Print this page

مدخل

وسط التحوّلات العميقة التي تشهدها سورية منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، تعود القضية الكردية إلى واجهة النقاش الوطني، مدفوعة بواقع سياسي وأمني متغيّر، إذ لا تزال المفاوضات بين الحكومة السورية الانتقالية و"قوات سوريا الديمقراطية"/"قسد" تراوح مكانها، رغم بعض المؤشرات الإيجابية التي تمثلت في وصول وفد رسمي من "الإدارة الذاتية" إلى دمشق لمتابعة جولات الحوار، واتفاق الطرفين على استبعاد الحلول العسكرية.

وفي ظل غياب تسوية شاملة، تواصل القضية الكردية فرض نفسها كأحد أكثر الملفات تعقيداً وإلحاحاً في مسار بناء الدولة السورية الجديدة، بما تحمله من أبعاد تتقاطع فيها المطالب القومية، والهواجس الأمنية، والرهانات الإقليمية. فقد شكّل الإعلان الرسمي لحزب العمال الكردستاني (PKK) في أيار/مايو 2025 عن حلّ نفسه وإنهاء العمل المسلح، نقطة تحوّل استراتيجية في مسار القضية الكردية إقليمياً، وحدثاً مفصلياً يُعيد رسم طبيعة العلاقة بين الكرد والدول التي ينتشرون فيها، وبمقدمتها تركيا وسورية([1]). هذا الإعلان، الذي جاء في ختام المؤتمر الثاني عشر للحزب، يبدو أنه يعكس إدراكاً بتآكل مشروعية الكفاح المسلح في ظل متغيرات دولية متسارعة، وتنامي الضغوط الإقليمية والدولية، واستنفاد النموذج القائم على المواجهة العسكرية العابرة للحدود، خاصة مع التراجع القسريّ لفواعل مادون الدولة على مستوى المنطقة (سورية، لبنان، العراق، السودان) لصالح محاولة استعادة مركزية الدولة، وهو توجه يبدو مدعوماً إقليمياً ودولياً. 

من جهة أخرى، فإن انعقاد مؤتمر "وحدة الموقف والصف الكردي" في القامشلي 26 نيسان/أبريل 2025 جاء كجزء من ترتيبات مرحلة ما بعد حزب العمال الكردستاني، لا سيما أنه جاء متزامناً – في الوقت والمضمون – مع النقاشات الكردية الداخلية حول ضرورة التحوّل نحو العمل السياسي المدني. وقد شكّل المؤتمر محاولة لإعادة إنتاج الحقل السياسي الكردي في سورية، وفق معادلة جديدة تتجاوز الارتباطات الإقليمية، وتطمح إلى بلورة تمثيل كردي موحّد، أو بتعبير أدق سقف سياسي موحّد، يُعبّر عن مطالب الكُرد في إطار تفاوضي جديد مع الحكومة السورية الجديدة.

وعليه، تسعى هذه الورقة إلى تحليل البيئة السياسية الجديدة التي أفرزها هذا التزامن – بين القرار السياسي لحزب العمال الكردستاني ومُخرجات مؤتمر القامشلي – وقراءة دلالاتهما في سياق المسار الانتقالي السوري. وذلك، من خلال تسليط الضوء على المضمون السياسي للمؤتمر، وحدود تمثيله. مقابل الفرص والتحديات التي يطرحها أمام الحكومة السورية والحركة السياسية الكردية معاً.

الرؤية السياسية الكردية (بين منطق التسوية وفرض الأمر الواقع)

أفرزت المُتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي أعقبت سقوط الأسد واقعاً جديداً، فرض على القوى السياسية الكردية مراجعة تموضعها الاستراتيجي ضمن المعادلة السورية الجديدة. وقد عجَّل من وتيرة تلك المراجعة عوامل عدة، على رأسها؛ الدفع السياسي المتسارع من قبل الحكومة السورية الجديدة لإعادة بناء هياكل الدولة على قاعدة تفاوضية، تشمل القوى العسكرية المحلية، وفي مقدمتها "قوات سوريا الديمقراطية"، ناهيك عن تزايد مؤشرات الانسحاب التدريجي للقوات العسكرية الأمريكية من شمال شرق سورية، إضافة إلى توجه أغلب الدول الأخرى الداعمة لـ"قسد" نحو الحكومة الجديدة، ما أنذر بتراجع الدعم السياسي، وربما تحوّله إلى ضغط في سياق المسار التفاوضي مع الحكومة.

وقد تجلّت أُولى نتائج هذه المراجعة، في الاتفاق المبدئي الذي وُقِّع بين الرئيس أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي في آذار/مارس 2025، والذي تضمّن خطوطاً عامة لدمج مؤسسات "الإدارة الذاتية"، المدنية والعسكرية، ضمن بُنية الدولة السورية، وذلك لتجنب مواجهة عسكرية محتملة، وحماية الحد الأدنى من مكتسبات "الإدارة الذاتية" خلال العقد الماضي([2]).

في سياق مُتصل، انعقد "مؤتمر وحدة الموقف والصف الكردي" في 26 نيسان/أبريل 2025 كمحاولة لتجاوز الجمود السياسي السابق، وبلورة رؤية سياسية كردية موحّدة، تُقدَّم كأرضية مشتركة يمكن البناء عليها في أي مفاوضات مرتقبة مع الحكومة السورية الجديدة([3]). غير أن المعطيات تشير إلى أن انعقاد المؤتمر لم يكن حصيلة توافق كردي-كردي خالص أو نتاجاً طبيعياً لتطور السياق السياسي فحسب، بل جاء أيضاً استجابة لضغوط فرنسية وأمريكية، هدَفَت إلى دفع الأطراف الكردية نحو صياغة موقف تفاوضي موحّد. وهنا، يبرز السؤال حول مدى صمود هذا التفاهم؟ خاصة في حال تراجع الزخم الدولي أو غياب الضامن الخارجي، ما قد يكشف هشاشة هذا التنسيق، ويعيد إنتاج الخلافات البُنيوية بين مكوّناته.

وقد ضمّ المؤتمر معظم الأطراف الكردية السورية الفاعلة، من بينها حزب الاتحاد الديمقراطي/ "PYD"والمجلس الوطني الكردي/ "ENKS"، إلى جانب أحزاب كردية صغيرة، ومستقلين يتوزّعون في الغالب ضمن فضاء النفوذ السياسي لأحد الطرفين، بالإضافة إلى قيادة "قوات سوريا الديمقراطية"/"قسد" وممثلين عن رئاسة إقليم كردستان العراق وحزب "المساواة والديمقراطية"/DEM"" التركي. بالمقابل، عكس الغياب الكامل لأي تمثيل عن الحكومة السورية الجديدة أو القوى السياسية السورية غير الكردية، حدود الطابع الوطني للمؤتمر وأوحى بأنه – على الأقل في هذه المرحلة – أقرب إلى بلورة خطاب كردي سياسي أحادي، أكثر من كونه مُنتجاً لمسار وطني متكامل بين الكرد والدولة.

وضمن هذا الإطار، كانت مخرجات المؤتمر أشبه بخارطة طريق سياسية للأحزاب الكردية، إذ دعت إلى: "سورية فيدرالية، وتوحيد المناطق الكردية كوحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سورية اتحادية، الإقرار بالوجود القومي للشعب الكردي في سوريا كشعب أصيل وضمان حقوقه القومية دستورياً وفق العهود والمواثيق الدولية، بما فيها حقه في ممارسة حرة ومتساوية لحقوقه السياسية والثقافية والإدارية، والاعتراف الدستوري باللغة الكردية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في البلاد، وضمان التعليم والتعلُّم بها"([4]).

إن الرؤية السياسية التي نتجت عن المؤتمر، ورغم سقفها المرتفع، أكدت أن مطالبها تندرج ضمن تصوّر لدولة سورية موحدة ذات نظام لا مركزي يضمن حقوق كافة مكوناتها. كما أوضح مظلوم عبدي في كلمته الافتتاحية أن "المؤتمر لا يهدف للانفصال، بل لتعزيز وحدة سورية، وأن ضمان حقوق الكرد يتطلب دستوراً لامركزياً"، ما عكس محاولة استباقية لطمأنة دمشق وتهدئة مخاوف بقية المكوّنات السورية.

إلا أن المؤتمر ومخرجاته أثارت حفيظة الحكومة في دمشق وأطراف سورية أخرى، حيث اعتبر بيان صادر عن رئاسة الجمهورية "أن المطالبة بالفيدرالية أو الإدارة الذاتية قد تفرض واقعاً تقسيمياً"، وبالتالي يبدو أن الحكومة والقوى السورية –خارج الإطار الكردي– قرأت مخرجات المؤتمر بوصفها محاولة لفرض واقع تفاوضي جديد، لا يعكس بالضرورة توافقاً وطنياً، بقدر ما يستَثمِر في لحظة هشاشة الدولة المركزية وتراجع حضورها الميداني والمؤسسي في شمال شرقي سورية. ففي ظل انشغال الحكومة بمحاولة إعادة بناء شرعية الدولة وبسط السيطرة على الجغرافية السورية المتشظية ومحاولات التعافي الاقتصادي؛ يُنظر إلى طرح رؤية سياسية متكاملة من الأحزاب الكردية –دون شراكة وطنية حقيقية– كتحرك أحادي، يُراد من خلاله ترسيخ معادلة سياسية تفاوضية مُسبَقة، تُفرَض لاحقاً كمرجعية أمر واقع للحوار مع دمشق.

حلّ العمال الكردستاني (من عبور الحدود إلى التمركز السياسي المحلي)

شكّل إعلان حزب العمال الكردستاني/"PKK" في أيار/مايو 2025 عن حلّ نفسه رسمياً وإنهاء العمل المسلّح، نقطة تحوّل استراتيجية في مسار القضية الكردية إقليمياً، وحدثاً مفصلياً يُعيد رسم طبيعة العلاقة بين الكرد والدول التي ينتشرون فيها، وفي مقدمتها تركيا وسورية([5]). هذا الإعلان، الذي جاء في ختام المؤتمر الثاني عشر للحزب، يبدو أنه عكس إدراكاً بتآكل مشروعية العمل المسلح في ظل متغيرات المنطقة، وتنامي الضغوط الإقليمية والدولية، واستنفاد النموذج القائم على المواجهة العسكرية العابرة للحدود.

لا يمكن فهم هذا التحوّل أو تقييمه بمنأى عما يجري داخل الساحة الكردية في سورية، فارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي/"PYD " العضوي والتاريخي بمنظومة حزب العمال الكردستاني/"PKK"، جعله في موقع المستفيد – تنظيمياً وسياسياً – من قرار إنهاء العمل المسلح، خاصة وأن هذا القرار أزاح عن كاهله أحد أكثر العوائق التي كانت تحدّ من تمدده السياسي داخلياً، وتعيق اعترافاً سورياً وإقليمياً به كممثل شرعي للمكوّن الكردي. هذا التحوّل لا يعيد فقط ترتيب أولويات الفاعلين الكرد، بل يفرض أيضاً ضرورة إعادة هندسة العلاقة بين الكرد والدولة السورية على أسس جديدة.

فعلى المستوى السياسي، يمثل قرار حلّ "PKK" انسحاباً تدريجياً من المشهد الإقليمي، لمصلحة تمكين الفروع المحلية والأحزاب ذات الطابع الوطني. لكن، هذا التحول يظل مشروطاً بقدرة الأحزاب الكردية على إنتاج خطاب سياسي جديد يتجاوز الإرث الإيديولوجي- التنظيمي العابر للحدود. ومع تراجع التأثير المباشر لـ "PKK"، يُتوقَع أن تتغير المعادلات السياسية داخل الساحة الكردية نفسها، وقد يُسهم ذلك في تهيئة مناخ سياسي أكثر نضجاً وبعداً عن الاصطفافات الإقليمية السابقة.

إضافة إلى ذلك، فإن قرار حلّ "PKK" يُعد بادرة سياسية مهمة تضعف من سرديات "الانفصال"، التي طالما ارتبطت بالأحزاب الكردية في سورية، وهو ما قد يُهيئ للمضي قدماً في إتمام مسار المفاوضات بين "قسد" والحكومة السورية. ومع ذلك، يظل التساؤل مشروعاً؛ بداية حول جديّة فك الارتباط عن منظومة "PKK" والترجمة العملية له على الأرض (عسكرياً، تنظيمياً، آيديولوجياً، اقتصادياً). ثم يبرز سؤال مهم، حول ما إذا كان"PYD" يمتلك بالفعل القدرة على إدارة الملف الكردي في سورية بمفرده؟ بعد عقود من الارتباط البُنيوي بالـ "PKK"، والذي لم يكن مُجرَد امتداد محلي اسمي للمرجعية الفكرية الأم، بل مظلة تنظيمية عابرة للحدود، وشبكات أمنية وعسكرية واقتصادية، وإدارة تمويل وعلاقات دولية وخبرات لوجستية وتنظيمية، عزّزَت من حضوره السياسي والعسكري.

رغم ما قد يتيحه الانفكاك عن "PKK" من فرص لتحسين التموضع السياسي لـ "PYD" داخلياً وإقليمياً، إلا أنه ليس بالضرورة أن يكون تحولاً إيجابياً بالمطلق، بل قد يكشف عن مواطن ضعف تنظيمية أو تحديات بُنيوية تتطلب مراجعة شاملة لطبيعة البُنية القيادية والإدارية داخل الحزب، والقدرة على تطوير نموذج سياسي مستقل فعلاً، قادر على الاستجابة لمتغيرات البيئة السورية والإقليمية، دون الاتكال على مرجعيات خارجية أو فقدان الدعم الذي شكّل لسنوات أحد مصادر بقائه ونفوذه.

أما من الناحية الأمنية، فقد ظلّ التحدي الأبرز متمثلاً في الربط العضوي بين وحدات حماية الشعب (YPG) وقيادة قوات سوريا الديمقراطية وبين منظومة PKK""، خاصة في أعين تركيا. إعلان الحلّ من قبل الحزب الأم قد يفتح الباب لإعادة تعريف "قسد" كقوة دفاع محلية مستقلة، قابلة للدمج التدريجي في بُنية الجيش السوري والقيام بأدوار وطنية تتجاوز البعد القومي.

كما يشكل حلّ PKK أيضاً خطوة تهدئة محتملة مع أنقرة في الساحة السورية، ما قد يُستخدم لبناء تفاهمات أمنية جديدة بين أنقرة ودمشق، تُخفّف الضغط عن الأخيرة وتمنحها هامشاً تفاوضياً أوسع مع "قسد". إلا أن فعالية هذا المسار تظل مرهونة بإجراءات ملموسة من قبل "قسد"، مثل إيقاف التجنيد القسري، وضبط الخطاب الإيديولوجي، والانخراط الإيجابي مع لجان التفاوض التابعة للحكومة السورية، وكذلك ضبط الحدود ومنع النشاطات العابرة لها.

في الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل المخاوف من احتمال إعادة إنتاج نموذج السيطرة السابقة من قبل ""PYD، مدفوعاً بتراجع الدعم الدولي وتضاؤل البدائل، مما قد يؤدي إلى توترات جديدة، سواء مع دمشق أو مع مكوّنات محلية في شمال شرق سورية، خصوصاً إذا استُخدم خطاب مؤتمر القامشلي كأداة لفرض ترتيبات سياسية أحادية.

وعليه، يمثل قرار حلّ حزب العمال الكردستاني فرصة استراتيجية لإعادة تعريف المشروع السياسي الكردي ضمن الإطار الوطني السوري، لكنها أيضاً لحظة اختبار حرج. فإما أن تُستثمر لإعادة دمج الكرد في الحقل الوطني عبر تسوية تفاوضية متوازنة تنهي الطابع الأمني للملف الكردي وتُفضي إلى حالة من الاستقرار السياسي، أو أن تُستخدم لإعادة إنتاج الشروط القديمة بأدوات جديدة، مما يفتح الباب مجدداً أمام انغلاق سياسي وصدام محتمل مع المركز ومع المكونات الأخرى، ويعيد الأزمة إلى نقطة البداية.

نحو تسوية وطنية مستدامة

تمثل القضية الكردية في سورية إحدى أكثر الملفات حساسية وتشابكاً، ليس فقط بحكم تعقيداتها الداخلية، وإنما أيضاً بسبب تداخلها مع الحسابات الإقليمية والدولية، والإشكالات التاريخية المتعلقة بمفهوم الهوية الوطنية السورية. وعبر العقود الماضية، فشلت أنظمة الحكم المُتعاقبة في تقديم مقاربة وطنية شاملة تنظر إلى الكرد بوصفهم شريكاً في الدولة السورية، له حقوق في التمثيل والإدارة، ما دفع قطاعاً واسعاً من الفاعلين الكرد إلى التموضع خارج الهياكل المركزية، والانخراط في أنماط حكم موازية فُرِضت ضمن ظروف الحرب والفراغ السياسي.

اليوم، ومع التحوّل في بُنية النظام السياسي السوري إثر سقوط الأسد، وما يرافقه من مخاض انتقالي وبوادر تشكل نظام إقليمي جديد؛ تُفتح نافذة تاريخية لإعادة تعريف العلاقة بين الكرد والدولة الجديدة، وبين الأخيرة وجميع مكوِّناتها، ليس على قاعدة الاخضاع أو الإدماج القسريّ ومحو الهوية، وإنما من خلال مقاربة وطنية تأسيسية تُعيد إنتاج هذه العلاقة في إطار "تعاقد سياسي-اجتماعي جديد"، يراعي مبدأ التنوّع والاعتراف، ويعيد إنتاج الدولة باعتبارها ملكية مشتركة بين كافة مكوِّناتها.

شكّل تزامن "مؤتمر القامشلي" مع إعلان حزب العمال الكردستاني PKK"" حلّ نفسه، نقطة تحوّل استراتيجية عميقة في المسألة الكردية السورية، وهو تطور له تداعياته الجوهرية على صعيد السياسة الداخلية السورية والإقليمية. إن إنهاء العمل المُسلّح من قبل حزب العمال الكردستاني، الذي كان يشكّل الرافعة الأساسية السياسية والعسكرية للإدارة الذاتية وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD""، يضع الحركة السياسية الكردية في سورية أمام اختبار جدي لإعادة إنتاج ذاتها وتحديد موقعها ضمن إطار وطني واضح، بعيداً عن الرهانات العابرة للحدود والتأثيرات الإقليمية.

هذا التحوّل يتطلب من القوى السياسية الكردية السورية، وعلى رأسها حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD"، الانتقال من مرحلة الهيمنة الميدانية والإدارة الذاتية المنفصلة، إلى مرحلة المشاركة الفاعلة في بناء مؤسسات وطنية دستورية شاملة. كما يتطلب إعادة النظر في طبيعة العلاقة مع الحكومة السورية الجديدة والقوى الوطنية الأخرى، بعيداً عن تجارب فرض الأمر الواقع، واستناداً إلى تسوية وتفاهمات تعزز التكامل الوطني وتقلّل من التوترات السياسية والاجتماعية القائمة.

من جانب آخر، تفرض هذه اللحظة التاريخية على الحكومة السورية مسؤوليات كبيرة، تتمثل في الاعتراف بالحقوق الثقافية والقومية للكرد، وغيرهم من المكّونات السورية، كجزء أصيل ولا يتجزأ من الهوية الوطنية السورية، وفتح نقاشات جديّة حول الترجمة السياسية والقانونية لذلك عملياً. إضافة إلى إعادة دمج الكرد ومناطق شمال شرق في مؤسسات الدولة السورية. بالمقابل، تستدعي هذه اللحظة من جميع الأطراف، إعادة النظر بمسؤولية في الإطار الإداري-القانوني للدولة، وفق صيغ تنطلق من مركز قوي وليس ضعيف، بشكل يضمن لامركزية- إدارية حقيقية وتمثيل سياسي فعَّال، يعزّز المشاركة والتنمية والاستقرار، ويجنِّب التوترات والنزاعات.

ختاماً، إن نجاح هذا التحوّل الاستراتيجي يعتمد بشكل كبير على قدرة الجميع على تبني مقاربة وطنية مسؤولة، تساهم في بناء عقد اجتماعي جديد يضمن المساواة لكافة السوريين، ويؤسس لدولة سورية مستقرة ومتنوّعة، تحترم هويات مكوّناتها، وتمنع عودة الصراعات.


 

([1]) حزب العمال الكردستاني بتركيا يعلن حل نفسه وإلقاء السلاح، الجزيرة، 12.05.2025، متوافر على الرابط: https://2u.pw/RLA5x

([2]) الجزيرة نت، نص الاتفاق بين الدولة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، 10.03.2025، متوافر على الرابط: https://2u.pw/PMPNh

([3]) تلفزيون سوري، مؤتمر "وحدة الصف والموقف الكُردي" يعلن رؤيته السياسية في سوريا، 26.04.2025، متوافر على الرابط: https://2u.pw/tvgak  

([4])  نورث بريس، ما هي بنود الوثيقة السياسية لـ "كونفرانس وحدة الموقف الكردي" في سوريا؟، 26.04.2025، متوافر على الرابط: https://2u.pw/7FL4w

([5]) حزب العمال الكردستاني بتركيا يعلن حل نفسه وإلقاء السلاح، الجزيرة، 12.05.2025، متوافر على الرابط: https://2u.pw/RLA5x