التقارير

 ملخص عام

يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر أيلول، حيث استمر التوتر الأمني والاشتباكات في دير الزور بين "مقاتلي العشائر" و "قوات سوريا الديمقراطية"، كما شهدت مدينة الحسكة اقتتالاً استمر لعدة أيام بين قوات النظام ومليشيا "الدفاع الوطني" على خلفية تمرد قائدها عبد القادر حمو؛ في حين اندلعت مواجهات مسلحة بين فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" في ريف حلب، وفي الجنوب يستمر الحراك الشعبي في السويداء بمشاركة واسعة من أهالي المحافظة والمرجعية الدينية.

على الصعيد السياسي يبدو أن المبادرة العربية قد دخلت مرحلة الاستعصاء مع استمرار حركة تدفق المخدرات من سورية إلى دول الجوار، وبقاء ملف عودة اللاجئين على حاله، إضافة إلى عدم تجاوب النظام مع دعوات دعم العملية السياسية.

اقتصادياً، لم تحمل زيارة بشار الأسد والوفد الاقتصادي المرافق إلى الصين أية نتائج ملموسة اقتصادياً قد تنقذ حكومته في ظل الأزمة الخانقة التي يعاني منها. حيث اقتصرت الزيارة على توقيع اتفاقيات بروتوكولية على شاكلة التعاون الاستراتيجي السوري الصيني.

تطورات داخل مناطق النفوذ: مؤشرات للتغير  في خارطة الفاعلين وتموضعاتهم

بدأ النظام بإزالة عدد من الحواجز العسكرية المنتشرة في مختلف المدن ضمن مناطق سيطرته أبرزها حاجز دير ماكر على الطريق الدولي الواصل بين محافظة القنيطرة ودمشق، بالإضافة إلى عدد من الحواجز داخل دمشق وريفها، لا سيما تلك القريبة من المكاتب الرئاسية والسفارات. إلا أن عناصر الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد امتنعوا عن إزالة حواجزهم العسكرية المنتشرة على طرق رئيسية لحركة النقل والتجارة حيث تشكل هذه الحواجز مورداً اقتصادياً هاماً للفرقة العسكرية عبر فرض الإتاوات على المدنيين والقوافل التجارية والترسيم والترفيق، إضافة إلى التحكم بتجارة ونقل شحنات المخدرات.

وفي مدينة الحسكة وقعت اشتباكات مسلحة استمرت لعدة أيام بين قوات النظام ومليشيا "الدفاع الوطني"، بعد نحو شهرين من التوتر بين قيادة النظام الأمنية وعبد القادر حمو قائد ميليشيا الدفاع الوطني، المقرب من إيران، على خلفية حادثة اعتدائه بالضرب على أحد شيوخ قبيلة الجبور. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل عبد القادر حمو وإصابة عشرات المدنيين بالقصف المتبادل من دبابات النظام ومدفعيته المتمركزة في جبل كوكب من جهة وقصف مدافع الهاون التي أطلقها عناصر الدفاع الوطني، حيث أعلن النظام انتهاء العملية الأمنية بعد سيطرة قواته على المبنى الذي كانت تحتمي فيه مجموعة مسلحة "خارجة عن القانون". وظهر حمو، الذي كان يُعرف بـ "ملك الكبتاغون" في الحسكة، في تسجيل مرئي قبل مقتله تهجم خلاله على علي مملوك وقيادة "حزب البعث" موجهاً لهم اتهامات بالفساد وطلب مبالغ مالية كبيرة لتسوية وضعه. وتعكس مثل هذه الخلافات الداخلية بين الأجهزة الأمنية والميليشيات التابعة للنظام حول تقاسم الموارد وعائدات الإتاوات وتجارة المخدرات، التي أصبحت مصدراً أساسياً لتمويلها، ضعف قدرة النظام على ضبط وإدارة أدواته الأمنية.

في ظل هذه الديناميات وعدم تجاوب النظام مع المطالب العربية فيما يخص ضبط الحدود، قامت القوات الجوية الأردنية بتنفيذ غارتين جويتين على موقع لتهريب المخدرات في جنوب محافظة السويداء، مع استمرار كون تهريب المخدرات أحد أبرز التهديدات الأمنية للأردن، لا سيما مع تطور أدوات المهربين التقنية بما في ذلك استعمال المسيرات، إذ أحبط الأردن محاولتي تهريب عبر المسيرات الشهر الفائت؛ ناهيك عن التهريب عبر الطرق البرية الذي تنجح عن طريقه ثلث عمليات التهريب.

ومن جهة أخرى، زادت وتيرة هجمات الطائرات المسيرة التركية التي استهدفت قيادات من "قوات سوريا الديمقراطية" وأسفرت عن سقوط عدة قتلى كان أبرزهم "هفال أصلان" مسؤول قوات "الأسايش" في القامشلي، و"أيمن جولي" أحد قيادات قوات "الأسايش" في إقليم الجزيرة. كما استمرت الاشتباكات بين بعض العشائر العربية وقوات "قسد" في دير الزور، على الرغم من إعلان الأخيرة انتهاء التمرد والسيطرة على بلدة ذيبان مقر إقامة شيخ العكيدات إبراهيم الهفل الذي تمكن مع مجموعة من مقاتليه من الانتقال إلى مناطق أخرى، حيث بدأت الهجمات تركز على الاستهداف الليلي لحواجز ومقرات قوات قسد. وأظهرت الانتفاضة العشائرية الأخيرة ضعف النظام الحوكمي للإدارة الذاتية وغياب الثقة بين المجتمعات المحلية والإدارة التي تدعي تمثيلها. وعلى الرغم من ثبات خرائط النفوذ والسيطرة على ما كانت عليه إلا أن مؤشرات عديدة تظهر أن المشهد الأمني والعسكري قابل للتغير في المستقبل مع زيادة نفوذ المليشيات الموالية لإيران ونظام الأسد في شمال شرق سورية.

وفي شمال غرب سورية، دارت مواجهات عنيفة بين الفيلق الثاني، وعلى رأسه فرقة "السلطان مراد"، من جهة ومجموعة "أحرار عولان" و"تجمع الشهباء" مدعومة من قبل مجموعات تابعة لـ “هيئة تحرير الشام" من جهة أخرى، في محاولة السيطرة على معبر الحمران؛ وذلك ضمن ديناميات اقتصاد الحرب الذي تُشكِّل المعابر فيه أحد أبرز الموارد الاقتصادية للفصائل، حيث تستغل هيئة تحرير الشام التنافس البيني بين الفصائل لتوسيع نفوذها في مناطق سيطرة الجيش الوطني بريف حلب.

خيارات النظام: التهرب من الاستحقاقات والبحث عن بدائل

استمر حراك مدينة السويداء للشهر الثاني على التوالي مع عدم اتساعه ليشمل مناطق أخرى خارج المحافظة، فيما بقي النظام محافظاً على قراره بعدم التدخل العسكري أو الأمني طالما يبقى الحراك مضبوطاً ومحدوداً ضمن حدود المحافظة. من جهته بقي الخطاب العام لحراك السويداء محافظاً على سردية الفصل بين الدولة والنظام الحاكم للحفاظ على استمرار عمل المؤسسات الخدمية في المحافظة التي تعاني أساساً من شحٍ في الخدمات الأساسية. ولتفادي حصار المدينة في حال قرر نظام الأسد معاقبتها رداً على الحركة الاحتجاجية عبر إغلاق اتستراد دمشق أو قطع الخدمات الحيوية عن المدينة مثل الماء والكهرباء، يستمر الأهالي في مطالبتهم بفتح معبر اقتصادي بين السويداء والأردن وذلك بهدف إنعاش المدينة اقتصادياً وتوفير فرص عمل لشباب السويداء وتوسيع خياراتهم المستقبلية في حال لم يستجب النظام للمطالب الشعبية.

ومع استمرار حركة تدفق المخدرات من سورية إلى دول الجوار، وبقاء ملف عودة اللاجئين على حاله، إضافة الى عدم تجاوب النظام مع دعوات دعم العملية السياسية، يبدو أن المبادرة العربية قد دخلت مرحلة الاستعصاء حيث أبدى مسؤولون من عدة دول عربية انزعاجهم من عدم تقديم النظام لأية خطوات جدية لإنجاح المبادرة.

وفيما يبدو أنها محاولة هروب للأمام لتوسيع دائرة المناورة جاءت زيارة بشار الأسد للصين بعد 19 سنة من آخر زيارة له في عام 2004. ولا يبدو، في المدى المنظور، أن هناك انعكاساً حقيقياً لهذه الزيارة على الملفات السياسية والاقتصادية سوى على المستوى الإعلامي، حيث روجت وسائل الإعلام الموالية للنظام أن الزيارة تأتي في إطار البحث عن بدائل اقتصادية وأن اتفاقات اقتصادية عديدة ومشاريع صينية كبيرة تلوح في الأفق.

من جهة أخرى، أعاد حراك السويداء الزخم الدبلوماسي للقضية السورية، حيث التقى وفد ائتلاف قوى الثورة والمعارضة مع كُلٍ من الأمين العام للأمم المتحدة ومدير شمال أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الهولندية، وتركزت اللقاءات على وجوب تطبيق القرار 2254 وضرورة حدوث الانتقال السياسي في سورية، كما تلقى الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري اتصالات عديدة من مسؤولين ودبلوماسين غربيين وأمريكيين منهم أعضاء في مجلس النواب أبدوا تأييدهم لحراك السويداء السلمي ومطالبه "المحقة" حتى تحقيق الانتقال السياسي؛ الأمر الذي لايزال بعيد المنال وفق تعبير المبعوث الأممي غير بيدرسون في إحاطة قدمها لمجلس الأمن مباشرة بعد زيارته لدمشق ولقائه مع وزير خارجية النظام فيصل المقداد في محاولة إنقاذ مهمته المتعثرة بإعادة إحياء اللجنة الدستورية لعقد جولتها التاسعة التي لم يُحدد موعدها ولا مكان انعقادها بعد.

 أزمات اقتصادية متراكمة ولا حلول في الأفق

لم تحمل زيارة بشار الأسد والوفد الاقتصادي المرافق إلى الصين أية نتائج ملموسة اقتصادياً قد تنقذ حكومته في ظل الأزمة الخانقة التي يعاني منها. حيث اقتصرت الزيارة على توقيع اتفاقيات بروتوكولية على شاكلة التعاون الاستراتيجي السوري الصيني، وتم توقيع ثلاث وثائق تعاون بين الجانبين؛ أولها تعاون اقتصادي، وثانيها للتبادل والتعاون في مجال التنمية الاقتصادية وثالثها خطة تعاون في إطار الحزام والطريق. وتعبر هذه الاتفاقيات عن رغبة في التعاون فقط دون اتفاقات ملزمة لأحد الطرفين. ومن غير المتوقع أن يتجاوز الدور الصيني تقديم دعم إنساني للنظام وحاضنته، وذلك لأسباب عديدة أهمها العقوبات الأمريكية والأوروبية الصارمة على النظام والتي تعيق البدء بأية مشاريع كبيرة قبل تحقيق الحل السياسي، كما أن الأوضاع الأمنية المتردية وغياب الاستقرار عن الجغرافية السورية يقلل من احتمالية مساهمتها في مبادرة الحزام والطريق، بالإضافة لافتقارها لبيئة استثمارية وقوانين تحمي وتشجع المستثمرين الأجانب، علاوة على المنافسة المحمومة بين روسيا وإيران وسيطرتهما على الثروات والطرقات التجارية.

من جانب آخر جدولت إيران خطة لإنشاء مصفاة نفط بسعة 140 ألف برميل يومياً بجانب المصفاتين الموجودتين (حمص وبانياس)، بحسب ما أعلنه وزير النفط الإيراني جليل سالاري، وللمساهمة في زيادة دخل الشركات الإيرانية. وتوضع هذه الخطة إلى جانب الخطط العديدة التي وضعتها إيران خلال السنوات الماضية في سورية ولم تتجاوز التصريحات والخطط، وتقف العقوبات على قطاع النفط السوري، والإيراني على السواء حائلاً في صيانة وتنفيذ مشاريع نفطية في سورية تسهم في تمويل النظام.

محلياً، رفع النظام أسعار اسطوانة الغاز المنزلي إلى 75 ألفاً والغاز الصناعي إلى 150 ألف ليرة ومن المتوقع أن تنعكس الزيادة على السوق السوداء أضعاف هذه الكلفة حيث تباع اسطوانة الغاز في السويداء قبل الزيادة بـ 200 ألف ليرة ورفعت أسعار الكهرباء بنسبة 200%، وتمس هذه الزيادة في حوامل الطاقة تكاليف المواد الأولية التي يحمّل المنتج أي ارتفاع فيها على المستهلك والمنتج النهائي لذا قد يشهد التضخم ارتفاعاً عاماً خلال الأسابيع القادمة.

وتشهد الأسواق السورية نقصاً حاداً في حليب الأطفال وارتفاعاً في أسعاره منذ بداية العام، ووصل سعر العبوة إلى 100 ألف ليرة على الرغم من وصول كميات منها كمساعدات إنسانية بعد الزلزال، وبينما تمتلك 11 شركة تراخيص لاستيراد حليب الأطفال من الخارج، تتسبب عوامل مثل الاحتكار ونقص العملة الأجنبية وطريقة المصرف المركزي البطيئة في تمويل الواردات من قبل المصرف المركزي، دوراً في بطء عملية الاستيراد وتأخير وصول المواد إلى سورية. وارتفعت أسعار الفواكه بنسبة 50% خلال العام الحالي بسبب ارتفاع تكاليف الزراعة وأسعار الأسمدة والبذار والنقل واليد العاملة، إضافة إلى العامل الأكبر وهو المازوت الذي يباع للمزارع بنحو 18 ألف ليرة لليتر الواحد.

في شمال وشرق سورية رفعت "الإدارة الذاتية" سعر ربطة الخبز بنسبة وصلت إلى 200 في المئة بعد أيام من تحسينها لجودة الخبز في مناطقها لتباع ربطة الخبز بألف ليرة بعدما كانت 350 ليرة ، ويأتي هذا القرار بعد رفع أسعار المحروقات بنسبة 400% وتستند الإدارة في رفع أسعار المواد الأساسية إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والفرق مع سعر المبيع، واتجاه الإدارة نحو تقليص حصص الدعم الاجتماعي بذريعة تنفيذ خدمات عامة ومشاريع في البنية التحتية علماً أن الموازنة العامة بلغت قرابة المليار دولار في العام 2022 شكل النفط النسبة العظمى منها، بينما تعاني المنطقة من سوء خدمات وفساد عام.

وسعّرت الإدارة شراء مادة القطن المحبوب بـ 800 دولار أميركي للطن الواحد بدون إعلانها شراء المحصول وهو ما أثار انتقادات المزارعين وتهرّب الإدارة للضلوع بمسؤولياتها حيال الموسم الزراعي حيث عانى المزارعون من ارتفاع في أسعار المحروقات والأسمدة والمبيدات وإصابة المحصول بالآفات الحشرية بالإضافة إلى صعوبة تصريف المنتج للخارج وعدم عزم الإدارة لشراء ودعم الفلاحين، وهو ما يعرّض المزارعين لخسائر عالية.

في شمال غرب سورية استمرت المجالس المحلية والمنظمات في تنفيذ المشاريع في العديد من القطاعات المتنوعة تم خلالها ترميم وتعبيد الطرقات وتمديد شبكات مياه وصرف صحي وتشغيل محطات المياه بالطاقة الشمسية بالإضافة إلى استمرار مشاريع النقد مقابل العمل، ومن أبرز الأحداث إعلان وزارة المالية والاقتصاد في "الحكومة المؤقتة" إطلاق مؤتمر الاستثمار الأول بالتعاون مع جامعة حلب في المناطق المحررة ونقابة الاقتصاديين ومؤسسة 2020IDEA، ويهدف المؤتمر لتنمية المناطق المحررة اقتصادياً، والإسهام بتحسين مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل، واستئناف دخول المساعدات الأممية إلى شمال غربي سورية من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا بعد توقفها منذ أكثر من شهرين.

وبخصوص أزمة الكهرباء أصدرت المجالس المحلية في مناطق ريف حلب الغربي "تعميماً" وضّحت فيه الاتفاق مع شركة الطاقة والكهرباء لتخفيض سعر الكيلو واط المنزلي بنسبة 30% وذلك تنفيذاً لتعهداتها السابقة بتخفيض سعر الكهرباء، وجاء هذا التخفيض بعد موافقة الحكومة التركية على دعم قطاع الكهرباء للشركات التي تستجر الكهرباء وتغذي مناطق الشمال السوري.

ومن بين المشاريع في التعافي المبكر أعادت المؤسسة العامة للاتصالات لـ “حكومة الإنقاذ" تأهيل شبكة الاتصالات في بلدة بيرة أرمناز لتوفير خدمة النت والهاتف الأرضي للأهالي في البلدة، وافتتح المجلس المحلي في بلدة بلبل التابعة لمنطقة عفرين، محطة مياه جديدة نظراً لحاجة المنطقة لمياه الشرب، خاصة بعد زيادة الكثافة السكّانية الكبيرة في المنطقة.

مناف قومان
مدخل شهدت سورية خلال الأيام القليلة الماضية تحولاً تاريخياً تمثل بانتصار الثورة في إسقاط نظام…
السبت كانون1/ديسمبر 21
نُشرت في  أوراق بحثية 
محمد السكري
ملخص تنفيذي برزت أهمية مفهوم النقابات كمساهم في صيرورة بناء المؤسسات وعملية الدمقرطة في الدولة…
الخميس كانون1/ديسمبر 19
نُشرت في  أوراق بحثية 
مروان عبد القادر
شهدت سورية منذ بداية الثورة في عام 2011 حالة من الاضطراب السياسي والعسكري، تمثلت في…
السبت كانون1/ديسمبر 14
نُشرت في  مقالات الرأي 
فرح أبو عياده, حسن جابر
ملخص تنفيذي باستمرار الاستهداف الإسرائيلي على الأراضي السورية؛ يُفسر نأي النظام السوري عن الانخراط في…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 25
نُشرت في  أوراق بحثية