تقدير الموقف

المسارات

الملفات

الباحثون

التصنيف

تاريخ النشر

-

مدخل

مع سقوط نظام الأسد كُسِرَت حلقة الاستعصاء السوري، وتغيّرت معادلة الفواعل المحلية التي بقيت سائدة طيلة السنوات الأخيرة. ورغم هذا التغيير الجذري والدراماتيكي؛ إلا أن إعادة توحيد البلاد تحت سُلطة حكومة دمشق الجديدة ما يزال إشكالياً، خاصة مع بقاء مناطق شمال شرق سورية الخاضعة لقوات "سوريا الديمقراطية"/"قسد" خارج تلك السُلطة، وسط مفاوضات جارية بين الطرفين سترسم نتائجها مستقبل الشمال الشرقي وسورية بشكل عام.

حاولت قيادة قوات "قسد" خلال عقد من عمر الثورة السورية هندسة تموضعها (السياسي، العسكري، الأمني) على خارطة الفاعلين السوريين، محاولة الابتعاد عن ثنائية النظام والمعارضة، ساعدها في ذلك دورها الوظيفي الذي حُصر بمحاربة تنظيم "داعش"، والذي استغلت "قسد" خصوصيته وانعكاساته لتتمترس ضمن الحدود الأمنية لمناطق سيطرتها، وتطرح نموذجاً حوكمياً (الإدارة الذاتية) متمايزاً عن البيئة السياسية - الإدارية السورية السائدة، مستندة في ذلك إلى الدعم العسكري للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وحالة التنازع على الشرعية بين النظام والمعارضة.

ورغم كل الجهود التي بذلتها "قسد"، إلا أن محاولات كسب الشرعية السياسية لنموذج "الإدارة الذاتية" لم تفلح منذ تأسيسها، فلا اعتراف بكيانها السياسي من طرف النظام السابق، ولا دخول تحت مظلة المعارضة المعترف بها غربياً، ولا شرعية دولية أو اعتراف سياسي من أقرب داعميها الغربيين.

واليوم، وبعد سقوط نظام الأسد وحدوث توافق نسبي من الأطراف المحلية السورية، عسكرية وسياسية، على ضرورات وأوليات دعم الاستقرار خلال المرحلة الانتقالية، إضافة إلى بروز مؤشرات إيجابية أوليّة للقبول الدولي والإقليمي بحكومة دمشق وقيادتها السياسية؛ تقف "قسد" أمام استحقاقات مصيرية ستحدد مستقبل قواتها في الشمال الشرقي وسورية بشكل عام، وكذلك مستقبل نموذج "الإدارة الذاتية"، إضافة إلى رسم الملامح الأساسية للتعاطي مع المسألة الكردية في سورية.

تواجه قيادة "قسد" تلك الاستحقاقات في سياق مفاوضات مباشرة بينها وبين حكومة دمشق، وسط ضغوط إقليمية وأخرى دولية لا تبدو بصالحها، خاصة ما يتعلق بالموقف التركي من قواتها، إلى جانب مسار المصالحة المرتقبة الذي تقوده أنقرة مع زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، وانعكاساته المحتملة في سورية، ناهيك عن ضبابية الموقف الأمريكي، حتى الآن، فيما يتعلق بسحب القوات والقواعد الأمريكية من سورية.

وعليه، تسعى هذه الورقة إلى قراءة ديناميات المشهد الأمني والسياسي في مناطق سيطرة "قسد" بعد سقوط الأسد، وتحليل مواقف اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين الفاعلين في مسار المفاوضات الجارية بين الإدارة السورية الجديدة و"قوات سوريا الديمقراطية"، ومحاولة استشراف "السيناريوهات" المحتملة للمنطقة في ظل تلك المواقف.

"قسد" بعد سقوط الأسد..المشهد الميداني

مع سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، بسطت إدارة العمليات العسكرية سيطرتها على معظم الجغرافية السورية من إدلب إلى درعا، إلا أنها تجنّبت المواجهة العسكرية مع قوات "قسد" في أي من مناطق سيطرتها، خاصة في حلب بداية. بالمقابل، استغلت "قسد" الانهيار العسكري السريع لقوات الأسد، فتقدمت لملء بعض الفراغات الأمنية التي خلفها انسحاب تلك القوات في مناطق عدة، فضمن الحسكة والقامشلي سيطرت على المربعات الأمنية وأغلب المواقع العسكرية، وفي دير الزور عبرت نهر الفرات وسيطرت على المطار العسكري والمدينة لعدة أيام، قبل انسحابها إلى نقاطها السابقة إثر وصول أرتال عسكرية بقيادة إدارة العمليات التابعة للإدارة الجديدة وسيطرتها على مدينة دير الزور وقرى وبلدات خط الشامية.

أما ضمن مناطق نفوذها في محافظة حلب، بدت "قسد" متخبّطة، فقد حاولت بدايةً التقدم وربط مناطق سيطرتها في مدينة حلب بريفها، ثم انسحبت بعد مواجهات عنيفة مع "الجيش الوطني" على جبهات عدة، منها دير حافر التي قطعت الطريق أمام ربط مناطق سيطرتها في الريف بالمدينة، وكذلك خلال المواجهات على جبهة منبج، التي أسفرت عن فقدان "قسد" للمدينة الاستراتيجية التي سيطرت عليها منذ2016 ، وناورت للتهرب من خارطة الطريق الأمريكية - التركية عام 2018، والتي كانت تقضي بانسحاب وحدات "حماية الشعب"/YPG"" من المدينة وتسيير دوريات أميركية - تركية، وإنشاء إدارة محلية جديدة.

من جهة أخرى، تزامنت الاشتباكات العسكرية المحدودة مع احتقان شعبي أوسع في مناطق عدة. فقد شهدت مدن الرقة والحسكة مظاهرات واحتجاجات متقطعة رفعت شعارات مناهضة لـ"قسد"، بينما بدا الوضع أكثر تصعيداً في ريف دير الزور، حيث نشطت مجدداً المجموعات العشائرية التابعة لشيخ قبيلة العكيدات، إبراهيم الهفل، في بعض بلدات الريف الشرقي، وجرت مواجهات وهجمات مُسلّحة على حواجز ومقرات قوات "قسد"، قبل أن تبادر الأخيرة بفرض حظر تجول في مناطق عدة، وإعادة انتشارها العسكري. وقد سبق تلك الأحداث في دير الزور أيضاً، انشقاقات لبعض القيادات العربية ضمن المجالس العسكرية التابعة لـ"قسد"، في البصيرة وهجين ومناطق أخرى.

وقد قابل هذا الاحتقان الشعبي والمعارك العسكرية المحدودة، استنفار شديد من قبل القوات العسكرية والأمنية التابعة لـ "قسد" في مختلف مناطق سيطرتها، سواء على مستوى انتشار الحواجز الأمنية والتدقيق غير المسبوق على المدنيين، كذلك الأمر بالنسبة لفرض حظر التجول في بعض المناطق، إضافة إلى إفراغ بعض المؤسسات الحكومية أو المستودعات الاستراتيجية ونقلها إلى أماكن غير معروفة.

أما على المستوى الاقتصادي، ورغم اعتماد مناطق "الإدارة الذاتية" بشكل كبير على موارد النفط والزراعة والمساعدات الخارجية، إلا أنها تعاني أيضاً من تبعات الحصار الاقتصادي والعقوبات المفروضة على سورية، رغم أن المنطقة شملتها الإعفاءات الأمريكية من العقوبات في بعض القطاعات. كما أن تهالك البُنية التحتية، إلى جانب الفساد المستشري في مؤسسات الإدارة؛ ساهم وما يزال في عرقلة أي خطط تنموية داعمة لاقتصاد المنطقة المتردي، والذي من المحتمل أن يزداد تدهوراً خلال الفترة الحالية، نتيجة للظروف الأمنية - العسكرية من جهة، إضافة إلى قرارات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المتعلقة بوقف برنامج المنح الخارجية، والذي كانت تعتمد عليه أغلب المنظمات الإنسانية المحلية والدولية الناشطة في سورية بشكل عام وشمال شرق بشكل خاص.

وبالتوازي مع هذا الواقع الميداني وارتداداته المحتملة، انطلقت جولات مفاوضات مباشرة بين القيادة الجديدة في دمشق وقيادة "قوات سوريا الديمقراطية"، وصفت في خطوطها العامة بالإيجابية، وقد أكد مظلوم عبدي، قائد "قسد"، أنه تم الاتفاق مع السُلطة الجديدة في دمشق على وحدة وسلامة الأراضي السورية ورفض أي مشاريع تقسيم([1]). وتدور المفاوضات بين الطرفين حول قضايا رئيسة عدة، منها: إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية السورية، وكيفية اندماج قوات "قسد" ضمنها، وما يستتبعها من إخراج عناصر حزب العمال الكردستاني/PKK الأجنبية. إضافة إلى إدارة الثروات الطبيعية في المنطقة، وصيغ الإدارة المحلية المقترحة فيها، ناهيك عن المسألة الكردية وتجلّياتها القانونية والدستورية.

وبينما تصر "الإدارة الذاتية" على الاحتفاظ بقواتها العسكرية ككتلة، وضمان مكتسباتها الميدانية في إطار دولة سورية لا مركزية، تُركّز دمشق على استعادة سُلطتها المركزية، وبسط سيطرتها على كامل الجغرافية السورية. وما تزال هذه التباينات عائقاً أمام تحقيق أي اختراق حقيقي في المفاوضات، فرغم الزخم الذي يحيط بمسار التفاوض وعدم حصول مواجهات مباشرة بين الإدارة الجديدة وقوات "قسد" حتى الآن([2])، إلا أن غياب الثقة بين الأطراف يشكل عقبة رئيسة، كما أن التباينات في الرؤى حول شكل الحكم المستقبلي، فضلاً عن الخلافات حول إدارة الملف الأمني، تُعقّد عملية الوصول إلى اتفاق شامل، لا سيما بالنظر إلى حجم الملفات الشائكة والمتشابكة، وتداخل المصلحة الوطنية مع هواجس القوى الإقليمية.

بالمقابل، فإن فشل مسار المفاوضات يعد أكبر التحديات الأمنية والعسكرية التي قد تواجها "الإدارة الذاتية" خلال الفترة القادمة، خاصة مع تزايد الضغوط التركية التي قد تدفع باتجاه شن عملية عسكرية واسعة على مناطق سيطرة "قسد"، إذ ترى أنقرة أن أي تسوية لا تراعي مصالحها/هواجسها الأمنية حول استمرار "قسد" بشكلها الحالي، تشكل تهديداً لأمنها القومي. كما أنها لا ترغب برؤية قيادات مُقرَّبة من حزب العمال الكردستاني/ PKK ضمن دوائر صنع القرار في دمشق مستقبلاً، أو ضمن هيكلية الجيش السوري الجديد. وأمام تلك التحديات، تسعى قيادة "قسد" إلى الحفاظ على قدر نسبي من الاستقرار الأمني في مناطقها، إضافة إلى تعزيز موقفها التفاوضي بناءً على رهانات عدة، على رأسها استمرار الدعم الأمريكي، والذي يبقى هشاً وقابلاً للتغيير بناءً على أولويات واشنطن.

مسار المفاوضات..تداخل فاعلين وتضارب مصالح

رغم سخونة جبهات ريف حلب، واشتعال خطوط التماس بين فصائل "الجيش الوطني" وقوات "سوريا الديمقراطية"، إلا أن المفاوضات السياسية بين الإدارة السورية الجديدة وقوات "قسد" تسير بهدوء أكبر، وسط تدخلات أطراف إقليمية ودولية ساعية للتأثير في رسم المستقبل السياسي والعسكري للمنطقة، وفقاً لمصالح كل طرف.

الإدارة الجديدة (وفرة خيارات)

أكّدت الإدارة السورية الجديدة بقيادة رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، رفضها وجود أي كيانات مُسلحة خارج إطار الجيش السوري، مما يعني حلّ قوات "قسد" ككتلة عسكرية ودمجهم كأفراد في الجيش الجديد([3])، وخروج جميع العناصر الأجنبية/PKK من الأراضي السورية، إضافة إلى تسليم السيطرة الأمنية والإدارية في دير الزور والرقة والحسكة وما تبقى من ريف حلب إلى الحكومة السورية الجديدة، بما فيها من ملفات عالقة: معتقلات عناصر "تنظيم الدولة"/"داعش"، موارد الطاقة (نفط، غاز)، النقاط والمعابر الحدودية.

بالمقابل، يبدو أن الإدارة الجديدة تبدي مرونة فيما يتعلق بالحقوق الثقافية والسياسية للمكوّن الكردي في سورية، تحت قاعدة المواطنة، دون توضيح تفصيلي عن كيفية ترجمتها قانونياً، خاصة مع مطالبة "قسد" بتثبيتها دستورياً. كما تبدي حكومة دمشق الجديدة أيضاً مرونة فيما يتعلق بتوسيع صلاحيات الإدارات المحلية بما دون اللامركزية السياسية، وكذلك فتح المجال أمام الكُرد للانضمام إلى مؤسستي الأمن والجيش، مع إمكانية منح رتب عسكرية لعدد من القيادات السورية في "قسد".

تُدرك الإدارة السورية جيداً أهمية شمال شرق سورية في استكمال معادلة السُلطة الجديدة، سواء لناحية الموارد الاقتصادية وأهميتها في هذه المرحلة الحرجة، إضافة إلى الأهمية السياسية في استرجاع السيادة على كامل الأراضي السورية، واستكمال ضبط الحدود الجغرافية للدولة، إلى جانب الانعكاسات السياسية لمستقبل إدارة المنطقة بتركيبتها المتنوّعة على ملف السلم الأهلي والهوية الإدارية والسياسية للبلاد، ناهيك عن حساسية وأثر المستقبل السياسي للمنطقة على العلاقات الإقليمية والدولية، خاصة مع اشتباك ملفاتها مع قضايا الأمن القومي لتركيا من جهة، ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية ومستقبل وجود قواتها في سورية من جهة أخرى، خاصة وأن الإدارة الجديدة لا تبدو مستعجلة للمطالبة بخروج القواعد الأمريكية من سورية، بل ربما تنظر إلى هذا الوجود كداعم للاستقرار، على الأقل خلال المرحلة الحالية، ولكن بالتنسيق معها وليس مع قوات "قسد".

 وفي هذا الإطار، تبدو جميع الخيارات مفتوحة أمام حكومة دمشق، مع إعطاء الأولوية للحلّ التفاوضي، خاصة مع إداراكها لما قد يترتب على المواجهة العسكرية الشاملة من إشكاليات مركّبة (أمنية، سياسية، اجتماعية، إدارية)، لذلك يبدو أنها تُغلِّب الحلول التفاوضية في المدى القريب والمتوسط لتحقيق ما تريد، معوِّلة في ذلك على معطيات عدة، ومُتغيرات محتملة:

  • الموقف التركي كظهير عسكري - سياسي داعم في هذه المفاوضات، التي تتداخل فيها أولويات الأمن القومي التركي مع المصالح الوطنية السورية.
  • احتمالية تغيّر موقف الولايات المتحدة وانسحاب القوات الأمريكية من المنطقة، سواء عبر التوصل إلى تفاهمات تركية - أمريكية، أو عبر ضمان مصالح الولايات المتحدة من قبل الإدارة الجديدة، أو كلا الخيارين معاً.
  • الواقع الديموغرافي لأغلب مناطق سيطرة "قسد"، وغلبة المكوِّن العربي فيها، وما قد يترتب على ذلك خلال الفترة الحالية من توسع دائرة الاحتجاجات، أو المواجهات المسلحة/الشعبية، أو ربما تغذيتها لاحقاً.
  • نقص الخيارات السياسية والعسكرية أمام قيادة "قسد"، وعدم وحدة الموقف الكردي السياسي خلفها.
  • عزل "قسد" سياسياً وعسكرياً ووضعها في مواجهة الدولة، مقابل تغليب الحل التفاوضي، والذي في حال فشله سيكون لدى الحكومة الجديدة/الدولة الشرعية الكافية لاستخدام الخيار العسكري، سواء كان محدوداً أو شاملاً.
  • نجاح الوساطات الإقليمية والدولية، خلال المفاوضات، في الدفع بحلول مرضية لحكومة دمشق.

قيادة "قسد" (خيارات محدودة)

من جهتها، ترفض قيادة قوات "سوريا الديمقراطية"، حتى الآن، حلّ قواتها، وتطالب بدخولها ككتلة عسكرية تحت مظلة وزارة الدفاع، وبقاء انتشارها في مناطق سيطرتها الحالية، مع الإبقاء على المؤسسات الإدارية والمدنية لـ"لإدارة الذاتية". ولا تمانع من مغادرة مقاتلي "حزب العمال الكردستاني"/PKK الأجانب خارج سورية، والتفاوض على تسليم ملف النفط والمعابر الحدودية للحكومة السورية الجديدة، مقابل تسوية المسألة الكردية في سورية، وإعادة النظر بالشكل الإداري للدولة. إذ أبدى قائد "قسد" مظلوم عبدي، في تصريحات عدة، استعداد قواته للاندماج في الجيش السوري الجديد، شرط ضمان حقوق الكرد دستورياً، كالاعتراف بالهوية الكردية واللامركزية الإدارية، مؤكداً أن "قسد" لا تسعى إلى التقسيم، بل إلى سورية موحدة تعكس تنوعها([4]).

وضمن إطار مطالبها، يبدو أن "قسد" تسعى إلى إطالة أمد المفاوضات، وكسب المزيد من الوقت، ريثما تتوضح توجهات الإدارة السورية الجديدة أكثر، وعلى أمل حدوث متغيرات جديدة تزيد من قوة موقفها التفاوضي. ويبدو أنها تراهن في هذا السياق على معطيات عدة ومُتغيرات محتملة، على رأسها:

  • استمرار التواجد الأمريكي شمال شرق سورية، بشكل داعم لـ"قسد" خلال المفاوضات مع حكومة دمشق.
  • دعم محتمل من أطراف إقليمية ودولية متوجّسة من الإدارة السورية الجديدة.
  • توحيد الصف الكردي سياسياً تعزيزاً للموقف التفاوضي.
  • الإصرار على ربط المسألة الكردية بمستقبل "الإدارة الذاتية"، لما قد يترتب على ذلك من تداعيات أمنية - اجتماعية في حال انهيار الإدارة الذاتية.
  • انتظار نتائج المفاوضات التركية مع قائد حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، والتي ستنعكس بشكل أو بآخر على مسار التفاوض السوري، وشكل الحل في شمال شرق البلاد.
  • محاولة توسيع دائرة التنسيق مع جهات سورية - سياسية، لدعم مطالبها في اللامركزية الإدارية الموسّعة.
  • الخيار العسكري كوسيلة دفاعية لتحسين شروط التفاوض.

من الناحية النظرية، لا ترغب "قسد" ولا حكومة دمشق بالدخول في مواجهات عسكرية شاملة، إلا أن هناك الكثير من العراقيل أمام مسار المفاوضات المتعثّر. وفي ظل هذا الواقع المُعقَّد، تُدرك دمشق التداخل بين المصلحة الوطنية والمصالح الدولية والإقليمية، ويبدو أنها تعوّل في هذا الإطار على تفاهمات ثنائية بينها وبين الولايات المتحدة من جهة، وبين الأخيرة وتركيا من جهة أخرى، بما يؤدي إلى اتفاق مع "قسد" يضمن في النهاية حلولاً سلمية تحقق وحدة الأراضي السورية.

بالمقابل، تُدرك قيادة "قسد" أهمية المرحلة الحالية في رسم مستقبل وجودها ضمن الخارطة الجديدة للفاعلين السوريين، ونظراً للتأثير الكبير لحزب العمال الكرستاني/PKK على قرار "قسد"، يبدو أن الأخيرة  تعوّل على نتائج محادثات السلام بين أوجلان والحكومة التركية من جهة، والتفاهمات بين الولايات المتحدة وتركيا من جهة أخرى، لتؤدي في النهاية إلى حلول تدفع شبح الحرب عن المنطقة، وتحافظ على جزء من مكاسبها، وتضمن وجودها ضمن دوائر صنع القرار في دمشق، لا سيما مع دخول أطراف أخرى على خط الوساطة، مثل ألمانيا وفرنسا وإقليم كردستان العراق، لتذليل العقبات أمام مسار المفاوضات وخلق حلول سلميّة.

الولايات المتحدة (ضمان المصالح)

دعمت القوات الأمريكية "وحدات حماية الشعب"/YPG"" بداية، ثم دعمت منذ عام 2015 تأسيس مظلة قوات "قسد" كشريك محلي على الأرض ضمن إطار عمليات التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب، وصعود تنظيم الدولة "داعش" في سورية، بينما تمحور الوجود العسكري الأمريكي المباشر في المنطقة حول أهداف عدة، أبرزها: القضاء على تنظيم "داعش" ومنع عودته، والضغط سياسياً واقتصادياً على نظام الأسد للانخراط بالعملية السياسية، عبر السيطرة على ما يقارب ثلث الأراضي السورية الغنية بالثروات، ناهيك عن منع إيران وروسيا من توسيع نفوذهما في المنطقة، وخنق الـ "كوريدور" الإيراني الذي كان يمتد من العراق إلى لبنان مروراً بدير الزور. إضافة إلى حماية أمن حلفاء الولايات المتحدة في الإقليم، عبر التواجد العسكري المباشر للقواعد الأمريكية.

ومع سقوط نظام الأسد، وإضعاف أذرع إيران في المنطقة، يبدو أن معظم المصالح الأمريكية السابقة قد تحققت بالفعل، ليبقى ضمان تلك المصالح وغيرها قريناً بالتفاهمات التركية - الأمريكية من جهة، والتفاهم مع الإدارة الجديدة في دمشق من جهة أخرى، ناهيك عن عدم إلزام الولايات المتحدة نفسها بأي وعود قطعية لـ"قسد" فيما يتعلق بمستقبل "الإدارة الذاتية"، وتموضعها السياسي والعسكري في سورية، وتأكيدها المستمر على أن دعمها لقوات "سوريا الديمقراطية" ينحصر في الإطار العسكري وجهود مكافحة تنظيم "داعش".

وضمن هذا السياق، يبدو أن موقف الإدارة الأمريكية سيركّز مبدئياً على تشجيع "قسد" على التفاهم مع الإدارة الجديدة في دمشق، كما شجعتها سابقاً على محاولة التفاهم مع الأسد، وربما قد تزداد الضغوط الأمريكية على "قسد" لإنجاح مسار المفاوضات، وذلك بفعل عوامل عدة، على رأسها؛ احتمالية توصل الجانب التركي إلى تفاهم معين مع الولايات المتحدة في المنطقة على حساب "الإدارة الذاتية"، إضافة إلى طبيعة الموقف الأمريكي ذاته، خاصة في إدارة الرئيس ترامب، الذي بدأ عهده بتصريحات عدة حول احتمالية سحب القوات الأمريكية من سورية، ثم اتخذ إجراء إيقاف برامج المساعدات الخارجية، الأمر الذي تسبب بتعليق عمل المنظمات الإنسانية وتقديم الخدمات في مخيمي الهول وروج التي تضم عوائل وعناصر متهمين بالانتماء لتنظيم "داعش"([5]).

ناهيك عن بروز الإدارة السورية الجديدة كشريك محتمل وبديل عن قوات "قسد"، في أغلب الملفات والمهام التي كانت تضطلع بها، إذ تزداد مؤشرات التعاون بين واشنطن والإدارة السورية الجديدة على مستويات عدة، خاصة في ملف مكافحة الإرهاب/"داعش"، فقد أكّدت صحف أمريكية مشاركة معلومات استخباراتية سرية مع الحكومة السورية الجديدة، ساعدت في إحباط محاولة تنظيم "داعش" مهاجمة "مقام السيدة زينب" في محيط دمشق([6]). كما أصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصاً عاماً، يستمر 6 أشهر، يجيز بعض المعاملات مع الحكومة السورية، ومن بينها بعض مبيعات الطاقة، وتوفير الخدمات العامة، والمساعدة الإنسانية([7])، إضافة إلى مؤشرات أخرى تتمثل بانزياح سلس لكتلة "جيش سورية الحرة" العاملة تحت مظلة القوات الأمريكية في قاعدة التنف، وانضمامها إلى وزارة الدفاع الجديدة للانخراط في إعادة هيكلة الجيش السوري الجديد.

تركيا (أولويات الأمن القومي)

من جهتها تُصر أنقرة على حلّ قوات "قسد" نهائياً([8])، وترفض مقترحات الحكم الذاتي، أو أن يكون لقيادات مقربة من "PKK" أي دور في صناعة القرار ضمن سورية وهيكلية الجيش السوري مستقبلاً، في الوقت الذي تواصل فيه عملياتها ضد مواقع عسكرية وأمنية لقوات "قسد"، وتدعم فصائل "الجيش الوطني" في المواجهات العسكرية المحدودة الجارية ضمن مناطق سد تشرين وأطراف منبج في ريف حلب. بالمقابل، تدرك أنقرة عدم رغبة/قدرة دمشق بقيادة عملية عسكرية واسعة في هذه المرحلة، وترغب بمنح مزيد من الوقت لجهود الوسطاء، على رأسهم الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وإقليم كردستان العراق([9])، معوّلة في ذلك على معطيات دولية وإقليمية ومحلية عدة:

فمن جهة، هناك مسار آخر يتم العمل عليه في تركيا قد يكون له تأثير على ملف شمال شرق سورية، وهو المفاوضات الجارية بين الحكومة التركية وزعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، والتي وصلت لمراحل متقدمة، فمن المتوقع أن يوجِّه أوجلان خلال أيام خطاباً يحمل دعوة لحلّ جميع التنظيمات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، في تركيا وخارجها، ومنها في قنديل وسورية وأوروبا، الأمر الذي سيكون له تأثير كبير على شمال شرق سورية، نظراً إلى أن فك ارتباط قوات "قسد" بالحزب المذكور ما تزال أحد المطالب الأساسية، سواء لدمشق أو أنقرة وأطراف أخرى([10]). ناهيك عن أن طبيعة ردود الأفعال المتوقعة لحزب الاتحاد الديمقراطي/PYD"" وباقي أجنحة حزب العمال في المنطقة إزاء دعوة أوجلان المحتملة للحزب بإلقاء السلاح؛ ستسهم بشكل كبير في رسم مستقبل الحزب والمناطق المنتشر فيها، منها سورية، إذ إن قبول تلك الدعوات والاستجابة لها سيكون له أثر كبير، في حين لن يقل الأثر في حال رفضها، خاصة وأن ذلك قد يؤمّن شرعية لتركيا في استهداف أجنحة الحزب الرافضة لأي اتفاق محتمل.  

من جهة أخرى، تعوّل أنقرة على تغيُّر معطيات البيئة الاستراتيجية بعد سقوط الأسد، بمعنى الهامش الأوسع الذي أتيح لها في الشمال السوري، وإمكانية استئناف علاقات ثنائية قوية مع الحكومة الجديدة في دمشق على مختلف المستويات، بشكل يساهم في إعادة نقاش وجودها العسكري في سورية بشكل أكثر مرونة، وربما إدخال تعديلات على بعض الاتفاقيات والبروتوكولات الثنائية (السياسية، الأمنية، العسكرية) على رأسها اتفاق أضنة. إضافة إلى توجّه أغلب الفاعلين الغربيين إلى حكومة دمشق لضمان مصالحهم أو التعاون، وبالتالي تراجع الدعم لـ"قسد"، ناهيك عن الانفتاح العربي - الخليجي على الإدارة السورية الجديدة في دمشق، وسط مناخ توافق نسبي في إدارة الملف السوري، وليس مناخ تنافسي كما كان الحال في الأزمة الخليجية والخليجية - التركية سابقاً، وذلك بالرغم من المواقف المتحفظة والمترددة لبعض الدول العربية، والتي تبدو عاجزة حتى الآن وسط المناخ الدولي العام.

ووسط تغييرات البيئة الاستراتيجية، يبدو أن أنقرة تراهن أيضاً خلال فترة إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على الوصول إلى صفقة وتفاهمات مرضية تحفظ المصالح الأمريكية في المنطقة، وتساعد على حماية الأمن القومي التركي، وفي هذا السياق، تحدثت بعض الصحف حول عرض أمريكي لتركيا يدور حول إعادة وتطبيع علاقات أنقرة مع إسرائيل، مقابل انسحاب القوات الأمريكية من سورية ([11]).

وما بين تلك الخيارات، تبقى الأدوات العسكرية التركية حاضرة لتشكيل ضغط إضافي، وتسريع احتمالية الوصول إلى حلول مرضية لأنقرة، إذ لم تنقطع العمليات الأمنية خلال الفترة الماضية، واستهداف المسيّرات لقيادات "قسد"، ناهيك عن الاشتباكات المحدودة مع فصائل "الجيش الوطني"، والذي يبدو أن أنقرة تعوّل عليه أكثر خلال المرحلة الحالية، خاصة مع إدراكها لصعوبة وحساسية دخول حكومة دمشق وتصدّرِها لمواجهة عسكرية مباشرة ومفتوحة خلال هذه الفترة الحرجة.

مستقبل شمال شرق سورية.."سيناريوهات" محتملة

وفقاً للمعطيات المتاحة والمتوافرة حتى الآن، يبدو من الصعب رسم "سيناريوهات" تفصيلية للمسار المحتمل للأحداث، لكن ليس من المستحيل استشرف الاتجاهات التي قد تتخذها، والتي تبقى محكومة بمُتغيرات عدة وعوامل محلية وإقليمية ودولية من شأنها أن ترجّح سيناريو على آخر، وتسهم في رسم مستقبل المنطقة.

نجاح المفاوضات (إعادة الدمج)

بالرغم من أن المفاوضات كانت الخيار الأول لمختلف الأطراف، وكذلك تضمنت في بداية انطلاقها رسائل إيجابية عامة من الطرفين؛ إلا أن تفاصيل التفاوض تبقى المجال الأكبر لبروز التباينات والخلافات، خاصة وأن مواضيع التفاوض لا ترتبط فقط بمصالح الأطراف المحلية، وإنما أيضاً بمصالح إقليمية ودولية، خاصة مع دخول حزب العمال الكردستاني على خط المفاوضات كمرجعية غير مباشرة لقيادة "قسد" في سورية، مقابل مصالح الأمن القومي التركي الذي تسعى أنقرة لتحقيقه في سورية، بالتوازي مع مسار آخر في تركيا يتمثل بالمصالحة المحتملة مع قيادة حزب العمال. ناهيك عن أهداف ومصالح الولايات المتحدة وأمن حلفائها في المنطقة، إضافة إلى تدخلات ووساطات أطراف إقليمية ودولية أخرى.

وبقدر ما يبدو هذا السيناريو شاقاً ومُعقداً؛ غير أنه قد يكون المَخرَج الأمثل لمختلف الأطراف، وذلك لما قد يؤمّنه من تجنيب المنطقة سيناريوهات أسوأ، على رأسها المواجهة العسكرية، وما قد يتلوها من ارتدادات أمنية، سياسية، اجتماعية، إنسانية، تبدو الأطراف المحلية بغنى عنها خلال الظروف الحالية.

وفي حال نجاح هذا السيناريو، فمن المتوقع أن يتضمن اتفاقاً أولياً حول مسائل عدة: انسحاب قوات "قسد" من المناطق والمحافظات ذات الغالبية العربية (دير الزور، الرقة)، وانتشار قوات إدارة العمليات العسكرية مكانها، دمج قوات "قسد" من المحليين السوريين عرباً وكرداً ضمن صفوف وزارة الدفاع وفق آليات متفق عليها من الطرفين، ومنح بعض القيادات رتباً عسكرية في الجيش، خروج القيادات الأجنبية في صفوف "قسد" ومغادرتهم سورية، إعادة هيكلة القوات الأمنية التابعة لـ"قسد" كقوى أمن محلية بإشراف حكومة دمشق، تسليم المعابر والنقاط الحدودية لحكومة دمشق، خلق آلية مشتركة لتسليم إدارة السجون التي تضم عناصر سابقين من "داعش" إلى الإدارة السورية الجديدة.

كما قد يتضمن هذا النوع من الاتفاق، تسليم "قسد" موارد الطاقة في المنطقة (آبار وحقول النفط والغاز)، وذلك ربما بعد التفاهم على تخصيص نسبة معينة في إطار تنمية المنطقة، وليس تحت تصرف قيادة "قسد". وهذا بالضرورة سيشمل النقاش حول شكل وصلاحيات الإدارات المحلية في سورية بشكل عام وشمال شرق بشكل خاص، إذ من المتوقع أن تبدي حكومة دمشق مرونة فيما يتعلق بتوسيع صلاحيات الإدارات المحلية في المنطقة، ولكن ما دون اللامركزية السياسية، وبالتالي ضمان تمثيل وإدارة المكوّن الكردي لمناطق الكثافة الكردية. كما سيتضمن هذا الاتفاق بالضرورة النقاش حول مصير "الإدارة الذاتية" كجسم حوكمي، والذي من المحتمل أن يكون مستقبلها الحل ضمن هذا السيناريو، خاصة مع رفض حكومة دمشق الإبقاء على أي كيانات سياسية أو حوكمية أو عسكرية خارج إطار الدولة. وفي هذا السياق، يمكن أن يتم الاستفادة من بعض الخبرات التي تراكمت وتطورت في المنطقة، لكن من المستبعد أيضاً أن يتم دمج مؤسسات "الإدارة الذاتية" بمؤسسات ووزارات الدولة، خاصة فيما يتعلق ببعض المؤسسات التي تستند في مرجعيتها وبنائها وممارساتها إلى أيديولوجيا حزب العمال الكردستاني، كالقضاء والتعليم وغيرها.

كما أن جوهر هذا الاتفاق سينصب حول كيفية ضمان الحقوق الثقافية والسياسية للمكوّن الكردي في سورية، فبين قاعدة المواطنة المتساوية التي تطرحها حكومة دمشق، وتثبيت الحقوق دستورياً كما تطالب "قسد"، هناك ضمانات قانونية عدة قد تُقدَم في هذا المسار، والذي شكل عقبة تفاوضية تاريخية بين المعارضة من جهة والمظلات السياسية الكردية من جهة أخرى، سواء خلال فترة "المجلس الوطني السوري"، أو لاحقاً خلال بدايات "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة". ناهيك أن نتائج التفاوض حول هذا المسار قد تتأثر أيضاً بالنموذج التركي، وشكل الحلّ الذي قد يطرح في تركيا بعد المصالحة مع حزب العمال، إن نجحت.

وبالنظر إلى حجم التفاصيل والملفات التي يتضمنها هذا السيناريو، سنجد أن احتمالية النجاح قد توازي احتمالية الفشل، نتيجة التعقيدات التي قد تواجه هذا المسار، والذي يبقى نجاحه أو فشله رهناً بمعطيات ومُتغيرات عدة، أبرزها؛

  • إرادة الأطراف المحلية في تجنّب الخيار العسكري والتوصل إلى اتفاق يضمن مصالحها.
  • احتمالية تغيُّر الموقف الأمريكي، سواء عبر قرار محتمل بسحب القوات، ما قد يجبر "قسد" على السير في المفاوضات وفق تنازلات. أو العكس، بقاء القوات الأمريكية ودعم "قسد" في هذا المسار، وبالتالي سقف أعلى للمفاوضات.
  • مستوى الضغط التركي، سياسياً وعسكرياً، والذي سيرتبط بشكل أو بآخر بالموقف الأمريكي.
  • نقص الخيارات السياسية والعسكرية المتاحة أمام "قسد"، والذي قد يدفعها مجبرة إلى خيار التفاوض، الذي قد تصل إليه بطرق أخرى غير المفاوضات.
  • مستقبل مسار المصالحة مع حزب العمال في تركيا، ومستوى استجابة قيادة "قسد" وأذرع حزب العمال في المنطقة إلى دعوات حلَ الحزب وإلقاء السلاح، التي من المحتمل أن يتوجه بها زعيمه، عبد الله أوجلان، في 15 شباط الجاري.
  • نجاح الوساطات الإقليمية والدولية في هذا المسار، والحد من التدخلات الساعية لإفشاله.

الخيار العسكري (مخاطر مركّبة)

بقدر ما ينطوي عليه الخيار العسكري من مخاطر جمّة؛ إلا أنه يبدو أيضاً أحد الخيارات المطروحة في حال فشل المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود. وبالنظر إلى المعطيات ذاتها والنقاط أعلاه، التي قد تقود إلى نجاح مسار التفاوض، فإنها ذاتها قد تؤدي إلى فشله في حال تعطّلها أو سيرها بعكس الاتجاهات المذكورة، وبالتالي الذهاب إلى الخيار الأسوأ المتمثل بالمواجهة العسكرية.

وبالرغم من غياب أية مؤشرات ميدانية واضحة لانسحاب أمريكي وشيك([12])، إلا أن سقوط نظام الأسد، وانسحاب إيران، وتراجع النفوذ الروسي لأدنى مستوياته، قد حقق معظم أهداف الوجود الأمريكي في سورية، باستثناء مخاوف صعود مفاجئ لتنظيم "داعش"، والذي أدى بروز حكومة دمشق إلى تأمين بديل عن "قسد" في التعاطي معه. كما أن وصول ترامب "رجل الصفقات" مجدداً للسُلطة، وتركيزه على الداخل الأمريكي، يعيد إلى الأذهان قراره المفاجئ بالانسحاب عام 2019. وفي حال قررت الولايات المتحدة إنهاء وجودها في سورية؛ قد تجد "الإدارة الذاتية" نفسها مضطرة لقبول سيطرة دمشق، وتقديم تنازلات كبيرة منعاً لخسائر أكبر، في حال قررت مواجهة عملية عسكرية واسعة تقودها الإدارة السورية الجديدة مدعومة من أنقرة.

ولا تنفي دمشق استعدادها للمواجهة في حال فشل المفاوضات، فاستمرار الوضع القائم سيفتح الباب أمام تمظهرات وحالات مشابهة في مواقع أخرى على الجغرافية السورية، كما سيؤخِّر عملية دمج وحلّ فصائل "الجيش الوطني"([13])، ناهيك عن عدم رغبة الإدارة السورية الجديدة بافتتاح العهد الجديد بمعارك واسعة، وذلك لما قد يترتب عليها من زيادة في الهشاشة الأمنية، وفتح المزيد من الثغرات التي قد تستثمرها جهات معادية، ناهيك عن ارتداداتها السياسية والإنسانية والاقتصادية والأمنية في سورية والداخل التركي. فتحقق هذا السيناريو، وبقدر ما قد يدفع "قسد" إلى تقديم تنازلات كبيرة؛ إلا أنه قد يؤدي إلى موجة عنف جديدة في البلاد، خاصة مع سعي قيادات "قسد" لربط مستقبلها ومستقبل "الإدارة الذاتية" بالمسألة الكردية في سورية، وما سيرافق ذلك من عمليات تحشيد إعلامي – قومي، يدفع للمزيد من الاحتقان واحتمالية امتدادات المواجهات إلى أبعد من شمال شرق سورية.

لا شك أن قرار المواجهة العسكرية الشاملة ليس محبذاً من أي طرف، إلا أنه يبقى أحد السيناريوهات المطروحة، سيما مع تعقيدات الوضع القائم، والتحديات الكبرى أمام مسار المفاوضات المتعثّر، إلى جانب الحوادث الأمنية المتكررة في منبج وحلب والتي تلقي بظلالها على المشهد السوري، وقد تدفع إلى الانزلاق نحو دوامة عنف أكبر، خاصة وأن اندلاع مواجهة عسكرية في المنطقة على نطاق واسع سيدفع "حزب العمال"، الذي قد يكون من أكبر الخاسرين في هكذا سيناريو، نحو التصعيد الأمني والعسكري في مناطق تواجده المختلفة في سورية والعراق وتركيا، الأمر الذي قد يؤثر سلباً على مباحثات السلام الجارية في تركيا، وقد يؤدي لانهيارها مجدداً، بشكل يسهم في دفع الإقليم نحو موجة جديدة من العنف وعدم الاستقرار.

إن احتمالية حدوث هذا السيناريو، وتطور الموقف باتجاه التصعيد العسكري؛ تبقى رهناً بمُتغيرات وعوامل عدة، من الممكن أن تُحفِّز هذا الخيار وتغذي أسبابه، ولعل أبرزها:

  • قرار انسحاب مفاجئ للقوات الأمريكية ورفع غطاء الحماية عن "قسد" قبل نهاية المفاوضات.
  • تفاهم أمريكي- تركي محتمل على حساب "قسد" و"الإدارة الذاتية".
  • فشل مسار المصالحة الذي تقوده تركيا مع حزب العمال، أو رفض أجنحة محددة لنتائجه ومُخرجاتِه.
  • تدخُلات دولية أو إقليمية لإفشال مسار المفاوضات، سواء من جانب إيران أو غيرها من القوى.
  • تعنُّت قيادة "قسد" وحزب العمال في سورية وعدم إبداء مرونة، وبالتالي انهيار المفاوضات.
  • فشل الوساطات الدولية والإقليمية في إنجاح المفاوضات.
  • توصل المفاوضات بين الأطراف المحلية إلى مُخرجات لا تراعي المصالح والهواجس التركية.

 ترتبط أغلب المُتغيرات السابقة ببعضها البعض، ويؤثّر بعضها بالآخر، ولكن ما يبدو ثابتاً أن معركة شاملة ضد قوات "قسد" في سورية تحتاج إلى غطاء سياسي قبل الفعل العسكري، الغطاء المرتبط بشكل أو بآخر بالموقف الأمريكي ومصالحه في المنطقة.

إضعاف "قسد" تدريجياً (خفض سقف التفاوض)

بالنظر إلى الموقف الحالي، واحتماليات تعثُّر المفاوضات أمام تعنُّت قيادة "قسد"، وضبابية الموقف الأمريكي، ومستوى الضغط التركي، وحجم التبايانات بين الأطراف المحلية؛ فإن الحديث عن سيناريوهات مغلقة (إما، أو) لا يبدو مُنسجماً مع حجم التعقيدات القائمة، وما تتطلبه من استخدام أدوات مختلفة ومتعددة، خاصة مع وفرة الخيارات بالنسبة للإدارة السورية الجديدة، والتي بقدر ما تبدو أنها تتجنب الحلّ العسكري، إلا أنها بالوقت نفسه لا تستبعده كأداة لتحسين شروط التفاوض وإعادة فرض أولوياته، أو تسريع العملية وخفض سقف التوقعات للطرف الآخر.

وفي هذا الإطار، قد يبرز سيناريو مختلف يعتمد على خليط من أدوات السيناريوهين السابقين، بمعنى استخدام الخيار العسكري - الأمني بشكل محدود وغير شامل كأداة للضغط، وإعادة تشكيل بيئة التفاوض وأولوياته وسقفه، بشكل يؤدي إلى إضعاف "قسد" تدريجياً، وإجبار قياداتها على المزيد من التنازلات. وفي هذا السياق، قد تلجأ الإدارة السورية الجديدة بالتعاون مع تركيا إلى خيارات سياسية عسكرية أمنية عدة، ربما أبرزها:

  • كسر احتكار "قسد" للتمثيل السياسي للكُرد، عبر دفع وتصدير أفراد أو تيارات سياسية كردية أخرى إلى واجهة التفاوض أو التعبير السياسي العام، كـ"المجلس الوطني الكردي"، أو ربما تيارات إسلامية كردية لاحقاً. وكذلك الأمر كسر احتكار "قسد" للتمثيل السياسي للمكوّنات الاجتماعية في مناطق سيطرتها (عرب، سريان، إلخ)، عبر الدفع بتيارات أو مجموعات من أهالي تلك المناطق للتعبير عن مصالحهم وتطلعاتهم خلال تلك المفاوضات، خاصة وأن "قسد" تحتفظ ببعض المناطق العربية كورقة تفاوض على مصالح حزبية ليس لسكان تلك المناطق أي علاقة أو مصلحة بها. وفي هذا الإطار، من الممكن أن تتجاوز عمليات الحشد والدعاية السياسية الفضاء السوري، إذ يمكن تفعيل "اللوبيات" السياسية السورية-الأمريكية في الولايات المتحدة أو غيرها في أوروبا، خاصة وأن "قسد" ستقوم بتفعيل "لوبياتها" في إطار الحشد غربياً.
  • تغذية وتوسيع دائرة الاحتجاجات والمظاهرات المناهضة لـ"قسد"، سواء في المناطق المسيطرة عليها أو المناطق الخارجة عن سيطرتها، وتحويلها إلى مطلب شعبي جماهيري لا يقتصر على سكان الجزيرة، وإنما قضية وطنية سورية.
  • تشجيع انشقاقات قيادات وعناصر المجالس العسكري العربية في بُنية "قسد"، وذلك من خلال توسيع دائرة التواصل معهم، عبر شبكات أهلية - عشائرية أو أمنية - عسكرية، والسعي لضمان مصالحهم أو مراعاة تخوفاتهم، مع التسليم بأن تلك المجالس وقياداتها غير أيديولوجين، ولا يعنيهم فكر "حزب العمال الكردستاني"، بقدر ما يعنيهم ضمان مصالحهم ومكتسباتهم.
  • تصعيد العمل العسكري المحدود، وتركيز أهدافه على مناطق الغالبية العربية ضمن سيطرة "الإدارة الذاتية" (دير الزور، الرقة، ريف حلب)، سواء عبر التعاون بين إدارة العمليات العسكرية وأنقرة، أو عبر تغذية الانتفاضات الشعبية والعشائرية في تلك المناطق المحتقنة. إذ إن تبعات وارتدادات تلك المعارك (سياسياً، حقوقياً، إعلامياً، اجتماعياً) أقل تكلفة من المعارك في مناطق الكثافة الكردية، كما أنها قد تُستخدَم كأداة لحصر التفاوض ضمن مناطق الغالبية الكردية في الحسكة.
  • تصعيد العمل الأمني، منذ سقوط الأسد وانطلاق المفاوضات مع قياداة "قسد" لم تتوقف العمليات الأمنية التركية في المنطقة، سواء عبر استهداف قيادات "قسد" بالمسيّرات، أو قصف مواقع عسكرية محددة. وضمن هذا السيناريو، فمن المتوقع أن تتوسع دائرة العمل الأمني باتجاه "قسد" في المنطقة بشكل يربكها على المستوى التفاوضي والعسكري.
  • تبادل الأدوار، بقدر ما تبدو أهداف الإدارة السورية الجديدة منسجمة مع أهداف أنقرة الاستراتيجية تجاه "الإدارة الذاتية"؛ إلا أن الخلاف في الأولويات سيفرض نفسه على المشهد، خاصة وأن الإدارة السورية الجديدة تتجنب افتتاح عهدها الجديد بمزيد من الهشاشة الأمنية، والخوض في عمليات عسكرية قد يكون لها ارتدادات سياسية اجتماعية أبعد من المرحلة الحالية، لذلك، فمن المحتمل في ضوء هذا السيناريو أن تقوم الإدارة السورية الجديدة وأنقرة بتوازع أدوار الضغط والتفاوض (The good cop - bad cop scenario).
  • تقديم نموذج مطمئن، خلال دخول إدارة العمليات العسكرية إلى مدينة حلب في بداية معركة "ردع العدوان"، عمدت إلى تصدير السيطرة على مدينة حلب كنموذج/PILOT مطمئن نسبياً للحالة الشعبية حول طبيعة السيطرة الأمنية والعسكرية المتوقعة. وفي إطار هذا السيناريو، فإن هواجس ومخاوف الحالة الشعبية في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، وتحديداً المناطق الكردية، يمكن محاكاتها عبر نموذج حي لطبيعة السيطرة والتعامل الأمني والعسكري والقانوني المتوقع. وفي هذا الإطار، تبرز عفرين كأكثر النماذج القابلة للطرح خلال هذه الفترة، خاصة بعد دخول دخول إدارة الأمن العام إليها، وذلك عبر تكثيف زيارات المسؤوليين الحكومين إليها، وتسليط الإعلام على قضاياها وتصدير خطاب متوازن اتجاه مكوناتها، وربما اتخاذ قرارات حكومية بخصوص عودة مهجّريها، وتسوية أوضاع العاملين سابقاً مع الحزب، وإعادة الملكيّات الزراعية والعقارية لأصحابها.

بقدر ما تبدو معطيات هذا السيناريو أقل كلفة من المواجهة العسكرية الشاملة، وخياراً موازياً لاستعصاء المفاوضات؛ إلا أن ذلك لا يعني أبداً أنه لا ينضوي على مخاطر، على رأسها استمرار دورة العنف، وتفاقم الأزمة الإنسانية، خاصة وأن حزب العمال من المتوقع أن يصعِّد عملياته الأمنية المضادة في ضوء هذا السيناريو. ناهيك عما قد يترتب عليه من تأخر خطط حكومة دمشق بإتمام هيكلة الجيش والمؤسسات الأمنية، إضافة إلى مخاطر دخول أطراف أخرى لتصعيد النزاع ودعم انتشار الفوضى.

خاتمة

إن تشابك المصالح الإقليمية والدولية في ملف شمال شرق سورية، يجعل الفعل المحلي أقل تأثيراً في رسم المستقبل السياسي والعسكري للمنطقة، والذي يبقى رهناً بتفاهمات سياسية بين اللاعبين الدوليين والإقليميين المؤثّرين، الأمر الذي قد يبقيها عرضة لتحولات دراماتيكية، تتطلب رؤية استراتيجية وطنية لتجنب الأسوأ.

بالمقابل، تشير وقائع التجربة والأدبيات النظرية في دراسة "الإدارة الذاتية" منذ نشأتها، إلى أن طبيعة القرار ليست بيد حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD"، وإنما ترتبط بشكل مباشر بحزب العمالPKK""، والذي بات يرى في شمال شرق سورية زاوية جديدة لنشاطاته ودوره في المنطقة، وخزاناً بشرياً ومادياً كبيراً لتفعيل هذا الدور. لذلك، فإن التخلي عن هذا الدور وفك الارتباط لن يكون أمراً بتلك السهولة، وهو مرتبط بالدرجة الأولى بقرار حزب العمال وليس الاتحاد الديمقراطي. كما أن التحركات باتجاه الإيحاء بالانفصال التنظيمي من الطرفين، حتى الآن، عبارة عن محاولات تكتيكية للإيحاء بالبعد المحلي الوطني، خاصة تحت ضغط مطالب القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في سورية. ليبقى السؤال أيضاً حول كيفية إخراج العناصر والكوادر الأجنبية المسيطرة على مفاصل "الإدارة الذاتية"، وما الأدوات التي ستستخدم في ذلك، خاصة وأنه لم يُسجّل أي نجاح للدبلوماسية مع PKK"" طوال أربعة عقود من وجوده في المنطقة، ولم تنجح أي محاولة إخراج سلميّة، إلا تلك التي قام بها نظام الأسد عام 2002. السؤال الذي تبقى إجابته رهناً بالظروف السياسية والعسكرية وطبيعة الحل الذي ينتظر المنطقة، لكنه بالتأكيد يرسم مستقبلاً غامضاً لها([14]).

 


([1]) عبدي: متفقون على وحدة وسلامة الأراضي السورية ونرفض أي مشاريع تقسيم، تلفزيون سوريا، 09.01.2025، https://2u.pw/DXSfnUpS   

([2]) تدور اشتباكات متواصلة بين فصائل "الجيش الوطني" و"قسد" على خطوط التماس في ريف حلب تُرافقها تهديدات مستمرة من جانب تركيا.

([3]) مصادر للجزيرة نت: قسد رفضت عرضاً من الإدارة السورية الجديدة، الجزيرة نت، 26.01.2025، https://2u.pw/tVzdnK5g

([4]) مظلوم عبدي: موارد البلاد للشعب السوري ومستعدون للاندماج في الجيش الجديد، تلفزيون سوريا، 27.12.2025، https://2u.pw/V2jZ8jGL

([5]) بعد ساعات من قرار ترمب.. منظمات دولية تعلق مشاريعها في مخيم الهول والحسكة، تلفزيون سوريا، 26.01.2025، https://2u.pw/FZatObOq  

([6]) واشنطن بوست: أميركا تشارك معلومات سرية مع الحكومة السورية الجديدة، الجزيرة نت، 25.01.2025، https://2u.pw/wpxguoeo

([7])  واشنطن تخفف القيود المفروضة على سورية وتبقي على العقوبات، العربية نت، 07.01.2025، https://2u.pw/PB4oJjCJ

([8]) تركيا تعتبر "قسد" امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK) المدرج على لوائح الإرهاب في تركيا والولايات المتحدة ودول غربية عديدة.

([9]) تركيا: سنفعل كل ما يلزم إذا لم تحل حكومة سورية مشكلة المسلحين الأكراد، العربية نت، 22.12.2024، https://2u.pw/Pud1rZAu

([10]) أوجلان يتجه لحلّ حزبه منتصف شباط.. مصير "قسد" مرتبط به، المدن، 01.02.2025، https://2u.pw/bond0sa0

([11]) شرط أمريكي لأردوغان مقابل سحب القوات الأمريكية من سورية، العربي 21، 30.01.2025، https://2u.pw/zuuddgFX

([12]) الدفاع الأميركية: نحتاج إلى البقاء في سورية لمنع عودة داعش بعد سقوط الأسد، نورث بريس، 09-01-2025، https://2u.pw/F6btmMtx

([13]) وزير الدفاع السوري لا يستبعد استخدام "القوة" مع الأكراد، وهجمات قاتلة لـ"فلول النظام"، BBC news عربي، 22-01-2025، https://2u.pw/Ns0iT7dV

  ([14])مجموعة مؤلفين، الإدارة الذاتية في سورية...مدخل قضائي في فهم النموذج والتجربة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ص: 140.

التصنيف أوراق بحثية

ملخص عام

يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر آب، حيث انفجرت الأوضاع الأمنية في دير الزور على خلفية حل "مجلس دير الزور العسكري" واعتقال قيادييه على يد "قوات سوريا الديمقراطية"، لتندلع اشتباكات عنيفة بين قسد والعشائر العربية التي طالبت بتأسيس إدارة محلية حقيقية تمثل أبناء المنطقة. وفي الجنوب تصاعد الحراك الشعبي ليشمل محافظة السويداء بأكملها بمشاركة واسعة من أهالي المحافظة والمرجعية الدينية مطالبين بالانتقال السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254 بعد فشل النظام بتحقيق المطالب الشعبية طيلة اثنتي عشرة سنة.

كما يبيّن التقرير في قسمه الاقتصادي عدم جدوى محاولات النظام لتدارك الأزمة الاقتصادية الخانقة عبر زيادة رواتب العاملين إذ تجاوز ارتفاع أسعار السلع الأساسية ضعفي زيادة الرواتب، ليرتفع متوسط تكاليف المعيشة لعائلة مكونة من 5 أفراد في سورية إلى أكثر من 10.3 ملايين ليرة، وتواجه سورية عجزاً بنحو مليوني طن من القمح لسد احتياجات البلاد خلال عام 2023.

نقمة واحتجاج: نتاج مجتمعي لسياسات النظام

أعلنت لجنة الاتصال العربية بعد اجتماعها في القاهرة عن نيتها استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية في نهاية العام ولكن في العاصمة العُمانية مسقط([1])، مع عدم صدور أي قرار رسمي للجنة الدستورية المُعارضة بخصوص تغيير مكان انعقاد الجلسات، ويأتي قرار اللجنة ضمن مساعي إنشاء مسار عربي لتحريك القضية السورية تقوده عدة دول عربية وتسعى للتعامل مع المهددات الأمنية المتعلقة بتبعات "الأزمة" على الأمن الإقليمي المتمثلة بتجارة الكبتاغون والانتشار الإيراني والمليشيات العابرة للحدود، وهو ما بدى جلياً في دعوة لجنة الاتصال الوزارية العربية إلى تكثيف التعاون بين سورية والدول المعنية والأمم المتحدة لمواصلة التصدي للتهديد الأمني الخطير من قبل تنظيم «داعش»،

في المقابل، قلّل بشار الأسد، في مقابلة تلفزيونية، من أهمية المبادرات العربية وشدد على أن العلاقات السياسية ليست كافية مالم تقترن بتقديم الدعم "للدولة السورية" لاستعادة قوتها ولتتمكن من الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بمكافحة تجارة المخدرات التي أصبحت مصدر قلق للإقليم بأكمله، وتهيئة بيئة مناسبة لاستقبال اللاجئين. لم يقدم بشار الأسد أية إشارة للدول العربية حول إمكانية تقديم تنازلات من شأنها التحرك قدماً نحو الحل في سورية، حيث أصر على تكرار سردية التآمر الخارجي وصوابية نهجه الأمني في التعاطي مع المطالب الشعبية، مما يوضح أن غاية النظام للانفتاح على تلك البلدان كان اقتصادية بالدرجة الأولى بحكم تعاظم أزماته المالية والاقتصادية.

وفي إطار محاولاته لامتصاص حالة الغضب الشعبي الناجم عن تردي الوضع المعيشي في المحافظات الواقعة تحت سيطرته، أصدر الأسد مرسوماً يقضي بتغيير محافظ طرطوس الذي تعرض للضرب من قبل بعض الأهالي الغاضبين في بلدة دوير رسلان نهاية شهر تموز خلال لقاء جمعه مع أعضاء من مجلس البلدة ومجموعة من المواطنين([2]). إلا أن المحافظ الجديد، العميد المتقاعد "فراس أحمد الحامد" كان أحد أبرز قادة الأفرع الأمنية التابعة للنظام، ومدرج على لائحة العقوبات الغربية نظراً إلى دوره في دعم نظام الأسد والمشاركة في انتهاكات واسعة النطاق بحق الشعب السوري، الأمر الذي يدل على استمرار النظام في سياسية "تبديل الأدوار" والالتفاف على المطالب الشعبية في تعاطيه مع الأزمات المحلية المستمرة.

وفي ذات السياق وتأكيداً على فشل سياسات الأسد، يشهد جنوب سورية وتحديداً محافظة السويداء حراكاً اجتماعياً هو الأكبر منذ سنوات، إذ شكَّل الدافع الاقتصادي أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الاحتجاجات. ولكن دينامياته الراهنة تختلف من حيث اتساع نطاقه جغرافياً ليشمل 48 نقطة، ومشاركة المراجع الدينية إضافة إلى جزء من عشائر البدو، وذلك بعد محاولة نظام الأسد سابقاً صنع أدوات زعزعة داخلية في المدينة تشمل مستويين أحدهما إحداث فتنة بين أهالي السويداء والعشائر كما حدث في عام 2021، وثانيهما صناعة عصابات محلية تُسهم في الزعزعة الأمنية التي تُفضي إلى تصدير السويداء كمدينة تشهد اضطراباً أمنياً وتحتاج إلى تدخل "الدولة" كضامن للسلم المحلي هناك، وأيضاً ساهمت تلك العصابات بصناعة وتجارة الكبتاغون وإيصاله إلى الحدود الأردنية.

يتجه المشهد في السويداء نحو عدة سيناريوهات تتراوح بين أن يتبنى النظام لفكرة "اللا مبادرة" وتجاهل الحراك وذلك في حال اقتصر داخل مدينة السويداء ولم يمتد إلى مناطق سيطرة النظام الأخرى وبالتالي يُراهن النظام على الوقت لكسر إرادة المحتجين، أو أن يعمل النظام على تنشيط العصابات المحلية في المدينة عبر استفزاز الأهالي أو اغتيال بعض رموز الحراك وخاصة إذا أصبح هذا الحراك معطلاً لخطوط تهريب الكبتاغون.

وفي سياق "الدبلوماسية الروتينية" تسلَّم رئيس الائتلاف رسالة من وزيرة الخارجية الفرنسية تضمنت تأكيداً على الموقف الفرنسي من وجوب الانتقال السياسي في سورية وأن محاسبة مجرمي الحرب من الأولويات الفرنسية في الملف السوري، وأما من جانب الهيكلية الداخلية لمؤسسات المعارضة؛ فقد تمت إعادة انتخاب بدر الدين جاموس رئيساً لهيئة التفاوض السورية لدورة ثانية.

أحداث أمنية تقلق خرائط النفوذ

تصاعدت الأحداث الأمنية في مناطق متعددة من سورية. ففي شمال غرب شهد محور جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي اشتباكات عنيفة مستمرة بين فصائل "الفتح المبين" وقوات نظام الأسد منذ عدة أيام، إذ اندلعت الاشتباكات بعد سيطرة الفصائل العسكرية على قرية "الملاجة" عقب عملية برّية بدأت بتفجير نفق حفره مقاتلو المعارضة من مناطق سيطرتهم إلى أسفل التجمع الرئيسي لقوات النظام في القرية، قبل أن يبدأ اقتحام النقاط والسيطرة عليها ثم الانسحاب مع الاحتفاظ ببعض النقاط الاستراتيجية، بالتزامن مع ذلك شنت الطائرات الروسية غارات جوية لمساندة قوات النظام في محاولاتٍ لاسترجاع النقاط التي خسرتها. وأسفرت الاشتباكات عن سقوط عشرات القتلى من قوات النظام حتى الآن، كما سقط 7 قتلى من مقاتلي المعارضة خلال ثلاثة أيام من الاشتباكات.

وفي شرق سورية، تصاعدت وتيرة الاقتتال بطريقة متسارعة على خلفية عزل "قوات سوريا الديمقراطية" لقائد مجلس دير الزور العسكري "أحمد الخبيل" واعتقاله مع قياديين أخرين بعد دعوتهم لاجتماع قرب مدينة الحسكة. وتطورت الأحداث بعد توجه قسد لانتهاج سياسة أمنية لاحتواء ردود الفعل([3]) التي نتجت بعد دعوات للانتفاض على قوات قسد والمطالبة بالإفراج عن قادة المجلس المحتجزين. إذ اندلعت اشتباكات عنيفة في بلدات العزبة والحصين في ريف دير الزور الشمالي وتم قطع الطرقات ما دفع عناصر قسد لترك الحواجز العسكرية والتحصن في مقراتهم.

ساهم استخدام قسد للعنف في وجه المحتجين بدفع عشائر أخرى للدخول على خط المواجهات ومنها عشيرة العكيدات([4])، الأمر الذي أدى لتوسع رقعة الاشتباكات لتشمل معظم ريف دير الزور الشرقي مطالبة بمعالجة مظالم أهالي دير الزور وإبعاد قيادات حزب العمال الكردستاني عن المنطقة. في حين تصر قسد على المضي قدماً في حملة "تعزيز الأمن" لملاحقة خلايا تابعة لتنظيم داعش ونظام الأسد ومجموعات "خارجة عن القانون". تعتبر هذه الأحداث الأمنية المستمرة والمتصاعدة اختباراً حقيقياً لمستقبل قوات سوريا الديمقراطية ومشروع "الإدارة الذاتية شمال وشرق سوريا"، وخرائط النفوذ والسيطرة في المنطقة.

من جهة أخرى، شهدت مناطق سيطرة النظام خروقات أمنية في مناطق كانت محصنة إلى حد بعيد لا سيما دمشق وريفها. حيث شهدت مدينة المعضمية انفجاراً لسيارة مفخخة بعبوة ناسفة، كما شهدت محافظة القنيطرة تفجيراً استهدف ضابطتين للنظام، وذلك بعد تفجيرات عدة شهدتها دمشق وريفها ومحافظات أخرى منذ شهر أيار، الأمر الذي يوضح ضعف القدرات الأمنية للنظام الذي يزداد اعتماده على الميليشيات غير النظامية من جهة، وتنامي نشاط تنظيم داعش الذي تبنى تفجيراً استهدف منطقة السيدة زينب من جهة أخرى.

وكثابت مستمر، تستمر الضربات الجوية الإسرائيلية في استهداف مواقع متفرقة لقوات النظام والميليشيات المرتبطة بإيران، وخاصةً مواقع ومستودعات الأسلحة، ومراكز تطوير الأسلحة لا سيما الصاروخية والمسيرات، والمطارات التي تستخدمها إيران لنقل الأسلحة.

أزمات اقتصادية تزيد من معدلات السخط والهجرة

أقرّ بشار الأسد مرسوماً تشريعياً ينص على زيادة الرواتب والأجور بنسبة 100% للعاملين في القطاع العام من المدنيين والعسكريين اعتباراً من شهر أيلول 2023 وبعد أيام ألحق الزيادة بمنحة مالية بنسبة 50% من الأجور لعدد من الفئات، كما رفع أسعار الوقود، وخفض الدعم عن مياه الشرب، بنسبة تصل بحدها اﻷدنى إلى 400% على خلفية قرار رفع تعرفة المتر المكعب للمياه، ورفع أسعار شرائح الكهرباء فوق 1500 كيلو واط بنسبة 20% والاسمنت بنسبة 100%، ومنذ إعلان الزيادة والشارع السوري يعيش صدمة حيث شهدت الأسواق موجة ارتفاعات طالت معظم السلع والخدمات بنسب فاقت الـ 300%، ليرتفع متوسط تكاليف المعيشة لعائلة مكونة من 5 أفراد في سورية إلى أكثر من 10.3 ملايين ليرة سورية بحسب مؤشر "جريدة قاسيون" بعدما كان في شهر تموز الماضي 6.5 ملايين ليرة في الوقت الذي لم يتجاوز فيه متوسط الرواتب بعد الزيادة الـ200 ألف ليرة، وعمد النظام إلى تغطية زيادة الرواتب من خلال إلغاء الدعم عن المشتقات النفطية والمياه والكهرباء حيث بلغت الوفورات من رفع الدعم 5 ترليون و400 مليار ليرة سنوياً. وتسببت تلك السياسات في هبوط مستمر لقيمة الليرة فاقت الـ 15 ألف ليرة أمام الدولار في حين سعّر المركزي سعر صرف دولار الحوالات عند 10900 ليرة وانخفضت القوة الشرائية للمواطن بالشكل الذي جعل الزيادة على الرواتب بدون جدوى، وهو ما يزيد من فقر السكان ومعاناتهم في تحصيل سُبل العيش، كما يشير إلى عدم نجاعة الإدارة الاقتصادية التي تتعامل مع الأزمة بحلول غير مجدية.

وعلى صعيد آخر ستضطر حكومة النظام إلى استيراد نحو مليوني طن من القمح لسد احتياجات البلاد فالكميات المسوقة من القمح خلال الموسم الحالي لن تتجاوز 800 ألف طن كحد أقصى، علماً أن الحاجة تقدر بحدود 3 ملايين طن، وأعلنت المؤسسة السورية للحبوب عن مناقصة لشراء 200 ألف طن من القمح الطري تقدمت لها شركات روسية.

وفي سياق تعزيز التقارب مع المملكة العربية السعودية، وبعد انقطاع للاستثمارات في سورية منذ العام 2011، منحت حكومة النظام رخصة لشركتين تعود ملكيتهما لمستثمرين سعوديين للاستثمار في قطاعات الفوسفات والأسمدة والإسمنت في سورية. بالمقابل فقد ضيقت المملكة مرور الشاحنات السورية عبر معبر نصيب وصولاً إلى الأراضي السعودية بعد طلبها مواصفات معينة للشاحنات القادمة من مناطق سيطرة النظام وهو ما تسبب بتوقف مئات الشاحنات والبرادات المحمّلة بالخضار والفواكه والبضائع المختلفة في معبر نصيب.

وفي مؤشر بالغ الأهمية وله دلالات اقتصادية، فقد تنامى معدل هجرة التجارة، لاسيما تجار حلب ودمشق، كما حلّ مع أكبر خمسة صاغة في دمشق من ضمنهم باشورة وسعيد منصور والجزماتي، الذين نقلوا كافة مخزونهم من الذهب والمقدر بحوالي 300 كيلو (ما يقدر بـ 1 بالمئة من إجمالي احتياطي البلاد من الذهب) إلى الخارج.

وبذات أدوات معالجة الأزمة التي يتبعها النظام رفعت "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية رواتب الموظفين العاملين لديها من مدنيين وعسكريين بنسبة 100 في المئة ليصبح الحد الأدنى للرواتب مليوناً و40 ألف ليرة سوريّة، وبلغ الحد الأعلى 8 ملايين و222 ألف ليرة سورية، وضاعفت أيضاً أسعار المازوت المخصص للتدفئة، وخصصت 300 لتر من مادة المازوت للتدفئة لكل منزل خلال الشتاء المقبل. وحول مشاريع التعافي المبكر التي يجري تنفيذها في شمال وشرق سورية، تم إنجاز 90% من مشروع طريق “عمبارة” الذي يربط مدينة القامشلي بالطريق الدولي M4، وبلغت ميزانية تعبيد الطرقات ضمن الخطة السنوية للمشاريع الاستثمارية لعام 2023 نحو 794,633 دولاراً.

وفي إطار  الضبط والتحكم الاقتصادي، فقد أصدرت الإدارة قانونين، الأول “تنظيم أعمال الصرافة والحوالات” الذي حدد الحد الأدنى لرأسمال شركات ومكاتب الصرافة العاملة بـ500 ألف دولار لشركات الصرافة، و50 ألف دولار أمريكي كرأسمال لمكاتب الصرافة ، والثاني "تنظيم تجارة المعادن الثمينة وتصنيعها"، تضمَّن إجراءات الترخيص ومزاولة المهن المتعلقة بهذه التجارة، وعدم جواز مزاولة تجارة أو صناعة المعادن الثمينة والأحجار الكريمة إلا بعد الحصول على الترخيص من مديرية المعادن الثمينة في “مكتب النقد والمدفوعات المركزي”، كما صادقت الإدارة على مسودة قانون مكافحة غسيل الأموال والمؤلف من 66 بنداً .

أما في مناطق شمال غرب سورية، فقد رفعت المديرية العامة للمشتقات النفطية في "حكومة الإنقاذ" أسعار البنزين والغاز المنزلي، بعد مرور أكثر من أسبوعين على انقطاع مادة البنزين في المناطق الخاضعة لـسيطرتها.

ولتشجيع الاستثمار عقدت "الحكومة السورية المؤقتة" الاجتماع التمهيدي مع الفعاليات المحلية لعقد مؤتمر الاستثمار في المناطق المحررة والذي يهدف إلى تحقيق الارتقاء والنهوض بالبيئة الاستثمارية في الشمال السوري، وتم توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة المالية والاقتصاد في الحكومة المؤقتة ومركز الدراسات والأبحاث في جامعة حلب ونقابة الاقتصاديّين ومؤسسة "IDEA 2020"، تضمنت سبل التعاون المثمر بين الأطراف الأربعة ضمن قطاع الاستثمار من خلال تبادل المعرفة والخبرات، وتحديد الأدوار والمسؤوليات، والتحضير لعقد المؤتمر الاستثماري الأول في الشمال السوري بغية تحقيق الأهداف المشتركة والارتقاء بالبيئة الاستثماريّة.

من جهة ثانية، لا تزال أزمة الكهرباء في مناطق ريف حلب تتفاعل على المستوى الشعبي حيث أثار رفع شركة “Ak Energy” لتوريد وتوزيع الكهرباء، أسعار الكهرباء، غضب الأهالي في ريف حلب، ما أدى لاحتجاجات وحالة توتر أمني أمام مقر الشركة في اعزاز([5]). ورفعت المجالس المحلية في الباب وقباسين وبزاعة ومارع دعاوى قضائية ضد شركتي الكهرباء بخصوص الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وعدم الالتزام بالتسعيرة المحددة من قبل المجالس، وعلى إثر هذه الأزمة أعلنت المجالس المحلية عن رغبتها في استجرار عقود جديدة لتزويد المدن الثلاث بالطاقة الكهربائية كحل بديل عن المزود الحالي.

ومن بين أبرز المشاريع في إطار "التعافي المبكر " في ريف حلب وإدلب كان إنشاء 38 شقة سكنية في مخيم "الخيرات 5" بــكفرلوسين من قبل المنظمات والمجالس المحلية وبمتابعة من مديرية شؤون المخيمات، وقشط الزفت القديم في الطريق الواصل بين بلدة كفر كرمين ومدينة الأتارب تمهيداً لتعبيده، والبدء بمشروع تأهيل وتوسعة طريق الدانا الزراعي، بطول 1750 متراً وعرض 24 متراً. كما أجرت المؤسسة العامة للاتصالات توسعة وتمديد شبكة فرعية للهاتف الأرضي والإنترنت في شارع الثلاثين في مدينة إدلب،  وتم البدء بتجهيز طريق عفرين كفرجنة البالغ 9500 متر بين المجلس المحلي في عفرين والتحالف العملياتي (الدفاع المدني السوري وسامز والمنتدى السوري) تمهيداً لتعبيده  ويعتبر طريقاً حيوياً يربط بين عفرين واعزاز، وتوسعة الطريق العام في بلدة حزانو تمهيداً لتعبيده ضمن مشروع توسعة طريق إدلب - باب الهوى، وأطلقت منظمة "يداً بيد للإغاثة والتنمية" مشروع سكني "الأمل 2" في منطقة جرابلس، يتكون من 60 شقة سكنية لإيواء المهجرين.


([1])  تضم لجنة الاتصال العربية كلاً من مصر، والسعودية، الأردن، العراق، ولبنان

([2])تعرض محافظ طرطوس المعزول نهاية شهر تموز للضرب على يد أهالي في بلدة دوير رسلان، وذلك خلال لقاء جمعه مع أعضاء من مجلس البلدة المنحل ومجموعة من المواطنين الغاضبين، في أعقاب قرار وزير الإدارة المحلية في حكومة النظام حل المجلس البلدي إثر تجاوزات خلال انتخابات المجالس، الأمر الذي رفضه الأعضاء المنتخبون للمجلس المنحل وبعض الأهالي

([3])  أولى ردود الفعل على احتجاز قيادة "مجلس دير الزور العسكري" جاءت نتيجة دعوات من شقيق "أحمد الخبيل" وقيادات من المجلس لعناصره وأبناء عشيرة البكير، التي ينتمي لها الخبيل، والعشائر الأخرى للتمرد على قرار حل المجلس وعزل قيادته

([4]) تعد العكيدات أكبر تحالف عشائري في المنطقة ولها تاريخ من الخلافات مع أحمد الخبيل" أبو خولة" قائد مجلس دير الزور العسكري

([5]) رفعت شركة “Ak Energy” أسعار الكهرباء ذات الاستخدام المنزلي من 3.2 ليرة تركية، إلى 4.5 ليرة للكيلو واط الواحد، والكهرباء التجارية إلى 5.75، بعدما كانت أربع ليرات تركية.

التصنيف تقارير خاصة

يستعرض هذا التقرير أهم أحداث المشهد السوري في شهر آذار وذلك ضمن المحاور الرئيسية الثلاثة؛ إذ يشير المحور السياسي إلى تطورات التقارب العربي مع نظام الأسد من خلال مساعي إعادته إلى الجامعة العربية من قبل أطراف عربية، في ظل غياب أي ردة الفعل من أجسام المعارضة السورية أو خطوات من شأنها مواجهة التطبيع العربي والإقليمي مع نظام الأسد. في حين يناقش المحور الأمني تصاعد وتيرة الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية واتساع رقعتها. إضافة إلى التوتر الأمني بين القوات الأمريكية والمليشيات الإيرانية في شرق سورية، ومقتل قيادات عسكرية من قوات سورية الديمقراطية إثر سقوط مروحيتين كانتا تقلَّانهم في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق. وأخيراً، يتناول المحور الاقتصادي تراجع عمليات الاستجابة الإنسانية للمتضررين من الزلزال بنسبة كبيرة في ظل ارتفاع أسعار الغذاء وتراجع القدرة الشرائية للمواطن السوري؛ علاوة على تأثير تفشي الفساد في حكومة النظام على مستوى معيشة الأهالي وتهديد استقرارهم الاقتصادي، إلى جانب استمرار نظام الأسد بابتزاز المجتمع الدولي لزيادة حصته من المساعدات الإنسانية ورفع العقوبات الاقتصادية عن مؤسساته.

 

للمزبد: https://bit.ly/3A3DVYP 

التصنيف تقارير خاصة

ملخص تنفيذي

  • يسعى تقدير الموقف للإجابة عن سؤال دوافع وحيثيات ودلالات الموقف الرسمي التركي ومواقف الأحزاب المختلفة في سياق عوامل الأمن القومي، وملف اللاجئين وديناميكيات السياسة الداخلية، والسردية التي يقدمها كل حزب للمشهد السوري.
  • يختلف تعاطي الأحزاب السياسية التركية مع "الملف السوري"، بحسب الخلفية الأيديولوجية والقاعدة الشعبية الانتخابية من جهة، والتموضع السياسي لكل منها بين تحالف حاكم وأحزاب معارضة من جهة أخرى.
  • تتباين مواقف الأحزاب التركية تجاه الفواعل العسكرية المتواجدة في الجغرافية السورية والتواجد العسكري التركي هناك من جهة، وتجاه ملف اللاجئين من جهة أخرى؛ وتمتلك مواقف مختلفة بشكل جزئي أو كلِّي بخصوص "الملف السوري" في هذا السياق.
  • على الرغم من تلاقيها في انتقاد السياسة الخارجية للحكومة، لا تمتلك أحزاب المعارضة موقفاً واحداً أو سرديةً واحدةً تجاه المشهد السوري، لا على مستوى الفواعل العسكرية المتواجدة في الجغرافية السورية، ولا على مستوى ملف اللاجئين أو أطروحة الحل لـ "الملف السوري".

 

 

مدخل

بعد مصادقة البرلمان التركي على مذكرة/قرار رئاسة الجمهورية في أواخر أيلول/سبتمبر 2021،([1]) والتي تم بموجبها تمديد صلاحية إرسال قوات خارج البلاد، إلى سورية والعراق، وإثر انقسام الأحزاب التركية بين مؤيد ومعارض للمذكرة؛ تُثار تساؤلات حول حيثيات ودلالات مواقف هذه الأحزاب لا سيما مع تصاعد حدة الاستقطاب في المشهد السياسي الداخلي التركي مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي المقرر في حزيران/يونيو 2023، خصوصاً وأن "الملف السوري" يُشكل أحد أهم الملفات "المثيرة للجدل" بالداخل التركي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وذلك بكل ما يتضمنه من إشكاليات معقدة أبرزها: التشكيلات دون الدولتية  والمتمثلة بشكل رئيسي بـ"قوات سورية الديمقراطية – قسد" و"هيئة تحرير الشام – هتش" وانعكاساتها على الأمن القومي التركي، والعلاقة مع الفواعل الإقليمية والدولية، وإشكالية اللاجئين وموجات الهجرة المحتملة. يُضاف إلى ذلك إثارة مسألة إعادة العلاقات مع النظام السوري من قبل أطياف عدة في المعارضة التركية.

 في هذا السياق، تتباين مواقف الأحزاب التركية المختلفة تجاه "الملف السوري" بشكل عام، وتجاه التدخل العسكري التركي في سورية بشكل خاص، سواء من ناحية السردية التي تقدمها للمشهد السوري، أو من ناحية الدوافع الكامنة وراء اتخاذها لقرار تأييدها لـ "المذكرة" ومستوى هذا التأييد، لا سيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الخلفيات الأيديولوجية المختلفة، والتموضع السياسي لكل منها بين: تحالف حاكم، وأحزاب معارضة. وهو ما تجلى بشكل واضح في جلسة التصويت على المذكرة؛ إذ صوت كل من حزب العدالة والتنمية (AK Parti)، وحزب الحركة القومية (MHP)، والحزب الجيد (İYİ Parti)، لصالح المذكرة؛ بينما صوت ضدها كل من حزب الشعب الجمهوري (CHP)، وحزب الشعوب الديمقراطي (HDP)([2]).

وعليه يسعى تقدير الموقف هذا إلى استعراض محددات الأحزاب التركية المختلفة تجاه القرار، وحيثيات مواقفها ودلالاتها المختلفة، إضافة إلى تقديم خطوط عامة لاتجاهات هذه المواقف والعوامل التي تحكم ثباتها أو تحولها.

محددات الموقف الرسمي... (تهديدات أمنية وموجات هجرة محتملة)

تستند المذكرة التي قدمتها رئاسة الجمهورية، والتي تمت المصادقة عليها كقرار من البرلمان التركي، على "اتخاذ جميع التدابير اللازمة في إطار القانون الدولي ضد الحركات الانفصالية والتهديدات الإرهابية وجميع المخاطر الأمنية التي تهدد الأمن القومي لتركيا، والقضاء على أي هجمات أخرى من جميع المنظمات الإرهابية في العراق وسورية، وضمان الحفاظ على الأمن الوطني ضد المخاطر المحتملة الأخرى، مثل الهجرة الجماعية"، بالإضافة إلى إشارة القرار إلى "المخاطر والتهديدات المستمرة التي تستهدف فعاليات إنشاء الأمن والاستقرار، في إدلب، في إطار عملية أستانا"([3]).

لذلك؛ يُمكن القول بأن الأولوية الحالية للسياسة الخارجية التركية تتمثل في منع تشكُّل أي كيان حوكمي إثني في سورية، وإبعاد "قسد" والتشكيلات المرتبطة بها عن الحدود التركية، وصولاً إلى الحد من نشاط "حزب العمال الكردستاني" والمجموعات المرتبطة به في المنطقة، بالتوازي مع الحفاظ على الحد الضروري من الاستقرار النسبي في إدلب بشكل يمنع حدوث موجة هجرة جديدة تجاه الحدود التركية، وتراعي هذه الأولوية حساسية ملف الإرهاب للأمن القومي التركي على مدى العقود الأربعة السابقة، إضافة إلى الحساسية الكبيرة على المستوى التركي الداخلي تجاه أي موجة لجوء محتملة، في حال شنَّ النظام السوري عملية عسكرية واسعة في إدلب، الأمر الذي سيثير ردة فعل غاضبة على المستويين الاجتماعي والسياسي، خصوصاً مع التصاعد المتزايد للاحتقان الاجتماعي وخطاب الكراهية تجاه اللاجئين والمهاجرين بشكل عام، والسوريين منهم بشكل خاص([4]).

 وفي ذات السياق، يُلاحظ إيلاء الحزب الحاكم أهمية لمسألة الاستقطاب السياسي وتفاعله مع "الملف السوري"، وذلك من خلال تمديده المذكرة لعامين مقبلين، حتى تشرين الأول من العام 2023، أي لما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة والمقرر عقدها في حزيران من العام ذاته، وهي المرة الأولى التي تتم فيها المصادقة على المذكرة لمدة سنتين، بعد أن كانت المصادقة تتم لمدة عام واحد فقط في السنوات السابقة، وهو ما يمكن تفسيره بتجنب أن تكون المذكرة في مركز الحسابات الانتخابية العام المقبل، خصوصاً مع تصاعد الاستقطاب السياسي كلما اقتربت البلاد من موعد الاستحقاق الانتخابي.

وعلى الرغم من تصدر حزب العدالة والتنمية (AK Parti) واجهة الاستقطاب السياسي بما يتعلق بـ "الملف السوري" والتدخل العسكري خارج البلاد، إلا أنه لا يمكن إهمال موقف حزب الحركة القومية (MHP) المؤيد للموقف الرسمي التركي، كونه حزباً حليفاً للأول في تحالف "الجمهور"، ويُعتبر بشكل أو بآخر فاعلاً سياسياً يُسهم في صياغة موقف التحالف، وبالتالي الموقف الرسمي للحكومة. علاوةً على كونه حزباً "قومياً-يمينياً"، يمتلك تقليداً سياسياً صلباً تجاه القضايا الأمنية بشكل عام، ومسألة "الإرهاب" و"حزب العمال الكردستاني" بشكل خاص.

أحزاب المعارضة... (مواقف متباينة ودلالات مختلفة)

يجتمع كل من حزب الشعب الجمهوري (CHP)، وحزب الشعوب الديمقراطي (HDP) بالتصويت ضد القرار، إلا أنهما يختلفان في الدوافع التي تقف وراء موقفهما. فقد اعتاد حزب الشعب الجمهوي (CHP) أن يصوت لصالح القرار في السنوات السابقة، إذ صوت بنعم لصالح القرار في العام 2020 تحت حجة حماية حياة الجنود الأتراك هناك ومكافحة الإرهاب([5])، وهو ما يمثل الموقف التقليدي الحازم للشعب الجمهوري (CHP) في القضايا الأمنية، في حين أن الشعوب الديمقراطي (HDP) كان وما يزال يرفض التدخل العسكري التركي في سورية، وذلك كون التدخل يستهدف بشكل أساسي المجموعات المسلحة التابعة لـ"الإدارة الذاتية"، والتي ينظر إليها الحزب كـ"مبادرة قيّمة" في برنامج الحزب الرسمي، في حين تنظر لها الأحزاب التركية الأخرى بشكل عام ككيان "إرهابي"، الأمر الذي يشكل أحد العوامل التي تجعل حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) موصوماً بتهمة "الإرهاب" وعدم فكه الارتباط بـ"حزب العمال الكردستاني".

وفي الوقت الذي يصف فيه الشعوب الديمقراطي (HDP) المذكرة على أنها "تذكرة عداء الكرد... وتقدم يد العون للجيش السوري الحر، وتنظيم الدولة، والنصرة " مصنفاً "الجيش السوري الحر" في خانة "التنظيمات الإرهابية"، ويصرح بأن "شمال وشرق سورية ممر للسلام بين الشعوب، وممر للاستقرار والديمقراطية"([6])، إضافة إلى رفضه لإعادة اللاجئين وخطاب الكراهية المتصاعد تجاههم([7])؛ فإن الشعب الجمهوري (CHP) يرى بأن الحل يكمن في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وفي "تسهيل إمكانية تأسيس الأسد لوحدة الأرض، والسيادة والوحدة السياسية في بلاده"، مع تأكيده على إمكانية القيام بمكافحة الإرهاب بالتعاون مع النظام السوري، وبوجود إمكانية لإيقاف "الحرب الأهلية" في سورية وتأسيس السلام وإعادة السوريين إلى بلادهم بـ"سلام"([8]).

 لذلك، نجد بأن الدوافع وراء اتخاذ الحزبين قرار التصويت ضد القرار مختلفة، فالشعوب الديمقراطي (HDP) يمتلك موقفاً كان وما زال صلباً وثابتاً ضد التدخل العسكري التركي خارج البلاد، وذلك لدوافع أيديولوجية – إن صح التعبير – تتجلى في خطابه المؤيد لـ"الإدارة الذاتية" في سورية؛ في حين يمكن تقييم موقف الشعب الجمهوري (CHP)، كخطوة تكتيكية لزيادة الضغط على الحزب الحاكم بشأن "الملف السوري"، وكسب أصوات الشعوب الديمقراطي (HDP) في الانتخابات الرئاسية المقبلة على غرار ما حدث في الانتخابات المحلية (انتخابات البلدية) في كل من اسطنبول وأنقرة والتي لم يرشح فيها الأخير مرشحاً عنه، إذ يعمل الشعب الجمهوري (CHP) بذلك على محاولة حفاظه على تموضع سياسي يمكنه من التنسيق بين أطياف المعارضة المختلفة بغض النظر عن خلفيتها الأيديولوجية أو أسباب معارضتها للحزب الحاكم.

على الجانب الآخر، وعلى الرغم من كون الحزب الجيد (İYİ Parti) حزباً حليفاً للشعب الجمهوري (CHP) في تحالف "الملةMillet/"، إلا أنه صوّت لصالح المذكرة/القرار، تحت ذريعة حماية الأمن القومي. وبالتوازي مع ذلك، انتقد الحزب سياسة الحكومة التركية تجاه "الملف السوري"، متبنياً سردية "أن طريق الحل في سورية، لا يمر فقط من موسكو وواشطن، وإنما من دمشق أيضاً"([9])، فلطالما طالب قياديون في الحزب الجيد (İYİ Parti) بإعادة فتح القنوات الدبلوماسية مع النظام السوري، كخطوة لحل المعضلة السورية، بما يتضمن إعادة اللاجئين. لذلك، يُمكن تفسير موقف الحزب، برغبته بالتمايز عن الحزب الحاكم من جهة، وحزب الشعوب الديمقراطي (HDP) من جهة أخرى.

 

خاتمة

بالاستناد إلى ما سبق، نلاحظ اختلاف تعاطي الأحزاب السياسية التركية مع "الملف السوري"، بحسب الخلفية الأيديولوجية والقاعدة الشعبية الانتخابية والتموضع السياسي لكل منها بين تحالف حاكم وأحزاب معارضة، إذ يختلف بالضرورة موقف الحزب المتموضع في موقع المسؤولية في الحكم عن المعارض، الذي يسعى لرفع أسهمه في الانتخابات المقبلة أو المحافظة على تقليده السياسي في هذا الصدد.

لذلك، لا تبدو أحزاب المعارضة إلى الآن مؤثرة في صياغة التصور العام للسياسات تجاه سورية في الوقت الراهن، على الرغم من تأثير أطروحاتها على المستوى الإعلامي والاجتماعي، إذ تُعنى مواقفها وأطروحاتها بديناميكيات السياسة الداخلية وتموضعها السياسي وقاعدتها الشعبية، أكثر من واقع الجغرافية السورية وديناميكيات السياسة الدولية ذات الصلة.

لهذا، يبدو بأن الحزب الحاكم سيبقى الموجِّه الرئيسي لبوصلة السياسات تجاه "الملف السوري"، وفق محددات الأمن القومي و"خطر" موجات الهجرة المحتملة وطبيعة علاقته مع حليفه الحركة القومية (MHP) بالدرجة الأولى، وديناميات السياسة الداخلية بالدرجة الثانية؛ وذلك حتى موعد الاستحقاق الانتخابي المقرر عقده في حزيران/يونيو 2023.

بالمقابل، تبقى كل هذه المواقف؛ سواء تجاه الفواعل على الجغرافية السورية، أو ملف اللاجئين السوريين عرضة للتبدل والتغير، الجزئي أو الكلي، بحسب التغيرات التي قد تطرأ على التموضع السياسي للأحزاب وديناميكيات السياسة الداخلية، أو ما قد يفرضه طول أمد "الأزمة" والعوامل المركبة والمعقدة، والمرتبطة بالفواعل الإقليمية والدولية وطبيعة مواقفها تجاه "الملف السوري"، والتطورات الميدانية في الجغرافية السورية.

 


 

([1]) Karar No. 1310, Türkiye Büyük Millet Meclisi Resmi İnternet Sitesi, 26.10.2021,  Link: https://cutt.us/MsRTG

([2])  TBMM Genel Kurulunda, Irak ve Suriye tezkeresinin süresi 2 yıl daha uzatıldı, Anadolu Ajansı, 26.10.2021, Link: https://cutt.us/ehJCn   

([3])  Karar No. 1310, Türkiye Büyük Millet Meclisi Resmi İnternet Sitesi, 26.10.2021, A.G.K.

([4])  السوريون في تركيا وحكاية “الملف المؤجل”..أيُ حلول وخيارات مستقبلية؟، السورية نت، 17 ايلول/سبتمبر 2021، انظر الرابط: https://cutt.us/mYutV

([5]) Yıldız Yazıcıoğlu, Irak ve Suriye Tezkeresi TBMM'de Kabul Edildi, VOA Türkçe, 08.10.2020, Link: https://cutt.us/Bp621   

([6]) Buldan: Bu tezkere iktidarın gidiş tezkeresidir, HDP Sitesi, 26.10.2021, Link: https://cutt.us/NJWwX

([7])  حمزة خضر، "قضية الموز".. أحزاب معارضة وحقوقيون أتراك يستنكرون قرار ترحيل سوريين، تلفزيون سورية، 29 تشرين الأول/أكتوبر 2021، انظر الرابط: https://cutt.us/uxcQv

([8]) CHP’li Çeviköz: “Tezkerelerin süresini uzatmakla ömrünüzü uzatmaya mı çalışıyorsunuz?”, 26.10.2021, Link: https://cutt.us/HnC5d 

([9])  Tezkere Meclis’ten geçti, Tele1, 26.10.2021, Link: https://cutt.us/cKRXN

التصنيف تقدير الموقف

ملخص تنفيذي

  • تسعى "الإدارة الذاتية" إلى تشكيل مظلة سياسية جديدة مع شخصيات وكيانات معارضة تمكِّنها من الحصول على الشرعية السياسية اللازمة للمشاركة في المفاوضات واللجنة الدستورية، والمحافظة على مكتسباتها العسكرية، لا سيما بعد تَعَسُّر الوصول إلى اتفاق مع النظام السوري.
  • يُظهر تاريخ وحركية الإدارة درجة عالية من المرونة والبرغماتية نحو تشكيل تحالفات جديدة وتغيير بنيتها الهيكلية، طالما لم يفقدها ذلك الأمر التموضع المركزي بأي مظلة قادمة.
  • من التحديات الداخلية التي تواجه الإدارة وتدفعها للبحث عن مظلة جديدة، تجمعها مع هذه المكونات ولو بإطار شكلاني، هو توسيع المشاركة الفعلية للمكونات المحلية، وإنجاز الحوار الكردي-الكردي.
  • تبدو الإدارة غير مستعدة بعد لتقديم التنازلات الكبيرة التي يتطلبها الدخول في مفاوضات مباشرة مع تركيا لإنهاء التهديد الذي تشكله عملياتها العسكرية، لذا تحاول الاستفادة من التناقضات الإقليمية وتشكيل مظلة سياسية تجمعها مع أطراف سورية معارضة.
  • تسير محاولات التشكل السياسي الجديد في شرق الفرات نحو عدة سيناريوهات مفتوحة، إلا أن السيناريو الأرجح وفق ديناميات الإدارة في الوقت الحالي هو تعزيز التفاهمات مع منصتي موسكو والقاهرة وشخصيات معارضة غير مقربة من تركيا وترتيب "اتفاقيات نوعية" معها.

تمهيد

مع بداية عام 2021 صرحت رئيسة "الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد بأن "هدف الإدارة الذاتية خلال العام الحالي يتمثل في إقامة مشروع مشترك مع المعارضة السورية وكافة أطراف الحل بهدف جعل مناطق شمال وشرق سوريا مركزاً للديمقراطية المشتركة في البلاد"([1])، وتأتي هذه التصريحات بعد تحولات كبيرة شهدتها المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية خلال السنوات الماضية.

بعد توقف العملية العسكرية التركية في المناطق الممتدة بين تل أبيض ورأس العين نتيجة اتفاقات تركية ثنائية مع كلٍ من الولايات المتحدة الامريكية وروسيا في الربع الأخير من 2019. لم تعد "الإدارة الذاتية" هي الفاعل المحلي الوحيد على جغرافية شرق الفرات. ما دفعها لإعادة ترتيب أوراقها بغية تحسين موقعها على الخارطة السياسية السورية. لكن مساعيها تلك تصطدم بجملة من العراقيل التي تحد من قدرتها على تمكين سلطتها محلياً والحصول على شرعية سياسية تمكنها من الدخول الى مسار العملية السياسية والتفاوضية كفاعل رئيسي في المشهد السوري.

ويظهر تاريخ الثوى السياسة الفاعلية "الإدارة الذاتية" قابليتها لإعادة التشكيل بصيغ مختلفة ضمن هياكل جديدة تمنحها قدرة أكبر على المناورة في المساحات الجديدة والتفاعل مع الأحداث المتغيرة، ابتداءً من انفرادها بالسيطرة على المناطق ذات الغالبية الكردية وإعلانها لمجلس شعب غرب كردستان في كانتونات منفصلة، ومروراً بتوسعها في مناطق شاسعة شرق الفرات بدعم من التحالف الدولي وطرح مشروع فيدرالية شمال شرق سوريا، تلاها تشكيل "الإدارة الذاتية الديمقراطية" في كامل الجغرافية المسيطرة عليها، وانتهاءً بحديثها عن مظلة سياسية تجمعها مع أطياف المعارضة السورية([2]). تحاول هذه الورقة فهم دوافع "الإدارة الذاتية" للانخراط في مظلة سياسية جديدة في هذا التوقيت، والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي تدفعها نحو هذا الطرح. إضافة لبيان مدى إمكانية نجاحها في تحقيق الأهداف المبتغاة منها.

دوافع داخلية: ضرورات الشكل والاحتواء

ساهمت مجموعة من العوامل في تشكيل رؤية لدى الإدارة حول عدم قدرتها على إدارة المنطقة بشكل منفرد، وحاجتها إلى مظلة جديدة لتوسيع مشاركة المكونات السياسية والشعبية في إدارة منطقة شرق الفرات. ونذكر منها:

  1. توحيد الجبهة الكردية الداخلية

اتسم المشهد السياسي الكردي على مدى عقود بشيوع حالة من عدم التوافق بين مكوناته الرئيسية، ولم تفلح العديد من المبادرات الداخلية والإقليمية في الدفع نحو إنجاز توافقات توحد عمل الأطراف الكردية. لكن جملة المتغيرات المحلية والضغوط الدولية المباشرة -لا سيما بعد القضاء على آخر معاقل تنظيم الدولة في شرق الفرات- دفعت قيادة " قوات سوريا الديمقراطية" إلى إطلاق مبادرة للحوار بين الأطراف الكردية الرئيسية لحل المسائل العالقة وتشكيل جبهة كردية موحدة تحظى بشرعية على الصعيد الوطني الكردي.

وقد أدت جولات الحوار هذه إلى إعادة فتح مكاتب المجلس الوطني الكردي في المنطقة والسماح لكوادرها بالحركة وإقامة الفعاليات الحزبية والندوات السياسية، إضافة إلى الاتفاق على بعض المسائل المتعلقة برؤية سياسية موحدة للحل السياسي وشكل الحكم والمحاصصة الإدارية ([3]). إلا أن القضايا الإشكالية الكبيرة، وعلى رأسها التجنيد الإجباري، والعلاقة مع حزب العمال الكردستاني وتحكمه في مفاصل "الإدارة الذاتية"، ودخول البيشمركة السورية "بيشمركة روج" المتمركزة في كردستان العراق، والملف التعليمي، والإشكاليات المتعلقة بالعقد الاجتماعي، لا تزال عالقة وتشكل عقبة كبيرة أمام وحدة الصف الكردي.

  1. احتواء المكونات المحلية

ضمن مساعي احتواء المكونات المحلية كان أحد مخرجات مؤتمر أبناء الجزيرة والفرات الذي أقامته الإدارة بتاريخ 25/11/2020م، "العمل على الحوار مع المعارضة الوطنية السورية المؤمنة بالحل السياسي، والحفاظ على السلم الأهلي والأمن المجتمعي، وترسيخ مفهوم المواطنة والعمل على عودة المهجرين، والتحضير لانتخابات محلية في مناطق سيطرتها" ([4]).

وتعد قضية إشراك المكونات المحلية في الإدارة من النقاط الإشكالية التي تواجه الإدارة منذ تأسيسها، حيث ترى معظم المجتمعات المحلية أن مشاركة المكونات الشعبية في مؤسسات الإدارة، فضلاً عن صناعة القرار، هي مشاركة شكلية منزوعة الصلاحية، وأن أعضاء حزب العمال الكردستاني "الكادرو" هم رجال الظل الممسكين بمفاصل الإدارة) [5](. ويٌعتبر هذا الملف تحدياً حقيقياً للإدارة لتشابكه مع ملفات مصيرية، كفك ارتباطها مع حزب العمال الكردستاني وإخراج العناصر الأجنبية من سورية وهو أمرٌ – بحكم حركية الإدارة-لا يعدو عن كونه مناورة وحركة استيعاب تكتيكية تستطيع الإدارة من خلالها إرسال مجموعة رسائل متعلقة ببناء الثقة مع مختلف المكونات العرقية والدينية في المنطقة، وتخفيف الاحتجاجات الشعبية المستمرة لا سيما في دير الزور، والتي تهدد استقرار الإدارة وتؤثر سلباً على الصورة التي تصدرها للعالم كسلطة شعبية تعددية تمثل جميع مكونات المنطقة.

دوافع خارجية: تعزيز التموضع

مع زيادة الفواعل المؤثرين في المشهد السياسي والميداني شرق الفرات، ازدادت التحديات التي تواجه الإدارة، وتدفعها نحو الانخراط في مظلة سياسية جديدة تضمن الحفاظ على مكتسباتها، والتغلب على التهديدات الخارجية، إضافة إلى مشاركتها في رسم مستقبل سورية بشكل عام.

  • رسائل تطمين لأنقرة تفتقد للحركية

تشكل العمليات العسكرية التركية تهديداً وجودياً لمشروع "الإدارة الذاتية"، فمنذ توقف عملية نبع السلام في مناطق تل أبيض ورأس العين، لم تستقر جبهة عين عيسى، العاصمة الإدارية وعقدة طرق المواصلات التي تربط شرق المنطقة بغربها، والتي تراوحت بين التصعيد والتهدئة المؤقتة. الأمر الذي شكل ضغطاً كبيراً على "السلطات المحلية"، تسبب في إيقاف متكرر لأعمالها الإدارية خلال فترات التصعيد. وتسعى تركيا عبر المناوشات العسكرية إلى إبقاء "الإدارة الذاتية" في حالة عدم استقرار، وإبعاد وحدات حماية الشعب YPG -والتي تصنفها كمنظمة إرهابية-عن حدودها لاعتبارات الأمن القومي التركي، وتؤكد أنها لن تقبل بمنطقة حكم ذاتي تسيطر عليها قوى مقربة من حزب العمال الكردستاني.

حاولت الإدارة إيصال رسائل إيجابية إلى تركيا، كان آخرها من مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، الذي أبدى استعداده لإجراء محادثات سلام مع تركيا دون شروط مسبقة. إضافة إلى حديثه عن انسحاب تدريجي لعناصر حزب العمال الكردستاني من شمال شرق سورية ([6])، الأمر الذي لا تنظر إليه تركيا بجدية.

وترى الإدارة أن انفتاحها السياسي على المعارضة السورية بشكل عام قد يساهم في بناء علاقات جديدة مع تركيا دون الحاجة لتقديم تنازلات كبيرة لإبعاد إمكانية اندلاع حرب أخرى في المنطقة.

  • عدم التعارض مع غايات واشنطن في الملف السوري

حصرت الولايات المتحدة أهداف وجودها على الأراضي السورية بمنع عودة تنظيم الدولة الى المنطقة، والتعامل مع التهديد الإيراني في سورية، إضافة إلى الدفع باتجاه الحل السياسي وفق مخرجات بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254. كما تسعى لمنع استفادة تلك الأطراف الثلاثة (تنظيم الدولة، المليشيات المدعومة إيرانياً، نظام الأسد) من ثروات المنطقة. إلا أن تحقيق جملة هذه الأهداف يحتاج إلى شكل مقبول من الاستقرار في المنطقة وفي سبيل ذلك تواصل الولايات المتحدة الضغط على "الإدارة الذاتية" لتوسيع مشاركة المكونات المحلية، والبدء في حوار مع المعارضة السورية، والتضيق على نظام الأسد للقبول بالحل السياسي. وقد تسعى الإدارة للاستفادة من توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة-التي تضم شخصيات داعمة للإدارة ومتعاطفة معها- في الحصول على دعم للمظلة السياسية المنشودة.

  • تحسين التموضع التفاوضي مع روسيا والنظام

مع دخول قواتها شرق الفرات بعد الانسحاب الأمريكي، لم تدَّخر روسيا جهداً في محاولة التوسع وإنشاء نقاط عسكرية على كامل مساحة شرق الفرات، وساهمت باتفاقات ثنائية مع تركيا وقوات سوريا الديمقراطية في تعزيز تواجد قوات النظام في عدة مواقع في الرقة والحسكة. كما استغلت التهديدات التركية -بعمليات عسكرية جديدة -في الضغط على الإدارة للوصول إلى اتفاق مع نظام الأسد وإعادة سيطرته على المناطق المهددة بالاجتياح، لكن عدم قبول النظام بنمط الحكم الذاتي الذي تطرحه الإدارة، وإصراره على سيطرة كاملة تشمل عودة جميع مؤسسات النظام وأجهزته الأمنية منع هذا النوع من الاتفاق.

من هنا يبدو أن الإدارة ترى أن انضمامها إلى مظلة سياسية، تحظى باعتراف دولي، قد ينهي مسلسل الضغوط الروسية الرامية إلى عودة نظام الأسد وبسط نفوذه على مدن ومحافظات شرق الفرات. أو من شأنه زيادة امتلاك الإدارة لأوراق قوة تفاوضية تستثمرها في مفاوضاتها مع الروس والنظام.

سيناريوهات محتملة: مراوغة واتفاقات

تسير محاولات التشكل السياسي الجديد في شرق الفرات نحو عدة سيناريوهات مفتوحة على عدة خيارات ستسعى “الإدارة الذاتية" لتبنيها وتحسين تموضعها وتخفيف الخسائر المحتملة؛ وهذه السيناريوهات هي

  1. الانفتاح على المعارضة

ويعني هذا السيناريو انجاز التوافق مع المجلس الوطني الكردي والدخول في مسار للمفاوضات مع المعارضة لا سيما الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة. فالإدارة تتطلع لحل الإشكاليات الأمنية مع الجيش الوطني، ووضع حد للعمليات العسكرية على مناطق شرق الفرات التي تهدد استقرارها، إضافة إلى حاجتها لاعتراف وشرعية تؤهلها للمشاركة في مفاوضات الحل النهائي. ومن جهة أخرى فقد يكون للائتلاف وقوى المعارضة الأخرى دور مستقبلي في تعبيد طريق المفاوضات بين تركيا والإدارة. كما أن إعادة ربط مناطق شرق الفرات مع غربها وانجاز جبهة موحدة للمعارضة السورية سيعزز قوة المعارضة على حساب نظام الأسد.

لكن هذا السيناريو يعتريه جملة من الصعوبات على المدى القريب بسبب العقبات الكبيرة في طريق تحقيقه. فقد تواجه الإدارة تحديات بنيوية في محاولة فك الارتباط مع حزب العمال الكردستاني، نتيجة الدور الجوهري الذي يلعبه كوادر الحزب في المنطقة وتغلغلهم في معظم قطاعات ومؤسسات "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية".

إضافة إلى انعكاس تدهور العلاقات بين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني في إقليم كردستان العراق على سير عملية الحوار بين حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD) والمجلس الوطني الكردي في سورية.

كما يتطلب تحقيق مثل هذا السيناريو خطوات جدية من قوى المعارضة الوطنية تتمثل في العمل على وثيقة سياسية جديدة، تتبنى شكل من أشكال اللامركزية التي تمنع عودة الاستبداد، وتراعي خصوصية ومخاوف مختلف مكونات الشعب السوري. إضافة إلى تسوية الخلافات الناتجة عن العمليات العسكرية في عفرين ورأس العين، والعمل على بناء جسور الثقة بين المجتمعات المحلية في شرق الفرات وغربه، الأمر الذي يحتاج لمزيد من الوقت والجهد.

 

  1. المراوحة بالمكان والمحاولات الشكلانية

إذ سيساهم سيناريو التجميد العام الذي يعتري المشهد الميداني والسياسي السوري في تجميد الوضع الحالي في شرق الفرات واستمرار المناوشات في نقاط التماس مع استمرار الوجود الأمريكي الذي قد يمنع أي عملية عسكرية تركية كبيرة. إضافة إلى اعتماد الإدارة خيار التوسعة الشكلية في تمثيل المكونات داخل الإدارة دون أن يؤثر على مركزيتها وتحكمها بمفاصل السلطة.

رغم أن هذا السيناريو يتوافق مع دوافع الإدارة ويتماهى مع الشكل الراهن للمشهد العام، إلا أن تكلفته عالية خاصة مع الإدراك التام لغايات أنقرة الرئيسية في المشهد السوري والذي يتمثل بتخفيف كافة مسببات القلق الأمني لها والمتأتي من الإدارة، وهو ما يبقي رغم تجميد الصراع بعض الخواصر القلقة التي ستحاول كافة الأطراف استغلالها.

  1. "اتفاقات نوعية" مؤسسة لتحسين التموضع

حيث تعززت مؤشرات التلاقي بين "الإدارة الذاتية" مع منصتي موسكو والقاهرة وشخصيات معارضة مستقلة غير مقربة من تركيا. وهذا هو السيناريو الأرجح لحركية الإدارة وفق المعطيات الحالية، حيث تسعى الإدارة من خلال هذه المظلة إلى المشاركة في مسار المفاوضات والهيئة الدستورية بدعم من دول عربية وإقليمية. إضافة إلى استمرار جولات الحوار الكردي دون جدوى سياسية، من خلال تمييع مطالب المجلس الوطني الكردي -ومن خلفه قوى المعارضة الرئيسية-وإغراقها بالتفاصيل دون الوصول إلى نتائج ملموسة تتطلب تقديم تنازلات حقيقية يبدو أن الإدارة غير مستعدة لتقديمها بعد.

 

ختاماً

برزت حاجة " الإدارة الذاتية" لمظلة سياسية جديدة مع تراكم التحديات التي واجهتها منذ سيطرتها على منطقة شرق الفرات ولاحقاً مع تزاحم اللاعبين في المشهد الميداني بعد الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية والعملية العسكرية التركية "نبع السلام" في تشرين الأول/أكتوبر2019، فضلاً عن التحدي الأبرز المتمثل في سعيها للحصول على الشرعية السياسية والاعتراف الدولي. إلى جانب دوافع داخلية شكلية، وخارجية تتمحور حول تحسين موقعها التفاوضي مع روسيا والنظام السوري من جهة، وإرسال تطمينات إلى أنقرة بخصوص مستقبل العلاقة معها من جهة أخرى، إضافة إلى عدم التعارض مع أهداف واشنطن في الملف السوري. ويبقى مستقبل التشكيل السياسي الجديد مفتوحاً على عدة سيناريوهات تبعاً لحركية الإدارة وتفاعل المؤثرين في المشهد السوري بشكل عام.

 

 

 

 

 

 

([1]) "إلهام أحمد: مشروع مشترك يتمثل في جعل مناطق شمال وشرق سوريا مركز الديمقراطية المشتركة"، مجلس سوريا الديمقراطية، https://cutt.ly/Kl7vgxB .

([2])2012: عن مجلس الشعب غربي كردستان، 2014: الإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية (مقاطعات: الجزيرة، كوباني، عفرين)، 2015: فيدرالية روج أفا – شمال سوريا، 2016: الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا، 2018: الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا (شملت الرقة ودير الزور).

([3]) عبد الحليم سليمان: "أكراد سوريا يتوصلون إلى تفاهم أولي في ما بينهم برعاية أميركية"، independent، https://cutt.ly/Il7nu8X .

([4])  "توصيات "مسد" في بيانه الختامي لـ مؤتمر "أبناء الجزيرة والفرات"، موقع تلفزيون سوريا، 25/11/2020، https://cutt.ly/4l7mU4x .

([5]) ”The SDF Seeks a Path toward Durable Stability in North East Syria”, Crisis Group, 25\11\2020, https://cutt.ly/yl7m6FV .

([6]) “مظلوم عبدي” يعترف بوجود عناصر من “PKK” في سوريا”، جسر، 27/11/2020، https://cutt.ly/tl7OsKd .

التصنيف أوراق بحثية

قدم الباحث في مركز عمران، بدر ملا رشيد تصريحاً ضمن مادة نشرتها جريدة عنب بلدي بعنوان: من "كورونا" إلى المواجهة المباشرة.. ماذا وراء التوترات بين “الإدارة الذاتية” والنظام في القامشلي.

رأى فيها الباحث أنه يمكن إدراج التوتر، فيما يخص اتهام “الإدارة الذاتية” للنظام بمحاولة نشر “كورونا” في شمال شرقي سورية، ضمن عدة أطر، منها مواجهة إهمال النظام لضبط عملية نقل المسافرين من دمشق إلى القامشلي دون أي تنسيق مع “الإدارة الذاتية”، وتسهيل الطريق لكثير من المسافرين ليعبروا دون المرور بحواجز “أسايش” (الذراع الأمنية لـ”قوات سوريا الديمقراطية”) في المنطقة، وفق قوله.

مضيفاً ملا رشيد لعنب بلدي أن سلوك النظام هذا يقابله سعي “الإدارة الذاتية” لتوجيه رسالة للأهالي في المنطقة بأنها تقوم بعملية مواجهة احتمال انتشار الفيروس، والتأكيد على أنها السلطة الفعلية في المنطقة.


للمزيد انقر الرابط المصدر:https://bit.ly/3aKarA7

 

على الرغم من جولات الحوار السابقة المتعثرة؛ أحدثت دعوة قيادة "قوات سوريا الديمقراطية" للحوار بين الأطراف الكردية، صدىً بين الأحزاب الكردية و"الإدارة الذاتية". دعوةٌ ترافقت مع دفعٍ أمريكي واضحٍ للتيارات الكُردية للوصول إلى صيغة توافق معقّدة؛ تتمكن عبرها من "التمكين المحلي"، و"التفاعل أكثر" مع المعارضة السورية و"تهدئة" الجانب التركي.  ولقياس هذا الصدى وطبيعته، وتلمُّس مالاته، يحاول تقدير الموقف، تسليط الضوء على السياقات السياسية، والعسكرية التي أدّت إلى ما وصلت إليه العلاقة الكُردية البينيّة حالياً، وتحليل غايات هذا التقارب، وتتبّع مؤشرات بناء الثقة بين الأطراف الكُردية، ومن ثم استشراف مآلات هذا التقارب وتحدياته.

سنوات والتعثُّر ديدن المحاولات

حاول الطرفان الكُرديان (حزب الاتحاد الديمقراطي، والمجلس الوطني الكُردي) الدخول  في مفاوضات تؤدي لتقاسُم، وتشارُك السلطة خلال الأعوام 2012-2015([1])، عبر عدّة اتفاقيات وتفاهمات (هولير1، هولير2، دهوك([2]))، إلا أنها باءت بالفشل؛ لأسبابٍ عدّة مرتبطةٍ بسياسة المحاور الوطنية، والإقليميّة من جهة، ومتعلِّقةٍ بأسبابٍ  ذاتيةٍ نابعةٍ من طبيعة الاْطراف الكُردية نفسها من جهةٍ ثانية؛ وليدخل الملف السوري من بداية العام 2015 مرحلة جديدةً مع انخراطٍ مباشرٍ لقوىً إقليميّةٍ، ودوليّةٍ في الصراع السوري، كالولايات المتحدة الأمريكية بدعمها "لوحدات حماية الشعب" في مواجهة "تنظيم الدولة"، والاتحاد الروسي بدعمه المباشر للنظام، وتركيا عبر الدخول البري المباشر؛ لتحقيق عدّة أهدافٍ متعلِّقةٍ بأمنها القومي كإنهاء، وإعاقة مشروع "الإدارة الذاتية"،  والحفاظ على بعض  المناطق تحت سيطرة المعارضة. وفي هذا العام اتسعت مساحة الخلاف بين الأطراف الكُردية، وكادت تنعدم محاولات التوفيق بين الطرفين؛ باستثناء بعض المبادرات المجتمعية من شخصيات، أو منظمات المجتمع المدني، والتي لم تتكلّل بالنجاح، وتعرَّض "المجلس الوطني الكردي" لمضايقاتٍ، واعتقالاتٍ من قبل أجهزة الإدارة الذاتية أدّت لإيقاف شبه كامل لنشاطه في سورية، بينما منح تحالف "وحدات حماية الشعب" و"قسد" مع قوات التحالف الدولي منحهم جرعةً زائدةً من الثقة بديمومة مشروعهم، دون الأخذ بالحسبان غياب أيَّة توافقاتٍ سياسية سواءً محليةٍ، أو وطنيةٍ تُأطّر بقائها في المشهد. 

قُوبلت الثقة الزائدة التي اكتسبتها الإدارة الذاتية بالدخول الأمريكي بوجود فيتو مزدوج من تركيا، والمعارضة السورية على دخول "الإدارة" في المسار السياسي كطرف ثالث، أو ضمن لوائح وفد المعارضة للمفاوضات، وعليه وخلال عامي 2017 -2018 توجهت "الإدارة" للوصول إلى التفاوض مع النظام عبر الوساطة الروسية في "قاعدة حميميم"، إلا أن معظم جولات التفاوض بين الطرفين باءت بالفشل.([3])

ومع بداية عام  2018 شهدت منطقة عفرين بدء العملية التركية " غصن الزيتون" والتي أدّت لإنهاء وجود الإدارة الذاتية فيها، وهو ما شكّل نقطة تحوّل في العلاقة الكُردية البينيّة؛ حيث هاجمت "الإدارة الذاتية وأحزابها" المجلس الوطني الكُردي؛ كونه أحد مكونات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي دعم العملية، وفي عام 2019 مع "الانسحاب الأمريكي "الجزئي المفاجئ"، وبدء عملية " نبع السلام " وسيطرة تركيا على المنطقة  الممتدّة من مدينة رأس العين إلى تل أبيض شمالاً، وجنوباً وصولاً إلى الطريق الدولي، M4، بدى جلياً التغيُر في المواقف، والتصريحات الكُردية البينيّة خلال هذه العملية غايرت شاكلتها خلال " غصن الزيتون"، لتكون من جهة قيادة " قسد" مطالبة بإنهاء حالة الانقسام الكُردي، ومن جهة المجلس مطالبة بتوافقٍ يُنهي سلطة الحزب الواحد على مفاصل "الإدارة الذاتية"، ويفتح المجال لتشارُك السلطة، مدعوماً برغبة أمريكية غير واضحة المعالم؛ أتت ضمن محاولات واشنطن الحفاظ على ما تبقى من الإدارة الذاتية؛ بصيغة تلبي مطالب تركيا من جهة، وتُطمئن الفواعل المحلية من جهة أخرى.

تطورت الرغبة الأمريكية، والنداءات الكُردية البينيّة لتصل إلى مرحلة البدء بخطوات بناء الثقة أقدم عليه الطرفان، فمن جهتها وبعد نداء قائدها " مظلوم عبدي" بضرورة الكشف عن مصير المختطفين، والمُغيّبين من أنصار المجلس الوطني الكردي قامت " قوات سوريا الديمقراطية" بنشر بيانٍ يتطرق لمصير عشرة أسماء قدّمها المجلس الكُردي، وفي حين أن البيان اتسم بتشتيت المسؤولية حول مصير المختطفين والمغيبين، إلا أن البعض اعتبره بادرةً يمكن البناء عليها، ليتطور الأمر لاحقاً إلى عودة المجلس الكُردي لفتح بعض مكاتبه، بالإضافة لقيام بعض أحزابه بخطوات مماثلة.

"الوحدة الكُردية" مخدر الأزمات

ارتبط ملف التفاوض الكُردي البيني بعوامل ثابتة، وأخرى متغيرة خلال سنوات الصراع السوري، فمن الثوابت التي استمرت منذ تشكّل "الإدارة الذاتية"، كان ما يتعلق بالاصطفاف الداخلي، فالمجلس الكُردي توجه للاتفاق مع الائتلاف الوطني السوري، ودخل ضمن إطاره السياسي، كما حصل على مقاعد ضمن هيئة المفاوضات، واللجنة الدستورية، تحت مظلّة الائتلاف، بينما الإدارة الذاتية وإن حاولت أن تبقي على سياسة الطرف الثالث ضمن المشهد السوري، إلا أنها لم تنجح في تحقيقها بدرجة صلبة سليمة، فهي من جهة ضمن إطار " منصّة القاهرة لبعض قوى المعارضة"، ومن جهة أخرى تتجه لتفاوض دمشق، وموسكو منفردة، في وقتٍ تحاول الحفاظ  على ما تبقيه واشنطن من علاقة معها. ويمكن إضافة الموقف الثابت من النظام من أيّة عملية تفاوض، وتوجهه لإبقائها ضمن حدود عودة الطرف الآخر "لحضن الوطن"، والتنازل عن كُل، أو معظم ما اكتسبه خلال سنوات الصراع من أُطر لامركزية، أو قوات عسكرية وأمنية، وهو ما أبقى على نتيجة كافة المفاوضات بين الإدارة الذاتية، والنظام ضمن نطاق محادثاتٍ أولية، دون أن تتقدم للبحث في تفاصيلٍ مُعمّقةٍ، أو اتفاقاتٍ على خطوطٍ عريضةٍ، أو ضيقةٍ حول مصير الإدارة الذاتية.

أما بعض المتغيرات التي حصلت، فمنها انسحاب واشنطن "الجزئي" من المنطقة، ولاحقاً العودة، والتمركز فيما تبقى من مناطق لم يدخلها النظام أو الروس، ومحاولة إعادة رسم الخريطة الجغرافية العسكرية، بطريقة تمنع موسكو من التمدد أكثر في محيط مدينة القامشلي باتجاه الشرق، ومع هذا الغياب الميداني، نشهد تطوراً ملحوظاً في نشاط الولايات المتحدة فيما يخص عملية التفاوض بين المجلس الوطني الكُردي، والإدارة الذاتية، إلا أنه نشاطٌ مبهمٌ، فواشنطن إلى الآن تعطي إشاراتٍ للمجلس بضرورة بقائه ضمن المعارضة السورية، على أنها المكان الطبيعي له ، كما أنها تقوم بدور الوسيط بين المجلس، والإدارة بصورةٍ غير مُعلنة التفاصيل والخطوات، ولم يُقدّم المسؤولون الأمريكيون إلى الآن للطرفين أيّة صيغة للتوافق تستطيع أن توافق بين تخوفات "المجلس"، وطلبات "الإدارة الذاتية"، بالتوازي مع ما يقبل به الجانب التركي، الذي دخل بقوة صلبة أكثر ضمن الجغرافية السورية، سواءً عبر العمليات الثلاث التي استهدفت إنهاء مشروع "الإدارة الذاتية، أو عبر "ملف إدلب" الذي رغم معاناة تركيا فيه من خرق موسكو، ودمشق لاتفاقاتهم، إلا أنه يشهد انخراطاً تركياً متزايداً، سيمنح تركيا في حال استمراره كلمةً أقوى في مستقبل سورية السياسي، لذا سيكون من الصعب التوصل لصيغة توافقٍ ثنائية في ظل انخراطٍ، وتواجدٍ تركي أكبر ضمن الجغرافية السورية، إلا في حالة تقديم واشنطن صيغة حلٍ تؤدي في النهاية لإحداث تغييراتٍ شاملة ضمن المنظومة الحاكمة شمال شرق الفرات.

تُشكّل هذه العوامل نقاطاً مهمة ضمن عملية التفاوض الكُردية البينية، فالمجلس الكُردي لا يمتلك رفاهية البقاء ضمن المعارضة السورية، والوصول مع "الإدارة الذاتية" لاتفاقية لم يُدرك المجلس إلى الآن مصيره ضمنها، مع وجود هواجس لديه من أن تؤدي أيّة خطوة تَوافق مع "الإدارة الذاتية" إلى ابتلاعه بهيكله السياسي وقواه الشعبية، كما أن النظام من جهته_ وفي الفترة الأخيرة_ أشار بأصابعه إلى عدم تمثيل "الإدارة الذاتية" لجميع الكُرد، وركّز على ضرورة أن يتوحّد الكُرد، في مطالبهم، ووفدهم المستقبلي، ولا يغيب عن هذا المشهد العامل التركي؛ المتمثل برفضه لبقاء أيّة سلطة نوعية "لحزب الاتحاد الديمقراطي" ضمن منظومة حكم شمال شرق سورية، إلا في حالة وصول الولايات المتحدة في جهودها لحلٍ يرضي الأطراف جميعها، وتطور موقف رأس النظام مؤخراً لينفي وجود قضيةٍ كردية في سورية، لا بل وضع مطالب "الكُرد بالحكم الذاتي" في خانة أطروحات تبناها الانفصاليون، وبالأخص المجموعات التي وصفها بانها نزحت لسورية من تركيا خلال القرن الماضي. وحول القضية الكُردية في سورية قال الأسد" ما تسمى القضية الكردية هي عبارة عن عنوان غير صحيح، عبارة عن عنوان وهمي كاذب"، هذا التصريح جاء كإشارة لانهيار محاولة التفاوض بين النظام والإدارة الذاتية، إلا أن الإدارة لاتزال تحاول الإبقاء على بعض الخطوط مفتوحة، وهو ما يمكن ملاحظته من تصريح إلهام أحمد، رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية، في ردها على الأسد حيث قالت "تصريحات الرئيس السوري لا تخدم وحدة الأراضي السورية، ولا تخدم الحوار السوري الداخلي".

يُعتبر شعار "الوحدة الكُردية" من أكثر الشعارات المستخدمة شعبياً، فمعظم بيانات حالات الانشقاق الكثيرة؛ التي أصابت الأحزاب الكُردية خلال مدة تزيد عن خمسين، عاماً، بدأت بالدعوة لوحدة الصف الكُردي، أما في مرحلة ما بعد الثورة، فتلازمت الدعوة لوحدة الصف الكُردي عادةً مع التهديدات الخارجية، من احتمال انهيار النظام في مرحلة ما بين عامي 2012-2014، أو في تنامي خطر "تنظيم الدولة " عام2015، ومن إمكانية إنهاء الآمال لأي مشروع بغالبية كُردية في شمال سورية في مرحلة عام2018 وما بعدها.

تشبه الدعوة الجديدة للوصول لاتفاق كردي بيني سابقاتها، إلا أن المُتغير الأهم هذه المرة يكمن في " الشخصية الجدلية لقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي". مظلوم عبدي، أو مظلوم كوباني، الذي بقي بعيداً عن الشاشات لسنواتٍ عدّة، مثل معظم الكوادر الكُردية سواءً ذات الهوية السورية أو التركية، ممن قَدِمُوا ضمن بعثات "حزب العمال الكُردستاني" منذ العام 2012، في محاولة الحزب تشكيل كيانٍ لتطبيق نظرية "الأمة الديمقراطية على بقعة جغرافية".

المُتغير في حالة "مظلوم" أنه يحاول محاولةً هي الأولى من نوعها ضمن المنظومة الحاكمة لشمال شرق سورية، وهي التبرئة من إرث (الإدارة الذاتية، ووحدات حماية الشعب)، وبقية الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لها، فيما يخص الاتفاق الكردي-الكردي، وفصل "قسد" بمرحلة ما بعد 2015 عمّا  قبلها، والعمل على تكوين شخصية عسكرية " تحاول خلق حيادٍ للجهة العسكرية المسيطرة"، عن الأطراف السياسية المتنازعة، ولا يخفى دور الولايات المتحدة الامريكية في رسم وتقوية هذه الشخصية العسكرية، عبر ملازمة مسؤولي الملف السوري لمظلوم في الداخل، ونقل مواقفه لبقية الأطراف الكُردية والإقليمية، كما تجنّب "مظلوم" نفسه خلال عملية " نبع السلام"، القيام برفع سقف تهديدات المواجهة، بل قدّم خلالها، وبعد انتهاء العملية دعواتٍ عدّة للتفاوض؛ سواءً مع المجلس الوطني الكُردي، أو حتى تركيا، التي من جهتها لم تُقلِّل من سقف سواءً تهديدها بالاستمرار بعملياتٍ عسكرية مستقبلية، أو رفضها لأيّة محاولات لإعطاء مقعدٍ "للإدارة الذاتية"، وقواتها ضمن الأطر التفاوضية المتمثلة بعملية جنيف وأستانا، والقوى السياسية المنخرطة فيها من هيئة التفاوض ومنصاتها، أو اللجنة الدستورية ومرشحيها.

بين حالة الأزمة التي تدفع بالأطراف الكردية لدعوات الحوار، وبين وجود متغيّرٍ جديد يتمثل في دفع واشنطن سواءً لشخص "مظلوم عبدي"، أو الأطراف السياسية للتقارب، تظهر كافة المعوّقات القديمة التي أدّت لانهيار اتفاقات الأطراف الكُردية.

 إرثٌ قديم وتحديات مستقبلية

يستمر موضوع الارتباطات سواءً الإقليمية، أو المحلية بإلقاء ظلاله على أي اتفاق تصل له الأطراف الكُردية، أما في الوضع الحالي فيتم تلمّس انخراط مباشر من الولايات المتحدة، وهو ما يمكن أن يقلل لدرجة معينة من تأثير التيارات الكُردية الإقليمية على صيغ التوافق بين الطرفين، إلا أن مطالبات "المجلس" بالعودة للاتفاقيات السابقة بين الطرفين، في ظل رغبة " قسد" بشكلٍ أساسي البدئ بعملية تفاوض جديدة، سيُلقي بظلاله على تطور المحادثات بينهم. في مجمل الاتفاقيات السابقة بين الطرفين لم يكن العامل "الأيديولوجي" هو المانع الرئيس لوصول الأطراف الكُردية لتطبيق الاتفاق، بل كانت آليات التطبيق، وانعدام وجود طرفٍ ضامنٍ ضاغط كالولايات المتحدة الأمريكية، هو أحد أهم المسبّبات في فشل تطبيق المتفق عليه، وهنا لا يمكن تجاهل الدور الذي لعبه "إقليم كُردستان" في أن يكون المُيسّر والضاغط على الأطراف جميعها للوصول وتطبيق الصيغ المتفق عليها. إلا أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" بشكلٍ رئيس كان يرفض أي تشارُكية حقيقية للسلطة، ولا يمكن حساب درجة تحسن حالة قبول "حزب الاتحاد" للتخلص من هذه الإشكالية إلا عبر الوصول للاتفاق ومشاهدة مستقبله.

ومع تغير الوقائع على الأرض بشكلٍ كبيرٍ، منذ آخر صيغة للاتفاق بين الطرفين عام 2015 في "اتفاقية دهوك"، إلا أن النقاط الخلافية التي أدّت لإنهاء الاتفاقيات قبل البدء في تطبيقها لاتزال مستمرة وهي:

  • الشكل المستقبلي للقوات العسكرية في المنطقة: فسابقاً كانت "وحدات حماية الشعب"، ومصيرها أحد أهم بنود الخلاف. واليوم يظهر أن " قسد "، ومن خلفها واشنطن يغلقان الأبواب أمام نقاش مصير القوات العسكرية في المنطقة، عبر لعبهم دور المُيسّر للحوار وأحد الضامنين له.
  • الخلافات التنظيمية داخل "المجلس الوطني الكُردي": كانت سبباً معوّقاً هاماً في السير ببنود الاتفاقات وتطبيقها، "فالمجلس" كان مُشكّلاً من عدد كبير من الأحزاب، والعديد من الأحزاب ضمن "المجلس" لا تمتلك الكادر الذي يغطي هيكلية التنظيم في بضعة مدن، وأحياناً في مدينة واحدة. وأثَّرّ على هذه الهياكل الحزبية أيضاً العصبية الحزبية، والمُزاحمة الشخصية على الحصص. ومنذ عام2015 إلى الآن، زادت انشقاقات بعض أحزاب المجلس، وحركاته الشبابية أكثر.
  • هذا الواقع الهش لأحزاب "المجلس" كان يقابله حركية مستمرة وقوية، وقدرة متقدمة في تحشيد الأنصار من قبل "حزب الاتحاد الديمقراطي" وتنظيماته، وفي حين أن هذه الحركية كانت إيجابية من الناحية النظرية؛ إلا أنها كانت سلبية من ناحية قيام "حزب الاتحاد الديمقراطي" بحرق الخطوات اتجاه تثبيت مشروعه بشكلٍ أحادي، بالتحالف مع أحزاب أخرى تفتقر للقاعدة الشعبية.
  • عملية التفاوض والجهة المفاوضة: سيكون التفاوض مع النظام، أو الدخول إلى أحد أجسام المعارضة ككتلة جديدة أحد العوائق الهامة في أيّة عملية تفاوضية كُردية بينية، كون تفاوض "المجلس" مع "الإدارة الذاتية"، والوصول لاتفاق يعني بالمقابل إعادة التفكير في موقع "المجلس الكُردي" ضمن أُطر المعارضة، كما أنه يمكن تَوقُّع توجه الأحزاب الكُردية لمفاوضة النظام مباشرة بعد الاتفاق، للحصول على مكاسب سياسية وإدارية، وهو ما يمكن أن يصطدم بعملية التفاوض الجارية بين النظام، والمعارضة ضمن الرعاية الروسية –التركية، وفي أفضل السيناريوهات يمكن توقع أن يتفق لاحقاً النظام، والمعارضة على شكلٍ من أشكال "الحكم المحلي"، يوافق ما تم الاتفاق عليه بين النظام، والأحزاب، والمجالس الكُردية.
  • تباين الموقفين الروسي والأمريكي: فروسيا من جهتها تحاول كسر احتكار "المجلس الوطني الكُردي" لملف تمثيل الكُرد في المحافل الدولية، والوصول إلى صيغة للتوافق بين الأطراف الكُردية والنظام، بحيث تصل لمرحلة يتم إنهاء دور المجلس الكُردي ضمن الائتلاف، واللجنة الدستورية، وهو ما يعني خسارة الائتلاف، واللجنة الدستورية من جهتهم لطرفٍ سياسي يمتلك شعبية تمثيلية على الأرض. من جهتها لم تقم الولايات المتحدة الامريكية إلى الآن بتقديم أيّة وعودٍ حقيقية للأطراف الكُردية؛ سوى دعوتهم للحوار والاتفاق، إلا أن هذه الدعوة يرافقها تأكيدٌ مستمرٌ من قبل واشنطن للمجلس الوطني الكُردي؛ بأن مكانه الطبيعي هو بين قوى المعارضة السورية، وبهذه الطريقة تدفع واشنطن بالمجلس الكُردي لحالة من عدم اليقين في عملية اتخاذ القرار النهائي فيما يخص التفاوض مع "الإدارة الذاتية"، وهو الأمر الذي كما ذكرنا سيؤدي لنتائج مصيرية فيما يخص تواجد المجلس ضمن أطر المعارضة.
  • الموقف التركي: تبقى المساحة الهامة ضمن خارطة المواقف الإقليمية للموقف التركي من أيّة عملية تفاوضٍ كُرديةٍ بينية، فأنقرة التي ترى أن "الإدارة الذاتية" أحد المهددات التي تقف على رأس الهرم اتجاه أمنها القومي، لن تتقبل أيّة صيغة اتفاق ترى بأنها ستؤدي لتثبيت سيطرة "حزب الاتحاد الديمقراطي"، وتمكينه على نطاقٍ وطني، كما أن لها تأثيرٌ مباشر على دور الفصائل العسكرية، والجيش الوطني الحر، وهم كانوا رأس الحربة في ثلاثة عملياتٍ عسكرية اتجاه "الإدارة الذاتية"، لذا سيتوقف مصير أيّة عملية تفاوضية على مدى إمكانية إقناع واشنطن لتركيا بجدواها، خصوصاً في ظل انهيار، أو هشاشة اتفاقيات أنقرة-موسكو.
  • تستمر "الإدارة الذاتية " ومجلس سوريا الديمقراطية " بالتفاوض مع نظام دمشق بشكلٍ منفرد، وصدرت تصريحات من الشخصية القيادية في "مسد/ مجلس سوريا الديمقراطية"، "إلهام أحمد"، إن دمشق وافقت بوساطة روسية على البدء بمفاوضات سياسية، وإمكانية تشكيل "لجنة عليا" مهمتها مناقشة قانون الإدارة المحلية في سورية، والهيكلية الإدارية للإدارة الذاتية" لشمال شرقي سوريا"، وهذا ما يضع عملية التفاوض مع المجلس الوطني الكُردي كتحصيل حاصل، ففي حال عدم، أو حتى اتفاق الطرفين الكرديين فإن "الإدارة الذاتية" تقوم لوحدها بعملية تفاوضية مستمرة مع النظام في دمشق.

يبقى كيفية الوصول إلى ألياتٍ لتطبيق "صيغة اتفاق"، أحد أصعب العوائق التي تنتظر الأطراف الكُردية، فالاتفاقيات السابقة كانت تنهار دوماً بحكم استخدامها من قبل "الإدارة الذاتية" كأداة مرحلية للحصول على دعمٍ من واشنطن من جهة أولى، أو لتقليل ضغوطات أربيل، والحاضنة الشعبية عليها من جهة ثانية، أو بحكم هشاشة البنية المؤسساتية لدى أحزاب المجلس الوطني الكُردي، وبالنتيجة للمجلس نفسه من جهة ثالثة، ويعترض  محاولة التقارب الأخيرة  عدّة عقبات  مرتبطة بآلية حل الإشكال المتأتي من ملفي الجهاز الأمني، والقضائي في المنطقة.


([1]) تمحورت الجهود الكُردية بداية الثورة حول تشكيل جبهة داخلية تستطيع التفاوض مع دمشق وأطراف المعارضة المشكلة حديثاً حول شكل سوريا المستقبلي، واستطاعت الأحزاب الكُردية أن تبلور مطالب شعبية عامة وكُردية خاصة باستجابة سريعة خلال الفترة الممتدة من 2011- 2012، وبدأت بطرح مقاربات "لأشكال حكم خاصة" تراوحت بين الفدرالية السياسية الموحدة لشمال سورية، وبين الإدارات الذاتية على اختلاف نسب العلاقة بين هذه النماذج المطروحة والمركز في المستقبل، وتوجت هذه الجهود بداية الثورة في شهر نيسان بالتوصل لـ" مبادرة أحزاب الحركة الوطنية الكُردية ".  هذا التوافق الكُردي سرعان ما بدء بالدخول لمفترق طرق، مع تشكيل المجلس الوطني الكُردي نهاية 2011، وسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على المدن والمناطق الكُردية منتصف العام 2012، ليتشكل إطاران كرديان، أحدهما ويتمثل بالمجلس الوطني الكردي يرى نفسه قريباً من اهداف المعارضة السورية، والإطار الثاني ويتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي ومنظوماته، وسلطة الأمر الواقع التي شكلها، ورأى بضرورة النأي بالنفس عن المحاور المباشرة، مع دخوله لاتفاقاتٍ غير معلنة مع النظام حول إدارة المناطق والمجتمعات الكُردية.

([2])  للمزيد حول مسيرة محاولات الاتفاق والتفاهم بين الأطراف الكُردية يمكن العودة للورقة المنشورة لمركز عمران بعنوان" المظلة الكردية المفقودة في سورية.. بين التناحر على السلطة والاتفاقيات الهشة"، والمنشورة بتاريخ 20/03/2019، الرابط: https://bit.ly/2HBEQEJ

([3]) للوقوف على اسباب التعثر راجع: بدر ملا رشيد:" تطورات العلاقة بين الإدارة الذاتية والنظام وروسيا خلال عامي 2016 – 2017"، ورقة بحثية صادرة عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية،22/1/2018، الرابط: https://2u.pw/l0pVq

التصنيف تقدير الموقف

في تصريحه لصحيفة القدس العربي، رأى الباحث في مركز عمران، بدر ملا رشيد، أن المناورات الروسية ـ الإيرانية ـ السورية بالصواريخ غرب نهر الفرات والمتزامنة مع افتتاح معبر القائم بالبوكمال على الحدود بين العراق وسورية. ماهي إلا رسائل لقوات التحالف الدولي ولقوات سوريا الديمقراطية مفادها وجود الإمكانيات العسكرية لدى النظام وحلفائه لتمكين سيطرتهم العسكرية على المنطقة، وهي بمثابة إعلان لـ«قسد» بوجود دول تمتلك من القدرات العسكرية التي لا تمتلكها هي، في حال حدوث أية مواجهة عسكرية.

للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2AFLZ3u

مُلخّصٌ تنفيذيّ

استوجب تدخل التحالف الدولي بقيادة واشنطن في سورية نهاية العام 2014، وتشكيله لقوات سوريا الديمقراطية، إحداث تغييرات في طبيعة " وحدات حماية الشعب " عماد قوات " قسد "، كان أولها الإعلان تشكيل أفواج عسكرية منذ بداية 2017، حيث توجهت الولايات المتحدة لتشكيل قوة عسكرية أكثر انتظاما عسكرياً، تتوافق مع متطلبات التحالف الدولي في محاربة " تنظيم الدولة"، وتلتزم بسياسة واشنطن.

يمكن إعادة التحول في هيكلية " قسد "إلى عدم استقرار مشروع الإدارة الذاتية وذلك لثلاثة أسباب رئيسية؛ أولها؛ عدم انجاز أتفاق حقيقي مع النظام يعترف بموجبه بسيطرة "الإدارة" على شمال شرق سورية؛ وثانيها؛ استمرار التهديد التركي لمشروعها قبل وبعد عملية "غصن الزيتون"؛ والثالث؛ استمرار الغموض فيما يخص بقاء أو رحيل واشنطن من شرق الفرات.

وصل عدد المجالس العسكرية من قبل " قسد " إلى 15 مجلساً عسكرياً، وهو الرقم الذي أعلنته "قيادة قسد" كهدفٍ لها، ويشمل العدد "15" مجالس منبج ودير الزور التي تم تشكيلها عام 2016 بالإضافة لمجلس استثنائي يضم الفصائل المسيحية المنضمة "لقسد"، ويمكن وضع جملة من الأهداف لإعادة الهيكلة  عبر تشكيل المجالس العسكرية وتقسيمها إلى: أهداف أمنية اقليمية كتخفيف سيطرة “وحدات حماية الشعب YPGعلى قوات سوريا الديمقراطية"؛ وأهداف أمنية محلية كإنهاء حالة الفصائلية والمجموعاتية ضمن قسد؛ وتقوية العناصر العربية في مناطقها الأصلية. وأهداف سياسية كالتهيئة للدخول في أي مفاوضات سياسية من موقعٍ أقوى، بالإضافة لأهداف معلنة من قبل قسد تتمثل بتوحيد القرارات الأمنية والعسكرية تحت سقف واحد لتعزيز آلية اتخاذ القرارات.

حدثت عملية تشكيل المجالس العسكرية ضمن "خارطة طريق أمريكية" أوصلت طرفي الحدود " السوري والتركي" بوساطتها إلى اتفاق "الممر الآمن" أو المنطقة الآمنة، وإن كان الموقف التركي من "الإدارة الذاتية وقسد" أهم عقبة في تمكين مشروعها، إلا أنهما يواجهان مجموعة من العقبات الذاتية الداخلية المتعلقة بهيكليتها وتوجهها ومدى القبول الشعبي لها، بالأخص في المناطق العربية الممتدة على حوض الفرات التي شهدت حدوث مظاهرات وتحركات شعبية كثيرة ضد " قسد".

تبقى الأسئلة معلقة حول الصيغة النهائية لعملية تشكيل المجالس العسكرية، وما إذا كانت ستتمتع المجالس بقيادة شخصية، أم بمجلس عسكري أعلى، ويكتنف الغموض مستقبل " وحدات حماية الشعب" فيما إذا كانت ستبقي على كيانها العسكري المستقل، بالتوازي مع كيان " قسد " أم سنشهد عملية انتقال لدوائر صنع القرار من " YPG" إلى المجالس المشكلة حديثاً وقيادتها، وترتبط عملية إعادة الهيكلة ارتباطاً وثيقاً بسيناريوهات التوافقات الأمريكية التركية فيما يخص شمال شرق سورية.

تمهيد

 مرت " وحدات حماية الشعب" خلال الأعوام الممتدة من تموز 2012 حتى آذار 2019 بعدة انعطافات على المستوى البنيوي، أهمها ما حدث بعد معركة عين العرب/ كوباني كانون الأول 2014 وبدء العلاقة المباشرة بين الوحدات والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة والتي دفعت باتجاه تشكيل "قوات سوريا الديمقراطية" في تشرين الأول 2015([1]).  وبالتزامن مع زيادة الدعم المقدم من قبل التحالف الدولي وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية لـ “قسد"، اتجهت الإدارة الذاتية نحو الإعلان عن تشكيل أفواجٍ عسكرية منذ بداية العام 2017، تماهياً مع توجه أمريكي لجعل القوى العسكرية في شمال سورية أقرب لصيغة جيش نظامي، والتجهيز لبقاء نوعي في المنطقة([2]). وبتاريخ 08/02/2017 توجهت وحدات حماية الشعب لإعلان نيتها تشكيل أفواج عسكرية. وتركزت تصريحات المسؤولين في "الإدارة الذاتية وحركة المجتمع الديمقراطي ووحدات حماية الشعب" حول الخطة المعلنة بتشكيل نظام التراتبية العسكرية النظامية([3])، وفي مطلع هذا العام 2019، وضمن هذه التحولات البنيوية أتى تشكيل المجالس العسكرية في "قسد" كامتداد للتوجه الأمريكي وحركيته. ووفقاً لذلك تحاول هذا الورقة رصد السياق العام لتشكيل عدد من المجالس العسكرية ومبرراتها في ضوء التطورات التي تشهدها منطقة شرق الفرات وما تفرضه من سيناريوهات مفتوحة.

مدلولات تغيير الهيكلية العسكرية لـ “قسد"

بدأت "قسد" كتحالف لمجموعة قوات عسكرية عمودها وحدات حماية الشعب، وأغلقت باب الانضمام للفصائل ضمنها، كما قامت بتحجيم العديد من القوات الرئيسية ضمن التحالف أو خارجه كجيش الصناديد، وقوات النخبة، والقوات المسيحية ولواء ثوار الرقة([4]). بالتوازي مع عملية تحجيم الفصائل المؤسسة "لقسد"، يمكن تتبع محاولات للتوجه لتشكيل ألوية منذ 26/03/2018 عبر تشكيل " لواء حماية قامشلو" في 17/02/2018([5])، و"لواء الرقة الأول"([6])، "ولواء ثوار إدلب" في 02/06/2018 والمتشكل من بقايا عناصر" أحرار الزاوية، "وجيش الثوار([7])، ولواء تحرير إدلب وعفرين" بتاريخ 07/06/2018([8])، ولواء الرقة الثاني" في 08/10/2018([9]).

شابت عملية تشكيل الألوية غموضاً فقد تم الإعلان عن بعضها، على شكل ألوية تكون أرضية لقوة عسكرية مستدامة، كما هي الحالة مع "لواء حماية قامشلو"، الذي تضمن إعلانه ميَزاتٍ للمنضمين له كالتسريح من الخدمة العسكرية الإلزامية بعد قضاء مدة سنتين ضمنه، بالإضافة لتقديم راتب، وتأمين صحي له ولعائلته، مع تسهيلات فيما يخص بعدد أيام الإقامة في المعسكرات، من جهة أخرى يظهر من عملية تشكيل ألوية إدلب وعفرين محاولة في توجيه رسائل سياسية وعسكرية للجانب التركي، بالإضافة لتنظيم بقايا القوات التي انسحبت من عفرين إثر عملية " غصن الزيتون"، وليتحول التركيز مع بداية العام 2019 لعملية تشكيل مجالس عسكرية محلية، ورغم ظهور وجود " تصور عام  فيما يخص توحيد هيكلية " قسد " او إعادة هيكليتها ضمن مجالس عسكرية وألوية، إلا إن العملية لم تستقر إلى الآن، وتتواجد ضمن مناطق " سيطرة الإدارة الذاتية" عدة هياكل عسكرية تتطور بشكلٍ مستقل أو متحد، فلم يتم إنهاء عملية إعادة الدمج والهيكلة ضمن " جسم قسد" بفصائله، كما لم يتم توضيح العلاقة الحاكمة بين " قوات الدفاع الذاتي" وبين مجالس "قسد" وألويتها المشكلة حديثاً.

 ويمكن إعادة هذا التحول في الهيكلية وعدم استقرار في البنية العسكرية للإدارة الذاتية إلى الآن لثلاثة أسباب رئيسية: (1) عدم بلورة أي اتفاق مع النظام يعترف بموجبه الأخير بموجبه بسيطرة "قسد" على شمال شرق سورية؛ (2) استمرار التهديد التركي لمشروع الإدارة الذاتية قبل وبعد عملية "غصن الزيتون"؛ (3) استمرار الغموض فيما يخص بقاء أو رحيل واشنطن من شرق الفرات.

ألقت هذه الأسباب بظلالها على عمل مؤسسات الإدارة الذاتية السياسية والعسكرية، فشهدت تغييرات إدارية وعسكرية عدة، منها محاولة التوجه لإعلان الفدرالية والتوقف لاحقاً، وتشكيل مقاطعات متعددة وتم إيقاف المشروع أيضاً، كما حدث تغييرات في الهيئة التنفيذية لشمال شرق سورية، والمقاطعات فيما يخص عدد هيئاتها /وزاراتها. وبتاريخ 17/02/2019 تم إعلان التوجه نحو تغيير الهيكلية العسكرية ضمن اجتماع لـ “قسد" ضم قيادات المناطق والمجالس والمؤسسات العسكرية؛ تم تحديد استراتيجية "القوات" للمرحلة المستقبلية بالآتي: (([10]))

  • القضاء على الخلايا السرية، والنائمة "لتنظيم الدولة" من خلال حملات عسكرية وأمنية دقيقة.
  • مناقشة موقف تركيا من الإدارة، وقوات سوريا الديمقراطية والتأكيد على الانفتاح على الحوار.
  • الإعلان عن قرب عملية إعادة الهيكلة لـ "قسد([11])".

في حزيران 2019؛ بدأت "قسد" بتنفيذ الجزء الخاص بإعادة هيكليتيها من الاستراتيجية المعلنة بداية 2019 من خلال الاعلان عن تشكيل مجالس عسكرية مناطقية، وكانت "قسد" قد شكلت عام 2016 مجلس "مدينة الباب وهو مجلس مُفعل بشكل جزئي، ومجلس جرابلس العسكري وهو غير مفعل"، إلى جانب "مجلس منبج، ودير الزور العسكري “وهي مجالس مفعلة وشاركت بمعظم معارك "قسد" ضد تنظيم الدولة، ليصل تعدادها لـ 15 مع استثناء مجالس الباب، وجرابلس، وإدلب. كما لم يتم توضيح طبيعة بعض المجالس إلى الآن كونها أعلنت على شكل "قطاعات عسكرية" كمجلس قطاع الهول، ورأس العين، ويبقى العدد النهائي وتحديده مرتبط بخطط "قسد" وتطور الأحداث ونجاح العملية في ضوء الاتفاق الأمريكي التركي حول إنشاء المنطقة الآمنة شمال شرق سورية، أما الهدف المعلن وفق قيادة "قسد" فيتمثل بالوصول حالياً إلى تشكيل 15 مجلس، ولمعرفة المجالس المشكلة للآن انظر الخريطة أدناه.

 

في ذات السياق؛ تأتي خطة تشكيل المجالس العسكرية للمناطق والمدن ضمن أحد خطوات التحالف الدولي لتشكيل "جيش لحماية الحدود" مع تركيا والعراق، وهي الخطة التي تم الإعلان عنها في 14/01/2018 ([12])،  إلا أن تأخر السير في العملية ارتبط مع  تأخر سيطرة "قسد" على مدينة الرقة ودير الزور، واكتفت " قسد " آنذاك بتشكيل الأفواج العسكرية تجهيزاً لخطوة الإعلان عن المجالس، وهذا ما يمكن استنتاجه من عدد الأفواج التي شكلتها "قسد" والإدارة الذاتية وتواريخ إعلانها، ففي حين كان عدد الأفواج المعلنة خلال 2017 قد وصل لـ 16 فوجاً، ارتفع هذا العدد من بداية 2018 إلى النصف الثاني من عام 2019 ليصل إلى ما يقارب 76 فوجاً عسكرياً، تم توزيعهم على المجالس العسكرية المشكلة حديثاً، ويضم كل فوج وفق تقارير الإدارة الذاتية ما يقارب 250 مقاتل، أي بمجموع 19000 ألف مقاتل ([13])، وللوقوف على المجالس تاريخ إعلان المجالس العسكرية وقادتها، انظر الجدول أدناه.

المجلس العسكري

التاريخ

القائد

منبج

03/04/2016

محمد أبو عادل

دير الزور

08/12/2016

أحمد الخبيل /أبو خولة، اختير أميراً لعشيرة البكير

تل أبيض

14/06/2019

رياض خميس الخلف

كوباني/ عين العرب

16/06/2019

عصمت شيخ حسن

الطبقة

18/06/2019

محمد الرؤوف

القامشلي

19/06/2019

بلنك قامشلو، اسم حركي

قطاع الهول

19/06/2019

-----

الرقة

20/06/2019

فرحان العسكري

ديريك/ المالكية

06/2019

-----

مجلس منطقة رأس العين

27/06/2019

عماد منو

الحسكة

03/07/2019

حسين سلمو

عامودا

04/07/2019

آمد عامودا، اسم حركي

الشدادي

06/2019

حجي أبو صالح

الهجين

لم يتم الاعلان عنه

تمت الاشارة خلال بمناسبات عسكرية

مجالس استثنائية

الخابور، الحسكة السرياني الآشوري

06/07/2019

حزب "الاتحاد السرياني"(([14]))

مجالس غير مفعلة

الباب العسكري

14/08/2016

جمال ابو جمعة، مفعل بشكل جزئي

جرابلس العسكري

22/08/2016

تم اغتيال قائده فور تشكيله وتوقف

إدلب العسكري

21/10/2017

لا يمتلك أي وجو سوى بيان منفرد

الدوافع السياسية والأمنية وراء التسارع لتشكيل المجالس  

ساهمت استمرارية سيولة المشهد العسكري مع تغير مواقف الدول المتدخلة في الشأن السوري، في عملية تأطير سياسات الفواعل المحلية وأهدافها في المشهد العسكري العام، وأدت إلى انعدام الاستقرار والثبات ضمن بنى العديد من القوى المحلية، ومن ضمن هذه السياسات تظهر عملية تشكيل المجالس العسكرية وفق الخطة المعلنة في 14/01/2018 من طرف الولايات المتحدة فيما يخص تشكيل جيش لحماية الحدود مع تغير في الشكل؛ فالظاهر إن الضغوط التركية أدت إلى إنهاء خطة إعلان جيشٍ بالصيغة المعلنة ليتحول إلى صيغة مجالس عسكرية تقوم بمهام أمنية مناطقية، ويمكن وضع جملة من الأهداف لتشكيل المجالس العسكرية وتقسيمها إلى([15]):

أولاً: أهداف أمنية اقليمية

تتمثل في تخفيف سيطرة “وحدات حماية الشعب YPGعلى قوات سوريا الديمقراطية"؛ والكشف على طبيعة هوية العناصر العسكرية في المنطقة الحدودية؛ بالإضافة إلى بلورة القيادة الفعلية لقوات "قسد"، وإنهاء الحالة الضبابية في هذا الخصوص وتجهيز الأرضية لضم عناصر من " البيشمركة " أو عناصر من فصائل المنطقة المتواجدة في تركيا.

ثانياً: أهداف أمنية محلية

تتمثل في إنهاء حالة الفصائلية ضمن قسد؛ وتثبيت العناصر المقاتلة في مناطقها الاصلية؛ وتقوية العناصر العربية في مناطقها الأصلية؛ إضافة إلى تغيير بنية " قسد " لتكون متوافقة مع انضمام عناصر جديدة، وضبط عملية انضمام العناصر المحلية لـ قسد، خصوصاً من الناحية الأمنية.

ثالثاً: أهداف سياسية

 كالتهيئة للدخول في أي مفاوضات سياسية من "موقعٍ أقوى"، والتوافق البنيوي مع أطروحات اللامركزية المحلية التي تزداد وتيرة الحديث عنها كمدخل للحل في سورية. المتوقع لسورية والمتمثل بلامركزية محلية.

رابعاً: أهداف معلنة من قبل قسد

ويمكن اختصارها في توحيد القرارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار واحد لتعزيز آلية اتخاذ القرارات، وإشراك القياديين المحليين في آليات اتخاذ القرارات، وتقوية العمل المؤسساتي والواقع التنظيمي العسكري ضمن " قسد "، إضافة إلى حماية الحدود والمناطق الأهلية.

تسارعت عملية تشكيل المجالس العسكرية من قبل " قوات سوريا الديمقراطية" خلال شهري تموز وآب، ليصل تعدادها إلى 12 مجلس عسكري مقسم وفق المناطق والمدن، بالإضافة إلى 4 مجالس مشكلة خلال العام 2016، وترافقت السرعة التي تم بها إنشاء المجالس العسكرية مع الزيارات المكوكية لمسؤولين رفيعي المستوى من الجيش الأمريكي والتحالف الدولي سواءً إلى شرق الفرات أو إلى تركيا، للعب دور الوسيط بين الطرفين وللوصول إلى صيغة توافق حول المنطقة الآمنة المصرح بها من قبل الرئيس الأمريكي، وتنوعت الوفود القادمة إلى شرق الفرات خصوصاً إلى ثلاثة أنواع:

  1. وفود دولية أمنية: وتتعلق زياراتها بالوقوف بشكلٍ مباشر على أوضاع عدد من مواطنيهم المنتمين لتنظيم الدولة، وركزت هذه الوفود على كيفية إعادة أطفال تلك العوائل بشكلٍ خاص.
  2. وفود دولية للتواصل المباشر مع الإدارة الذاتية فيما يخص كيفية تمكين المجتمعات المحلية وتحقيق الاستقرار وتنمية البنية التحتية وما يتعلق بها من مسارات.
  3. وفود سياسية دبلوماسية، وهذه تتمثل بشكلٍ أساسي بزيارات وفود الولايات المتحدة الأمريكية والفرنسية، والسعودية والتي تكون عادةً بشخصية وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان بزيارته لمجلس دير الزور المدني في 13 حزيران الماضي([16])، ولاحقاً لمجالس الرقة ومنبج المدنية، وأتت زيارة السبهان بشكلٍ خاص في اتجاه طمأنة المجالس المدنية العربية، وتقديم الوعود لها بفتح المجال أمامها وامام وجهاء العشائر للعودة لممارسة دورهم السياسي والاجتماعي بعد زوال تنظيم الدولة([17])، خصوصاً بعد ما شهدته مناطق سيطرة " قسد " في محافظة دير الزور عسكرياً ومدنياً من عدة مظاهرات ضد إدارة "قسد " للمنطقة.

من جهة أخرى؛ ساهم اتفاق الممر الآمن في زيادة وتيرة التسارع باتجاه هذا التشكيل([18]حيث تكللت الزيارات المتواترة من قبل ممثلي واشنطن والتحالف بين الطرفين بالوصول إلى اتفاق إنشاء "الممر الآمن" في شمال شرق سورية بين أنقرة وواشنطن في 07/07/2019، شملت عدة بنود دفعت " قسد" باتجاه تسريع إعادة الهيكلة وتنظيمها([19]).

المجالس العسكرية كخطوة في خارطة حل أمريكي

يأتي اتفاق تشكيل المجالس العسكرية ضمن خارطة طريق أمريكية أوصلت طرفي الحدود " السوري والتركي" بوساطتها إلى اتفاق "الممر الآمن" أو المنطقة الآمنة وهو نتيجة عمل الولايات المتحدة على عدة اصعدة دبلوماسية دولية واقليمية ومحلية في محاولة للوصول إلى صيغة حل، وجاءت هذه المحاولات عُقب تغريدة "ترامب" حول اعطائه القرار بسحب قوات بلاده من شرق الفرات وسورية بعد هزيمة تنظيم الدولة، فعلى الصعيد الدولي عملت واشنطن من خلال ثلاثة مسارات رئيسية:

تمثل الأول في محاولات كسب الحلفاء الأوروبيين ضمن القوات المتبقية في سورية، ويبدو أن واشنطن حصلت على تأكيد من فرنسا والمملكة المتحدة إلى جانب محاولات بعض الدول لتجنب إرسال قوات برية والبحث عن طرقٍ أخرى لدعم مهام التحالف مثل "هولندا".

يتمثل المسار الثاني في الاستمرار بخنق النظام السوري اقتصادياً من طرف المجتمع الدولي، عبر منعه من إقناع الأطراف الدولية بالدخول لعملية إعادة الأعمار، وإدامة الحصار الاقتصادي عليه. أما الثالث فهو تحذير الدول الأوروبية من عدم استعادة مواطنيها الذين قاتلوا مع تنظيم الدولة.

أما على الصعيد المحلي: نشطت الولايات المتحدة على مسارين رئيسين الأول؛ هو الوصول لصيغة توافقية مع حليفتها تركيا حول مصير الإدارة الذاتية، عبر إنشاء "الممر الآمن"، ( ويمكن اعتبارها منطقة عازلة على المدى القصير والمتوسط)، والتي ترغب تركيا في الحصول على دورٍ رئيسي ومحوري، وعلى تواجدٍ فيزيائي قوي فيها عبر جنودها وقواتٍ من المعارضة السورية المتحالفة معها، على حساب إنهاء وجود وحدات حماية الشعب بدايةً على الحدود ولاحقاً من المشهد العسكري كاملاً، بينما تطالب قوات سوريا الديمقراطية بعصبها "وحدات حماية الشعب" بالمحافظة على سيطرتها الكاملة ضمن هيكلية أكثر تنظيماً مع قبولٍ لعودة النازحين إلى تركيا من مناطق سيطرتها في تل أبيض والرقة ودير الزور،

المسار الإقليمي الثاني والذي عملت عليه الولايات المتحدة هو تقوية الدورين السعودي والإماراتي في منطقة شرق الفرات في ثلاثة اتجاهات: الأول هو ضخ الأموال في مشاريع إعادة الإعمار وتقديم الخدمات لكسب ولاء العديد من الأطراف، والثاني هو لعب دور داعم العشائر السورية، والثالث تنظيم دور العشائر في مشروع مقاومة وحد النفوذ الإيراني في شرق سورية عموماً ومنطقة دير الزور خصوصا.

أما خطوات المسار المحلي، فتسير فيه الولايات المتحدة بعدة اتجاهات رئيسية: الاتجاه الأول هو تمكين السيطرة الأمنية للإدارة الذاتية عبر ضبط السجون التي تحوي المئات من عناصر تنظيم الدولة، وفي المجال الأمني أيضاً يقوم التحالف بعمليات إنزال مستمرة تستهدف خلايا التنظيم المتبقية في جنوب مدينة الحسكة وصولاً إلى دير الزور، وعسكرياً وهو الأهم فيتم عبر قيام التحالف بعملية إعادة هيكلة " قسد " عبر تشكيل مجالس عسكرية مناطقية.

أما الاتجاه الثاني محلياً فيتمثل في رفع مستوى مقبولية مشروع الإدارة الذاتية لدى المجتمعات المحلية، خصوصاً العربية منها عبر إعادة هيكلة الإدارة الذاتية وتشكيل إدارات لمناطق الرقة ودير الزور، وجاء اجتماع العشائر الذي عقدته "قسد" في عين عيسى على رأس هذه الخطوات بالإضافة لكونها رسالة للنظام وروسيا بغلق باب العودة للمنطقة عبر العشائر أمامهم، كما إن زيارات السبهان أتت لإعطاء هذه المحاولة في كسب العشائر طابعاً من الشرعية العربية المتمثلة بالمملكة السعودية، بالإضافة لأسباب الضبط المحلي ومواجهة محاولات تغلغل إيران، وفي هذه الاتجاه تبرز محاولات " قسد " في محاباة العشائر، وتمييز مناطقها في قانون الدفاع الذاتية ( العسكرية الإلزامية) الذي عدلته مؤخراً، ليبقى نافذاً على ولادات عام 1986 في منطقة الجزيرة وكوباني، ويرتفع لمواليد 1990 في مناطق أخرى خصوصاً من الرقة ودير الزور.

الاتجاه الثالث محلياً يكمن في دفع وتشجيع أطراف عدة للعمل على ملف الحوار الكُردي – الكُردي، عبر عدة وسائل أبرزها؛ محاولات بعض منظمات المجتمع المدني الكُردي لتقريب وجهات الطرفين الكُرديين، وتذليل العقبات وحصر المطالب في التشارك بالصيغة الحالية للإدارة الذاتية والعمل على تطويرها لاحقاً، والوسيلة الأخرى تكمن فيما يسمى مشروع الحوار الكُردي -الكُردي المُهندس فرنسياً، وهو عبارة عن لقاءٍ وحيد بين الطرفين الكرديين اكتنفه واكتنف التوجه الفرنسي الغموض والبطء، دون أن يفضي إلى أية نتيجة عملية([20]).

العقبات والمآلات المتوقعة

تواجه " قسد" مجموعة من العقبات المتعلقة بهيكليتها وتوجهها ومدى القبول الشعبي لها، بالأخص في المناطق العربية، الممتدة على حوض الفرات، فشهدت مدن الطبقة والرقة وريف دير الزور الشرقي مظاهرات وتحركات شعبية كثيرة ضد "قسد"، وتأتي دير الزور في مقدمة المناطق التي لم تستطع إلى الآن " قسد " ضبط الأوضاع الأمنية والعسكرية والإدارية فيها،  كتلك التي حدثت بعد فترة وجيزة من اطلاق حملة "عاصفة الجزيرة" للسيطرة على دير الزور حيث تم بتاريخ 01/10/2017، اعتقال قيادي بارز ضمن صفوف المجلس وهو " ياسر الدحلة" قائد كتيبة البكارة، وآنذاك عزا رئيس المجلس المعروف باسم "أبو خولة ابن قبيلة العكيدات" سبب الاعتقال إلى "ارتكابه مخالفات عسكرية وتجاوزات بحق المدنيين، وكان الدحلة قد قاتل في حركة أحرار الشام الإسلامية، ومن ثم قاتل في الرقة إلى جانب قوات النخبة التابعة لأحمد الجربا، وغادرها فيما بعد إلى المجلس العسكري([21]).

وواجه مجلس الدير آنذاك احتمالية الانهيار بعد انسحاب عناصر الدحلة من 10 نقاط عسكرية في ريف دير الزور الشمال الشرقي، مطالبين بالكشف عن مصير قائدهم، وتم حل المشكلة بعد إطلاق سراح الدحلة([22])، وبتاريخ 08/11/2019 عُقب هذه الحادثة استقال " قائد مجلس دير الزور العسكري (أبو خولة) من منصبه نتيجة فشل قواته في صد هجوم شرس لتنظيم الدولة أواخر الشهر السابق له، وكان الهجوم الأكثر "فظاعة" بحق قوات " قسد " في دير الزور بحسب رواية مقاتلين، حيث أدت لخسارة ما يقارب 100 قتيل من عناصرهم بالإضافة لجرح أعدادٍ أكبر وتراجع أبو خولة عن استقالته التي لم تأخذ صداً نتيجة عودته عنها([23]).

ولا تعتبر المشاكل العسكرية بداية حملة عاصفة الجزيرة إحدى العناصر الداخلية المهددة لاستقرار "قسد" في المنطقة فحسب، فقد شهدت شرق الفرات أحداثاً أخرى تتعلق بالنفط والسيطرة العشائرية عليه، مثل الحادثة التي وقعت بتاريخ 11/12/2018، من قيام مسلحين محليين بالسيطرة على آبار العزبة النفطية بالقرب من المنطقة الصناعية بعد مواجهات مع عناصر قسد، وجاء هذا النزاع كذروة التنافس للسيطرة على حقول دير الزور، وخلال هذه الحادثة في 11 كانون الأول هاجمت مجموعة من رجال عشائر بلدة خشام (بينهم "هويدي الضبع" الملقب بـ"جوجو" أحد المنتسبين لـ"قسد") عناصر حراسة آبار نفط عزبة، وسيطرت على أغلب آبار المنطقة القريبة من معمل كونيكو للغاز في حقل الطابية، ودامت الاشتباكات المحدودة لساعات في محيط آبار العزبة، وبعد تحصن المسلحين الموالين لـ “قسد" والمنحدرين من عشيرة البكير داخل آبار العزبة، جرت مفاوضات أفضت إلى تسليم الحقل "قسد"، وأفضت المفاوضات إلى اتفاق بين رجال عشائر بلدة خشام وقيادات في "قسد"، وجرت برعاية "التحالف الدولي"، وتم حل الخلاف عن طريق تحديد نسبة معينة يحصل عليها رجال عشائر "خشام"، لوقف الاحتجاجات والمواجهات. وخصصت "قسد" ألف برميل نفط يومياً لأهالي البلدة من آبار منطقتهم، كي يتاجروا بها، في حين تبقى الحقول الكبيرة بعيدة المنال بسبب انتشار قوات "التحالف" فيها، وكانت معظم المجموعات العشائرية قد انضمت إلى قسد بشكل كتل موحدة مما أدى إلى تشكيلها لقوة مستقلة داخل المجلس العسكري([24]).

عموماً: لا تزال الأسئلة المتعلقة بالصيغة النهائية لعملية تشكيل مجالس المدن العسكرية من أهم عقبات تشكيلها، وما إذا كانت ستتمتع بقيادة شخصية، أم بمجلس عسكري يمثل المناطق، كما لايزال مستقبل " وحدات حماية الشعب" غير  واضحاً فيما إذا كانت ستبقي الوحدات على كيانها العسكري المستقل بالتوازي مع كيان " قوات سوريا الديمقراطية"، أم سنشهد عملية انتقال لدوائر صنع القرار من " YPG" إلى المجالس المشكلة حديثاً وقيادتها.

ترتبط عملية تشكيل المجالس العسكرية من قبل " قوات سوريا الديمقراطية" والشكل النهائي لعملية إعادة الهيكلة المعلنة، ارتباطاً وثيقاً بسيناريوهات التوافقات الأمريكية التركية فيما يخص شمال شرق سورية، وهذه السيناريوهات إلى الآن تتجلى في اتجاهين رئيسيين:

السيناريو الأول: نجاح الاتفاق التركي الأمريكي حول " الممر الآمن": وفي هذه الحالة سنكون أمام اتفاق مشابه لاتفاق منبج من حيث منع عملية عسكرية تركية، لكن مع جوانب تنفيذية أقوى وأسرع، كجولات تركية داخل الحدود السورية الشمالية، وقد يتطور الأمر لاحقاً ليشمل حضوراً عسكرياً منفرداً أو مع فصائل من المعارضة المتحالفة مع تركيا في بعض النقاط على اختلاف عمقها بين 5 و15 كم، وطولها بين 80 كم أولى تفصل مدينتي رأس العين، ومدينة تل أبيض، وقابل للتطبيق في مناطق حدودية أخرى في حال نجاحه. وفي هذا السيناريو ستشهد عملية إعادة البناء عدة استعصاءات بحكم تنامي شرط تغيير بوصلة إعادة هيكلة بنية الإدارة الذاتية ككل.

السيناريو الثاني: في حال انهيار اتفاق " الممر الآمن": فمن المتوقع حدوث استهداف تركي مكثف لنقاط انتشار المجالس العسكرية وقوات سوريا الديمقراطية، مع عمليات عسكرية متغايرة العمق والطول، وأكثر المناطق ترجيحاً ضمن لائحة الأهداف العسكرية هي الخط الواصل بين " رأس العين وتل أبيض"، ومناطق متوزعة بين مدينة تل أبيض إلى كوباني غرباً، وقد يتطور لاحقاً إلى استهداف نقاط على بين الحدود السورية مع كردستان العراق في المثلث الحدودي، وتبقى المنطقة الخاصة بالمثلث الحدودي بعيدة في المنظور القريب، إلا إذا اتجهت تركيا لاستخدام كافة أدواتها المتاحة في مواجهة التحالف الدولي.

وفي هذا السياق يبدو أن وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية سيستمران في التقدم بخطوات بطيئة اتجاه الالتزام بإعادة هيكلة " كامل القوى العسكرية في المنطقة" بصورة تمكن الولايات المتحدة من تقديمها على أنها قوى محلية بمهام محددة، لا تمتلك أي أهدافٍ خارج الحدود السورية.

خاتمة

يمكن إعادة التوجه الأمريكي لتغيير بنية وحدات حماية الشعب إلى بدايتين الأولى: مع تدخلها المباشر في سورية أواخر العام 2015، وما تبع التدخل من معارك لمواجهة تنظيم الدولة في البلدات والمدن العربية، والثاني استمرار الضغط والتهديد التركي بالقيام بعمليات عسكرية قبل وبعد " غصن الزيتون" في عفرين، ورافق هذا التوجه الأمريكي محاولات مستمرة من قبل وحدات حماية الشعب بالحفاظ على هيكليتها الأولى، كون أي تغييرٍ تنظيمي سيقلل من سيطرتها مع ارتفاع نسبة المقاتلين العرب ضمن "قسد"، كما إنه سيقلل بالدرجة الأهم بالنسبة للوحدات ولحزب العمال الكُردستاني نسبة سيطرة الأخير على مكامن القرار ضمن الوحدات نفسها.

دفعت جملة من الأهداف المحلية والاقليمية واشنطن للإيعاز لقوات سوريا الديمقراطية بتشكيل مجالس عسكرية خاصة بالمدن، تكون معروفة الهوية والقيادة، والمهام، بما يؤدي بشكلٍ رئيسي إلى إنجاح اي صيغة توافق مع تركيا، وهذا الأمر ظهر من السرعة التي اقدمت عليها الوحدات في تشكيل المجالس العسكرية فخلال ما يقارب الشهر شكلت "وحدات حماية الشعب وقسد" حوالي 10 مجالس عسكرية، كما إنها أعطت رسائل متكررة ومشددة على التزامها بأمن الحدود مع تركيا، بشرط عدم تهديد الأخيرة لمشروعهم، وهو شرطٌ لا يبدو أن الجانب التركي إلى الآن مستعداً لقبوله إلا في حال استمر الفيتو الأمريكي لقيام أنقرة بعملياتٍ عسكرية، وضمن هذا المشهد شهدت مناطق سيطرة "قسد" والإدارة الذاتية سابقاً وفي الآونة الأخيرة مشاكل عسكرية ومدنية عدة كان أبرزها ما يحدث في دير الزور من رفضٍ عشائري للسيطرة الكاملة "للعنصر الكُردي"، بالإضافة للمشاكل العشائرية البينية، والتي تلقي بظلالها على عمل مجلسي دير الزور العسكري والمدني، وتحاول واشنطن إلى الآن وعبر المملكة العربية السعودية الحفاظ على المكتسبات العسكرية في المناطق العربية ضمن سيطرة الإدارة الذاتية عبر تقديم الدعم الإنساني والمادي لمجالسها، وإعطاء وعودٍ مستمرة بتقوية دور رؤساء العشائر، الأمر الذي من الممكن أن ينجح في حال نجح مشروع " الممر الآمن " ككل.

كل ذلك يعزز من افتراض أن عملية الهيكلة تلك لا تزال خاضعة لبوصلات سياسية متبدلة، ولا تزال أسيرة اتجاهين: الأول إنجاز إطار جديد تعيد من خلال YPG تموضعها المركزي بأدوات جديدة، أو التعثر بحكم المقاومة التي ستبديها "قسد" حيال أي تغيير جوهري في بنيتها ووظيفتها؛ لذلك ووفقاً لأعلاه لا تزال العملية -وإن امتلك مبرراتها الذاتية وفقاً للتصريحات- بمثابة الأداة السياسية للتماهي مع التطورات السياسية والأمنية خاصة مع احتماليتي تعثر اتفاق المنطقة الآمنة أو استمراره.


 

([1]) وكان لقائد القوات الخاصة في الجيش الأمريكي في تموز 2016، الجنرال "رايموند ثوماس " تصريح آنذاك خلال حديثه في معهد "اسبن" في ولاية كولورادو، حول تشكيل " قسد"، أنهم "طلبوا من وحدات حماية الشعب تغيير اسمها، وهو ما حصل". وأوضح الجنرال بأن هذا الطلب كان نتيجة الضغط التركي على حليفهم (الولايات المتحدة).

([2])  وهذا التوجه تبلور في دراسة مالية أصدرتها وزارة الدفاع الأمريكية حيث أشارت الدراسة في الجزء المتعلق بسورية إلى أن أعداد أفراد مجموع القوات المحلية في سورية يبلغ نحو 25 ألف مقاتل، مع توقع التحاق 5 آلاف مقاتل إضافيين في بداية 2018 يتبعون بشكل مباشر لواشنطن، وتمدهم بالرواتب والتسليح والمؤونة، وخصصت الميزانية مبلغاً يقارب 300 مليون عام 2017، ونحو 400 مليون دولار في العام 2018".

([3]) صرح "مدير مكتب العلاقات العامة لوحدات حماية الشعب YPG " الدكتور صلاح جميل بضرورة "إنشاء قوة عسكرية أكثر نظامية واحترافية مع خوض وحدات الحماية للعديد من المعارك خلال 6 أعوام"، الأمر الذي منحها الخبرة الكافية للسير على خطى الجيوش النظامية. ومن المفترض أن يشرف عناصر متقدمة من الوحدات نفسها على تدريب عناصر الأفواج.

([4]) "قسد" تحاصر مقرات "لواء ثوار الرقة" والأخير يناشد الأهالي، المصدر: قناة سوريا، التاريخ: 24/06/2018، الرابط: https://bit.ly/2lHFUiq

([5]) هام: تشكيل لواء جديد باسم “لواء قامشلو “، المصدر: فدنك نيوز، التاريخ: 17/02/2018، الرابط: https://bit.ly/2lSxkxH

([6]) قسد تعلن تشكيل أول لواء في الرقة بوجود عشائرها: المصدر: الاتحاد برس، التاريخ: 26/03/2018، الرابط: https://bit.ly/2kxdFmo

([7]) "قسد" تحضر لتشكيل "لواء ثوار إدلب" من فلول "أحرار الزاوية" و "جيش الثوار"، المصدر: شبكة شام، التاريخ: 01/06/2018، الرابط: https://bit.ly/2k9mdQq

([8]) سوريا الديمقراطية تعلن تشكيل لواء تحرير إدلب وعفرين، المصدر: مديا مونيتور، التاريخ: 07/06/2018، الرابط: https://bit.ly/2lXOppN

([9]) "قسد" تعلن عن تشكيل ثاني لواء لها في الرقة، المصدر: بوير برس، التاريخ: 09/10/2018، الرابط: https://bit.ly/2m61j5l

([10]) حضر الاجتماع كل من القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، الناطق الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية كينو غبرييل، القائد العام لمجلس الباب العسكري جمال ابو جمعة، قائد جيش الثوار عبد الملك برد ، قيادة ق س د في اقليم الفرات حقي كوباني، عضوة القيادة العامة لـ ق س د نوروز احمد ، القائد العام لمجلس دير الزور العسكري أحمد ابو خولة ، قائد مكافحة الارهاب في ق س د هارون كوجر، قائد قوات الصناديد الشيخ بندر الدهام ، القيادية في ق س د روجدا حلب، القائد العام لقوات الحماية الذاتية سيامند ولات، القيادي في ق س د للمنطقة الشرقية حسن قامشلو، قيادية في وحدات حماية المرأة تولهلدان رامان، قيادية في ق س د بالمنطقة الشرقية ليلى واش كاني، القيادية في مجلس دير الزور العسكري جيان تولهلدان، الناطقة الرسمية لحملة عاصفة الجزيرة ليلوى عبدالله، قادة من جبهة الأكراد مسؤول العلاقات العامة لقوات سوريا الديمقراطية ريدور خليل ، القيادي في مجلس جرابلس العسكري محمد العلي، وقائد جيش الثور أبو عراج.

([11]) اجتماع موسع لقوات سوريا الديمقراطية انتهى بمؤتمر صحفي، الموقع: قوات الدفاع الذاتي، التاريخ: 17/02/2019، الرابط: https://bit.ly/2lHyZWw

([12])بـ 30 ألف عنصر أمريكا بصدد إنشاء جيش سوري... ما مهمته؟، وكالة قاسيون، 14/1/2018، الرابط: https://bit.ly/2lEIrdc

([13])  الجدول من إعداد وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات.

([14]) وثيقة إعلان المجلس السرياني الآشوري اعتبر البيان أن الممثل الاستشاري والسياسي لـ "المجلس العسكري" هو حزب "الاتحاد السرياني" و"مجلس سوريا الديمقراطية" على التوالي، وذلك ضمن الهيكلية التنظيمية والإدارية لـ "قوات سوريا الديمقراطية".

([15]) "قسد" تشكل مجلساً عسكرياً لمنطقة القامشلي بالحسكة، المصدر: يوتيوب وكالة سمارت، التاريخ: 20/06/2019، الرابط: https://bit.ly/2lBUjwQ

([16]) “قسد” تشكل المجلس العسكري في مدينة الحسكة، مصدر سابق.

([17]) بعد دير الزور.. السبهان يزور الرقة لدعم "سوريا الديمقراطية"، المصدر: الجزيرة نت، التاريخ: 21/06/2019، الرابط: https://bit.ly/2N4D2tv

([18])  نصت بنود الاتفاق على: إنشاء مركز عمليات مشتركة بين الجيش التركي والأمريكي؛ يتم البدء بإنشاء المنطقة الآمنة في أقرب وقت ممكن؛ المرحلة الأولى تشمل تبديد المخاوف الأمنية لتركيا شرقي الفرات؛ التنسيق لإدارة المنطقة الآمنة سيكون بين تركيا وأمريكا؛ الاتفاق على أن تكون ممرا للسلام؛ اتخذا تدابير إضافية لعودة السوريين إليها.

([19]) تفاصيل الاتفاق التركي الأمريكي حول «المنطقة الآمنة» في سوريا، المصدر: وسيلة تي في، التاريخ: 07/08/2019، الرابط: https://bit.ly/2lJ1YJv

([20])بدر ملا رشيد: "الضباب ينقشع حول مشروع أمريكا شمال شرق سورية"، المصدر: تلفزيون سوريا، التاريخ: 02/07/2019، الرابط: https://bit.ly/30yHwdN

([21]) الشرطة العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية تعتقل قائد تجمع شباب البكَّارة ياسر الدحلة -المنشق عن قوات النخبة السورية، المصدر: المرصد السوري لحقوق الإنسان، التاريخ: 01/10/2017، الرابط: https://bit.ly/2knDs0y

([22]) نزاع قبلي يهدد تماسك «مجلس دير الزور العسكري»، المصدر: جريدة الشرق الأوسط، التاريخ: 04/10/2017، الرابط: https://bit.ly/2lJ2lUp

([23]) استقالة قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لقسد "لفشل قواته في صد داعش"، المصدر: موقع الحل، التاريخ: 08/11/2018، الرابط: https://bit.ly/2lXad4S

([24]) ديرالزور: لماذا هاجم هويدي "الضبع" آبار العزبة النفطية؟، المصدر: المدن، التاريخ: 18/12/2018، الرابط: https://bit.ly/2k0pv8m

التصنيف أوراق بحثية
وضَّح الباحث بدر ملا رشيد من مركز عمران خلال حديثه لـ السورية نت، عن الأسباب التي تقف وراء تشكيل المجالس العسكرية من قبل "قسد"، مستعرضاً الهيكلية العسكرية لهذه القوات، منذ النشاط العسكري الأول لها.
وبحسب الباحث فإن "وحدات حماية الشعب" تشكل العمود الفقري لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، وكانت على نموذج مجموعات وتجمعات قتالية، تفتقر للهرمية العسكرية، وكانت هذه الطريقة فاعلة إلى ما بعد معركة كوباني 2015. وتابع الباحث أن "التحالف الدولي بدأ بتقديم الدعم المباشر وصولاً إلى تشكيل قوات سوريا الديمقراطية في تشرين الأول من 2015، وكانت بنية قسد، مبنية على الفصائلية، وهي بنية ناسبت فترة من المعارك إلى أن وصلت إلى مرحلة السيطرة على مساحات واسعة والتخطيط لمعركة الرقة لتبدأ الإدارة الذاتية بتشكيل أفواج عسكرية بداية العام 2017". كما أوضح أن "دخول مرحلة  إنشاء منطقة آمنة استوجب العمل على تنظيم قسد أكثر، بالترافق مع منع هذه القوات أي فصيل ضمن تشكيلاتها بضم العناصر بشكلٍ منفصل لفصائلهم، بل إلى جسد قسد مباشرة". وأدى ما سبق تقريباً، وفق الباحث إلى "إنهاء حالة الفصائلية ضمن قسد كون وحدات حماية الشعب حافظت على كيان شبه مستقل ضمنها، وهنا يأتي موضوع تشكيل المجالس العسكرية مؤخراً، فالعمليات العسكرية الضخمة انتهت، وتحتاج هذه القوات لمهام مغايرة لمهامها التي نفذتها في معاركها بمواجهة تنظيم الدولة، بالإضافة لضرورة موائمتها لحل المنطقة الآمنة". ستة أهداف حددها الباحث بدر ملا رشيد وراء تشكيل المجالس أولها "تحويل هرمية قسد، وخصوصاً وحدات حماية الشعب من حالة المجموعات والتشكيلات المنفصلة لحالة التشكيلات العسكرية المترابطة والهرمية".
 
الهدف الثاني هو "الدخول لمرحلة الاستقرار والتمكين العسكري، و(الثالث) تثبيت عناصر القوات في مناطقها، إضافةً إلى التجهيز لأي عملية دمج عسكرية لقوات (#البيشمركة) (الجيش السوري المستقبلي)، مع القوة المشكلة الآن في المستقبل ليس ككتل إنما كافراد". وأإضاف الباحث أن الهدف الرابع وراء تشكيل المجالس "هو البدء بإعداد ضباط لتغطية الحاجة الحالية"، بينما يكمن الهدف الخامس "بإضفاء الطابع التنظيمي بما يزيل مخاوف الدول الجارة (تركيا)"، إضافةً إلى هدف أخير "هو الدخول لأية عملية تفاوضية من موقف أقوى".
 
للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2XaEHCd
 
مدخل يلقي هذا التقرير نظرة سريعة على التحولات التي يشهدها المجتمع المدني في سورية بعد تحرير المدن الرئيسة، ويستعرض دور المنظمات المحلية والدولية في تقديم الإغاثة وضمان استدامة الخدمات وسط…
الخميس كانون1/ديسمبر 26
نُشرت في  تقارير خاصة 
مدخل منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إثر عملية "طوفان الأقصى" بتاريخ 7 أكتوبر 2023، تحولت سورية إلى هدف مباشر للهجمات الإسرائيلية التي تصاعدت بوتيرة متفاوتة وشكل متسارع. إذ…
الأحد كانون1/ديسمبر 15
نُشرت في  تقارير خاصة 
ملخص عام تستعرض هذه الإحاطة تداعيات أهم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر أكتوبر 2024. على الصعيد السياسي، انعكست التوترات الإقليمية بشكل مباشر على الأوضاع في سورية، وسط…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 08
نُشرت في  تقارير خاصة 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20