مقالات

المسارات

الملفات

الباحثون

التصنيف

تاريخ النشر

-

انخرط حزب الله إلى جانب نظام الأسد في وقت مبكر من الثورة السورية، مدفوعاً بعوامل ذاتية تتعلق بحماية وجوده من جهة، وتفعيلاً لدوره الوظيفي في الإقليم بحسب الاستراتيجية الإيرانية والمصالح الغربية من جهة أخرى.

وقد ترك هذا الانخراط تداعيات ذات أبعاد مركبة شملت الساحة السورية والمشهد الإقليمي والحزب نفسه، فمن جهة عزز تدخل الحزب موقف نظام الأسد في مواجهة قوى الثورة والمعارضة، كما أدى إلى زيادة مستوى التدافع الإقليمي في الجغرافية السورية بأدوات غير مباشرة، إضافة إلى مساهمته في زيادة منسوب التوتر المذهبي في الإقليم.

ولم يكن الحزب خارج هذه التداعيات حيث تعرض إلى تحولات شملت بنيته وهويته ودوره والموقف الشعبي تجاهه.

فيما يتعلق بمسار الحزب المستقبلي في سورية، فإن ذلك رهن لتفاعل المتغيرات الحاكمة للصراع السوري بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية.

وتقدم هذه المقالة، وهي ضمن سلسة مقالات حول الحزب اللبناني في سورية، تقييماً عاماً لتموضع الحزب في سورية من الناحية العسكرية والأمنية الحالية من جهة، كما تحاول توقع دور الحزب المستقبلي من جهة أخرى.

انحصر دور حزب الله في بداية الصراع المسلح على بعض المناطق التي تعتبر مقدسة بالنسبة للشيعة في ضواحي مدينة دمشق وريفها، إلا أنه وبعد تنامي دورها وبروزها في القتال خصوصاً مع دخول حزب الله اللبناني وحركة أمل بشكل مباشر إلى معركة القصير وسيطرتهم عليها، أصبح جلياً أهمية هذه المليشيات للنظام وسبب قدومها ونذكر منها:

  • حاجة النظام الفعلية لنشر قوة برية على امتداد ساحات القتال في المناطق السورية الثائرة وتأمين الحماية اللازمة لمؤسسات الدولة الحيوية والتي لا يثق رأس النظام بحمايتها وحراستها حتى من أبناء طائفته.
  • انشقاقات في المؤسسة العسكرية والشرطية والأمنية في مختلف الرتب وبالأخص المجندين (سُنة).
  • الفرار من تأدية الخدمة العسكرية لمن هم في سن الخدمة الإلزامية والاحتياطية حتى من الموالين للنظام وانسلاخ الأكراد عن الجيش السوري بشكل شبه كامل.
  • انعدام الثقة في بعض أفراد القوات النظامية نظراً لخلفيتهم الدينية (سُنة)
  • الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها القوة البشرية العسكرية في النظام السوري.
  • تحمل هذه المليشيات الشيعية العقيدة الدينية المترسخة التي تقودهم لدعم النظام العلوي والمحافظة عليه لخشيتهم من الطائفة السنية فيما لو استلموا الحكم، وترسيخ هذه الفكرة لديهم من رجال الدين الشيعة الذين يضخون في فكرهم أن القتال في سورية يعتبر من الجهاد المقدس.
  • إغراء عناصر المليشيات الشيعية بالأموال وخاصة أن معظم مقاتلي المليشيات من الفقراء الشيعة سواء أكانوا من إيران أو العراق أو لبنان أو الأفغان وغيرهم.
  • إغراء اللاجئين الشيعة من الأفغان والباكستانيين في إيران بالحصول على إقامات لهم ولعوائلهم في إيران في حال قتالهم في سورية إلى جانب قوات النظام.

حماية الوجود وتطوير الدور

اتخذ حزب الله مقاربة ثنائية إزاء دول الربيع العربي بناءً على علاقته بالأنظمة الحاكمة في تلك الدول وموقفها من المقاومة، ففي حين رحب الحزب بحركات الاحتجاج التي شهدتها مصر وتونس واليمن وحتى ليبيا، تبنى الحزب مقاربة على النقيض تماماً تجاه الحراك الثوري السوري باعتباره مؤامرة تستهدف إسقاط حليفه الاستراتيجي نظام الأسد.

بناء على ما سبق وبتأثير إيراني واضح اتخذ الحزب قراره بالتدخل لتحقيق هدفين رئيسيين:

حماية الوجود: شكل الحراك الثوري تحدياً لإيران والحزب لجهة احتمال سقوط نظام الأسد وما يمثله من خسارة استراتيجية تحد من الدورين الإقليمي لإيران والمحلي للحزب، الأمر الذي اضطر الحزب للتدخل وشرعنته وفق مقولات سردية “المقاومة” لحماية مصالحه الحيوية المعرفة ببقاء النظام بما يضمن له العمق الاستراتيجي واستمرارية الدعم العسكري والسياسي.

أما الهدف الثاني فيتمثل بتطوير الدور حيث وجد الحزب في الحراك الثوري فرصة لتطوير دوره خارج الإطار المحلي من خلال لعب دور متقدم في الاستراتيجية الإيرانية التي تتطلب منه الانخراط بشكل أكبر في الساحات الإقليمية المأزومة وفي مقدمتها سورية، وقد لجأ الحزب إلى سردية “المظلومية التاريخية للشيعة” لتبرير تدخله لحماية الشيعة المضطهدين في سورية. كذلك عمل الحزب على إيجاد تقاطعات مع المصالح الغربية في المنطقة من خلال استغلال المخاوف من “الإرهاب” ليطرح سردية “التطرف السني” ودوره في مواجهته.

أما بخصوص العوامل التي تحدد حجم تدخل الحزب فهي متعددة كالأولويات إذ يتدخل الحزب وفق سلم أولويات محددة ضمن مجموعة عوامل في مقدمتها طبيعة الأهداف التي يتوخى الحزب تحقيقها ضمن المجالين الحيوي الخاص به وبإيران، إضافة إلى الموقف العام الميداني لنظام الأسد؛ وكالمشروعية؛ إذ يطرح الحزب سرديات يبرر من خلالها لجمهوره وللخارج الدور الذي يمارسه في سورية.

وفي هذا المجال فإن الحزب يتحرك ضمن 3 سرديات رئيسية وهي: حماية مشروع المقاومة، محاربة الإرهاب، المظلومية التاريخية للشيعة؛ أما بالنسبة للموارد ورغم بعض التقديرات التي تقول بتزايد موارد الحزب البشرية والتسليحية نتيجة انخراطه، إلا أن ذلك لا يخفي تعرض الحزب لخسائر نوعية وتخوف قيادة الحزب من مخاطر الاستنزاف على المدى الطويل وفي ساحات مفتوحة؛ أما بخصوص البيئة الإقليمية والدولية: يتعاطى الحزب بواقعية مع مصالح الفاعليين الإقليميين والدوليين في سورية، ويعمل على إيجاد تقاطعات مصلحية معها كما في مسألة الحرب على الإرهاب التي تشرعن تدخله من جهة وتحدد حجمه في مكان آخر.

أما عن مراحل تدخل حزب الله فيمكن تقسميها بحسب التوجه العام الذي انتهجه الحزب وهو يتقاطع مع التوجه الإيراني، والذي يمكن تقسمي إلى:

الدور الاستشاري (2011 – 2012)

الحزب لم ينحز فوراً إلى الخيار العسكري في سورية، إذ حاول في البداية إيجاد حل سياسي بمساعدة حركة حماس الفلسطينية التي توسطت في عام 2012 لمحاولة إبرام اتفاقية تقاسم للسلطة في سورية، بيد أن هذا الجهد تعثّر حين اشترطت الحكومة السورية أن تضع المعارضة سلاحاً أولاً.

وبحسب دراسة نشرها مركز غارنغي، فإن نائب قائد الحرس الثوري الإيراني حسين همذاني الذي قُتل قرب حلب في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، تحدث في مذكراته عن أنه في ربيع عام 2012، طلب منه المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، التشاور مع زعيم الحزب حسن نصر الله الذي قيل إنه كان مسؤولاً عن سياسة محور المقاومة في سورية. وكان نصر الله التقى خامنئي في طهران في أواخر 2011 لاتخاذ قرار حول التدخّل، أي بعد 9 أشهر من انطلاق الأزمة السورية. ثم عاد إلى بيروت لبدء الاستعدادات، بسبب الحاجة إلى تأطير هذا التدخل على نحو ملائم في المشهد السياسي اللبناني الذي كان يعيش أصلاً حالة استقطاب حادة.

نفى الحزب مع انطلاق الأحداث في سورية عام 2011 أكثر من مرة مشاركته بالقتال هناك، ومن ثم اعتمد سياسة لإعلان ذلك تدريجياً. فأشار في المراحل الأولى إلى أن «مواطنين لبنانيين» هم من يشاركون في المعارك دفاعاً عن بلداتهم الواقعة على الحدود بين البلدين. ثم انتقل لتأكيد مشاركة عناصر منه في هذه المعارك تحت عنوان «حماية القرى اللبنانية» الحدودية مع سورية. وبعدها برّر القتال بحماية «المقامات المقدسة» لدى الشيعة، ثم حسم الموضوع بالإعلان الواضح عن المشاركة في معركة القصير في مايو (أيار) 2013.

سنة 2013، وفي ذكرى حرب يوليو (تموز)، قال نصر الله: «إذا كان عندنا ألف مقاتل في سورية فسيصبحون ألفين، وإذا كانوا 5 آلاف فسيصبحون 10 آلاف. وإذا احتاجت المعركة مع هؤلاء التكفيريين ذهابي وكل (حزب الله) إلى سورية فسنفعل».

تنامي الدور الميداني (2013 – 2016)

شارك الحزب بعد ذلك في معارك ميدانية بأعداد رمزية، لكن هذه المشاركة توسّعت في عام 2013 عندما شن النظام هجمات منسقة على مدن وبلدات القلمون وريف حمص المحاذي للحدود اللبنانية، وتحوّلت المشاركة الرمزية إلى مشاركة فعلية، وأصبح الإعلان عن قتاله في المعارك ضرورة ملحة، نظراً لأن عناصره سيتولون المهمة الأساسية في بعض تلك المعارك، فلجأ إلى ترويج دعاية تقول بأن هناك قرى في هذه المناطق يسكنها لبنانيون شيعة يتعرّضون للخطر من قبل من يسميهم التكفيرين، ثم انتقل بعدها للحديث عن تدنيس مقامات وقبور آل البيت المدفونين في أنحاء متفرقة من سورية، داعياً عناصره للدفاع عن “العتبات المقدسة”، وهي دعاية شملت جميع المليشيات الشيعية الأجنبية المدارة من قبل إيران، قبل أن تختفي هذه الرواية من الخطاب السياسي في عام 2014، رغم أنها بقيت حاضرة في صفوف الحاضنة الشعبية لغايات حشد المقاتلين وتبرير الخسائر البشرية بينهم.

تصاعد عدد مقاتلي الحزب في سورية بشكل تدريجي، كما يُعتقد أنه تأرجح صعوداً ونزولاً، حيث كان في أوجه خلال عامي 2014 و2015، عندما كان النظام السوري في أضعف حالاته قبل التدخل الروسي. أما اليوم فيعتقد أن الحزب لديه ما بين 2000-4000 مقاتل داخل سورية

ولم يكن خيار الاستمرار في المشاركة الصامتة متاحاً للحزب، لعدّة أسباب، أهمها الخسائر البشرية المتوالية للحزب بالتوازي مع محدودية الحاضنة الشعبية له في بلد صغير أصلاً، وبالتالي فإنّ مشاركته في سورية سوف تتحول لقضية رأي عام، خاصة في ظل انقسام كبير في الوسط السياسي اللبناني تجاه نظام الأسد. كما يُعتقد أن إيران دفعت باتجاه التموضع العلني، بعد اتضاح عدم قدرتها على حسم المعركة خلال أسابيع أو أشهر، وبالتالي دفعت الحزب لتقديم رواية كاملة للمشاركة ودوافعها، بدلاً من السماح للآخرين بصناعة هذه الرواية.

التكيف والبقاء (2017 – 2021)

وجدت قيادة حزب الله مع مطلع عام 2018 أنه لم يعد هناك الحاجة إلى الكمّ الكبير من المقاتلين والوحدات على الجبهات السورية وعمدت إلى التركيز على التمركز في مواقع السيطرة المطلقة ذات الفائدة الاستراتيجية للحزب، ما دفع الحزب إلى إعادة الكثير من مقاتليه إلى لبنان، ويمكن ربط عملية سحب القوات مع انتفاء الحاجة العسكرية إليها، ومع العقوبات التي فرضت على الحزب، التي تجبره على اتخاذ إجراءات وقائية وتقشفية.

مع نهاية عام 2018 نفذ حزب الله أول عملية إعادة تموضع، من مناطق بمحيط حلب، وإدلب، وشرق سورية، وحتى حمص، باتجاه غرب سورية، والعاصمة دمشق. وأصبح ثقل وجوده وتمركزه يتمحور في محيط العاصمة، وريفها، والقلمون وصولاً إلى ريف حمص من الجهة اللبنانية، وتحديداً مدينة القصير، التي أصبحت قاعدة عسكرية أساسية وكبرى له. لكن إعادة التموضع هذه، لا تعني أن الحزب ترك نقاطه السابقة بشكل كامل، إنما احتفظ بنقاط مراقبة أو فرق إستشارية عند كل نقطة حساسة، على نحو يشرف مسؤول من قبله على مجموعات سورية أصبحت هي الممسكة بزمام الأمور على الأرض.

في عام 2019 عمل الحزب على تعزيز أدوار أبناء المنطقة الأصليين، مقابل الإشراف عليهم ودعمهم ومساعدتهم، حيث أن قيادات الحزب تدرك بشكل كامل على أن البقاء في تلك المناطق لن يكون طويلاً أو أبدياً. والغاية الأساسية تبقى بالحفاظ على النفوذ والتأثير. وبذلك، يخفف الحزب من الأعباء والتكاليف المالية والبشرية، مقابل الاحتفاظ بالقوى الموالية التي تصون مناطق النفوذ، وتضمن الحضور في أي مفاوضات تنطلق للبحث عن حلّ للأزمة السورية.

إذاً: في المرحلة الأولى استطاع حزب الله اللبناني من تحقيق مكاسب كبيرة من التجربة على المستويين العسكري والإقليمي. فبالرغم من مقتل أكثر من 1600 وجرح أكثر من 5000 من العناصر المقاتلة للحزب، بحسب تقديرات، فإن الحزب قد تمكن من رفع المستوى القتالي لآلاف آخرين من خلال مشاركتهم في المعارك. كما حول الحزب سورية إلى “حقل تجارب” مفتوح لمختلف الأسلحة، و”ميدان تدريب” كبير لآلاف المقاتلين على تكتيكات لم يعتدها الحزب من قبل، فهذه الحرب هي الأولى من نوعها التي يخوضها الحزب منذ تأسيسه، حيث يقف مقاتلوه في موقع الهجوم، لا كما اعتاد في حروبه السابقة مع إسرائيل.

إلى جانب ذلك، فإن قيادات الحزب العسكرية، قد تمكنت للمرة الأولى من خوض معارك جنباً إلى جنب مع القوات الروسية، كما حدث في معركة تدمر في مارس/آذار الماضي، حيث تمكن قادة الحزب ومقاتلوه من التعرف على التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية المتقدمة التي يستخدمها الروس، إلى جانب إلقاء نظرة عن قرب على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية.

ولكن يبقى التحدي الأكبر للحزب الأن هو كيفية تثبيت مكاسبه في سورية في مرحلة ما بعد الصراع وخاصة في ظل العقوبات على النظام السوري والضغط الإسرائيلي على حليف الحزب الأول في سورية وهي إيران.

 

المصدر: السورية نت https://bit.ly/3uj2s7C 

التصنيف مقالات الرأي

أكد مدير البحوث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية معن طلاع، في مقابلة مع صحيفة عنب بلدي حول اللقاء الروسي القطري التركي في الدوحة، إن إيران لن تخدم موسكو في هذا المسار اقتصاديًا، ومن سيخدمها هي الدول العربية، "لذلك فالهدف الرئيس من مسار الدوحة، هو محاولة إيجاد طرق خروج نظام الأسد من أزمته الاقتصادية عبر البوابة العربية"، ويرى طلاع، أن اختيار قطر لتكون بداية لمسار “روسي-قطري-تركي” جاء بسبب امتلاكها علاقات متوازنة مع إيران، وهي رسائل دبلوماسية لإيران بأنها "غير مغيّبة بشكل من الأشكال عن هذا الملف"، كما أن موسكو بحاجة إلى مسار لا يوجد فيه الإيرانيون، لأن تدخلهم العسكري أدى إلى عقدة أمنية، شكّلت نقطة خلاف دائمة بين الروس والولايات المتحدة من جهة، وبين الروس وإسرائيل من جهة أخرى.
وأوضح طلاع أن روسيا تحتاج إلى دور سياسي انطلاقًا من مسار “جنيف”، وصولًا إلى مؤتمري “فيينا- 1″ و”فيينا- 2” والقرار “2254” ،لضمان التوازن في لغة المصالح بينها وبين الولايات المتحدة.


للمزيد: http://bit.ly/3qGQLVS

استضاف التلفزيون العربي المدير التنفيذي لمركز عمران، الدكتور عمار قحف، ضمن برنامجه شبابيك، للحديث عن عودة النازحين واللاجئين لمناطق سيطرة المعارضة، حيث أوضح القحف أن عدم عودة النازحين لمناطق سيطرة النظام هو تكريس لانعدام الأمان في مناطق النظام، إضافة لسوء الأوضاع المعيشية وانعدام فرص العمل، في مقابل وجود أمن نسبي في مناطق سيطرة المعارضة في ظل وجود القواعد العسكرية التركية.


للمزيد: https://bit.ly/38E7BOZ

شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، محمد العبد الله في تقرير صحفي لجريدة الاستقلال بعنوان: " قضاء مساند".. كيف تتلاعب أسماء الأسد بقطاع الاتصالات في سوريا؟. فكك الباحث فيه الهدف من الخطوات الأخيرة التي يتبعها نظام الأسد للسيطرة على قطاع الاتصالات في سورية، وأدوات تحقيقه لهذا الهدف.

بتاريخ 8 شباط 2021 استضافت إذاعة وطن أف أم نوار شعبان الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية في مركز عمران ضمن حلقة حملت عنوان "مستقبل الملف الأمني في سورية.. أسباب وحلول"، والتي تحدث بها عن مشروع مركز عمران " مؤشرات الاستقرار الأمني في سورية وارتباطه بعودة اللاجئين والنازحين".

كما أوضح شعبان ماهية البيئة الأمنة في جميع مناطق السيطرة في سورية ومدى تأثير الفلتان الأمني في تلك المناطق على عودة اللاجئين.

رابط المقابلة: http://bit.ly/2Z9PNGl

رابط الأوراق البحثية: http://bit.ly/2J4iYWV

مُلخصٌ تنفيذيّ

  • تشير المعطيات، حتى الآن، إلى قدرة فايروس "كورونا المستجد" على الحدّ من العمليات العسكرية، وهذا لا يعني أبداً نهايتها أو تجميدها، بل قد تتخذ مبدئياً أشكالاً مختلفة تتراجع فيها المعارك الميدانية التقليدية لصالح تزايد النشاط الأمني واتخاذ تكتيكات جديدة تتناسب ومصالح كل طرف.
  • يُلحظ نشاط متزايد ولافت لتنظيم "الدولة الإسلامية" في ظل انتشار الفايروس، والذي وصفه التنظيم بـ "أسوأ كوابيس الصليبيين"، ويبدو أن "داعش" ينظر إلى آثار الفايروس كظروف ملائمة لإعادة تكثيف نشاطه العسكري وهجماته على عدة جبهات.
  • تعكس تصريحات "قسد" المتضاربة حول هروب عناصر "داعش" من سجن الحسكة، تخوفها من الانكفاء الذي يقوم به التحالف الدولي في العراق واحتمالية امتداده إلى سورية، بتخفيض أعداد الجنود أو إعادة انتشار محتمل، ومحاولة للتلويح بعودة "داعش" كورقة سياسية-أمنية لتحصيل المزيد من الدعم في إطار مكافحة الإرهاب.
  • يبدو أن "كورونا" فرض على بعض الدول سياسات عسكرية انكفائية، خاصة تلك المنتشرة قواعدها حول العالم، أو يمكن القول إنه سرّع من قرارات دول أخرى بالانسحاب من تلك القواعد وإعادة التموضع والانتشار، كما حدث في العراق، الأمر الذي يفتح الباب للتساؤل حول آثاره على الوجود الأجنبي في سورية؟
  • في الوقت الذي ينكفئ فيه التحالف الدولي عن بعض مواقعه في العراق؛ تعمل القوات الأمريكية على تعزيز قواعدها الحالية، عبر استقدام بطاريات باتريوت، ويبدو أن التعزيزات الأمريكية في تلك القواعد تتناسب طرداً وحجم التهديد المحتمل لها.
  • موسكو وطهران تشتركان بعدم تأثر السياسة الخارجية بالمعادلة الداخلية، بمعنى أن هذين النظامين ومعهما الصين والنظام السوري لا يعانون من التهديد الذي تشكله الحسابات الداخلية وارتفاع نسب تفشي المرض وزيادة عدد الوفيات على الحكومات والنظام السياسي، بعكس الديمقراطيات الغربية.
  • ينظر النظام وحلفاؤه إلى المناخ العام الذي فرضه الفايروس كمجال استثمار سياسي-عسكري-اقتصادي، سواء عبر تسهيل المساعدات لنظام الأسد من مدخل إنساني والسعي لرفع العقوبات، أو استثماره كبوابة للتطبيع مع دول المنطقة وفتح قنوات تواصل جديدة، إضافة إلى كونه فرصة لمضايقة التواجد الأجنبي بأدوات مختلفة.
  • ضمن ما يفرضه "كورونا المستجد" من ارتباك على جميع اللاعبين، يبدو أن العمل العسكري سيتراجع خطوة حذرة بمعاركه التقليدية، ليفسح المجال لمناورات سياسية جديدة بين الأطراف المختلفة، سواء باتجاه محاولات تفعيل اللجنة الدستورية بين المعارضة والنظام، أو إعادة إحياء قنوات التفاوض بين "قسد" والنظام، مقابل محاولات الأخير وحلفائه إحداث خرق في جدار العقوبات.
  • إن محاولات فتح وتفعيل المسار ات السياسية لا تعني أبداً إحراز خطوات متقدمة فيها، بقدر ما تعني أنها استجابة لواقع فرضه الفايروس، وإعادة ترتيب الأوراق والأولويات، والتي يبدو أنها ستبقى مرهونة بمدى انتشار الفايروس، وما سيرافقه من آثار وتهديدات.

تمهيد

وسط القلق العالمي المتزايد على وقع تفشي جائحة "كورونا المستجد" (كوفيد 19) وما رافقها من آثار وتهديدات على عدة مستويات؛ أعلن نظام الأسد في 23آذار/مارس عن وصول الفايروس إلى سورية رسمياً، بعد التصريح عن إصابات وأولى الوفيات، مقابل إجراءات احترازية في محاولة احتوائه؛ لتتحول بذلك التخوفات إلى واقع يفتح الباب واسعاً أمام تحليلات آثار هذا الفايروس وتداعياته المتوقعة على عدة قطاعات ومستويات في البلد المُنهك. وعليه تحاول هذه الورقة تقديم قراءة تحليلية في الانعكاسات المحتملة على الملف السوري، خاصة في المستوى العسكري والجبهات المتعددة ضمن مناطق النفوذ الثلاث (معارضة، نظام، قسد)، إضافة إلى الآثار المحتملة على طبيعة التواجد الأجنبي في البلاد، مقابل العملية السياسية وآفاقها المتوقعة وسط المناخ الذي يفرضه الفايروس من البوابة الإنسانية وقابلياته للاستثمار السياسي.  

العمليات العسكريّة (تراجعٌ حذر ونشاطٌ أمنيّ)

تبدو فرضية تجميد الجبهات وتقويض العمليات العسكرية التقليدية نتيجة انتشار الفايروس منطقية حتى الآن، على الأقل في الفترة الحالية، والمتمثلة بالمواجهة الأولى مع الوباء والارتباك في احتوائه ومعالجة آثاره المتعددة، خاصة مع التخوف من تفشيه داخل القطع العسكرية والمليشيات ومجاميع الفصائل، إضافة إلى عدم القدرة على فتح معارك كبرى، تلك التي من الممكن أن تؤدي إلى عدد كبير من الجرحى يزيد الضغط على القطاع الطبي المشلول أساساً في مناطق المعارضة، والعاجز في مناطق النظام، إضافة إلى ما قد يترتب على تلك المعارك من نفقات وميزانيات سيضطر النظام إلى حرفها باتجاه قطاعات أخرى.

 ناهيك عن محاولات موسكو والنظام تجنب أي قصف جوي تقليدي يُخرجُ المزيد من النقاط الطبية والمستوصفات والمشافي عن الخدمة أو يستهدف البنى التحتية الرئيسية، وذلك لا يبدو خوفاً على المدنيين أو حرصاً على القطاع الطبي في تلك المناطق، وإنما تجنباً لحرج حقيقي أمام المجتمع الدولي في ظل جائحة تهدد الإنسانية، خاصة في الوقت الذي يسعى فيه النظام وحلفاؤه إلى استغلال هذا الظرف الإنساني لإحداث خرق في جدار العقوبات الاقتصادية (الأوروبية-الأمريكية)، إضافة إلى محاولات الإفادة منها كمدخل للتطبيع والمساعدات وإعادة العلاقات العلنية مع بعض الدول العربية-الخليجية، أو فتح قنوات تواصل جديدة عبرها باتجاه قوى مختلفة، قد تكون غربية.

وضمن إطار الإجراءات الاحترازية في مواجهة تفشي المرض؛ أصدرت القيادة العامة لجيش الأسد أمرين إداريين ينهيان الاحتفاظ والاستدعاء للضباط الاحتياطيين المحتفظ بهم والملتحقين من الاحتياط المدني، اعتباراً من 7 نيسان المقبل، لكن بشروط تحددها مدة الخدمة، إضافة إلى تسريح بعض دورات الاحتفاظ ([1])، فيما بدا تخوفاً من تفشي الفايروس داخل القطع العسكرية للجيش. مقابل موسكو التي اتخذت إجراءات احترازية صارمة داخل قاعدتها العسكرية في حميميم، إضافة إلى ضبط احتكاك جنودها بالضباط السوريين والسكان. في حين لا تتوافر معلومات دقيقة حول المليشيات الإيرانية، والتي سجّلت بحسب تقارير أعلى نسب إصابات داخل سورية، سوى نقل بعضهم إلى نقاط طبية في العراق للعلاج، عبر المعبر الوحيد الذي لم يغلق (البوكمال)، إضافة إلى عزل بعض مناطق نفوذهم كحيّ "السيدة زينب" في جنوب العاصمة دمشق، بينما اكتفى حزب الله في التصريح على لسان أمينه العام أنه "يقوم بفحص مقاتليه قبل إرسالهم إلى سورية حرصاً على عدم نقل العدوى إليها، وفحصهم أثناء عودتهم لضمان عدم نقلها إلى لبنان" ([2]). بما يشير إلى عدم تأثر تواجد الحزب بالفايروس والاكتفاء بالإجراءات الاحترازية، حتى الآن.

كل تلك الإجراءات، وما قد يلحق بها من قرارات أخرى على وقع تفشي الجائحة في البلاد، تشير، حتى الآن، إلى قدرة الفايروس على فرض هدنته الخاصة والحدّ والتقويض من العمليات العسكرية التقليدية، ولكن وفي الوقت نفسه لا يعني أبداً نهايتها أو تجميدها، بل قد تتخذ مبدئياً أشكالاً مختلفة تتراجع فيها المعارك الميدانية التقليدية لصالح تزايد النشاط الأمني واتخاذ تكتيكات جديدة تتناسب وتحقيق مصالح كل طرف.

فعلى الرغم من انحسار قصف النظام وحلفائه لمناطق المعارضة، إلا أن الخروقات للاتفاق الروسي-التركي استمرت من طرف النظام، عبر قصف صاروخي استهدف أرياف مدينة إدلب بتاريخ 31 آذار/مارس و 1نيسان/أبريل([3])، بالإضافة إلى فتح النظام معارك محدودة على جبهات أخرى كالسويداء، حيث يخوض الفيلق الخامس اشتباكات متقطعة مع فصائل محليّة "رجال الكرامة"([4])، مقابل ملاحظة زيادة وتيرة الاغتيالات في درعا بين صفوف قياديين في المعارضة السورية، ممن وقعوا على اتفاقيات التسوية([5])، الاغتيالات التي يُرجّح أن النظام يقف وراءها بشكل مباشر، خاصة أنها تأتي في سياق توترات عاشتها المحافظة خلال شهر آذار، أدت إلى اقتحام قوات النظام مدن وبلدات عدة في أرياف درعا، ماتسبب بمقتل وجرح عدد من الطرفين وتهجير 21 من مقاتلي المعارضة إلى الشمال السوري.

ويقابل اغتيالات الجنوب، ارتفاع معدلات التفجيرات عبر السيارات المفخخة والاغتيالات التي طالت قياديين في "الجيش الوطني" ضمن مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون"([6])، إضافة إلى إدلب خلال الأسبوع الفائت([7])، وعلى الرغم من تعدد الجهات التي قد تقف وراء اغتيالات الشمال، كغرفة عمليات "غضب الزيتون" التابعة لـ(PYD)، إضافة لخلايا "داعش" في المنطقة وبعض المجموعات المتشددة، إلا أن النظام وخلاياه يعتبرون أحد أبرز المتهمين بتلك العمليات، بينما تبنّت "قسد" اغتيال أحد القيادين في "الجيش الوطني"، ضمن محيط بلدة عين عيسى في ريف الرقة إثر استهدافه بصاروخ حراري بتاريخ 30 آذار/مارس، وادعائها أن ذلك جاء "رداً على محاولات تقدم للجيشين الوطني والتركي"([8])، واللافت أن هذا التوتر في محيط البلدة سبقهُ بأسبوع وصول تعزيزات للنظام إلى محيطها.

"داعش" و"قسد" (تهديدٌ واستثمار)

بالمقابل، يُلحظ نشاط متزايد ولافت لتنظيم الدولة الإسلامية في ظل انتشار الفايروس، والذي وصفه التنظيم بـ "أسوأ كوابيس الصليبيين"، وذلك ضمن افتتاحية حول فايروس "كورونا" في طبعة 19 آذار/مارس من نشرة "النبأ" التابعة له، معتبراً أنهُ "سيُضعف من قدرات أعداء التنظيم وسيعيق إرسالهم للجنود لمحاربة المجاهدين، داعياً أنصاره إلى زيادة نشاطهم خاصة باتجاه تحرير الأسرى وتكثيف الهجمات التي تزيد من ضعف أعداء التنظيم ([9])".

 وقد كثّف التنظيم من عملياته باتجاه قوات "قسد" والنظام السوري على حد سواء، حيث أعلن عبر وكالة أعماق 29 آذار/مارس عن أسرّ عناصر من "وحدات الحماية" في ريف الحسكة وإعدامهم، كما تم تنفيذ سلسلة تفجيرات في مدينة الطبقة بريف الرقة، لم يتبناها التنظيم، ما دفع البعض لتوجيه الاتهام للنظام السوري في إطار محاولاته لتهيئة بيئة من الفلتان الأمني. وبالتزامن مع عمليات تنظيم الدولة في ريف الحسكة، أعلنت صفحات محليّة في دير الزور عن فقدان الاتصال مع مجموعة من المليشيات الإيرانية في بادية البوكمال إثر قيامها بجولة تفقدية، كما نشر التنظيم إصداراً جديداً حول عملياته العسكرية التي يقوم بها في البادية السورية، وتحديداً في قرى منطقة السخنة التابعة لريف حمص الشمالي، في محاولة منه لإيصال رسالة بأنه ما زال موجوداً، ويظهر التسجيل مهاجمة شاحنات وأرتال عسكرية لقوات النظام ، إلى جانب عمليات إعدام لمقاتلين قال التنظيم إنهم من عناصر النظام أو "لواء القدس" المدعوم إيرانياً([10]).

 وتزامن ذلك مع محاولات الاستعصاء والهروب التي نفذها عناصر التنظيم في سجن "الصناعة" ضمن حي غويران بمحافظة الحسكة، وهروب عدد منهم، وسط تصريحات متضاربة من قيادات "قسد" حول هذا الهروب، مقابل تصريحات المتحدث باسم التحالف، الكولونيل مايلز كاجينز، والتي خففت بشكل أو بآخر من وقع الحادثة، فيما يبدو أن قسد تسعى لتضخيمها، حيث اعتبر كاجينز أن "السجن لا يضم أي أعضاء بارزين في تنظيم داعش"[11]) )، الأمر الذي قد يشير إلى مبالغة قوات سورية الديمقراطية في موضوع أسرى تنظيم الدولة وإثارة الموضوع بهذا التوقيت بالذات،  وذلك ربما لتمرير المحاكم العلنيّة التي تدفع بها الإدارة الذاتية لمحاكمة عناصر تنظيم الدولة الذين ترفض دولهم استقبالهم، إضافة إلى استغلالها كورقة سياسية-أمنية لتحصيل المزيد من الدعم الغربي في إطار مكافحة الإرهاب. والأهم من ذلك، أنها تعكس أيضاً تخوف "قسد" من الانكفاء الذي يقوم به التحالف في العراق واحتمالية امتداده إلى سورية عبر تخفيض عدد الجنود أو إعادة انتشار محتمل شرق الفرات، خاصة وأن "قسد" اتبعت سلوك الاستثمار والتلويح بعودة "داعش" عدة مرات، ليس آخرها مع بدء العملية العسكرية التركية "نبع السلام" وإعلان ترامب سحب القوات الأمريكية شرق الفرات، حين أعلنت عن هروب سجناء من تنظيم الدولة، نتيجة القصف التركي الذي استهدف مواقع السجون، ليأتي بعدها تصريح ترامب في تاريخ 14/10/2019 ويتهم فيه قوات سورية الديمقراطية "بتسهيل هروب السجناء، لابتزاز القوات الأمريكية والتحالف الدولي"([12]).

 كما رافق نشاط التنظيم المتزايد في أرياف محافظات (الرقة، دير الزور، الحسكة)، رصد عبور عدد كبير من عناصر التنظيم الحدود السورية باتجاه الأراضي العراقية، ما دفع الحشد الشعبي في الجانب العراقي إلى جانب وحدات من الجيش العراقي "اللواء 44" و"51" وعدة قطع عسكرية، وبإسناد من طيران الجيش ومقاتلة الدروع في "الحشد الشعبي"، للاستنفار وإطلاق عملية عسكرية جديدة ضد عناصر تنظيم الدولة تحت اسم "ربيع الانتصارات الكبرى"، بحسب بيان صادر عن الحشد الشعبي بتاريخ 30 آذار/مارس، وتزامنت العملية مع هروب عناصر التنظيم من سجن الحسكة، إضافة إلى عودة تحليق طيران التحالف في السماء السورية([13]).

ويبدو أن تنظيم الدولة ينظر إلى آثار الفايروس كظروف ملائمة لإعادة تكثيف نشاطه العسكري وهجماته على عدة جبهات، الأمر الذي سيرتب ضغطاً مضاعفاً على قوات "قسد" في مناطق نفوذ الإدارة الذاتية، كما سيشكل بالنسبة لها مجال استثمار جديد لتحصيل المزيد من الدعم الغربي في مواجهة "داعش". وعلى الجانب الآخر قد يشكل نشاط "داعش" استنزافاً لقوت النظام والمليشيات الإيرانية المتواجدة في ريف دير الزور الشرقي وبادية حمص، كما أن نشاط خلايا التنظيم قد يطال مناطق نفوذ المعارضة السورية عبر الاغتيالات والتفجيرات، الأمر الذي قد يعطي فرصة جديدة لهيئة "تحرير الشام" لتصدير نفسها كقوة محلية قادرة على ضبط الأوضاع الأمنية، والتي ستمثل لها بوابة للتنسيق مع قوى إقليمية ودولية، خاصة وأن مناطق المعارضة السورية قد لا تقتصر على نشاطات تنظيم الدولة، وإنما قد تفسح أيضاً المجال  لبعض المجموعات المتشددة التي ستجد في الظروف الحالية والارتباك الأمني والعسكري فرصة ملائمة لتنفيذ عملياتها باتجاه عرقلة الاتفاق التركي-الروسي، أو باتجاه تصفية حسابات مع فصائل محددة في إطار الصراع على النفوذ، إضافة لاحتمالية زيادة نشاط خلايا النظام الأمنية، عبر التفجيرات والاغتيالات لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.

التواجد الأجنبي (احتمالات الانكفاء والاستغلال)

على مستوى مختلف، يبدو أن فايروس "كورونا" فرض على بعض الدول سياسات عسكرية انكفائية، خاصة تلك المنتشرة قواعدها حول العالم، أو يمكن القول إنه سرّع من قرارات دول أخرى بالانسحاب من تلك القواعد وإعادة التموضع والانتشار، وفي إطار مناقشة آثاره على التواجد الأجنبي في سورية، يبدو من المفيد الدخول عبر بوابة العراق، فقد أعلنت الحكومة الفرنسية عن انسحاب قواتها من العراق 25 آذار/مارس، وذلك ضمن اتفاق مسبق مع الحكومة العراقية، في الوقت الذي قام فيه التحالف الدولي بتسليم 3 قواعد عسكرية (القائم، القيارة، كي1) من أصل 8 للقوات العراقية، والانكفاء باتجاه إقليم كردستان (قاعدة حرير) والأنبار(قاعدة عين الأسد)، وبدأ التحالف بسحب قواته التدريبية من العراق، في 20 من آذار الحالي، بعد تعليق برنامج التدريب، في إطار الإجراءات الوقائية لمنع تفشي "كورونا المستجد"، كما انسحب نحو 300 جندي من قوات التحالف منتصف آذار الحالي من قاعدة القائم([14]).

وعلى الرغم من كون بعض تلك القرارات ليست جديدة، ولا يمكن فصلها عن سياق التوتر الأخير بين الولايات المتحدة وإيران وإعادة التحالف الدولي لتموضعه في العراق، خاصة على خلفية الاستهداف الأمريكي لقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، والذي ترتب عليه بدفع من إيران، قرار البرلمان العراقي 5 كانون الثاني 2020 بضرورة خروج القوات الأجنبية من العراق، لكن وفي ذات الوقت لا يمكن إنكار دور "كورونا" في التسريع من تلك العمليات، خاصة بالنسبة للأوروبيين الذين باتوا ينظرون إلى العراق كساحة صراع ثنائية بين طهران وواشنطن، لا مكان لهم فيها، فيبدو أن كورونا شكّل فرصة مناسبة لتسريع عمليات الانسحاب وتعليق برامج التدريب.

 وبينما يساهم الفايروس بتشكيل بيئة طاردة للقوات الأجنبية المتواجدة في العراق، يبدو أن إيران لن تفوت الفرصة في تخصيب تلك البيئة، خاصة باتجاه التواجد الأكثر تأريقاً لها، والمتمثل بالقواعد الأمريكية، وذلك عبر رفع وتيرة التهديد الأمني تجاه تلك القواعد من خلال التفجيرات أو الاستهدافات عبر مليشيات محليّة، في محاولة لتحفيزها وتسريع عملية الانكفاء، وهذا ما يتقاطع مع ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي رفيع لم تسمه، حول توافر معلومات استخباراتية عن هجمات قد تستهدف قواعدها من قبل إيران، عبر مجموعات محليّة تعفي طهران من التورط المباشر، كمليشيا حزب الله العراقي([15])، إذ يبدو أن تفشي الجائحة في إيران لا يمنعها من استثمار المناخ الذي فرضته في دول نشاطها. ولكن وفي الوقت الذي ينسحب فيه التحالف الدولي من بعض القواعد؛ تعمل القوات الأمريكية على تعزيز مواقعها الحالية في العراق، عبر استقدام بطاريتي باتريوت تم نشر أحدها في قاعدة عين الأسد، والأخرى في أربيل، ويتم الحديث عن استقدام بطاريتين إضافيتين من دولة الكويت إلى الأراضي العراقية، ويبدو أن الإجراءات الأمريكية في تعزيز تلك القواعد تتناسب طرداً وحجم التهديد المتوقع لها ([16]).

وبمقاربة أثر الفايروس على القواعد الأجنبية في الظرف العراقي، إلى الحالة السورية التي تضم عدداً من القواعد الأجنبية، يبدو أن الظرف أيضاً قابل للاستثمار لتهديد تلك القواعد، وتشجيعها على الانكفاء، فعلى الرغم من عزلة القاعدة الأمريكية في التنف، بحكم بعدها عن مراكز المدن والاحتكاك، إلا أن هذا لا يعني أنها محصنة بشكل كامل ضد الفايروس، وكذلك باقي القواعد المتواجدة في شرق الفرات، والتي قد تشهد عمليات أو هجمات محتملة من قبل مليشيات محليّة، عملت إيران على إعدادها من فترة طويلة تحت اسم المقاومة الشعبية والتي ترفع شعارات ضد الوجود الأمريكي في سورية. إضافة إلى احتمالية تأثر باقي التواجد الأجنبي (فرنسي، بريطاني) وبرامجه على وقع زيادة تفشي المرض في سورية أو داخل تلك الدول، وما سيترتب عليه من إجراءات.

 أما في غرب الفرات، حيث التواجد التركي وانتشار نقاط المراقبة، والتي تعتبر أيضاً شبه معزولة وتم رفع الجاهزية الطبية فيها، فإن الأخطار الأمنية عليها لا تبدو معدومة، فعلى الرغم من قرب تلك القواعد والنقاط من الأراضي التركية وتوافر طرق الإمداد والنقل السريع، والذي قد يخفف من أخطار تفشي الفايروس، إلا أن الظرف الحالي أيضاً يبدو مناسباً للعديد من الأطراف لرفع مستوى التهديد الأمني المحتمل لتلك النقاط، سواء عبر قوات النظام والمليشيات الداعمة لها، أو حتى بعض الفصائل الجهادية التي ترى في فتح الطريق الدولي m4 وتسيير الدوريات المشتركة تهديداً لنفوذها، خاصة وأن مختلف الجهات التي من الممكن أن تهدد نقاط المراقبة أو الدوريات التركية في هذه الظروف، تدرك وقع تفشي المرض في الداخل التركي، وانعكاس أي استهداف للجنود في هذه الفترة وما قد يسببه من حرج للحكومة التركية وتأزيم في الوضع الداخلي.

أما بالنسبة لإيران وميلشياتها أو القوات الروسية والمرتزقة المرافقة لها من الشركات الأمنية الخاصة، فمن المستبعد حتى الآن أن يؤثر الفايروس وتفشيه على تواجدها العسكري في سورية، إلا في حدوده الدنيا، المتمثلة بإعادة الانتشار والتموضع واتخاذ تدابير وإجراءات احترازية، وذلك على اعتبار أن طهران تعتمد على مجموعات مرتزقة، أغلبهم من غير الإيرانيين، وبالتالي لن تكون سلامتهم أولوية بالنسبة لطهران، وهذا ما حدث حتى على المستوى المدني في إيران، حيث أفادت التقارير الواردة من المدن الإيرانية عن سياسية عنصرية عالية في المستشفيات الإيرانية، والتي رفضت استقبال الأفغان والباكستانيين وغيرهم من الجنسيات المقيمين على الأراضي الإيرانية، وجعلت الأولوية للإيرانيين، لذلك فمن المحتمل ألا يتأثر النشاط الإيراني في سورية حتى الآن، بل وعلى العكس فقد تلجأ إيران إلى محاولات استثمار المناخ السياسي والعسكري قدر الإمكان لزيادة نشاطاتها العسكرية، ولعل الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مطار الشعيرات في حمص تعد مؤشراً على استمرار تلك النشاطات([17]).

ناهيك عن أن موسكو وطهران تشتركان بعدم تأثر السياسة الخارجية بالمعادلة الداخلية، بمعنى أن هذين النظامين ومعهما الصين والنظام السوري لا يعانون من التهديد الذي تشكله الحسابات الداخلية وارتفاع نسب تفشي المرض وزيادة عدد الوفيات على الحكومات والنظام السياسي، كما هو الحال في الديمقراطيات الغربية، وذلك بحكم طبيعة تلك الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، والتي وعلى الرغم من انتظامها بذات الإجراءات الموحدة التي يتخذها العالم في مواجهة الفايروس؛ إلا أنها وبالوقت نفسه تنظر إليه كمجال استثمار سياسي وعسكري واقتصادي، سواء عبر تسهيل المساعدات للنظام السوري من مدخل "كورونا" والسعي لمحاولات رفع العقوبات الأوروبية-الأمريكية، أو استثماره كبوابة للتطبيع مع دول المنطقة وفتح قنوات تواصل جديدة، إضافة إلى كونه فرصة لمضايقة التواجد الأجنبي بأدوات مختلفة ومحاولة الدفع في التسريع بقرارات الانسحاب.

أما عن مدى قدرتهم في تحقيق ذلك والنجاح به، فهذا مالا يمكن التنبؤ به، إذا يتعلق بعدة عوامل على رأسها توسع خريطة انتشار المرض وسرعة تفشيه وزيادة مستويات تهديداته، وما سيبنى من استراتيجيات مضادة للدول في مواجهته، خاصة تلك المتعلقة بقواعدها المتواجدة في سورية.

المسارُ السياسيّ (مناورةُ الوقت وتفعيلُ المُعطّل)

في الوقت الذي قد تتراجع فيه النشاطات العسكرية خطوة بشكلها التقليديّ، أو تتخذ تكتيكات وأشكال جديدة تتناسب والمناخ الذي فرضه "كورونا المستجد"؛ تبدو الظروف ملائمة لفتح المجال السياسي ومحاولة تجميد الأوضاع وتثبيت وقف إطلاق النار من قبل الفاعلين الرئيسين في الملف السوري.

 فقد عقد مجلس الأمن الدولي الاثنين 30 آذار/مارس، جلسة عن بعد عبر تقنية الفيديو، بحثت جوانب عدة أبرزها مكافحة انتشار فايروس "كورونا"، وسُبل تفعيل العملية السياسية وسير اتفاق إدلب، حيث توافق أعضاء المجلس على ضمان وقف العمليات القتالية في سورية، وتحقيق الهدوء اللازم لمكافحة الفايروس، ولم تستخدم أي من الدول الخمس دائمة العضوية، حق النقض (الفيتو)، ضد القرارات الصادرة عن المجلس، في موقف نادر الحدوث خاصة فيما يتعلق بالملف السوري ([18]).

كما شهد اليوم الأخير من شهر آذار/ مارس اتصالات متبادلة بين زعماء الدول الفاعلة في الملف السوري بخصوص سورية، حيث جمع اتصال ثنائي الرئيسين أردوغان وبوتين للحديث حول إدلب وتنفيذ الاتفاقات الروسي-التركية المتفق عليها في قمة موسكو 5 آذار/ مارس 2020، بحسب بيان صادر عن الكرملين والرئاسة التركية، وجاء هذا الاتصال بعد يوم واحد من اتصال ثنائي جمع دونالد ترامب وأردوغان، تناولا فيه سبل التصدي لجائحة "كورونا المستجد"، وخاصة في الدول التي تشهد صراعات مثل سورية وليبيا ([19]).

بالمقابل، دعا الاتحاد الأوروبي إلى وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية، بما يسهم في التصدي للجائحة، ونقلت وكالة "فرانس برس" عن متحدث باسم المفوضية الأوروبية، الأحد29 آذار/مارس، أن "وقف إطلاق النار الذي أُقر حديثاً في إدلب لا يزال هشاً، وينبغي الحفاظ عليه وأن يشمل كامل سورية، "داعياً إلى القيام بمبادرة واسعة النطاق من أجل الإفراج عن المعتقلين في سجون النظام السوري، الدعوة التي سبقها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، ببيان مماثل، طالب فيه "بإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام السوري بشكل واسع، منعاً لتفشي الفايروس، وأكد ضرورة وصول المنظمات الإنسانية بشكل فوري إلى جميع أماكن الاحتجاز، واتخاذ خطوات عاجلة لضمان الرعاية الطبية الكافية وتدابير الحماية في جميع السجون" ([20]).

وضمن هذا السياق يمكن فهم وتفسير دعوات المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، حول الدفع لتفعيل المسار السياسي، المتمثل باللجنة الدستورية المُعطلة، وإعلانه أن النظام والمعارضة توصلا إلى اتفاق على جدول أعمال اللجنة والجولة المقبلة، إذ يبدو أن بيدرسون يحاول تحقيق أي إنجاز وتقدم ملموس في ملف اللجنة الدستورية، مستغلاً المناخ الحالي الذي تفرضه الجائحة وما قد يؤمنه من غطاء دولي داعم،  ولكن وبالوقت نفسه قد تعطي تلك الدعوات والاجتماعات مجالاً جديداً للنظام للمناورة وكسب الوقت، خاصة وأن أي اجتماعات محتملة للجنة لن تعقد فيزيائياً في الفترة الحالية نتيجة الإجراءات الاحترازية في مواجهة تفشي الفايروس، لذلك فمن المتوقع ألا تسفر الجولة الجديدة، في حال عقدها، عن أي نتائج جديّة، قياساً بالجولات السابقة، خاصة مع تمسك النظام بشروطه حول "الثوابت الوطنية" وسعيه المستمر للتعطيل والتمييع.

أخيراً، وضمن ما يفرضه فايروس "كورونا" من ارتباك على جميع اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين في الملف السوري، يبدو أن العمليات العسكرية ستتراجع خطوة حذرة إلى الخلف بمعاركها التقليدية، بالنسبة للاعبين الأصلاء ووكلائهم المحليين، مع احتماليات توسع الهوامش لتنظيم الدولة وبعض المجموعات المتشددة، مقابل منح المزيد من الوقت وإفساح المجال لمناورات سياسية جديدة بين الأطراف المختلفة، وتهيئة المناخ السياسي لإعادة تفعيل واستئناف المفاوضات التي من المحتمل أن تكون بثلاثة اتجاهات، الأول: والمتمثل بتفعيل المفاوضات بين النظام والمعارضة عبر الدفع في اللجنة الدستورية، والضغط على الطرفين في هذا الإطار. الثاني: والذي قد يتمثل بإعادة إحياء قنوات المفاوضات بين "قسد" والنظام، خاصة مع ارتباك وتوجس "قسد" من إعادة انتشار وتموضع محتمل لقوات التحالف في شرق الفرات، أما الثالث فقد يتجلى في محاولات النظام وحلفائه لاستثمار هذا المناخ، والسعي لفتح ثغرة في جدار العقوبات الأمريكية-الأوروبية، سواء عبر غض الطرف عن مساعدات خليجية قد تقدم للنظام، أو عدم فرملة التطبيع العربي تجاهه، بالمقابل فإن فتح وتفعيل تلك المسارات أو أحدها، لا يعني أبداً إحراز خطوات متقدمة فيها، بقدر ما يعني أنها استجابة لواقع فرضه "كورونا"، وإعادة ترتيب الأوراق والأولويات، والتي يبدو أنها ستبقى مرهونة بمدى انتشار  الفايروس وما سيرافقه من آثار وتهديدات، ومدى تأثيره في الخطط الخاصة لكل دولة واستراتيجياتها الخارجية تجاه سورية.


([1]) القيادة العامة للجيش: إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء للضباط الاحتياطيين، الموقع الرسمي لوكالة الأنباء السورية "سانا"، 29/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/SR50k

[2])) نصر الله: المعركة مع كورونا في أولها ويجب وقف الحرب على اليمن، الموقع الإلكتروني لقناة الميادين، 28/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/muGUt

([3])  قوات النظام تخرق  هدنة إدلب مجدداً...الفصائل ترد، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 1/4/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/uqbV9

([4]) بعد اشتباكات فصائل السويداء مع الفيلق الخامس..."رجال الكرامة تصعد ضد روسيا"، موقع الدرر الشامية، 2/4/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/PJwhz

[5])) تصعيد جديد...4 عمليات اغتيال في درعا خلال 24 ساعة، أورينت نت، 26/3/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/CQSgk

[6]))  3 قتلى في تفجير عند مدخل اعزاز بحلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة المدن، 19/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/fnsDG

[7]))  انفجاران يستهدفان ريف حلب في أقل من 24 ساعة، وعودة محاولات الاغتيال إلى إدلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 25/3/2020، متوافر على الروابط التالية: https://cutt.us/EEyzE، https://cutt.us/PY048

[8]))  قسد تتصدى لهجمات الفصائل المسلحة...تقتل اثنين وتدمر آلية عسكرية، موقع ولاتي نيوز، 30/3/2020، متوافر على الرابط:  https://cutt.us/lWyDU

([9]) للاطلاع أكثر على افتتاحية تنظيم الدولة في نشرة النبأ حول فايروس كورونا، راجع الرابط التالي: https://cutt.us/8Krtu

([10])  السخنة "أم القرى" التي يحاول تنظيم الدولة توسيع نفوذه منها، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 3/4/2020، متوافر على الرابط:  https://cutt.us/lkKtY

([11]) الحشد الشعبي يطلق عملية عسكرية بعد دخول مسلحين من سورية، صحيفة عنب بلدي، 30/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/QXisl

[12]))  ترامب يتهم قسد بإطلاق عناصر داعش لعودة التدخل الأمريكي، الموقع الإلكتروني بروكار برس، 14/10/2019، متوافر على الرابط: https://cutt.us/D4jxu

[13])) مرجع سبق ذكره، متوافر على الرابط: https://cutt.us/QXisl

[14])) وسط تهديدات بهجمات...التحالف الدولي يخلي قاعدة ثالثة في العراق، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 30/3/2020/ متوافر على الرابط: https://cutt.us/OQi1x

([15])  المرجع السابق.

 ([16]) أمريكا تعزز قواعد في العراق بـ"باتريوت"...وتنسحب من أخرى، 31/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/6lyuZ

 ([17]) غارات إسرائيلية على الشعيرات..استهدفت غرفة عمليات إيرانية، جريدة المُدن، 31/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/7r7uc

[18])) بسبب كورونا...إجماع نادر في مجلس الأمن حول الملف السوري، السورية نت، 31/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/pFj46

([19]) خلال 24 ساعة اتصالات بين زعماء أبرز 3 دول مؤثرة في سورية، السورية نت، 1/4/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/DpH4w

[20])) الاتحاد الأوروبي يدعو إلى هدنة في كامل سورية وإطلاق سراح المعتقلين، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 30/3/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/uH5NE

التصنيف أوراق بحثية

قال الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية “معن طلاع” خلال تصريحه لـ SY24، إن هذا التواصل والدعم ليس مفاجئاً وباعتقادي أن هذا الإجراء هو ضمن سلسلة من الإجراءات الآخذة بالتعاظم والتي اتخذتها أبو ظبي في إعادة تعريف علاقتها مع نظام الأسد؛ وهو عموماً يأتي ضمن (إدراك إماراتي) لأمرين، الأول إنتاج المشهد العسكري وتحولاته بعد التدخل الروسي؛ والذي فرض تسيداً روسياً أجبر -ابتداءاً- العديد من الدول الاقليمية إلى تعديل خططها ومواقفها، ثم التطبيع التدريجي مع غايات موسكو في سورية في ظل سياسة إدارة الظهر الأمريكي للصراع المحلي السوري”.

والثاني تفرضه محددات أمنية إماراتية ترى أن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا بعد هزيمة داعش تتمثل في محاصرة طهران وتحجيم تواجدها الأمني والعسكري والإداري، وهذا سيفرض فراغاً ما تسعى الإمارات لتعبئته.

للمزيد انقر الرابط التالي: https://bit.ly/3bKVP4C

مُلخصٌ تنفيذيّ

  • نص اتفاق "سوتشي" على؛ إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح، ومحاربة الإرهاب الذي عكس ضمنياً "تفكيك هيئة تحرير الشام"، إضافة إلى فتح الطرق الدولية. وأما المنطقة العازلة فقد تم ترسيمها بعد معارك ريفي حماة وإدلب، في حين لا يبدو تفكيك الهيئة متاحاً حالياً، ليبقى فتح الطرق الدوليّة الهدف الظاهر للحملة العسكرية على إدلب.
  • لا تعكس مواقف ثلاثي "أستانا" من الحملة العسكرية على إدلب خلافات عميقة على هدفها الظاهر والمتمثل بفتح الطرق الدولية، بقدر ما تعكسه من اختلاف على ما يبدو حول آليات التنفيذ ومرحلة ما بعد المعركة.
  • على الرغم مما تشير إليه طبيعة الحملة ومحاورها العسكرية من أولوية فتح الطرق الدولية، إلا أن الهدف الأخير لا يبدو إلا تكتيكاً ضمن استراتيجية أوسع للنظام وحلفائه.
  • تبدو الحملة العسكرية للنظام وموسكو فرصة جيدة للمناورة السياسية مع أنقرة وتحصيل أكبر قدر من الجغرافيا، بما يتجاوز الاتفاقات المنصوص عليها، إضافة إلى انتزاع تعديلات محتملة على اتفاق سوتشي.
  • يعكس أداء الضامن التركي في التفاعل مع الحملة العسكرية وما ترتب عليها من آثار إنسانية وسياسية؛ إقراراً ضمنياً بتنفيذ الاتفاق المنصوص عليه بفتح الطرق الدولية، واعتراضات على ما يبدو حول آليات التنفيذ.
  • تشير ردات فعل الفصائل المدعومة من تركيا وغيرها، إلى أن المعارضة العسكرية تدرك أنها تخوض معركتها دون غطاء سياسي، ولعل هذا ما يفسر عدم زجّها بكامل قواها على الجبهات وتركها لمجموعات مقاومة محليّة.
  • إن تغيير الموقف التركي باتجاه التصعيد وزيادة الدعم العسكري للمعارضة، يعد احتمالاً وارداً، لكن ليس لحسم المعركة عسكرياً أو استعادة المناطق التي تم السيطرة عليها، بقدر ما هو تحسين لشروط التفاوض على أي اتفاق محتمل (إدارة المناطق، الدوريات المشتركة، طبيعة الإشراف على الطرق الدولية، نقاط المراقبة، الحدود الجغرافية).
  • لم تعبّر المواقف الدولية من الحملة العسكرية على إدلب عن صيغة جديدة في التعاطي مع الملف السوري؛ إلا أن اللافت في وتيرة تفاعلها أنها عكست، بشكلٍ أو بآخر، مدى عمق تكريس صورة إدلب كمنطقة لتجمع "الإرهابيين".
  • كل تقدم عسكري للنظام وحلفائه سيؤدي إلى مزيد من تعميق حالة عدم الثقة بين المجتمعات المحليّة ضمن مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري و"الضامن" التركي وفصائله من جهة، وبين الأخيرة وحواضنها الاجتماعية من جهة أخرى.

مدخل

لم تكن الحملة العسكرية التي بدأها نظام الأسد وحلفائه في 19 كانون الأول/ديسمبر 2019 على ريف محافظة إدلب مفاجئة أو غير متوقعة، سواء لناحية التوقيت أو الشكل، إذ تأتي ضمن سلسلة من المراحل بدأها النظام على المحافظة منذ مطلع العام 2019، كان آخرها الريف الجنوبي. إضافة إلى أن بوادر الحملة العسكرية الحالية قد لاحت قبل عملية "نبع السلام" وما تخللها من قرار أمريكي بالانسحاب الجزئي ومن ثم التراجع عنه، والذي غيّر أولويات النظام وموسكو عسكرياً باتجاه شرق الفرات، لاستغلال تردد الإدارة الأمريكية وما أتاحه من هوامش لإعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة، عبر اتفاق النظام مع "قسد" بوساطة روسية وآخر روسي-تركي استطاع النظام من خلاله العودة إلى الحدود، لتعود بعد ذلك أولوية النظام وحلفائه إلى إدلب، خاصة ريفها الجنوبي الشرقي.

 وتشير تقارير الرصد السابقة للحملة العسكرية بأن النظام استمر باستقدام تعزيزات عسكرية نحو محور معرة النعمان من القوى الموجودة أساساً في محيط المحافظة، والممتدة من حدود اللاذقية حتى حلب مروراً بحماه، كما أن القصف الجوي السابق للهجوم الحالي، والذي شنته طائرات النظام وموسكو على المحافظة وطبيعة بنك الأهداف، كان ينذر باقتراب عمل عسكري على الأرض، خاصة وأن استراتيجية موسكو قبل أي عملية بريّة، تقوم عبر القصف الجوي المكثّف على شلّ المرافق الحيوية وضرب مقومات الحياة وعوامل الصمود (مستشفيات ميدانية، مخابز، مدارس، أسواق، طرق إمداد)، وهو ذات الأسلوب العسكري الذي اعتمدته مع مناطق المعارضة السابقة لإدلب، والتي كانت تخضع لاتفاقات "خفض التصعيد" بعد خرقها واقتحام المناطق بريّاً، ومن ثم حصارها وفرض نموذج تسوية يضمن سيطرة النظام وحلفائه.

كما أعلن اجتماع أستانا 14، 10-11 كانون الأول/ديسمبر، وبشكل غير مباشر، عن اقتراب الحملة العسكرية وطبيعة أهدافها، ليس لناحية الدلالة الرمزية التي تربط نهاية كل اجتماع من سلسلة "أستانا" بقضم النظام لمساحات واسعة من سيطرة المعارضة؛ وإنما عبر البيان الختامي الذي خرج عن الاجتماع؛ والذي أكد في الفقرة السادسة منه على أن: "جمهورية إيران الإسلامية والاتحاد الروسي وجمهورية تركيا بوصفها الدول الضامنة لصيغة أستانا؛ استعرضت بالتفصيل الحالة في منطقة إدلب لخفض التصعيد، وأبرزت ضرورة تحقيق التهدئة على أرض الواقع من خلال التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقيات المتعلقة بإدلب، وأولاً وقبل كل شيء مذكرة 17 أيلول 2018"([1]).

وقد نصّت المذكرة التي أبرمت في سوتشي وأوقفت حملة عسكرية للنظام على إدلب بتوافق تركي-روسي، على "إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح وإبعاد جميع الجماعات الراديكالية والإرهابية عنها، والعزم على "محاربة الإرهاب" وهو البند الذي عكس ضمنياً تفكيك هيئة تحرير الشام، إضافة إلى بند فتح الطرق الدولية واستعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين M4 (حلب-اللاذقية) وM5 (حلب-حماة)".

 وأما عن المنطقة العازلة فقد تم ترسيمها، بل وتجاوز حدودها، بعد عجز الطرف التركي عن فرضها، وتدخل النظام وحلفائه عبر معارك طاحنة في ريفي حماة وإدلب في آب 2019، بينما لا يبدو تفكيك هيئة تحرير الشام بالأمر السهل والمتاح حالياً لأي من الأطراف، سواء لناحية تعقيد المهمة أو لناحية عدم انتهاء صلاحية الهيئة وظيفياً، ليبقى فتح الطرق الدولية هو الهدف الظاهر للعملية والأولوية السياسية-الاقتصادية بالنسبة للنظام وحلفائه، تحت ذريعة "محاربة الإرهاب" وعجز الطرف التركي عن تعهداته ضمن الاتفاق. وهذا ما حدث في سيناريو فرض المنطقة العازلة، وهو ذاته ما يتكرر اليوم ضمن حملة عسكرية وحشية لا تبدو أهدافها مقتصرة على فتح الطرق الدولية فقط. خاصة ضمن الظرف السياسي والعسكري الذي يمر فيه الملف السوري.

موسكو والنظام (حدود الحملة ودوافعها)

في الوقت الذي تتصاعد فيه العملية عسكرياً؛ يبدو المناخ السياسي الذي تدور خلاله أكثر هدوءاً، على مستوى التفاعل الدولي أو الإقليمي، إذ لا تعكس مواقف ثلاثي "أستانا" من العملية خلافات عميقة على هدفها الرئيس المتمثل بفتح الطرق الدولية، بقدر ما تعكسه من اختلاف على ما يبدو حول آليات التنفيذ ومرحلة ما بعد المعركة، فاليوم لا يتم السعي لإنجاز اتفاق جديد بقدر ما هو تطبيق لاتفاق سابق، وربما انتزاع تعديلات عليه عبر التصعيد العسكري، إذ بدت لهجة موسكو أكثر تصعيداً مع بدء الحملة على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، الذي صرح بأن "الأسد سيستعيد كامل الأراضي السورية وسندعمه في ذلك"([2])، بينما جاءت تصريحات وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، ضمن السياق الروسي، لتضيف عليه أن "اتفاق "سوتشي" قد فشل ولا حل سوى الحرب"([3])، في إشارة إلى عدم قدرة أنقرة على الالتزام بتعهداتها، والتلميح أن حدود هذا الاتفاق لم تعد ملزمة للنظام، وبالتالي احتمالية خرقها والتفاوض على تعديلها، في حين اكتفى الإيراني المشارك على الأرض بدعوة أنقرة للتعاون مع الأسد في حملته على إدلب([4]).

وعلى الرغم مما تشير إليه طبيعة الحملة ومحاورها العسكرية من أولوية فتح الطرق الدولية، إلا أن الهدف الأخير لا يبدو إلا تكتيكاً ضمن استراتيجية أوسع للنظام وحلفائه في استعادة كامل الأراضي السورية، وأن المعركة الحاليّة ما هي إلا جزءٌ من هذه الاستراتيجية، بشكلٍ يحقق أهدافاً مرحلية على المستويين العسكري والسياسي؛ إذ  يسعى النظام من خلالها إلى تأمين جزء من الطرق الدولية لما لها من أهمية اقتصادية بالنسبة له وللأطراف المختلفة، إضافة للعودة إلى المعسكرات الاستراتيجية (الحامدية، وادي الضيف)، برمزيتها العسكرية وإشرافها الناريّ الواسع على المنطقة، وذلك عبر إنهاء معركة بمناطق سهلية مفتوحة ذات تحصينات ضعيفة وخطوط إمداد مرصودة وتدمير خطوط الدفاع الأولى فيها. كما تمنح الحملة العسكرية في هذه الفترة فرصة للنظام لتصدير أزماته الاقتصادية في مناطق سيطرته بصورة انتصار عسكري مع نهاية العام 2019، خاصة في إدلب ومالها من رمزية كآخر معاقل المعارضة، وبالتالي الإيحاء بأن العمليات العسكرية لم تنتهِ وأن الأولوية للمجهود الحربي أولاً، وبالتالي تأجيل أي استحقاق من شأنه تحسين الوضع المعيشي في مناطق سيطرته، في ظل حزمة العقوبات القادمة، وعلى رأسها قانون قيصر.

إلى جانب ذلك، تبدو الحملة العسكرية للنظام وموسكو على المستوى السياسي فرصة جيدة للمناورة مع أنقرة وتحصيل أكبر قدر من الجغرافيا، بما يتجاوز الاتفاقات المنصوص عليها، إضافة إلى انتزاع تعديلات محتملة على اتفاق "سوتشي"، مقابل وقف إطلاق النار، والتي قد تكون متعلقة بــ (إدارة المنطقة، الإشراف على الطرق الدولية، الدوريات المشتركة، نقاط المراقبة، الحدود الجغرافية للتقدم العسكري).  كما قد يشكل التصعيد العسكري في إدلب بالنسبة لموسكو فرصة لمناورة سياسية أبعد من الملف السوري إلى ملفات إقليمية مشتركة تتصاعد فيها الخلافات مع أنقرة، خاصة الملف الليبي.

الضامن والفصائل (إقرار الهدف وخلاف الآليات)

بالمقابل، يعكس أداء الضامن التركي في التفاعل مع الحملة العسكرية وما ترتب عليها من آثار إنسانية وسياسية؛ إقراراً ضمنياً بتنفيذ الاتفاق المنصوص عليه بفتح الطرق الدولية، واعتراضات على ما يبدو حول آليات التنفيذ، إذ اكتفى الجانب التركي بمحاولات الضغط عبر موسكو لفرض تهدئة والتحذير من تفاقم كارثة إنسانية على حدوده متمثلة بموجات نزوح كبيرة باتجاه الأراضي التركية"([5])، في تلويح للأوروبيين بموجة لجوء جديدة وأن أنقرة لن تكون المسؤولة الوحيدة عنها، ومن ثم استطاعت تركيا بعد اجتماعات أمنيّة مع الجانب الروسي الوصول إلى تهدئة مؤقتة لم تطبق فعلياً على الأرض، لتعود العمليات العسكرية للاستئناف([6]). وبالعموم يمكن القول؛ إن الموقف التركي-إلى الآن-عكس بشكل أو بآخر إقراراً بضرورة فتح الطرق الدوليّة كجزء من اتفاق سوتشي، وأن سعي أنقرة اليوم عبر التفاوض مع موسكو، ما هو إلا محاولات لتخفيف تبعات تطبيقه العسكرية والسياسية والإنسانية.

 إذ تدعم هذه الرؤية مجموعة مؤشرات أبرزها؛ أداء أنقرة في التفاعل مع الحملة العسكرية الحالية قياساً بأدائها قبل انتزاع اتفاق سوتشي الذي سبقه تهديد موسكو والنظام بعملية عسكرية على إدلب، حيث أشار أداؤها خلال تلك الفترة إلى عدم وجود اتفاق بالفعل، ما حدا بها إلى الضغط على عدة مستويات إقليمية ودولية، مقابل إجراءات على المستوى المحليّ، تمثلت بفتح المعابر أمام الصحافة الغربية وتشجيع المظاهرات المدنية، وتكثيف جهود سياسية ودبلوماسية كبيرة أدت في النهاية إلى توقيع اتفاق سوتشي مع الجانب الروسي. ولكن يبدو اليوم الظرف مختلفاً بالنسبة لأنقرة، خاصة بعد عملية "نبع السلام" التي أمنّت الجزء الأكبر من الحدود بتعاون أمريكي من جهة وروسي من جهة أخرى، ضمن اتفاقات امتدت على ما يبدو من شرق الفرات إلى غربه.

 كما تشير ردّات فعل الفصائل الكبرى المدعومة من تركيا ومن ضمنها "الجيش الوطني"، والذي أرسل مجموعات محدودة من مقاتليه إلى جبهة إدلب بعد 12 يوم على الحملة العسكرية، إلى أن المعارضة العسكرية تدرك أنها تخوض معركتها دون غطاء سياسي، ولعل هذا ما يفسر عدم زجّها بكامل قواها على الجبهات وتركها لمجموعات مقاومة محليّة من شباب المناطق وبعض الفصائل، في إدراك منها أن الاتفاق في طريقه للتطبيق وتأمين الطريق الدولي، فلماذا الزج بقواتها واستنزفها في معركة محسومة سياسياً قبل أن تحسم عسكرياً؟! ويبدو أن هذا التصور للمعركة ينطبق بدرجة أكبر على هيئة تحرير الشام الذريعة الأكبر في شن الهجوم تحت غطاء مكافحة الإرهاب، إذ لم تنخرط الأخيرة بثقلها العسكري كامل في المعركة، سواء على مستوى مقاتليها أو سلاحها الثقيل، بل إن ظهور زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني، في كلمة مصورة حثّ فيها الجميع على حمل السلاح، بدا كهروب للأمام واستباق إعلامي لاتهامات محققة.

مقابل تلك المؤشرات، بدا لافتاً عدم انسحاب النقاط التركية من بعض مواقعها التي تقدم إليها النظام بالرغم من حصارها (الصرمان)، وتأكيد أنقرة على بقائها وعدم انسحابها([7])، وهذا ما يعكس نظرة تركيا لتلك النقاط العسكرية على أنها نقاط سياسية متقدمة لتفاوض لاحق على انسحابها، مُدركةً أن النظام وبإشراف الروس سيتحاشى التعرض لها، وهذا ما أكدت عليه تصريحات، وليد المعلم، بأننا "لن نتعرض للنقاط التركية"([8])، وهذا أيضاً ما نصّ عليه اتفاق أستانا؛ "بضمان سلامة وأمن الأفراد العسكريين التابعين للدول الضامنة داخل منطقة إدلب لـ"خفض التصعيد" وخارجها"، ولعل النقطة التركية في مورك بريف حماة مثال جيد في هذا السياق.

وعلى الرغم من كل تلك المؤشرات؛ إلا أن احتمالية تغيير الموقف التركي باتجاه التصعيد وزيادة الدعم للمعارضة، سواء عبر السلاح النوعي أو عبر دخول فصائل كبرى بثقلها العسكري، يعد احتمالاً وارداً، لكن ليس لحسم المعركة عسكرياً أو استعادة المناطق التي تم السيطرة عليها، بقدر ما هو تحسين لشروط التفاوض على أي اتفاق محتمل حول (إدارة المناطق، الدوريات المشتركة، طبيعة الإشراف على الطرق الدولية، نقاط المراقبة، الحدود الجغرافية للتقدم العسكري)، ولعل معارك ريفيّ حماة الشمالي وإدلب الجنوبي الأخيرة آب/أغسطس 2019، تعد مثالاً واضحاً في هذا السياق، فعلى الرغم من الدعم التركي وعبور مجموعات كبيرة من الفصائل واستمرار المعارك لفترات طويلة؛ إلا أن المحصلة في النتيجة كانت واحدة، وهي خسارة الأرض وفرض المنطقة العازلة، والتي تجاوز النظام حدودها، كما فعل من قبل في  تجاوز حدود اتفاق "شرق السكّة".

وعلى وقع تطور المواقف السياسية لثلاثي أستانا؛ بدا الموقف الدولي أقل حماساً للتفاعل مع الحملة على إدلب ونتائجها الكارثية على الصعيد الإنساني، إذ تراوحت المواقف بين بيان الأمم المتحدة بصيغته الإنسانية ووساطة منظماتها الدولية لتحصيل ساعات لتأمين بعض الطرقات "الآمنة" للنازحين([9])، والتي رغم ذلك تعرضت للقصف، مقابل بيان خجول من السفارة الأمريكية في دمشق، تلته تغريدة  للرئيس دونالد ترامب اتهمت روسيا وإيران بقتل المدنيين وعوّلت على جهود تركيا محملةً إياها مسؤولية غير مباشرة، إضافة إلى بيانات تقليدية عن بعض الخارجيات الأوروبية (ألمانيا، فرنسا) والاتحاد الأوروبي([10])، والتي رأت الحملة من منظار موجات اللجوء والاكتفاء بالتنديد والاستنكار والمطالبة بإيقاف القصف، وعلى الرغم من أن المواقف الدولية لم تعبر عن صيغة جديدة في التعاطي مع الملف السوري؛ إلا  أن اللافت في وتيرة تفاعلها أنها عكست، بشكل أو بآخر، مدى عمق تكريس صورة إدلب كمنطقة لتجمع "الإرهابيين"، خاصة بعد مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي على أراضيها.

التصعيد العسكري وآفاقه

وبالنظر إلى طبيعة الحملة العسكرية الشرسة والمناخ السياسي الذي تسير خلاله، مقابل المواقف الإقليمية والدولية التي ظهرت إلى الآن منها؛ فمن المحتمل أن يستمر تقدم النظام وحلفائه حتى السيطرة على مدينة معرة النعمان، أو على الأقل تأمين محيطها بما فيه M5 والمعسكرات الاستراتيجية (وادي الضيف، الحامدية)، ومن ثم الانتقال لتأمين الطريق ما بين مدينة خان شيخون ومعرة النعمان والمعروف بـ"طريق الموت".

 أما مرحلة التقدم باتجاه مدينة سراقب لاستكمال تأمين الطريق الدولي وتقاطع M4 وM5 في شمال المدينة، فهو مرهون بعاملين، الأول: مستوى المقاومة العسكرية التي سيواجهها النظام، والتي يبدو أنها تعتمد على حالة دفاعية وهجمات خاطفة تستغل الأحوال الجوية وغياب الطيران الحربي لإيقاع أكبر خسائر في قواته، لكنها غير قادرة على التمركز وإعادة السيطرة حتى الآن. أما الثاني: فيتمثل بتوصل موسكو وأنقرة إلى اتفاق جديد مطوّر من اتفاق "سوتشي" يوجد صيغة جديدة بين الفصائل والنظام من المحتمل أن تكون في صالح الأخير. أما ما تبقى من طريق الـ M5 فيحتاج من النظام مراحل أخرى لتأمين المنطقة الممتدة من سراقب في ريف إدلب الشرقي إلى بلدة الزربة في ريف حلب الجنوبي ومنها إلى مدخل مدينة حلب، حيث سيعتمد النظام في ترتيب أولويات تلك المعارك على اختراق الخواصر الرخوة في تلك المناطق.

وفي حال استمرار تقدم النظام عسكرياً والسيطرة على المناطق الواقعة على الطريق الدولي M5، سواء عبر التصعيد العسكري أو أي اتفاق سياسي محتمل؛ فسيكون بذلك أنهى مرحلة المعارك السهليّة في إدلب، لينتقل إلى المرحلة الجبليّة لتأمين الطريق الدولي M4، والذي لم تنقطع المعارك على أجزاء منه (جبهة الساحل)، وعلى الرغم من أنها قد لا تكون بسهولة سابقاتها نتيجة طبيعتها الجغرافية واحتوائها على مدن وبلدات تمثل العمق الاستراتيجي لقوى المعارضة المسلحة (أريحا، جسر الشغور، كفرنبل، جبل الزاوية، جبل الأربعين)؛ إلا أنه وبالوقت نفسه يكون النظام عبر معاركه الحالية قد أفرغ المنطقة السهليّة من سكانها لتصبح المناطق الجبليّة ذات كثافة سكانية عالية ونفوذ عسكرية واسع من قبل هيئة "تحرير الشام"، والتي ستسعى كسلوكها المعتاد إلى ابتلاع الفصائل المحليّة لتثبيت نفوذها وضمان هيمنتها العسكرية والأمنية في المنطقة، وبالتالي ستتحول المنطقة إلى كثافة سكانية عالية يغطيها "السواد"، الأمر الذي سيعطي موسكو مبرراً جديداً لشن حملة عسكرية على بقعة "إرهابية"، بل وستصدرها  ليس كمعركتها فقط، وإنما "معركة المجتمع الدولي بالكامل".

بالمقابل، فإن كل تقدم عسكري للنظام وحلفائه بهذه الصورة الوحشية سيؤدي إلى مزيد من تعميق حالة عدم الثقة بين المجتمعات المحلية ضمن مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري و"الضامن" التركي وفصائله من جهة، وبين الأخيرة وحواضنها الاجتماعية من جهة أخرى، وبالتالي احتمالية فتح ثغرات أكبر قد تصب لاحقاً بشكل أو بآخر في تسهيل عمليات التسوية الإجبارية، أو الفوضى داخل تلك المناطق.    

 خلال مسار أستانا، وما أفرزه من اتفاقات "خفض التصعيد" تعرضت ولا تزال مناطق سيطرة المعارضة لذات السيناريو في القضم والسيطرة لصالح موسكو والنظام، وذلك ليس لقوة النظام أو لعجز المعارضة، بقدر ما هو إعادة ترتيب الأولويات وفق مصالح الداعمين بشكل أمّن للنظام معارك سهلة نسبيّاً كان أغلبها محسوم سياسياً، مخلّفة مع نهاية كل منطقة ذات الكارثة الإنسانية. لذلك وفي حال عدم خلق دينامية سياسية وعسكرية جديدة وواقعية في التعاطي مع الجيب الأخير للمعارضة تعيد تقييم جدوى الاستمرار في مسار أستانا على المستوى العسكري، ومسار اللجنة الدستورية على المستوى السياسي، آخذة في الحسبان ضرورة إعادة تعريف العلاقة من جديد مع "الضامن"، والموقف من هيئة تحرير الشام، وإدراك أن النظام لم ولن يلتزم بأي اتفاق حالي أو مستقبلي، وأن أي اتفاق مع النظام والروس ما هو إلا كسب وقت لإعادة خرقه، وأن مسار المعارك في هذا السياق سيتحول إلى صيغة حسم سياسي سابق واستنزاف عسكري لاحق، وما دون ذلك فمن غير المتوقع أن تكون النتائج مختلفة عن سابقاتها من المناطق، إلا في حجم الكارثة الإنسانية التي ستلحق بــ 3.5 مليون سوري في إدلب من مقيمين ومهجّرين. والتي لا يمكن التنبؤ بحدودها وحجم آثارها.

 


 

([1]) للاطلاع أكثر على البيان الختامي لاجتماع أستانا 14، راجع الموقع الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية للجمهورية الكازاخستانية، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/VA2NU

([2]) لافروف: الأسد سيستعيد كل سورية وسندعمه في ذلك، موقع الحلّ، 23/12/2019، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/MKRrD

([3]) المعلم: سوتشي فشل وتركيا تطبق "تطهيراً عرقياً"، صحيفة عنب بلدي، 24/12/2019، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/TncPy

([4]) إيران تدعو تركيا للتعاون مع النظام السوري في إدلب، صحيفة عنب بلدي، 19/12/2019، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/aO2H6

([5]) إدلب...تركيا تضغط على روسيا وغوتيرش يطالب بوقف فوري للعنف، موقع DW، 24/12/2019، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/0vJfF

([6]) الطائرات الروسية تستأنف القتل بعد هدنة الأحوال الجوية، موقع العربي الجديد، 31/12/2019، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/Kn197

([7]) أنقرة: لن ننسحب من نقاط المراقبة في إدلب التركية، موقع قناة الحرة، 29/12/2019، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/39US8

([8]) وليد المعلم: اتفاق سوتشي فشل .. والحل عسكري فقط، الموقع الإلكتروني لجريدة المدن، 24/12/2019، متوافر على الرابط: https://2u.pw/gcIrH

([9]) إدلب...تركيا تضغط على روسيا وغوتيرش يطالب بوقف فوري للعنف، موقع DW، 24/12/2019، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/0vJfF

([10]) الاتحاد الأوروبي يعلق على أحداث إدلب ويوجه رسالة للنظام السوري، موقع الحلّ، 29/12/2019، متوافر على الرابط: https://2u.pw/Qk61U

التصنيف تقدير الموقف

بعد تدخلها العسكري في العام 2015، أدركت موسكو جيداً المصالح الإقليمية المتضاربة في سورية والهواجس الأمنية لكل دولة على حدا، خاصة الحدودية منها، كما استوعبت طبيعة العلاقة بين كل دولة وأذرعها المحليّة في الداخل السوري، إضافة إلى المناخ السياسي العام الذي حكمَ ويحكُم الملف السوري دولياً، وخاصة الموقف الأمريكي "المُيسّر" خلال حقبتي أوباما وترامب، فكان أن بدأت موسكو بخطوات تكاد تكون متشابهة مع كل دولة من الدول الحدودية، والتي تمثلت بـــــ:

  1. فهم الهواجس الأمنية لكل دولة وتعزيزها بشكل أكبر كمرحلة أولى، خاصة ما يتعلق منها بالأمن الإقليمي.
  2. ومن ثم طرح نفسها كضامن لتلك الهواجس كمرحلة ثانية، مقابل حصر دور كل دولة بحماية أمنها الإقليمي فقط، والتنازل بشكل مباشر أو غير مباشر عن أذرعها المحليّة، إضافة للقبول بقوات النظام كحل وسط وبديل على الحدود.

هذا ما حدث مع الأردن قبل وخلال وبعد معارك الجنوب (درعا، القنيطرة)، عبر تعزيز مخاوفه الأمنية والاقتصادية على حدوده (داعش، معابر)، ومن ثم طرح حل لاستيعاب تلك المخاوف، من خلال فتح المعابر وعمليات عسكرية مشتركة ضد داعش وإعادة انتشار النظام على الحدود، مقابل تخلي الأردن عن فصائل الجنوب وسيطرة النظام وقوات الشرطة العسكرية الروسية على المدن والبلدات.

وهذا ما حدث أيضاً مع الكيان الإسرائيلي المتوجس من إيران وميلشياتها على حدوده، وما تلاه من تقديم الروسي لنفسه كضامن لتراجع الإيرانيين 100 كم، وفتح السماء السورية أمام ضربات الإسرائيليين لإيران في العمق السوري، مقابل عودة قوات النظام إلى الحدود وانتشار الشرطة العسكرية الروسية في المنطقة.

هو ذاته أيضاً ما واجهتهُ تركيا في العامين الأولى من التدخل الروسي، حيث عمدت موسكو إلى تعزيز مخاوفها الأمنية بدايةً عبر دعمها لـ " PYD" وذراعه العسكري "YPG" في عفرين ومحيطها، ومن ثم إنجاز صفقة تتضمن استيعاب تلك المخاوف، والتي انتهت بتسليم عفرين لتركيا والتخلي عن وحدات الحماية، مقابل مكاسب أستانية أكبر، ليستمر السيناريو اليوم في شرق الفرات، والذي يستند إلى استثمار الموقف الأمريكي الزاهد وتشتت الموقف الناتوي واستغلال مخاوف تركيا الأمنية، وإنجاز صفقات على حساب الأذرع المحلية ومشاريعها، وبالتالي مكاسب مجانية لموسكو والنظام.

وفي المحصلة، يمكننا القول أن موسكو نجحت إلى حدٍ كبير، بتحجيم دور القوى الإقليمية في الملف السوري وتحويل طموحات بعضها من فاعلية وتأثير في الحل السياسي إلى حماية أمن حدودها وحرف أهداف بعضها الآخر من تحصيل المكاسب إلى تخفيف الخسائر، وبالتالي استطاعت تحجيم الأذرع المحليّة المرتبطة بتلك القوى وما يتبعها من مشاريع، وإعادة ضبط القسم الأكبر والأنشط من الحدود السورية، وضمان عودة سلطة الأسد "مؤسسات الدولة" لأكبر قدر من الأراضي وتأمين طرق التجارة الدولية، وبالتالي الاقتراب أكثر وأكثر من رؤيتها في التفرد بالحل السياسي، بل وإنجاز صفقات مع تلك الدول، لصالح موسكو، تتجاوز حدود الملف السوري أساساً ( تعزيز التبادل تجاري، بيع الأسلحة، وإنشاء معامل وقدرات عسكرية.. إلخ).

إذاً فسياسة التحجيم الروسية مع الدول الحدودية تعتمد على: تعزيز مخاوف الأمن الإقليمي، ومن ثم إنجاز صفقة لتهدئتها؛ تُنتج تحجيم الدور الإقليمي نفسه، بل وتطويعه غالباً في خدمة رؤية موسكو للحل السياسي.

واللافت، أن سياسات التحجيم تلك تجاوزت الدول الحدودية لتطال قوى إقليمية أخرى كانت فاعلة في الملف السوري، كالدور العربي-ممثلاً بالخليجي-، والذي أيضاً تم تحجيمه وتطويع جزء منه بسياق الرؤية الروسية في الملف السوري، كما طالت بشكل أو بآخر الأوروبيين الذين تم تحجيم دورهم نتيجة الموقف الناتوي المشتت والتراجع الأمريكي كمظلة له، مقابل التقدم الروسي بالكثير من الملفات. إذ أن الإنجاز العسكري الروسي وما تخلله من مكاسب، لم يقتصر على الأرض فحسب، وإنما سعت موسكو لترجمته سياسياً بدءاً من محاولات "أستنة" جنيف مروراً بتغيير أولويات السلال الأربعة مع "دي مستورا" وتقديم سلة مكافحة الإرهاب على باقي السلال، إضافة إلى تغيير وحرف مفاهيم هيئة الحكم الانتقالي وفق القرار 2254 وصولاً إلى اللجنة الدستورية.

بالمقابل، يبدو أن إدارة سياسات التحجيم التي اتبعتها موسكو إزاء القوى الفاعلة في الملف السوري لم تقتصر على أعدائها ومنافسيها، وإنما طالت حلفائها بشكل أو بآخر، إذ تختلف الآراء إلى اليوم حول طبيعة العلاقة بين موسكو وطهران في الملف السوري، بين التحالف التكتيكي أو الشراكة الاستراتيجية التي تتجاوز حدود سورية، وعلى الرغم من أن لأنصار كل من الرأيين حججهُ؛ إلا أن تنافس الطرفين في الملف السوري لم يعد خافياً على أحد، خاصة بعد انحسار رقعة المعارك التي فرضت تحالفاً عسكرياً بين القوتين، لتظهر خلافات على عدة مستويات بدءاً من الرؤية لمستقبل سورية وصولاً إلى إدارة التحالفات في الملف السوري، التنافس الذي انعكس بشكل أو بآخر بصورة محاولات تحجيم للدور الإيراني في عدة مجالات وقطاعات، سواء تحركات موسكو على مستوى إعادة هيكلة قطاعيّ الجيش والأمن ومحاولات تحجيم المليشيات، أو على مستوى سعيها للاستئثار بالعقود الاقتصادية الأكبر ضمن القطاعات الاستراتيجية في سورية ومحاولات حرمان إيران منها، إضافة إلى احتكار ملف سورية السياسي دولياً، ناهيك عن تسويق موسكو دورها لبعض دول المنطقة على ظهر الوجود الإيراني في سورية ("معادل قوى")، خاصة تجاه الدول ذات الحساسية العالية من هذا الوجود(الخليج، إسرائيل).

ما كتب أعلاه؛ لا يعني ذكاءً منقطع النظير في السياسة الخارجية الروسية ضمن الملف السوري، بقدر ما يعني تراجعاً للدور الأمريكي وارتباكاً سياسياً للقوى الدولية والإقليمية الفاعلة في سورية وعدم قدرتها على فصل الملف السوري عن صراعاتها المتعددة، والتي أمّنت لموسكو هوامش كبيرة للتحرك عبر التناقضات العديدة التي ولدتها تلك الصراعات، بدءاً من الصراع الخليجي-الخليجي، والخليجي-الإيراني، والإيراني-الإسرائيلي، والخليجي-التركي، وأخيراً خلافات شركاء الناتو أنفسهم أمريكا-تركيا-أوروبا.

 كل تلك الصراعات والخلافات منعت تشكيل جبهة دولية أو إقليمية موحدة من الملف السوري كان من الممكن أن تحجّم دور موسكو في سورية، وبدلاً من ذلك سهّلت لها الولوج من مختلف التناقضات وتحقيق اتفاقات جزئية ومكاسب مجانيّة وإنجاز تحالفات استراتيجية مع شركاء أمريكا التقليدين، بل وجعلت من نظام الأسد "بيضة القبان" في أغلب تلك الاتفاقات الجزئية، نتيجة إدراك الأسد لتلك التناقضات وما تؤمنه من هوامش تحرك، سواء في ظل الدور الروسي وما يستتبعه عليه من مكاسب مجانية، أو حتى من خلال استثمار هوامش الخلاف بين حلفائه (روسيا، إيران).

وقد أتاحت الصراعات والخلافات الإقليمية-الدولية حول سورية لموسكو إمكانيّة تحجيم بعض القوى وإخراج بعضها الآخر من دائرة التأثير المباشر في الملف السوري، ولعل الطرح الألماني المتأخر بعد الاتفاقين التركي-الأمريكي والتركي-الروسي لنشر قوات دولية في شرق الفرات، يوضّح بأن الأوروبيين شعروا متأخرين بإبعادهم خارج مساحة الفاعلية الحقيقية في الملف السوري.

قابل تلك الصراعات والخلافات الإقليمية-الدولية وما وفّرتهُ من هوامش للدور الروسي، استمرار الفاعلين المحليين في التعويل على التحالفات الخارجية، بل والسير الأعمى في ركبها، دونما فهم لطبيعة الصراع والمصالح الدولية والإقليمية فيه. كل تلك الظروف والمناخات المحلية والإقليمية والدولية أمّنت لموسكو القدرة لإدارة سياسات التحجيم، وحالت دون إنتاج أي سياسة دولية تساهم في تحجيم موسكو نفسها في الملف السوري، كما عرقلت إنتاج أي فعل محلي موحد ومستقل يؤدي هذا الغرض ويفرض نفسه على الطاولة.

وبنظرة عامة اليوم على الملف السوري، نجد أنه يدار بفاعلية روسية بالدرجة الأولى ومن ثم تفاهمات تركية-روسية بالدرجة الثانية، تلك المرشحة بأي لحظة لأن تتحول باتجاه خلاف مع شريك أستانة الثالث (إيران) بدعم قوى إقليمية ودولية أخرى. إذ يبدو أن موسكو ستستمر في سياسة التحجيم المبنيّة على تناقضات القوى المختلفة والتي تؤمن لها تفرداً في صياغة الحل النهائي، التحجيم الذي لم ولن يقتصر على أعداء موسكو، وإنما يبدو أنه طالَ أو يطالُ أو سيطالُ حلفائها أيضاً (النظام، إيران) وشركائها (تركيا) في سبيل محاولات فرض رؤيتها وتصورها الخاص لمستقبل سورية، التصور الذي قد لا يبدو تطبيقه عملياً بالأمر السهل في سياق الملف السوري وتعقيداته وتحولاته غير المتوقعة، لكنه ليس بالأمر المستحيل وسط استمرار الظروف الموضوعية والذاتية التي أوصلت الدور الروسي في سورية إلى ما هو عليه اليوم.

التصنيف مقالات الرأي

لم يكد يُعلن نبأ التوصل إلى تفاهم بين أنقرة وموسكو مؤخراً بخصوص محافظة إدلب حتى سادت حالة من الهدوء النسبي في جميع أرجائها. وبعيداً عن النتائج المتمخضة عن هذا الاتفاق في بعديها السياسي والعسكري؛ شكل البعد الإنساني الوجه الأبرز لهذا الاتفاق في تمكنه من الحؤول دون وقوع كارثة إنسانية كانت ستعد الأكبر في تاريخ النزاع الدائر في سورية عبر الأعوام السبع الماضية. بعد أن باتت المحافظة موئلاً أخيراً للنازحين والمهجرين داخلياً ممن ركبوا موجة النزوح لأكثر من مرة إلى أن استقر بهم المطاف في هذه البقعة من الأرض السورية مبتغين الحفاظ على أرواحهم وعائلاتهم بعد أن اختبروا أهوال الحرب وقسوة الحياة في مناطق سيطرة نظام الأسد، وليشكلوا فيها كتلة بشرية يقترب عددها من مليوني شخص.

تعد قضية النازحون في إدلب من القضايا الشائكة ذات البعد الإنساني والاجتماعي والسياسي، وهم الذين تبلغ نسبتهم 41% من السكان الحاليين في المحافظة، ويتوطن نصفهم تقريباً في مخيمات منتشرة على طول الشريط الحدودي مع تركيا يربو عددها على 280 مخيم، وتمثل المخيمات العشوائية القسم الأكبر منها بنسبة تقارب 86%. ولم يعد يخفى على المتابع لمجريات النزاع في سورية الظروف الإنسانية الصعبة التي يقاسيها سكان هذه المخيمات بمختلف جوانبها الصحية والاجتماعية والتعليمية والمعيشية والنفسية التي أفرزت وستفرز العديد من التداعيات السلبية عليهم.

فقد شكلَّ طول أمد وجودهم في هذه المخيمات وأعدادهم المرتفعة والمتزايدة عاملاً أثقل كاهل المنظمات الإغاثية والإنسانية عن تلبية الاحتياجات المتنوعة لهذه الكتلة البشرية الضخمة، إلى جانب غياب أي رؤية مستقبلية لمصيرهم من قبل الجهات الدولية والمحلية. وما سيشكله ذلك من تحدي مستقبلي في توطينهم وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لهم بعد أن أضحت عودتهم إلى مناطقهم الأصلية مثار تخوف وريبة على مصيرهم، بعد أن بسط النظام وحلفائه سيطرتهم عليها وهم في غالبيتهم من المحسوبين على الفئات المعارضة للنظام في شقيها العسكري والسياسي. وليخلق هذا بالتالي أزمة إنسانية كبيرة تتفاقم تبعاتها وتأثيراتها السلبية يوماً بعد يوم على النازحين أنفسهم وعلى السكان المحليين في مناطق نزوحهم. 

يبقى مستقبل النازحون في محافظة إدلب رهناً للاتفاقات الدولية والإقليمية والتي غالباً ما تخضع لتفاهمات بين الفواعل الرئيسية في الملف السوري. لذا فمع استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه ووجود حالة من الاستقرار النسبي في مناطق مخيمات النزوح؛ يبدو من الأهمية بمكان قيام الجهات ذات الصلة بالنظر في مستقبل قضية النازحين وآليات التعاطي معها من مختلف الجوانب، ووضع تصور مستقبلي حول ذلك يتضمن الإجابة على مجموعة من التساؤلات الجوهرية التي باتت تؤرق النازحين فضلاً عن السكان المحليين.

وتدور هذه التساؤلات حول حقهم في العودة إلى مناطقهم الأصلية التي نزحوا منها بعد تعرضهم للتهجير القسري، وما هي الضمانات الأمنية والاجتماعية المقدمة لهم في حال عودتهم. وهل سيتم وضع خطط لإدماج النازحين ضمن مجتمعاتهم المحلية الجديدة وما هي متطلبات ذلك وفرص نجاحه، وإلى أي مدى ستتمكن المنظمات الإنسانية من الاستمرار في توفير الدعم اللازم لهذه الكتلة البشرية من النازحين مع عدم وجود أفق واضح بشأن حل قضيتهم وتضاءل الدعم الإنساني المقدم من قبل الجهات المانحة.

ويبقى التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا السياق متمحوراً حول مدى أولوية قضية النازحين في إدلب بالنسبة للدول الضامنة للملف السوري وقيامهم بإدراجها في أي تسوية سياسية قادمة. حيث سترسم الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها من التساؤلات الأخرى ذات الصلة صورة أكثر وضوحاً عن مستقبل النازحين، وما يتطلبه ذلك من وضع آليات للتعامل مع هذا الملف الشائك.  

رغم الغموض الذي لا يزال يحيط بمصير محافظة إدلب وعدم حسمه بشكلٍ نهائي، ستبقى قضية النازحين فيها من التحديات الكبيرة في حاضرها ومستقبلها، مع ما يتطلبه ذلك من الإسراع في وضع حلول مستدامة لها وتحديد مصير هذه الكتلة البشرية الضخمة داخل وخارج مخيمات النزوح. والتي يبدوا أن استمرارها بالشكل الحالي لم يعد مقبولاً لا من الناحية الإنسانية ولا من الناحية الأخلاقية، بعد أن تردى الوضع الإنساني فيها إلى مستوى لا يمكن تصوره، ناهيك عن الإفرازات الاجتماعية السلبية ضمن هذه المخيمات والتي تتطلب لحظها من جميع الجهات ذات الصلة والتنبيه إلى تداعياتها السلبية على حاضر ومستقبل السكان أنفسهم وعلى مناطق تواجد هذه المخيمات. وذلك في ظل وجود بيئة أمنية غير مستقرة يمكن أن تسَّهِل من عملية استقطاب الأفراد داخل وخارج هذه المخيمات من قبل بعض التنظيمات التي لا تزال فلولها منتشرة في هذه المناطق مستغلة الظروف المادية القاسية لهم وغياب أفق واضح يحدد مصيرهم. 

 

المصدر السورية نت: https://goo.gl/EC59Tf

التصنيف مقالات الرأي
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
الخميس نيسان/أبريل 29
الملخص التنفيذي مع تراجع سُلطة الدولة المركزية لصالح صعود تشكيلات دون دولتية، منها ذات طابع قومي وديني؛ برزت نماذج مختلفة من أنماط الحكم المحلي في الجغرافية السورية، والتي تأثرت بالخارطة…
نُشرت في  الكتب 
الخميس كانون1/ديسمبر 17
مقدمة تتفق جل الأدبيات المتعلقة بحقل العلاقات المدنية العسكرية بأنها خضوع القوات المسلحة لقيادة مدنية ديمقراطية، وهي عملية معقدة تتطلب إصلاحاً تشريعياً شاملاً، وإصلاحاً للقطاع الأمني بأكمله، وإجراء العدالة الانتقالية،…
نُشرت في  الكتب 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20