التقارير

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال المُنفَّذة ضمن مناطق الشمال السوري، خلال الفترة الممتدة من تموز/يوليو وحتى كانون الأول/ ديسمبر 2021، والتي بلغ عددها 73 عملية، خلّفت 322 ضحية.
  • توضّح عملية الرصد ضمن مختلف المناطق، استخدام أدوات متعددة في تنفيذ الاغتيالات، إذ نُفذّت 42 عملية عن طريق العبوات الناسفة، بينما استخدم الطلق الناري في 30 عملية، في حين نُفِّذت محاولة وحيدة عبر الطائرة المسيرة.
  • ما زالت طبيعة العمليات في ريف حلب الشمالي الغربي، تتراوح بين عمليات انتقائية استهدفت أشخاصاً بعينهم، وأُخرى عشوائية استهدفت مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، وعمليات استهدفت تجمعات مدنية خالصة كالأسواق.
  • سجّلت مناطق "درع الفرات" أكبر نسبة اغتيالات خلال الرصد قياساً بباقي المناطق، فيما سجّلت منطقة عفرين أعلى نسبة للضحايا المدنيين، نتيجة طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها.
  • سجّلت مناطق إدلب وما حولها ارتفاعاً في معدل الاغتيالات، مقابل تعدد الجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، وسط بيئة أمنية معقدة. اعتمدت أغلب العمليات على الطلق الناري والعبوات الناسفة، واستهدفت قياديين عسكريين وفاعلين مدنيين.
  • يَلحظ التقرير الحالي استمرار وتيرة العمليات ضد القوات التركية، مقابل ظهور مجموعات تتبنى تلك العمليات، مما يشير إلىى أن استهداف التواجد التركي في سورية عبر العمل الأمني بات يتصاعد بشكل ممنهج ومدروس.
  • تُظهر البيانات المرصودة، نشاطاً واضحاً لـ "غرفة عمليات غضب الزيتون" و"قوات تحرير عفرين"، في مناطق "درع الفرات" وعفرين تحديداً، وذلك عبر التبني العلني لعمليات الاغتيال المُنفّذة في تلك المناطق.
  • إن معدل الاغتيالات وطبيعة أهدافها، لا يعدّان مؤشراً إلى عجز التشكيلات الأمنية لـلقوى المسيطرة على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما يؤشّران إلى ضعف قدرتها على تأمين وحماية عناصرها أيضاً.
  • تفيد القراءة العامة للبيانات، بالمزيد من ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، مقابل ضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من هذه العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.

مدخل

تشهد مناطق الشمال السوريّ خرقاً أمنياً واضحاً، يتجلى في أبرز جوانبه بوتيرة عمليات الاغتيال المستمرة ومعدلاتها المرتفعة، والتي تعد مؤشراً هاماً على تدهور حالة الاستقرار الأمني وتدني القدرة على ضبطها من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد محاولات الاغتيال ضمن تلك المناطق وتعدد دوافعها ومُنفذيها واختلاف أساليبها، وسط تجدد قصف النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق، ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني والقدرة على ضبطه.

وتتصف عمليات الاغتيال بالسريّة عادة، لناحية الجهة المنُفِّذة، إلا أن هناك نسبة كبيرة من تلك العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علني كغرفة عمليات "غضب الزيتون"([1]) و"قوات تحرير عفرين"([2])، في اختراق أمني واضح وصريح لتلك المناطق. وبالرغم من اختلاف وتيرة ومعدل عمليات الاغتيال من منطقة إلى أخرى ضمن الشمال السوري؛ إلا أنها تتقاطع في التدليل على التراجع العام لمؤشرات الاستقرار الأمني.

وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري؛ صَمّمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات وتحليل البيانات المتعلقة بها، كمؤشرات للاستقرار الأمني ([3])، وإخراجها ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائجها، وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفّذة - إن عُلِمت - وكذلك الجهات المُستَهدَفة. كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.

وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن مناطق عدة في الشمال السوري، منها: ريف حلب الشمالي، والذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون". مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب وريف حلب شمال غربي سورية، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (تموز/ يوليو حتى كانون الأول/ ديسمبر 2021)، إذ بلغ عددها 73 محاولة اغتيال، خلّفت 322 ضحية. وتوضّح البيانات ارتفاعاً طفيفاً في معدل الاغتيالات، مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدرته وحدة المعلومات في مركز عمران، (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2021)، إذ بلغت 70 عملية، خلّفت 342 ضحية ([4]).

وقد توزعت عمليات الاغتيال الـ 73 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 7 محاولات اغتيال خلال شهر تموز/ يوليو، في حين بلغت خلال آب/أغسطس 10 محاولات، فيما سُجّلت 24 محاولة خلال أيلول/سبتمبر، بينما شهد تشرين الأول/أكتوبر 14 محاولة، لتنخفض في تشرين الثاني/نوفمبر إلى 9 محاولات، كما بلغت في كانون الأول/ديسمبر 9 محاولات. ويسعى هذا التقرير بعد رصد تلك العمليات، إلى دراستها وتحليلها واستعراضها بحسب مناطق السيطرة، والجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، وطبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مقابل أثرها على مستوى الأمن والاستقرار في المنطقة.

أولاً: "درع الفرات" (كثافة عمليات)

تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 31 عملية (الشكل 1)، نُفّذت 12 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن سقوط  26 ضحية، إذ حققت 9 عمليات من 12 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت 3 عمليات في تحقيق هدفها. أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تنفيذ تلك العمليات، فتشير البيانات إلى تنفيذ "قوات تحرير عفرين" لـ 3 محاولات، كما نُفِّذت محاولة وحيدة من قبل عنصر من "الجيش الوطني"([5])، في حين بقيت المحاولات الـ 8 مجهولة المُنفِّذ. وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 7 عمليات، مقابل 5 عمليات استهدفت كوادر إدارية مدنية من المجالس المحليّة والإعلاميين.

بالمقابل، نُفِّذت 19 من 31 عملية عبر العبوات الناسفة، مخلّفةً بمجموعها 140 ضحية (61 قتيلاً، 79 جريحاً)، منهم 111 مدنياً مقابل 28 من عناصر "الجيش الوطني"، إضافة لعنصر من عناصر الجيش التركي (الشكل 2)، واستهَدَفَت أغلب تلك العبوات شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات المدنيين، إضافة إلى استهداف تجمعات مدنية خالصة، كما استُهدف عناصر الجيش التركي المتواجدون في المنطقة بمحاولة وحيدة. وقد اتهمت وزارة الداخلية التركية "قوات سوريا الديمقراطية" بتنفيذ أحد العمليات ([6])، بينما تبنت "غرفة عمليات غضب الزيتون" تنفيذ العملية الأُخرى، فيما تبنت "قوات تحرير عفرين" 3 عمليات، لتبقى 14 عملية من مجمل عمليات العبوات الناسفة والمفخخات مجهولة المُنفِّذ.

 

 

ويتضح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي، ارتفاع في معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2021، إذ سجّل التقرير السابق 25 عملية اغتيال في تلك الفترة، في حين رصد التقرير الحالي تنفيذ 31 عملية. بالمقابل، تُبيّن الأرقام ارتفاعاً في معدل عدد الضحايا، مقارنة بالتقرير السابق، الذي سجّل 105ضحايا، بينما بلغ مجموع عدد الضحايا خلال فترة الرصد الحالية 166 ضحية. ويُردّ ذلك إلى ارتفاع معدل عمليات الاغتيال واختلاف أهداف العمليات الحالية وأدوات التنفيذ المستخدمة فيها، والتي اعتمدت بنسبة 61% على العبوة الناسفة، كما أن أغلب العمليات المُنفَّذة عبر العبوات استهدفت شخصيات عسكرية/مدنية بعينها وسط تجمعات مدنيين، إضافة لاستهداف تجمعات مدنية خالصة، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 79%، مقابل 19% من عناصر "الجيش الوطني"، و1% من عناصر الجيش التركي (الشكل 3).

 

أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فيُلحظ من البيانات، مسؤولية كل من "غرفة عمليات غضب الزيتون" و"قوات سوريا الديمقراطية"([7]) عن 6% من مجموع العمليات المرصودة، كما توضح البيانات مسؤولية "الجيش الوطني" عن 3% من المحاولات التي رُصدت، مقابل تبني "قوات تحرير عفرين" لـ 20% من العمليات، في حين بقيت 72% من عمليات الاغتيال مجهولة المُنفِّذ، الأمر الذي يشير إلى استمرار تردي الواقع الأمني، وضعف قدرة الجهات المسيطرة على تتبع تلك العمليات والكشف عن منفذيها، والحد منها.

ووفقاً للبيانات الخاصة برصد المنطقة؛ فإن الواقع ما يزال يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل عدم تقدم القوى المسيطرة في ضبطه وتضييق حجم هذا الخرق، خاصة في ظل اتهامات لأطراف وجهات عدة بالسعي إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتقاطع مصالحها في ذلك، كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" وخلاياه النشطة في المنطقة، التي يعدونها امتداداً للنفوذ التركي، ومن فيها "أهدافاً مشروعة"، إضافة إلى النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها.

ثانياً: عفرين (تبنٍّ علنيّ)

من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 14 عملية اغتيال خلال 6 أشهر من الرصد، أسفرت عن 95 ضحية بين قتيل وجريح. وقد نُفِّذت عمليتان من مجموع العمليات الـ 14 عبر الطلق الناري، حققتا غايتهما في تصفية الجهة المستهدفة، وكان 10 من عناصر "الجيش الوطني" هدفاً لهاتين العمليتين اللتين تبنّت تنفيذهما "قوات تحرير عفرين"، إذ اُستهدفت في إحدى العمليات سيارة تقل 7 عناصر من "الجيش الوطني"، ما أدى إلى مقتلهم جميعاً.

بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 12 عملية من مجمل العمليات الـ 14 عبر العبوات الناسفة (الشكل 4)، والتي استَهدَفَت عناصر ومجموعات لـ "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، في حين استَهدَفَت عبوات أخرى تجمعات مدنية خالصة، ما أدى إلى وقوع 26 قتيلاً و59 جريحاً (الشكل 5). 48 من الضحايا مدنيون، و32 ضحية من عناصر "الجيش الوطني"، مقابل 5 من عناصر الجيش التركي. وقد تبنّت "غرفة عمليات غضب الزيتون" عبر معرفاتها الرسميّة 4 من مجموع عمليات العبوات الناسفة، كما تبنّت "قوات تحرير عفرين" 6 من مجموع العمليات أيضاً، فيما بقيت محاولتان مجهولتي المُنفِّذ.

 

 

وتبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها، انخفاضاً طفيفاً في معدل عمليات الاغتيال، مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني وحتى حزيران 2021، إذ سجّل التقرير السابق 16 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 14 عملية. وربما أدى هذا الانخفاض الطفيف في معدل عمليات الاغتيال، إلى انخفاض في نسبة الضحايا، فقد بلغت خلال أشهر الرصد الحالي 95 ضحية، في حين سجّل التقرير السابق 140 ضحية. وقد يُردّ ذلك أيضاً إلى اختلاف الأهداف وأدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، فقد اعتمدت بنسبة 86% منها على العبوات الناسفة، التي استهدفت شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل أخرى استهدفت تجمعات مدنية كالأسواق والأفران، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 56%، مقابل 38% من عناصر "الجيش الوطني"، و6% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة (الشكل 6).

 

بالمقابل، يُلحظ من خلال البيانات نشاط واضح لـ "قوات تحرير عفرين" وغرفة عمليات "غضب الزيتون"، فقد تبنّتا تنفيذ 86% من مجمل عمليات الاغتيال في المنطقة، إذ يبدو أنهما تركّزان عملياتهما ونشاطهما الأمني في عفرين، التي شهدت أكبر عمليات اغتيال تبنتها "قوات تحرير عفرين" قياساً بباقي المناطق. بينما بقي 14% من مجموع العمليات مجهولة المُنفّذ. وقد استهدفت تلك العمليات في أغلبها عناصر "الجيش الوطني"، الذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي عبر تصفية أفراد بعينهم، أم على مستوى جماعي عبر استهداف مجموعاتهم العسكرية، وغالباً ما يتم هذا الاستهداف وسط تجمعات مدنية، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين. وتنسجم طبيعة تلك العمليات مع الرؤية المعلنة لـ"غرفة عمليات غضب الزيتون" وقوات "تحرير عفرين"، واللتان تعتبران المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي" وتنظران للمقاتلين المحليين والعوائل المهجّرة بالإطار ذاته، وبالتالي تكثفان من عملياتهما وتشرعنانها تحت هذا الغطاء، دون تمييز بين مدني وعسكري.

بالمقابل، فإن حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع مستوى القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر بعمليات الاغتيال (31) بينما في عفرين ومحيطها (14)؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً كبيراً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن أغلب العمليات التي نُفّذت في عفرين كانت "نوعيّة"، ناهيك عن وضوح الجهات التي تقف خلفها، وهي "غرفة عمليات غضب الزيتون" و"قوات تحرير عفرين"، واستمرار نشاطهما بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافها، مقابل استمرار الخرق الأمني في المنطقة، وعدم إحراز تقدم كبير على مستوى الضبط من قبل الجهات المسيطرة.

ثالثاً: "نبع السلام" (أدوات جديدة)

يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض، واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 6 عمليات اغتيال، أسفرت عن 20 ضحية بين قتيل وجريح، نُفّذت عمليتان منها عبر الطلق الناري، أسفرتا عن 5 ضحايا، وحقتتا غايتهما في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 7). في حين كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 3 عمليات، استهدفت عناصر ومجموعات "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، بينما استهدفت أخرى جهات مدنية، ما أدى إلى وقوع 14 ضحية بين قتيل وجريح (الشكل 8)، جميعهم من المدنيين. وكانت الجهات المدنية هدفاً لتلك العبوات في جميع المحاولات، فيما نُفذت محاولة وحيدة عبر الطائرة المسيرة استهدفت عنصراً من "الجيش الوطني" ونجحت في تصفيته.

 

 

ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، انخفاضٌ في وتيرة عمليات الاغتيالات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل 15 عملية اغتيال، في حين سجّل التقرير الحالي 6 عمليات، بالمقابل يُلحظ انخفاض في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل وقوع 97 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 20 ضحية بين قتيل وجريح. ويُردّ ذلك من جهة إلى الانخفاض الواضح في معدل عمليات الاغتيال عن سابقتها في التقرير الفائت، ومن جهة أخرى إلى تغيير نوعية الأهداف التي باتت تركز على أفراد بعينهم سواء كانوا مدنيين أم عسكرييين عبر العبوات الناسفة والطلق الناري، مقابل عمليات أخرى استهدفت تجمعات مدنية متوسطة الكثافة أو عناصر من "الجيش الوطني" وسط تجمعات مدنية. ما أدى إلى وقوع عدد من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 70%، في حين شكّلت نسبة عناصر "الجيش الوطني" 30% (الشكل 9).   

 

أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فعلى الرغم من عدم وجود تبنٍ علني لتلك العمليات، إلا أن مصادر جمع البيانات تشير إلى اتهامات لخلايا حزب العمال الكردستاني "PKK" في الضلوع بأغلب تلك العمليات، خاصة وأن طبيعة العمليات لا تختلف عن سابقاتها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، من ناحية الأهداف والأدوات وأساليب التنفيذ. ولكن اللافت خلال هذه الفترة من الرصد، استخدام الطائرات المسيرة كأداة جديدة لم تُرصد من قبل في تنفيذ عمليات الاغتيال ضمن المنطقة، الأمر الذي يشير إلى ارتفاع مستوى العمليات الأمنية من جهة، وقد ينذر بازديادها من جهة أخرى. 

ومن خلال الأرقام السابقة لمختلف المناطق المرصودة، يتضح أن مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الغربي "درع الفرات" الأكثر تردياً أمنياً، قياساً بمناطق (عفرين، تل أبيض، رأس العين). وذلك لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات واتساع الخرق الأمني وتعدد الجهات المُنفِّذة واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل ضعف قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الاستقرار وتضييق حجم هذا الخرق. ولعل ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين وحماية عناصرها، وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات الممتدة إلى مختلف مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، والتي شهدت عمليات اغتيال لا تختلف كثيراً عن سابقتها، لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. ومهما اختلفت دوافع تنفيذ تلك العمليات والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أم القوات التركية.

رابعاً: إدلب وما حولها (عمليات انتقائية)

بحسب البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ 22 عملية، خلال 6 أشهر من الرصد، حققت 14 عملية منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 8 محاولات في ذلك بعد نجاة الطرف المُستَهدَف. وقد أسفر مجموع العمليات عن 41 ضحية، منهم 29 قتيلاً و12 جريحاً.

أما بالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت 14 عملية اغتيال على الطلق الناري، نجحت 10 منها في تصفية الهدف، بينما فشلت 4 عمليات في ذلك، وأسفر مجموع عمليات الطلق الناري عن 18 ضحية ، بينهم رئيس مجلس محلي و8 من الفصائل الجهادية ضمنهم قيادي. بينما نُفِّذَت 8 عمليات عن طريق العبوات الناسفة، أسفرت عن 23 ضحية، منهم 8 من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة، مقابل 15 مدنياً ضمنهم إعلامي. (الشكل 10).

ومن مُجمل عمليات الاغتيال الـ 22، استُهدِف عناصر وقيادات "مجموعات جهادية" بواقع 7 عمليات، في حين تم استهداف جهات مدنية بواقع 14 عملية، كما تم استهداف الجيش التركي في محاولة وحيدة (الشكل 11). أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تلك العمليات، فقد تبنّت "قوات تحرير عفرين" محاولتين من مجموع المحاولات، منها واحدة استهدفت عناصر الجيش التركي، في حين بقيت المحاولات الـ 20 الأخرى مجهولة المُنفِّذ، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.

 

 

ويتضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق إدلب وما حولها، ارتفاع في معدل عمليات الاغتيال، قياساً بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني وحتى حزيران 2021. إذ سجّل التقرير السابق 17 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 22 عملية. كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت الجهات المدينة الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد الحالي بمعدل 64%  من مجموع العمليات. بينما استُهدِفت الفصائل الجهادية بمعدل 32%، في حين كان عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة هدفاً في 4% من عمليات الاغتيال المُنفَّذة خلال فترة الرصد، إذ يلحظ التقرير الحالي انخفاضاً في استهدافهم، قياساً بالتقرير السابق، الذي رصد 4 محاولات ضدهم.

وبالرغم من تعدد أدوات تنفيذ عمليات الاغتيال؛ إلا أن الجزء الأكبر من تلك العمليات كانت انتقائية، فقد اعتمدت بنسبة 64% منها على الطلق الناري، مقابل 36% اعتمدت العبوة الناسفة كأداة للتنفيذ، مستهدفة أشخاصاً بعينهم بطريقة غير عشوائية، سواء بالنسبة للعسكريين أم للمدنيين، ما أدى إلى وقوع ضحايا إضافيين ضمن محيط التفجير، أو من مرافقي الشخصية المُستَهدَفة. إذ بلغت نسبة الضحايا المدنيين 61% مقابل 19% من العسكريين و20% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المحافظة. (الشكل 12).

 

وتشير طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها، إلى اختلاف واضح في طبيعة الاغتيالات المنفذة في إدلب عن باقي مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، التي تغلب عليها العمليات العشوائية بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما تبدو العمليات في إدلب أكثر انتقائية باتجاه تصفية شخصيات مدنية وعسكرية محددة، وذلك ضمن بيئة معقدة أمنياً، ومتعددة اللاعبين ذوي المصالح المتضاربة. بالمقابل، فإن اللافت خلال فترة الرصد الحالية تبني عمليتين من قبل قوات تحرير عفرين، والتي لم تتبنى عمليات سابقة في إدلب، ما يشير إلى توسيع النشاط الأمني لتلك المجموعات، ليشمل نقاط تواجد عناصر الجيش التركي في مختلف المناطق.

خاتمة

 تفيد القراءة العامة لهذا التقرير بما يحمله من أرقام وبيانات عن عمليات الاغتيال، استمرار ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من تلك العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.

وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن، من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية، وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة، وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها ما تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات، ولا تملك قدرة الوصول إلى مُنفّذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة، ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها، ورفدهم بكافة التجهيزات اللوجستية والتقنية التي تساعد في الحد من تلك العمليات، إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة، وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، وإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الوصول للشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني.

مقابل كل ذلك، لا بد من الدفع بإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته المدنيّة في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يسهّل مهمتها ويعزز من حالة الأمن، ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يسهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية. إضافة لذلك، من المهم أن تعمل القوى الأمنية والعسكرية المسؤولة عن تلك المناطق، على التعاطي مع الاغتيالات والتفجيرات بشفافية أعلى، عبر إعلان بيانات وأرقام رسميّة عن طبيعة تلك العمليات والمسؤولين عنها ونِسب العمليات التي نُفِذّت مقارنة بالمحاولات التي تم إحباطها قبل وقوعها، وذلك بشكل دوري يوضَح وتيرة الاغتيالات والجهد المقابل في مكافحتها والحد منها، ويضع الرأي العام المحلي- الدولي بصورة الواقع الأمني في المنطقة.   

لا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته، والتي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ إن حالة الفوضى الأمنية التي تجلت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد، وكذلك في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، بالرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقَدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة.

 

ملحقات:

 


 

([1] ) "غرفة عمليات غضب الزيتون": وهي بحسب توصيفها   نفسها عبر معرفاتها الرسميّة؛ "مجموعة من شباب وشابات عفرين، مختصة بالعمليات ضد "مرتزقة الاحتلال التركي"، وتقوم باغتيال المقاتلين المحليين المدعومين من تركيا، بالإضافة إلى المقاتلين الأتراك المتواجدين في المنطقة، للاطلاع والتعرف أكثر إلى هذه المجموعة راجع الرابط التالي: http://www.xzeytune.com

([2] ) "قوات تحرير عفرين": هي مجموعة من المقاتلين الكرد، الذين يصفون تجمعهم بــ"حركة مقاومة” عبر شن هجمات تستهدف الجيش التركي و"الجيش الوطني" المدعوم من تركيا في عفرين ومناطق أخرى، كما أن هذه الحركة لا تقول صراحة إنها تابعة لـحزب الاتحاد الديمقراطي PYD أو "قسد". للمزيد حول طبيعة عمليات تلك الحركة راجع: مجموعة "تحرير عفرين" تتبنى استهداف نقطة تركية بريف حلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2f6xU

([3]) فيما يتعلق بمصادر التقرير فهي على الشكل التالي: 1) نقاط الرصد الخاصة بمركز عمران للدراسات الاستراتيجية في الشمال السوري. 2) التقرير الأمني الخاص الصادر عن مكاتب منظمة "إحسان الإغاثية" في الشمال السوري. 3) المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (مدنية، عسكرية). 4) المُعرّفات الرسمية للجهات المُنفِذة، أو التي تعلن تبنيها للعمليات كـ "غرفة عمليات غضب الزيتون". 5) المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة، والتي تقوم بتغطية الأحداث في مناطق الرصد.

([4]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2021 "، راجع الرابط التالي: https://bit.ly/3qR875D

([5]) اغتيل 4 عناصر من "الجيش الوطني" وجرح آخر، بعد أن أطلق عنصر منضم حديثاً للجيش الوطني النار على زملائه وهرب إلى مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية". للمزيد راجع: حلب ... اغتيال أربعة عناصر من "الجيش الوطني" على جبهة الغندورة"، بلدي نيوز، 2 تموز 2021، https://bit.ly/3Kpz076

([6]) تغريدة نشرها وزير الداخلية التركي يعلن فيها مسؤولية "قوات سوريا الديمقراطية" عن عملية استهداف الجنود الأتراك في مارع بريف حلب، 10 تشرين الأول 2021، https://bit.ly/3vMD505

([7]) عنب بلدي، تركيا تعلن مقتل عنصرين من شرطة المهام الخاصة في مارع، 11 تشرين الأول 2021، متوافر على الرابط التالي:  https://bit.ly/3KWjgsA

مناف قومان
مدخل شهدت سورية خلال الأيام القليلة الماضية تحولاً تاريخياً تمثل بانتصار الثورة في إسقاط نظام…
السبت كانون1/ديسمبر 21
نُشرت في  أوراق بحثية 
محمد السكري
ملخص تنفيذي برزت أهمية مفهوم النقابات كمساهم في صيرورة بناء المؤسسات وعملية الدمقرطة في الدولة…
الخميس كانون1/ديسمبر 19
نُشرت في  أوراق بحثية 
مروان عبد القادر
شهدت سورية منذ بداية الثورة في عام 2011 حالة من الاضطراب السياسي والعسكري، تمثلت في…
السبت كانون1/ديسمبر 14
نُشرت في  مقالات الرأي 
فرح أبو عياده, حسن جابر
ملخص تنفيذي باستمرار الاستهداف الإسرائيلي على الأراضي السورية؛ يُفسر نأي النظام السوري عن الانخراط في…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 25
نُشرت في  أوراق بحثية