مقالات

المسارات

الملفات

الباحثون

التصنيف

تاريخ النشر

-

لا تغدو انتخابات الإدارة المحلية في سورية والتي أجريت في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد بعد تمديد الدورة الانتخابية للمجالس القائمة منذ انتخابات الإدارة المحلية في ديسمبر 2011 ، لا تغدو هذه الانتخابات خطوة جدية في إعادة تمثيل المحليات على أسس من  مشاركة المجتمعات المحلية في إدارة وحداتها الإدارية، ونقل المزيد من الصلاحيات من المركز إليها  على الاقل وفق ما يتيحه القانون الإداري 107 الصادر في العام2011، بعد إخراجه من أدراج النظام كخطوة شكلية لامتصاص الانفجار الاجتماعي الحاصل، حيث لم يحظى على ما يبدو قبل هذا التاريخ بقبول الأسد منذ أن تمت صياغته من قبل خبراء في القانون الإداري في العام2009 ، رغم أنه لم يحل عقدة المركزية، وصمم صوب اللامركزية ولكن وفق منظور مركزي ، كما أنه وبعد صدوره لم يجد صدى على أرض الواقع إلا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ، حيث اعتمدت الحكومة السورية المؤقتة القانون وأصدرت لائحته التنفيذية مع الكثير من التشدد بالالتزام بمضامينه مع استثناءات طفيفة تراعي الظرف اللامركزي المفرط الذي أوجدته حالة الحرب والتشظي المجتمعي ورغم تواضع العملية الحوكمية في مناطق المعارضة بشكل كبير نتيجة تغول الكثر من الفصائل على البنى المحلية وعدم اعتماد القانون 107 أو غيره وعدم وجود دليل تنظيمي للكثير من المجالس وضعف المشاركة الشعبية والرقابة المجتمعية،

إلا أن الكثير من مناطق المعارضة شهدت انتخابات محلية راعت الكثير من معايير النزاهة ومثلت قطاعات واسعة من المجتمعات المحلية، واتسمت علاقة الكثير منها بالتوتر مع سلطات الأمر الواقع في مقابل السعي لبناء حوار مجتمعي حقيقي ومشاركة محلية في صنع القرار واعادة الاعتبار للمستويات الإدارية واعتماد اللائحة التنفيذية للقانون 107 بشكل أو بآخر، أما في مناطق النظام فقد صدّرت حالة الحرب نماذج من اللامركزية الغير المحوكمة ، فالفاعل المحلي الفعلي غير معتمد من المركز بل بسلطة الأمر الواقع وانصراف جهد الحكومة المركزية والنظام نحو التعاطي مع متطلبات الحرب، إضافة الى تضخم ظاهرة أمراء الحرب (المليشيات المحلية) الذين كانوا يديرون مصالح المحليات بالشراكة مع مصالحهم،

فيما تجاوزت البنى المحلية المعتمدة رسمياً بنتيجة انتخابات 2011 المركز إلا من باب الأخذ بالعلم في الوقت الذي تتعززت فيه شبكات المصالح بين أمراء الحرب والموظفين السوريين العاملين لدى الجهات المانحة في  سورية كالصليب الأحمر والأوتشا والأكسفام ومن يلتحف بأرديتهم من الشركات الغربية -هروباً من الحظر المفروض على النظام -من جهة والقائمين على الوحدات المحلية من جهة أخرى، في ظل غياب حالة الاستقرار السياسي والسلم الأهلي التي تتيح المزيد من المشاركة في هذه البنى وفي التخطيط للتنمية ولتوفير الخدمة وفي ظل تردي الظرف الأمني واستمرار الانتهاكات التي تعيق عملية المساءلة والرقابة المجتمعيتين.

بالعودة إلى انتخابات الإدارة المحلية الأخيرة ، فلا يمكن بحال توهم تعليل العودة إليها على أنه محاولة لتعريف الحل السياسي في سورية من خلال تحقيق أحد أهم مضامينه وهو التحول إلى نظام لامركزي يعتمد أسس الحوكمة كمدخل أساس لتوطيد مبدأ الدولة الديمقراطية محلياً ، فمن حيث التمثيل أعاد النظام طرح قوالبه التسلطية من خلال طرح ائتلاف الأحزاب الموالية له بلبوس مغاير عن الجبهة الوطنية التقدمية تحت اسم قائمة الوحدة الوطنية وبحصص من المقاعد طاغية على مقاعد المستقلين (70% للقائمة -30 % للمستقلين) بحسب تصريح محمد عزوز القيادي البعثي لصحيفة البعث الرسمية، كما جرى التعاطي سابقاً مع احتمالية ضعف الاقبال على الانتخابات البلدية ، من خلال تعريف وحدات محلية غير معتمدة في القانون الإداري 107 الذي حدد المستويات الإدارية للوحدات الإدارية (مدينة – بلدة –بلدية) بحسب عدد السكان والقانون 1378 الذي صنف الوحدات الإدارية في  سورية بحسب القانون 107، وذلك من خلال منح الشخصية الاعتبارية لعدد من القرى والوحدات الصغيرة، بقصد زيادة عدد المرشحين عنها، كما عمد النظام إلى اعتماد فوز قوائم الوحدة الوطنية بالتزكية في ريف حمص والقامشلي وغيرها بنتيجة انسحاب بعض المستقلين أو توقيفهم( من قبل وحدات حماية الشعب الكردية) يضاف إلى ذلك ايضاً جملة من التجاوزات في المراكز الانتخابية كان الهدف منها التأثير على الناخبين من خلال تحيز بعض اللجان الانتخابية لقوائم حزب البعث وتجاهل استخدام الحبر السري في كثير من المركز مما حدى بكثير من الناخبين إلى تكرار الاقتراع، إضافة إلى الضغط على الموظفين والطلاب للمشاركة في الانتخابات بعد إجرائها في يوم دوام رسمي.

لا تحقق انتخابات الإدارة المحلية بالنسبة للنظام أي شرعية حقيقية لتردد النظام في اعتماد القوانين الإدارية والالتزام بها، ولا تحقق أي مشروعية لضعف المشاركة الشعبية في الاقتراع ولعدم تمثيل المرشحين لما يزيد عن 12 مليون مهجر (بين نازح ولاجئ) ومعتقل، كما أنها لن تفرز مشاركة حقيقية في الرقابة والمساءلة لعمل المجالس "المنتخبة" بسبب غياب الحريات والحياة السياسية والقضاء المستقل ولن يتسم عمل هذه المجالس بالشفافية، لارتباطها بشبكات مصالح لقادة ميليشيات هدف النظام من عملية الانتخابات لمكافأتهم وقوننة وضعهم ضمن الوحدات الإدارية، وما ترشح مقاتلين من مليشيا نسور الزبعة و كتائب البعث والباقر وغيرها إلا أمثلة فاقعة على ذلك، كما يأتي حرص النظام على شكل الانتخابات البلدية في سبيل شرعنة تطبيق قوانينه الاستثنائية (القانون 10، المرسوم 66) التي تستلزم وجود مجالس محلية "منتخبة "، وليكافئ اللجان التنفيذية المؤقتة التي اعتمدها في المناطق التي سيطر عليها مؤخراً بمنحها اعتمادية ومرجعية "منتخبة"، وأيضاً لتحفيز خطى الدول المترددة بدعم مسيرة إعادة الأعمار بإدعاء وجود هيئات لامركزية "منتخبة" قادرة على تقييم الاحتياج من إعادة الإعمار، بما يعني توظيف موارد المحليات ومنحها صلاحيات مرتبطة بإعادة الإعمار في مقابل الاحتفاظ بالسياسة في المركز.

أما بالنسبة للروس فتغدو انتخابات الإدارة المحلية ضمن سياق سياسي متصل يتجاهل كل متطلبات الحوكمة، ويتجه بشكل مباشر نحو هندسة الحل على الطريقة الروسية تحت عنوان ضمني هو إعادة توليد شرعية النظام وتعويمه عبر تجاهل الاسئلة الأساسية المتعلقة بالإصلاح الأمني -المفضي حكماً إلى تغيير النظام- إلى اختزال الحل بمساق الانتخابات (دون توفير مقوماتها من الأمن والسلام المجتمعيين) من أدنى إلى أعلى وقبل ذلك مساق التعديلات الدستورية، وهو ما يفسر عدم حماسة الفاعل الروسي لتهجير الحواضن في المناطق المسيطر عليها بل والسعي إلى إعادتها ضمن لعبة الشرعية المزيفة.

وفيما يتعلق بالفاعل الإيراني فقد وجد هو الآخر نفسه مضطراً إلى دعم الانتخابات كبوابة للعودة للتحكم بالمجتمعات المحلية وادارة أنشطة إعادة الإعمار المنطلقة منها وهو برأيي لن يصادم الفاعل الروسي في مسعاه إلى توظيف العودة من خلال الانتخابات فمساقه تفصيلي مرتبط بصفقات جزئية محلية متعلقة بالنفوذ والتحكم بالأنشطة الاقتصادية وتفاعلات عملية إعادة الإعمار، أما مساق الفاعل الروسي فمرتبط بنظرته الكلية لشكل الحل في  سورية وانعكاس ذلك على مصالحه الكبرى في المنطقة.

ستبقى أزمة النظام مع المشروعية المجتمعية ملازمة لبقائه، وما التجاوزات الفجة التي صبغت الانتخابات المحلية والتحضير لها ومخرجاتها إلا نموذج لتعاطي النظام مع القضايا الإشكالية التي مثلت جذر الصراع في البلاد، بل إن التحول نحو الحوكمة الرشيدة بما تحققه من مشاركة وقوننة ورقابة مجتمعية وشفافية ومساءلة، يناقض جذرياً فلسفة النظام وهو أساس مطالب قطاع كبير من السوريين منذ اندلاع الثورة.

 

 

 

 

 

التصنيف مقالات الرأي

لم تطرأ تغيرات على مواقع السيطرة والنفوذ منذ تاريخ ١٥ نيسان، خصوصاً فيما يتعلق بمنطقة القلمون الشرقي حيث ما يزال التفاوض مستمر بين فصائل القلمون ونظام الأسد بوساطة روسية، ومما يزيد الأمر تعقيد هو قيام بعض القياديين من المعارضة بالمصالحة مع النظام وتسليم مناطقهم له بشكل فردي، منوهين إلى أن الخريطة لم تركز في معلوماتها على تلك المواقع ريثما تتضح الخارطة أكثر، ولحين ذلك سيتمر فريق الوحدة برصد ومراقبة كافة التطورات الحاصلة في المنطقة.

لمشاهدة الخريطة بجودتها العالية انقر هنا

ملخصٌ تنفيذيّ

  • عكست الضربات الأمريكية الأوروبية بمحدوديتها وطبيعة المواقع التي استهدفتها فعلاً عسكرياً تأديبياً لنظام الأسد أكثر منه تدميرياً، إذ يبدو أن المضامين السياسية للضربة تجاوزت نظام الأسد، والذي بدا كصندوق بريد توضع فيه الرسائل الموجهة إلى حليفته موسكو.
  • الضربات حملت رسائل سياسية على عدة مستويات منها ما يتعلق بسلوك موسكو في الملف السوري بشكل مباشر، ومنها ما يتجاوزه إلى ملفات دولية تتعلق بأزمات روسيا مع الولايات المتحدة وأوروبا.
  • يبدو أن الأوروبيين كانوا يكظمون غيظهم من سلوك موسكو، خاصة أثناء إدارة أوباما، والتي غاب فيها الظهير الأمريكي بشكل انعكس على تقويض الفاعلية الأوروبية في العديد من الملفات وسمح لموسكو بهوامش أوسع ضمنها، ولعل عودة هذا الظهير مع إدارة ترامب التي تقاطعت مصالحها مع الأوربيين تجاه موسكو، شكلت فرصة على ما يبدو لإثبات فاعلية أوروبية جديدة.
  • استهدفت الضربة الثلاثية إفراغ التقدم العسكري الأخير لروسيا والنظام من مضامينه السياسية التي كانت تطمح موسكو إلى ترجمتها على مسار التفاوض بشكل إحراز تقدم سياسي على حساب المعارضة، والتأكيد على أن الحل السياسي للأزمة السورية لن يتم دون موافقة المجتمع الدولي وبعيداً عن المسار الأممي المرسوم لذلك (جنيف)، ولا يمكن لأي طرف فرضه بشكل منفرد.
  • حملت الضربة الثلاثية رسائل أمريكية لطهران تتعلق بنفوذها العسكري في سوريا تحديداً والمنطقة عموماً، والأهم من ذلك إبراز نوع من توزيع الأدوار في مواجهة هذا النفوذ وتمدده، وتحديداً الدور الإسرائيلي ودعمه أمريكياً في هذه المهمة.
  • لم تكن تركيا بمنأى عن الرسائل السياسية للضربة الثلاثية، خاصة فيما يتعلق بسياسة التوازن التي تحاول أنقرة انتهجها في الملف السوري بين أمريكا وأوروبا من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى. وذلك في محاولة لعزلها عن تحالفها مع روسيا وإيران، في سياق إدراك أوروبي أميركي أن أي جهد حقيقي من قبلهم في الملف السوري لابد وأن يمر عبر البوابة التركية، وأن أي سعي روسي مضاد لابد وأن يمر من المدخل نفسه.
  • لابد من فهم الضربات في سياق "التحريك" وليس "التحرير"، أي تحريك مسار الحل السياسي بعيداً عن سعي موسكو لتجميده وفقاً لرؤيتها، وأنها قد تمثل نهجاً جديداً قائماً على استخدام العمل العسكري المحدود لتحريك المسار السياسي التفاوضي.
  • إن احتمال تكرار مثل تلك الضربات والتصعيد الناتوي عسكرياً في سورية سيكون مرهوناً بمرونة موسكو التفاوضية وقدرتها على فهم رسائل الناتو وجر حليفها الأسد نحو المسار الأممي للحل وتقديم التنازلات في العملية التفاوضية.

مقدمة

وجّهت الولايات المتحدة الأمريكية بالاشتراك مع بريطانيا وفرنسا ضربات عسكرية للنظام السوري بتاريخ 14 نيسان/أبريل، إثر استخدامه السلاح الكيماوي ضد المدنيين في مدينة دوما ضمن غوطة دمشق الشرقية بتاريخ 7 نيسان/أبريل خلال حملة عسكرية للنظام وحلفائه أفضت إلى السيطرة على المدينة وإخراج مقاتلي المعارضة إلى الشمال السوري. الأمر الذي استدعى تنديداً دولياً وإقليمياً واسعاً باستخدام الأسلحة المحضورة دولياً ما لبث أن تطور إلى حراكٍ دولي تقوده الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية على رأسها بريطانيا وفرنسا، الحراك الذي أخذ يتصاعد بشكل اتهام لروسيا وتحميلها المسؤولية عن استخدام حليفها للأسلحة المحضورة دولياً؛ باعتبارها منخرطة بشكل مباشر في دعم نظام الأسد عسكرياً على الأرض منذ العام 2015، وتحديداً قيادتها للعملية العسكرية في الغوطة الشرقية والتي وقع خلالها الهجوم الكيميائي، إضافة لكون موسكو المسؤولة عن "التزام" نظام الأسد بتسليم مخزونه الكيميائي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في العام 2013، ليشهد الأسبوع الذي تلا الهجوم الكيميائي وسبق الضربات تصاعداً لتهديدات أمريكية أوروبية بالتحرك عسكرياً ضد النظام السوري، قابلها تحذيرات روسية وحراك دبلوماسي لم ينجح في تجنيب نظام الأسد الضربات العسكرية الأمريكية الأوروبية.

استهدفت الضربات مواقع عسكرية ومراكز بحوث علمية لنظام الأسد في دمشق وريفها وحمص، عبر صواريخ انطلقت من بوارج أمريكية في المتوسط، إضافة إلى صواريخ من طائرات أمريكية وفرنسية وبريطانية شاركت في الضربات، التي اعتبرتها أمريكا وأوروبا بمثابة عقاب للنظام على استخدامه السلاح الكيميائي، واكتفت بأهدافها كفعل عسكري قابل للتجديد في حال العودة إلى استخدام هذا السلاح،  بينما اعتبرتها وزارة الدفاع الروسية إهانة مباشرة للرئيس فلاديمير بوتين، في حين هددت إيران بأن محور الممانعة سيرد على هذا "العدوان"، وما بينهما تراوحت المواقف الإقليمية والدولية تجاه الضربة الثلاثية ما بين مؤيد وداعم، وبين مندد. 

 وعلى الرغم من المحدودية العسكرية للضربة الثلاثية، واعتبارها غير ذات فاعلية على مستوى إحداث أي تغيير على الخارطة العسكرية السورية أو إلحاق أي ضرر حقيقي مباشر بنظام الأسد؛ إلا أنها حملت مضامين سياسية على عدة مستويات؛ لكونها محطة جديدة للصراع الدولي على الملف السوري بين أمريكا وأوروبا من جهة وروسيا وحلفائها على الأرض السورية من جهة أخرى، وما قد يحمله هذا الصراع من أثر على مسار الملف السوري ومستقبل الحل السياسي. وعليه تسعى هذه الورقة لقراءة المضامين السياسية للضربة العسكرية الثلاثية على مواقع نظام الأسد، وتحليل الرسائل السياسية التي حملتها على عدة مستويات، وما قد يترتب عليها من آثار وانعكاسات على مستوى الملف السوري ومساره السياسي.

 

 خريطة (1) المواقع التي استهدفتها الضربة الثلاثية في 14 نيسان 2018

المصدر: وحدة المعلومات بمركز عمران للدراسات الاستراتيجية

 

أولاً: الضربات الثلاثية (محدودية عسكرية ومضامين سياسية)

عكست الضربات الأمريكية الأوروبية بمحدوديتها وطبيعة المواقع التي استهدفتها فعلاً عسكرياً تأديبياً لنظام الأسد أكثر منه تدميرياً، بهدف إلزامه بالخطوط الحمراء التي رسمها المجتمع الدولي تجاه استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، وإظهار جدية التحرك إزاء أي استخدام من هذا النوع، في حين يبدو أن الرسائل السياسية التي حملتها تلك الضربات تجاوزت نظام الأسد، والذي بدا كصندوق بريد توضع فيه الرسائل الموجهة إلى حليفته موسكو. ولعل توقيت الضربات وشكلها يؤكد أن موسكو المعني الأول بتلقي رسائلها السياسية، إذ إن تنفيذ الضربات جاء قبل صدور نتائج لجنة تقصي الحقائق المكلفة بالتحقيق في استخدام الكيماوي في دوما، والتي لم تكن قد وصلت إلى دمشق أساساً، وإنما اعتمدت على معلومات خاصة وصفها الأمريكيون وحلفاؤهم بالاستخبارتية؛ فيما بدى أنه تحدي واضح لموسكو، ناهيك عن شكل الضربة التي لم تقتصر هذه المرة على أمريكا التي سبق وأن ضربت مطار الشعيرات منفردة، وإنما شهدت مشاركة بريطانية فرنسية، في الوقت الذي تتصاعد فيه أزمة دولية بين بريطانيا وموسكو ، إضافة إلى تفاعل عدة إشكاليات على المستوى الناتوي تتعلق بسلوك روسيا تجاه الأوروبيين. كما أن اللافت في طريقة تنفيذ الضربة العسكرية أنها لم تقتصر أيضاً على إطلاق صواريخ من البوارج المستقرة في المتوسط، بل شهدت اختراقاً للأجواء السورية عبر طائرات أمريكية وفرنسية وبريطانية بشكل تحدي لموسكو التي سبقت الضربة بتهديدات بالرد، إذ يبدو أن الضربات حملت رسائل سياسية على عدة مستويات منها ما يتعلق بسلوك موسكو في الملف السوري بشكل مباشر، ومنها ما يتجاوزه إلى ملفات دولية تتعلق بأزمات روسيا مع الولايات المتحدة وأوروبا. وتتوزع أبرز المضامين والرسائل السياسية التي حملتها الضربة الثلاثية وفق مستويين:

1.     المستوى الدولي (فاعلية أوروبية وظهير أمريكي)

مثّلت الضربات الثلاثية بشكل أو بآخر إحدى محطات التصعيد الأمريكي الأوروبي تجاه روسيا، كنتيجة لتفاعل سلسلة من القضايا المتعلقة بحلف الناتو ومتصلة بالسلوك الروسي تجاهه، بدءاً من أزمة أوكرانيا مروراً بالنشاط العسكري الروسي في البلطيق، والذي مثّل تهديداً للدول الاسكندنافية، وصولاً إلى بريطانيا وأزمة العميل المزدوج سكريبال، إذ يشير تفاعل كل تلك الملفات على المستوى الناتوي؛ بأن الأوروبيين كانوا يكظمون غيظهم من سلوك موسكو، خاصة أثناء إدارة أوباما، والتي غاب فيها الظهير الأمريكي بشكل انعكس على تقويض الفاعلية الأوروبية في العديد من الملفات وسمح لموسكو بهوامش أوسع ضمنها، ولكن يبدو أن عودة هذا الظهير مع إدارة ترامب، والتي تقاطعت مصالحها مع الأوربيين تجاه موسكو، سواء فيما يتعلق بملف التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية و غيرها من القضايا المتعلقة بسلوك موسكو على المستوى الاستراتيجي الأمريكي؛ فكان أن شكّلت عودة الظهير فرصة على ما يبدو لإثبات فاعلية أوروبية، الفاعلية التي بدأت تتجلى ملامحها بشكل واضح بدءاً من مؤتمر ميونخ للأمن وما برز خلاله من تصاعد دولي حازم تجاه موسكو وإيران، مروراً بأزمة العميل سكريبال وما تخللها من تصعيد أوروبي أمريكي في طرد السفراء، والذي تطور لاحقاً إلى عقوبات اقتصادية أمريكية طالت شركات سلاح روسية والدائرة الضيقة للرئيس بوتين، وصولاً إلى الحملة العسكرية التي قادتها موسكو والنظام على غوطة دمشق الشرقية وما ارتكب فيها من مجازر كان آخرها استخدام السلاح الكيماوي، والذي وضع موسكو على ما يبدو بين فكي كماشة أمريكي أوروبي، ومثل فرصة للحلف الأخير للرد على تمادي روسيا في مختلف الملفات العالقة بين الطرفين، بما فيها الملف السوري، واستخدام العمل العسكري المحدود تجاه نظام الأسد لإيصال رسائل سياسية لموسكو، وإعلان عودة فاعلية أمريكية أوروبية  مفتوحة على كل الخيارات بما فيها العسكري.

2.   مستوى الملف السوري (العودة للمسار الأممي)

حملت الضربات العسكرية عدة رسائل سياسية على المستوى الفاعلين الإقليميين والدوليين في الملف السوري، والذي أضحى دولياً بامتياز، وعلى رأسهم موسكو التي كادت أن تتفرد في إدارة هذا الملف وفق سياسة دعم الأسد عسكرياً في قضم مناطق المعارضة الواحدة تلو الأخرى والانقلاب على اتفاقات "خفض التصعيد" ومسار أستانة الذي فرضته، مقابل سعيها لخلق مسار سياسي موازي لترجمة هذا التقدم العسكري إلى نتاج سياسي يفرض وجهة نظر موسكو بالحل ويقترب من طموحها في الحسم العسكري، فيبدو أن الضربات العسكرية جاءت لإيصال عدة رسائل سياسية لموسكو وحلفائها ضمن هذا الإطار، ولعل أبرز ما يمكن قراءته من مضامين تلك الرسائل يتوزع وفق التالي:

موسكو: (الرسائل المباشرة)

  • نهاية التفويض: يبدو أن نشوة "الانتصارات" التي حققها تدخل موسكو العسكري في سورية قد غيّبت عن العقل الاستراتيجي الروسي حقيقة مفادها أنَّ؛ لحظة الانتهاء من حرب تنظيم الدولة كانت لحظةً حاسمةً ولها تداعيات كبرى على الملف السوري، أولها: نهاية مسمى "الأزمة" بانحسار آثارها الدولية والإقليمية وعلى رأسها "الإرهاب"، مما يعني عودة مفهوم "الثورة" ببعده الدال على "أس الصراع" أي المواجهة بين النظام السوري وشعبه. وثانيها: بأن فراغ الولايات المتحدة وتحالفها الدولي من حرب الإرهاب حملَ ضمناً رسالةً مفادها؛ نهاية التفويض الأمريكي لموسكو بالتحكم بالملف السوري، واستخدام واشنطن لوجودها العسكري على الأرض السورية باتجاه موازنة القوة مع موسكو وطهران. ولعل المضامين السياسية للضربات العسكرية لا يمكن فصلها عن سياق النقطة الأخيرة؛ فعلى الرغم من تنفيذ الضربات من مدخل استخدام السلاح الكيماوي؛ إلا أنها حملت رسالة وفق هذا المدخل بأن موسكو لن تبقى وحيدة في إدارة الملف السوري بعيداً عن الرقابة والمحاسبة، فالضربات مثّلت فعلاً تأديبياً لنظام الأسد ورقابياً ومحاسبياً بالنسبة لموسكو، حيث عكست بشكل أو بآخر نهاية التفويض الأمريكي لموسكو في إدارة الملف السوري بشكل منفرد.
  • العودة إلى المسار الأممي: بالمقابل حملت الضربات الأمريكية الأوروبية رسالة مهمة تتعلق بطبيعة الحل السياسي الذي تحاول روسيا فرض رؤيتها الخاصة فيه، ولعل الضربات في هذا الإطار استهدفت إفراغ التقدم العسكري الأخير لموسكو والنظام في الغوطة وإدلب ودير الزور من مضامينه السياسية التي كانت تطمح موسكو إلى ترجمتها على مسار التفاوض بشكل إحراز تقدم سياسي على حساب المعارضة، فجاءت الضربات العسكرية برسالة سياسية أوروبية أمريكية واضحة لموسكو بأن الحل السياسي للأزمة السورية لن يتم دون موافقة المجتمع الدولي وبعيداً عن المسار الأممي المرسوم لذلك (جنيف)، ولا يمكن لأي طرف فرضه بشكل منفرد، وتجلّت هذه الرسالة بالذات بشكل أوضح في جلسة مجلس الأمن التي دعت إليها موسكو عقب الضربة، حيث ركزت كلمات مندوبي الدول المنفذة للضربة على استعراض خطوات إجرائية للخروج من الأزمة ووقف التصعيد، كان على رأسها العودة إلى مسار جنيف الأممي كحل سياسي ومخرج للأزمة السورية، فيما بدى أنه أول ترجمة سياسية للضربات العسكرية والإيحاء بأن الضربات لم تكن ارتجالية، وإنما تمت وفق استراتيجية بدأت بالضربات كفعل عسكري تحذيري وستستمر كضغط سياسي للعودة إلى المسار الأممي كخارطة طريق للخروج من الأزمة السورية.
  • إيران (توزيع الأدوار) استهدفت الضربات العسكرية على الأقل موقعين إيرانيين ضمن بنك الأهداف، الأول مقر لحزب الله في جنوب حمص، والآخر تمثل، بحسب معلومات خاصة بـ"الفوج41 قوات خاصة"، والذي يعتبر مقراً للتواجد الإيراني، ولم يعترف أي من إيران أو النظام أو الروس باستهدافه إلى الآن، ويمكن فهم هذا الاستهداف المحدود لإيران بكون الأوربيين مشاركين في الضربات، في الوقت الذي يسعون فيه بشكل أو بآخر للحفاظ على علاقات وسط مع طهران ومعارضة إلغاء الاتفاق النووي الإيراني الذي تلوح به الولايات المتحدة، وبالتالي عدم الرغبة في توسيع العملية العسكرية المحددة بهدف ردع استخدام السلاح الكيماوي، إلا أن ذلك لم يمنع من توجيه ضربات محدودة لمواقع إيران وأذرعها، بدت الغاية منها توجيه رسائل أمريكية لطهران تتعلق بنفوذها العسكري في سوريا تحديداً والمنطقة عموماً، والتأكيد على إبراز نوع من توزيع الأدوار في مواجهة هذا النفوذ وتمدده، وتحديداً الدور الإسرائيلي ودعمه أمريكياً في هذه المهمة،  فاللافت أن إسرائيل سبقت الضربات الأمريكية الأوروبية بأيام قليلة في استهداف مطار "التياس" (تي فور) العسكري  وضرب مواقع كانت تستخدمها إيران لتخزين طائراتها المسيرة "درون" موقعة سبعة قتلى من الحرس الثوري أربعة منهم خبراء في سلاح الجو الإيراني باختصاص تطوير الطائرات المسيرة عن بعد، كما أُتبعت الضربات الأمريكية الأوروبية بعد يوم واحد فقط بتفجيرات مجهولة استهدفت مواقع إيرانية في جبل عزان بريف حلب الجنوبي، ليتم بعد يومين أيضاً استهداف قاعدة إيرانية شرق قرية "الحمرات" قرب مطار الشعيرات في ريف حمص الجنوبي. وعلى الرغم من عدم تبني إسرائيل للهجومين الأخيرين بشكل مباشر؛ إلا أن طبيعة الاستهداف يشير بشكل أو بآخر إلى بصمات إسرائيل، والتي غالباً ما تتبع أسلوب تنفيذ ضربات وعدم تبنيها أو الاعتراف بها بعد فترة طويلة.

 

خريطة (2) المواقع الإيرانية التي استهدفت في نفس الفترة الزمنية للضربة الثلاثية في 14 نيسان 2018

المصدر: وحدة المعلومات بمركز عمران للدراسات الاستراتيجية

  • تركيا (رسائل التذكير والعزل)

على الرغم من إعلان تركيا دعمها للضربات العسكرية الأمريكية الأوروبية تجاه النظام السوري كمحاسبة على استخدامه الأسلحة المحرمة دولياً؛ إلا أن ذلك لم يُخفِ موقفاً متخبطاً لأنقرة في التعامل معها، بين دعمها تارة والتشكيك في فعاليتها تارة أخرى أو طرح الوساطة بين موسكو وواشنطن قبيل الضربات، ولا يبدو هذا التخبط غريباً في موقف أنقرة التي تمثل جزءاً من حلف الناتو وما يترتب على ذلك من التزامات، مقابل إدراكها لمضمون الرسائل السياسية الموجهة لحليفتها موسكو في الملف السوري. حيث وضّح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في تصريحات تلت الضربة بأن جزءاً من هدفها كان ضرب التحالف الثلاثي بين أنقرة وموسكو وطهران. وعليه فإن الضربة حملت رسائل سياسية لأنقرة أيضاً تمثلت بتذكيرها بكونها جزء من حلف الناتو الذي تتصاعد إشكالياته مع موسكو، وأن سياسة التوازن التي تحاول تركيا انتهجها في الملف السوري بين أمريكا وأوروبا من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى لن تستوي، وتحديداً وسط الخلافات التي تتصاعد بين أنقرة وبعض الدول الأوروبية (فرنسا)، إضافة إلى توجس أنقرة من سياسة إدارة ترامب في مناطق شرق الفرات وما يتعلق منها بالتعاطي مع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، ولعل هذه الرسائل التي تحاول عزل أنقرة عن تحالفها مع روسيا وإيران، تأتي في سياق إدراك أوروبي أميركي أن أي جهد حقيقي من قبلهم في الملف السوري لابد وأن يمر عبر البوابة التركية، كما يدركون أيضاً أن أي سعي روسي مضاد لابد وأن يمر من المدخل نفسه،

 ثانياً: احتمالات الرد (التصعيد غير المباشر)

عقب الضربات العسكرية هددت إيران بأن محور "الممانعة" سيرد على ما اعتبرته "العدوان الثلاثي" على سورية، بينما اعتبرت وزارة الدفاع الروسية الضربات بمثابة إهانة مباشرة للرئيس فلاديمير بوتين، وعلى الرغم من صدور تلك التهديدات من قوى متحالفة على الأرض السورية (روسيا، إيران)؛ إلا أن احتمالات الرد وأسلوبه قد يختلفان من فاعل إلى آخر وفق ما يلي:

  • على المستوى الروسي

لم تُقدم روسيا إثر الضربة العسكرية الثلاثية على أي رد مباشر، وهي التي كانت تهدد به قبل وقوعها، فقد كان مستبعداً أن تلجأ موسكو إلى صدام مباشر مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، ولو كان هناك أي نية صدام لاعترضت موسكو الطائرات التي دخلت الأجواء السورية أو لجأت للرد على مصادر النيران المتمثلة بالبوارج المستقرة في المتوسط، ولكنها اكتفت على مستوى الإعلان والإعلام بالتصريح حول "تصدي دفاعات جوية سوفيتية قديمة يمتلكها النظام للصواريخ وإسقاط معظمها وحرف مسار بعضها الآخر"، الإعلان الذي نفاه البنتاغون بعد ساعات موضحاً أن أي من الصواريخ لم يتم اعتراضها. ومن المتوقع أن تعتبر موسكو تلك الضربات لم تقترب من مواقعها وقواعدها العسكرية وأماكن تواجد جنودها في سوريا، وذلك يساعدها في التنصل من الرد المباشر والملزم، وهو ذات السلوك الذي اتبعته في شرق الفرات حيال مجموعات المرتزقة الروس الذين قتلوا بعد استهدافهم من قوات التحالف بشكل مباشر واعتبرتهم موسكو يتبعون لشركات خاصة. وعلى الرغم من تجنب روسيا الرد المباشر؛ إلا أن ذلك قد لا يمنعها من التصعيد غير المباشر عبر استهداف بعض جبهات المعارضة التي تعتبرها محسوبة على الولايات المتحدة، لذلك قد تلجأ موسكو وحلفائها خلال الفترة المقبلة إلى التصعيد العسكري على عدة جبهات، ربما يكون الجنوب السوري ليس بمنأى عنها، خاصة بعد فراغ النظام وموسكو من جنوب دمشق والقلمون الشرقي.

  • على مستوى إيران وأذرعها

على الرغم من استهداف الضربات الأوروبية الأمريكية لمواقع إيرانية محدودة؛ إلا أن الإيرانيين بادروا بالتهديد والتوعد بالرد، وذلك يفهم في سياق إدراك إيران أنها معنية بالضربات العسكرية من قبل الولايات المتحدة، خاصة بعد استكمالها تجاه مواقع إيرانية في سورية وفق لعبة توزيع الأدوار بين إسرائيل وأمريكا، واستشعارها لتصاعد تهديدات حقيقية يدفع بها تخوف إسرائيلي أمريكي وتشنج خليجي تجاه سلوكها في سوريا والمنطقة، وفي هذا الإطار تبدو خيارات الرد الإيراني المباشر ضيقة، سواء عبر اللجوء إلى الاستهداف المباشر للقوات الأمريكية المتواجدة في شرق الفرات أو الرد على إسرائيل عبر سوريا أو لبنان، إذ تدرك إيران أن الخيار الأول قد يترتب عليه تصعيد مباشر في استهداف مواقعها في سوريا بشكل أكبر وسط التوتر الدولي تجاهها في الملف السوري، كما من المستبعد أيضاً أن تلجأ إلى تصعيد مباشر مع إسرائيل، الأمر الذي قد يترتب عليه تصعيد مضاد ربما يتطور إلى توغل إسرائيلي بري في جنوب لبنان أو الجنوب السوري، وهذا ما أكدته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن مصادر مسؤولة في جيش الاحتلال الإسرائيلي قولهم: "إذا اتخذ الإيرانيون عملاً ضد إسرائيل من الأراضي السورية، فإن من سيدفع الثمن سيكون الأسد ونظامه"، وأضافوا أن "نظام الأسد والأسد نفسه سيختفيان عن الخريطة وعن العالم إذا حاول الإيرانيون بالفعل المس بإسرائيل أو بمصالحها من الأراضي السورية". وأمام تلك الخيارات الضيقة للرد المباشر فقد تلجأ طهران إلى الرد غير المباشر والذي يتناسب وطبيعة أذرعها وميلشياتها المنتشرة في المنطقة، وقد يتجاوز هذا الرد الأراضي السورية، وربما قد يأتي عبر العراق، هناك حيث تتبع إيران سياسية الإطباق الكامل وتعتمد في الآونة الأخيرة على تدريب مليشيات سنية لمقاومة الوجود الأمريكي، وهذا الرد قد يكون عبر التحرش عسكرياً بالقواعد الأمريكية أو التفجيرات والمفخخات، إضافة إلى أنها قد تلجأ إلى تنشيط مجموعات الحوثي على الحدود السعودية وتكثيف إطلاق الصواريخ على المملكة، وهو ما أشار إليه عبد الملك الحوثي عقب الضربات الأمريكية الأوروبية للنظام، حيث صرح بشكل رسمي بأن  "العدوان الأمريكي على سورية يستوجب الرد تجاه السعودية".

خلاصة

إن النظر إلى الضربة الثلاثية التي تلقاها نظام الأسد من منظور عسكري بحت متعلق بالأزمة السورية فقط؛ يُعتبر اجتزاءً خاطئاً يفضي إلى أن الضربة كانت استعراضية ودون مضمون، وهو أمرٌ  يحيد بدرجةٍ كبيرة عن الصواب، فلم تعلن يوماً الولايات المتحدة الأمريكية أو حلفاؤها في الناتو نيّة لإسقاط الأسد عسكرياً، وإنما كان دأبهم الإعلان عن أن الحل في سورية سياسي، لذلك لابد من فهم الضربات في سياق "التحريك" وليس "التحرير"، أي تحريك مسار الحل السياسي بعيداً عن سعي موسكو لتجميده وفقاً لرؤيتها، وأنها قد تمثل نهجاً جديداً قائماً على استخدام العمل العسكري المحدود لتحريك المسار السياسي التفاوضي، وربما تُشكل مُقدمة لما يبدو أنه سيكون سلسلة من الضربات العسكرية للأسد والمليشيات الإيرانية المتواجدة في سوريا عبر الثلاثي الناتوي لناحية الأسد، وعبر إسرائيل لناحية إيران، وذلك لإجباره وحليفه الروسي على تقديم تنازلات سياسية على طاولة المفاوضات باتجاه بدء عملية انتقال سياسي، حيث تُشكل مثل هذه الضربات العسكرية المحدودة الوسيلة الوحيدة أمام الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا للضغط وكسب نفوذ  تحتاجه في مسار جنيف المُعطل، والذي حولته موسكو إلى مجرد غطاء للأسد للاستمرار بقتل السوريين، ولذلك فإن احتمال تكرار مثل تلك الضربات والتصعيد الناتوي عسكرياً في سوريا سيكون مرهوناً بمرونة موسكو التفاوضية وقدرتها على فهم رسائل الناتو وجر حليفها الأسد نحو تقديم التنازلات في العملية التفاوضية، إذ أن التصريحات المتوالية بعد الضربة على لسان منفذيها تُشير بوضوح إلى أن المرحلة القادمة هي مرحلة تحريك مسار الحل السياسي وفق الرؤية الدولية، وليس الروسية، وما تبع تلك التصريحات من إعلان ممثلة الولايات المتحدة في مجلس الأمن التراجع عن قرار الانسحاب من سوريا وإمكانية توجيه ضربات أخرى للأسد في حال استخدم الكيماوي مجدداً، يُعتبر التزاماً أمريكياً بالاستراتيجية الجديدة التي أعلنها وزير خارجيتها السابق تيليرسون، والتي تحمل ضمناً خيارات مفتوحة لمواجهة نفوذ طهران وموسكو في سورية.

التصنيف أوراق بحثية

أجرى الباحث محمد منير الفقير لقاءً على قناة الحوار الفضائية بتاريخ 29 آذار 2016 وذلك من خلال برنامج سوريا اليوم مع الإعلامي عاصم المشوح وضمن حلقة بعنوان "المعتقلون السوريون سؤال برسم الانتظار "
وقد شارك في اللقاء إضافة إلى الباحث كل من الأستاذ المحامي هيثم المالح مسؤول الملف القانوني في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة والدكتور براء السراج المعتقل السابق في سجن تدمر ومؤلف كتاب من تدمر إلى هارفرد.
وقد تناول اللقاء منهجية نظام الأسد الأب والابن في اعتماد سياسة الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري لترهيب المجتمع السوري وكوسيلة لابتزازه والضغط عليه، كما تناول اللقاء دور البنى السياسية للثورة في ملف المعتقلين وجوانب الخلل والقصور في أدائها بالنسبة لهذا الملف وأيضاً ما تم تحقيقه من قبلها في هذا الصدد.
كما تم التطرق إلى أهمية دور المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية في دعم قضية المعتقلين، كما أشار الباحث منير الفقير إلى أهمية استثمار الدور المهم للبنى المحلية الفاعلة في المجتمعات المحلية من أجل حثها على اعتماد آليات للتوثيق للمفقودين والمعتقلين ووضع خطط للدعم والمناصرة.
إضافة إلى ذلك تم الحديث عن الفرص المواتية للاستثمار القانوني للانتهاكات التي يرتكبها النظام يحق المعتقلين في دعم قضية المعتقلين بشكل خاص وقضية الثورة بشكل عام، وتم التركيز في هذا الصدد على تشكيل النظام لمحاكم استثنائية صورية لمحاكمة معارضيه كالمحكمة الميدانية العسكرية وإخضاعه للمعتقلين لظروف اعتقال سيئة للغاية.
وخلال اللقاء تم طرح عدد من التوصيات حيث تم التأكيد على أولوية الكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرياً وإطلاق سراح النساء والأطفال ووقف تنفيذ أحكام الإعدام وتحسين ظروف اعتقال المعتقلين وإغلاق سجن صيدنايا العسكري إضافة إلى إلغاء محاكم الإرهاب ومحاكم الميدان العسكرية وإيقاف العمل بأحكامها.

بقدر ما عكسته الهدنة من هشاشة تتبع لطبيعة التعاطي الدولي مع الملف السوري؛ إلا أنها فرضت متغيرات جديدة على واقع الصراع السوري. فالهدنة التي فشلت إلى حد ما في تثبيت وقف إطلاق النار؛ نجحت بشكل أكبر في فرض مجموعة من المعطيات الجديدة على الأرض، والتي استتبعت استراتيجيات جديدة من الفاعليين المحليين، واستحدثت مسارات مختلفة في التعاطي الدولي والإقليمي مع الملف السوري، لتبدأ بصياغة واقع مختلف عما قبل الهدنة لا يزال قيد التشكيل، تكاد تبرز ملامحه عبر مجموعة المتغيرات التي فرضتها الهدنة على الأرض. ما يضع المعارضة السورية أمام تحديات جمة على كل الصعد، ويفرض عليها ديناميات داخلية لتحرك فعال على المستوى التكتيكي والاستراتيجي.

أعلنت كلٌ من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية في بيان مشترك بتاريخ 27 فبراير/شباط 2016 عن التوصّل لاتفاق هدنة في سوريا يستثني كلاً من تنظيمي "الدولة الإسلامية" و "جبهة النصرة". وقد بُنيَ الاتفاق على أرضية مشتركة بين موسكو وواشنطن بدعم دولي، لتثبيت وقف إطلاق النار والأعمال العدائية، واستئناف العملية السياسية في جنيف وفقاً لخارطة الطريق في القرار 2254.  وشهدت تلك الهدنة منذ بدايتها ما يزيد عن 2000 خرقاً من قبل نظام الأسد، كان آخرها حملة شرسة قادها النظام بدعم من حُلفائه على مدينة حلب بالتوازي مع تعثّر المسار السياسي في جنيف.

ورغم ما عكسته الهدنة من هشاشة نتيجة طبيعة التعاطي الدولي مع الملف السوري، إلا أنها فرضت متغيرات جديدة على واقع الصراع. فالهدنة التي فشلت إلى حدّ ما في تثبيت وقف إطلاق النار، نجحت بشكل كبير في فرض مجموعة من المعطيات الجديدة على الأرض، استتبعت بدورها استراتيجيات جديدة من الفاعليين المحليين، كما استحدثت مسارات مختلفة في التعاطي الدولي والإقليمي مع الملف السوري، لتبدأ بصياغة وتشكيل واقع مختلف عمّا قبل الهدنة؛ الواقع الذي إلى الآن ما زال قيد التشكيل، إلا أن ملامحه تكاد تبرز عبر مجموعة المتغيرات التي فرضتها الهدنة على الأرض.

أولاً: ملامح واقع ما بعد الهدنة

ساهم اتفاق الهدنة وما رافقه من تطورات محلية إقليمية ودولية، بالدفع باتجاه صياغة واقع جديد لمسار الصراع السوري. ويستند هذا الواقع إلى مجموعة متغيرات فرضتها الهدنة على الرغم من أنه لم يتم تثبيتها بشكل نهائي إلا أن ملامحها تكاد ترتسم بوضوح، ولعل أبرزها:

1.    استراتيجية تطويق الأزمة

عكست الهدنة إرادة دولية في تثبيت خطوط التماس بين المعارضة والنظام عبر حدود الهدنة التي تُعد تقسيماً غير معلن لمناطق النفوذ، وتثبيتاً لها إلى أمد يبدو بعيد، إضافة إلى نقل الملف السوري إلى الساحة السياسية عبر المفاوضات في جنيف، مقابل توجيه الفاعلية العسكرية باتجاه محاربة الإرهاب.

2.    تعزيز سياسة المحاور

مع بداية توقيع الهدنة بدأت تلوح في الأفق بوادر لتبلور توافق روسي أمريكي -وإن كان غير متطابق في كل الملفات-ووجهة نظر موحدة حول طبيعة الحل السياسي تُهمش باقي الفاعلين الدوليين في الملف السوري، وهو الأمر الذي أدى إلى تعزيز سياسة المحاور على المستوى الدولي إزاء فرض واشنطن وموسكو رؤيتهما على باقي الفاعلين، حيث بات الفاعل الخليجي إضافة إلى تركيا يمثلون محوراً يتقاطع بدرجة كبيرة مع المحور الأوروبي، مقابل الأسد وطهران اللذان يمثلان محوراً آخر. في حين بدت روسيا وأمريكا اللتان أخذتا تبتعدان عن شركائهما ووكلائهما الإقليمين والمحليين، لتقتربا من تقديم نفسيهما كطرف "راعٍ للحل السياسي وليس ضالع في الصراع"، أقرب لمحور ناشئ في وجه باقي المحاور، من حيث التعاطي مع الملف السوري.

3.    أولوية مكافحة الإرهاب

كرست الهدنة على الأرض اختزال القضية السياسية السورية بملف مكافحة الإرهاب، والسعي لتقديمه على حساب الإشكالية الحقيقية المتمثلة بحضور الأسد، الأمر الذي انعكس في محاولات إخضاع المقاربات السياسية وتفاصيل العملية التفاوضية في جنيف لمدخل مكافحة الإرهاب وأولوياته، مما ساهم بشكل كبير في خلق حالة تعطيلية في مسار المفاوضات السياسية.

4.    استراتيجية جديدة للتنظيم

بحكم استثنائه من الهدنة ونقل الصراع إلى مجال مكافحة الإرهاب، تحوَّل تنظيم الدولة "الإسلامية" إلى هدف معلن لجميع الفاعليين على الأرض، ما فرض على التنظيم تغيير الاستراتيجية العسكرية لتحركاته، والتي بدت خلال الهدنة أنها قائمة على تجنب الفاعلية العسكرية الأقوى، والمتمثلة بقوات نظام الأسد والمليشيات الشيعية وما يؤمَّن لهما من غطاء جوي روسي، إضافة لقوى "سوريا الديمقراطية" وما يؤمَّن لها من غطاء جوي أمريكي، والتوجه إلى الجهة الأضعف عسكرياً، والتي مثلتها مجاميع المعارضة المسلحة، وهذا ما يُفسر انسحاب التنظيم من تدمر وهجماته في ريف حلب الشمالي.

5.    النصرة كإشكالية متنقلة

أدى استثناء جبهة النصرة من الهدنة دون وضع قواعد وآليات محكمة لاستهدافها إلى خلق إشكالية متنقلة في جسد المعارضة العسكرية، نتيجة لتداخل نفوذ النصرة مع أغلب جبهات المعارضة. وقد أدت هذه السيولة إلى تأمين غطاء الشرعية الدولية لاستهدافها من قبل قوات نظام الأسد وموسكو، وإحداث ارتباك حقيقي بين صفوف المعارضة نتيجة عدم وجود أي آليات للتعاطي مع هذا الواقع الجديد. ومن هنا يمكن استنتاج إصرار الروس وبعض الأطراف الدولية في فيينا على استثناء جبهة النصرة من الهدنة، على الرغم من إدراك واقع الأرض المعقد والمتشابك وتحديداً في الشمال السوري، ولكن يبدو أنه كان لابد من تثبيت هدنة تحتمل الخرق على شماعة النصرة.

6. اختبار الخطط البديلة PLAN B

أكدت الخروقات المتكررة للهدنة من قبل نظام الأسد -وخاصة الحملة الأخيرة على حلب التي هددتها بشكل مباشر، إضافة لتعثر المفاوضات السياسية وعدم التعاطي بجدية معها- على عدم وجود أي خطة بديلة PLAN B لدى الفاعلين الدوليين الداعمين للثورة، حيث أظهرت ارتباكاً حقيقياً، وتحديداً أمام الأجندة الإيرانية، واضحة المعالم كبديل للهدنة والقائمة على الحسم العسكري واستعادة المناطق الاستراتيجية من المعارضة وتحديداً  حلب، مما جعل من الهدنة غطاء حقيقياً استثمره الإيرانيون ونظام الأسد لاستكمال استراتيجيتهم بأدوات مختلفة، بل سَعَوا لتطويع الحضور الروسي ضمن هذ الاستراتيجية ما زاد مؤشرات التنافس بين موسكو وطهران.

7. موسكو وطهران ومؤشرات التنافس

كشّفت الهدنة وما شهدته من تطورات عسكرية على الأرض، عن تصاعد مؤشرات التنافس بين موسكو وطهران في الملف السوري، وتحديداً في حلب، والذي لم يصل لدرجة التضارب ولكن بات يبدو بشكل واضح تنافساً حول التصور المختلف لطبيعة الحل السياسي لكل من الطرفين. ويبدو من هذا التنافس أن الأسد إلى الآن يستفيد من هوامشه مع الاقتراب بشكل أكبر من الأجندة الإيرانية ومحاولة تجاوز الالتزام الروسي بالهدنة في حلب. ولعل خسارة الأسد والإيرانيين التي بدأت في "تل العيس" وانتهت في "خان طومان" بريف حلب الجنوبي، وهي مناطق نفوذ المليشيات الإيرانية؛ مثّلت رسالة واضحة من الروس لعدم تدخلهم في نجدة النظام، بأن الدعم الروسي أساس للصمود والتقدم، وهي الرسالة التي سبقها تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن "الأسد ليس حليفنا"، في محاولات سعي موسكو لتقديم نفسها كراعٍ للحل السياسي وليس طرفاً تابعاً للأجندة الإيرانية. انظر الخريطة رقم (1)

خريطة رقم (1) توضح مواقع النفوذ والسيطرة – ريف حلب الجنوبي – 10 أيار 2016


8. ضعف استراتيجية المعارضة

عادت الهدنة من جديد لتؤكد على مجموعة من نقاط الضعف في بنى المعارضة العسكرية على مستوى عدم وضوح الاستراتيجية الدفاعية لصد الخروقات أو على مستوى الردود التكتيكية، ما حال بينها وبين استثمار الهدنة لصالحها، وهذا ما انعكس في خلافات القوى العسكرية في الغوطة الشرقية (جيش الإسلام/فيلق الرحمن)، إضافة للتحركات غير المحسوبة في ريف حلب الشمالي. ويُقابل ذلك التعثر نهج أكثر وضوحاً لنظام الأسد، والذي طوع عبره الهدنة والعملية السياسة كغطاء لتحركات وخروقات عسكرية لا تبدو عبثية بقدر ما تبدو مدروسة، إذ توزعت خروقات النظام على عدة مستويات، أبرزها:

- خروقات استنزافية تهدف إلى استنزاف فصائل المعارضة العسكرية فقط، كمعارك الساحل الأخيرة والقصف المتواصل على جبال الأكراد والتركمان.
- خروقات للضغط السياسي كالمجازر التي ارتكبتها قوات الأسد في مدينتي كفرنبل ومعرة النعمان، إثر إعلان الهيئة العليا للتفاوض عن تعليق مشاركتها في مفاوضات جنيف.
- خروقات استراتيجية تمثلت في الحملة الأخيرة على حلب والسعي لحصارها وإبعادها خارج نطاق الهدنة.

إن مجمل تلك الوقائع التي أفرزتها الهدنة وتقاطعها مع الظرف الإقليمي والدولي، تبدو بأنها تصب في مصلحة الأسد وحلفائه، والذين يسعون للتماهي معها واستثمارها عبر عدة أدوات سياسية وعسكرية، أبرزها:

1.    الهدن المحلية التي يتبعها نظام الأسد في محيط دمشق، لضبط حزام العاصمة.
2.     الاعتماد على الخروقات المنظمة خارج هذا الحزام لاستنزاف قوى المعارضة.
3.    استثمار الفاعلية الروسية للتوسع في مناطق تنظيم الدولة وتقديم نفسه كشريك في مكافحة الإرهاب.
4.    استخدام أدوات التعطيل السياسي في جنيف، سواء عبر سياسة الإغراق بالتفاصيل التي يتبعها النظام، أو بعض المنصات التي ساهم بتشكيلها لخرق جسد المعارضة (حميميم، الأستانة، القاهرة).
5.    استغلال المزاج الدولي القائم على تراجع الفاعلية الأمريكية في الملف السوري وتقارب وجهة نظر واشنطن وموسكو لتصور الحل السياسي، والقلق الأوروبي إزاء مكافحة الإرهاب وملف اللاجئين، وتراجع الفاعلية العربية نتيجة

تعقد ملفات دول الربيع العربي والدعم من بعض الأنظمة العربية، إضافة إلى رضى حذر من تل أبيب إزاء هذا الوقع المعقد في سورية والاكتفاء بمنطقة آمنة في الجنوب، وانحسار وارتباك أدوات المحور الثلاثي (تركيا، السعودية) أمام الحاجز الأمريكي الروسي.

إن ما يلجأ إليه الأسد وحلفائه ولايزالون خلال فترة سريان الهدنة؛ يضع المعارضة السورية أمام تحديات جمة على كل الصعد، ويفرض عليها ديناميات داخلية لتحرك فعَّال على المستوى التكتيكي والاستراتيجي، فبقدر ما تمثله المرحلة المقبلة من محاولات تضييق لأفق المعارضة؛ إلا أنها لاتزال تؤمن هامش تحرك حقيقي قد يحوِّلها من طرف متأثر إلى طرف مؤثر في الواقع الذي لايزال قيد التشكل.

ثانياً: هوامش تحرك المعارضة السورية

إن محاولات تثبيت الهدنة وفرض خارطة طريق في القرار 2254 لا يمثل بداية حل للأزمة السورية، بقدر ما يُنذر بنقل الصراع إلى صُعد مختلفة تماماً، وتشكيل واقع جديد يتناسب ووجهة النظر الأمريكية الروسية (قيد التشكل)، الأمر الذي يتطلب من المعارضة تغيير الأدوات واستحداث أخرى تتناسب والظرف القائم، والذي يُمثل تهديداً حقيقياً للثورة السورية. إن هذا يفرض على المعارضة التحرك على عدة مستويات واستغلال ما يتاح لها من هوامش التجاذبات الدولية وخلق أخرى تصب في صالح الثورة، ولعل أبرز التحركات التي يفرضها واقع الهدنة -وما سبقه وما قد يتلوه-على المعارضة السورية، تتمثل فيما يلي:

1.    على المستوى العسكري

•    تشكيل غرف عمليات مشتركة على مستوى المحافظات ومحاولة استثمار الهدنة لإعادة هيكلية حقيقية وتدعيم نقاط الضعف في جسد المعارضة وتقوية نقاط الاشتباك مع النظام.
•    رسم سيناريوهات جاهزة للخروقات المحتملة للهدنة من قبل نظام الأسد، وتحديد أساليب وآليات الرد وفقاً لتحديد نقاط ضعف النظام والجبهات الأقوى للمعارضة، بحيث تخرج الردود على الخروقات من خانة ردَّات الفعل لتقترب من الاستراتيجية، ومن الحالة الدفاعية إلى الهجومية.
•    استثمار الهدنة للتوسع وكسب أراضٍ جديدة على حساب تنظيم الدولة، لإبعاد خطر شن حملات مشتركة "تخادم" بين نظام الأسد والتنظيم على مناطق المعارضة. ويمكن أن يتم ذلك عبر توجيه فاعلية عسكرية منظمة باتجاه مناطق سيطرة التنظيم، والسعي لاحتكار نقاط الاشتباك معه وتعزيزها، لتأمين مناطق نفوذ للمعارضة بالدرجة الأولى، وقطع الطريق على القوى الساعية لاحتكار نقاط الاشتباك مع التنظيم استعداداً لمرحلة مكافحة الإرهاب.
•    محاولة التوصل إلى اتفاق مع جبهة النصرة، يضمن إبعاد تجمعات عناصرها ومقراتها الرئيسية عن مناطق المدنيين، وذلك لسحب ذريعة قصف المدنيين بحجة مكافحة الإرهاب.
•    مقاومة محاولات تجزئة الهدنة من قبل النظام وحلفائه وسياسة الاستفراد بالمناطق، كالمحاولات الأخيرة للدفع بحلب خارج طوق الهدنة، ما يفرض على المعارضة العسكرية التعاطي مع الهدنة بشكل شامل جغرافياً، كإشغال عدة جبهات لفرض عودة جبهة واحدة إلى الهدنة. وهنا يبرز أهمية تشكيل غرف العمليات على مستوى المحافظات ورفع وتيرة التنسيق العسكري البيني. بالمقابل فإن المعارضة السياسية تمتلك في مواجهة استراتيجية تجزئة الهدنة أدوات التعطيل السياسي عبر تعليق المشاركة في المفاوضات أو الانسحاب منها.

2.    على المستوى السياسي

•    السعي دولياً لاستثمار عدم تطابق الرؤى الإيرانية -الروسية حول مستقبل سورية السياسي، والاستفادة من هوامش التنافس بين موسكو وطهران في هذا الإطار، ما يفرض على المعارضة التحرك باتجاه الانفتاح الجزئي على موسكو، خاصة وأن وجهة النظر الروسية تكاد تتماهى مع الأمريكية، وتحول الروس إلى فاعل لا يمكن تجاوزه في الملف السوري.
•    استثمار الموقف الأوروبي (بريطانيا، ألمانيا، فرنسا) باتجاه زيادة الضغط من خلال الملف الإنساني ضمن التفاوض، وترجمة خروقات النظام خلال الهدنة وما تخللها من جرائم الحرب إلى قرارات دولية صادرة عن مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، بدعم تلك الدول.
•    الدفع باتجاه ضغط سعودي على النظام المصري، لاستثمار ترأس جمهورية مصر العربية لمجلس الأمن في الشهر الحالي، لإحالة خروقات النظام والملف الإنساني إلى مجلس الأمن، علماً أن المندوب المصري قد عطّل اقتراح بريطانيا وفرنسا لإحالة ملف حلب إلى مجلس الأمن.
•    الدفع باتجاه قيام المملكة العربية السعودية بضبط موقف عربي موحد، يعترف بالهيئة العليا للتفاوض كممثل شرعي وحيد للشعب السوري في المفاوضات، ومنع تشكُّل محور لدى بعض الدول العربية يقترب من المشروع الروسي للحل عبر منصات بديلة.
•    سعي الائتلاف والهيئة العليا للتفاوض لقطع الطريق على أي محاولة من المنصات السياسية المستحدثة في جنيف (حميميم، الأستانة، القاهرة، مجلس المرأة الاستشاري)، لإحداث أي شرخ داخل جسد الهيئة، وذلك عبر تدعيم بنية الهيئة، وحشد الشارع السوري من خلال تظاهرات في الداخل ودول الشتات، لإعلان أن الهيئة العليا هي الممثل الشرعي الوحيد عن الثورة السورية في مفاوضات جنيف.

3.    على المستوى الاستراتيجي

طالما أن المزاج الدولي يسير باتجاه إدارة الأزمة وتطويقها عبر الهدنة لأمد متوسط على الأقل؛ فهذا يفرض تعزيز إدارة المناطق المحررة بشكل فعَّال، عبر زيادة تمكين القوى المحلية المدنية، المتمثلة بالمجالس المحلية والسعي لشرعنتها دولياً. وتُعتبر هذه الخطوة مُلحة واستراتيجية بالنسبة للمعارضة لعدة أسباب أبرزها:
أ‌.    تسيير وخدمة شؤون المدنيين في ظل أزمة قد تطول، مما يعزز شرعية المجالس التي تستند أصلاً لسلطة الشعب انتخاباً أو توافقاً.
ب‌.    تأمين شرعية دولية للمناطق المحرّرة، عبر القوى المحلية المدنية على الأرض.
ت‌.    إعادة تشغيل مؤسسات الدولة الإدارية، بعد أن دمرها قصف النظام، كخطوة على طريق استعادة وظائف الدولة، وسحب ذريعتها من نظام الأسد.
ث‌.    تفريغ الفصائل العسكرية لمهامها الأساسية في حماية الجبهات وليس الإدارة المدنية.

إلا أن هذه الخطوة تفرض على المعارضة السورية توحيد أطر العمل السياسي العسكري وتوجيهها لدعم القوى المدنية، ما يستوجب على الفصائل العسكرية التنازل عن بعض المهام المدنية التي سيطرت عليها، وإعادة تسليمها إلى المجتمع المدني والتفرغ للجبهات. وقد يساعد في ذلك تشكيل غرف العمليات على مستوى المحافظات، إذ أن نظام القطاعات "الجبهات" ما يزال يعوق تحرك قوى المجتمع المدني، نتيجة تشابك السلطات والنفوذ وفقاً لهذا النظام. بالمقابل لابد من سعي حقيقي من المعارضة السياسية (الهيئة العليا للمفاوضات، الائتلاف الوطني) لحشد دولي سياسي للاعتراف بشرعية المجالس المحلية في الهيئات والمنظمات الدولية، (جامعة الدول العربية، مجلس التعاون الخليجي، مجموعة أصدقاء الشعب السوري، منظمة التعاون الإسلامي) كإدارة مدنية شرعية للأراضي المحررة.

إن إحداث أي تغيير في سياق واقع ما بعد الهدنة، والذي يبدو أنه يسير باتجاه الثبات النسبي، لا يمكن أن يتم قبل تغيير داخلي وحقيقي في استراتيجية المعارضة السورية، عبر دينامية داخلية تفرض نفسها بشكل حقيقي على معادلة التدافع الدولي، مستندة في ذلك إلى تدعيم القرار المركزي –العسكري السياسي-على المستوى الوطني والذي تمت خسارته لصالح عدة أطراف.

إن أساس هذه الدينامية هو الإيمان بالعمل المؤسساتي واليقين أنه الطريق الأكثر نجاعة لإحداث فرق في مسار الثورة السورية ضمن هذه المرحلة الحرجة، والانطلاق من حقيقة أن الثورة هي جزء من التغيير وليست هي التغيير، وإنما هناك آليات ومراحل أخرى لا تكتمل مسيرة التغيير دونها، ولا تقل صعوبة عن الثورة ذاتها.

التصنيف تقدير الموقف

ضمن برنامج زاوية حرجة استضاف راديو أورينت عبر الهاتف المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، والكاتب والمحلل السياسي العراقي نجاح محمد علي. جاء ذلك ضمن حلقة بعنوان: "كيف سيكون الأسد بدون روسيا سياسياً"، ناقشت المحاور التالية:
1.     أسباب الانسحاب الروسي وتوقيته.
2.    مواقف حلفاء الأسد من الانسحاب الروسي.
3.    علاقة الانسحاب الروسي بالبعدين العسكري والسياسي.

ملخص: في 30 سبتمبر 2015 شنَّ الطيران الروسي أولى طلعاته الجوية مستهدفاً مخازن للأسلحة والذخيرة وعربات ومدرعات في حمص وحماة وحلب؛ مستنداً إلى معلومات تم جمعها وتحديدها من قبل غرفة عمليات يديرها تحالف روسي-إيراني-عراقي-سوري في العاصمة العراقية بغداد.وجاءت عملية القصف بعد الكشف عن حشود عسكرية روسية تضمنت: تعزيز القاعدة البحرية في طرطوس بغواصة نووية ومجموعة سفن حربية، وتوسيع القاعدة الجوية في اللاذقية.

وعلى الرغم من ادعاء موسكو أن حشدها العسكري يهدف إلى قتال تنظيم الدولة المتطرف؛ إلا أن العمليات الجوية قد استهدفت مختلف فصائل المعارضة في عدة محافظات، وأكد محللون عسكريون أن دوافع موسكو المعلنة لا تتناسب مع الدفاعات الجوية المتطورة التي نصبها الروس في قاعدة "حميميم"، والتي لا يمكن أن تكون موجهة ضد تنظيم الدولة المتطرف الذي لا يملك أية مقاتلات أو منظومات دفاع صاروخي، بل إن الهدف الفعلي من نصب هذه هو إنشاء منطقة عزل جوي بالتزامن مع سحب حلف الناتو دفاعاته الصاروخية، ومبادرة واشنطن إلى سحب بطاريات صواريخ باتريوت من منطقة "أضنة" تحت ذريعة تحديث هذه البطاريات، ومن ثم سحب حاملة الطائرات الوحيدة تاركة المجال الجوي لمنطقة شرقي المتوسط بأسره للطيران الروسي.

التواطؤ الغربي لاستدراج روسيا في المأزق السوري

في 30 سبتمبر 2015 شن الطيران الروسي أولى طلعاته الجوية مستهدفاً مخازن للأسلحة والذخيرة وعربات ومدرعات في حمص وحماة وحلب؛ مستنداً إلى معلومات تم جمعها وتحديدها من قبل غرفة عمليات يديرها تحالف روسي-إيراني-عراقي-سوري في العاصمة العراقية بغداد.

وجاءت عملية القصف بعد الكشف عن حشود عسكرية روسية تضمنت: تعزيز القاعدة البحرية في طرطوس بغواصة نووية ومجموعة سفن حربية، وتوسيع القاعدة الجوية في اللاذقية، وتزويدها بنحو 48 مقاتلة من طراز (Su-24) و(Su-25) و(Su-30) وبمروحيات قتالية و35 عربة قتال مدرعة مزودة بمدفعية من طراز (BTR-82A/B)، ومدفعية عيار (152 mm)، و6 دبابات من طراز (T-90)، ونحو 800 مقاتل روسي من القوات الخاصة و500 من سلاح البحرية، وعدد غير معروف من المرتزقة الشيعة الذين تم شحنهم من العراق وباكستان وأفغانستان عبر طائرات (Ilyushin IL-76) تمهيداً للزج بهم في هجوم بري مرتقب ضد المعارضة السورية بإسناد جوي روسي.

وعلى الرغم من ادعاء موسكو أن حشدها العسكري يهدف إلى قتال تنظيم الدولة المتطرف؛ إلا أن العمليات الجوية قد استهدفت مختلف فصائل المعارضة في عدة محافظات، وأكد محللون عسكريون أن دوافع موسكو المعلنة لا تتناسب مع الدفاعات الجوية المتطورة التي نصبها الروس في قاعدة "حميميم"، مثل صواريخ أرض-جو (SA15) و(SA22)، والتي لا يمكن أن تكون موجهة ضد تنظيم الدولة المتطرف الذي لا يملك أية مقاتلات أو منظومات دفاع صاروخي، بل إن الهدف الفعلي من نصب هذه هو إنشاء منطقة عزل جوي ("A2AD" Anti-Access Area-Denial) في المنطقة بالتزامن مع سحب حلف الناتو دفاعاته الصاروخية، ومبادرة واشنطن إلى سحب بطاريات صواريخ باتريوت من منطقة "أضنة" تحت ذريعة تحديث هذه البطاريات، ومن ثم سحب حاملة الطائرات الوحيدة (USS Theodore Roosevelt carrier) تاركة المجال الجوي لمنطقة شرقي المتوسط بأسره للطيران الروسي.

وفي مقابل التراجع العسكري الغربي تحدثت المصادر عن رسو حاملة الطائرات الصينية (Liaoning-CV-16) في ميناء طرطوس، بعد أن عبرت قناة السويس في 22 سبتمبر، حيث تتوجه بكين إلى تعزيز قواتها البحرية بمقاتلات من طراز (J-15 Flying Shark) ومروحيات قتالية مزودة بصواريخ مضادة للغواصات من طراز (Z-18F) و(Z-18J) في منتصف شهر نوفمبر القادم، والتي ستتمركز في القاعدة الجوية الروسية باللاذقية بعد أن تمر بالأجواء الإيرانية والعراقية بالتنسيق مع طهران وبغداد.

وتأتي التعزيزات الصينية بعد استقبال الرئيس الأمريكي باراك أوباما الرئيس الصيني في البيت الأبيض يوم الجمعة 25 سبتمبر 2015، مما يؤكد وجود تفاهمات مسبقة بين العواصم الثالثة (واشنطن، موسكو، بكين) حول الترتيبات العسكرية التي تجري في سورية بالتنسيق مع إيران. ومن الملفت للانتباه أن يتزامن الحشد الروسي مع حالة إخلاء جوي غربي لمنطقة شرقي المتوسط في ظل تطورين مهمين:

1.    الترحيب الأوروبي بالدور الروسي-الإيراني الجديد: ففي أول رد فعل لها على العمليات الجوية الروسية رحبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالتدخل الروسي مؤكدة أنه: "لن يكون من الممكن إنهاء الحرب الأهلية في سورية إلا بمساعدة روسيا التي بدأت أول أمس شن ضربات جوية في البلاد"، وأكدت في كلمة في شرق ألمانيا بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لإعادة توحيد ألمانيا: "هذا صحيح بصورة خاصة في حالة سورية، إذ نعرف جميعا منذ أعوام أنه يمكن أن يكون هناك حل فقط في وجود روسيا وليس من دون وجودها". وفي زيارته الأخيرة إلى طهران أكد وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتس، أن الأزمة السورية: "تحتاج إلى نهج عملي مشترك يتضمن مشاركة الأسد في التصدي لإرهاب تنظيم الدولة"، وأضاف: "في رأيي أن الأولوية لقتال الإرهاب، ولا يمكن أن يتحقق ذلك دون إشراك قوى مثل روسيا وإيران"، كما صرح وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل جارثيا مارجايو، من طهران كذلك، أن: "حكومة بشار الأسد، سواء رضينا بها أم لا، هي من تمتلك الشرعية الدولية، وهي من تملك مقعداً في الأمم المتحدة". وتزامن إعلان وزير الخارجية البريطاني أن بلاده مستعدة لبقاء بشار الأسد رئيساً في الفترة الانتقالية، مع تأكيد صحيفة "غارديان" البريطانية (29 سبتمبر 2015) أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد أكد لأول مرة أن بريطانيا مستعدة للقبول ببشار أسد على رأس مرحلة انتقالية في سورية بهدف التوصل إلى اتفاق مع روسيا وإيران حول الملف السوري.

2.    التضييق على المعارضة السورية ووقف الدعم عنها: ففي شهر مارس الماضي قطعت واشنطن الدعم عن أربع فصائل، وخفضت المساعدات التي كانت تقدمها لنحو 12 كتيبة أخرى، ثم بادرت إلى إيقاف الدعم المالي عن 52 فصيلاً في الجبهة الجنوبية في نهاية شهر أغسطس، وأعلنت بعد ذلك عن مراجعتها لبرنامج "تدريب المعارضة المعتدلة" متهمة العناصر التي دربتها بتسليم أسلحة وعتاد أمريكي إلى "جبهة النصرة" في 21 سبتمبر، ثم عمدت إلى تعميق حالة الفراغ عبر إغلاق غرفة التنسيق المشتركة في الأردن "الموك"، في حين نشطت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في التضييق على ممولي الفصائل المعتدلة وإصدار قوائم بأسماء مطلوبين لملاحقتهم أمنياً في دول الجوار.

وعلى الرغم من التصريحات الأمريكية الرافضة لاستهداف المعارضة المعتدلة في 30 سبتمبر 2015؛ إلا أن الرئيس أوباما كان على علم مسبق بتفاصيل عمليات سلاح الجو الروسي، حيث أكد البيت الأبيض أن بوتين قد: "أوضح الموقف الروسي بصورة كاملة لأوباما"، وذلك في إشارة إلى مراسلات مفصلة أرسلتها موسكو إلى واشنطن في 29 سبتمبر تتضمن تفاصيل العمليات المرتقبة، ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أمريكي قوله إن موسكو أعلمت واشنطن بالضربات قبل شنها، ومن الملفت للانتباه تزامن التصريحات الأمريكية الرافضة للقصف الروسي مع جلسات مفاوضات مكثفة عقدها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونائبته ويندي شيرمان مع الروس والإيرانيين للحديث عن: "سبل التعاون في الشأن السوري"!

الملامح الأولية للخطة الروسية

تتطلب عملية تشخيص مخاطر التدخل الروسي الاعتماد على معلومات دقيقة غير متأثرة بالشحن الإعلامي الغربي المصاحب للحملة، ومن خلال ما رشح من محاضر الاجتماعات التي عقدها المسؤولون الروس في موسكو ونيويورك خلال الأسبوعين الماضيين؛ يمكن تلخيص أهم معالم الخطة الروسية في سورية في النقاط التالية:

1.    إنشاء منظومة أمنية إقليمية جديدة

تجمع بين موسكو وطهران وبغداد ودمشق، وتنسق عملياتها مع تل أبيب، ففي مقابلة مع موقع (RT) الروسي، بتاريخ 2 أكتوبر 2015، أكد الفريق سيرغي كورالينكو ممثل روسيا الرسمي في "المركز المعلوماتي" ببغداد، أن المهمة الأساسية للمركز تتمثل في: "جمع وتحليل ومعالجة وتبادل المعلومات الجارية حول الوضع في منطقة الشرق الأوسط في سياق مكافحة ما يسمى "الدولة الإسلامية"، وللقيام بعدها بإيصال هذه المعلومات إلى هيئات الأركان في روسيا والعراق وإيران وسورية"، كما أكد وجود تنسيق كامل مع الإدارة الأمريكية، وأشار إلى وجود وثيقة تأسيسية تحدد نمط العلاقة بين الدول الأربع مرحباً بانضمام أية دولة أخرى إلى هذه الغرفة، قائلاً: "أود التأكيد على أن هذا المركز المعلوماتي لا يعتبر مخصصاً فقط لأربعة أطراف، وإنما نأمل أن ينضم لعملنا دول أخرى، والتي لها مصلحة في القضاء على داعش، ولذلك نحن مقتنعون بانضمام دول أخرى إلينا وسيصبح عملنا أكثر فاعلية"، وذلك في إشارة واضحة إلى التعاون الوثيق بين المركز المعلوماتي مع رئاسة الأركان الإسرائيلية وإمكانية انضمام تل أبيب إلى ذلك التحالف؛ حيث تزامن الحشد الروسي في سورية مع اجتماعات مكثفة بين رئيسي الأركان الروسي والإسرائيلي والاتفاق على إنشاء آلية لتنسيق العمليات بين موسكو وتل أبيب في المجالات: الجوية والبرية والبحرية والفضاء الإلكتروني تحت إدارة نائبي رئيسي أركان البلدين نيكولاي بوغدانوفسكي ويائير جولان، وتنفيذاً لتلك الاتفاقيات؛ فقد أكدت صحيفة "تايمز أو إسرائيل" أن موسكو قد أشعرت تل أبيب مسبقاً بجميع الأهداف التي كانت ستقصفها يوم الأربعاء 30 سبتمبر، وقبل نحو ساعة من قصف أهداف بحمص اتصلت موسكو مع عدد من الضباط الإسرائيليين منهم مستشار الأمن القومي يوسي كوهين وأخبرتهم بتفاصيل العملية الجوية قبل شنها.

2. توجيه ضربات ترجيحية لتعزيز وضع النظام في المناطق التي فقدها

في اجتماع عقد المقر الرئاسي في أوغاريوفو بالقرب من العاصمة الروسية يوم الإثنين 21 سبتمبر 2015؛ حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على طمأنة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والوفد الأمني والعسكري المرافق له بأن سلاح الجو الروسي لن يقوم بأية عمليات جنوب سورية، وأن موسكو ستنسق مواقفها مع تل أبيب، ولن تسمح لحزب الله بنقل أية أسلحة جنوب غربي سورية، وأكد بوتين للوفد الإسرائيلي أن العمليات العسكرية الروسية ستهدف إلى:

•    حماية النظام السوري وتعزيز قدراته القتالية.

•    دعم إيران للقيام بدور إيجابي في المنطقة بعد الاتفاق النووي.

•    مواجهة قوى التطرف متمثلة في تنظيم "داعش" وجبهة النصرة.

وبعد تحقيق هذه الأهداف أوضح بوتين أن قواته ستشرف على تنفيذ خطة انتقالية تتضمن: وقف إطلاق النار، وتأسيس حكم انتقالي يضم أطرافاً من السلطة والمعارضة، والإشراف على انتخابات بلدية ونيابية ورئاسية يختار فيها الشعب السوري من يمثله ويحكمه.
ولتحقيق هذه الخطة أكد بوتين للوفد الإسرائيلي على ضرورة تمكين الحكم في دمشق من إدارة المرحلة الانتقالية، مشيراً إلى أن القوات الروسية لا تنوي التمدد إلى دمشق، بل سيقتصر وجودها في اللاذقية حيث ستعمل على حماية الأقلية العلوية ومنع المعارضة من التقدم نحو جبال الأنصارية أو المناطق الساحلية.

وسربت مصادر مقربة من الموساد تفاصيل أخرى حول اللقاء تتعلق بمداخلات رئيس الأركان الإسرائيلي وقائد الأمن الفيدرالي الروسي، لمنع وقوع أي تضارب في الأهداف حيث ستركز الخطة الروسية على تمكين النظام من استعادة المناطق التي فقدها في الأشهر الماضية، وذلك من خلال توفير غطاء جوي للمرتزقة الإيرانيين في معارك تهدف إلى توطيد سيطرة النظام في دمشق والقلمون وحمص وريف حماة والريف الغربي لمدينة جسر الشغور.

وأشار المصدر إلى أن تفاصيل العمليات البرية قد تم وضعها في سلسلة زيارات متبادلة اجتمع فيها مساعد وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، مع حسين أمير عبد اللهيان في طهران، ولقاءات قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني مع الضباط الروس بموسكو، حيث يتوقع أن تنضم ميلشيات شيعية قريباً إلى قوات الأسد و"حزب الله"، لشن هجوم بري بإسناد جوي روسي.

3.    التمهيد لعملية تحول سياسي تحت إشراف النظام

بالتزامن مع الحشد العسكري بذلت الدبلوماسية الروسية جهوداً حثيثة للتسويق لخطة تحول سياسي حيث تحدث بوتين عن إمكانية تشكيل حكومة سورية موسعة تضم أطرافاً من المعارضة "المعتدلة" وتكليفها بترتيب انتخابات بلدية ونيابية ورئاسية بالتتابع، وتأكيده على أن: "الرئيس السوري بشار الأسد مستعد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة ولاقتسام السلطة مع معارضة بناءة". وقال الرئيس الروسي على هامش المنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك بأقصى شرق البلاد "نريد فعلاً إيجاد نوع من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والتطرف"، وأضاف بوتين نحن نعمل مع شركائنا في سورية، وبشكل عام هناك تفاهم بأن توحيد الجهود في محاربة الإرهاب يجب أن يسير بالتوازي مع نوع من العملية السياسية في سورية نفسها. وأضاف بوتين إن "الرئيس السوري يتفق مع هذا وصولاً إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة وإجراء اتصالات مع ما يسمى المعارضة الصحية وإشراكهم في الحكومة".

وينسجم الطرح الروسي مع مبادرة أطلقها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للبدء بحوار وطني سوري لا يقوم على أساس "جنيف 1" أو "جنيف 2"، بل ينطلق من مبدأ (6+1) ويشمل دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى إيران، ويقوم على أساس وقف جميع العمليات العسكرية ودعم الفصائل والميلشيات المقاتلة.

وينطلق ظريف من نجاح مفاوضات الملف النووي كنقطة ارتكاز بالإضافة إلى الضربات الترجيحية الروسية وتراخي مواقف بعض الدول الإقليمية والدولية فيما يتعلق برحيل بشار الأسد واعتقادهم بإمكانية توليه القيادة في مرحلة انتقالية للبلاد.

4.    ملء الفراغ الاستراتيجي الذي تركته أمريكا في المنطقة

تؤكد مصادر أمنية غربية بأن العملية الروسية قد جاءت كضربات استباقية تهدف إلى إفشال مخططات بعض القوى الإقليمية لفرض مناطق عازلة شمال وجنوب غربي البلاد، وهذا ما يفسر تكديس منظومات الدفاع الصاروخية المتطورة وسعيها لإنشاء منطقة عزل جوي ("A2AD" Anti-Access Area-Denial)، وتحذير قوى التحالف من خرق المجال الجوي السوري دون التنسيق مع موسكو.

وتأتي هذه العمليات ضمن خطة طويلة الأمد تهدف من خلالها موسكو إلى مد شبكاتها الصاروخية في المنطقة الممتدة ما بين طهران وبيروت مروراً ببغداد ودمشق، والسيطرة على أجواء المنطقة من خلال إنشاء شبكة دفاع جوي مع هذه الدول.

وفي مقابل سعي واشنطن إلى استدراج موسكو لعمل عسكري في سورية؛ يبذل الروس جهوداً حثيثة لتأسيس وجود بحري دائم في المياه الدافئة شرقي البحر الأبيض المتوسط، حيث تمكن هذه السياسة موسكو من صياغة تحالفات إقليمية جديدة في المنطقة والدخول بقوة في أسواق السلاح والطاقة.

وكانت صحيفة "واشنطن بوست" قد أشارت إلى أن خطاب أوباما في الأمم المتحدة، يوم الإثنين 28 سبتمبر 2015، يتضمن اعترافاً محزناً بالفشل؛ حيث حمل خطاب أوباما رسالتين: تتضمن الأولى إدراك الولايات المتحدة على مدى العقد الماضي أنه "لا يمكن فرض الاستقرار على أرض أجنبية"، وتؤكد الثانية على أن الإدارة الأمريكية: "مستعدة للعمل مع أي دولة، بما في ذلك روسيا وإيران، لحل الصراع في سورية".

5.    إنعاش سوق الصناعات العسكرية الروسية
تروج موسكو لنفسها في الآونة الأخيرة على أنها لاعب دولي يمكن الاعتماد عليه في احتواء إيران وحملها على الالتزام بالاتفاق النووي، ومنع النظام السوري من استخدام الأسلحة الكيميائية، والمساهمة الفاعلة في محاربة الإرهاب، ومنع انسياب الأزمة السورية خارج الحدود، والترويج لتقنيات الطاقة السلمية في الشرق الأوسط.

ومن خلال هذه الحزمة من المعطيات يعمل الكرملين على إنعاش الاقتصاد الروسي عبر استعادة مجاله في سوق السلاح الذي كانت تعتمد عليه الجمهوريات العربية المتداعية، فقد أكد نائب رئيس شركة "روس أوتوم نيكولاي سباسكي" الروسية أثناء لقاءه مع السفير الإيراني في موسكو أن شركته تعمل على بناء منشأتين نوويتين جديدتين جنوب إيران، وفي شهر فبراير الماضي وقع فلاديمير بوتين مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عقداً يقضي بقيام روسيا ببناء مفاعلات نووية في مصر، كما تتفاوض موسكو مع السعودية والإمارات والكويت والأردن على صفقات لتطوير الطاقة النووية، وكان أكبرها في 19 يونيو 2015 ، حيث التزمت موسكو بإنشاء 16 مفاعلاً نووياً للسعودية، كما تعمل وزارة الدفاع الروسية على إبرام صفقات ضخمة مع دول الخليج العربية في مجال تطوير سلاح البحرية ونظم الدفاع الجوية وتقنيات الطائرات بدون طيار، فضلاً عن العربات المدرعة وأنظمة الإشارة، وتتطلب مثل هذه الالتزامات العسكرية طويلة الأمد صياغة تحالفات أمنية وطيدة، ووجوداً فعلياً في المياه الدافئة شرقي البحر الأبيض المتوسط.

محدودية التدخل الروسي والفرص الكامنة

من خلال المحاولة التي بذلها الباحث أعلاه لتحديد النطاق النوعي والمكاني للعمليات الروسية-الإيرانية المرتقبة؛ لا بد من التأكيد على أن التوجهات الروسية تندرج ضمن خطة بشار أسد العسكرية بتقليص سيطرة قواته على "سورية المفيدة" المتمثلة في دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس، وعلى أن محدودية التحرك الروسي تندرج في هذا الإطار؛ إذ إن 48 مقاتلة و6 دبابات و35 عربة مدرعة متمركزة في قاعدتي: "حميميم" الجوية و"طرطوس" البحرية، لا يمكن أن تنفذ عملية "احتلال" أو "اجتياح" للقطر السوري، خاصة وأن قوام القوات الخاصة وسلاح البحرية التي تم حشدها لا يتجاوز 1776 جندياً روسياً يعمل أغلبهم في مجال تقنيات الرصد والدفاع الجوي.

كما أن الضغوط الاقتصادية على موسكو تمنعها من شن حملة اجتياح بري واسع النطاق خارج البلاد، إذ إن عملية ضمّ شبه جزيرة القرم قد فاقمت من الضغوط الاقتصادية على روسيا التي باتت تعاني من: العزلة الدولية، وهبوط أسعار النفط، وتراجع قيمة الروبل، وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية إلى حد 30 في المائة.

ويجدر التنبيه إلى أن الدعم الروسي الأخير للنظام السوري ليس الأول ولا الأكبر من نوعه؛ فقد حصلت دمشق في السنوات الماضية على منظومات دفاع جوي متطورة، ومروحيات قتالية، وقامت موسكو بتطوير وتحديث أسراب طائرات "ميغ" و"سوخوي" منذ عام 2012؛ كما استلم جيش النظام في السنوات الأربعة الماضية كميات كبيرة من العربات المدرعة والمدفعية الثقيلة والدبابات المتطورة والذخيرة من مختلف الأعيرة، وكانت الاستخبارات الروسية تزود رئاسة الأركان في دمشق بأماكن تواجد المعارضة وسبل استهدافها، دون أن يغير ذلك من ترجح الميزان العسكري لصالح المعارضة أو يساعد على منع نظام بشار المتفكك من الانهيار.

وتشير مصادر أمنية مطلعة إلى أن التدخل الروسي الأخير قد جاء عقب معلومات مؤكدة بأن النظام السوري على وشك السقوط، حيث تقلصت سيطرته على البلاد إلى نحو 18 بالمائة، في حين استنفذ جيشه 93 بالمائة من مخزونه من الصواريخ، ولم يعد قادراً على استعادة سيطرته أو إرجاع أي منطقة فقدها في الأشهر الماضية، ودفعت هذه الهزائم بشار نحو التفكير باستخدام مخزونه من الأسلحة الكيميائية المتبقية لحماية العاصمة من الثوار الذي أحرزوا تقدماً ملحوظاً في الأسابيع القليلة الماضية.

ولا يتوقع أن تسفر عمليات شحن المزيد من قطعان المرتزقة الشيعة إلى الأراضي السورية بتغيير فعلي؛ إذ إن التقارير العسكرية تؤكد فشل سياسة الحشد الطائفي التي يقوم بها قاسم سليماني بسبب قصر فترة تدريب هذه القوات على ستة أسابيع في مخيمات، وعجز هؤلاء المقاتلين عن المواجهة، وتشير المصادر إلى أن المبادرة الإيرانية-الروسية الأخيرة تأتي كمحاولة لوقف الاستنزاف المالي الذي تعاني منه طهران بعد أن أنفقت نحو 40 مليار دولار لإنقاذ نظام بشار، وتوجهها للتركيز على تحسين وضعها الاقتصادي عقب الاتفاق النووي الذي أبرمته مع الدول الغربية، إضافة إلى إدراك الحكم في طهران أن قدرتها على دعم بشار لا بد وأن تنضب في ظل الخسائر الكبيرة التي يعاني منها نظامه.

وتأتي أنباء حشد إيران للمزيد من المرتزقة على خلفية إنهاك "حزب الله" وتكبده نحو 1800 قتيل و3000 جريح منذ تدخله في سورية، واضطراره لعقد الهدن مع المعارضة حتى يتمكن من استعادة معنويات قواته المنهارة، مما يؤكد على أن العمليات المرتقبة ستكون محدودة بإطار زمني لا يتعدى شهرين، وستنحصر في إطار القيام بضربات ترجيحية تحاول استعادة توازن النظام في المناطق التي فقدها في المعارك الأخيرة، وستشنها قوات منهكة سبق وأن انكسرت في معارك سابقة مع المعارضة.

وفي ظل هذه المعطيات؛ يؤكد المسؤولون الروس على أن الهدف من العملية العسكرية يقتصر على: ترجيح كفة النظام، والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، والبدء في مفاوضات المرحلة الانتقالية، وذلك في ظل إدراك الكرملين أنه من غير الواقعي محاولة القضاء على عشرات آلاف المقاتلين الذين يتمتعون بأفضلية القتال على أرضهم، ويستفيدون من تحول الاستراتيجية العسكرية لجيش النظام إلى "الدفاع" وفقدانه عنصر المبادرة، وضعف الكفاءة القتالية للميلشيات التابعة لإيران، وذلك في مقابل توحد فصائل المعارضة واعتمادها تكتيكات قتالية متطورة، وتحقيقها اختراقات غير مسبوقة في حروب المدن من خلال المواكبة ما بين العمليات النوعية ضد التحصينات الخارجية، وتوظيف القصف الصاروخي عالي الدقة لاستهداف نقاط الأمن الداخلية.

نتائج وتوصيات

وللتعامل مع مخاطر الحشد الروسي وعملياته المرتقبة يتعين على المعارضة أن تبادر إلى اتخاذ الإجراءات التالية:

أ‌.    تبني سياسة "الكمون الاستراتيجي": والذي يتمثل في امتصاص الضربات المبدئية، واستيعاب عنصر المفاجأة من خلال رصد التحركات واستقراء نمط العمليات المعادية، وتجنب استدراجها في مواجهات غير متكافئة في هذه ا لفترة الحاسمة.

ب‌.    تنفيذ استراتيجية "إعادة التموضع": لتشتيت إحداثيات غرفة العمليات المشتركة ببغداد، وذلك من خلال عدة صيغ أبرزها: "الانتشار الكيفي"، وتجنب التجمعات، وشن حرب العصابات، وتنفيذ العمليات الخاصة، والمبادرة إلى "إعادة التشكيل".

ت‌.    إنشاء "غرفة عمليات سورية مشتركة": حيث تمثل عملية إغلاق غرفة العمليات المشتركة في الأردن "الموك" فرصة سانحة لإنشاء غرفة عمليات سورية تعزز مفاهيم الأمن الوطني، وتمنح فصائل المعارضة ما تحتاجه من شخصية اعتبارية في المعادلة الإقليمية، وذلك من خلال تبني استراتيجيات "إدارة الأزمة"، واتباع وسائل احترافية لتبادل المعلومات، ورسم الخطط، وتقدير الموارد المطلوبة، وتوظيف مصادر القوة الكامنة بمختلف أبعادها، ووضع ذلك في إطار قالب تطبيقي يستوعب التحولات الإقليمية والدولية وآليات توظيفها في إفشال خطة التدخل الخارجي.

ث‌.    إعداد خطة للمحافظة على "المكتسبات الاستراتيجية": عبر تحديد الأولويات، وتنفيذ عمليات الإخلاء، وتنسيق خطط الكر والفر، وإعادة التشكل في إطار المحافظة على البؤر الاستراتيجية التي اكتسبتها المعارضة، ومن ثم التوسع في مناطق "الخاصرة الرخوة" التي لا تصل إليها ميلشيات المرتزقة ولا تطالها عمليات القصف الجوي.

ج‌.    التركيز على العمليات النوعية والضربات الموضعية في المناطق الآمنة للنظام: وذلك من خلال شن عمليات نوعية تطال النظام في مقراته الآمنة وتستثمر مشاعر السخط في صفوف خزانه البشري الذي يتنامى سخطه من قيادة بشار، وخاصة في قلب العاصمة ومحيطها، فضلاً عن محاولة نقل المواجهات إلى مناطق متفرقة في محافظتي اللاذقية وطرطوس.

ح‌.    إعادة صياغة التحالفات الإقليمية: حيث يحاول تحالف (موسكو-طهران-بغداد-دمشق) توظيف "فراغ المجال" الغربي -عسكرياً وأمنياً- لفرض عزلة على بعض القوى الإقليمية وعلى رأسها الرياض وأنقرة، ولا شك في أن الاستفادة من هذه القوى كداعم يتجه نحو التحلل من بعض القيود والالتزامات الدولية، والتعامل معه كظهير دبلوماسي يتحدث بقوة في الأروقة الدولية، دون التقليل من قدرة الكوادر السورية التي أنتجتها الأزمة على رفد الساحة بأطروحات جديدة في مقابل ترهل الدبلوماسية الدولية، والدفع نحو مبادرة تقوم على التخطيط السليم والتشكيل البنيوي المتوافق مع متطلبات المرحلة.

خ‌.    الإعداد لخطة تحول سياسي تحظى بإجماع وطني: تنطلق من منظور وطني وترتكز على مفاهيم الاحترافية والانضباط وتعمل على توفير الاحتياجات الأساسية للشعب السوري، وتفهم المتطلبات الأمنية لدول الجوار، والأخذ بزمام المبادرة للتقدم بمبادرة وطنية جامعة على أنقاض الدكتاتورية المتهاوية.

التصنيف أوراق بحثية
الأربعاء, 16 أيلول/سبتمبر 2015 21:27

مآلات الحراك القائم في السويداء

إن ما تتمتع به محافظة السويداء من خصوصية طائفية وجغرافية، مقابل طبيعة نظام الأسد، وما قد يطرأ بينهما من متغيرات إقليمية ودولية؛ يضع الحراك القائم في المدينة أمام مجموعة من السيناريوهات المحتملة، والتي تتراوح من إدارة ذاتية إلى صدام مسلح مع النظام أو استجرار لمواجهة مباشرة مع تنظيم الدولة "الإسلامية" مقابل احتمالية الانقسام الداخلي في الكتلة الدرزية.

التصنيف أوراق بحثية

ليس ثمة اختلاف في أن أهداف التحالف ضبابية وأن النتيجة النهائية لهذا الجهد مفتوحة لاحتمالات متعددة. فما هي الأدوار المتوقع أن يلعبها الفرقاء المختلفون ليجنوا أكبر قدر من المنافع ويحموا أنفسهم من عواقب لم تكن بالحسبان.

التصنيف تقدير الموقف
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
الخميس نيسان/أبريل 29
الملخص التنفيذي مع تراجع سُلطة الدولة المركزية لصالح صعود تشكيلات دون دولتية، منها ذات طابع قومي وديني؛ برزت نماذج مختلفة من أنماط الحكم المحلي في الجغرافية السورية، والتي تأثرت بالخارطة…
نُشرت في  الكتب 
الخميس كانون1/ديسمبر 17
مقدمة تتفق جل الأدبيات المتعلقة بحقل العلاقات المدنية العسكرية بأنها خضوع القوات المسلحة لقيادة مدنية ديمقراطية، وهي عملية معقدة تتطلب إصلاحاً تشريعياً شاملاً، وإصلاحاً للقطاع الأمني بأكمله، وإجراء العدالة الانتقالية،…
نُشرت في  الكتب 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20