة في سورية.. بين التناحر على السلطة والاتفاقيات الهشة"، مركز عمران للدراسات، 20/3/2019، تمت المشاهدة: 12/9/2023، الرابط: https://bit.ly/3Qeccwa

([2]) العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال شرق سورية، موقع الإدارة الذاتية، 12/1/2023، الرابط: https://aanesgov.org/ar/?p=9221  

([3]) قوات محلية تتبع لقبيلة شمر العربية تنتشر في محافظة الحسكة قرب معبر اليعربية الحدودي مع العراق، أعلن عن تأسيسها عام 2013 وانضمت لـ "قوات سوريا الديمقراطية" عند تأسيسها، للمزيد: https://bit.ly/3MfiLxi

([4]) قوات محلية من المكون السرياني تتبع لحزب الاتحاد السرياني تنشط في القامشلي والحسكة منذ عام 2012، انضمت إلى "قسد" عند تأسيسها، للمزيد: https://bit.ly/3FxZvaw

([5]) ميثاق العقد الاجتماعي، الموقع الرسمي لحزب الاتحاد الديمقراطي pyd، 6/1/2014، تم الاطلاع بتاريخ:14/8/2023: https://bit.ly/495UnrS

([6]) العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال شرق سورية، موقع الإدارة الذاتية، 12/1/2023، الرابط: https://aanesgov.org/ar/?p=9221 

([7]) بدر ملا رشيد، "قراءة في العقد الاجتماعي لفيدرالية الشمال"، مركز عمران للدراسات، 16/8/2016ـ تم الاطلاع 14/12/2023، https://bit.ly/3NstJ3e

 ([8]) مقابلات تم اجراؤها مع عدد من نشطاء الحسكة ودير الزور بعد إعلان العقد الاجتماعي الجديد بتاريخ 25/12/2023.

 ([9]) ملاحظات تم استخلاصها من ورشة عمل لمناقشة الأداء السياسي للإدارة الذاتية عقدها مركز عمران في مدينة ماردين بتاريخ 19/9/2023.

([10]) حزب كردي يصدر قانوناً للأحزاب الكردية بسورية، الجزيرة نت، 28/4/2014، تمت المشاهدة: 15/9/2023 https://bit.ly/3QtlplJ

([11])  العمل على صياغة قانون لتنظيم الحياة السياسية شمال شرق سورية، راديو بيسان، 22/12/2021، تمت المشاهدة: 10/9/2023، https://bit.ly/3QdTIMx

([12])  انظر النص الكامل المنشور على صفحة "مجلس العدالة الاجتماعية في الجزيرة" بتاريخ: 19/7/2018، الرابط: https://bit.ly/4aTM82P

([13])   انظر المادة 7   من نص قانون الأحزاب الذي أقره مجلس مقاطعة الجزيرة المنشور على صفحة "مجلس العدالة الاجتماعية في الجزيرة" بتاريخ: 19/7/2018، الرابط: https://bit.ly/4aTM82P

([14])  مقابلة مع المحامي والخبير القانوني إبراهيم ملكي، أجريت بتاريخ 6/12/2023

([15])  توقيف عمل الحزب الجمهوري الكردستاني في مناطق الإدارة الذاتية لمخالفته قانون الأحزاب، ادار نيوز، 15/10/2022، تمت المشاهدة: 9/9/2023، https://bit.ly/3QvqRo0

([16]) ساشا العلو، "الإدارة الذاتية: مدخل قضائي في فهم النموذج والتجربة"، مركز عمران للدراسات، 29/4/2021، تمت المشاهدة: 11/9/2023، https://bit.ly/40e3t1Q

([17]) نشوء الحركة السياسية الكردية في سورية وتطورها، مركز آسو للاستشارات، 7/2020، تمت المشاهدة: 23/9/2023، https://bit.ly/3Shpf2z

([18]) مقابلة مع سليمان، وهو اسم مستعار لناشط سياسي كردي يقيم في مناطق سيطرة الإدارة، طلب عدم التصريح عن اسمه لأسباب أمنية.  أجريت عبر برنامج الواتس آب بتاريخ: 25/8/2023

([19]) المرجع نفسه.

([20]) مقابلة مع عبد الله كدو عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري ممثلاً عن المجلس الوطني الكردي، أجريت في مدينة اسطنبول بتاريخ: 13/8/2023.

([21]) لمزيد من المعلومات حول التحالف ومواقفه السياسية يمكن مراجعة صفحتهم على فيسبوك:  https://bit.ly/472Fdlk

([22]) المرجع السابق  https://bit.ly/472Fdlk

([23])  سلام حسن، "المنظمة الآثورية تهاجم "قسد" وتحذّر من التغيير الديمغرافي في سورية"، العربي الجديد، 23/1/2022، تم الاطلاع 11/12/2023 https://bit.ly/3TkQutE

([24])  جورج خابور، "حزب "الاتحاد السرياني" الأداة الطيعة بيد (PYD)"، عين المدينة، 24/10/2018، تم الاطلاع 11/12/2023 https://bit.ly/3NlMrtc

([25])  انشقاق جديد يعصف بأحد أكبر الأحزاب الكردية السوريةـ تلفزيون سوريا، 8/12/2023، https://www.syria.tv/243685

([26])  لمعرفة المزيد عن حزب سوريا المستقبل يمكن مراجعة الموقع الرسمي للحزب :  https://bit.ly/3UVOV6k

([27]) "الإدارة الذاتية" تتجه إلى حظر الأحزاب الكردية المناهضة لها، عنب بلدي، 13/3/2017، تمت المشاهدة 25/9/2023، https://bit.ly/3Q9A1p4

([28]) عدنان أحمد، "قسد" تعتقل ناشطين وقياديين من المجلس الوطني الكردي في شمال وشمال شرقيّ سورية"، العربي الجديد، 18/7/2021، تمت المشاهدة: 25/9/2023، https://bit.ly/3tK633k

([29]) جلال بكور وعمار الحلبي، "سورية: اعتداء جديد على المجلس الوطني الكردي وأكبر أحزابه يثمن الإجراءات ضد العمال الكردستاني"، العربي الجديد، 15/12/2020، تمت المشاهدة: 27/9/2023، https://bit.ly/3s8h6D6

([30]) عبد الله البشير، "اعتداء جديد يطال مقراً لحزب "يكيتي" الكردي شمالي سورية"، العربي الجديد، 16/12/2020، تمت المشاهدة: 26/9/2023، https://bit.ly/3Se5bxX

([31]) هل ترضخ "قسد" لأصوات المتظاهرين أم تمضي في المواجهة؟، شبكة بلدي،19/5/2021، تمت المشاهدة: 26/9/2023، https://bit.ly/3QdtlGe

([32]) مظاهرة طلابية في الدرباسية قوبلت بالضرب والاعتقالات، يكيتي ميديا،20/1/2021، تمت المشاهدة: 26/9/2023، https://bit.ly/45KGcFG

([33]) تقرير اللجنة الأممية المستقلة للتحقيق المقدم للدورة العادية الـ 52 لمجلس حقوق الإنسان، 1/3/2023، من ص 21 إلى 24 من التقرير، https://bit.ly/3vE8llx

([34])  لا بديل عن العودة… انتهاكات قوات الإدارة الذاتية الكردية في محافظة الحسكة، الشبكة السورية لحقوق الإنسان،27/10/2025، https://bit.ly/3SeSBOF

([35])  قسد تقوّض النشاط المدني شمال شرقي سورية، المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان، 29/3/2020، https://bit.ly/49cxBxV  

([36]) مقابلة عبر المسنجر مع د. فريد سعدون ناشط سياسي وأكاديمي يقيم في مناطق سيطرة الإدارة، أجريت بتاريخ: 10/9/2023

([37]) مقابلة مع سليمان، وهو اسم مستعار لناشط سياسي كردي يقيم في مناطق سيطرة الإدارة، طلب عدم التصريح عن اسمه لأسباب أمنية، أجريت عبر برنامج الواتس آب بتاريخ: 25/8/2023

([38]) عماد كركص وسلام حسن، "سورية: ملاحظات كردية على وثيقة التفاهم بين "مسد" وهيئة التنسيق"، العربي الجديد، 29/6/2023، تمت المشاهدة: 15/10/2023، https://bit.ly/499SHxG

([39]) مقابلة عبر المسنجر مع د. فريد سعدون ناشط سياسي وأكاديمي من القامشلي، أجريت بتاريخ: 10/9/2023

([40]) مقابلة مع عضو سابق في مكتب العلاقات الخارجية لـ "مسد"، أجريت عبر الهاتف بتاريخ: 9/8/2023

([41]) المرجع نفسه.

([42]) فلاديمير فان ويلجنبرج، "استراتيجيات قوات سوريا الديمقراطية في شرق سوريا"، المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية،10/11/2020، تمت المشاهدة: 2/10/2023: https://bit.ly/3tTXOSb

([43]) مقابلات عدة أجراها الباحث مع ناشطين وإعلاميين موجودين في القامشلي والرقة، ولكن لن يتم التصريح بالأسماء لأسباب أمنية.

([44]) قوات سوريا الديمقراطية تسعى إلى إيجاد طريق نحو استقرار دائم في شمال شرق سوريا، مجموعة الأزمات الدولية، تم النشر: 25/11/2020، تمت المشاهدة: 15/10/2023، https://bit.ly/3tP4H7y

([45) مقابلة مع عبد الله كدو عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري ممثلاً عن المجلس الوطني الكردي، أجريت في مدينة اسطنبول بتاريخ: 13/9/2023.

([46]) مقابلة مع سليمان، وهو اسم مستعار لناشط سياسي كردي يقيم في مناطق سيطرة الإدارة، طلب عدم التصريح عن اسمه لأسباب أمنية، أجريت عبر برنامج الواتس آب بتاريخ: 25/8/2023

([47]) حصل حراك شعبي عشائري في دير الزور نهاية شهر آب 2023، بعد اعتقال قسد لقيادة مجلس دير الزور العسكري، وقد تطور هذا الحراك من مظاهرات وقطع طرق إلى اشتباكات مسلحة، توسع نطاقها حتى شمل معظم مناطق سيطرة قسد في محافظة دير الزور، حاولت قسد السيطرة عليها عبر هجوم عسكري موسع تمكنت خلاله من إعادة سيطرتها على مواقع عدة، ولكن لم تنته الهجمات على حواجز قسد حتى بداية 2024، مع  محاولة أطراف محلية وإقليمية استغلال الحراك لتحقيق مصالحها، وعلى رأسها إيران، للمزيد انظر: سامر الأحمد، "في مدلولات تصعيد قسد ضد مجلس دير الزور العسكري"، السورية نت، 30/8/2023، https://bit.ly/48AcMfA

([48]) صفحة "اعتصام حتى إلغاء القرار" على موقع فيس بوك، 1/10/2023، تمت المشاهدة: 1/10/2023، https://bit.ly/3FvjIxJ

([49]) مقابلة مع عبد القادر عاكوب ناشط سياسي ينحدر من مدينة القامشلي، أجريت بتاريخ: 19/9/2023

([50]) الاجتماعات الدولية تشمل الوفود الأجنبية التي زارت مناطق سيطرة الإدارة، أو زيارات مسؤولي الإدارة للدول.

([51]) فلاديمير فان ويلجنبرج، "استراتيجيات قوات سوريا الديمقراطية في شرق سورية"، المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية،10/11/2020، تمت المشاهدة: 2/10/2023: https://bit.ly/3tTXOSb

([52]) الإدارة الذاتية تدعو لتوسط عربي وأممي بحل مع الحكومة السورية، موقع رووداو، 18/4/2023، تمت المشاهدة: 2/10/2023: https://bit.ly/45MynPY

([53]) تداعيات زلزال شباط 2023 على المشهد السوري، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ص47، 31/3/2023، تم الاطلاع 1/12/2023، https://bit.ly/46Yt9RO

([54]) الإدارة الذاتية تتحرك لإعادة اللاجئين السوريين من لبنان، العربية نت، 20/6/2023، تم الاطلاع 10/12/2023،  https://bit.ly/4ajtzoD

([55]) "الإدارة الذاتية" تعلن عن مبادرة لحل الأزمة السورية"، تلفزيون سوريا، 18/4/2023، تمت المشاهدة: 3/10/2023، https://bit.ly/3MeJque

([56]) بدر ملا رشيد، "رسائلٌ إيجابية بين الأطراف الكُردية.. تمنياتٌ مثقلة بالتحديات"، مركز عمران للدراسات، 10/3/2020، تمت المشاهدة: 3/10/2023 https://bit.ly/46J1Co5

([57])  هي قوات كردية تضم مقاتلين سوريين يقيمون في إقليم كردستان العراق، يتبعون سياسياً للمجلس الوطني الكردي، للمزيد يمكن مراجعة تقرير عبادة كوجان، أكراد سوريون تدربوا في كردستان العراق ويسعون للعودة، عنب بلدي، 12/6/2016، تمت المشاهدة: 25/10/2023، https://bit.ly/3SaPPKR

([58]) عبد الرحيم تخوبي، "الحوار الكردي-الكردي في سورية.. المجريات والدوافع والمصير"، مركز جسور للدراسات، 16/10/2023، تمت المشاهدة: 5/10/2023، https://bit.ly/3Q3hpa8

([59]) مقابلة مع عبد الله كدو عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري ممثلاً عن المجلس الوطني الكردي، أجريت في مدينة اسطنبول بتاريخ: 13/8/2023.

([60]) بشار خليل، "موسكو توافق على لعب دور الوسيط لإجراء مفاوضات جدية بين "مسد" ودمشق"، آرتا إف إم، 10/2/2020، تمت المشاهدة: 6/10/2023، https://bit.ly/3Sdhk6g

([61])  وسام سليم، "رئيسة "مسد" تعلن فشل المفاوضات مع النظام السوري"، العربي الجديد، 18/12/2021، تمت المشاهدة:6/10/2023، https://bit.ly/476NrbZ

([62]) مصادر كردية: المفاوضات بين "قسد" والنظام" توقفت بشكل نهائي و"باءت بالفشل"، شبكة شام، 19/6/2023، تمت المشاهدة: 7/10/2023، https://bit.ly/3Q9MHwa

([63]) "مسد" بشأن الاجتماع التشاوري العربي: نحن مع أي تسويات تعيد لسورية الاستقرار، شبكة رووداو، 15/4/2023، تمت المشاهدة: 8/10/2023، https://bit.ly/3FsBYIh

([64]) مقابلتان مع شخصيتين شاركا في مؤتمرات خارج سورية وفي الرقة مع "مسد “رفضا الكشف عن هويتهما.

([65]) مقابلة عبر المسنجر مع د. فريد سعدون ناشط سياسي وأكاديمي من القامشلي، أجريت بتاريخ: 10/9/2023

([66]) محمد عيسى، "عضو بـ"مسد": فوز أردوغان يهدد الإدارة الذاتية بـالتفكك"، شبكة رووداو، 15/5/2023، تم الاطلاع 15/9/2023  https://bit.ly/3Rs5BPc

([67]) عدنان أحمد، "مسد تطالب التحالف الدولي بمنع أي عملية عسكرية تركية شمالي سورية"، العربي الجديد، 26/5/2022، تمت المشاهدة: 9/10/2023، https://bit.ly/3SdIJFt

([68]) "مسد" تأخذ التهديدات التركية بجدية.. و4 محاور للعملية، المدن، 1/11/2021، تمت المشاهدة: 9/10/2023، https://bit.ly/3FBiVeA

([69]) اتفاق تركي أميركي بتعليق عملية "نبع السلام" وانسحاب الأكراد، الجزيرة نت، 17/10/2019، https://bit.ly/48RCD2S ،   اتفاق روسيا وتركيا على إبعاد المقاتلين الأكراد عن الحدود السورية التركية، وكالة رويترز، 23/10/2019، https://bit.ly/3UGamIz

([70]) ياروسلاو لوكوف، "قمة الناتو: تركيا تطلب من فنلندا والسويد تسليم "إرهابيين" بعد الموافقة على انضمام البلدين للناتو"، موقع بي بي سي عربي، 29/6/2023، تمت المشاهدة: 15/10/2023، https://bit.ly/3s9dkJB

([71]) الاستراتيجيات المؤثرة على تطورات شرق سوريا، مركز الإمارات للسياسات، 20/11/2021، تمت المشاهدة: 20/10/2023: https://bit.ly/495HaiN

([72]) شفان إبراهيم، "قسد بين روسيا وأميركا والحوار الكردي – الكردي"، العربي الجديد، 19/9/2021، تمت المشاهدة: 10/10/2023، https://bit.ly/3MhhgP9

([73]) للمزيد حول الأوضاع في مخيم الهول ومخاطر عودة التنظيم يمكن مراجعة تقرير واشنطن بوست: https://bit.ly/476hAsi

([74])  قوات سوريا الديمقراطية تسعى إلى إيجاد طريق نحو استقرار دائم في شمال شرق سوريا، مجموعة الأزمات الدولية، 25/11/2020، تمت المشاهدة: 15/10/2023، https://bit.ly/3tP4H7y

([75]) إلهام أحمد: على المجتمع الدولي إعادة النظر بمنح الشرعية للائتلاف السوري المعارض بعد تقارب دمشق وأنقرة، موقع الإدارة الذاتية، 18/1/2023، تمت المشاهدة: 15/10/2023، https://bit.ly/40969xE

([76]) ياروسلاو لوكوف، "قمة الناتو: تركيا تطلب من فنلندا والسويد تسليم "إرهابيين" بعد الموافقة على انضمام البلدين للناتو"، موقع بي بي سي عربي، 29/6/2023، تمت المشاهدة: 15/10/2023، https://bit.ly/3s9dkJB

التصنيف الدراسات

ملخص تنفيذي

  • نُفّذ في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" خلال النصف الأول من العام 2022 نحو 358 مشروعاً، استحوذ قطاع المياه والصرف الصحي على النسبة الأكبر للمشاريع المنفّذة (148 مشروع) ثم قطاع النقل والمواصلات 77مشروعاً وقطاع الكهرباء 51 مشروعاً ويليه قطاع الخدمات الاجتماعية 34 مشروعاً وقطاع التجارة 23 مشروعاً وقطاع الزراعة والثروة الحيوانية 18 مشروعاً، توزعت المشاريع وفق الوحدات الإدارية على الشكل التالي: إقليم الجزيرة 118 مشروعاً وإقليم دير الزور 96 مشروعاً وإقليم الرقة 58 مشروعاً وإقليم الطبقة 41 مشروعاً ومن ثم 29 مشروعاً في إقليم الفرات و19 مشروعاً في إقليم منبج.
  • أصدرت "الإدارة" خلال فترة الرصد عدة قرارات وإعلانات منها: منع نقل القمح بين مناطق الإدارة إلا بموجب كتاب رسمي وتحديد سعر شراء القمح بـ2200 ليرة سورية للكيلو الواحد، وتحديد أسعار عدد من المواد الأساسية بينها السماد والسكر والكهرباء، كما حددت لجنة المحروقات كمية مازوت التدفئة للمنزل بواقع 300 لتر شهرياً بقيمة 150 ليرة للتر الواحد، وصدر قرار بصرف 100 ألف ليرة لكل العاملين في المنطقة.
  • تعاني مناطق سيطرة "الإدارة" من عدة أزمات حادة في قطاعات المياه والكهرباء والزراعة والمحروقات أدت لنشوء سوق سوداء واحتكار واستشراء الفساد، وعدم تصميم دفاعات مالية ضد الأزمات المستوردة من مناطق النظام على رأسها التضخم وضعف العملة، مّما يؤكد أن مؤشر التعافي لا يزال هشّاً ويكشف قصوراً واضحاً في هيكلية النموذج الاقتصادي الاجتماعي المتبع وعدم كفاءة المكاتب والمؤسسات المعنية بالملف الاقتصادي إذ لم تسهم في تلافي حدوث أزمات وتحقيق استقرار معيشي للسكان.


منهجية قياس "مؤشر التعافي"

يحاول تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق "الإدارة الذاتية" شمال شرق سورية رصد نشاطات الفاعلين من بلديات ومنظمات محلية وأجنبية عاملة في المنطقة خلال النصف الأول لعام 2022 بين كانون الثاني وحزيران. وتضم المنطقة أجزاء من محافظات الحسكة والرقّة ودير الزور، وتمتدّ على مساحة أكثر من 50 ألف كيلومتر مربّع، ويبلغ عدد سكانها 3.2 ملايين نسمة، وتم الاعتماد على ميثاق العقد الاجتماعي الصادر عن "الإدارة الذاتية" والذي يقسم المنطقة إلى 7 أقاليم: إقليم الجزيرة، وإقليم دير الزور، وإقليم الرقة، وإقليم الطبقة، وإقليم الفرات، وإقليم منبج، وإقليم عفرين. ويهدف التقرير جنباً إلى جنب مع تقاير التعافي الأخرى في مناطق المعارضة شمال غرب سورية وتقرير التعافي في مناطق النظام لتشخيص وفهم ما يلي:

  1. حركية النشاطات والأعمال المنجزة في المنطقة المحددة وتشخيص تطور الاقتصادات المحلية، ومقارنة المناطق والقطاعات مع بعضها البعض؛
  2. مدى قدرة الكيانات الحوكمية والفواعل على إيجاد بيئة آمنة للعمل والاستثمار تؤدي إلى خلق فرص عمل والقيام بأعمال ونشاطات متنوعة وتحريك الطلب المحلي؛
  3. رصد التشريعات والقرارات وأثرها على الاقتصاد المحلي.

وتتأتى أهمية هذا التقرير من محاولته رصد وتحليل واقع المشاريع الاقتصادية والتنموية المنفّذة في القطاعات الاقتصادية، مما يشكل دافعاً وإسهاماً لصنّاع القرار والفواعل لتوجيه الدعم وسد الثغرات.

ركّز التقرير خلال عملية الرصد على المدن والبلدات الرئيسية المبينة في الجدول رقم (1) التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً، وتم الاعتماد على التقسيم الإداري لـ"الإدارة الذاتية" والتي غيّرت وحدّثت بعض التقسيمات الإدارية للبلدات والمدن، ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي، كما تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية للبلديات والمنظّمات العاملة على "فيس بوك" و"تليغرام" وتسجيل نشاطاتها وتقاريرها الدورية وفق معادلة رصد مضبوطة كما هو موضّح في الجدول رقم (2) تؤمّن القدرة على تحليل البيانات وفق مستويين؛ قطاعي وجغرافي.

يوضّح الجدول أدناه خارطة الفواعل التي يرصد التقرير أنشطتها التنموية والخدمية:

 

 كما يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:

 

واقع التعافي: غياب الاستراتيجية والإرادة

بلغ العدد الإجمالي للمشاريع المنفّذة في مناطق "الإدارة" 358 مشروعاً، ويُوضّح الشكل رقم (1) والشكل رقم (3) عدد ونسب المشاريع، حيث حاز قطاع المياه والصرف الصحي على النسبة الأكبر من المشاريع المنفّذة 148مشروعاً بنسبة 40%، ومن ثم قطاع النقل والمواصلات 77 مشروعاً بنسبة 21% وقطاع الكهرباء 51 مشروعاً بنسبة 14% وقطاع الخدمات الاجتماعية في المرتبة الرابعة بواقع 34 مشروعاً بنسبة 9%.

وفيما يتعلق بتوزع المشاريع على المناطق المرصودة يوضّح الشكل رقم (2) تنفيذ النسبة الأكبر من المشاريع في إقليم الجزيرة 118مشروعاً، وإقليم دير الزور 96 مشروعاً، وإقليم الرقة 58 مشروعاً، وإقليم الطبقة 41 مشروعاً، ومن ثم 29 مشروعاً في إقليم الفرات، و19 مشروعاً في إقليم منبج.

 

وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (4) توزع المشاريع على المدن والبلدات المرصودة في القطاعات كافة؛ حيث حلّت مدينة الرقة في المرتبة الأولى بالمؤشر 58 مشروعاً، وجاءت بعدها مدن الطبقة 41 مشروعاً وهجين 34 مشروعاً والقامشلي 26 مشروعاً و23 مشروعاً في البصيرة و19 مشروعاً في منبج.

 

ومن بين أبرز القرارات والتعميمات المرصودة: منع نقل القمح بين مناطق "الإدارة" إلا بموجب كتاب رسمي وتحديد سعر شراء القمح بـ2200 ليرة سورية للكيلو الواحد وسعر قالب الثلج بـ2000 ليرة سورية وتحديد سعر كيلو السكر وسعر أمبير الكهرباء من قبل المولدات بـ4000 ليرة للمشتركين بـ6 أمبيرات أو أقل والتقيد بأوقات التشغيل من الساعة 4 مساءً حتى الساعة 12 ليلاً، وتعديل سعر السماد الفوسفاتي الروسي لـ700 دولار للطن الواحد والسماد الآزوتي لـ730 دولار للطن الواحد من قبل شركة التطوير الزراعي، وتقييد أصحاب خطوط النقل الداخلي بالتسعيرة المحددة 300 ليرة سورية ضمن القامشلي، وصدر قرار بصرف 100 ألف ليرة لكل العاملين في "الإدارة"، وإيقاف مخصصات فرن النباعي والباغوز والشعب بسبب الشكاوى، وحددت مديرية البيئة في إقليم الجزيرة غرامة وقدرها 25 ألف ليرة سورية لمن يخالف قواعد النظافة العامة، كما حددت لجنة المحروقات كمية مازوت التدفئة للمنزل بواقع 300 لتر شهرياً بقيمة 150 ليرة للتر الواحد.

أما في قطاع المياه والصرف الصحي فقد تم تنفيذ 148مشروعاً في المنطقة كما يُظهر الشكل رقم (5)، وأتت مدينة الطبقة على رأس القائمة بواقع 21 مشروعاً، تلتها مدينتي هجين 18مشروعاً والبصيرة 14مشروعاً، ومن بين المشاريع المنفّذة جر مياه الشرب لقرى صرين وقروشان والمربع بطول 4000 متر، وتوسيع خط المياه في قرية حوتي بطول 1150 متر، ومد خط مياه بطول 5500 متر من مدينة البصيرة إلى خزان قرية الطكيحي، ومد خط مياه بطول 850 متر في قرية أبو الحسن، وتأهيل شبكات المياه في ناحية الكسرة، وإنشاء محطة مياه في الباغوز، وتأهيل محطة مياه المحيميدة، وغيرها من المشاريع الشبيهة. يُذكر أن نقص المياه النظيفة لا يزال أحد الشواغل الرئيسية للسكان في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة. ولا تزال مدينة الحسكة التي يقطنها نحو مليون شخص تعاني من انقطاع مستمر في المياه جراء الخلافات الميدانية مع فصائل المعارضة في مدينة رأس العين التي تضم محطة علوك التي تغذّي الحسكة بالمياه بواقع 60 ألف متر مكعب يومياً، وتعمد "الإدارة" لقطع الكهرباء عن المدينة ما يحول دون تشغيل محطة المياه، وتدخلت روسيا أكثر من مرة في حل الخلاف بين الطرفين، وللتعويض عن المياه في الحسكة قامت "الإدارة" بتشغيل محطات التحلية وعددها 16 محطة ونقل المياه للمنازل عبر الصهاريج.

 

ونفذت البلديات والمنظمات 77 مشروعاً في قطاع النقل والمواصلات، وحازت كل من منبج والطبقة والرقة والقامشلي على المراتب الأربعة الأولى بين المناطق التي تم رصدها كما يظهر في الشكل رقم (6). ومن بين المشاريع المنفّذة؛ تعبيد الطريق الواصل بين مدينة الحسكة والدرباسية بطول 20 كم، وتعبيد طريق قرية جاردوية في منطقة ديرك بالقامشلي بطول 9 كم وطرقات في الكورنيش والهلالية والحي الغربي، كما تم تعبيد 10 كم في مدينة الصور بالاسفلت، وتأهيل جسر الصور في مدينة دير الزور، وفي البصيرة تم العمل على تعبيد شارع أبو حردوب في البصيرة، وفي الرقة تم تأهيل طرق في أحياء السباهية والطيار والجزرة وحي الرميلة، كما تم تعبيد عدة طرق في مدينة منبج بينها الطريق الواصل بين قرية الطعان والسيد، وطريق تل حوذان بطول 500 متر، وطريق قرية شجيف ذهبية بطجول 12450، وطريق قرية الفرس أبو قلقل بطول 8300 متر.

 

ونفذت البلديات والمنظمات 51 مشروعاً في قطاع الكهرباء وجاءت كل من القامشلي والرقة وهجين في المراتب الثلاث الأولى كما يظهر في الشكل رقم (7)، ومن بين المشاريع المنفّذة تركيب محولة كهرباء و5 أبراج حديد و13 عاموداً خشبياً في كوباني، وتركيب إنارة للشوارع على المدخل الشمالي والجنوبي للمشاريع الرئيسي في صرين، وإنارة شوارع في بلدات ومدن الشعيطات والشعفة وهجين والباغوز والصور ومحيميدة والملاهي وفي مدينة الرقة ضمن عدة أحياء وقرى وتم الانتهاء من إنارة مسافة 7500 متر في حي الناصرة ضمن مدينة الحسكة، وتركيب 40 لوح إنارة طاقة شمسية وأربعة أعمدة في عدة أماكن متفرقة في مدينة القامشلي، وتركيب محولات كهرباء جديدة باستطاعة 400 KVA ومحولات أخرى باستطاعات مختلفة في عدة أحياء وقرى. ولا تزال خدمة الكهرباء مضطربة في المنطقة ويعتمد الأهالي على الأمبيرات حيث توفّر "الإدارة" المازوت بسعر مخفض لمولدات الأحياء بـ 85 ليرة للتر الواحد بدلاً من 410 ليرات، وقطعت "الإدارة" مادة المازو في القامشلي عن المولدات التي تغذّي المنازل بالكهرباء، وفي أواخر تموز 2022، توقفت معامل ومشاريع صناعية وتجارية وأفران في مدينة القامشلي من جراء عدم توزيع "الإدارة" مادة المازوت المخصصة للقطاع الصناعي والتجاري.([1])

 

فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 34 مشروعاً كما في الشكل رقم (8)، في كل من دير الزور والبصيرة والصور والطبقة، حيث تم إزالة الركام وترحيله من عدة شوارع وأحياء، وتم بناء مدرسة البيرم في منبج، وأنشأت محمية بالقرب من سد بورزي بمساحة 12000متر مربع من الأراضي الزراعية، وبناء مركز تنمية في مدينة الدرباسية بقيمة 4211 دولار وافتتاح صالتين استهلاكيتين لفرع شركة "نوروز" في الحي الغربي للقامشلي، كما تم العمل على ترميم وتأهيل عدد من البلديات مثل الدحلة والزعبر والحصين وجديد عكيدات والكشكية والطبقة. يُشار أن رؤية الإدارة الذاتية قائمة على خدمة مصالح المجتمع عبر بناء مؤسسات اقتصادية ذات صبغة اجتماعية مثل الجمعيات التعاونية والشركات المساهمة الإنتاجية والمؤسسات الخدمية ومع ذلك لا يتوافق عدد المشاريع في قطاع الخدمات الاجتماعية مع رؤيتها في هذا الإطار.([2])

وتم تنفيذ 23 مشروعاً في قطاع التجارة، وجاءت الرقة في المرتبة الأولى بـ15 مشروعاً تلتها الهجين والطبقة ودير الزور ومنبج على التوالي كما في الشكل رقم (9)، ومن بين المشاريع المنفّذة استدراج عروض أسعار لاستئجار آليات نوع فان، وجرار مع تريلة قلاب، وطرح مزايدة لبيع حديد طوناج وزيت محروق، ومزايدة لاستثمار السوق التجاري في الطبقة وإشغال محلات في حي الثكنة بالرقة، ومناقصات لتوريد مواد لدائرة الأشغال الرئيسية في الرقة ومنبج. ومن الجدير بالذكر انتشار السلع التركية والإيرانية المستوردة من إقليم كردستان العراق عبر معبر سيمالكا الوحيد بعد إغلاق المعابر الحدودية مع تركيا وصعوبة توفير المنتجات السورية البديلة محلياً، وترتبط المنطقة مع مناطق النظام من خلال معبر الطبقة، وقد شجّعت هذه البيئة لنشوء احتكارات على تجارة العديد من المواد يسيطر عليها "نخب الحرب الجديدة، ومهرّبين على تفاهمٍ مع حكومة إقليم كردستان، وحاصلين على حقوق تصدير حصرية إلى الجزيرة".([3])

 

وبالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية فقد تم تنفيذ 18 مشروعاً، جاءت دير الزور في المرتبة الأولى بواقع 4 مشاريع تلتها كل من البصيرة والصور والقامشلي بمشروعين لكل منها كما في الشكل رقم (10). وتضمنت المشاريع إنشاء غابة حراجية تضم 3000 شجرة سرو وصنوبر وغابة في محمية سد مزكفت عبر زراعة 3000 شجرة حراجية، ومشاريع لدعم مربي الإبل والدواجن والماشية، وأشارت "هيئة الاقتصاد والزراعة" عن استلام نحو 360 ألف طن من القمح في شمال شرق سورية حتى شهر تموز، وتوزيع 647 ألف طن سماد على المزارعين في عامودا. ومُني أصحاب الأراضي والمزارعين بخسائر كبيرة خلال عامي 2020 و2021 جراء غلاء مواد المحروقات والأسمدة وعدم توفرها لتشغيل آبار المياه وشح الأمطار وارتفاع تكاليف الإنتاج، ويشوب قطاع الزراعة حالة من الفساد مرتبطة بحصول بعض المتنفّذين في "الإدارة" على المياه والمواد الزراعية المدعومة، ما اضطر عشرات المزارعين إلى منح أراضيهم لأولئك المتنفّذين جراء عدم تمكنهم من تأمين المازوت والمواد الأولية الضرورية.([1])

 

وفيما يتعلق بقطاع التمويل، تم تنفيذ 4 مشاريع في البصيرة والرقة ودير الزور، بينها دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعم وتمكين الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. و3 مشاريع في قطاع الصناعة بينها بناء معمل خراطيم في الطبقة وعمل لتعبئة اسطوانات الأوكسجين للمشافي والمستوصفات في القامشلي، ومعمل لتعبئة مياه الشرب في عامودا.

يمكن القول إن الفترة الحالية شهدت مشاريع متنوعة بينها إزالة الأنقاض وتعبيد الشوارع وتأهيل قنوات الصرف الصحي ومحطات المياه وإنارة الطرقات، وشهد قطاع المياه والصرف الصحي الوزن الأكبر بين المشاريع المنفّذة لحل أزمة المياه التي تعاني منها المنطقة، وجاء قطاع النقل والمواصلات في المرتبة الثانية ضمن مؤشر التعافي حيث نفذت البلديات 77 مشروعاً في المنطقة، بينما بقي الاهتمام بقطاعات الصناعة والتمويل والزراعة بحدوده الدنيا، فيما لم يلحظ التقرير تنفيذ مشاريع في قطاع الإسكان والتعمير خلال الفترة الحالية.

 

خلاصات تحليلية:  قصور هيكلي

تبين نتائج الرصد في مناطق الإدارة الذاتية خلال النصف الأول لعام 2022 جملة من الخلاصات قي القطاعات المرصودة، يمكن شملها بالنقاط الآتية:

  • إنجاز 358 مشروع في المنطقة على مدار 6 أشهر، حاز قطاع المياه والصرف الصحي على أكثر القطاعات تنفيذًا للمشاريع بواقع 148 مشروعاً قوامها مد شبكات وترميم أخرى معطلة، ومع ذلك لا يزال هناك أزمة مستعصية في تأمين مياه الشرب للسكان في مدينة الحسكة جراء عدم التوصل لاتفاق وتفاهمات عابرة للخلافات السياسية مع فصائل المعارضة في رأس العين.
  • تسببت القرارات المُتخذة في قطاع المحروقات القاضية بتحديد سعر مدعوم للسيارات المسجلة فقط، بخلق سوق سوداء تباع فيه المحروقات أضعاف السوق النظامية، حيث بلغ سعر لتر البنزين والمازوت 2000 ليرة سورية بينما يباع لتر المازوت المدعوم بـ410 ولتر البنزين بـ210 ليرة، كما لحظت حالة احتكار إذ تم التعاقد مع مستثمرين محددين لتكرير النفط ومد الأسواق بالمحروقات، والجدير بالذكر أن غلاء المحروقات يثبّط عمل قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة وتنعكس على القوة الشرائية للمواطن كارتفاع أسعار السلع والخدمات.
  • لا يزال قطاع الكهرباء يرزح تحت أزمات اضطر بسببها الأهالي للاعتماد على المولدات وتجارة الأمبيرات، بنفس الوقت عمدت "الإدارة" إلى قطع المازوت عن المولدات بدون تبرير.
  • نشوء احتكارات في قطاع التجارة لاستيراد مواد البناء وتوزيعها، يسيطر عليها نخب الحرب ومتنفّذين، وقد يؤدي هذا الوضع مع مرور الوقت إلى إضعاف البنية التجارية وتعزيز الفساد وأذرعه.
  • تنفيذ 18 مشروعاً في قطاع الزراعة في منطقة تتمتع بأهم المواد الاستراتيجية من قمح وقطن، و"تشكل الأراضي القابلة للزراعة في المحافظات الشرقية (عدا منطقة عين العرب) 43% من إجمالي الأراضي القابلة للزراعة في عموم سورية"، ويعتمد السكان بالدرجة الأولى على نشاط الزراعة وتربية المواشي بالدرجة الثانية، ومع ذلك يمكن تلمس مواطن الضعف بهذا القطاع ناجمة عن عدم دعم المزراعين ومربي المواشي، وانتشار المحسوبيات والمتنفّذين في آليات توزيع المواد المدعومة.
  • لم تمتلك "الإدارة" دفاعات مالية تقيها الأزمات المستوردة من مناطق النظام على رأسها التضخم وضعف الليرة، ما يشير إلى ضعف حوكمة القطاع المالي والمكاتب المسوؤلة عن الملف الاقتصادي مثل: "التخطيط والتنمية" و"الاقتصاد والزراعة" و"المالية" و"النفط والموارد المالية" و"الشؤون الاجتماعية والعمل"، كما غابت المؤشرات والبيانات الاقتصادية وهو ما زاد من صعوبة الرصد والتوقعات.

أخيراً بتحليل عام لجملة ما تم رصده يمكن القول إن نوعية وحجم المشاريع والأعمال المنفّذة تدلل على قصور في هيكلية النموذج الاقتصادي الاجتماعي المتبع وعدم كفاءة المكاتب والمؤسسات المعنية بالملف الاقتصادي إذ لم تسهم في تلافي حدوث أزمات وتحقيق استقرار معيشي للسكان وتعافي المنطقة اقتصادياً؛ على الرغم من امتلاك الإدارة الذاتية مقوّمات نجاح حيث تسيطر الإدارة على ما يقرب من 55% من الموارد المساهمة في تكوين الناتج الإجمالي المحلي لسورية عموماً من نفط وغاز  وزراعة.


 


 

([1] )الإدارة الذاتية تقطع المازوت عن المولدات في القامشلي وتهدد أصحابها، تلفزيون سوريا، 4/8/2022، رابط مختصر: https://cutt.ly/2VsCw0n 

 ([2] ) أحمد يوسف، اقتصاد الإدارة الذاتية ومحاولات بناء نموذج اقتصادي، صور، 22/12/2018، رابط مختصر: https://cutt.ly/OVsFN9Y

([3] )سنان حتاحت، الاقتصاد السياسي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، 27/1/2020، برنامج مسارات الشرق الأوسط في معهد الجامعة الأوروبية، رابط مختصر: https://cutt.ly/OVexqXr

([4] ) مزارعون يضطرون لمنح أراضيهم لمستثمرين من "الإدارة الذاتية" جراء نقص المازوت، تلفزيون سوريا، 23/3/2022، رابط مختصر: https://cutt.ly/fVsPVyR

 

التصنيف تقارير خاصة

أصبحت شبكات اقتصاد الحرب السمة الأبرز للاقتصاد السوري، وهي ليست حكراً على النظام، كما أنها تتقاطع جميعها من حيث الامتيازات الممنوحة لشاغليها، واندماج رأسمالهم المستحدث في الاقتصادين المحلي والوطني عبر استثمارات ريعية، مفضلين الربح السريع على استحقاق التعافي والتنمية الاقتصادية على المدى البعيد، وما لذلك من آثار سياسية واقتصادية واجتماعية سلبية.

أعيد تشكيل الاقتصاد السوري خلال العشر سنوات الماضية على صعيد البنى والفاعلين، إذ لا يوجد اليوم مركز اقتصادي متحكم بكل الجغرافية السورية، بل اقتصاديات مناطق نفوذ، تدار من قبل شبكات اقتصاد الحرب التي شكلتها القوى المتحكمة عبر تحالفاتها الرسمية وغير الرسمية مع تجار وأمراء حرب متنفذين، يركزون استثماراتهم على القطاعات الريعية ذات الربح السريع كالعقار والتجارة والموارد الطبيعية.

قام النظام السوري بإعادة تشكيل شبكاته الاقتصادية عبر استبعاد بعض رجال الأعمال، ودمج أمراء حرب صاعدين ومتنفذين محلياً ، ومثال ذلك، علي مهنا القائد العسكري لفوج السحابات/ قوات النمر سابقاً، والذي افتتح في بداية أيار من عام 2021 بحضور رسمي مجمعاً تجارياً بمسمى “White center Tartous” في حي الغدير العائد لمجلس مدينة طرطوس بعد نيل عقد استثماره لمدة 10 سنوات، في خطوة مشابهة لوسيم قطان الذي نال حق امتياز استثمار عدة مجمعات تجارية في دمشق ومنها مول قاسيون ومجمع يلبغا، وما كان لكل منهما أن ينالا هذه الامتيازات الاقتصادية المتمركزة في قطاعات ريعية، لولا تمتعها بغطاء ودعم من النظام، مكنهما من إقصاء منافسيهم من رجال الأعمال المستقلين.

لا يبدو المشهد مختلفاً في مناطق الإدارة الذاتية، التي أسست بدورها شبكاتها الاقتصادية الخاصة بها، والمكونة من قيادين في هياكل الإدارة الذاتية وحزب العمال الكردستاني، إلى جانب تجار  ووسطاء محليين، وتحتكر هذه الشبكات القطاعات الاقتصادية الحيوية الريعية كالنفط والغاز، ومن الشخصيات البارزة في هذه الشبكات المدعو “فؤاد فايز محمد” والملقب بقاطرجي الإدارة الذاتية.

بالانتقال إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام، أسست فصائل المعارضة مكاتب اقتصادية خاصة بها، مسؤولة عن إدارة الموارد المالية في مناطق سيطرتها، وإدارة الأعمال التجارية والمعابر الداخلية، وتشير المعطيات إلى توسع شبكات اقتصاد الفصائل في الاقتصاديات المحلية واهتمامها بالقطاعات الريعية كالعقارات، إذ أشارت إحدى الدراسات المنشورة إلى استحواذ الجبهة الشامية على معامل اسمنت ومقالع رمل ومتاجر لبيع مواد بناء مستوردة في عدة مناطق في الشمال السوري. أما هيئة تحرير الشام، فقد تولت شخصيات قيادية في المكتب الاقتصادي للهيئة، تنتمي إلى الحلقة الضيقة  المقربة من الجولاني بحكم القرابة والولاء، تأسيس شبكات اقتصادية عبر شراكات مع وسطاء وتجار محليين، ومثال ما سبق شركات وتد المسؤولة عن توريد المحروقات ومؤسسة الوفاق والأمين لتوريد السلع الغذائية، وإن كان لا يعرف المالكيين الحقيقين لهذه الشركات، إلا أن علاقاتهم الوثيقة مع قيادات الهيئة مكنتهم من نيل هذه الاحتكارات.

يتهدد نمو شبكات اقتصاد الحرب ما تبقى من إنتاج محلي يكافح للبقاء، فمصالح هذه الشبكات قائمة على الربح السريع الناجم عن المتاجرة بسلع مستوردة أرخص ثمناً من المنتج المحلي، وما يعنيه ذلك من تدمير مشاريع إنتاجية تسهم في توفير فرص عمل للسكان المحليين، ويكفي التدليل على الآثار السلبية التي أحدثها استيراد الفروج التركي على صناعة الدواجن، ليس في مناطق الشمال السوري وإنما أيضاً في عموم سورية بحسب تقارير صحفية وبيانات رسمية. كذلك تثبط الامتيازات الممنوحة لشاغلي هذه الشبكات والحماية الموفرة لهم من عزيمة التجار ورجال الأعمال المستقلين للاستمرار بنشاطهم الاقتصادي، بل وتدفعهم للتفكير جدياً بالانسحاب من السوق نتيجة غياب التنافس الحر، إذ أشار مصدر محلي إلى نجاح تاجر معروف بعلاقاته مع الإدارة الذاتية في إقصاء تاجر آخر، والاستحواذ على عقد لتوريد مستلزمات لوجستية لمنظمة في الرقة، وهو ما دفع التاجر إلى تقييم خياراته المستقبلية لجهة الاستمرار أو الانسحاب. أيضاً، أشارت عدة مصادر صحفية إلى إحجام عدة مستثمرين سوريين وأتراك من الدخول للاستثمار في الشمال السوري، خشية اصطدامهم بتجار ورجال أعمال وأمراء حرب محسوبين على الفصائل. كذلك يسهم تنامي شبكات اقتصاد الحرب للقوى المتحكمة في ربط المزيد من السكان المحليين بمنظوماتهم الاقتصادية، وما يعنيه ذلك من تعزيز هيمنتها وتجذرها محلياً، وهنا تشير الأخبار المتواردة من إعلاميين محليين إلى استغلال هيئة تحرير الشام لأزمة رواتب عناصر الجيش الوطني لاستقطاب مقاتلين وضمهم إليها، يساعدها بذلك مواردها المالية المتحققة عن استثماراتها وممتلكاتها. ومن التداعيات السلبية لنمو شبكات اقتصاد الحرب، الحيلولة دون تبلور قطاع خاص مستقل يمكن التعويل عليه في إحداث تنمية في سورية، أو حتى بلورة القطاع الخاص لمطالبه تجاه القوى المتحكمة، وهو ما يجعل صوت التجار والصناعيين والمنتجين المحليين المستقلين مغيباً عن المشهد العام.

أمام تغول شبكات اقتصاد الحرب ومخاطرها القائمة، فإنه من الأهمية بمكان العمل على تشجيع منظمات المجتمع المدني للعب دور رقابي أكثر لفضح ممارسات هذه الشبكات،  إلى جانب تشجيع الجهات المانحة والمنظمات العاملة على إعطاء الأولوية للمشتريات المحلية في مشاريعهم بهدف دعم المنتجين المحليين لضمان استمرارية إنتاجهم، فضلاً عن دعم النقابات والجمعيات الزراعية والمهنية والصناعية لتعزيز دورها، وتأطير مطالبها وزيادة أوراقها التفاوضية في التعامل مع القوى المتحكمة.

 

المصدر: السورية نت

التصنيف مقالات الرأي

الملخص التنفيذي

  • مع تراجع سُلطة الدولة المركزية لصالح صعود تشكيلات دون دولتية، منها ذات طابع قومي وديني؛ برزت نماذج مختلفة من أنماط الحكم المحلي في الجغرافية السورية، والتي تأثرت بالخارطة العسكرية المُتغيّرة، ما أدى إلى نهاية بعض النماذج وانحسار أخرى مقابل استقرار نسبي وحذر لبعضها الآخر.
  • قدمت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" نفسها، بوصفها نموذجاً منافساً لباقي النماذج الإدارية التي فرضها الواقع العسكري، وعلى الرغم من مرور سبعة أعوام على الإعلان الفعلي للإدارة الذاتية بسُلطاتها ومؤسساتها المختلفة؛ إلا أن مستوى وطبيعة الحوكمة في هذا النموذج الإداري لا تزال إشكاليّة ومحط تساؤلات عدة.
  • تنطلق الدراسة للبحث في هذا النموذج الإداري من مدخل السُلطة القضائية، وذلك لما تعكسه دراسة القضاء من مؤشرات مهمة عدة، لا تنحصر فقط على مستوى المحاكم والنشاط القانوني لها، وإنما تمتد إلى المستويات السياسية والإدارية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
  • حددت الدراسة عينتها بمؤسسات الجهاز القضائي ومنهجها بالوصفي التحليلي بما فيه دراسة الحالة، واعتمدت على مصادر بيانات عدة، على رأسها المقابلات المُعمّقة مع العديد من القضاة والمحامين القائمين على رأس عملهم، إضافة إلى عدد من الإداريين في مؤسسات القضاء وغيرهم من العاملين في مؤسسات السُلطة التنفيذية، مقابل بعض المنظمات الحقوقية العاملة في المنطقة، ومقابلات متفرقة فرضتها خصوصية كل منطقة.
  • طرحت الدراسة مجموعة تساؤلات، حول بُنية القضاء وهيكلية مؤسساته واختصاصاتها وآليات عملها، إضافة إلى المرجعيات القانونية التي تستند إليها، مقابل طبيعة التوزع العلمي والديموغرافي للقضاة القائمين على عمل هذا الجهاز، ومستوى فاعليته واستقلاليته وعلاقته مع باقي السلطات في الإدارة، خاصة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وطبيعة القضاء العسكري القائم، مقابل العلاقة بين ملف القضاء وحزب العمال الكردستاني في المنطقة.
  • ضمن المُتغيرات محلّ البحث، تطرّقت الدراسة إلى طبيعة التعاطي القضائي والقانوني مع ملف "الإرهاب"، تحديداً معتقلي تنظيم الدولة السابقين، خاصة مع إنشاء الإدارة الذاتية محاكم استثنائية خاصة بـ"الإرهاب" (محكمة الدفاع عن الشعب)، وفي هذا السياق رُصِدَت مستويات عدة للتعامل مع هذا الملف خارج نطاق المحاكم والقانون.
  • فَرَدَت الدراسة سبعة فصول للبحث في طبيعة الجهاز القضائي بمختلف مؤسساته ودرجاته، انطلق الفصل الأول من فلسفة النشأة والنظريات التي استندت إليها الإدارة الذاتية وتبنتها في نموذجها الإداري بما فيه الجهاز القضائي، في حين توزعت خمسة فصول على دراسات حالة مُعمّقة لخمسة مناطق أعلنتها الإدارة الذاتية كـ "أقاليم" ضمن سُلطتها، وهي: (الحسكة، الرقة، دير الزور، منبج، عين العرب/كوباني).
  • فُرِدَ الفصل السابع لما توصلت إليه الدراسة من نتائج وخُلاصات، والتي انقسمت بدورها إلى مستويين، الأول: على مستوى الجهاز القضائي، ببنتيه ومرجعيته وفاعليته وكفاءته مقابل الاستقلالية والحياد. في حين مثّلت النتائج في المستوى الثاني: تحليلاً شاملاً لبيانات دراسات الحالة واستخلاص نتائج منها على مستوى النموذج الإداري ككل، سواء شكل اللامركزية المتبع، ومستوى العلاقات المدنية-العسكرية، وأثر القضاء على السلم الأهلي والأمن المجتمعي، مقابل آليات إدارة ملف "الإرهاب" وانعكاساتها، وطبيعة العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني وأثرها على المنطقة.

للمزيد حول الإصدار انقر هنا

التصنيف الكتب

ملخص تنفيذي

  • تسعى "الإدارة الذاتية" إلى تشكيل مظلة سياسية جديدة مع شخصيات وكيانات معارضة تمكِّنها من الحصول على الشرعية السياسية اللازمة للمشاركة في المفاوضات واللجنة الدستورية، والمحافظة على مكتسباتها العسكرية، لا سيما بعد تَعَسُّر الوصول إلى اتفاق مع النظام السوري.
  • يُظهر تاريخ وحركية الإدارة درجة عالية من المرونة والبرغماتية نحو تشكيل تحالفات جديدة وتغيير بنيتها الهيكلية، طالما لم يفقدها ذلك الأمر التموضع المركزي بأي مظلة قادمة.
  • من التحديات الداخلية التي تواجه الإدارة وتدفعها للبحث عن مظلة جديدة، تجمعها مع هذه المكونات ولو بإطار شكلاني، هو توسيع المشاركة الفعلية للمكونات المحلية، وإنجاز الحوار الكردي-الكردي.
  • تبدو الإدارة غير مستعدة بعد لتقديم التنازلات الكبيرة التي يتطلبها الدخول في مفاوضات مباشرة مع تركيا لإنهاء التهديد الذي تشكله عملياتها العسكرية، لذا تحاول الاستفادة من التناقضات الإقليمية وتشكيل مظلة سياسية تجمعها مع أطراف سورية معارضة.
  • تسير محاولات التشكل السياسي الجديد في شرق الفرات نحو عدة سيناريوهات مفتوحة، إلا أن السيناريو الأرجح وفق ديناميات الإدارة في الوقت الحالي هو تعزيز التفاهمات مع منصتي موسكو والقاهرة وشخصيات معارضة غير مقربة من تركيا وترتيب "اتفاقيات نوعية" معها.

تمهيد

مع بداية عام 2021 صرحت رئيسة "الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد بأن "هدف الإدارة الذاتية خلال العام الحالي يتمثل في إقامة مشروع مشترك مع المعارضة السورية وكافة أطراف الحل بهدف جعل مناطق شمال وشرق سوريا مركزاً للديمقراطية المشتركة في البلاد"([1])، وتأتي هذه التصريحات بعد تحولات كبيرة شهدتها المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية خلال السنوات الماضية.

بعد توقف العملية العسكرية التركية في المناطق الممتدة بين تل أبيض ورأس العين نتيجة اتفاقات تركية ثنائية مع كلٍ من الولايات المتحدة الامريكية وروسيا في الربع الأخير من 2019. لم تعد "الإدارة الذاتية" هي الفاعل المحلي الوحيد على جغرافية شرق الفرات. ما دفعها لإعادة ترتيب أوراقها بغية تحسين موقعها على الخارطة السياسية السورية. لكن مساعيها تلك تصطدم بجملة من العراقيل التي تحد من قدرتها على تمكين سلطتها محلياً والحصول على شرعية سياسية تمكنها من الدخول الى مسار العملية السياسية والتفاوضية كفاعل رئيسي في المشهد السوري.

ويظهر تاريخ الثوى السياسة الفاعلية "الإدارة الذاتية" قابليتها لإعادة التشكيل بصيغ مختلفة ضمن هياكل جديدة تمنحها قدرة أكبر على المناورة في المساحات الجديدة والتفاعل مع الأحداث المتغيرة، ابتداءً من انفرادها بالسيطرة على المناطق ذات الغالبية الكردية وإعلانها لمجلس شعب غرب كردستان في كانتونات منفصلة، ومروراً بتوسعها في مناطق شاسعة شرق الفرات بدعم من التحالف الدولي وطرح مشروع فيدرالية شمال شرق سوريا، تلاها تشكيل "الإدارة الذاتية الديمقراطية" في كامل الجغرافية المسيطرة عليها، وانتهاءً بحديثها عن مظلة سياسية تجمعها مع أطياف المعارضة السورية([2]). تحاول هذه الورقة فهم دوافع "الإدارة الذاتية" للانخراط في مظلة سياسية جديدة في هذا التوقيت، والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي تدفعها نحو هذا الطرح. إضافة لبيان مدى إمكانية نجاحها في تحقيق الأهداف المبتغاة منها.

دوافع داخلية: ضرورات الشكل والاحتواء

ساهمت مجموعة من العوامل في تشكيل رؤية لدى الإدارة حول عدم قدرتها على إدارة المنطقة بشكل منفرد، وحاجتها إلى مظلة جديدة لتوسيع مشاركة المكونات السياسية والشعبية في إدارة منطقة شرق الفرات. ونذكر منها:

  1. توحيد الجبهة الكردية الداخلية

اتسم المشهد السياسي الكردي على مدى عقود بشيوع حالة من عدم التوافق بين مكوناته الرئيسية، ولم تفلح العديد من المبادرات الداخلية والإقليمية في الدفع نحو إنجاز توافقات توحد عمل الأطراف الكردية. لكن جملة المتغيرات المحلية والضغوط الدولية المباشرة -لا سيما بعد القضاء على آخر معاقل تنظيم الدولة في شرق الفرات- دفعت قيادة " قوات سوريا الديمقراطية" إلى إطلاق مبادرة للحوار بين الأطراف الكردية الرئيسية لحل المسائل العالقة وتشكيل جبهة كردية موحدة تحظى بشرعية على الصعيد الوطني الكردي.

وقد أدت جولات الحوار هذه إلى إعادة فتح مكاتب المجلس الوطني الكردي في المنطقة والسماح لكوادرها بالحركة وإقامة الفعاليات الحزبية والندوات السياسية، إضافة إلى الاتفاق على بعض المسائل المتعلقة برؤية سياسية موحدة للحل السياسي وشكل الحكم والمحاصصة الإدارية ([3]). إلا أن القضايا الإشكالية الكبيرة، وعلى رأسها التجنيد الإجباري، والعلاقة مع حزب العمال الكردستاني وتحكمه في مفاصل "الإدارة الذاتية"، ودخول البيشمركة السورية "بيشمركة روج" المتمركزة في كردستان العراق، والملف التعليمي، والإشكاليات المتعلقة بالعقد الاجتماعي، لا تزال عالقة وتشكل عقبة كبيرة أمام وحدة الصف الكردي.

  1. احتواء المكونات المحلية

ضمن مساعي احتواء المكونات المحلية كان أحد مخرجات مؤتمر أبناء الجزيرة والفرات الذي أقامته الإدارة بتاريخ 25/11/2020م، "العمل على الحوار مع المعارضة الوطنية السورية المؤمنة بالحل السياسي، والحفاظ على السلم الأهلي والأمن المجتمعي، وترسيخ مفهوم المواطنة والعمل على عودة المهجرين، والتحضير لانتخابات محلية في مناطق سيطرتها" ([4]).

وتعد قضية إشراك المكونات المحلية في الإدارة من النقاط الإشكالية التي تواجه الإدارة منذ تأسيسها، حيث ترى معظم المجتمعات المحلية أن مشاركة المكونات الشعبية في مؤسسات الإدارة، فضلاً عن صناعة القرار، هي مشاركة شكلية منزوعة الصلاحية، وأن أعضاء حزب العمال الكردستاني "الكادرو" هم رجال الظل الممسكين بمفاصل الإدارة) [5](. ويٌعتبر هذا الملف تحدياً حقيقياً للإدارة لتشابكه مع ملفات مصيرية، كفك ارتباطها مع حزب العمال الكردستاني وإخراج العناصر الأجنبية من سورية وهو أمرٌ – بحكم حركية الإدارة-لا يعدو عن كونه مناورة وحركة استيعاب تكتيكية تستطيع الإدارة من خلالها إرسال مجموعة رسائل متعلقة ببناء الثقة مع مختلف المكونات العرقية والدينية في المنطقة، وتخفيف الاحتجاجات الشعبية المستمرة لا سيما في دير الزور، والتي تهدد استقرار الإدارة وتؤثر سلباً على الصورة التي تصدرها للعالم كسلطة شعبية تعددية تمثل جميع مكونات المنطقة.

دوافع خارجية: تعزيز التموضع

مع زيادة الفواعل المؤثرين في المشهد السياسي والميداني شرق الفرات، ازدادت التحديات التي تواجه الإدارة، وتدفعها نحو الانخراط في مظلة سياسية جديدة تضمن الحفاظ على مكتسباتها، والتغلب على التهديدات الخارجية، إضافة إلى مشاركتها في رسم مستقبل سورية بشكل عام.

  • رسائل تطمين لأنقرة تفتقد للحركية

تشكل العمليات العسكرية التركية تهديداً وجودياً لمشروع "الإدارة الذاتية"، فمنذ توقف عملية نبع السلام في مناطق تل أبيض ورأس العين، لم تستقر جبهة عين عيسى، العاصمة الإدارية وعقدة طرق المواصلات التي تربط شرق المنطقة بغربها، والتي تراوحت بين التصعيد والتهدئة المؤقتة. الأمر الذي شكل ضغطاً كبيراً على "السلطات المحلية"، تسبب في إيقاف متكرر لأعمالها الإدارية خلال فترات التصعيد. وتسعى تركيا عبر المناوشات العسكرية إلى إبقاء "الإدارة الذاتية" في حالة عدم استقرار، وإبعاد وحدات حماية الشعب YPG -والتي تصنفها كمنظمة إرهابية-عن حدودها لاعتبارات الأمن القومي التركي، وتؤكد أنها لن تقبل بمنطقة حكم ذاتي تسيطر عليها قوى مقربة من حزب العمال الكردستاني.

حاولت الإدارة إيصال رسائل إيجابية إلى تركيا، كان آخرها من مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، الذي أبدى استعداده لإجراء محادثات سلام مع تركيا دون شروط مسبقة. إضافة إلى حديثه عن انسحاب تدريجي لعناصر حزب العمال الكردستاني من شمال شرق سورية ([6])، الأمر الذي لا تنظر إليه تركيا بجدية.

وترى الإدارة أن انفتاحها السياسي على المعارضة السورية بشكل عام قد يساهم في بناء علاقات جديدة مع تركيا دون الحاجة لتقديم تنازلات كبيرة لإبعاد إمكانية اندلاع حرب أخرى في المنطقة.

  • عدم التعارض مع غايات واشنطن في الملف السوري

حصرت الولايات المتحدة أهداف وجودها على الأراضي السورية بمنع عودة تنظيم الدولة الى المنطقة، والتعامل مع التهديد الإيراني في سورية، إضافة إلى الدفع باتجاه الحل السياسي وفق مخرجات بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254. كما تسعى لمنع استفادة تلك الأطراف الثلاثة (تنظيم الدولة، المليشيات المدعومة إيرانياً، نظام الأسد) من ثروات المنطقة. إلا أن تحقيق جملة هذه الأهداف يحتاج إلى شكل مقبول من الاستقرار في المنطقة وفي سبيل ذلك تواصل الولايات المتحدة الضغط على "الإدارة الذاتية" لتوسيع مشاركة المكونات المحلية، والبدء في حوار مع المعارضة السورية، والتضيق على نظام الأسد للقبول بالحل السياسي. وقد تسعى الإدارة للاستفادة من توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة-التي تضم شخصيات داعمة للإدارة ومتعاطفة معها- في الحصول على دعم للمظلة السياسية المنشودة.

  • تحسين التموضع التفاوضي مع روسيا والنظام

مع دخول قواتها شرق الفرات بعد الانسحاب الأمريكي، لم تدَّخر روسيا جهداً في محاولة التوسع وإنشاء نقاط عسكرية على كامل مساحة شرق الفرات، وساهمت باتفاقات ثنائية مع تركيا وقوات سوريا الديمقراطية في تعزيز تواجد قوات النظام في عدة مواقع في الرقة والحسكة. كما استغلت التهديدات التركية -بعمليات عسكرية جديدة -في الضغط على الإدارة للوصول إلى اتفاق مع نظام الأسد وإعادة سيطرته على المناطق المهددة بالاجتياح، لكن عدم قبول النظام بنمط الحكم الذاتي الذي تطرحه الإدارة، وإصراره على سيطرة كاملة تشمل عودة جميع مؤسسات النظام وأجهزته الأمنية منع هذا النوع من الاتفاق.

من هنا يبدو أن الإدارة ترى أن انضمامها إلى مظلة سياسية، تحظى باعتراف دولي، قد ينهي مسلسل الضغوط الروسية الرامية إلى عودة نظام الأسد وبسط نفوذه على مدن ومحافظات شرق الفرات. أو من شأنه زيادة امتلاك الإدارة لأوراق قوة تفاوضية تستثمرها في مفاوضاتها مع الروس والنظام.

سيناريوهات محتملة: مراوغة واتفاقات

تسير محاولات التشكل السياسي الجديد في شرق الفرات نحو عدة سيناريوهات مفتوحة على عدة خيارات ستسعى “الإدارة الذاتية" لتبنيها وتحسين تموضعها وتخفيف الخسائر المحتملة؛ وهذه السيناريوهات هي

  1. الانفتاح على المعارضة

ويعني هذا السيناريو انجاز التوافق مع المجلس الوطني الكردي والدخول في مسار للمفاوضات مع المعارضة لا سيما الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة. فالإدارة تتطلع لحل الإشكاليات الأمنية مع الجيش الوطني، ووضع حد للعمليات العسكرية على مناطق شرق الفرات التي تهدد استقرارها، إضافة إلى حاجتها لاعتراف وشرعية تؤهلها للمشاركة في مفاوضات الحل النهائي. ومن جهة أخرى فقد يكون للائتلاف وقوى المعارضة الأخرى دور مستقبلي في تعبيد طريق المفاوضات بين تركيا والإدارة. كما أن إعادة ربط مناطق شرق الفرات مع غربها وانجاز جبهة موحدة للمعارضة السورية سيعزز قوة المعارضة على حساب نظام الأسد.

لكن هذا السيناريو يعتريه جملة من الصعوبات على المدى القريب بسبب العقبات الكبيرة في طريق تحقيقه. فقد تواجه الإدارة تحديات بنيوية في محاولة فك الارتباط مع حزب العمال الكردستاني، نتيجة الدور الجوهري الذي يلعبه كوادر الحزب في المنطقة وتغلغلهم في معظم قطاعات ومؤسسات "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية".

إضافة إلى انعكاس تدهور العلاقات بين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني في إقليم كردستان العراق على سير عملية الحوار بين حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD) والمجلس الوطني الكردي في سورية.

كما يتطلب تحقيق مثل هذا السيناريو خطوات جدية من قوى المعارضة الوطنية تتمثل في العمل على وثيقة سياسية جديدة، تتبنى شكل من أشكال اللامركزية التي تمنع عودة الاستبداد، وتراعي خصوصية ومخاوف مختلف مكونات الشعب السوري. إضافة إلى تسوية الخلافات الناتجة عن العمليات العسكرية في عفرين ورأس العين، والعمل على بناء جسور الثقة بين المجتمعات المحلية في شرق الفرات وغربه، الأمر الذي يحتاج لمزيد من الوقت والجهد.

 

  1. المراوحة بالمكان والمحاولات الشكلانية

إذ سيساهم سيناريو التجميد العام الذي يعتري المشهد الميداني والسياسي السوري في تجميد الوضع الحالي في شرق الفرات واستمرار المناوشات في نقاط التماس مع استمرار الوجود الأمريكي الذي قد يمنع أي عملية عسكرية تركية كبيرة. إضافة إلى اعتماد الإدارة خيار التوسعة الشكلية في تمثيل المكونات داخل الإدارة دون أن يؤثر على مركزيتها وتحكمها بمفاصل السلطة.

رغم أن هذا السيناريو يتوافق مع دوافع الإدارة ويتماهى مع الشكل الراهن للمشهد العام، إلا أن تكلفته عالية خاصة مع الإدراك التام لغايات أنقرة الرئيسية في المشهد السوري والذي يتمثل بتخفيف كافة مسببات القلق الأمني لها والمتأتي من الإدارة، وهو ما يبقي رغم تجميد الصراع بعض الخواصر القلقة التي ستحاول كافة الأطراف استغلالها.

  1. "اتفاقات نوعية" مؤسسة لتحسين التموضع

حيث تعززت مؤشرات التلاقي بين "الإدارة الذاتية" مع منصتي موسكو والقاهرة وشخصيات معارضة مستقلة غير مقربة من تركيا. وهذا هو السيناريو الأرجح لحركية الإدارة وفق المعطيات الحالية، حيث تسعى الإدارة من خلال هذه المظلة إلى المشاركة في مسار المفاوضات والهيئة الدستورية بدعم من دول عربية وإقليمية. إضافة إلى استمرار جولات الحوار الكردي دون جدوى سياسية، من خلال تمييع مطالب المجلس الوطني الكردي -ومن خلفه قوى المعارضة الرئيسية-وإغراقها بالتفاصيل دون الوصول إلى نتائج ملموسة تتطلب تقديم تنازلات حقيقية يبدو أن الإدارة غير مستعدة لتقديمها بعد.

 

ختاماً

برزت حاجة " الإدارة الذاتية" لمظلة سياسية جديدة مع تراكم التحديات التي واجهتها منذ سيطرتها على منطقة شرق الفرات ولاحقاً مع تزاحم اللاعبين في المشهد الميداني بعد الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية والعملية العسكرية التركية "نبع السلام" في تشرين الأول/أكتوبر2019، فضلاً عن التحدي الأبرز المتمثل في سعيها للحصول على الشرعية السياسية والاعتراف الدولي. إلى جانب دوافع داخلية شكلية، وخارجية تتمحور حول تحسين موقعها التفاوضي مع روسيا والنظام السوري من جهة، وإرسال تطمينات إلى أنقرة بخصوص مستقبل العلاقة معها من جهة أخرى، إضافة إلى عدم التعارض مع أهداف واشنطن في الملف السوري. ويبقى مستقبل التشكيل السياسي الجديد مفتوحاً على عدة سيناريوهات تبعاً لحركية الإدارة وتفاعل المؤثرين في المشهد السوري بشكل عام.

 

 

 

 

 

 

([1]) "إلهام أحمد: مشروع مشترك يتمثل في جعل مناطق شمال وشرق سوريا مركز الديمقراطية المشتركة"، مجلس سوريا الديمقراطية، https://cutt.ly/Kl7vgxB .

([2])2012: عن مجلس الشعب غربي كردستان، 2014: الإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية (مقاطعات: الجزيرة، كوباني، عفرين)، 2015: فيدرالية روج أفا – شمال سوريا، 2016: الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا، 2018: الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا (شملت الرقة ودير الزور).

([3]) عبد الحليم سليمان: "أكراد سوريا يتوصلون إلى تفاهم أولي في ما بينهم برعاية أميركية"، independent، https://cutt.ly/Il7nu8X .

([4])  "توصيات "مسد" في بيانه الختامي لـ مؤتمر "أبناء الجزيرة والفرات"، موقع تلفزيون سوريا، 25/11/2020، https://cutt.ly/4l7mU4x .

([5]) ”The SDF Seeks a Path toward Durable Stability in North East Syria”, Crisis Group, 25\11\2020, https://cutt.ly/yl7m6FV .

([6]) “مظلوم عبدي” يعترف بوجود عناصر من “PKK” في سوريا”، جسر، 27/11/2020، https://cutt.ly/tl7OsKd .

التصنيف أوراق بحثية

الملخص التنفيذي

  • في ظل المعادلة المعقدة التي تحكم الملف السوري في الوقت الحاضر، تبرز أسئلة الاستقرار الأمني في سورية كأحد المرتكزات الهامة والممَّكِنة لكل من التعافي المبكر والعودة الآمنة للاجئين والنازحين. وعليه يحاول هذا التقرير الإحاطة بالأرقام التقديرية الدالة على الاستقرار الأمني عبر تسليطه الضوء على أربعة مؤشرات بالغة الأهمية على مستوى الأمن الفردي والمجتمعي، باعتبار الفرد والمجتمع دعامة أي سياسة ترتجي النهوض والتعافي، والمؤشرات الأمنية الأربعة المدروسة في هذا التقرير هي: الاغتيالات والتفجيرات والاعتقالات والاختطاف، متبعاً "منهجية النماذج النوعية".
  • بتتبع مؤشري الاغتيال والتفجيرات في محافظات (الحسكة، دير الزور، درعا) خلال الفترة المدروسة تم حصر 380 عملية، مقسمة ما بين 308 عملية تفجير و72 عملية اغتيال. وتعددت الأدوات المستخدمة في تنفيذ هذه العمليات، ما بين إطلاق النار في 213 عملية، والعبوة الناسفة في 94 عملية، والآلية المفخخة في 39 عملية، واللغم في 25 عملية، والقنبلة اليدوية في 9 عمليات إضافة إلى أنواع أخرى من الأدوات. وبلغ العدد الإجمالي للضحايا 1008، موزعاً ما بين 490 عسكرياً و518 مدنياً. وكشفت النماذج المختارة في هذا التقرير والتي ضمت كلاً من (درعا – دير الزور – الحسكة) فشلاً واضح المعالم للنظام من جهة، وللإدارة الذاتية من جهة أقل. فقد جاءت أرقام التفجيرات والاغتيالات عالية بسبب الفوضى الأمنية التي تعيشها هذه المحافظات، جراء تعدد الفواعل وتوزعها ما بين محلي وأجنبي وميليشاوي، وتضارب الأجندة الخاصة بها وتباينها. الأمر الذي انعكس سلباً على مؤشر العودة الآمنة.
  • يبين كل من مؤشري الاغتيال والتفجيرات في مناطق سيطرة المعارضة السورية خلال الفترة المدروسة، أن وصول العدد الإجمالي لها إلى 266 حادثة، مُخلفة 1209 ضحية (890 مدنياً مقابل 319 عسكرياً)، إلى جانب تنفيذ 93 حادثة عن طريق العبوات الناسفة. بينما تم استخدام المفخخة في 69 حادثة. ويشير تحليل البيانات الخاص بمنطقتي "درع الفرات" وعفرين، إلى نشاط غرفة عمليات "غضب الزيتون"التي تصدرت تبني تنفيذ عمليات الاغتيال في هاتين المنطقتين. إلى جانب ذلك، فقد سُجلت نسبة مرتفعة من حوادث الاعتقال والاختطاف في هذه المناطق. وبشكل عام، تؤشر النسب السابقة إلى إخفاق الجهات الأمنية في تحصين بيئاتها المحلية من عمليات الاختراق، وعدم نجاحها في التعامل مع طرق ووسائل الاستهداف المتجددة التي تلجأ لها الجهات المنفذة للاغتيالات. وفي ظل هذه الهشاشة الأمنية التي تشهدها هذه المناطق، واستمرار عمليات غرفة غضب الزيتون، فإن الحديث عن العودة الآمنة للاجئين إلى هذه المناطق هو مثار شك لمن ينوي العودة إليها.
  • بتتبع مؤشريّ الاعتقالات والاختطاف في مدن جاسم ودوما والبوكمال والرقة خلال فترة إعداد هذا التقرير، تبين الإحصاءات حصول 73 عملية في هذه المدن وفق الآتي: جاسم: 15، دوما: 20 البوكمال: 20، الرقة: 18. إلى جانب 23 عملية نفذتها فواعل أجنبية استهدافوا 182 شخصاً، و19 عملية نفذتها فواعل محلية راح ضحيتها 117 شخصاً. فيما بقيت 31 عملية مجهولة المصدر، أدت إلى استهداف 89 شخصاً. كما بلغ عدد ضحايا العمليات 388 ضحية، متوزعة ما بين188 مدنياً، و 109من المصالحات، و 56عسكرياً، و12 من قوات الحماية الشعبية، و20 من الدفاع المحلي، و2 من الإدارة الذاتية، وعنصراً واحداً من مرتبات فرع الأمن العسكري. وتبين النتائج أعلاه وجود نسبة مرتفعة من التدهور في مؤشر الاستقرار الأمني، لا سيما في ظل تعدد الجهات المنفذة، والتي تنوعت ما بين جهات رسمية ودولية وميليشيات محلية، ناهيك عن العمليات التي بقيت مجهولة المصدر، الأمر الذي يؤكد عدم استقرار مؤشر العودة في ظل تدهور عوامل الحماية، وتعدد المرجعيات، وعدم كفاءة الفواعل الأمنية.
  • فيما يتعلق بمؤشري الاعتقال والاختطاف في كل من مدينتي عفرين وجرابلس. فقد بلغ عددها 169 حادثة. موزعة ما بين 37 حادثة في جرابلس، و132حادثة في مدينة عفرين، مخلفة 355 ضحية. وقد تبنت غرفة عمليات غضب الزيتون تنفيذ 17 عملية من مجموع هذه العمليات. فقد استهدفت جميع هذه العمليات عناصر تابعة للجيش الوطني عبر استدراجهم للتحقيق معهم ومن ثم القيام بتصفيتهم. وبحسب البيانات المرصودة، فإن النسبة الأكبر من العمليات وقعت في شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2020. وقد تم التعرف إلى الجهات الفاعلة المنفذة لعمليات الاعتقال لـ 141 عملية، بينما بقيت 28 عملية مجهولة الفاعل. ويؤشر التباين في الأرقام المسجلة والذي يميل بشكل كبير إلى مدينة عفرين، إلى إخفاق الفواعل الأمنية في التصدي لمنفذي هذه العمليات، وضعف الإجراءات المتعلقة بالحوكمة الأمنية، مما يعزز بالتالي من تفاقم الاضطربات والمخاوف الأمنية، في ظل تعدد المرجعيات الأمنية، وتعدد موجبات الاعتقال.
  • يوصي التقرير بجملة سياسات، أهمها: تحفيز صناع القرار في الدول التي تستضيف لاجئين سوريين من أجل عدم التساهل في سياسات العودة. إذ تؤكد المعطيات وكما بين التقرير على تدهور مؤشر العودة الآمنة، وبالتالي ضرورة قيام حكومات هذه الدول بوضع حزم من الشروط القانونية والإدارية والسياسية التي تكفل توفير البيئة الآمنة، وفرضها على النظام.

مقدمة

تتسم العلاقة بين الاستقرار الأمني والتعافي المبكر بأنها علاقة عضوية في دول ما بعد النزاع، وعلاقة تبادلية في حالات الانتقال والتحول السياسي، إلا أن الثابت في معادلة تحقيق الأمن والاستقرار يتمثل بضرورة وجود مناخ سياسي جديد يجفف منابع ومسببات الصراع، والحالة السورية ليست استثناءً في هذا الأمر، فمن جهة أولى بات سؤال الاستقرار الأمني هاجساً وطنياً لكن بالوقت ذاته تعددت الأسباب الدافعة لحالات الفوضى والتشظي في المرجعيات، سواء المحلية أم الإقليمية والدولية، ومن جهة ثانية فإن الاستعصاء الذي يعتري حركة العملية السياسية وما رافقه من تحوير لجوهرها (من انتقال سياسي إلى لجنة دستورية غير واضحة المسار والمخرجات) فإنه يغيب في المدى المنظور أي انفراج متوقع من شأنه نقل البلاد إلى مناخات سياسية جديدة. وبالتالي بقاء مؤشرات الاستقرار بقيمها السالبة.

ومع اتجاه الملف السوري نحو سيناريو "التجميد القلق" معززاً احتمالية تصلب  الحدود الأمنية الفاصلة بين مناطق النفوذ الثلاثة في سورية: (منطقة النفوذ التركي وحلفيته المعارضة السورية في شمال غرب الفرات، ومنطقة النفوذ الأمريكي وحليفته الإدارة الذاتية شمال شرق الفرات، ومنطقة النفوذ الروسي والإيراني وحليفهما النظام)، فإن معدلات الاستقرار الأمني سترتبط بالتعافي المبكر والاستقرار الاجتماعي، سواء ما تعلق منها بالمقيمين في مناطقهم داخل سورية، أم أولئك النازحين من مناطق أخرى، واللاجئين في الخارج الذين يرتجون عودة كريمة وآمنة لمناطقهم، وهو محور اهتمام هذا التقرير، الذي يحاول رصد وتحليل أربعة مؤشرات بالغة الأهمية على مستوى الأمن الفردي والمجتمعي، وهي: الاغتيالات والتفجيرات والاعتقالات والاختطاف . وذلك من خلال عينة مختارة من المدن التي تمثل مختلف الجغرافية السورية.

من أجل الوصول إلى تقديرات صحيحة تم اختيار نماذج بإمكانها تقديم صورة قابلة للتعميم على باقي المناطق بارتياب مقبول. وعليه آثر التقرير، في قسميه الأول والثاني، تتبع مؤشري التفجيرات والاغتيالات خلال سنة كاملة، تبدأ من بداية شهر تموز/ يوليو 2019 وحتى نهاية شهر حزيران/ يونيو 2020، في مناطق النفوذ الثلاثة. ففي مناطق سيطرة النظام السوري تم اختيار المناطق التي يسيطر عليها النظام في محافظة دير الزور ومحافظة درعا باعتبارهما مناطق استعاد النظام السيطرة عليها، ويعد السؤال الأمني فيها الأكثر إلحاحاً.

 وبالنسبة لمناطق سيطرة الإدارة الذاتية، تم اختيار المناطق التي تسيطر عليها في دير الزور إلى جانب محافظة الحسكة التي تعدُّ مركزاً حيوياً هاماً لها. أما بالنسبة لمناطق سيطرة المعارضة السورية فتم تتبع كافة هذه المناطق في كل من محافظات إدلب وحلب والرقة والحسكة.

ولقياس هذين المؤشريّن تم تصميم نموذج خاص لرصد تلك العمليات، وتحليل البيانات الخاصة بها، كمؤشرات للعودة الآمنة، فقد شمل النموذج الخاص بالاغتيالات والتفجيرات كلاً من: (التاريخ - المكان - نوع الحادثة - المستهدف - أداة الاستهداف - صفة المستهدف - الجهة الفاعلة للعملية). وتم الإشارة إلى نتائج تلك العمليات وما أسفرت عنه. كما سعى التقرير كذلك إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمني وقياس أولي لمؤشرات الاستقرار والعودة الآمنة.

في حين اعتمد التقرير على المصادر التالية:

  1. المُعرّفات على مواقع التواصل الاجتماعي للناشطين في مناطق الرصد أو المتابعين للعمليات الأمنية.
  2. المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة التي تقوم بتغطية الأحداث في تلك المحافظات.

وشمل المؤشران الثالث والرابع كلاً من الاعتقالات والاختطاف وهما مؤشران بالغا الأهمية، نظراً لما يشكلانه من محددات مهمة للعودة الآمنة للاجئ والنازح على حد سواء. وهنا تم اختيار ثلاثة نماذج من مناطق سيطرة النظام، وهي مدن تم السيطرة عليها منذ عام 2018، وهي مدينة جاسم في درعا، ودوما في ريف دمشق، والبوكمال في ريف دير الزور. أما بالنسبة لمناطق المعارضة فقد تم اختيار مدينة جرابلس باعتبارها مدينة تم السيطرة عليها منذ حوالي العامين ضمن إطار ما عرف باسم عملية "درع الفرات". وبالتالي تعد اختباراً موضوعياً لمؤشرات الاستقرار الأمني فيها، كما تم اختيار مدينة عفرين لحساسيتها من جهة لحداثة السيطرة (منذ مطلع 2018). إلى جانب كونها توفر معطيات أولية تتيح للتقرير مقارنتها مع النموذج الأول ومدى مطابقته أو الاختلاف عنه.

 من أجل ذلك تم تصميم نموذجٍ خاصٍ لرصد تلك العمليات، وتحليل البيانات الخاصة بها كمؤشرات للاستقرار والعودة الآمنة خلال نصف سنة تبدأ من تشرين الأول/ أكتوبر 2019 حتى نهاية آذار/ مارس 2020. فقد تم تصميم النموذج في ملف الاعتقال والاختطاف وفق الشكل التالي: (التاريخ - المكان - نوع العملية - صفة المستهدف - عدد المستهدفين - الجهات المسيطرة - أماكن الرصد - الجهة المستهدِفة - جنس المستهدف). فيما يتعلق بمصادر التقرير فقد تم الاعتماد على المقابلات الخاصة مع أشخاص مطلعين على تفاصيل الأحداث في المناطق المرصودة.  بالإضافة إلى الاعتماد على:

  1. نقاط الرصد الخاصة لوحدة المعلومات في مركز عمران في الشمال السوري.
  2. التقرير الأمني الخاص الصادر عن مكاتب منظمة إحسان للإغاثة والتنمية داخل سورية.
  3. المُعرّفات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي للجهات التي تم استهدافها.

لقراءة المادة انقر هنا

التصنيف الكتب

استكمالاً لورقته البحثية التي أصدرها بعنوان شرق الفرات بين تزاحم القوى الدولية وتحاور القوى المحلية؛ عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة بحثية افتراضية بعنوان: "الحوارات الكُردية، آفاق النجاح ومالات الفشل وتداعياتها المحتملة على الملف السوري"، وذلك بتاريخ 22 تموز/ يوليو 2020. وتناولت الندوة أربع محاور رئيسية؛ ركز الأول على سياقات الحوار الكردي وتحدياته بينما تناول المحور الثاني توازنات المجلس الوطني الكُردي وعلاقاته الإقليمية والمحلية؛ في حين نوه المحور الثالث  على  آليات تطوير الحوار الحالي ليشمل بقية مكونات المنطقة. واستعرض المحور الأخير  دور منظمات المجتمع المدني في تقريب وجهات النظر.

شارك بالحوار كلاً من: أ. فؤاد عليكو، سياسي وقيادي كُردي، أ. نجاح هيفو، ناشطة في حقوق المرأة، أ. بدر مُلا رشيد، باحث في مركز عمران، أ. منى فريج ناشطة سورية. كما حضر الندوة عدد من الخبراء والنشطاء والفاعلين المحليين. الذين شكلت مشاركاتهم وتساؤلاتهم  عامل إثراء مهم للندوة.

 

التصنيف الفعاليات

الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، بدر ملا رشيد قال لـ”السورية.نت” إن تفعيل الحركة التجارية على طريق “M4” جاء بعد محادثات جرت بين تركيا وروسيا لفتح الطريق، وهو ما صرحت به شخصية روسية عسكرية من مطار القامشلي قبل عدة أيام.

وأضاف الباحث: “ترافق تصريح الشخصية الروسية مع إعلان رئيس مجلس بلدة تل تمر الواقعة تحت سيطرة قوات قسد بإن الطريق سيتم تفعيله من جديد بتاريخ يوم أمس، أمام المدنيين والسيارات الخاصة، بمرافقة دوريات روسية”.
موضحاً الباحث بدر ملا رشيد أن عملية إعادة تفعيل الطريق تأتي لأسباب عدة بالأخص من جهة موسكو.
ومن بين الأسباب، بحسب رأيه هي “سعي موسكو لجعل الطريق الدولي سالكاً بمعظمه، سواءً كان شرق الفرات أو غرب مدينة حلب، وما يمثله الأمر من بسط سيطرتها وسيطرة النظام بشكلٍ آخر على شبكة الطرق السورية الدولية”.

مضيفاً: “يكمن السبب الآخر في توجه روسيا لبسط نفوذها في المنطقة بشكلٍ أكبر، بعد حدوث محاولات للولايات المتحدة للقيام بإعادة إنتشار جديدة فيها، كما تقوم موسكو عبر القيام بدور الضامن سواءً كان في فترة الحرب أو فترة المهادنة بزيادة اعتماد الإدارة الذاتية وقوات قسد عليها في عموم مناطق شرق الفرات، وبالأخص مناطق شرق القامشلي حيث يخف التواجد الأمريكي”.

رابط المصدر: https://bit.ly/2XD9Mfj