قدم الباحث بدر ملا رشيد من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تصريحاً لجريدة القدس العربي، للتعليق حول "الانقسام العشائري بين أطراف الصراع شمال وشرق سورية"، حيث اعتبر الملا رشيد الانقسام الحالي ضمن صفوف العشيرة عائداً لبداية الثورة السورية، لذا فإن التصريحات التي تصدر من قبل بعض الشخصيات العشائرية والتي تتماهى مع سياسة "قسد" غير ممثلةً في الحقيقة للعشائر المذكورة كلها، فالعشيرة الواحدة انقسمت سياسياً وعسكرياً خلال الثورة.

وأشار ملا رشيد لمخاوف عشائر المنطقة من حدوث عملٍ عسكري فيها قد يؤدي لعمليات انتقام وثأر بناءً أحداث سابقة وأخرى قد تحدث، وحول مدى تأثير دعوات بعض العشائر لعودة النظام، مؤكداً إلى أن " تأثير تلك الأطراف سيبقى ضعيفاً، ويمكن أن تؤثر هذه الدعوات لدرجة ضعيفة في إحداث ضغطٍ على قوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة الأمريكية، فـ «قسد» تريد التفاوض مع النظام باسم كافة مكونات شرق الفرات، كما أن الولايات المتحدة لا ترغب بعودة النظام بصورته الحالية لما سيؤدي إليه من تقوية يد إيران في المنطقة".

المصدر صحيفة القدس العربي: http://bit.ly/2GpyIjj

 

شكّلت موجات الربيع العربي في عامي 2010-2011 اختباراً حقيقياً لكل الصيغ السياسية والأمنية والاقتصادية الحاكمة، سواءً على صعيد تلك الدول التي اجتاحتها هذه الموجات، أو التي لم تجتحْها، فصدّعت أنظمة وهدّدت وخوفت أخرى، وبدأت إرهاصات ما سميت "إعادة ضبط بوصلات التشكل وفق العامل الوطني"، وأضحت تبرز أولوية أساسية للمجتمع العربي الذي رأى في الثورة فرصةً لاسترداد البلاد، والمشاركة الحقيقية في صنع قراراته وسياساته وتنفيذها؛ إلا أنه سرعان ما تم دفع تلك الإرهاصات إلى اتجاهات تخدم بنتاجها سرديات الصيغ الحاكمة، عبر إمعان السلطات المثار عليها، أو السلطات التي تخشى انتقال العدوى الثورية إلى مجالها الجغرافي في استخدام الأدوات الأمنية، سواءً المرتبطة بممارسات عنفية أو القائمة على فكر ودفع أمني، كـ "الاختراق والتوظيف والتحكم"؛ فسادت مقاربات "الثورة المضادّة" كديناميات متوقعة، يُراد لها أن تكون "واقعية" أمام ذاك المستقبل "المبهم" الذي تعد به قيم الربيع العربي، والتي تهدّد به معادلات الجيوسياسة الحاكمة في النظام السياسي الإقليمي، ومحطماً كل التحالفات التي أنشأتها شبكات الفساد والإفساد السلطوية ومنظروه، غير مكترثٍ بتكلفة الوصول، لأنها تكلفة سيتم دفعها عاجلاً أم آجلاً.

اليوم؛ وبالنظر إلى النتائج العامة للمشهدين السياسيين، المحلي والإقليمي؛ باتت غالبية الدفوعات السياسية التي جاهدت في تكسير سياسات التغيير وتشويهها تصب لصالح نظرية "العودة إلى صيغ ما قبل الربيع العربي"، فعلى المستوى السياسي المحلي داخل الوحدات السياسية في  

المنطقة العربية، بدأت تبرز نجاعة مقاربات ما قبل أحداث الربيع العربي كـ"موت السياسة"؛ و"تأليه السلطة"؛ و "التنكّر من حركات التحرّر والتغيير"؛ و"قداسة فكرة العبودية"؛ و"قصائد مدح السلطان"؛ و"سياسات تسطيح المجتمع". مضافاً إلى تلك المقاربات، برزت عمليات النسف "البراغماتي" لبعض القيم الاجتماعية، كالمناصرة والدعم؛ إذ تسيّدت ثقافة "الأنانية" فتحوّلت الطبقات الاجتماعية (بجُلها) إلى طبقات عددية مستهلكة مروضة، ترتكن (طوعاً أو قسراً) إلى سرديات السلطة، ناهيك بتسليمها الكامل قواعد "وأد" الإنتاج الإبداعي أو الثقافي الأصيل.
على المستوى الإقليمي؛ من جهة أولى، ضمنت من جديد إيران وتركيا و"إسرائيل" مكانة المركز في النظام السياسي الإقليمي، بعد أن بدت فرص محاصرة إسرائيل وتحجيم إيران والشراكة الاستراتيجية العربية التركية فرصاً قابلة للتحقيق مع حركات الربيع العربي. ومن جهة مقابلة، عادت الدول العربية لتغيب عن أي دوائر تأثير، بحكم استنزاف قدراتها، وتشتت اهتماماتها وطبيعة تحدياتها المحلية، ما دفعها إلى البحث عن تحالفاتٍ مع إحدى الدول الثلاث، وهذا ما كان سائداً بشكل أو بآخر قبل الربيع العربي؛ وهذا ما دفعت أيضاً باتجاهه القوى الإقليمية والدولية لإدراكها ضرورة عودة الضبط الأمني في المنطقة، بصيغ تعرفها وتدرك حدودها، فكانت حركية هذه القوى، أياً كانت ادعاءاتهم، ترتكز على المحدّد الأمني المغيّب أية معايير إنسانية والمتغافلة عن الانتهاكات، فكما كانت المعادلات الأمنية مضبوطة ببوصلة أمن "إسرائيل"، باتت كل التفاعلات السياسية تلحظ هذه البوصلة، وتعدّها شرطاً لازماً لرسم ملامح الأطر السياسية الحاكمة في المنطقة.

لا تعد سورية، وفقاً لأعلاه، استثناءً تتضمنه نظرية "العودة إلى ما قبل 2011"، فمدخلات المشهد العام تؤكد ذلك، فلا تغيير سياسيا أو سياساتياً، بل تحكّم السلطة بكل ميادين السياسة ومساحات "الإصلاح" المحتمل. وبقاؤها "رمزاً" أبدياً لن يزول، ولا تغيير لفلسفة الأجهزة الأمنية وبنيتها ووظيفتها، بل تعزيزاً لها مع ظهور شعارات "القضاء على أعداء الوطن"، وسعيها الدؤوب إلى تحصيل وطن "متجانس"؛ ولا حرية سياسية ولا اجتماعية ولا اقتصادية؛ ولا تغيير في المنظومة القانونية (يتحكّم بها قرابة 15 قانونا استثنائيا ومحكمة إرهاب يديرها ضباط)؛ ولا حياة حزبية صحية، في ظل زيادة مؤشّرات تغوّل حزب البعث، وبقاء سيطرته في الجيش والأمن، وأهم الوزارات السيادية، وكل الوحدات الإدارية في الجغرافيا السورية؛ ولا تمكين للمجتمعات المحلية التي عانت ما عانت من جوْر سياسات "التنمية المركزية غير المتوازنة"؛ ولا حرية ثقافية خارج ثقافة "الممانعة"، فعداها خيانة وإرهاب وتقويض وزعزعة لهيبة الأمة ونفسيّتها؛ ولا إصلاح قضائيا، ولا مؤشرات قانونية لفصل السلطات واستقلال القضاء، بل ربطه الدائم بمكاتب الاستخبارات وإملاءاتها؛ ولا ... إلخ. 

إذاً، تسير كل المؤشرات بتسارع واضح نحو صيغ ما قبل الثورة، خصوصا بعد محاصرة المعارضة السياسية والعسكرية، وجعل هوامش حركتها غير ذات جدوى، مع فارق عميق (لا يكترث له النظام) أن تلك العودة محمّلة بارتكاسات اقتصادية واجتماعية وسياسية وإنسانية، وتزداد حدّةً، في ظل استمرار وأد اللحظة السياسية الجديدة في البلاد، لصالح عمليات ترميم النظام، وإعادة تشكّله (تجمع كل القوى الدولية على ضرورته)، لحظةً تحتاجها عجلة البناء للمضي في امتحانات التماسك الاجتماعي، وبناء الشرعية الممهدة للاستقرار. 

تفترض نظرية العودة التي ترجو الضبط الأمني تغليباً مستمراً لمصالح السلطة، وحلفائها 

الدوليين؛ وتنفيساً للاستحقاقات والامتحانات السياسية؛ والأهم مسحاً متعدّد المستويات لكمٍ من الجرائم، لم تنته بعد؛ وتغييرات ديمغرافية لا تُحمد عقباها؛ وعددا من القواعد الأجنبية وملحقاتها الاستخباراتية في الجغرافيا السورية؛ وتضافر الجهود الدولية والإقليمية والمحلية في عملية إعادة الإعمار والعودة "الطوعية للمهجرين واللاجئين"؛ وغيرها من موجبات تمكين النظام وإعادة تعويمه، ولا تلحظ (ولا تعنيها) تلك النظرية (وداعموها) بنية الدولة وهويتها وطبيعة تفاعلاتها السياسية، ولا بنية المجتمع وعوامل تمكينه واستقراره وأمنه، فالأولى لا ضير من أن تكون فاشلة، والثانية لا حرج من عدم لحظها أصلاً؛ طالما أن جغرافيا معقدة، كالجغرافيا السورية، لا تشكل عائقاً أمنياً أمام إسرائيل، وأن مجتمعاً حياً، كالمجتمع السوري، تم أسر حريته لصالح هندسة سياسية، تراعي كل شيء إلا سورية الفاعلة، والقادرة على البناء الحضاري.

ربما تخدم نظرية العودة تلك مصالح شبكة من الفواعل المحلية والإقليمية والدولية؛ إلا أنها لا تدرك، ولا تريد أن تدرك، الثمن الباهظ لهذه العودة التي ستبقى هشّة، ودائمة التعرّض للزلازل والحرائق؛ وبأنها مهما تمترست، فإنها لن تشكل أسساً ولبناتٍ لدولة ومجتمع مستقر؛ فالعودة المحمّلة بالدم لن تنتج إلا اعتلالاتٍ مرضية وموتاً وظيفياً، ومنطق التاريخ سيبقى يفرض درسه بأن الثورة، وإن تعثرت أو حوربت أو قمعت، فهي تنتج أحداثاً يصعب تجاوزها وإغفالها؛ فهي لحظة حاسمة في التاريخ، ما بعدها ليس كما قبلها.

 

المصدر العربي الجديد: https://bit.ly/2NLQPBb

 

 

 

 

التصنيف مقالات الرأي

ملخص تنفيذي

  • رافق مشروع الإدارة الذاتية مجموعة من الاشكاليات بدايةً من المحاولات المضنية من قبلها في الحصول على تقبلٍ مجتمعي واعتراف سياسي بمشروعها من قبل أي طرفٍ من الأطراف المنخرطة في النزاع في سورية. وبالرغم من نجاح الجناح العسكري للإدارة الذاتية والمتمثل "بوحدات حماية الشعب YPG" في موضوع محاربة "تنظيم الدولة" والتحول إلى شريك محلي أول لقوات التحالف الدولي، إلا أن هذه الشراكة لم تمنحه لا اعترافاً سياسياً ولا تحصيناً للإدارة من قبل من يرون في مشروعها خطراً كتركيا عبر عملية "غصن الزيتون"، أو تجاوزاً لهيكل الدول والمتمثل بنظام دمشق عبر التهديدات المستمرة بشن حربٍ على مناطق سيطرة "قسد" والدفع لإحداث مظاهرات وتحركات احتجاجية لتواجدها في عدة مناطق؛ الرقة، منبج، والحسكة.
  • لم تتمكن الإدارة الذاتية من دفع المجتمعات الواقعة تحت سيطرتها سواءً العربية أو الكُردية لاستساغة مشروعها بناءً على عدة عوامل منها غياب الوضوح في مفهوم الهوية لدى الإدارة الذاتية فهي من جهة " كردية عند اللزوم"، ومن جهة أخرى هي " تطبيقٌ لنظرية أممية" تتجاوز حدود القوميات والأديان. ويظهر هذا في عقدها الاجتماعي المفروض من جهةٍ واحدة، فعلى الرغم من احتوائه على نقاطٍ يمكن اعتبارها مطلباً سورية عاماً خاصة بعد سنين طويلة من الاقتتال والدماء، كطرح الحكم الذاتي والتقليل من سيطرة المركز، إلا أنه يتعرض في تفاصيله لمجموعة من القضايا المتمثلة بتجاوز سلطة الدولة بدرجةٍ عالية، ويُعيد هيكلة قوانين مجتمعية مبنية على ثقافةٍ ممتدة في التاريخ والاعتقاد بالنسبة لمنتسبيها.
  • ساهمت صعوبة تطبيق العقد الاجتماعي ومشروعه السياسي على مناطق مختلفةٍ في تنوعها البشري العرقي والثقافي والديني، في حدوث عدة اشتباكات وخلافات ضمن تحالف قسد خلال فترات متعددة([1]). كما لم يستطع حزب الاتحاد الديمقراطي إقناع القاعدة الشعبية "الكُردية" بمشروعه، فبالرغم من القبضة الأمنية للإدارة حدثت مظاهراتٌ عدة من قبل أحزاب المجلس الوطني الكُردي رفضاً لمشاريع متعددة كمشروع فرض اللغة الكُردية لوحدها على المدارس في المناطق ذات الغالبية الكُردية، وظهر جزءُ كبير من هذه الخلافات نتيجة تبني الإدارة الذاتية لنظرية "الأمة الديمقراطية" العائدة لزعيم حزب العمال الكُردستاني المعتقل في تركيا. ويهدف هذا المفهوم من الناحية التطبيقية لإنفاذ مبدأ "كونفدرالية الشعوب" عبر تقويض السلطة المركزية للدولة القومية المستبدة التي تستمد سبل استمرارها وشرعيتها من القوى الخارجية. وفيما يخص كردستان فتحريرها يمر عبر تحرير الشعب الكُردي، فالمادة لا تولد الحرية وإنما الوعي والفكر الثوري كأساس المجتمع الحر" على حد زعمهم.
  • وفيما يتعلق بإدارة الموارد المتاحة للإدارة فيكتسب واقع حكمها المزيد من التعقيد في ظل غياب الشفافية فيما يتعلق بالعديد من آليات إدارتها للموارد والنفقات المتعلقة بمؤسساتها، ويتم إدارة الموارد عبر "الهيئة التنفيذية" للمقاطعات وهي بمثابة هيئة حكومية بوزارات "سيادية" والتي بالرغم من شبه الاستقرار في مناطق واسعة من سيطرة الإدارة الذاتية خلال فتراتٍ طويلة إلا أنها لم تحقق مستوى يقارب كمية الموارد المتدفقة للإدارة. وتعاني هيئات الإدارة من نقص في الكادر المختص والعمل الفعلي. من جهة أخرى يمكن تتبع نشاطٍ ملحوظ للإدارة في مجال تعبيد الطرق في محافظة الحسكة، وعملية ضبط الأسواق والمواد المستوردة عبر منع بيع المواد الاستهلاكية الفاسدة.
  • وبالرغم من المؤشرات التي تشكل نموذجاً حوكمياً فاعلاً إلا أنه لا يزال يعتريه عدة إشكاليات وعلى رأسها: الشفافية والوضوح؛ غياب المؤشرات الاستراتيجية كالخطط والسياسات؛ تغييب المجتمع المدني والحد من فاعليته؛ قلة الخبرات البيروقراطية والتكنوقراطية.

مدخل

أفرزت أجواء الثورة السورية المناخات المناسبة لظهور فواعل ما دون الدولة على مجمل الخارطة السورية كان منها المشروع المنفذ من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ومظلته السياسية "حركة المجتمع الديمقراطي" والمتمثل بـ "الإدارة الذاتية الديمقراطية". وخلال الفترة الممتدة من منتصف عام 2012 إلى وقتنا هذا حاول حزب الاتحاد الديمقراطي اللعب على عدة حبال (التيار الثالث أي لا الوقوف مع المعارضة ولا النظام) بهدف تثبيت مشروعه، الذي شهد عدة مراحل تميزت بشبه ثباتٍ إلى معركة كوباني / عين العرب كانون الثاني 2015، لترتفع أسهمه في السيطرة والتمكين حتى قيام تركيا بعملية "غصن الزيتون" التي أدت لفقدان الإدارة الذاتية لإحدى أهم أقاليمها والمتمثل بإقليم عفرين.

وظهر خلال حركية هذه الإدارة مجموعه من الإشكاليات على المستوى السياسي والقانوني والتنفيذي والإداري، ساهمت في عرقلة هذه الحركية وتشتت أطرها الحوكمية، وهذا ما سنستعرضه في هذه الورقة التحليلية

الإدارة الذاتية وثنائية الاعتراف والقبول

نشأت الإدارة الذاتية وبزغ نجم حزبها الرئيس "حزب الاتحاد الديمقراطي PYD" في واقع سياسي واجتماعي يبحث عن إسقاط شرعية نظام الأسد بكل تجلّياته. ولم تكفل ولادة الإدارة في ظروف الحرب التي شنتها وحدات الحزب على داعش حصولها على ضمانات كافية تمكّنها من الحفاظ على مكتسباتها السياسة. وعلى الرغم من قيام حزب الاتحاد بخطواتٍ متقدمة في سبيل تثبيت نفسه إلّا أن مشروعه لا يزال يعاني من غياب اعتراف شريحةٍ واسعة من الحاضنة الرئيسية له المتمثلة بـالكُرد أولاً، وثانياً من قبل "الأسد" الممثل الرسمي للدولة السورية، وأخيراُ المعارضة السورية المختلفة في تقييمها للإدارة الذاتية وفق معايير ذاتية وأخرى نتيجة تحالفاتها الإقليمية.

وإذ نحدد مصادر الشرعية في الحالة السورية بثلاثة عناصر: الشعب وفعّاليته الثقافية والسياسية، والنظام بسبب استمرار اعتراف المجتمع الدولي بتمثيله للدولة السورية، والمعارضة السورية بفضل اعتراف المجتمع الدولي بمؤسساته الائتلافية، فإن إشكالية شرعية حزب الاتحاد الديمقراطي ستستمر مالم يحصل على اعترف أحد هذه المصادر أو جميعها.

فعلى الصعيد المحلي "الكردي" ارتبطت مشروعية الإدارة الذاتية بعدة عوامل أهمها " الإنجاز الأمني" عبر النجاح في إبعاد شبح حرب المدن عن مناطقها، ولاحقاً النجاح في حرب مكافحة الإرهاب، وتأخير التدخل التركي الذي سيضر بمصالحها.  ولقد استطاعت الإدارة الذاتية استغلال هذا العامل بشكلٍ جيد سواءً في بناء سرديتها السياسية أو عبر استغلال مجريات القضية الكُردية في تركيا والعراق. فعلى سبيل المثال لا الحصر استغلّ الحزب معاركه مع الجيش التركي داخل المدن الكُردية التركية عام 2016 في تأجيج مشاعر الخوف لدى العامة من خلال بثّ تفاصيل تلك المعارك بشكل مباشر على قنوات الإدارة الذاتية الإعلامية. وبقي "الخطر الخارجي على الكُرد" مقاربة توظفها الإدارة الذاتية خلال سنيَ سيطرتها على شمال سورية أحد أهم أسس التغاضي الشعبي عن بقية ممارسات الإدارة.

وإذ نعيش آخر مراحل وجود "تنظيم الدولة" العسكري، ستنمو حاجة الإدارة الذاتية إلى تحصيل جزء من شرعيتها من المواطنين السوريين غير الكرد في المرحلة القادمة، خصوصاً بعد سيطرتها على مدينة الرقة وريف مدينة دير الزور. ولقد كشفت أحداث مدينة منبج مع تزايد دعوات الإضراب احتجاجاً على السيطرة الكُردية عليها حجم اختلال التوازن الأمني والدعم الشعبي، وكذلك تشهد محاولات اغتيال شخصيات من ضمن إدارتها المدنية والعسكرية بما فيها قوات التحالف الدولي مؤخراً على تدني عتبة التحمّل المحلي لممارسات الإدارة([2]). ويجدر الإحاطة بمحاولات النظام استغلال هذه المشاعر في إعادة تعويم نفسه شعبياً في مناطق شمال شرق الفرات، فلقد شجّع وموّل رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب حسام قاطرجي تشكيل ما يسمى "المقاومة الشعبية في الرقة" بهدف استئصال ما أسماه الاحتلال الأمريكي، كما دعا هذا التشكيل "الخفي الغامض" إلى مظاهراتٍ شعبية في الرقة لدعم الأسد وللمطالبة بخروج قوات سورية الديموقراطية المتعاونة مع التحالف الدولي منها([3]).

وأمّا على الصعيد الدولي فلقد اجتهد حزب الاتحاد للحصول على اعتراف سياسي من ثلاثة جهات رئيسة: روسيا، والولايات المتحدة، وبعض دول الاتحاد الأوروبي. وفي حين يرتبط الحزب تاريخياً بموسكو كمستفيد من إرث علاقة حزب العمّال بالاتحاد السوفيتي، إلّا أنه سعى للتقرب بشكل أكبر من واشنطن وذلك لعدّة اعتبارات، أهمّها "إعاقة التدخل التركي"، فيما وصل تأزم علاقتهما لحد المواجهة العسكرية. ولقد بدأت علاقة الاتحاد بأمريكا عملياً بحصار كوباني وتطورت لاحقاً لشراكة محلية في مواجهة "تنظيم الدولة"، ونجحت وحدات الحماية الشعبية في إقناع البنتاغون في الاعتماد عليها حصراً من خلال تأقلمها السريع مع أهدافها الإقليمية أولاً، وبسبب إصرار فصائل المعارضة السورية على مواجهة النظام والتنظيم في آن واحد، الأمر الذي رفضته واشنطن باستمرار بدعوى عدم تشتيت جهودها في مكافحة الإرهاب.

أبدت وزارة الدفاع الأمريكية حماسة كبيرة للتعاون مع وحدات الحماية الشعبية ولكنّها عملت في المقابل على إخراج هذا التعاون قانونياً من خلال الضغط عليها ودفعها للاندماج بقوة جديدة سمَيت فيما بعد بقوات سورية الديموقراطية لتجاوز معضلة تصنيف حزب العمّال الكردستاني على لوائح الإرهاب الأمريكية. وبالفعل لا تشير أدبيات "قسد" إلى أي ارتباط أيديولوجي بحزب العمّال، ولا تضع أي عوائق أمام العرب وغير الكرد للانضمام إليها، بل شجّعت على التحاق كتائب عربية بعناصرها وعتادها بشكل كامل فيها لإظهار تنوعها العرقي والسياسي نزولاً عند الرغبة الأمريكية، إلا أن هذا التحالف والاندماجات اللاحقة لا تخرج عن أنه إطار شكلي، تحتفظ فيه الـ YPG بسيطرتها على كافة مراكز القرار والقوة داخل هذا الجسم الائتلافي.

وعلى رغم من المرونة العالية التي أبدتها قيادات الاتحاد في قنديل ومحلّياً في التجاوب مع المطالب الأمريكية، إلا أن علاقتها مع واشنطن اقتصرت على التعاون العسكري من خلال قسد والتحالف الدولي دون أن يترجم ذلك إلى أي اعتراف سياسي. بل على العكس يلحظ وجود سياسة أمريكية حثيثة على فك ارتباط القيادات المحلية للحزب مع قنديل، ولقد ظهر هذا التوجه جلّياً في تشجيعها لتشكل حزب سياسي جديد تحت اسم "سورية المستقبل" كقرين غير مؤدلج لقوات سورية الديموقراطية ودون وجود أي علاقة مباشر بحزب العمّال ومؤسساته داخل أدبياته.

دفع عدم اعتراف الإدارة الأمريكية سياسياً بالحزب لاحتفاظه بالقدر الأدنى من العلاقات الطيبة مع كل من طهران ودمشق، وعلى صيانة علاقته التاريخية مع موسكو. ولقد أدركت روسيا جيداً دوافع الاتحاد في استمرار التواصل معها على الرغم من تعاملها العسكري مع أمريكا، ولكن لم يمنعها ذلك من توظيف الحزب في تنفيذ أجندتها السياسية في سورية. فقبلت بتأسيس ممثلية له في موسكو وسعت في إشراكه ومؤسساته في المحافل الدولية ومفاوضات الحل السلمي، واستخدمت علاقتها المميزة مع الحزب في الضغط على تركيا تارةً وعلى أمريكا تارةً أخرى. ولقد اقترن هذا الاعتراف السياسي بممارسة أمنية بعد تدخلها العسكري المباشر في سورية، من خلال مساندة الوحدات في السيطرة على تل رفعت ومطار منغ وبلداتٍ أخرى في ريف حلب الشمالي، ومن خلال إرسال "قوات فصل" روسية إلى عفرين. ولكنّها أبدت في الأخير تفاعلاً أكبر مع أولويات أنقرة الأمنية خصوصاً في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون التي أتت ضمن ترتيبات مسار "الأستانة" ذو المهام الأمنية والعسكرية.

وفيما يتعلق بقنوات تواصل الحزب مع دول الاتحاد الأوربي، فقد أعلنت الإدارة خلال مناسباتٍ عدة افتتاح ممثليات في عدد من العواصم الأوربية في بروكسل، وإستكهولم وباريس وبرلين، ولكن دون الحصول على اعترافٍ رسمي بها من دول الاستضافة، واقتصر وجودها القانوني في مجملها بافتتاح هذه الممثليّات تحت رخص جمعيات. ويدير هذه المنظمات ممثلو حزب الاتحاد الديمقراطي PYD أنفسهم.

يدلل أعلاه ووفقاً لحركية الإدارة الذاتية عسكرياً وسياسياً على عدم نجاحها في تجاوز إشكاليات القبول المجتمعي والوطني والدولي، ولم تخرج محاولاتها مجتمعياً عن كونها تصدير لإطار شكلي أكثر مما هو مساحة محلية للتفاعل المجتمعي. أما على المستوى الوطني لا يزال طرفي الصراع "النظام والمعارضة" يرتبط مع الإدارة الذاتية بعلاقات عدائية حتى الآن. وأما على الصعيد الدولي فإن تغير السياقات السياسية وتأثيرها على العملية السياسية يجعل "التغيير سِمة رئيسية لسلوك الفاعلين"، وبهذا المعنى فإن أي اعتراف تحصلت عليه الإدارة الذاتية فهو مؤقت قابل للتغيير في أي لحظة.

عقدٌ اجتماعي في سياق سياسي وعسكري سائل

أعلنت مجموعة الأحزاب المنضوية ضمن حركة المجتمع الديمقراطي (TEV-DEM) وبعضٌ من الأحزاب المقربة لها عن تشكيل "الإدارة الذاتية الديمقراطية" في 21/01/2014([4])، بعد سلسلة طويلة من الاجتماعات وفشل محاولات تشكيل "مجلس غربي كُردستان" الذي تم التفاوض على إنشائه في أربيل([5]). وأعلنت عن عقد اجتماعي خاص بها ليقوم مقام الدستور قبل أن يتحول فيما بعد إلى حجر أساس "للعقد الاجتماعي للفيدرالية الديمقراطية لروج آفا – شمال سورية" الوليدة من مجلس سورية الديمقراطي المشكل بتاريخ 10/12/2015. وتم نشر مسودة العقد الاجتماعي للنظام الفدرالي بتاريخ 28/06/2016 بمدينة ديريك/ المالكية، فيما أقرّها "المجلس التأسيسي" في 29/12/2016 بعد تعديل اسم المشروع ليصبح الفيدرالية الديمقراطية للشمال السوري بعد إزالة وصف روج آفا منه. ومن خلال دراسة مستند "العقد الاجتماعي" يمكن التعرّف على إشكاليات عدة منها "أسئلة وإشكاليات الشرعية" سواء تلك المتعلقة بمستوى التمثيل السياسي لأهم الفعاليات والمكونات في مناطق الشمال السوري، أو تلك المرتبطة بغياب معايير القبول الشعبي، ناهيك عن عدم قبول "الحكومة المركزية السورية" أو أية حكومة أخرى لهذا العقد.

لم يتطرق العقد الاجتماعي لحدود فدرالية شمال سورية، حيث ورد في ديباجته "ومؤسسة على مفهوم جغرافي ولا مركزية سياسية وإدارية ضمن سورية الموحدة". ويعتري مفهوم اللامركزية السياسية الكثير من عدم الوضوح والضبابية ويلحظ من قراءته وجود خلط بين حقوق الكيانات ذات البنية الكونفدرالية والتي هي في حقيقة الأمر اتحاد دول، وبين الفدرالية وهي مصطلح فضفاض لا يمكن حصره بنموذج معين([6]).

منحت الإدارة الذاتية نفسها عبر دستورها الجديد صلاحيات الحكومة المركزية. فتُشير المادة 22 في العقد الاجتماعي لمبدأ يتنافى مع الحدود السيادية التي عرفتها لنفسها وتقول "أن لكافة الشعوب والمكونات والمجموعات الحق في تقرير مصيرها" (بالرغم من حقيقة قداسة حق تقرير المصير). وتُبين مواد العقد من رقم 54 حتى 84 هيكلية مؤسسات الحكم في "فدرالية شمال سورية" والتي تبدأ من أصغر وحدة (الكومونة) إلى الهيئات العامة والمجالس التنفيذية للأقاليم ضمن الفدرالية، والمجلس التنفيذي للفدرالية. وتوضح المواد كيفية تشكيل المجالس والهيئات العامة، ومفوضية الانتخابات وهيئة الدفاع، وتتبع الهيئة التنفيذية للإقليم 15هيئة تنفيذية، وللمجلس التنفيذي للفدرالية 18 هيئة عامة، فيكون محصلتها 33 هيئة تنفيذية دون التطرق لهيئات بقية مجالس الأحياء. وبالنظر إلى تصريح العقد على وجوب عضوية كل مواطن في كومونة واحدة على أقل تقدير -ورغم توضيح العقد في كثيرٍ من بنوده على مبادئ الحرية والديمقراطية، إلّا إنه أوجد الأرضية المناسبة لخلق نوع من الدكتاتورية والبيروقراطية المعوقة في حقيقة الأمر للحرية.

تصرح المادة 66 في الوثيقة أن "بإمكان كل إقليم تطوير وتكريس العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع الشعوب والبلدان المجاورة، بشرط عدم تناقضها مع العقد الاجتماعي لفيدرالية شمال سورية من جهة ومع الدولة السورية من جهة أخرى، إلّا إن الإدارة نفسها قامت بفتح وتطوير علاقات وفتح ممثليات قد تُفهم في إطار التفاعل السياسي ومتطلباته، بينما من الواضح أن استقبال جيوش وتأمين قواعد عسكرية أجنبية هو فعلٌ لا يقوم به إلا الدولة، ويتعارض أصلاً مع المادة 66. وفي مواجهة هذه الانتقادات ردّت الرئيس المشتركة لمجلس الفدرالية الديمقراطية لشمال سورية " هدية يوسف" ضمن ندوة بالمركز الكردي في مصر بتاريخ 20/07/2016 بأن:

  1. إنَّ النظام الفيدرالي المذكور بالوثيقة لا يعنى تقسيماً ولا انفصالاً لشمال سورية، وإننا نقبل بأن نعيش في دولة تحافظ على الشعوب الموجودة بها.
  2. الفدرالية هي الحل الوحيد للقضية السورية، ولو كانت لهم رغبة بالانفصال لصرحوا بها.
  3. الدفاع والسياسة الخارجية سيتم إدارتها من قبل المركز([7]).

يواجه العقد الاجتماعي لفدرالية الشمال إشكاليات وصعوبات متشابكة، خصوصاً مع توسع رقعة الكيان، فيما يستمر غياب تمثيل مكوّنات سياسية واجتماعية حيوية كالمجلس الوطني الكُردي، وممثلين عن أهالي منبج، والرقة، وريف الحسكة الجنوبي والشدادي وهي مناطق ذو غالبية عربية. أمّا الإشكالية الأخرى فتتجلى في فرض أحادي للنموذج الفدرالي دون التشاور مع بقية المكونات السياسية في البلاد وفي مرحلة سيولة عسكرية وسياسية وتدخل إقليمي ودولي متزايد في الجغرافية السورية. ([8])

إدارة التنوع الجغرافي والبشري

اختلفت مساحات وطبيعة الجغرافية، وكتل الجوامع البشرية التي سيطر عليها حزب الاتحاد PYD (الإدارة الذاتية)، خلال أعوام الثورة، حيثُ امتدت رقعة سيطرة الحزب ما بين عامي 2012 و2015 على 12% من مساحة سورية، ضمن مناطق عفرين وريفها، عين العرب/كوباني وريفها، وثلثي محافظة الحسكة.

تتميز منطقة عفرين، الواقعة ضمن "جبل الأكراد"([9])، بوفرة المياه الجوفية وخصوبة أراضيها وبطبيعتها الجبلية، وبنشاط صناعي وتجاري في حقل الألبسة وزراعة الزيتون، وأغلب سكّانها من الكرد غير المنتمين على عشائر. وفي المقابل تتميز منطقتي الجزيرة وكوباني بطبيعتهما السهلية وباعتمادهما على زراعة الحبوب والقطن. وقد عانت المنطقتان من إهمال النظام وعرقلة نشاط القطاع الخاص، وتعتبر مدنها الرئيسية حديثة تأسست أوائل القرن الماضي بعد ترسيم الحدود بين تركيا وسورية([10]).

وفيما يتعقل بأثر النشاطات التجارية والاقتصادية على البنية الاجتماعية والتوجه الأيديولوجي يوجد اختلافات مجتمعية وسياسية ضمن مناطق الإدارة الذاتية، فكما كان لقرب عفرين من حلب تأثيرٌ في إنشاء بعض المصانع فيها، فقد أثرت الطبيعة المجتمعية الحلبية المعتمدة على الصناعة والتجارة عليها كذلك، حيث خلقت توجهاً نحو الاستقرار المستدام أكثر من الجزيرة وكوباني المعتمدتين على الزراعات الموسمية. وهكذا تتأثر درجة الارتباط بالأرض بعوامل الطبيعة، فعمر شجرة الزيتون في عفرين تعود لمئات السنين، بينما كانت الجزيرة وكوباني مراعٍ لسكّان المدن المجاورة قبل 100 عام –باستثناء مدن تاريخية كعامودة والمالكية. لذا تختلف طبيعة الاستيطان في شرق نهر الفرات عن عفرين، ولقد كانت أحد أسباب هجرة ما يقارب المليون ونصف مدني من منطقة الجزيرة إلى حلب ودمشق انقطاع المطر خلال أعوام 2006-2008.

أمّا على الصعيد السياسي والحزبي فتتأثر مختلف الانتماءات والتوجهات في هذه المناطق الثلاثة نتيجة عدة عوامل، أحدها تأثّرها بسلوك الحواضر العربية الكبيرة بقربها. فعلى الرغم من ارتفاع الكثافة السكّانية الكردية في كوباني وعفرين مقارنة بشمال الجزيرة، إلا أن التمترس القومي الكُردي بدا واضحاً في محافظة الحسكة والذي أتى كردت فعلى على اساس سياسات حزب البعث الاستبدادية والقومجية. وإذا ما درسنا التوّزع الجغرافي للانتماءات الحزبية من مدينة ديريك/ المالكية شرقاً على الحدود العراقية السورية إلى عفرين على الحدود التركية السورية غرباً، فسنرى اختلافاً بينياً كردياً في التوجهات السياسية، حيث تتركز القاعدة الشعبية الأكثر صلابةً للحزب الديمقراطي الكُردستاني العراقي في الشرق وتتضاءل لصالح حزب العمال الكُردستاني كلما ذهبنا شرقاً حيث قاعدته الحزبية الأمتن في عفرين. ويضاف للفروقات أعلاه استمرار وجود مفهوم العشيرة في مناطق الجزيرة بنسبة أكبر مما هي عليه في عفرين وعين العرب/ كوباني.

ارتفعت نسبة سيطرة وحدات حماية الشعب وتشكيل قسد بعد منتصف عام 2015 لتبلغ حد الـ 24% من مساحة سورية الكلية أي ضعف المساحة الواقعة تحت سيطرتها سابقاً، وطرأ مع توسع رقعة سيطرتها تغير في حجم الكتل البشرية وطبيعة المدن المسيطرة عليها. فبعد أن اقتصرت سيطرة الحزب ومؤسساته على مدن وأرياف بغالبية كردية، بات الحزب مسؤولاً عن منطقة تمتد من كوباني شمالاً مروراً بالرقة وريف دير الزور وانتهاءً بحدود العراقية شمال البوكمال جنوباً، ومن منبج غرباً مروراً بتل أبيض وانتهاءً بالمالكية شرقاً. وتتميز هذه المنطقة باحتوائها لمدن وبلدات عربية وبمساحات سهلية وصحراوية واسعة يتخللها تلال وقرى صغيرة متناثرة، مما زاد من عدد السكّان من مليونين إلى ثلاثة ملايين والنصف وفق بعض التقديرات، ومما زاد من تكلفة حمايتها وصيانتها من هجوم محتمل لعناصر " تنظيم الدولة" عليها([11]).

لا يقتصر تأثر "الإدارة الذاتية" وتفرعاتها العسكرية والسياسية على تغيّر العامل الجغرافي وزيادة الكتلة البشرية فحسب، فلقد أدّى توسعها في جنوب المنطقة الشمالية إلى احتوائها فواعل عربية جديدة لم تتعامل معهم خلال المرحلة الأولى الممتدة من عام 2013 إلى منتصف عام 2015. ويعتبر حوض الفرات منطقة ذات كثافة سكّانية عربية ما زالت تحتفظ إلى حد كبير ببعدها القبلي. ولقد اعتمدت الإدارة الذاتية في مرحلة ما قبل "معركة الرقة وريف دير الزور" على المكون الكُردي كجنود وإداريين، فقامت بتوظيف الأدبيات والشعارات الكُردية لتعبئة "العناصر والمسؤولين" طيلة هذه الفترة، الأمر الأكثر حرجاً في التعامل مع المكوّنات العربية ذات الانتماءات والتحالفات المتنوعة والمتقلبة، أضف إلى ذلك احتكام العشائر العربية السورية بأعراف وقوانين خاصة غريبة على أنصار الإدارة الذاتية. ولذلك دفع هذا التنوّع الديموغرافي والاجتماعي حزب الاتحاد الديموقراطي لتبني مفهوم "الأمة الديمقراطية" كإطار أوسع من العصبية القومية التي تبنتها بطريقة غير مباشرة في المرحلة الأولى من تأسيس الإدارة الذاتية. ولا يخلو هذا المفهوم من إشكاليات وتناقضات مع العرف العشائري السائد في المنطقة العربية مما يحذو القائمين على الحزب إعادة تعريف مشروعهم السياسي باستمرار بما يتناسب مع توجهات مختلف المكوّنات الاجتماعية الخاضعة لسيطرتها.

تدفعنا هذه الاختلافات الأيديولوجية والسياسية والحزبية والقومية إلى تلمس مدى تأثّر وتفاعل مفهوم "الأمة الديموقراطية" مع تنوّع مرجعيات الجوامع البشرية الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية. ولقد طرح الحزب هذا المفهوم المعروض كحل شامل لتحقيق العدالة والمساواة والأخوة لمختلف شعوب المشرق. فما هي الأمة الديمقراطية، ومن أين جاءت، ومن طرحها، وكيف ستحل المشاكل؟

"الأمة الديموقراطية" كقاعدة نظرية للإدارة الذاتية

لا تعُد نظرية "الأمة الديمقراطية" مفهوماً أنتجته الإدارة الذاتية بينما تعود جذورها لتطور نظرية الفوضوية (Anarchism) للمفكرين الأمريكيين "موراي بوكتشين" و"نعوم تشومسكي" اللذان عمِلا على تأطيرها ضمن كيان الدولة أولاً، وبما يحافظ على مؤسساتها ثانياً درئاً للفوضى الكاملة في ظل غياب بدائل تستطيع حمل أعبائها ومسؤولياتها في حال اندثارها. ولقد حاول المفكران وبشكل أخص " تشومسكي" ضبط مفاهيم "الفوضوية" و"الاشتراكية" لتتقبل واقع وجود الدولة بصيغتها الحالية، والانطلاقة من هذا الواقع لإحداث التغيير المنشود، وذلك بعيداً عن تطبيق نظرية الثورة العمالية أو التحرر الكامل عودةً للحياة الطبيعية كما يدعو الفوضويون الأوائل([12]).

يُعرِّف حزب الاتحاد الديموقراطي "الأمة الديمقراطية" على النحو التالي: "جماعةٌ من الناس تربطهم روابط مشتركة وتُمارس الديمقراطية لإقامة حكمها". ونلحظ هنا تحوّل "الديمقراطية" من نظام حكمٍ إلى صفة "للجماعة البشرية" بما يُخالف المفهومين الإسلامي والحداثي اللذان اعتمدا الدين والقومية لتعريف حدود الأمة. ويُعتبر هذا المفهوم انعتاقاً من الإرث الشيوعي والاشتراكي لحزب العمال الكُردستاني، بعد أن قام زعيمه عبد الله أوجلان بمراجعات فكرية بعد اعتقاله واتجه لتبني وتطوير مفهوم الامة الديمقراطية كقاعدة فكرية جديدة لحزبه وأتباعه. وينتقد أوجلان محاولاته وحزبه السابقة لإقامة دولة كردية بمفهومها الحداثي، ويصف توّصله لمفهوم الأمة الديمقراطية برحلة فكرية خاضها بعد دراسة أهم الثقافات والأديان ومنظومات الحكم التي حكمت وما زالت تحكم العالم([13]).

ويتبنى مناصرو حزب العمال الكُردستاني بفروعه المحلية مفهوم "الأمة الديمقراطية" كخارطة طريق لقيام "أخوة الشعوب" ولحل مشاكل الدولة القومية والحداثية. وينتقدون قصور الماركسية والاشتراكية واقتصارها على تقسيم المجتمع إلى طبقات متصارعة فيما فشلت نماذجها في الحكم في مواجهة المشروع الرأسمالي الذي احتكر الصناعة والعلم فسخّرهما للانفراد بقيادة المجتمع الدولي ظلماً واضطهاداً للشعوب. ويعتقد مناصرو الأمة الديمقراطية أن التطور العلمي واكتشافاته المستمرة يكشف جوانب القصور في النظريات والفلسفات السابقة، ويُظهر الحاجةَ إلى قراءةٍ جديدة للوصول إلى تفسير فلسفي جديدٍ بما يضمن إحياء المواجهة المصيرية للحداثة والرأسمالية وتجلّياتهما.

أطلق أوجلان مفهوم الأمة الديمقراطية أثناء سنوات اعتقاله الأولى، وأسقطت عملياً في عام 2003 عند إنشاء تنظيمات محلية عوضاً عن الإدارة المركزية لحزبه، وذلك في سبيل تخفيف الضغط عن أنصاره أولاً، وانتقالاً من النموذج الماركسي والاشتراكي لنموذج "الأمة الديمقراطية ثانياً. ويهدف "هذا المفهوم من الناحية التطبيقية لإنفاذ مبدأ كونفدرالية الشعوب" عبر تقويض السلطة المركزية للدولة القومية المستبدة التي تستمد سبل استمرارها وشرعيتها من القوى الخارجية. وفيما يخص كردستان فتحريرها يمر عبر تحرير الشعب الكُردي، فالمادة لا تولد الحرية وإنما الوعي والفكر الثوري كأساس المجتمع الحر.([14]).

ويحدد يوسف خالدي، الباحث في المركز الكردي للدراسات بُعدَين أساسيين للأمة الديموقراطية:

  1. محلي ذاتي: يحقق نفسه من خلال إتاحة الفرصة أمام السكان المحليين للإعلان عن هويتهم الفرعية كأفراد وجماعات قائمة بحد ذاتها أولاً، مع امتلاك حق الإعلان عن تمثيلها في هوية عامة مشتركة قادرة على التعبير عن تلك الهويات الفرعية كجزء من كل، وعبرها تستطيع القومية الكردية التحول إلى أمة تتجسد تطلعاتها في هيئة شبه مستقلة ديمقراطياً.
  2. الإطار العام: عبر توفير مساحات واسعة من الحرية في الأبعاد الثقافية والاقتصادية، والاجتماعية، والقانونية، والدبلوماسية ضمن إطار الدولة العام وحدودها القائمة.

وتُحقق الإدارة الذاتية مبدأ شبه الاستقلال الديمقراطي عبر آليتين:

  1. الاتفاق مع القومية المتحكمة بِعُرى الدولة الحداثية وفق عقد اجتماعي جديد تشترك في صياغته جميع مكونات المجتمع كأطراف أصيلة، استناداً على إرث الشعوب وحضاراتها المشتركة في المنطقة وعلى الثقافة والعلاقات التاريخية.
  2. استبعاد أي تصور يتضمن أفكار قد توحي أو تشير إلى سياسات الصهر والتذويب والإقصاء للمختلف، مع التخلي نهائياً عن خيارات حلول الإبادة التي اتبعها الدولة القومية سابقاً وانتهت إلى الفشل، وذلك مقابل تخلي الكرد عن مطلب الاستقلال التام وإنشاء الدولة.

ويحدد مشروع الإدارة شكلان لقيامها:

  1. أن تتخلى الأمم القومية عن ميولها لإقامة دولها الخاصة ورغبتها في الاستئثار بالدولة، بالإضافة إلى قبول الدولة القومية بمبدأ شبه الاستقلال الديمقراطي.
  2. أن يبادر الكرد وبشكل أحادي حال تعذر التوصل إلى حالة وفاق مع الدولة القومية إلى تطبيق وتنفيذ مبدأ شبه الاستقلال الديمقراطي([15])".

وتستكمل نظرية الأمة الديموقراطية إطارها الفلسفي من خلال طرح حلول لمشاكل المرأة والزواج، باعتبار فشل الرأسمالية في فهم الحياة الزوجية، معتبرةً المرأة في الرأسمالية عبدة لترف الرجال، وأنها ليست كما يعرًفها الدين والعرف، بل كائناً قادراً على بذل أضعاف ما يبذله الرجل. وحل مشاكل المرأة تبدأ في خلق توازن ضمن الوظائف الأساسية في الحياة وهي "تأمين الغذاء وأمن الوجود وسيرورة النسل"، وهنا ينبغي وقف التعاظم البشري العددي، كما يجب بناء المجتمع بين النساء والرجال على أساس " الحياة الندية"، وإيجاد المساواة بين الجنسين بشكلٍ كامل.

إدارة الموارد

يكتسب واقع حكم الإدارة الذاتية مزيداً من التعقيد في ظل غياب الشفافية فيما يتعلق بالعديد من آليات إدارتها للموارد والنفقات المتعلقة بمؤسساتها، ويمكن دراسة الموارد الخاصة بالإدارة الذاتية من خلال النظر إلى مرحلتين، الأولى: مرحلة ما قبل 2015 وقبل السيطرة على مدينة تل أبيض، والثانية مرحلة ما بعد السيطرة على تل أبيض إلى الآن، حيث تم توحيد جزئي لمناطق سيطرة الإدارة الذاتية التي كانت عبارة عن جزيرتين " الجزيرة وكوباني" لتصبح على امتداد الحدود السورية التركية من المالكية إلى منبج. وفي كلا المرحلتين بقيت طبيعة موارد الإدارة الذاتية متشابهة وهي:([16])

  1. إيرادات الأملاك العامة: النفط والغاز في المنطقة الشرقية من محافظة الحسكة، وصوامع القمح
  2. إيرادات الضرائب المحلية والرسوم الجمركية من المعابر الحدودية
  3. إيرادات المؤسسات الخدمية التابعة لها
  4. المغتربين بكردستان العراق وتركيا
  5. والتبرعات المحلية

ووفق البند الثامن من المادة 53 من وثيقة العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية فإن المسؤول عن وضع الموازنة في الإدارة هو المجلس التشريعي([17]). وقد قامت الإدارة الذاتية منذ منتصف عام 2012 حتى 2018 بكشف ميزانيتها لمرة واحدة فقط لعام 2014 بالإضافة إلى موازنة عام 2015 وذلك ضمن مناقشات المجلسين التشريعي والتنفيذي في 17/03/2015، ولا يمكن التأكد من مدى صحة الأرقام الواردة ضمن المناقشة. ولقد تلقى التقريران انتقاداً من المجتمعين في المجلس وذلك لاحتوائها على الكثير من السردية والشرح دون وجود تفاصيل عن الإيرادات والنفقات. ويوضح الجدول أدناه الميزانية المعلنة من قبل الإدارة الذاتية خلال عام 2014 وموازنتها لعام 2015.

 

ربما يجب الحديث هنا عن غياب الشفافية بما يتعلق بإنتاج النفط، وتسويقه، بالإضافة إلى المنح الدولية وطريقة التصرف بأموال إعادة الإعمار.

السلطة التنفيذية

يتم إدارة موارد الإدارة الذاتية عبر الهيئة التنفيذية التي تشكلت بداية عام 2014، وهي هيئة بمثابة هيئة حكومية بوزارات "سيادية" بما فيها الخارجية والدفاع. وتستند في تسيير أعمالها قانونياً على "العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية" والقوانين الصادرة من المجلس التشريعي. وحاولت منظومة حركة المجتمع الديمقراطي وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD منذ بداية إعلان الإدارة الذاتية إنشاء "الهيئة التنفيذية" على أساس تحالفي عبر ضم أكبر عددٍ من التنظيمات سواءً كانت المُشكلة من قبلها والمرتبطة بهاً عضوياً، أو من المتحالفة معها كـ "الهيئة الوطنية العربية"، و"حزب الاتحاد السرياني" وتنظيمات كُردية وعربية وسريانية أخرى. ولقد حاول الحزب احتكار الشأن العام عبر هذه التحالفات صورياً من خلال إلزامهم بالسير "على نهج الأمة الديمقراطية". ويبلغ عدد الهيئات ضمن الإدارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة 16 هيئة، بعد عملية دمج للعديد منها وتحويل البعض إلى مكاتب ضمن هيئاتٍ أخرى. وتكشف دراسة هذه الحالة وجود محاولات لإضفاء صيغة التكامل على جسد الهيئة التنفيذية في وقتٍ تعاني من نقص في الكادر والعمل الفعلي على أرض الواقع مقارنةٍ بالمساحة التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية.

تتصدر هيئة البيئة والبلديات قائمة الهيئات النشيطة ضمن الإدارة الذاتية، حيثُ تنشط بلديات الإدارة الذاتية بشكلٍ رئيسي في تنفيذ مجموعة مشاريع عبر أقسامها الخدمية، والفنية، ومن جملة أعمالها:

  • تعبيد الطرق داخل المدن والطرق الواصلة بين الأرياف والمدن وذلك عبر طرح مناقصات بالظرف المختوم. ويظهر رُسُو العديد من المناقصات على "الشركة العامة للطرق والجسور: زاغروس" المنشأة عام 2013.
  • كما نشطت البلديات في مشاريع تنظيف الفوهات المطرية وتوزيع مادة المازوت التي حدث حولها شكاوىٍ كثيرة من المواطنين نتيجة المحسوبيات وقلة الكمية.
  • وتأخذ البلديات على عاتقها القيام بتنظيم المخططات التنظيمية للمناطق التي تتوسع فيها المدن الواقعة تحت سيطرتها، ومن جملة المناطق التي تم تنظيمها "مشروع المنطقة الصناعية في مدينة ديريك/ المالكية" تحت ذريعة إبقاء المدينة نظيفة وخالية من الملوثات. وتم عرض سعر المحل الواحد من 2.5 مليون إلى 3 ملاين حسب المساحة. ويعاني أغلب الصناعيين في المدينة من القرار كونهم مالكي المحلات، ولم يكن بإمكان الكثير منهم القيام بشراء محلٍ من " غرفة الصناعة". ولقد أشار بعض الصناعيين إلى قيام تجارٍ بشراء معظم العقارات في المنطقة وهم متحكمون بالأسعار([19]).

تدُر البلديات على الإدارة الذاتية مبالغ مالية([20]) ضخمة من الضرائب من كافة النشاطات التي تقوم بها، بالإضافة لما ذُكر تقوم بتجهيز مسالخ وأسواق لبيع المواشي، والضرائب التي تفرض على أصحاب المحلات كضريبة الحراسة، والنظافة وإشغال الرصيف، وضرائب أخرى. وتعاني البلديات من عدم وجود كادرٍ مختص خصوصاً فيما يتعلق بأهم الاختصاصات وهي التنمية والتخطيط والقانون، كما أنها لا تمتلك مكاتب فرعية في المناطق العربية الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية.

تركّز الإدارة الذاتية على هيئة التربية والتعليم وذلك من خلال تفعيل قانون تغيير المناهج. وقد شهدت عملية سيطرة الإدارة الذاتية على السلك التعليمي خلافاتٍ كبيرة على الصعيد الشعبي ومن مختلف القوميات والأديان، بالإضافة للنظام الذي رفض التفريط بمؤسساته الرئيسية. ويتحكم الحزب بالتعليم من خلال سيطرته على الكادر التدريسي عبر تقديم الرواتب، ومن خلال الإعداد والتمكين الأيديولوجي. وسيؤدي انقطاع المركز عن الأطراف مع امتداد سنوات الثورة لأكثر من 7 سنوات وفي غياب أية آمال لإمكانية التوصل لحل سياسي، إلى تعاظم سيطرة الحزب على عقول الأطفال بما يمكنه من بناء جيلٍ كامل تحت تأثير ووطأة أيديولوجية PYD المستندة على أفكار زعيم حزب العمال الكُردستاني([21]).

 تأتي هيئة الصحة في مقدمة الهيئات التي عانت بشكلٍ مباشر وحاد نتيجة الحرب، وواجهت مشاكل تمحورت بشكلٍ أساس حول نقص الكادر الطبي نتيجة هجرة الأطباء لخارج البلاد، وارتفاع تكاليف القطاع الصحي فيما يخص الحصول على أجهزة المخابر والمشافي. كما أدى الحصار أثناء تواجد تنظيم الدولة إلى حدوث نقصٍ حاد في نوعية وكمية الأدوية المتوفرة في الأسواق. أما هيئة السياحة والآثار فتركز عملها على منع العمليات التخريبية من قبل مهربي الآثار، بالإضافة لمشاركتها في عمليات التشجير والاعتناء بالبيئة. وكذلك تعاني هيئة الثقافة والفن من عدم تفعيل مديريات الثقافة، والمسارح، والتأليف والنشر، فيما تُشرف الهيئة على تنظيم مهرجانات القصائد، والقصص، والكتب بناءً على فكر وتعليمات "عبد الله أوجلان" زعيم حزب العمال الكُردستاني([22]). كذلك فإن هيئة الدفاع الذاتي تعمل على فرض خدمة الإدارة الذاتية عسكرياً على كل من هو من مواليد 1986 وما بعدها، وخلال ما يزيد عن ثلاث سنوات قامت الهيئة بسحب أكثر من 20 ألف شاب للخدمة الإلزامية.

رغم أن المؤشرات أعلاه تشكل نموذجاً حوكمياً فاعلاً إلا أنه لا يزال يعتريه عدة إشكاليات وعلى رأسها: الشفافية والوضوح؛ غياب المؤشرات الاستراتيجية كالخطط والسياسات؛ تغييب المجتمع المدني والحد من فاعليته؛ قلة الخبرات البيروقراطية والتكنوقراطية.

خاتمة

ساهمت عدة عوامل في تمكين الإدارة الذاتية من بسط سيطرتها على شمال سورية و أدائها، كانسحاب النظام في المناطق ذات الغالبية الكُردية لصالح حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وذراعه المسلح "وحدات حماية الشعب YPG"، مما وفر جواً من الأمن والاستقرار اللذان أسهما في تثبيت حزب الاتحاد لسلطته. كما ساهم التحالف الدولي بعد معركة كوباني في توسيع الإدارة الذاتية لتسيطر على ما يقارب 24% من مساحة سورية، بعد أن كانت تُسيطر على أقل من 10% قبل قبول التحالف لها شريكاً في محاربة تنظيم الدولة. ومما ساهم أيضا في تثبيت السلطة العسكرية للحزب هو افتقار بقية الأحزاب الكُردية لقوة مسلحة، من جهة، وتفتيت الـ ـ YPGللكتائب المشكلة من قبل بعض الأحزاب من جهة أخرى، منعاً من ظهور أي منافس، وتحت حجة عدم وجود " قوتين كُرديتين".

قانونياً تواجه الإدارة الذاتية غياب أي اعتراف من قبل حكومة المركز أو أية وثيقة وطنية، وتستند فقط على علاقاتها مع دول التحالف الدولي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى عقدها الاجتماعي الذي يعتريه الكثير من الغموض والتداخل مع مفاهيم سياسية أخرى. كما يشمل العقد نفسه أموراً تناقض أدبيات الإدارة الذاتية، فمن جهة تدعي الإدارة إنها تريد التخلص من سلطة الدولة المركزية، إلا إنها قامت بربط الشعب كله بمؤسساتها وخلقت شمولية عبر البيروقراطية المتشعبة خلال الكومونات والمجالس والقوى العسكرية المتعددة. ويحوي العقد الاجتماعي في نسخته المعدلة مع التوجه لإعلان "فدرالية شمال سورية الديمقراطية" مصطلحاتٍ تتعارض مع الثقافة الجمعية للسوريين، كمصطلح "الآلهة الأم" ضمن مصادر التشريع، وهو خلطٌ بين المفاهيم الوثنية والتوحيدية كعبارة القسم " أقسم بالله العظيم" ضمن الديباجة نفسها. ولم ينجح العقد في أن يكون "دستوراً" لمنطقة حكم ذاتي أو فدرالية، بل يتعداه ليكون عقداً لمناطق حكم كونفدرالية، فالعقد يمنح: اللجوء السياسي وتبني العلاقات الدبلوماسية، كما يمنح حق تقرير المصير.

ويشوب العقد إشكاليات وصعوبات أخرى، خصوصاً مع توسع السلطة الجغرافية "للفدرالية" المعلنة من طرف واحد، في غياب شركاء حيويين من ناحية التمثيل لكتلة بشرية واسعة كالمجلس الوطني الكُردي، وممثلين عن المناطق المسيطر عليها مؤخراً ابتداءٍ بشمال الرقة، والرقة، وريف الحسكة الجنوبي وانتهاءً بريف دير الزور. وهي مناطق ذات غالبية عربية ومن الممكن أن يتسبب مشاكل تمثيلها في قبول طرفٍ "يحتسب كُردياً" ضمن دوائر إدارتها المحلية. وتبقى الإشكالية الرئيسية متمثلةً بكون سورية في مرحلة تغي مستمر عسكرياً وسياسياً، ولاتزال الدول العظمى والإقليمية غير متفقة على شكل وكيفية الانتقال السياسي في سورية.

يُصر حزب الاتحاد الديمقراطي على تبني مفهوم "الإمة الديمقراطية" ويشارك في عملية الترويج لها على المستوى الإقليمي كحلٍ للقضية الكُردية وحل مشاكل بقية الشعوب. ومع وجود بعض التشابه من ناحية في هذا الحل مع الحل الكُونفدرالي المطبق في أوروبا إلّا أنه يفتقر إلى حرية التطبيق أو التعديل حيث يراه الحزب "العلاج الجامع والوحيد". كما يفتقر هذا الحل أيضاً لوجود طرفٍ سياسي إقليمي يؤمن به، بالإضافة إلى تعارضه مع الحالة المجتمعية في الشرق والمحكومة في الكثير من جوانبها بالأدبيات الدينية. وتصطدم فلسفة "الأمة الديمقراطية" بالتقاسم الحاصل بحق القومية الكُردية إقليمياً مما يجعل من مظلوميتها أداةً للدول ولتدخلها في الشؤون الوطنية لهذه الدول.

محلياً يواجه مشروع الأمة الديمقراطية مشاكل ذاتية ظهرت مع عملية التطبيق، كحالة عسكرة المجتمع عبر تشكيل ما تُسمى بقوات الحماية الجوهرية (حراسة الأحياء)، بالإضافة لأجهزة عسكرية وأمنية ضخمة مقارنة بالمساحة الجغرافية والكتلة السكانية. كما خلقت الإدارة الذاتية بيروقراطية مركزية مبغوضة لأصحاب الإدارة أنفسهم وفق تصريحاتهم، وعوضاً عن الهرب من المركزية السابقة للنظام تم إيجاد مركزية أخرى جديدة أقسى من القديمة تتمثل بالإدارات المتعددة التي هي بدورها ضخمة وزائدة على الكتلة السكانية والمساحة الجغرافية. كما عارضت الإدارة الذاتية نفسها فيما يخص احترام الثقافات الخاصة بكافة مكونات المنطقة عبر تطبيق "عقودٍ اجتماعية" تعارض لُب ثقافات المجتمعات المحلية.

وأخيراً وبالنظر لتقاسم السيطرة والنفوذ على الخارطة السورية نرى بأن الإدارة الذاتية وإن استمرت على شكلها الحالي فإنها في حقيقة الأمر تَهدم أحد أهم أعمدة نظريتها المتمثل بإزالة آثار الدول الوطنية "القومية" الحديثة وما أنتجته من حدودٍ قطعت أوصال الشعوب، لتكون هي في حقيقة الأمر من قطع مجتمعاتٍ بأكملها كما نرى في مدينة الرقة وريفها الجنوبي ومدينة دير الزور وريفها وكذلك في أجزاءٍ من ريف حلب الشمالي.


([1]) يمكن العودة لها بتفصيل ضمن فقرة الخلافات داخل" قسد" في الورقة الصادرة عن مركز عمران والمعنونة بـ" البنى العسكرية والأمنية في مناطق الإدارة الذاتية" https://goo.gl/MX2dmq

([2]) التحالف الدولي يعلن مقتل عنصرين له في سورية غداة استهداف قوات أمريكية في منبج، الموقع: مركز راصد الشمال السوري، التاريخ: 30/03/2018، الرابط: https://goo.gl/Y1SBN4

([3]) فصيل "المقاومة الشعبية" يستهدف قاعدة أمريكية في الرقة، الموقع: اخبار سورية، التاريخ: 02/04/2018، الرابط: https://goo.gl/7smXXv

([4]) في الذكرى الثانية لإعلانها. آراء حول تقييم عمل الإدارة الذاتيّة، الموقع: بوير برس، التاريخ: 21/01/2016، الرابط: https://goo.gl/jp1RhC

([5]) فشل المفاوضات بين حركة المجتمع الديمقراطي والمجلس الوطني الكُردي لعدّة أساب أهمها اختلاف المحاور "الكُردية الإقليمية" الراعية لكلا المجلسين،

([6]) قراءة في العقد الاجتماعي "لفيدرالية الشمال"، الموقع: مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، التاريخ: 16/08/2016، الرابط: https://goo.gl/6fJedS

([7]) ندوة بالمركز الكردي.. بالفيديو| خبراء: الأكراد يفتتون سورية بـ "فيدرالية روج آفا"، الموقع: مصر العربية، التاريخ: 20/07/2016، الرابط: https://goo.gl/xKCQGM

([8]) الجدير بالذكر موضوع الهوية؛ ظهرت الدول القومية في الشرق الأوسط عُقب انهيار إمبراطورياتٍ سابقة، وبقيت ورثتها بعيدةً عن إمكانية خلق "تعريفٍ جامع لنفسها"، فلم تستطع الجمهورية التركية المستندة على إرث الإمبراطورية العثمانية تجاوز مشكلة "العِرق الواحد" وتقبُّل حقيقة المجتمع غير المتجانس، كما لم تستطع "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" المستندة على إرث الشاهنشاهية من تحديد حدود هويتها وطبيعتها لا معلنة فارسيتها وغير متقبلة للتعايش بهدوء في منطقةٍ تذخر باختلافات مذهبية متنوعة. يُمكنُنَا مراقبة المشهد من هذا المنظار من فهم ما تعانيه التنظيمات السياسية القابعة في أسفل هرم "السلطة والحكم" في المنطقة من إشكالية تعريف الهوية.

يرفض حزب الاتحاد الديموقراطي إطلاق صفة "القومية" الكُردية على نفسه، ولكنه في المقابل يطلق الدعوات لعقد "المؤتمر الكُردستاني" ، كما ينفي علاقته العضوية بحزب العمال الكُردستاني، في حين ينسب نجاحات "روج آفا والإدارة الذاتية" لشخص "عبد الله أوجلان " زعيم حزب العمال.  وتُلقي تحالفات الحزب الدولية بدورها الظلال على إشكالية الهوية التي يروّج لها الحزب، حيث وضع تحالف قوات سورية الديموقراطية مع الولايات المتحدة الرأسمالية الحزب في تناقض مع الأيدلوجية الماركسية التي طالما تبّناها.

 

([10]) الوجود الكردي في شمال سورية: منطقة جبل الأكراد (عفرين) – 1، الموقع: مدارات كُرد، التاريخ: 04/12/2016، التاريخ: https://goo.gl/7upuYf  تتقع منطقة جبل الكرد أو الأكراد أو كردداغ القديمة في أقصى الزاوية الشمالية من الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وتشغل الزاوية الشمالية الغربية من قوس الهلال الخصيب ودولة سورية، وتعتبر مرتفعاتها من النهايات الجنوبية الغربية لجبال طوروس. تبدأ مرتفعات جبل الكرد من المنابع العليا لنهري عفرين والأسود غربي مدينة ديلوك “عنتاب” داخل الحدود التركية، وتعتبر امتدادا طبيعيا لجبال Reşa و  Zagê حيث مناطق الأكراد في الشمال والشرق. وتأخذ مرتفعاته اتجاهاً شمالياً جنوبياً بانحراف قليل إلى الغرب وبطول يبلغ نحو 100 كم إلى نهايته الجنوبية الغربية غربي بلـدة جنديرسعفرين. أما عرضها فيتراوح ما بين 25 و45 كم. وينضم إلى هذه المنطقة الجبلية، جبل ليلون وسهل جومه، وقد شكلوا معاً عبر التاريخ منطقة جغرافية واحدة ومتكاملة على طول وادي نهر عفرين.

([11]) Syria Population 2018، الموقع:  world population review، التاريخ: 06/04/2018، الرابط: https://goo.gl/4uX9bc، تبقى الأعداد تقريبية في غياب الظروف المساعدة لقيام مؤسسات ذات حيادية بإجراء احصاءات دقيقة.

([12]) بوكتشين، أوجلان وجدلية الديمقراطية* 1/3، الكاتبة: جانيت بيل، الموقع: يكيتي ميديا، التاريخ: 24/10/2016، الرابط: https://goo.gl/9zgLCY

([13]) ويتدرج في مرافعته من خلال شرح تطور دولة الكهنة السومرية وصولاً للحضارة الديمقراطية كسنام البشرية. فيبدأ بتناول السومريين كأول من أنشأ "دولةً" في التاريخ، وليعرج بعدها على الحضارات المصرية، والصينية، والبوذية، الكونفوشيوسية، والإغريقية، وميلاد الأديان التوحيدية، وهدم الإسلام للعبودية، وصولاً للحضارة الرأسمالية والأزمة التي تعاني منها البشرية في الهوية بشكلٍ عام. ويختتم مرافعته بالدفاع عن القضية الكردية تحت عنوان "الدفاع عن شعب"، فيخلص أن مفهوم الأمة الديمقراطية شامل لنتج كافة الحضارات السابقة بخصائصها السماوية (الإلهية)، والبشرية، وأنّها أمةُ متعددةُ الهوياتِ والثقافاتِ والكياناتِ السياسيةِ في مواجهة وحوشِ الدولةِ القومية.

([14])سيهانوك ديبو : نحو الحل الديمقراطي للقضية الكردية ؛ معركة بين رُع وآبيب (الأمة الديمقراطية هي الأمةُ المتعددةُ الهوياتِ والثقافاتِ والكياناتِ السياسيةِ مَقابِلَ وحوشِ الدولةِ القومية، وأن كفاحاتُ الأمةِ المتطلعةِ إلى الدولةِ والدولةِ المتطلعةِ إلى الأمة، هي المؤثِّرُ المِحوريُّ في الواقعِ الدمويِّ للعصر. وتحقيقُ مُلاقاةِ الأمةِ مع السلطةِ والدولة، هو المنبعُ العَينُ لقضايا عصرِ الحداثة، والتي إذا ما قارنّاها مع القضايا الناجمةِ من الدولِ الديكتاتوريةِ والسلالاتية، سنَجِدُ أنّ القضايا في عصرِ الحداثةِ تنبعُ من أمةِ الدولة، وأنّ هذا الوضعَ يُشَكِّلُ أكبرَ فارقٍ بينهما. سيهانوك ديبو : نحو الحل الديمقراطي للقضية الكردية ؛ معركة بين رُع وآبيب، الموقع: السلطة الرابعة، كاتب المقال: سيهانوك ديبو، التاريخ: 29/08/2016، الرابط: https://goo.gl/JXVxAv

([15]) الأمة الديمقراطية، الموقع: المركز الكردي للدراسات، الكاتب: يوسف الخالدي، التاريخ: 23/06/2016، الرابط: https://goo.gl/tLRtXo

([16]) الإدارة المحلية في مناطق كُرد سورية "عفرين نموذجاً"، الموقع: مركزعمران للدراسات الاستراتيجية، التاريخ: 03/07/2015، الرابط: https://goo.gl/c5MpXp

([17]) ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة – سورية تمت المصادقة عليه في الجلسة رقم / 1 / تاريخ: 06/01/2014، المصدر: المجلس التشريعي، الرابط: https://goo.gl/2bgcde

([18]) المجلسان التنفيذيّ والتّشريعيّ يناقشان بيان الموازنة العامّة التقديريّة لعام “2015” ونفقات عام “2014”، المصدر: بوير برس، التاريخ: 17/03/2015، الرابط: https://goo.gl/QLvB7e

([19]) مشروع المنطقة الصناعية في «ديريك»... بين إصرار البلدية ورفض الصناعيين!!، المصدر: وكالة قاسيون، التاريخ: 16/09/2017، الرابط: https://goo.gl/PmYkaD

([20]) إتاوات في مناطق "PYD" تحت اسم "ضرائب"، من قوت المواطنين إلى خزائن الحزب، الموقع: ن س و، التاريخ: 25/072017، الرابط: https://goo.gl/429A2m

([21]) الواقع التعليمي في مناطق "الإدارة الذاتية"، المصدر: مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، التاريخ: 15/12/2016، الرابط: https://goo.gl/WRn8YP

([22]) الكونفرانس الخامس لحركة الثقافة والفن بروج آفا، الموقع: وكالة فرات، التاريخ: 25/01/2016، الرابط: https://goo.gl/Kr8U94

التصنيف أوراق بحثية

تحظى محافظة إدلب بأهمية خاصة في مسار الأزمة السورية؛ إذ هي الملاذ الأساس للمهجَّرين والمعقل الأساس لهيئة تحرير الشام. وتتجه المحافظة نحو عدة مسارات تعتمد على سياسات عدة دول فاعلة، خاصة تركيا التي تريد استيعابها، في حين يتحين النظام الفرص لإخضاعها لسلطته.

مقدمة 

يقف المشهد السوري العسكري اليوم على مفترق طرق نحو تشكيل ترتيبات أمنية جديدة، وذلك بعد إنهاء النظام وحلفائه لجيوب عسكرية لقوى المعارضة في مناطق "سوريا المفيدة" واستحكام قبضتهم فيها، مقابل اتفاقيات تجميد الصراع أو خفض التصعيد في إدلب ودرعا. وتوجد أيضًا مناطق خارج سيطرة النظام أكثر استقرارًا بحكم تواجد ضامن عسكري مباشر مثل مناطق شمال شرق سوريا (قوات قسد مع قوات أميركية) أو مناطق شمال وشمال غرب سوريا (الجيش التركي وقوات المعارضة). وفي هذه الأثناء، يحاول النظام السوري وحلفاؤه استثمار المرحلة الراهنة لإعادة ترتيب مناطقه أمنيًّا؛ حيث يسعى الروس إلى دمج بعض الفصائل القريبة منه في الفيلق الخامس والسادس والسابع كما يجهدون في إعادة هيكلة وزارة الدفاع وهيئة الأركان. في المقابل، تنخرط إيران مدنيًّا وإداريًّا في بنى محلية واجتماعية واقتصادية مع تنظيم قواتها العسكرية وإعادة تمركزها في المناطق الحدودية لسوريا عمومًا، ولإجراء مناوشات في مناطق التماسِّ مع القوات الأميركية خصوصًا. ويتضح من قراءة المشهد السوري العام أنه مُتجه نحو تفاهمات جديدة لم تتبلور معالمها بعد، وعنوانها العريض هي تفاهمات أمنية لفتح الطرق الرئيسية بين المدن وخطوط التجارة المحلية والخارجية. 

وفي ضوء هذا المشهد وتحولاته المحتملة، تبدو إدلب وكأنها "المعضلة المؤجلة" حاليًّا لاعتبارها المحطة الأخيرة في سلسلة إجراءات وتفاهمات لإنهاء الصراع العسكري، ففيها خزان بشري كبير لنازحين من مختلف المناطق السورية، وتوجد فيها مجموعات مسلحة كثيرة بما فيها "مجموعات متشددة" عصية على الاندماج مع باقي الفصائل، ومنها ما تجذَّر في البنى الإدارية والمجتمعية بما له من سيطرة مسلحة كهيئة تحرير الشام، فضلًا عن أن ترتيبات الآستانة في إدلب لم تنتهِ بشكل كامل ما يعطي النظام وحلفاءه فرصة للاستثمار في هذه المعضلة واستغلالها أيما استغلال. 

ونظرًا لأهمية معضلة إدلب في مسار الأزمة السورية، تُقيِّم هذه الورقة المشهد العسكري والإداري، وكذلك الترتيبات الأمنية من حيث التماسك أو الهشاشة في هذه المحافظة، لتخلص إلى مقاربة لفهم الواقع في إدلب كما تستطلع المآلات والسيناريوهات المستقبلية المحتملة. 

تحديات سكانية وتنموية متزايدة 

تقع محافظة إدلب في أقصى الشمال الغربي لسوريا، وتُحاذي جزءًا من الحدود السورية-التركية، وقد بلغ عدد سكانها في 2011 حوالي 2.072.266 نسمة، وبلغت مساحتها 5464 كم2 ([1]). شاركت المحافظة بالثورة منذ أيامها الأولى لتخرج عن سيطرة النظام بشكل كامل في مارس/آذار 2015، بعد سيطرة قوات معارضة ومجموعات أخرى على مركزها. وبقيت كل من كفريا والفوعة "الشيعيتين" المحاصَرَتَيْن تحت سيطرة النظام ورهنًا لاتفاقية "المدن الأربعة" (كفريا-الفوعة/الزبداني-مضايا) بين إيران وأحرار الشام وهيئة تحرير الشام في أبريل/نيسان 2017. ومع استكمال ترتيبات الآستانة في 15 سبتمبر/أيلول 2017 واتفاقيات خفض التصعيد في إدلب، تمكَّن النظام وحلفاؤه الروس من السيطرة على أجزاء شرق سكة الحديد جنوب شرقي المحافظة، وتقدر مساحة المناطق التي سيطر عليها بما معدله 17.5% من مساحة المحافظة (متضمنًا مساحة كفريا والفوعة). 

تبرز أهمية إدلب كونها كانت الملجأ الأساس في تهجير قسري ممنهج من كافة المناطق إليها، منذ تهجير مدينة حمص القديمة في مايو/أيار 2014، ثم حلب الشرقية، ثم ريف دمشق، وانتهاء بتهجير ريف حمص الشمالي في مايو/أيار 2018 (ينظر الجدول أدناه[2].  كما تضمنت الهجرات مدنيين وعسكريين ومنتمين لمجموعات مصنفة كإرهابية، مما عقَّد المشهد الديمغرافي ووضع عبئًا كبيرًا على المنظمات الإغاثية والاجتماعية بسبب اختلاط السكان بالمجموعات المسلحة. ويُشير تقرير وحدة تنسيق الدعم أنه وحتى تاريخ 23 أبريل/نيسان 2018 بلغ عدد النازحين إلى الشمال السوري عمومًا من الغوطة الشرقية والقلمون حوالي 75339. ([3])

الجدول رقم (1) يوضح تحول إدلب إلى موئل لتهجير قسري ممنهج من كافة المناطق

 

بالمقابل، ترافق مع هذه الزيادات السكانية سياسات استجابة طارئة، خلقت مشكلات تحتاج إلى حلول تنموية. وبسبب حجم المسؤولية الكبيرة والضاغطة على المحافظة لم تجد الفعاليات الإدارية المحلية سوى المنظمات الدولية والمحلية لمساعدتها في حل أزمة المهجرين، وحاولت تشكيل نموذج (إسعافي) في إدارة المهجرين من خلال "الهيئة العامة لإدارة المهجرين" التي كان لها أدوار أولية في تخفيف العشوائية والفساد الحاصل في توزيع المساعدات وضبط احتياجات المخيمات وتقديمها للمنظمات([4])، إلا أن تردي الواقع الاقتصادي والإداري في المحافظة أسهم في تنامي المؤشرات التي تنذر باتساع حجم التحدي وازدياد صعوبات المعالجة. وشهد المستوى العام للأسعار ارتفاعًا ملحوظًا رافقه انخفاض كبير في سعر صرف الليرة التي وصلت إلى حدود 500 ليرة أمام الدولار بانخفاض قارب 90% للقيمة الشرائية. كما ارتفعت معدلات الفقر؛ إذ بلغت نسبة الفقر في المحافظة حوالي 90.5% في ([5])2015، وهي من أعلى النسب في سوريا. وإذا ما أضفنا نسب العوائل النازحة والمهجرة المحتاجة (حتى نهاية عام 2017) فإن النسبة العامة للفقر ستصل لمستويات بالغة الخطورة حيث يبلغ مجموع تلك العائلات 119.696 عائلة فيهم 107.622 عائلة ذات دخل شهري أقل من 40 دولاراً.([6]

كما أسهم تدهور الأداء الاقتصادي على كافة المستويات في الانكماش في النشاطات الاقتصادية وبروز العديد من النشاطات غير الرسمية كانتشار العمل العشوائي وتنامي ظاهرة "تجار الأزمة"؛ مما أفسح المجال أمام اقتصاد مواز يحاكي الرسمي المفترض، بإيراداته وشبكاته وتعاملاته التجارية. كما أن سوء الأحوال الأمنية وتدخل "الجماعات المسلحة" في مفاصل الإدارة، والقصف العنيف، وانتشار الاغتيالات، شكلت عوامل رئيسية لهروب أصحاب الأموال للخارج وعدم استقبال المحافظة لأي نوع من الاستثمارات، فانتشرت على إثر ذلك البطالة في ظل حاجة المواطنين الماسة للعمل من أجل كسب المال. 

بالعموم، فإن تزايد التحديات الناجمة عن تنامي الكثافة السكانية جراء سياسات التهجير وحركية النزوح المحلي فرضت على الفعاليات المحلية الإدارية والتنموية تحديات متنامية تستوجب منها إجراءات تراعي البُعد التنموي والاقتصادي في المحافظة، وهو الأمر الذي لا يزال متعثرًا بحكم السيولة الأمنية والاقتتال الداخلي من جهة، وتغليب منطق الاستجابة الطارئة بحكم المتغيرات المتسارعة في ملف المهجرين من جهة أخرى. 

مشهد عسكري وأمني مضطرب 

انخرطت محافظة إدلب -شأنها شأن معظم المحافظات- في الحراك السلمي والمظاهرات الشعبية منذ مارس/آذار 2011، ثم دخلت خط "الكفاح العسكري" الدفاعي ثم الهجومي في 2012، ثم جاءت سيطرة غرفة عمليات "جيش الفتح" على مدينة إدلب في مارس/آذار 2015. بالمقابل، استمرت جبهة النصرة ثم هيئة تحرير الشام كامتداد لها في قضم الفصائل الثورية المحلية والتمدد العسكري والإداري والمدني والتغلغل في مناطق إدلب. 

شكَّل تحرير مدينة إدلب في 2015 مُرتكزًا لنمو حركة النزوح لاحقًا إليها وإلى تمدد نشاط المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني ثم الحكومة المؤقتة ثم اقتحام "حكومة الإنقاذ" كأداة إدارية لهيئة تحرير الشام المصنفة على لوائح الإرهاب. وزادت الأحداث من تداخُل الوجود العسكري مع اكتظاظ السكان النازحين في المحافظة وبالتالي من شدة التحديات الأمنية والاقتصادية. 

خضعت محافظة إدلب لعدة محاولات لوقف إطلاق النار أو خفض التصعيد والتوتر كان آخرها في 15 سبتمبر/أيلول 2017 في اجتماع الآستانة السادس بين روسيا وتركيا وإيران، وتمخض عن "تقاسم للأدوار والنفوذ"، ولكن لم تُنجز الخرائط التفصيلية وبقي الخلاف على بعض النقاط خاصة من الجانب الإيراني الذي أصر على تواجد قوات قريبة منه على الحواجز الفاصلة ونقاط المراقبة، بينما أصرت تركيا على إمساك الملف الأمني بمفردها. وأدى عدم حسم الملف إلى استغلال النظام وإيران للوضع واقتحمت قواته مناطق جنوب شرق محافظة إدلب شرق سكة الحديد في الشهر الأول من 2018 واستعادت السيطرة عليها. 

يُذكر أن نسب السيطرة قبل هجوم النظام كانت على الشكل التالي: 98.5% قوى الثورة مع انتشار لجبهة النصرة، و1.5% ميليشيات ممولة من إيران وقوات النظام. أما بعد هجوم ميليشيات إيران وقوات النظام فقد استطاع النظام أن يُسيطر على منطقة واسعة وصلت نسبتها إلى 16%، فأصبح توزُّع نسب السيطرة على الشكل التالي: 82.5% قوى الثورة متنازعة مع فصائل أخرى كجبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام، و 17.5% ميليشيات إيران وقوات النظام. ([7])

وإثر تقدم النظام السريع في جنوب شرق إدلب سارعت تركيا إلى تنفيذ بنود اتفاق الآستانة ونشرت عدة نقاط مراقبة عسكرية وصلت إلى عشر نقاط حتى 9 مايو/أيار 2018 (موضحة على الخريطة الرئيسية)، ويُتوقع أن تصل إلى 20 نقطة لتُحيط بكامل أنحاء المحافظة ثم التفرغ لضبطها أمنيًّا وعسكريًّا. ([8]) ويكمُن التحدي الأساسي في إدلب أمام الجيش التركي المنخرط في عمليات لمواجهة قوات الحماية الشعبية الكردية في سيولة المشهد أمنيًّا وانخراط هيئة تحرير الشام جغرافيًّا في أماكن المدنيين وتداخلها مع هيئات إدارية كحكومة الإنقاذ وبعض المجالس المحلية. 

 

خريطة تبين مناطق السيطرة والنفوذ بين القوى العسكرية المحلية والإقليمية في إدلب ومحيطها

أما فيما يتعلق بالمشهد الأمني في إدلب، فقد شهدت هيئة تحرير الشام إضعافًا لبنيتها وعلاقتها بالحاضنة المجتمعية من عدة أطراف منذ بداية دخول الجيش التركي إلى إدلب؛ فقد سعت تركيا لعدم الدخول في حرب مفتوحة لمواجهة الهيئة وتأسيس مراكز المراقبة لوقف إطلاق النار حسب اتفاق الآستانة مما أدى إلى انقسام صفوف الهيئة في الموقف تجاه الدخول التركي وانشقاق عدد من فصائلها ومرجعياتها. وقامت أطراف عديدة غير معروفة -يرى البعض أنها خلايا متبقية من تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جند الأقصى"- ببث الفوضى الأمنية في مناطق سيطرة الهيئة عبر تنفيذ سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات. ومن الملاحظ من خلال تحليل بيانات الاستهداف الأخيرة خلال شهري مارس/آذار، وأبريل/نيسان 2018 أن أغلب أماكن حدوث الاغتيالات كانت في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (انظر الشكل أدناه).

 

الشكل رقم (1) يوضح توزيع السيطرة العسكرية في "مناطق الاغتيالات" بإدلب

الشكل رقم (2) يبين توزيع الجهات التي استهدفتها حملة الاغتيالات الأخيرة في إدلب

وشهدت المحافظة في الآونة الأخيرة عدة تطورات أبرزها تشكيل تنظيم "حراس الدين" في 27 فبراير/شباط 2018 بقيادة أبوهمام الشامي القيادي في تنظيم "القاعدة"، وأعلن بيعته لتنظيم "القاعدة". وضم تنظيم "حراس الدين" الفصائل التالية: حراس الشام، وسرايا الساحل، وسرية كابل، وجند الشريعة، بالإضافة إلى قيادات "القاعدة" في مجلس الشورى الذي يضم: أبو حبيب طوباس، وأبو خديجة الأردني، وسامي العريدي، وأبو القسام، وأبو عبد الرحمن المكي، وعدد من القيادات السابقة في "جبهة النصرة" التي رفضت فك الارتباط بالقاعدة. بعد نحو أسبوع من إعلان تشكيل "حراس الدين"، أعلنت ثلاث فصائل أخرى انضمامها إليه، وهي: "جيش الملاحم"، و"جيش البداية"، و"جيش الساحل". التزم تنظيم "حراس الدين" الحياد في الاقتتال الذي اندلع بين "هيئة تحرير الشام" و"جيش تحرير سوريا" في ريفي حلب وإدلب، ولكن هذا لم يمنع من حدوث بعض الاشتباكات بين مقاتلي "هيئة تحرير الشام" ومقاتلي حراس الدين في منطقة ريف حماه الشمالي، وخاصة أن معظم المنتسبين لحراس الدين هم عناصر (محلية وأجنبية) سابقة في الهيئة وفي جند الأقصى، ومعظمهم باتوا على خلاف واضح مع التيار الأقل تشددًا في الهيئة، وعلى خلاف مع قوى الثورة السورية. وأعلن تنظيم "حراس الدين" التابع لتنظيم "القاعدة" وفصيل "أنصار التوحيد" (منشق سابقًا عن "جند الأقصى")، في 29 أبريل/نيسان 2018، اندماجهما ضمن حلف واحد حَمَل اسم "حلف نصرة الإسلام". وذكر بيان مشترك لـ "التنظيمين"، أن هدف اندماجهما "إقامة دين الله تعالى، وتطبيق الشريعة الإسلامية، ودفع العدو الصائل"، وذلك مِن "باب التعاون على البر والتقوى"، طبقًا للبيان. 

تنحصر سيطرة حلف "نصرة الإسلام المُبايِع لتنظيم "القاعدة" الآن في ريف حماه الشمالي وفي الريف الجنوبي من جسر الشغور في إدلب، ولكن الثقل الأساسي يكمُن في شمال حماه. ويبلغ عدد مقاتلي الحلف حوالي 2500 منهم 1000 أجنبي([9]). ومن المتوقع أن يزداد عدد الأجانب في التشكيل، خاصة مع قبول "هيئة تحرير الشام" التهدئة مع "جيش تحرير سوريا" وعدم فتح جبهات جديدة من النظام سواء من قوى الثورة أو غيرها. هذه الأسباب تجعل من "حلف نصرة الإسلام" الخيار الأخير والوحيد للأجانب كي يحموا أنفسهم في إدلب. لذا، من المرجح أن نشهد معارك بين هذا الحلف وقوى الثورة من جهة ومع الهيئة من جهة أخرى. يُذكر أن فصيلي "حراس الدين" و"أنصار التوحيد" شنَّا هجومًا مباغتًا، في مطلع شهر مايو/أيار 2018، على مواقع قوات النظام في ريف حماه الشمالي، وتمكَّنا من السيطرة على بلدة الحماميات وتلَّتِها الاستراتيجية بريف حماه، قبل أن ينسحبوا منها نتيجة غارات الطيران الروسي. 

تفكيك الخارطة الإدارية 

حدَّد القرار رقم 1378 للعام 2011، والصادر عن وزارة الإدارة المحلية التابعة للنظام([10])، التقسيمات الجغرافية المركزية للمحافظة بـ6 مناطق تضم 26 ناحية فيما تُقسَّم المحافظة إداريًّا لا مركزيًّا إلى 157 وحدة إدارية توزع على 15 مدينة و47 بلدة و95 بلدية تتمتع بالشخصية الاعتبارية و304 تجمعات([11])، إضافة إلى العشرات من القرى والمزارع والتجمعات التي لا تحظى بالشخصية الاعتبارية ولا تشملها التقسيمات الإدارية([12]).  ويُقدر عدد المجالس المحلية التي سقطت بيد النظام بحوالي 17 مجلسًا محليًّا معتمدًا، مقابل 140 مجلسًا محليًّا تديره قوى المعارضة.

الشكل رقم (3) يوضح توزيع نسب السيطرة على الوحدات الإدارية في إدلب بين النظام والفصائل السورية

ويُعاني المشهد الإداري في محافظة إدلب من هشاشة وتشظٍّ كبيرين، أسهم فيهما التداخل بين الحالتين السياسية والعسكرية في المحافظة، الذي انعكس على المنظومة الـمُهيكلة للمجالس المحلية بنشوء مجالس محلية غير معتمدة من الحكومة المؤقتة، وتضاعفت أعدادها بشكل كبير. كما أن تشكيل "حكومة الإنقاذ" من قبل شخصيات مرتبطة بتنظيم "هيئة تحرير الشام" المصنف إرهابيًّا من أطراف دولية([13]) وبحماية وقوة تنفيذية منها زاد في تعقيد المشهد وتداخل الجهات العسكرية بالتنظيمات الإدارية المدنية، وأسهم في تعدد المرجعيات وتضاربها، ويُضاف إلى ذلك انفلات منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية من عقال الضبط الحكومي. 

وحسب تقرير أولي لمسح ميداني أجراه مركز عمران للدراسات مع وحدة المجالس المحلية([14])، جرى في الفترة من  8 أبريل/نيسان 2018 وحتى 15 مايو/أيار 2018 في محافظة إدلب، فإن 59% من المجالس المحلية تُصنِّف نفسها بأنها تتبع إداريًّا للحكومة المؤقتة مقابل 7% تُصنف نفسها تابعة لحكومة الإنقاذ. ومن الملاحظات وجود عدد من المجالس التي تتبع الحكومة المؤقتة لكنها مرغمة على التعاون مع حكومة الإنقاذ، فيما تصنف 16% من المجالس نفسها بأنها مستقلة عن حكومتي الإنقاذ والمؤقتة. ومن أهم الملاحظات لفريق المسح الميداني كان عدم تطابق مناطق النفوذ العسكري لهيئة تحرير الشام مع تبعية المجالس المحلية؛ حيثُ تشكل المجالس المحلية التي لها تبعية إدارية للحكومة المؤقتة، رغم أنها تقع في مناطق السيطرة العسكرية لهيئة تحرير الشام، ما مُعدله 22% من مجالس المحافظة الفرعية. ويُمكن عزو ذلك لكون المجالس المحلية مُنبثقة عن الحاضنة الاجتماعية وتُمثل بدرجة كبيرة طبيعة المزاج العام الرافض لممارسات هيئة تحرير الشام. ويؤكد هذا التحليل استعداد عدد من المجالس التي زارها فريق المسح الميداني لانتخابات جديدة لمجالسها مثل أريحا وكفر تخاريم.

 

الشكل رقم (4) يبين توزيع نسب تبعية المجالس المحلية في إدلب

ومن أهم عناصر استحواذ حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام هي قدرتها على توفير الغاز والتحكم بمعابر تجارية مع النظام وصيانة وتوفير خدمات المياه للمنازل وإدارة المعابر الدولية التي تدر عليها دخلًا توزعه على عدد من المجالس المحلية التي تتبع لها، كما تجري زيارات ميدانية مكثفة للرقابة على عمل المجالس. واستحوذت أيضًا على أي دعم أو تمويل مستقل يأتي للمجالس لمنعهم من امتلاك استقلالية مالية، فمثلًا، كان مجلس كفر يحمول يملك أرضًا زراعية يقوم بتأجيرها ويستفيد من مواردها، لكن منذ سبعة أشهر استولت عليها حكومة الإنقاذ. 

عمومًا، يمكن تسجيل عدة ملاحظات تجاه فاعلية المؤسسات السياسية والإدارية المحلية والجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني في محافظة إدلب، إذ تصطدم سياساتها بالعديد من العراقيل التي تحد من خياراتها، ويعود سبب ذلك أولًا: إلى التعارض في أجندات الجهات المسيطرة على المحافظة، وثانياً: لتشتت الإدارات والهيئات المدنية التي لا تزال تفتقر لرؤية استراتيجية موحدة تُمكنها من امتصاص صدمة النزوح وابتداع أدوات إدارة سياسية واقتصادية واجتماعية تتواءم مع الوضع غير المستقر للمحافظة، وثالثًا: للاعتمادية المفرطة على المنظمات الدولية والمحلية في تقديم المساعدات للسكان ومخيمات المهجرين والمجالس المحلية. 

إدلب والترتيبات السياسية والعسكرية المتوقعة 

رغم إنجاز اتفاق خفض التصعيد في إدلب ضمن الاجتماع السادس في الآستانة، في 15 سبتمبر/أيلول 2017، فإن الخرائط والتفاصيل الجزئية حول آلية المراقبة لم تُحسَم بين الأطراف الثلاثة بشكل نهائي. ولكن يبدو أن التقارب الروسي-التركي حول إدلب أكثر من تقارب الاثنين مع إيران. حيث صرح علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى في إيران، بأن "الخطوة القادمة لمحور المقاومة ستكون تحرير مدينة إدلب السورية([15]). وحذرت الأمم المتحدة عبر نائب المبعوث الدولي إلى سوريا للشؤون الإنسانية، يان إيغلاند، من اندلاع حرب في إدلب لكونها أصبحت أكبر مخيم للنازحين في العالم. كما حذر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، من انتقال القتال إلى إدلب وتعريض المدنيين إلى خطر كبير. وفي نفس الوقت، تؤكد تركيا عبر عدة تصريحات للرئيس أردوغان أن إدلب وضبطها سيكونان الهدف القادم بعد عفرين ومنبج. ودعا وزير الخارجية الفرنسي، لو دريان، إلى ضرورة تقرير مصير إدلب من خلال عملية سياسية تتضمن نزع سلاح الميليشيات فيها. 

بالمقابل، لا يمكن فك مصير إدلب عن معطيات المشهد العسكري العام وجنوحه باتجاه تبلور طموحات إقليمية ودولية ناشئة تجعل هذا المشهد يدخل في مرحلة إعادة تشكل وترتيب جديد، سواء بالاتكاء على فكرة ومفهوم الدول الضامنة أو عبر ترسيم جديد لحدود النفوذ الدولي. وسينعكس هذا الترتيب الجديد حُكمًا (سلبًا أو إيجابًا) على العملية السياسية التي دخلت مرحلة من السيولة المغرقة منذ جنيف 8 وما تبعها من تطورات ميدانية -مثل عملية غصن الزيتون، ومحاولات إعادة ترسيم حدود منطقة إدلب، ومعركة "إسقاط" الغوطة الشرقية، والنفوذ الإيراني في الجنوب السوري- وما رافقها أيضًا من هشاشة في بنى الفاعلين السوريين، سواء المعارضة التي باتت جسمًا سائلًا يصعب ضبط توجهاته، أو النظام الذي يجد نفسه غير قادر على إرفاق السيطرة العسكرية بسيطرة سياسية واجتماعية (كما يتخيل)، وغير مؤهل لمواجهة استحقاقات مرحلة البناء وإعادة الإعمار. 

وفقًا لهذه المعطيات، يمكن الاستدلال فيما يتعلق بالمحافظة على أنها تسير وفق عدة اتجاهات يتضح التموضع التركي الرئيسي منها جميعًا، فتركيا رأت في اعتماد الخيارات الصلبة المدخل الأكثر حسمًا في مواجهة المهددات الأمنية التي تتعاظم ضدها، وسيكون لها تأثير واضح في الشمال السوري خاصة بعد شبه اكتمال تحقيقها لأهداف غصن الزيتون واستحواذها شبه المكتمل على الأجزاء الشمالية، بالإضافة إلى أدوار تركية محتملة ضمن مسار الآستانة فيما يخص محاربة جبهة تحرير الشام سواء عبر سياسات تفكيك أم مواجهة مباشرة عبر فصائل المعارضة، وفي ذات الوقت يُتوقَّع أن يخضع اتفاق الآستانة لخروقات مستمرة من قوات تتبع إيران وتميل إليها روسيا أحيانًا عندما تريد الضغط على تركيا، ثم تعود لتدعم الموقف التركي في تحصين هذه المنطقة أمنيًّا وإدارتها مدنيًّا. 

بالمقابل، يسعى النظام إلى الدفع باتجاه استعادة "السيادة الوطنية" عبر مقاربات عسكرية أو سياسية عندما يعجز عن استخدام أدوات الروس أو الإيرانيين. وقد يلجأ إلى عدة خيارات بالتوالي أو التوازي، أهمها:

  1. إنهاك منطقة إدلب أمنيًّا بتيسير مرور "أطراف متشددة" وتنفيذ عمليات أمنية واستهداف للشخصيات الثورية القادرة على جمع الحاضنة الشعبية. وتهدف هذه السياسة إلى إضعاف بنى المعارضة وإيجاد الحجج السياسية لعودة "سيادة مؤسسات الدولة". كما يسعى النظام إلى إفشال نموذج الإدارة المحلية وتصويره على أنه يتبع لمنظمات مصنفة دوليًّا إرهابية.
  2. استثمار مسار الآستانة بين الدول الثلاث: روسيا وتركيا وإيران، لتوسيع دائرة الدول المشاركة فيه وإعادة تعريف أدوار الضامنين، كالمطالبة بدور إيراني أكبر بهدف استخدامه للولوج إلى منطقة إدلب سياسيًّا.
  3. الدفع نحو صفقات أمنية جزئية بشكل ثنائي ومباشر مع القوى الدولية المتواجدة في سوريا، كتركيا وأميركا والأردن لتحييد القوى العسكرية السورية والأجنبية والسماح للنظام بعودة مؤسساته تدريجيًّا لاستعادة تحكمه بمفاصل الخدمات، ومن ثم إعادة اختراق الحاضنة والعودة الأمنية كما فعل في مناطق المصالحات.
  4. عقد صفقات لتحييد الطرق البرية والرئيسية والمعابر التجارية والدولية عن الصراع، وتبدو هذه الخطوة الأسهل على النظام لكونها تحقق مصالح مشتركة لكافة القوى، إلا أن النظام يريد منها إعادة امتلاك وظائف الدولة الأساسية وأجزاء من المواقع السيادية. 

خاتمة 

تتجه إدلب نحو عدة مسارات تعتمد على سياسات وردود أفعال عدد من الدول الفاعلة، خاصة تركيا التي تبدو الفاعل الرئيسي فيها. في حين يبدو أن النظام سيسعى بداية إلى عقد صفقات لفتح الطرق الدولية الرئيسية في سوريا وبالتالي عقد اتفاقيات تجارية مع مختلف المناطق مع تعزيز حالة الفوضى الأمنية في مناطق المعارضة في إدلب بشكل خاص. ويتوقع أن يخضع اتفاق الآستانة لمساومات ومنازعات من قوات تتبع النظام وإيران وتميل إليها روسيا أحيانًا عندما تريد الضغط على تركيا.

 

المصدر مركز الجزيرة للدراسات: https://bit.ly/2s95y01

 


 

([1])منظمة التنمية المحلية بالتعاون مع الحكومة السورية المؤقتة، "أطلس المعلومات الجغرافي، إدلب"، 17 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2018):

 https://drive.google.com/drive/folders/0B9mAVSIoeDcPNFRKY1MzejNxV3c

يُشار إلى أن المكتب المركزي للإحصاء التابع للنظام يُقدِّر عدد سكان محافظة إدلب في عام 2016 بـ1445000 نسمة، وهو رقم يبدو أنه لا يشمل النازحين إلى المحافظة، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2018):  http://www.cbssyr.sy/yearbook/2017/Data-Chapter2/TAB-4-2-2017.pdf

 ([2]) وحدة المعلومات، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تقرير غير منشور، 8 مايو/أيار 2018.

([3]) وحدة التنسيق والدعم، "الكارثة في سورية: التهجير القسري من الغوطة الشرقية والقلمون"، 3 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول 9 مايو/أيار 2018).

https://goo.gl/oHLb94

([4]) حيث عملت الهيئة على تقسيم المحافظة إلى قطاعات ضمن كل قطاع عدد معين من المخيمات بحيث يكون لكل قطاع مدير ولكل مخيم إدارة خاصة به تعمل على إحصاء أعداد المهجرين واحتياجاتهم المختلفة داخل المخيم من سلع وخدمات تشمل الصرف الصحي والتعليم والصحة والطعام...إلخ، وترفع هذه الحاجيات إلى إدارة القطاع الذي بدوره يوصلها للهيئة العامة حيث تجتمع لديه لوازم ونواقص المخيمات في قطاعات المحافظة كافة، فيتم توجيه المنظمات الإغاثية حسب تلك المعلومات.

([5]) المركز السوري لبحوث السياسات، "مواجهة التشظي"، 11 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2018):

 https://goo.gl/b7ibW2

([6]) إحسان للإغاثة والتنمية، "تقييم الاحتياجات متعدد القطاعات في محافظة إدلب"، يناير/كانون الثاني 2017، تقرير غير منشور لدى المؤلف.

([7]) حسب تقدير وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، غير منشور، بالاعتماد على احتسابها باستخدام برنامج ال ArcGis بتاريخ 15 أبريل/نيسان 2018.

([8]) حسب الموقع التركي: http://www.suriyegundemi.com/2018/05/09/9620/ تاريخ الدخول 9 مايو/أيار 2018.

([9])  حسب مقابلة مع مصدر خاص في إدلب لدى وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بتاريخ 8 مايو/أيار 2018.

([10])  اعتمد القرار 1378 على القانون الإداري 107 المتضمن معايير تقسيم الوحدات الإدارية بحسب عدد السكان في كل منطقة، كما اعتمد على الإحصاء السكاني للمكتب المركزي للإحصاء التابع لحكومة النظام للعام 2004 وتعديلاته للعام 2011 وفق معدل النمو السكاني في سوريا

([11]) يُقصد بالشخصية الاعتبارية تمتع الوحدة الإدارية بالذمة المالية المستقلة والأهلية القانونية للقيام بالتصرفات القانونية المختلفة كإبرام العقود وحق التقاضي أمام القضاء وإمكانية مقاضاتها من الغير، والموطن المستقل عن الأفراد المكونين لها، ووجود شخص يعبِّر عن إرادة هذه الوحدة ويتصرف باسمها ويمثلها، إضافة إلى تمتعها بالمسؤولية المدنية والإدارية الكاملة

([12]) منظمة التنمية المحلية، 17 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2018): https://bit.ly/2s2Uv8H

([13]) تم تصنيف "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية من طرف الولايات المتحدة الأميركية بتاريخ 10 مارس/آذار 2017، موقع وزارة الخارجية، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2018): https://www.state.gov/j/ct/rls/rm/273854.htm

وانظر موقع السفارة الأميركية في دمشق، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2018) إضغط هنا.

([14]) التقرير الأولي غير منشور بتاريخ 8 مايو/أيار 2018.

([15]) إيران: هدفنا القادم إدلب والوجود العسكري الأميركي لن يبقى شرق الفرات، موقع روسيا اليوم، تاريخ النشر: 13 أبريل/نيسان 2018: goo.gl/xmrxxc

 

التصنيف أوراق بحثية

ملخص تنفيذي

  • قد تكون تجربة العمل السياسي النسائي تجربة وليدة إلا أنها حققت في فترة ما بعد الثورة السورية قفزة هامة لاسيما فيما يرتبط بتصدير النساء إلى مراكز صناعة القرار بعد مرحلة تهميش امتدت لعقود، وهو ما يعبر عن حالة ديمقراطية قد تكون بداية مرضية في مسيرة بناء المجتمع. ناهيك عن خوضها في ملفات غير نمطية كمحاربة الإرهاب وهيئة الحكم الانتقالي والدستور، وهذا يرجع لرغبة النساء في التأثير الفاعل والمشاركة الحقيقية بحكم تراكم ووجود خبرات نسائية تم تهميشها سابقاً، وهو ما شجع بقية النساء على التفكير بدخول هذا المعترك.
  • كانت تجربة العمل النسائي السياسي عموماً ضمن أجسام المعارضة أقل فعالية من تجربتها خلال المفاوضات، ويرجع ذلك إلى أن المشاركة تقوم على مبدأ المحاصصات والتوافقات أكثر من اعتمادها على الكفاءات، إلى جانب تنميط الأدوار وخاصة مع بدايات العمل السياسي، باستثناء حالات قليلة ساهمت فيها الخبرة السياسية وفهم متطلبات المرحلة بالإضافة إلى شخصية المرأة، بفرض احترامها وحجزت مقعدها في الصفوف الأولى دون منازع.
  • قامت أغلب التجمعات النسائية بتشجيعٍ من المجتمع الدولي بالمشاركة في استحقاقات سياسية مما جعلها تخرج للعلن على عجل، دون أن تقوم على أسس إدارية متينة، وجعلها عرضة للانهيار السريع، وفقدان الفعالية والتأثير نتيجة لضعف الشفافية الإدارية وضعف القوانين الداخلية الواضحة التي تدير الخلافات، كما أن عملية اتخاذ القرارات شابها الكثير من المشاكل من حيث استئثار البعض بالقرار.
  • يمكن ربط مؤشرات ضعف الحركة السياسية النسوية بضعف ديناميات العمل السياسي عموماً وافتقارها القدرة على التأثير، كضعف المشاركة النسائية من حيث العدد والكفاءات، وغلبة الدور الاستشاري غير الملزم، وعدم استيعاب كافة أطياف النساء، وقلة التواجد النسوي من الاتجاهات والأحزاب المحافظة، وتبلور مشاركة النساء السياسية بحكم ضغوط دولية أكثر مما هي نتيجة لنضوج الفكرة اجتماعياً، بالإضافة إلى تنامي الصراعات الداخلية النسائية وعدم استطاعة استقطاب الفئات، ناهيك عن ضعف استناد هذه الكيانات للقاعدة الشعبية التمثيلية واكتفائها بالدوائر المقربة.
  • أوصت الدراسة بحزمة من الإجراءات التي من شأنها دفع الحركة النسوية باتجاه تطوير أدائها وبناها كتوسيع التمثيل النسائي الحالي بشخصيات ذات ثقل شعبي في الداخل السوري ومناطق المخيمات، وإعداد برامج تأهيل طويلة الأمد موجهة للنساء، في المسار السياسي وغيره، والقيام بحملات قياس الأثر بشكل دوري للهيئات والمشاريع النسائية، والسعي لتطوير الهياكل الإدارية بشكل يتلافى المشاكل السابقة التي تتعلق بسوء الإدارة والفردية وضعف الشفافية.

المقدمة

مع انطلاق الثورة السورية في آذار 2011، حطّم الشعب السوري العديد من القيود التي فرضت عليه خلال العقود الثلاثة الأخيرة بدءاً من انقلاب حزب البعث على السلطة، وصولاً إلى حكم بشار الأسد واستمراره على نهج أبيه في خنق الحريات، وفرض قيود على حرية التعبير وتجفيف منابع الحياة السياسية، وقد حملت الثورة السورية معها ثورة فكرية واجتماعية كسرت عند السوريين حاجز الخوف، وأجّجت عندهم الشعور بالانتماء والمواطنة وأطلقت في نفوسهم رغبة عارمة بالإصلاح والتغيير في كافة مناحي الحياة، فتزايد الاهتمام بمتابعة الحدث السياسي وتحليله خصوصاً من الشباب، ومراجعة تاريخ سوريا ودراسة الأسباب التي أوصلت سوريا إلى ماهي عليه، مع محاولة لاستقراء المتغيرات السياسية المرحلية، والاستفادة من تجارب ثورات الربيع العربي وتجارب ثورات أخرى، وللتفاعل مع الحدث السياسي بشكل يخدم ما يجري على الأرض، وبهدف إخراج الثورة السورية من عنق الزجاجة نتيجة رفض نظام الأسد لأي حل سوى الحل العسكري غير المتكافئ.

كانت المرأة السورية شريكاً رئيسياً وفاعلاً في الثورة منذ الحراك السلمي، وحرصت على أن تكون شريكاً مؤثراً في المجالات التي تخدم أهداف الثورة وتسهم في تحقيق مطالب السوريين، فانخرطت في الأجسام السياسية المعارضة وحاولت الحصول على دور في صناعة القرار. ومع التوجه نحو تغليب "الحلّ السياسيّ" تزايدت الحاجة إلى تعزيز الوجود النسائي وتفعيله، فبدأت التجمعات النسائية بالتزايد، مستفيدةً من الضغوط الأممية والأوربية التي ركزت على ضرورة زيادة التمثيل النسائي. وقد واجهت هذه الكيانات العديد من التحديات والمعوقات كما حققت الكثير من النجاحات، والتي كان من أهمها تثبيت الوجود النسائي في كافة مفاصل العمل السياسي السوري، والمشاركة في رسم مستقبل سورية مما تجلى خصوصاً في المشاركة بعملية التفاوض.

بناءً على ما سبق، تسلط هذه الدراسة الضوء على تجربة العمل السياسي النسائي السوري، انطلاقاً من الأسباب التي دفعت النساء للدخول في مجال اعتبر تقليدياً من المجالات البعيدة عن اهتمامات المرأة السورية عامةً، وخاصة مع غياب الخبرة السابقة أو أي شكل من أشكال المشاركة السياسية أو الحزبية المستقلة أو المعارضة.  ويمكن تقديم تعريفاً اجرائياً لمفهوم المشاركة السياسية الذي ستركز عليه الدراسة وهو الأدوار التي تهتم بالمجال السياسي والسياساتي، سواء أكانت منظمة مجتمع مدني أو أجسام سياسية تمارس ادواراً سياسية مباشرة عبر العملية السياسية أو التفاوضية أو الحزبية، أو مؤسسات إدارة محلية.

وكان لابد لدراسة هذه التجربة من ملاحظة الشخصيات النسائية التي شاركت في الأجسام السياسية المعارضة بشكل فعال أو الكيانات النسائية التي تأسست خلال سنوات الثورة، وتسليط الضوء على نشأة تلك الكيانات وأهدافها وما حققته، لمعرفة العوامل التي ساعدت على تصدر أولئك النساء واجهة العمل السياسي. كما كان ينبغي تتبع المعايير التي نظمت عملية اختيار الشخصيات النسائية للأجسام السياسية المعارضة، وفي جولات التفاوض وتقييم أدائها السياسي وتحديد المعوقات التي صادفتها وردود الفعل التي واجهتها، ومدى تمكنها من إثبات وجودها الفاعل والمؤثر في صناعة القرار، وصولاً إلى تطوير هذه التجربة وتعزيزها وتذليل العقبات التي تعيق مشاركة وجوه نسائية جديدة.

اعتمدت الدراسة على عدد من المقابلات مع شخصيات نسائية عملت ضمن أجسام سياسية معارضة، أو كانت لها مشاركة مباشرة في جولات تفاوضية أو مؤتمرات سياسية، أو شاركت بتشكيل هيئات وملتقيات نسائية ذات صبغة سياسية خلال سنوات الثورة، حيث تم التواصل مع أكثر من 65 سياسية سورية في عدد من الدول الأوروبية أو دول اللجوء، استجابت 24 منهنّ، واعتذرت 12 سيدة أخرى لأسباب مختلفة منها الانشغال، فيما تجاهلت باقي النساء اللاتي تم التواصل معهنّ المشاركة في المقابلات([1]).

تم إعداد الدراسة بناءً على استبيان أول مؤلف من 40 سؤال حول موضوع الدراسة، بالإضافة إلى حوارات هاتفية مباشرة مع عدد من سياسيات الصف الأول استمرت كلّ منها لأكثر من ساعة، واستبيانٍ ثانٍ قصير مؤلف من 3 أسئلة هَدَف لاستقراء آراء النساء في العمل السياسي؛ حيث وزع على عينتين من النساء، الأولى شملت 51 ناشطة سورية من الفئة العمرية ما بين 20-45 ممن كانت لهن مشاركة ثورية حقيقية ولا زلن يتابعن الوضع السوري السياسي والعسكري والاجتماعي و يتوزعن في كلّ من الداخل السوري وتركيا والأردن وبعض بلدان اللجوء، ويعمل أغلبهن ضمن منظمات مجتمع مدني تعنى بالعمل الإنساني، فيما شملت العينة الثانية 25 سيدة تقيم في اسطنبول تم انتقاؤها بشكل عشوائي.

للمزيد حول الدراسة انقر هنا

التصنيف الدراسات
الأربعاء, 11 نيسان/أبريل 2018 17:56

"ندوة أكاديمية بعنوان "مآلات الثورة السورية

شارك مركز عمران  للدراسات الاستراتيجية ممثلاً بباحثيه أيمن الدسوقي ومعن طلاع بالندوة الأكاديمية التي عقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات والتي حملت عنوان "مآلات الثورة السورية"، وذلك يومي 7 و8 نيسان 2018، في العاصمة القطرية الدوحة.

في اليوم الأول تناول الباحث الدسوقي في ورقته التي جاءت تحت عنوان: "مقاربة الحركات الجهادية للحكم المحلي وأثرها في الثورة السورية: مقارنة بين تنظيم الدولة وهيئة تحرير الشام" أنماط الحكم المحلي التي أفرزتها الثورة السورية، وخصوصاً تلك التي نشأت بظهور الحركات الجهادية كـ "تنظيم الدولة الإسلامية" و"هيئة تحرير الشام".  في المنطقة، مبرزاً نقاط الاختلاف بينهما في ظل تفاوت الأدوات والمسميات المستخدمة والهياكل التنظيمية في إدارة وحكم كلً منهما.

في حين ركزت مشاركة الباحث طلاع في اليوم الثاني من الندوة في ورقته التي جاءت تحت عنوان: "تحولات البنية الأمنية للنظام السوري خلال الثورة"، على أهم التحولات التي شهدتها البنية الأمنية للنظام، والمتمثلة بعدم تماسك البيئة الأمنية في مناطق النظام وعدم خضوعها "إداريًا" أو "وظيفيًا" لقوة أمنية مركزية مضبوطة، مدللاً على تدهور مؤشرات الاستقرار الأمني بتدفق الميليشيات الأجنبية الحليفة للجغرافيا السورية من جهة، وبقرار تكوين مجموعات عسكرية محلية يشرف عليها كبار رجال النظام من جهة ثانية. مما عزز من نتائج الفشل الوظيفي والسيولة الأمنية وتعارض الأجندة الأمنية للفواعل الأمنية في مناطق سيطرة النظام.

ومن الجدير بالذكر أن الندوة حضرها العديد من الشخصيات السورية الفاعلة في الثورة السورية من سياسيين وناشطين وباحثين.

التصنيف أخبار عمران

أجرى تلفزيون العربي مقابلة تلفزيونية مع الباحث ساشا العلو للتعليق على أحداث الغوطة الشرقية في ظل القصف المتواصل على المنطقة، بتاريخ 23 شباط/ فبراير 2018

 

 

أجرت قناة الشرق مقابلة تلفزيونية مع الدكتور عمار قحف -المدير التنفيذي لمركز عمران- للحديث عن الغوطة الشرقية في ظل ما تعانيه من سياسات حصار وقصف ممنهج من قبل النظام السوري نتج عنه حسب رأي القحف أبشع المجازر فى التاريخ...

 

 

 

شارك الدكتور عمار قحف المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية في الندوة الحوارية التي نظمها مركز الجزيرة للدراسات والأبحاث بالتعاون مع المركز التركي الآسيوي للدراسات الاستراتيجية في اسطنبول في 20/ 2/ 2018م، وشارك فيها نخبة من الباحثين والمفكرين العرب والأتراك.

وتضمنت الندوة التي حملت عنوان "القوى المضادة للربيع العربي بين الواقع واستشراف المستقبل"، نقاشاً حول مآلات ثورات الربيع العربي وعودتها إلى محطتها الأولى، وإلى أي مدى تمكنت الثورات المضادة من السيطرة على مفاصل الدول التي قامت بثورات، والكلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية لمحاولات إجهاض ثورات الربيع العربي.
 
وقد بيّن الدكتور قحف أن "المشهد السوري من أقل المشاهد التي تدخلت فيه القوى المضادة للثورة، لكن التدخل الإقليمي والدولي كان كبيراً”. وقال القحف: "هناك عوامل ذاتية في الثورة السورية تقول إن النظام لم ينتصر بعد، وبشار الأسد غير موجود (القرار ليس بيده) هو فقط صورة لعصابات مختلفة وقطاع الطرق والميليشيات الخارجية”، كما أضاف: أن "كل ذلك أجّل استحقاق انتصار الثورة وتمكينها، لكنه لم يلغها ولم يحسم الصراع للنظام”،وأوضح القحف أن الشعب السوري دفع كلفة عالية لثورته، وهو يريد بديلاً عن الأنظمة القمعية، لذلك فنحن بحاجة لعقد اجتماعي جديد. وختم حديثه بالتأكيد أن هناك فرصة كبيرة أمام الشباب للدخول في المشروع العربي المتصالح مع تركيا.

 

التصنيف أخبار عمران

على الرغم مما حمله حدث استقالة رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، من مؤشراتٍ مُغريةٍ للتحليل على المستوى السياسي لمستقبل لبنان الذي تنفس أهله الصعداء في الأيام الماضية، أو على مستوى المنطقة التي تنتظر كل يوم أزماتٍ جديدةٍ كدول ملعبٍ تحمل إليها دول اللاعب صراعاتها ومبارياتها؛ إلا أن أبرز ما يلفت في تفاعلات هذا الحدث من بدايته المريبة إلى نهايته النسبية؛ هي عودة الحريري إلى لبنان، وتحديداً ذاك الاستقبال الحاشد له في بيت الوسط ببيروت ومن ثم من قبل أنصاره من تيار المستقبل.

وبغض النظر أن لهذا التحشيد سياقه وهدفه السياسي والحزبي على الصعيدين المحلي والإقليمي، إلا أن المثير للاهتمام هو ذاك التمسك الذي يبديه الناس في الأزمات التي تهدد استقرارهم وتنذر بما هو أسوأ، إذ يبدو أن السلوك العام للجماعة ينتقل في الأزمات إلى مستوى التعبير عن الحاجة لقيادة يلتفون حولها بشكل قد يصل للمبالغة، علماً أنهم قد يكونوا غير مقتنعين بالقائد الذي يمثلها!

بمعنى أن المكون السُني اللبناني بعقله الجمعي يدرك تماماً كغيره من مكونات لبنان؛ أن سعد الابن لم يرث من قامة والده السياسية ما يستحق الذكر، فلم يمثلْ الشابُ رجل دولة حقيقي أو سياسي مُحنَّك أو زعيم طائفي أو رجل علاقات إقليمية ودولية أو حتى عميداً لأسرة الحريري، وعلى الرغم من إدراكهم هذا؛ إلا أنهم يلتفون اليوم حول "سعد الشاب" ويتمسكون به.

 وهنا قد نفهم أن الأزمات والتهديد الحقيقي لأي جماعة قد يدفعها للالتفاف حول قيادتها رغم عدم قناعتها بها، أي أن الجماهير تُعبر عن شعورها برفض واقعٍ أسوأ كالعودة إلى حالة عدم الاستقرار وذكريات الحرب التي يعرفها لبنان جيداً، فتعبرُ كجماعة مدركة لمصالحها عن رفضها وخوفها من العودة لتلك الحالة أكثر من تمسكها بالشخص ذاته، والذي تخدمه الأزمة لتقدمه "كمُخلِّص".

 أي أن سلوك الجماعة هنا يبدو تعبيراً عن رفض الأسوأ أكثر من كونه تمسكاً بشخص.  وإن صحت المقاربة للتوضيح؛ فقد فُسِّرَّ الخروج الجماهيري للمصريين إلى الشوارع بمظاهرات 9و10 يونيو 1967 للمطالبة بعودة جمال عبد الناصر إلى الرئاسة والعدول عن استقالته، وبقدر ما كان ناصر عليه من كاريزما القائد، إلا أن هذا التحرك الجماهيري ضمن ذاك الموقف عبَّر في عمقه عن رفض المصريين لهزيمة الـ 67 أكثر من تمسكهم بناصر، والذي كان يمثل بقاؤه أيضاً بالنسبة لهم أداة لرفض الهزيمة، أي أنهم عبروا بشكل جماعي عن رفض الهزيمة أمام إسرائيل وانعكاسها داخلياً بشكل يدفع زعيمهم للاستقالة.

وعلى الرغم من أن شخصية ناصر ببعدها القومي وعمقها المحلي وجانبها الزعامي لا يصح مقارنتها بسعد الحريري، ليس تقليلاً من شأن سعد ولا تعظيماً لشأن ناصر، وإنما هو الواقع. ولكن يمكن أن نفهم من تلك المقاربة بشكل عام بعضاً من سلوك الجماعات في الأزمات والمهددات الحقيقية، وكيف تعيد الأزمة كمتغير ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم من مدخل الحاجة، أي أن الجماعة في الأزمات قد تعبر عن حاجتها للالتفاف خلف قيادة، أو حتى خلقها بمن ليسوا أهلاً لها، في سبيل حماية مصالحها أو درء تهديدٍ ما عنها أو حتى تحقيق هدفٍ معين.

بالمقابل، ففي الأزمات المهددة لمصالح الجماعة ليس بالضرورة أن يكون القائد مُخلِّصاً بالمطلق، وإنما قد تتحول القيادة إلى وسيلة لابتزاز الجماعة؛ فالأزماتُ كظرفٍ سياسيٍ تبدو من أكثر المداخل التي تلجأ الأنظمة السياسية إلى استغلالها في سبيل إعادة ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم من مدخل الحاجة. فمن يمثل تلك القيادة يدرك تلك الحاجة تماماً، فيعمل على استثمار الأزمات وحاجة الناس في تعزيز قيادته، وقد يحرص على استمرار الأزمة التي تستمر بها مخاوف الجماعة وبالتالي التفافها حول قيادته أكثر، بل وقد يسعى في سبيل ذلك إلى تصنيع أزمات معينة.

وغالباً ما تكون تلك الأزمات مُصنعة باتجاهٍ يهدد أمن الجماعة، لذلك قد تُقدّم الجماعة تنازلاتٍ عدة لحفظ أمنها، ومن تلك التنازلات حقوقها وحرياتها التي لا تبدو أولوية قياساً بأمنها و"تهديد وجودها"، لتولد من هنا معادلة الأنظمة السياسية الديكتاتورية وعقدها الاجتماعي المتمثل بـــ "الأمن مقابل الحريات"، والذي يعيد ضبط العلاقة بين المطالب الشعبية بالإصلاح السياسي والاقتصادي وبين استجابة النظام الحاكم لها.

وضمن هذا السياق نستطيع أن نفهم كيف اعتاشت قيادات سياسية عربية تاريخياً على الأزمات لترسيخ حكمها وأنظمتها الديكتاتورية، فمن حافظ الأسد الذي اعتاش ونظامه على القضية الفلسطينية واستغلالها كإحدى الأزمات الناظمة لسلطته الأمنية مع شعبه عموماً، ومن ثم تهويل واستغلال أزمات داخلية (الإخوان المسلمين) لترهيب الأقليات وربط مصالحهم به، وبالتالي ضمان تغول أكبر للأجهزة الأمنية وقانون الطوارئ ومصادرة الحريات. ومع اندلاع الثورة السورية استمر الأسد الابن بذات العقلية لضمان ولاء فئات محددة من المجتمع السوري، فكان أن لجأ إلى إخراج الجهاديين من السجون كأداة ساهمت مع العديد من العوامل في تصنيع "الإرهاب" كأزمة أعادت ضبط اصطفاف بعض الفئات حوله وتحديداً الأقليات، و"شرعنت" له سياقاً وأدوات قمعية للتعامل مع مطالب الحراك الشعبي على الطرف الآخر، فاستطاعت تلك الأزمة قلب أولويات المعادلة السورية من رحيل النظام إلى مكافحة "الإرهاب".

وكمثالٍ لا يقل وضوحاً عن استثمار الأزمات في ترسيخ السلطة، يتجلى نهج القيادة المصرية المتمثلة بعبد الفتاح السيسي، فصبرُ المصريين على السيسي رغم الكوارث التي تعيشها الدولة المصرية في عهده؛ بدءاً بشخصيته التي لا تليق بحجم مصر وصولاً إلى التدهور الاقتصادي والسياسي والحقوقي وحتى السيادي، ذلك الصبر لا يبدو حباً بالسيسي بقدر ما يظهر كتعبيرٍ عن رفض لواقعٍ "أسوأ" استطاع نظام السيسي تسويقه كبديل لحكمه، فحصر أغلب المصريين في ثنائية "أنا أو الإرهاب"، "أنا أو النموذج السوري"، إذ يبدو أن السيسي استطاع إلى الآن ابتزاز المصريين واستغلال حاجتهم للأمن في الأزمات، بل وأجبرهم على التنازل عن حريات عدة في سبيل "ضمان أمنهم".

ولا يبدو السيسي المثال الأخير لقادة الأزمات، خاصة بعد الربيع العربي، فهناك على الحدود الغربية لمصر حيث ليبيا؛ برز أيضاً المشير خليفة حفتر، الرجل الذي جاء على ظهر الأزمات الليبية وقُدم كبديلٍ عن فوضى السلاح والجماعات الإسلامية و"الإرهاب". وكذلك الرجل الثمانيني، الباجي قايد السبسي، والذي استغل أيضاً الأزمة السياسية التي وقعت فيها تونس إثر حكم حركة النهضة وموجة "رهاب الإخوان" كأزمة بعد الربيع العربي. ليعود كقائد لبلدٍ خارجٍ من ثورة على نظام كان السبسي أحد أعمدته.

ولعل استراتيجية خلق الأزمات واستغلالها لم تقتصر على قادة الأنظمة العربية في المنطقة، وإنما امتدت عدواها لتشمل غيرهم، فالبرزاني أحد الأمثلة الحية وليست الأخيرة على الهروب إلى الأمام من تأزم الوضع الداخلي سياساً واقتصادياً، من خلال تصديره أزمة أكبر تمثلت بالاستفتاء، على أمل إعادة ضبط الأوضاع الداخلية لصالحه من جديد، إلا أن البرزاني يختلف عمن سبقوه بأن أزمته أطاحت به بدلاً من تثبيته، وربما اختار الأزمة الخطأ لتصديرها.

للأنظمة العربية وقياداتها تاريخٌ طويلٌ في صناعة الأزمات لإعادة ضبط العلاقة بينها وبين الشارع؛ الأزمات التي صُممت للتغطية على أُخرى أعمق وتثبيت سلطة معينة في الحكم. إلا أن تلك الصناعة اتخذت بعد الربيع العربي مستويات خطيرة، حيث شكلت بالنسبة للأنظمة الغطاء الأهم لتبرير دخولها بحرب مفتوحة مع مجتمعاتها على المستوى المحلي، بينما تجلت خطورتها أكثر في إعادة تعويمهم رغم تلك الحرب على المستوى الإقليمي والدولي. فـ"الإرهاب" الذي صُنّعَ بصيغةٍ إسلامية؛ مثّلَ أزمةً أطالت بعمر العديد من الأنظمة التي وظفتهُ في صد الربيع العربي. واليوم ومع اتجاه تلك الأزمة إلى النهاية بعد رحلة طويلة من "المكافحة"، ها هي ثورات الربيع العربي تدور 360 درجة مع الأزمات التي صُنِّعتْ لعرقلتها، لتعود وجهاً لوجه مع الأنظمة الصانعة، فهل تلجأ الأخيرة لخلق أزمات جديدة بأدوات مختلفة، أم تكون الموجة القادمة من التحرك الشعبي هذه المرة أسرع وأوعى؟

 

التصنيف مقالات الرأي