مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - Displaying items by tag: منبج

الملخص التنفيذي

  • مع تراجع سُلطة الدولة المركزية لصالح صعود تشكيلات دون دولتية، منها ذات طابع قومي وديني؛ برزت نماذج مختلفة من أنماط الحكم المحلي في الجغرافية السورية، والتي تأثرت بالخارطة العسكرية المُتغيّرة، ما أدى إلى نهاية بعض النماذج وانحسار أخرى مقابل استقرار نسبي وحذر لبعضها الآخر.
  • قدمت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" نفسها، بوصفها نموذجاً منافساً لباقي النماذج الإدارية التي فرضها الواقع العسكري، وعلى الرغم من مرور سبعة أعوام على الإعلان الفعلي للإدارة الذاتية بسُلطاتها ومؤسساتها المختلفة؛ إلا أن مستوى وطبيعة الحوكمة في هذا النموذج الإداري لا تزال إشكاليّة ومحط تساؤلات عدة.
  • تنطلق الدراسة للبحث في هذا النموذج الإداري من مدخل السُلطة القضائية، وذلك لما تعكسه دراسة القضاء من مؤشرات مهمة عدة، لا تنحصر فقط على مستوى المحاكم والنشاط القانوني لها، وإنما تمتد إلى المستويات السياسية والإدارية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
  • حددت الدراسة عينتها بمؤسسات الجهاز القضائي ومنهجها بالوصفي التحليلي بما فيه دراسة الحالة، واعتمدت على مصادر بيانات عدة، على رأسها المقابلات المُعمّقة مع العديد من القضاة والمحامين القائمين على رأس عملهم، إضافة إلى عدد من الإداريين في مؤسسات القضاء وغيرهم من العاملين في مؤسسات السُلطة التنفيذية، مقابل بعض المنظمات الحقوقية العاملة في المنطقة، ومقابلات متفرقة فرضتها خصوصية كل منطقة.
  • طرحت الدراسة مجموعة تساؤلات، حول بُنية القضاء وهيكلية مؤسساته واختصاصاتها وآليات عملها، إضافة إلى المرجعيات القانونية التي تستند إليها، مقابل طبيعة التوزع العلمي والديموغرافي للقضاة القائمين على عمل هذا الجهاز، ومستوى فاعليته واستقلاليته وعلاقته مع باقي السلطات في الإدارة، خاصة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وطبيعة القضاء العسكري القائم، مقابل العلاقة بين ملف القضاء وحزب العمال الكردستاني في المنطقة.
  • ضمن المُتغيرات محلّ البحث، تطرّقت الدراسة إلى طبيعة التعاطي القضائي والقانوني مع ملف "الإرهاب"، تحديداً معتقلي تنظيم الدولة السابقين، خاصة مع إنشاء الإدارة الذاتية محاكم استثنائية خاصة بـ"الإرهاب" (محكمة الدفاع عن الشعب)، وفي هذا السياق رُصِدَت مستويات عدة للتعامل مع هذا الملف خارج نطاق المحاكم والقانون.
  • فَرَدَت الدراسة سبعة فصول للبحث في طبيعة الجهاز القضائي بمختلف مؤسساته ودرجاته، انطلق الفصل الأول من فلسفة النشأة والنظريات التي استندت إليها الإدارة الذاتية وتبنتها في نموذجها الإداري بما فيه الجهاز القضائي، في حين توزعت خمسة فصول على دراسات حالة مُعمّقة لخمسة مناطق أعلنتها الإدارة الذاتية كـ "أقاليم" ضمن سُلطتها، وهي: (الحسكة، الرقة، دير الزور، منبج، عين العرب/كوباني).
  • فُرِدَ الفصل السابع لما توصلت إليه الدراسة من نتائج وخُلاصات، والتي انقسمت بدورها إلى مستويين، الأول: على مستوى الجهاز القضائي، ببنتيه ومرجعيته وفاعليته وكفاءته مقابل الاستقلالية والحياد. في حين مثّلت النتائج في المستوى الثاني: تحليلاً شاملاً لبيانات دراسات الحالة واستخلاص نتائج منها على مستوى النموذج الإداري ككل، سواء شكل اللامركزية المتبع، ومستوى العلاقات المدنية-العسكرية، وأثر القضاء على السلم الأهلي والأمن المجتمعي، مقابل آليات إدارة ملف "الإرهاب" وانعكاساتها، وطبيعة العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني وأثرها على المنطقة.

للمزيد حول الإصدار انقر هنا

التصنيف الكتب

مُلخّصٌ تنفيذيّ

استوجب تدخل التحالف الدولي بقيادة واشنطن في سورية نهاية العام 2014، وتشكيله لقوات سوريا الديمقراطية، إحداث تغييرات في طبيعة " وحدات حماية الشعب " عماد قوات " قسد "، كان أولها الإعلان تشكيل أفواج عسكرية منذ بداية 2017، حيث توجهت الولايات المتحدة لتشكيل قوة عسكرية أكثر انتظاما عسكرياً، تتوافق مع متطلبات التحالف الدولي في محاربة " تنظيم الدولة"، وتلتزم بسياسة واشنطن.

يمكن إعادة التحول في هيكلية " قسد "إلى عدم استقرار مشروع الإدارة الذاتية وذلك لثلاثة أسباب رئيسية؛ أولها؛ عدم انجاز أتفاق حقيقي مع النظام يعترف بموجبه بسيطرة "الإدارة" على شمال شرق سورية؛ وثانيها؛ استمرار التهديد التركي لمشروعها قبل وبعد عملية "غصن الزيتون"؛ والثالث؛ استمرار الغموض فيما يخص بقاء أو رحيل واشنطن من شرق الفرات.

وصل عدد المجالس العسكرية من قبل " قسد " إلى 15 مجلساً عسكرياً، وهو الرقم الذي أعلنته "قيادة قسد" كهدفٍ لها، ويشمل العدد "15" مجالس منبج ودير الزور التي تم تشكيلها عام 2016 بالإضافة لمجلس استثنائي يضم الفصائل المسيحية المنضمة "لقسد"، ويمكن وضع جملة من الأهداف لإعادة الهيكلة  عبر تشكيل المجالس العسكرية وتقسيمها إلى: أهداف أمنية اقليمية كتخفيف سيطرة “وحدات حماية الشعب YPGعلى قوات سوريا الديمقراطية"؛ وأهداف أمنية محلية كإنهاء حالة الفصائلية والمجموعاتية ضمن قسد؛ وتقوية العناصر العربية في مناطقها الأصلية. وأهداف سياسية كالتهيئة للدخول في أي مفاوضات سياسية من موقعٍ أقوى، بالإضافة لأهداف معلنة من قبل قسد تتمثل بتوحيد القرارات الأمنية والعسكرية تحت سقف واحد لتعزيز آلية اتخاذ القرارات.

حدثت عملية تشكيل المجالس العسكرية ضمن "خارطة طريق أمريكية" أوصلت طرفي الحدود " السوري والتركي" بوساطتها إلى اتفاق "الممر الآمن" أو المنطقة الآمنة، وإن كان الموقف التركي من "الإدارة الذاتية وقسد" أهم عقبة في تمكين مشروعها، إلا أنهما يواجهان مجموعة من العقبات الذاتية الداخلية المتعلقة بهيكليتها وتوجهها ومدى القبول الشعبي لها، بالأخص في المناطق العربية الممتدة على حوض الفرات التي شهدت حدوث مظاهرات وتحركات شعبية كثيرة ضد " قسد".

تبقى الأسئلة معلقة حول الصيغة النهائية لعملية تشكيل المجالس العسكرية، وما إذا كانت ستتمتع المجالس بقيادة شخصية، أم بمجلس عسكري أعلى، ويكتنف الغموض مستقبل " وحدات حماية الشعب" فيما إذا كانت ستبقي على كيانها العسكري المستقل، بالتوازي مع كيان " قسد " أم سنشهد عملية انتقال لدوائر صنع القرار من " YPG" إلى المجالس المشكلة حديثاً وقيادتها، وترتبط عملية إعادة الهيكلة ارتباطاً وثيقاً بسيناريوهات التوافقات الأمريكية التركية فيما يخص شمال شرق سورية.

تمهيد

 مرت " وحدات حماية الشعب" خلال الأعوام الممتدة من تموز 2012 حتى آذار 2019 بعدة انعطافات على المستوى البنيوي، أهمها ما حدث بعد معركة عين العرب/ كوباني كانون الأول 2014 وبدء العلاقة المباشرة بين الوحدات والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة والتي دفعت باتجاه تشكيل "قوات سوريا الديمقراطية" في تشرين الأول 2015([1]).  وبالتزامن مع زيادة الدعم المقدم من قبل التحالف الدولي وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية لـ “قسد"، اتجهت الإدارة الذاتية نحو الإعلان عن تشكيل أفواجٍ عسكرية منذ بداية العام 2017، تماهياً مع توجه أمريكي لجعل القوى العسكرية في شمال سورية أقرب لصيغة جيش نظامي، والتجهيز لبقاء نوعي في المنطقة([2]). وبتاريخ 08/02/2017 توجهت وحدات حماية الشعب لإعلان نيتها تشكيل أفواج عسكرية. وتركزت تصريحات المسؤولين في "الإدارة الذاتية وحركة المجتمع الديمقراطي ووحدات حماية الشعب" حول الخطة المعلنة بتشكيل نظام التراتبية العسكرية النظامية([3])، وفي مطلع هذا العام 2019، وضمن هذه التحولات البنيوية أتى تشكيل المجالس العسكرية في "قسد" كامتداد للتوجه الأمريكي وحركيته. ووفقاً لذلك تحاول هذا الورقة رصد السياق العام لتشكيل عدد من المجالس العسكرية ومبرراتها في ضوء التطورات التي تشهدها منطقة شرق الفرات وما تفرضه من سيناريوهات مفتوحة.

مدلولات تغيير الهيكلية العسكرية لـ “قسد"

بدأت "قسد" كتحالف لمجموعة قوات عسكرية عمودها وحدات حماية الشعب، وأغلقت باب الانضمام للفصائل ضمنها، كما قامت بتحجيم العديد من القوات الرئيسية ضمن التحالف أو خارجه كجيش الصناديد، وقوات النخبة، والقوات المسيحية ولواء ثوار الرقة([4]). بالتوازي مع عملية تحجيم الفصائل المؤسسة "لقسد"، يمكن تتبع محاولات للتوجه لتشكيل ألوية منذ 26/03/2018 عبر تشكيل " لواء حماية قامشلو" في 17/02/2018([5])، و"لواء الرقة الأول"([6])، "ولواء ثوار إدلب" في 02/06/2018 والمتشكل من بقايا عناصر" أحرار الزاوية، "وجيش الثوار([7])، ولواء تحرير إدلب وعفرين" بتاريخ 07/06/2018([8])، ولواء الرقة الثاني" في 08/10/2018([9]).

شابت عملية تشكيل الألوية غموضاً فقد تم الإعلان عن بعضها، على شكل ألوية تكون أرضية لقوة عسكرية مستدامة، كما هي الحالة مع "لواء حماية قامشلو"، الذي تضمن إعلانه ميَزاتٍ للمنضمين له كالتسريح من الخدمة العسكرية الإلزامية بعد قضاء مدة سنتين ضمنه، بالإضافة لتقديم راتب، وتأمين صحي له ولعائلته، مع تسهيلات فيما يخص بعدد أيام الإقامة في المعسكرات، من جهة أخرى يظهر من عملية تشكيل ألوية إدلب وعفرين محاولة في توجيه رسائل سياسية وعسكرية للجانب التركي، بالإضافة لتنظيم بقايا القوات التي انسحبت من عفرين إثر عملية " غصن الزيتون"، وليتحول التركيز مع بداية العام 2019 لعملية تشكيل مجالس عسكرية محلية، ورغم ظهور وجود " تصور عام  فيما يخص توحيد هيكلية " قسد " او إعادة هيكليتها ضمن مجالس عسكرية وألوية، إلا إن العملية لم تستقر إلى الآن، وتتواجد ضمن مناطق " سيطرة الإدارة الذاتية" عدة هياكل عسكرية تتطور بشكلٍ مستقل أو متحد، فلم يتم إنهاء عملية إعادة الدمج والهيكلة ضمن " جسم قسد" بفصائله، كما لم يتم توضيح العلاقة الحاكمة بين " قوات الدفاع الذاتي" وبين مجالس "قسد" وألويتها المشكلة حديثاً.

 ويمكن إعادة هذا التحول في الهيكلية وعدم استقرار في البنية العسكرية للإدارة الذاتية إلى الآن لثلاثة أسباب رئيسية: (1) عدم بلورة أي اتفاق مع النظام يعترف بموجبه الأخير بموجبه بسيطرة "قسد" على شمال شرق سورية؛ (2) استمرار التهديد التركي لمشروع الإدارة الذاتية قبل وبعد عملية "غصن الزيتون"؛ (3) استمرار الغموض فيما يخص بقاء أو رحيل واشنطن من شرق الفرات.

ألقت هذه الأسباب بظلالها على عمل مؤسسات الإدارة الذاتية السياسية والعسكرية، فشهدت تغييرات إدارية وعسكرية عدة، منها محاولة التوجه لإعلان الفدرالية والتوقف لاحقاً، وتشكيل مقاطعات متعددة وتم إيقاف المشروع أيضاً، كما حدث تغييرات في الهيئة التنفيذية لشمال شرق سورية، والمقاطعات فيما يخص عدد هيئاتها /وزاراتها. وبتاريخ 17/02/2019 تم إعلان التوجه نحو تغيير الهيكلية العسكرية ضمن اجتماع لـ “قسد" ضم قيادات المناطق والمجالس والمؤسسات العسكرية؛ تم تحديد استراتيجية "القوات" للمرحلة المستقبلية بالآتي: (([10]))

  • القضاء على الخلايا السرية، والنائمة "لتنظيم الدولة" من خلال حملات عسكرية وأمنية دقيقة.
  • مناقشة موقف تركيا من الإدارة، وقوات سوريا الديمقراطية والتأكيد على الانفتاح على الحوار.
  • الإعلان عن قرب عملية إعادة الهيكلة لـ "قسد([11])".

في حزيران 2019؛ بدأت "قسد" بتنفيذ الجزء الخاص بإعادة هيكليتيها من الاستراتيجية المعلنة بداية 2019 من خلال الاعلان عن تشكيل مجالس عسكرية مناطقية، وكانت "قسد" قد شكلت عام 2016 مجلس "مدينة الباب وهو مجلس مُفعل بشكل جزئي، ومجلس جرابلس العسكري وهو غير مفعل"، إلى جانب "مجلس منبج، ودير الزور العسكري “وهي مجالس مفعلة وشاركت بمعظم معارك "قسد" ضد تنظيم الدولة، ليصل تعدادها لـ 15 مع استثناء مجالس الباب، وجرابلس، وإدلب. كما لم يتم توضيح طبيعة بعض المجالس إلى الآن كونها أعلنت على شكل "قطاعات عسكرية" كمجلس قطاع الهول، ورأس العين، ويبقى العدد النهائي وتحديده مرتبط بخطط "قسد" وتطور الأحداث ونجاح العملية في ضوء الاتفاق الأمريكي التركي حول إنشاء المنطقة الآمنة شمال شرق سورية، أما الهدف المعلن وفق قيادة "قسد" فيتمثل بالوصول حالياً إلى تشكيل 15 مجلس، ولمعرفة المجالس المشكلة للآن انظر الخريطة أدناه.

 

في ذات السياق؛ تأتي خطة تشكيل المجالس العسكرية للمناطق والمدن ضمن أحد خطوات التحالف الدولي لتشكيل "جيش لحماية الحدود" مع تركيا والعراق، وهي الخطة التي تم الإعلان عنها في 14/01/2018 ([12])،  إلا أن تأخر السير في العملية ارتبط مع  تأخر سيطرة "قسد" على مدينة الرقة ودير الزور، واكتفت " قسد " آنذاك بتشكيل الأفواج العسكرية تجهيزاً لخطوة الإعلان عن المجالس، وهذا ما يمكن استنتاجه من عدد الأفواج التي شكلتها "قسد" والإدارة الذاتية وتواريخ إعلانها، ففي حين كان عدد الأفواج المعلنة خلال 2017 قد وصل لـ 16 فوجاً، ارتفع هذا العدد من بداية 2018 إلى النصف الثاني من عام 2019 ليصل إلى ما يقارب 76 فوجاً عسكرياً، تم توزيعهم على المجالس العسكرية المشكلة حديثاً، ويضم كل فوج وفق تقارير الإدارة الذاتية ما يقارب 250 مقاتل، أي بمجموع 19000 ألف مقاتل ([13])، وللوقوف على المجالس تاريخ إعلان المجالس العسكرية وقادتها، انظر الجدول أدناه.

المجلس العسكري

التاريخ

القائد

منبج

03/04/2016

محمد أبو عادل

دير الزور

08/12/2016

أحمد الخبيل /أبو خولة، اختير أميراً لعشيرة البكير

تل أبيض

14/06/2019

رياض خميس الخلف

كوباني/ عين العرب

16/06/2019

عصمت شيخ حسن

الطبقة

18/06/2019

محمد الرؤوف

القامشلي

19/06/2019

بلنك قامشلو، اسم حركي

قطاع الهول

19/06/2019

-----

الرقة

20/06/2019

فرحان العسكري

ديريك/ المالكية

06/2019

-----

مجلس منطقة رأس العين

27/06/2019

عماد منو

الحسكة

03/07/2019

حسين سلمو

عامودا

04/07/2019

آمد عامودا، اسم حركي

الشدادي

06/2019

حجي أبو صالح

الهجين

لم يتم الاعلان عنه

تمت الاشارة خلال بمناسبات عسكرية

مجالس استثنائية

الخابور، الحسكة السرياني الآشوري

06/07/2019

حزب "الاتحاد السرياني"(([14]))

مجالس غير مفعلة

الباب العسكري

14/08/2016

جمال ابو جمعة، مفعل بشكل جزئي

جرابلس العسكري

22/08/2016

تم اغتيال قائده فور تشكيله وتوقف

إدلب العسكري

21/10/2017

لا يمتلك أي وجو سوى بيان منفرد

الدوافع السياسية والأمنية وراء التسارع لتشكيل المجالس  

ساهمت استمرارية سيولة المشهد العسكري مع تغير مواقف الدول المتدخلة في الشأن السوري، في عملية تأطير سياسات الفواعل المحلية وأهدافها في المشهد العسكري العام، وأدت إلى انعدام الاستقرار والثبات ضمن بنى العديد من القوى المحلية، ومن ضمن هذه السياسات تظهر عملية تشكيل المجالس العسكرية وفق الخطة المعلنة في 14/01/2018 من طرف الولايات المتحدة فيما يخص تشكيل جيش لحماية الحدود مع تغير في الشكل؛ فالظاهر إن الضغوط التركية أدت إلى إنهاء خطة إعلان جيشٍ بالصيغة المعلنة ليتحول إلى صيغة مجالس عسكرية تقوم بمهام أمنية مناطقية، ويمكن وضع جملة من الأهداف لتشكيل المجالس العسكرية وتقسيمها إلى([15]):

أولاً: أهداف أمنية اقليمية

تتمثل في تخفيف سيطرة “وحدات حماية الشعب YPGعلى قوات سوريا الديمقراطية"؛ والكشف على طبيعة هوية العناصر العسكرية في المنطقة الحدودية؛ بالإضافة إلى بلورة القيادة الفعلية لقوات "قسد"، وإنهاء الحالة الضبابية في هذا الخصوص وتجهيز الأرضية لضم عناصر من " البيشمركة " أو عناصر من فصائل المنطقة المتواجدة في تركيا.

ثانياً: أهداف أمنية محلية

تتمثل في إنهاء حالة الفصائلية ضمن قسد؛ وتثبيت العناصر المقاتلة في مناطقها الاصلية؛ وتقوية العناصر العربية في مناطقها الأصلية؛ إضافة إلى تغيير بنية " قسد " لتكون متوافقة مع انضمام عناصر جديدة، وضبط عملية انضمام العناصر المحلية لـ قسد، خصوصاً من الناحية الأمنية.

ثالثاً: أهداف سياسية

 كالتهيئة للدخول في أي مفاوضات سياسية من "موقعٍ أقوى"، والتوافق البنيوي مع أطروحات اللامركزية المحلية التي تزداد وتيرة الحديث عنها كمدخل للحل في سورية. المتوقع لسورية والمتمثل بلامركزية محلية.

رابعاً: أهداف معلنة من قبل قسد

ويمكن اختصارها في توحيد القرارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار واحد لتعزيز آلية اتخاذ القرارات، وإشراك القياديين المحليين في آليات اتخاذ القرارات، وتقوية العمل المؤسساتي والواقع التنظيمي العسكري ضمن " قسد "، إضافة إلى حماية الحدود والمناطق الأهلية.

تسارعت عملية تشكيل المجالس العسكرية من قبل " قوات سوريا الديمقراطية" خلال شهري تموز وآب، ليصل تعدادها إلى 12 مجلس عسكري مقسم وفق المناطق والمدن، بالإضافة إلى 4 مجالس مشكلة خلال العام 2016، وترافقت السرعة التي تم بها إنشاء المجالس العسكرية مع الزيارات المكوكية لمسؤولين رفيعي المستوى من الجيش الأمريكي والتحالف الدولي سواءً إلى شرق الفرات أو إلى تركيا، للعب دور الوسيط بين الطرفين وللوصول إلى صيغة توافق حول المنطقة الآمنة المصرح بها من قبل الرئيس الأمريكي، وتنوعت الوفود القادمة إلى شرق الفرات خصوصاً إلى ثلاثة أنواع:

  1. وفود دولية أمنية: وتتعلق زياراتها بالوقوف بشكلٍ مباشر على أوضاع عدد من مواطنيهم المنتمين لتنظيم الدولة، وركزت هذه الوفود على كيفية إعادة أطفال تلك العوائل بشكلٍ خاص.
  2. وفود دولية للتواصل المباشر مع الإدارة الذاتية فيما يخص كيفية تمكين المجتمعات المحلية وتحقيق الاستقرار وتنمية البنية التحتية وما يتعلق بها من مسارات.
  3. وفود سياسية دبلوماسية، وهذه تتمثل بشكلٍ أساسي بزيارات وفود الولايات المتحدة الأمريكية والفرنسية، والسعودية والتي تكون عادةً بشخصية وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان بزيارته لمجلس دير الزور المدني في 13 حزيران الماضي([16])، ولاحقاً لمجالس الرقة ومنبج المدنية، وأتت زيارة السبهان بشكلٍ خاص في اتجاه طمأنة المجالس المدنية العربية، وتقديم الوعود لها بفتح المجال أمامها وامام وجهاء العشائر للعودة لممارسة دورهم السياسي والاجتماعي بعد زوال تنظيم الدولة([17])، خصوصاً بعد ما شهدته مناطق سيطرة " قسد " في محافظة دير الزور عسكرياً ومدنياً من عدة مظاهرات ضد إدارة "قسد " للمنطقة.

من جهة أخرى؛ ساهم اتفاق الممر الآمن في زيادة وتيرة التسارع باتجاه هذا التشكيل([18]حيث تكللت الزيارات المتواترة من قبل ممثلي واشنطن والتحالف بين الطرفين بالوصول إلى اتفاق إنشاء "الممر الآمن" في شمال شرق سورية بين أنقرة وواشنطن في 07/07/2019، شملت عدة بنود دفعت " قسد" باتجاه تسريع إعادة الهيكلة وتنظيمها([19]).

المجالس العسكرية كخطوة في خارطة حل أمريكي

يأتي اتفاق تشكيل المجالس العسكرية ضمن خارطة طريق أمريكية أوصلت طرفي الحدود " السوري والتركي" بوساطتها إلى اتفاق "الممر الآمن" أو المنطقة الآمنة وهو نتيجة عمل الولايات المتحدة على عدة اصعدة دبلوماسية دولية واقليمية ومحلية في محاولة للوصول إلى صيغة حل، وجاءت هذه المحاولات عُقب تغريدة "ترامب" حول اعطائه القرار بسحب قوات بلاده من شرق الفرات وسورية بعد هزيمة تنظيم الدولة، فعلى الصعيد الدولي عملت واشنطن من خلال ثلاثة مسارات رئيسية:

تمثل الأول في محاولات كسب الحلفاء الأوروبيين ضمن القوات المتبقية في سورية، ويبدو أن واشنطن حصلت على تأكيد من فرنسا والمملكة المتحدة إلى جانب محاولات بعض الدول لتجنب إرسال قوات برية والبحث عن طرقٍ أخرى لدعم مهام التحالف مثل "هولندا".

يتمثل المسار الثاني في الاستمرار بخنق النظام السوري اقتصادياً من طرف المجتمع الدولي، عبر منعه من إقناع الأطراف الدولية بالدخول لعملية إعادة الأعمار، وإدامة الحصار الاقتصادي عليه. أما الثالث فهو تحذير الدول الأوروبية من عدم استعادة مواطنيها الذين قاتلوا مع تنظيم الدولة.

أما على الصعيد المحلي: نشطت الولايات المتحدة على مسارين رئيسين الأول؛ هو الوصول لصيغة توافقية مع حليفتها تركيا حول مصير الإدارة الذاتية، عبر إنشاء "الممر الآمن"، ( ويمكن اعتبارها منطقة عازلة على المدى القصير والمتوسط)، والتي ترغب تركيا في الحصول على دورٍ رئيسي ومحوري، وعلى تواجدٍ فيزيائي قوي فيها عبر جنودها وقواتٍ من المعارضة السورية المتحالفة معها، على حساب إنهاء وجود وحدات حماية الشعب بدايةً على الحدود ولاحقاً من المشهد العسكري كاملاً، بينما تطالب قوات سوريا الديمقراطية بعصبها "وحدات حماية الشعب" بالمحافظة على سيطرتها الكاملة ضمن هيكلية أكثر تنظيماً مع قبولٍ لعودة النازحين إلى تركيا من مناطق سيطرتها في تل أبيض والرقة ودير الزور،

المسار الإقليمي الثاني والذي عملت عليه الولايات المتحدة هو تقوية الدورين السعودي والإماراتي في منطقة شرق الفرات في ثلاثة اتجاهات: الأول هو ضخ الأموال في مشاريع إعادة الإعمار وتقديم الخدمات لكسب ولاء العديد من الأطراف، والثاني هو لعب دور داعم العشائر السورية، والثالث تنظيم دور العشائر في مشروع مقاومة وحد النفوذ الإيراني في شرق سورية عموماً ومنطقة دير الزور خصوصا.

أما خطوات المسار المحلي، فتسير فيه الولايات المتحدة بعدة اتجاهات رئيسية: الاتجاه الأول هو تمكين السيطرة الأمنية للإدارة الذاتية عبر ضبط السجون التي تحوي المئات من عناصر تنظيم الدولة، وفي المجال الأمني أيضاً يقوم التحالف بعمليات إنزال مستمرة تستهدف خلايا التنظيم المتبقية في جنوب مدينة الحسكة وصولاً إلى دير الزور، وعسكرياً وهو الأهم فيتم عبر قيام التحالف بعملية إعادة هيكلة " قسد " عبر تشكيل مجالس عسكرية مناطقية.

أما الاتجاه الثاني محلياً فيتمثل في رفع مستوى مقبولية مشروع الإدارة الذاتية لدى المجتمعات المحلية، خصوصاً العربية منها عبر إعادة هيكلة الإدارة الذاتية وتشكيل إدارات لمناطق الرقة ودير الزور، وجاء اجتماع العشائر الذي عقدته "قسد" في عين عيسى على رأس هذه الخطوات بالإضافة لكونها رسالة للنظام وروسيا بغلق باب العودة للمنطقة عبر العشائر أمامهم، كما إن زيارات السبهان أتت لإعطاء هذه المحاولة في كسب العشائر طابعاً من الشرعية العربية المتمثلة بالمملكة السعودية، بالإضافة لأسباب الضبط المحلي ومواجهة محاولات تغلغل إيران، وفي هذه الاتجاه تبرز محاولات " قسد " في محاباة العشائر، وتمييز مناطقها في قانون الدفاع الذاتية ( العسكرية الإلزامية) الذي عدلته مؤخراً، ليبقى نافذاً على ولادات عام 1986 في منطقة الجزيرة وكوباني، ويرتفع لمواليد 1990 في مناطق أخرى خصوصاً من الرقة ودير الزور.

الاتجاه الثالث محلياً يكمن في دفع وتشجيع أطراف عدة للعمل على ملف الحوار الكُردي – الكُردي، عبر عدة وسائل أبرزها؛ محاولات بعض منظمات المجتمع المدني الكُردي لتقريب وجهات الطرفين الكُرديين، وتذليل العقبات وحصر المطالب في التشارك بالصيغة الحالية للإدارة الذاتية والعمل على تطويرها لاحقاً، والوسيلة الأخرى تكمن فيما يسمى مشروع الحوار الكُردي -الكُردي المُهندس فرنسياً، وهو عبارة عن لقاءٍ وحيد بين الطرفين الكرديين اكتنفه واكتنف التوجه الفرنسي الغموض والبطء، دون أن يفضي إلى أية نتيجة عملية([20]).

العقبات والمآلات المتوقعة

تواجه " قسد" مجموعة من العقبات المتعلقة بهيكليتها وتوجهها ومدى القبول الشعبي لها، بالأخص في المناطق العربية، الممتدة على حوض الفرات، فشهدت مدن الطبقة والرقة وريف دير الزور الشرقي مظاهرات وتحركات شعبية كثيرة ضد "قسد"، وتأتي دير الزور في مقدمة المناطق التي لم تستطع إلى الآن " قسد " ضبط الأوضاع الأمنية والعسكرية والإدارية فيها،  كتلك التي حدثت بعد فترة وجيزة من اطلاق حملة "عاصفة الجزيرة" للسيطرة على دير الزور حيث تم بتاريخ 01/10/2017، اعتقال قيادي بارز ضمن صفوف المجلس وهو " ياسر الدحلة" قائد كتيبة البكارة، وآنذاك عزا رئيس المجلس المعروف باسم "أبو خولة ابن قبيلة العكيدات" سبب الاعتقال إلى "ارتكابه مخالفات عسكرية وتجاوزات بحق المدنيين، وكان الدحلة قد قاتل في حركة أحرار الشام الإسلامية، ومن ثم قاتل في الرقة إلى جانب قوات النخبة التابعة لأحمد الجربا، وغادرها فيما بعد إلى المجلس العسكري([21]).

وواجه مجلس الدير آنذاك احتمالية الانهيار بعد انسحاب عناصر الدحلة من 10 نقاط عسكرية في ريف دير الزور الشمال الشرقي، مطالبين بالكشف عن مصير قائدهم، وتم حل المشكلة بعد إطلاق سراح الدحلة([22])، وبتاريخ 08/11/2019 عُقب هذه الحادثة استقال " قائد مجلس دير الزور العسكري (أبو خولة) من منصبه نتيجة فشل قواته في صد هجوم شرس لتنظيم الدولة أواخر الشهر السابق له، وكان الهجوم الأكثر "فظاعة" بحق قوات " قسد " في دير الزور بحسب رواية مقاتلين، حيث أدت لخسارة ما يقارب 100 قتيل من عناصرهم بالإضافة لجرح أعدادٍ أكبر وتراجع أبو خولة عن استقالته التي لم تأخذ صداً نتيجة عودته عنها([23]).

ولا تعتبر المشاكل العسكرية بداية حملة عاصفة الجزيرة إحدى العناصر الداخلية المهددة لاستقرار "قسد" في المنطقة فحسب، فقد شهدت شرق الفرات أحداثاً أخرى تتعلق بالنفط والسيطرة العشائرية عليه، مثل الحادثة التي وقعت بتاريخ 11/12/2018، من قيام مسلحين محليين بالسيطرة على آبار العزبة النفطية بالقرب من المنطقة الصناعية بعد مواجهات مع عناصر قسد، وجاء هذا النزاع كذروة التنافس للسيطرة على حقول دير الزور، وخلال هذه الحادثة في 11 كانون الأول هاجمت مجموعة من رجال عشائر بلدة خشام (بينهم "هويدي الضبع" الملقب بـ"جوجو" أحد المنتسبين لـ"قسد") عناصر حراسة آبار نفط عزبة، وسيطرت على أغلب آبار المنطقة القريبة من معمل كونيكو للغاز في حقل الطابية، ودامت الاشتباكات المحدودة لساعات في محيط آبار العزبة، وبعد تحصن المسلحين الموالين لـ “قسد" والمنحدرين من عشيرة البكير داخل آبار العزبة، جرت مفاوضات أفضت إلى تسليم الحقل "قسد"، وأفضت المفاوضات إلى اتفاق بين رجال عشائر بلدة خشام وقيادات في "قسد"، وجرت برعاية "التحالف الدولي"، وتم حل الخلاف عن طريق تحديد نسبة معينة يحصل عليها رجال عشائر "خشام"، لوقف الاحتجاجات والمواجهات. وخصصت "قسد" ألف برميل نفط يومياً لأهالي البلدة من آبار منطقتهم، كي يتاجروا بها، في حين تبقى الحقول الكبيرة بعيدة المنال بسبب انتشار قوات "التحالف" فيها، وكانت معظم المجموعات العشائرية قد انضمت إلى قسد بشكل كتل موحدة مما أدى إلى تشكيلها لقوة مستقلة داخل المجلس العسكري([24]).

عموماً: لا تزال الأسئلة المتعلقة بالصيغة النهائية لعملية تشكيل مجالس المدن العسكرية من أهم عقبات تشكيلها، وما إذا كانت ستتمتع بقيادة شخصية، أم بمجلس عسكري يمثل المناطق، كما لايزال مستقبل " وحدات حماية الشعب" غير  واضحاً فيما إذا كانت ستبقي الوحدات على كيانها العسكري المستقل بالتوازي مع كيان " قوات سوريا الديمقراطية"، أم سنشهد عملية انتقال لدوائر صنع القرار من " YPG" إلى المجالس المشكلة حديثاً وقيادتها.

ترتبط عملية تشكيل المجالس العسكرية من قبل " قوات سوريا الديمقراطية" والشكل النهائي لعملية إعادة الهيكلة المعلنة، ارتباطاً وثيقاً بسيناريوهات التوافقات الأمريكية التركية فيما يخص شمال شرق سورية، وهذه السيناريوهات إلى الآن تتجلى في اتجاهين رئيسيين:

السيناريو الأول: نجاح الاتفاق التركي الأمريكي حول " الممر الآمن": وفي هذه الحالة سنكون أمام اتفاق مشابه لاتفاق منبج من حيث منع عملية عسكرية تركية، لكن مع جوانب تنفيذية أقوى وأسرع، كجولات تركية داخل الحدود السورية الشمالية، وقد يتطور الأمر لاحقاً ليشمل حضوراً عسكرياً منفرداً أو مع فصائل من المعارضة المتحالفة مع تركيا في بعض النقاط على اختلاف عمقها بين 5 و15 كم، وطولها بين 80 كم أولى تفصل مدينتي رأس العين، ومدينة تل أبيض، وقابل للتطبيق في مناطق حدودية أخرى في حال نجاحه. وفي هذا السيناريو ستشهد عملية إعادة البناء عدة استعصاءات بحكم تنامي شرط تغيير بوصلة إعادة هيكلة بنية الإدارة الذاتية ككل.

السيناريو الثاني: في حال انهيار اتفاق " الممر الآمن": فمن المتوقع حدوث استهداف تركي مكثف لنقاط انتشار المجالس العسكرية وقوات سوريا الديمقراطية، مع عمليات عسكرية متغايرة العمق والطول، وأكثر المناطق ترجيحاً ضمن لائحة الأهداف العسكرية هي الخط الواصل بين " رأس العين وتل أبيض"، ومناطق متوزعة بين مدينة تل أبيض إلى كوباني غرباً، وقد يتطور لاحقاً إلى استهداف نقاط على بين الحدود السورية مع كردستان العراق في المثلث الحدودي، وتبقى المنطقة الخاصة بالمثلث الحدودي بعيدة في المنظور القريب، إلا إذا اتجهت تركيا لاستخدام كافة أدواتها المتاحة في مواجهة التحالف الدولي.

وفي هذا السياق يبدو أن وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية سيستمران في التقدم بخطوات بطيئة اتجاه الالتزام بإعادة هيكلة " كامل القوى العسكرية في المنطقة" بصورة تمكن الولايات المتحدة من تقديمها على أنها قوى محلية بمهام محددة، لا تمتلك أي أهدافٍ خارج الحدود السورية.

خاتمة

يمكن إعادة التوجه الأمريكي لتغيير بنية وحدات حماية الشعب إلى بدايتين الأولى: مع تدخلها المباشر في سورية أواخر العام 2015، وما تبع التدخل من معارك لمواجهة تنظيم الدولة في البلدات والمدن العربية، والثاني استمرار الضغط والتهديد التركي بالقيام بعمليات عسكرية قبل وبعد " غصن الزيتون" في عفرين، ورافق هذا التوجه الأمريكي محاولات مستمرة من قبل وحدات حماية الشعب بالحفاظ على هيكليتها الأولى، كون أي تغييرٍ تنظيمي سيقلل من سيطرتها مع ارتفاع نسبة المقاتلين العرب ضمن "قسد"، كما إنه سيقلل بالدرجة الأهم بالنسبة للوحدات ولحزب العمال الكُردستاني نسبة سيطرة الأخير على مكامن القرار ضمن الوحدات نفسها.

دفعت جملة من الأهداف المحلية والاقليمية واشنطن للإيعاز لقوات سوريا الديمقراطية بتشكيل مجالس عسكرية خاصة بالمدن، تكون معروفة الهوية والقيادة، والمهام، بما يؤدي بشكلٍ رئيسي إلى إنجاح اي صيغة توافق مع تركيا، وهذا الأمر ظهر من السرعة التي اقدمت عليها الوحدات في تشكيل المجالس العسكرية فخلال ما يقارب الشهر شكلت "وحدات حماية الشعب وقسد" حوالي 10 مجالس عسكرية، كما إنها أعطت رسائل متكررة ومشددة على التزامها بأمن الحدود مع تركيا، بشرط عدم تهديد الأخيرة لمشروعهم، وهو شرطٌ لا يبدو أن الجانب التركي إلى الآن مستعداً لقبوله إلا في حال استمر الفيتو الأمريكي لقيام أنقرة بعملياتٍ عسكرية، وضمن هذا المشهد شهدت مناطق سيطرة "قسد" والإدارة الذاتية سابقاً وفي الآونة الأخيرة مشاكل عسكرية ومدنية عدة كان أبرزها ما يحدث في دير الزور من رفضٍ عشائري للسيطرة الكاملة "للعنصر الكُردي"، بالإضافة للمشاكل العشائرية البينية، والتي تلقي بظلالها على عمل مجلسي دير الزور العسكري والمدني، وتحاول واشنطن إلى الآن وعبر المملكة العربية السعودية الحفاظ على المكتسبات العسكرية في المناطق العربية ضمن سيطرة الإدارة الذاتية عبر تقديم الدعم الإنساني والمادي لمجالسها، وإعطاء وعودٍ مستمرة بتقوية دور رؤساء العشائر، الأمر الذي من الممكن أن ينجح في حال نجح مشروع " الممر الآمن " ككل.

كل ذلك يعزز من افتراض أن عملية الهيكلة تلك لا تزال خاضعة لبوصلات سياسية متبدلة، ولا تزال أسيرة اتجاهين: الأول إنجاز إطار جديد تعيد من خلال YPG تموضعها المركزي بأدوات جديدة، أو التعثر بحكم المقاومة التي ستبديها "قسد" حيال أي تغيير جوهري في بنيتها ووظيفتها؛ لذلك ووفقاً لأعلاه لا تزال العملية -وإن امتلك مبرراتها الذاتية وفقاً للتصريحات- بمثابة الأداة السياسية للتماهي مع التطورات السياسية والأمنية خاصة مع احتماليتي تعثر اتفاق المنطقة الآمنة أو استمراره.


 

([1]) وكان لقائد القوات الخاصة في الجيش الأمريكي في تموز 2016، الجنرال "رايموند ثوماس " تصريح آنذاك خلال حديثه في معهد "اسبن" في ولاية كولورادو، حول تشكيل " قسد"، أنهم "طلبوا من وحدات حماية الشعب تغيير اسمها، وهو ما حصل". وأوضح الجنرال بأن هذا الطلب كان نتيجة الضغط التركي على حليفهم (الولايات المتحدة).

([2])  وهذا التوجه تبلور في دراسة مالية أصدرتها وزارة الدفاع الأمريكية حيث أشارت الدراسة في الجزء المتعلق بسورية إلى أن أعداد أفراد مجموع القوات المحلية في سورية يبلغ نحو 25 ألف مقاتل، مع توقع التحاق 5 آلاف مقاتل إضافيين في بداية 2018 يتبعون بشكل مباشر لواشنطن، وتمدهم بالرواتب والتسليح والمؤونة، وخصصت الميزانية مبلغاً يقارب 300 مليون عام 2017، ونحو 400 مليون دولار في العام 2018".

([3]) صرح "مدير مكتب العلاقات العامة لوحدات حماية الشعب YPG " الدكتور صلاح جميل بضرورة "إنشاء قوة عسكرية أكثر نظامية واحترافية مع خوض وحدات الحماية للعديد من المعارك خلال 6 أعوام"، الأمر الذي منحها الخبرة الكافية للسير على خطى الجيوش النظامية. ومن المفترض أن يشرف عناصر متقدمة من الوحدات نفسها على تدريب عناصر الأفواج.

([4]) "قسد" تحاصر مقرات "لواء ثوار الرقة" والأخير يناشد الأهالي، المصدر: قناة سوريا، التاريخ: 24/06/2018، الرابط: https://bit.ly/2lHFUiq

([5]) هام: تشكيل لواء جديد باسم “لواء قامشلو “، المصدر: فدنك نيوز، التاريخ: 17/02/2018، الرابط: https://bit.ly/2lSxkxH

([6]) قسد تعلن تشكيل أول لواء في الرقة بوجود عشائرها: المصدر: الاتحاد برس، التاريخ: 26/03/2018، الرابط: https://bit.ly/2kxdFmo

([7]) "قسد" تحضر لتشكيل "لواء ثوار إدلب" من فلول "أحرار الزاوية" و "جيش الثوار"، المصدر: شبكة شام، التاريخ: 01/06/2018، الرابط: https://bit.ly/2k9mdQq

([8]) سوريا الديمقراطية تعلن تشكيل لواء تحرير إدلب وعفرين، المصدر: مديا مونيتور، التاريخ: 07/06/2018، الرابط: https://bit.ly/2lXOppN

([9]) "قسد" تعلن عن تشكيل ثاني لواء لها في الرقة، المصدر: بوير برس، التاريخ: 09/10/2018، الرابط: https://bit.ly/2m61j5l

([10]) حضر الاجتماع كل من القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، الناطق الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية كينو غبرييل، القائد العام لمجلس الباب العسكري جمال ابو جمعة، قائد جيش الثوار عبد الملك برد ، قيادة ق س د في اقليم الفرات حقي كوباني، عضوة القيادة العامة لـ ق س د نوروز احمد ، القائد العام لمجلس دير الزور العسكري أحمد ابو خولة ، قائد مكافحة الارهاب في ق س د هارون كوجر، قائد قوات الصناديد الشيخ بندر الدهام ، القيادية في ق س د روجدا حلب، القائد العام لقوات الحماية الذاتية سيامند ولات، القيادي في ق س د للمنطقة الشرقية حسن قامشلو، قيادية في وحدات حماية المرأة تولهلدان رامان، قيادية في ق س د بالمنطقة الشرقية ليلى واش كاني، القيادية في مجلس دير الزور العسكري جيان تولهلدان، الناطقة الرسمية لحملة عاصفة الجزيرة ليلوى عبدالله، قادة من جبهة الأكراد مسؤول العلاقات العامة لقوات سوريا الديمقراطية ريدور خليل ، القيادي في مجلس جرابلس العسكري محمد العلي، وقائد جيش الثور أبو عراج.

([11]) اجتماع موسع لقوات سوريا الديمقراطية انتهى بمؤتمر صحفي، الموقع: قوات الدفاع الذاتي، التاريخ: 17/02/2019، الرابط: https://bit.ly/2lHyZWw

([12])بـ 30 ألف عنصر أمريكا بصدد إنشاء جيش سوري... ما مهمته؟، وكالة قاسيون، 14/1/2018، الرابط: https://bit.ly/2lEIrdc

([13])  الجدول من إعداد وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات.

([14]) وثيقة إعلان المجلس السرياني الآشوري اعتبر البيان أن الممثل الاستشاري والسياسي لـ "المجلس العسكري" هو حزب "الاتحاد السرياني" و"مجلس سوريا الديمقراطية" على التوالي، وذلك ضمن الهيكلية التنظيمية والإدارية لـ "قوات سوريا الديمقراطية".

([15]) "قسد" تشكل مجلساً عسكرياً لمنطقة القامشلي بالحسكة، المصدر: يوتيوب وكالة سمارت، التاريخ: 20/06/2019، الرابط: https://bit.ly/2lBUjwQ

([16]) “قسد” تشكل المجلس العسكري في مدينة الحسكة، مصدر سابق.

([17]) بعد دير الزور.. السبهان يزور الرقة لدعم "سوريا الديمقراطية"، المصدر: الجزيرة نت، التاريخ: 21/06/2019، الرابط: https://bit.ly/2N4D2tv

([18])  نصت بنود الاتفاق على: إنشاء مركز عمليات مشتركة بين الجيش التركي والأمريكي؛ يتم البدء بإنشاء المنطقة الآمنة في أقرب وقت ممكن؛ المرحلة الأولى تشمل تبديد المخاوف الأمنية لتركيا شرقي الفرات؛ التنسيق لإدارة المنطقة الآمنة سيكون بين تركيا وأمريكا؛ الاتفاق على أن تكون ممرا للسلام؛ اتخذا تدابير إضافية لعودة السوريين إليها.

([19]) تفاصيل الاتفاق التركي الأمريكي حول «المنطقة الآمنة» في سوريا، المصدر: وسيلة تي في، التاريخ: 07/08/2019، الرابط: https://bit.ly/2lJ1YJv

([20])بدر ملا رشيد: "الضباب ينقشع حول مشروع أمريكا شمال شرق سورية"، المصدر: تلفزيون سوريا، التاريخ: 02/07/2019، الرابط: https://bit.ly/30yHwdN

([21]) الشرطة العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية تعتقل قائد تجمع شباب البكَّارة ياسر الدحلة -المنشق عن قوات النخبة السورية، المصدر: المرصد السوري لحقوق الإنسان، التاريخ: 01/10/2017، الرابط: https://bit.ly/2knDs0y

([22]) نزاع قبلي يهدد تماسك «مجلس دير الزور العسكري»، المصدر: جريدة الشرق الأوسط، التاريخ: 04/10/2017، الرابط: https://bit.ly/2lJ2lUp

([23]) استقالة قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لقسد "لفشل قواته في صد داعش"، المصدر: موقع الحل، التاريخ: 08/11/2018، الرابط: https://bit.ly/2lXad4S

([24]) ديرالزور: لماذا هاجم هويدي "الضبع" آبار العزبة النفطية؟، المصدر: المدن، التاريخ: 18/12/2018، الرابط: https://bit.ly/2k0pv8m

التصنيف أوراق بحثية

ملخص تنفيذي

  • تبدو معركة الرقة بظروفها السياسية والعسكرية عملية استنساخ لمعركة الموصل، فمن الناحية السياسية تم إطلاق المعركة في مناخ متوتر محلياً وإقليمياً حول الأطراف المشاركة فيها، مقابل ضبابية تعتري مصير المدينة بعد التحرير. أما من الناحية العسكرية فقد استخدم التنظيم الاستراتيجية ذاتها التي استخدمت في الموصل، والتي تقوم على استنزاف القوات المهاجمة عبر المفخخات، ثم الانسحاب من الأطراف للتترس داخل المدينة في محاولة لفرض نمط حرب المدن على واقع المعركة.
  • عكست المراحل الأولى لمعركة الرقة حالة ضعف "قوات سوريا الديمقراطية" وعجزها عن الاستمرار بالمعركة منفردة، حيث احتاجت إلى تغطية نارية كبيرة جداً من التحالف الدولي، وتدخل مباشر من القوات الأمريكية والفرنسية على شكل عمليات إنزال لحسم المعارك الكبرى كالسيطرة على سد الفرات ومطار الطبقة العسكري.
  • إن المناخ السياسي المتوتر الذي يلف انطلاق معركة الرقة، وما رافقه من تعقيدات وتشابك مصلحي على المستوى الإقليمي والدولي؛ سينعكس بالضرورة على سيناريوهات حسم المعركة، وما سيليها من معارك ضد تنظيم الدولة في سوريا.
  • خلصت الدراسة إلى أربعة سيناريوهات محتملة لحسم معركة الرقة وما يليها من معارك ضد تنظيم الدولة في سوريا، تتراوح بين استمرار أمريكا باعتمادها القوات الكردية كطرف وحيد وما يترتب على ذلك من خلافات مع تركيا، أو صياغة تفاهمات جديدة بين تركيا والولايات المتحدة، وبين سيناريو تفاهم روسي أمريكي يسحب نموذج "منبج" إلى الرقة، مقابل ما قد يشكله اجتماع أستانة الأخير من مقدمة لسيناريو رابع يقوم على فتح أمريكا المجال لمشاركة جميع الأطراف في المعركة.
  • يبدو أن أهم إنجازات العودة الأمريكية هو تقويض تفاهمات ما بعد حلب، والتي أرستها روسيا، في محاولة لفرض تفاهمات جديدة تتوافق مع العودة الأمريكية إلى الانخراط المباشر بقضايا الشرق الأوسط، وتحديداً الملف السوري.

مدخل

في تاريخ 18 أيار/ مايو 2016 أطلقت قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والتي يشكل تنظيم "وحدات حماية الشعب الكردية" "YPG"عمادها الرئيس؛ حملة عسكرية بهدف السيطرة على مدينة الرقة من تنظيم الدولة "الإسلامية"، وذلك بدعم وإسناد جوي من التحالف الدولي ومشاركة عدد محدود من القوات الأمريكية والفرنسية. المعركة التي تم إيقافها من قبل "قسد" في 31 أيار/مايو 2016 معللة ذلك بشدة مقاومة التنظيم وكثرة انتشار الألغام في أرياف الرقة، وبالتزامن مع ذلك تم الإعلان عن بدء معركة منبج والتي سيطرت عليها "قسد" في 12 آب 2016. لتعود وتستأنف معركة الرقة التي حققت في مراحلها الأولى والثانية والثالثة الأهداف المطلوبة منها، والمتمثلة في قطع اتصال فرعي تنظيم الدولة "الإسلامية" في سوريا والعراق وعزل وتطويق مدينة الرقة، تمهيداً للهجوم عليها، وهو هدف المرحلة الرابعة الجارية حالياً.

ولعل المعركة بظروفها السياسية والعسكرية تُعتبر عملية استنساخ لمعركة الموصل، فمن الناحية السياسية تم إطلاق المعركة في مناخ متوتر محلياً وإقليمياً حول الأطراف المشاركة فيها، مقابل ضبابية تعتري مصير المدينة بعد التحرير. أما من الناحية العسكرية فقد استخدم التنظيم الاستراتيجية ذاتها التي استخدمت في الموصل، والتي تقوم على استنزاف القوات المهاجمة عبر المفخخات وليس المواجهة المباشرة، وثم الانسحاب من الأطراف للتترس داخل المدينة في محاولة لفرض نمط حرب المدن على واقع المعركة، بالإضافة لذلك عكست المعركة حالة ضعف قوات سوريا الديمقراطية وعجزها عن خوض المعركة منفردة، حيث احتاجت إلى تغطية نارية كبيرة جداً من التحالف الدولي، وتدخل مباشر من القوات الأمريكية والفرنسية على شكل عمليات إنزال لحسم المعارك الكبرى كالسيطرة على سد الفرات ومطار الطبقة العسكري.

وعليه تسعى هذه الدراسة إلى تحليل المناخات والظروف السياسية المرافقة لمعركة الرقة، بالإضافة إلى تفكيك المصالح المتضاربة والمتشابكة للأطراف المحلية والإقليمية والدولية المعنية بها، في محاولة لاستشراف السيناريوهات التي يمكن أن تحدد مصير المدينة بعد التحرير، ومسار المعارك اللاحقة ضد تنظيم الدولة في سوريا، والتي قد تنعكس بدورها على الحل السياسي وشكل الدولة السورية مستقبلاً.

أولاً: المناخات السياسية قبل المعركة

أثار إطلاق التحالف الدولي لمعركة الرقة بالاعتماد على طرف وحيد هو قوات سوريا الديمقراطية، موجة من المواقف الرافضة والمنتقدة من قبل باقي القوى الفاعلة على الأرض السورية، والتي تم استثناؤها إلى الآن من المشاركة في المعركة، ولكن بالمقابل عكس هذا السلوك الأمريكي المشابه لظروف إطلاق معركة الموصل أمرين؛ الأول: حاجة التحالف الملحة لفتح معركة في سوريا دعماً لمعركة الموصل، والثاني: هو رغبة واشنطن بأن تكون المعركة موجهة لحرب التنظيم فقط دون أن توظف في صالح أي طرف من الأطراف المشاركة فيها. ولذلك يبدو أن اختيار "وحدات الحماية الكردية" في سوريا، جاء لسهولة تطويعهم ضمن المصلحة الأمريكية بالقياس مع تركيا وروسيا، واللتين تبقى مشاركتهما في معركة الرقة الحقيقية، والتي لم تبدأ بعد رهناً بمرونتهما وقدرتهما على تنسيق مصالحهما مع الرؤية الأمريكية لحرب التنظيم، وشكل الحل السياسي في سوريا إجمالاً. ولكن مأزق اختيار الشريك وتوزيع الأدوار يبدو بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أكثر صعوبة في معركة الرقة منه في الموصل، وذلك لأسباب سياسية وعسكرية مختلفة عن الوضع في العراق، وأهمها:

أ‌.       الأسباب العسكرية

إن معركة الرقة ستكون أصعب كون المساحة الجغرافية لسيطرة التنظيم بدأت بالانحسار بعد خسارته مناطق واسعة في العراق، ما سيدفعه للتمسك أكثر بالمدن التي بحوزته في سوريا وبخاصة الرقة، ثم إن المراحل التي تم إنجازها في إطار عملية تطويق الرقة والتي خاضتها قوات سورية الديمقراطية أثبتت عدم قدرة تلك القوات منفردة على حرب التنظيم في سورية، خاصة بالنظر إلى تعداد قواتها والتي تقارب الـ30 ألف مقاتل، وهي تقديرات مشكوك فيها، ولكن حتى لو سلمنا بصحة تلك التقديرات فإن معركة الموصل والتي شارك فيها ما يقارب 120 ألف مقاتل لم تحسم بعد، فكيف يمكن أن تحسم معارك سوريا مع التنظيم بـ30 ألف مقاتل.

بطاقة تعريفية لأبرز معارك "قسد" ضد تنظيم الدولة 2016 -2017، مقياس الفعالية من 1 إلى 10،

جدول رقم (1)، المصدر: وحدة الرصد في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية

 

ب‌.  الأسباب السياسية

تتعلق الناحية السياسية بتشابك المصالح الإقليمية والدولية وانعدام الفاعلية المحلية في الحالة السورية بشكل أكبر بكثير من الحالة العراقية، ففي العراق على الرغم من ارتباط حكومة بغداد بإيران؛ إلا أنها حكومة تتمتع بالشرعية الدولية وتمتلك قوات حكومية وهوامش سيادية أكثر بكثير من حكومة الأسد، بالإضافة إلى أن إقليم كردستان هو كيان سياسي ناجز وغير إشكالي مع باقي القوى العراقية، وليس مليشيا تسعى لتحقيق مشروع كما هو الحال مع حزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" في سوريا، أما عن عدد الفاعلين الإقليميين والدوليين فهو أقل في الحالة العراقية منها في السورية، الأمر الذي يحصرها في إطار الأزمة الإقليمية بين تركيا وإيران، ويلغي العامل الدولي بين روسيا وأمريكا، والذي يضيف مزيداً من التعقيدات في الحالة السورية.

إن تلك التعقيدات والتشابك المصلحي على المستوى الإقليمي والدولي، سينعكس بالضرورة على سيناريوهات حسم معركة الرقة، وما سيليها من معارك ضد التنظيم في سوريا، وهو ما توضحه ردود فعل الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية على إطلاق معركة الرقة بشكلها الحالي، إذ تتوزع التصورات المتضاربة للفاعليين المحليين والإقليمين وفقاً لما يلي:

1.    تركيا (خطوط الأمن القومي)

بالنسبة لتركيا تشكل مشاركة قوات سوريا الديمقراطية في معركة تحرير الرقة؛ خطاً أحمرَ يتعلق بأمنها القومي، لذلك جاء رد الفعل التركي قوياً عبر تصريحات صدرت عن الرئيس التركي وغيره من المسؤولين، ووصلت إلى حد التهديد بإغلاق قاعدة "إنجيرليك" والمجال الجوي التركي في وجه قوات التحالف في حال أصرَّ الأخير على التحالف مع سوريا الديمقراطية([1])،  وكرد فعل عن تقاعس الولايات المتحدة والتحالف الدولي في دعم معركة درع الفرات، و التي خاضتها القوات التركية بالتعاون مع فصائل المعارضة السورية، وبالتنسيق مع الروس، مقابل تعاون خجول وتنسيق هش مع الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يعطي مؤشراً عن إمكانية أن تفتح أنقرة معركة باتجاه الرقة بالتنسيق مع قوات المعارضة السورية دون التنسيق مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي، وقد تكون بالتنسيق مع الروس لمنع تمدد قوات سوريا الديمقراطية وحيازتها مساحات جديدة من الأراضي السورية، ويعزز هذا الاحتمال تصريحات أنقرة بإنهاء معركة درع الفرات وعزمها فتح معارك أخرى في سوريا بهدف تحرير الرقة([2]) ودعمها لتشكيل قوات درع الشرقية والتي قوامها كتائب من المنطقة الشرقية في سوريا تعمل في ريف حلب الشمالي([3])، خصوصاً بعد إهمال واشنطن للمقترحين التركيين حول تحرير الرقة بالتعاون بين الجيش التركي والفصائل العربية([4])، مقابل فشل اجتماع وزراء دفاع الولايات المتحدة وروسيا وتركيا الذي عقد في أنطاليا التركية في السابع من آذار المنصرم بالتوصل إلى تفاهمات حول الأطراف المشاركة في معركة الرقة .

لذا فإن تعاطي واشنطن مع الفيتو التركي حول شراكتها مع "سوريا الديمقراطية" في معركة الرقة، يُشكل اختباراً حقيقياً للعلاقة مع أنقرة، وهو ما عبر عنه مسؤولون أتراك صراحة بأن "تمسك واشنطن بمشاركة وحدات الحماية الكردية سيكون له تداعيات على العلاقات بين البلدين"([5]).

2.    روسيا (مأزق الخيارات)

تَعتبر موسكو الانخراط الأمريكي المباشر في حرب تنظيم الدولة وزيادة عدد القوات الأمريكية في سوريا، انتقاصاً من هيمنتها السياسية وتفردها بمشهد القوة العسكرية على الأرض، والذي ساد في عهد إدارة أوباما، بل إن انطلاق معركة الرقة دون التنسيق مع موسكو وإعلان الولايات المتحدة رفضها إشراك قوات النظام أو المليشيات الإيرانية في المعركة، والذي يعني ضمناً عدم مشاركة موسكو؛ دفع المسؤولين الروس إلى طلب إشراكهم في المعركة عبر تصريحات عدة، عبّرت عن رغبة موسكو في التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي في تحرير الرقة، حتى بعد الفتور الذي أصاب العلاقة بين موسكو وواشنطن غداة الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات، وإعلان روسيا تعليق التنسيق العسكري مع واشنطن في سوريا، عاد وزير الخارجية الروسي ليوجه رسائل ودية للأمريكان فيما يخص معركة الرقة، حيث شدد لافروف على ضرورة التعاون([6]) "وتوحيد الجهود بين روسيا والتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في سورية". ولكن بالرغم من حاجة الولايات المتحدة للمشاركة الروسية في معركة الرقة؛ إلا أنها ترفض محاولات موسكو لتعويم حليفها الأسد من خلالها، وترهن أي دور محتمل لموسكو في الرقة أو ما بعد الرقة بالتوصل إلى تفاهم حول حل سياسي في سوريا يتضمن مصير الأسد، وهو ما يبدو صعباً إلى الآن.

تعيش روسيا ذات المأزق الأمريكي في معركة الرقة، وهو  حسم قرارها باختيار حلفائها، فهي أمام خيارين، إما التخلي عن التحالف مع الأسد وإيران والتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو الاستمرار في تحالفها معهما، وبالتالي التخلي عن دورها الدولي "كشريك في الحل" لتكون جزءاً من المشكلة، ولكن يبدو أن موسكو تحاول خلق خيار ثالث؛ عبر اللعب على هوامش الخلاف بين الولايات المتحدة وتركيا حول معركة الرقة ومشاركة الكرد فيها، الخيار الذي يمكن أن يكون مخرجاً لجميع الأطراف كما حدث في منبج، يستهدف حفز الولايات المتحدة على التعاون العسكري معها في الرقة، عبر  مشاركة قوات النظام في المعركة ودخولها إلى مناطق معينة ترسم حدود التماس بين سوريا الديمقراطية والقوات المدعومة من تركيا على أن يكون ذلك تحت تنسيق روسي- أمريكي مشترك، على اعتبار أن هذا الطرح يضمن عدم فك التفاهمات القائمة، والتي تمخضت في مرحلة ما بعد سقوط حلب، خاصة التقارب الروسي التركي، حيث أن التحركات العسكرية لقوات النظام السوري لا يرفضها الأتراك كليةً لكونها تسهم في قطع تواصل المناطق الكردية الثلاث، القامشلي وعين العرب (كوباني) الواقعتين شرق نهر الفرات وعفرين الواقعة غرب النهر، وهو ما تريده أنقرة([7])، كما أن الفكرة نفسها تضمن عدم إهدار فرص تحسن العلاقات الأمريكية التركية عبر المتغير الكردي الذي سيتم تحجيمه وفقاً لهذا الطرح([8]).

3.    إيران (الحذر من كل الأطراف)

رفضت إيران الوجود الأمريكي الجديد في سوريا، نافية الأنباء القائلة بأن دخول الولايات المتحدة لشمال سوريا تم بناءً على تفاهمات ثنائية بينهما([9]). حيث عكس هذا الموقف الإيراني والذي جاء على لسان رئيس البرلمان علي لارجاني، تخوفاً إيرانياً ليس فقط من استثناء إيران من عملية الحرب على الإرهاب، وإنما من جملة من التغيرات الاستراتيجية في المواقف اتجاهها، وبخاصة موقف إدارة ترامب، والذي اعتبرها الراعي الرئيس للإرهاب في المنطقة، ووضعها وميليشياتها في كفة واحدة مع باقي التنظيمات الإرهابية الموجودة في سوريا، لذا فإن إيران تواجه تحديات استراتيجية قد تؤثر على مستقبل دورها وطموحاتها الإقليمية في المنطقة، فثمة صعوبات ستواجهها في ملفات المنطقة التي يتقاطع فيها دورها مع سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة؛ وهي تحديداً الملف العراقي (تقارب حكومة بغداد مع واشنطن على خلفية معركة الموصل، وازدياد معدلات الوجود العسكري الأمريكي هناك)، والملف السوري (إرسال قوات مارينز أمريكية لشمال سوريا)([10]).

بالمقابل تبدو إيران مرتابة من نشاط موسكو على المستوى الإقليمي، والمتمثل بالتقارب مع أنقرة ودخول قوات تركية إلى الشمال السوري، الأمر الذي يؤثر على نفوذها، إضافة إلى المستوى الدولي المتمثل بإمكانية التضحية بإيران وميلشياتها في صفقة روسية أمريكية تحفظ مصالح موسكو، خصوصاً بعد دخول إسرائيل كمتغير في علاقة الطرفين يضغط باتجاه إنهاء وجود المليشيات الإيرانية في سوريا.

4.    قوات سوريا الديمقراطية (النفاذ من الشقوق)

يستغل حزب الاتحاد الديمقراطي المأزق الأمريكي في اختيار الشريك، ويقدم نفسه دائماً على أنه أهون الشرور بالنسبة لأمريكا، لذلك فهو يحاول جاهداً أن يبدي مرونة إزاء المطالب الأمريكية في معركة الرقة، من خلال زيادة عدد المقاتلين العرب في قوات سورية الديمقراطية، والإعلان إن إدارة الرقة ستكون لمجلس محلي من أهلها ولكن ضمن مشروع "الأمة الديمقراطية" على حد تعبير صالح مسلم([11])، ورغم النجاح الظاهري للحزب وميليشيا الـPYD التابعة له في تصدر مشهد معركة الرقة، إلا أن محاولات الأخير في اللعب مع الكبار على المستوى الإقليمي والدولي، والنفاذ من شقوق الخلافات التركية الأمريكية والروسية الأمريكية، تجعل من مشروعه الانفصالي رهناً لتفاهمات الكبار، و لعل ما حدث في منبج خير دليل على ذلك.

أما على صعيد العلاقة مع أنقرة؛  فقد صعدت قوات سوريا الديمقراطية من حدة تصريحاتها اتجاه المشاركة التركية في معركة الرقة، محاولةً إملاء شروطها على الولايات المتحدة للمشاركة في المعركة، حيث صرح طلال سلو عن إبلاغه المسؤولين الأميركيين بأنه " لا يمكن أن يكون لتركيا دور في الحملة لاستعادة مدينة الرقة"([12])، ولكن رد التحالف الدولي على لسان المتحدث باسمه، جون دوريان، لم يحسم أمر مشاركة تركيا من عدمه، حيث أشار إلى أن "الدور المحتمل لتركيا ما زال موضع نقاش على مستوى قيادة الجيش وعلى المستوى الديبلوماسي"، و"إننا منفتحون على دور لتركيا في تحرير الرقة وسنواصل المشاورات للوصول إلى نتيجة منطقية أياً كانت"([13]).

ومقابل تصريحات قوات سوريا الديمقراطية، والتردد الأمريكي، فإن أنقرة انتقلت مرة أخرى من مستوى التهديد إلى مستوى التحرك على غرار ما جرى في منبج، حيث تلوح في الأفق ملامح عملية عسكرية تركية ضد الأكراد في شمال سورية، في ظل تقارير عن حشود للجيش التركي على الحدود، وقصف طال تجمعات لقوات حزب العمال الكردستاني في سوريا، وفي هذا الإطار تحولت القوات الأمريكية إلى قوات فض اشتباك مجدداً بين تركيا والأكراد، حيث قامت بنشر قوات على الحدود السورية التركية تحسباً لاندلاع مواجهات مباشرة، ولكن هذا لا يعني ميلاً من جانبها لصالح الأكراد؛ فما تزال الولايات المتحدة تدرس بدائل لخطة أوباما حول تحرير الرقة، والتي اعتبرتها إدارة ترامب مليئة بالثغرات وبالتحديد فيما يخص استبعاد تركيا، ولكن المؤكد من خلال الموقف الأمريكي أن الأكراد لن يبقوا في الرقة بعد تحريرها وهو ما عبر عنه صراحة وزير  الدفاع الأمريكي السابق، أشتون كارتر، والذي صرح بأن "الأكراد يدركون أنهم سيضطرون للانسحاب من الرقة بعد تحريرها، إذ يجب أن يتم تسليم المدينة لـ"قوات عربية" فور هزيمة داعش"، وبدورها، حذرت سامانثا باور، المندوبة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة، من أن البدء في تنفيذ هذه الخطة سيضر  بالعلاقات مع تركيا، بالإضافة إلى وضع واشنطن في موقف محرج بتقديم الدعم لطرف ينفذ هجمات دموية في أراضي دولة عضو في حلف الناتو([14]).

ثانياً: انطلاق المعركة والواقع الميداني

في ظل هذا المناخ المتوتر سياسياً؛ أعلنت "قسد" عن بدء معركة تحرير مدينة الرقة وأريافها تحت اسم "غضب الفرات"، بهدف عزل المدينة انطلاقاً من الأرياف الجنوبية لمدينة عين عيسى، وبدعم ومؤازرة كثيفة من طيران التحالف استطاعت "قسد" السيطرة على حوالي 500 كم²، وتم الإعلان عن نهاية المرحلة الأولى في 14/11/2016.

جدول رقم (2)

 وركزت الحملة منذ بدايتها على الريف الجنوبي لعين عيسى، وهي مناطق يسهل السيطرة عليها بالمقارنة مع المناطق السكنية، ولكن على الرغم من ذلك لم يكن الأمر بهذه البساطة، حيث اعتمد فيها التنظيم على سياسة ألغام الأفراد والآليات التي نشرها في المناطق المحيطة بعين عيسى بشكل عشوائي مما كبد قوات "قسد" العديد من الخسائر، وكانت ألغام التنظيم السبب الرئيس لكثافة غارات التحالف على مناطق لا تحصينات فيها للتنظيم.

بدأت المرحلة الثانية من معركة "غضب الفرات" في 10/12/2016، بهدف السيطرة على الريف الغربي لمدينة الرقة على امتداد نهر الفرات.  ولعل أبرز التطورات في تلك المرحلة تمثل بإعلان "قسد" انضمام أطراف جديدة للمعركة وهي:

  1. قوات النخبة التابعة لتيار الغد السوري (أحمد الجربا بعد عقده اتفاقية مع حركة المجتمع الـديمقراطي TEV-DEM).
  2. المجلس العسكري لدير الزور.
  3. انضمام مباشر من بعض القبائل العربية في المنطقة.

وخلال الإعلان أكدت الناطقة باسم غرفة عمليات غضب الفرات "جيهان شيخ أحمد" على نجاح التنسيق بشكل فعال في المرحلة السابقة مع قوى التحالف الدولي وبأن التنسيق مستمر.

استمرت المرحلة الثانية حتى 16/01/2017، وخلالها تم السيطرة على مواقع هامة كثيرة منها "قلعة جعبر" الأثرية، ومساحة تبلغ 2480 كم².

 

جدول رقم(3)

أعلنت "قسد" في 4 شباط 2017، عن بدء المرحلة الثالثة من معركة "غضب الفرات"، وتركزت أهداف هذه المرحلة على: قطع الاتصالات بين الرقة ودير الزور والتقدم نحو "عاصمة" تنظيم «الدولة الإسلامية» من الشمال والغرب.

 جدول رقم (4)

وفي منتصف شهر آذار 2017 اشتدت غارات طائرات التحالف على مدينة الطبقة وأريافها، حيث تجاوز عدد غارات التحالف من 17 آذار حتى 26 آذار الـ 125 غارة، ثم في 25 آذار بدأ هجوم بري على سد الفرات في الطبقة والذي يمتد لـ 4 كلم، وفي 26 آذار تعرض السد إلى غارات عدة من طائرات التحالف أدت إلى خروجه عن العمل.

وعلى الرغم من كثافة الغارات عجزت وحدات الحماية الكردية عن التقدم في السد، معلله ذلك بكثرة ألغام داعش، وفي اليوم نفسه، وبحسب مصادر خاصة حدث إنزال مظلي لقوات أمريكية في الجهة الغربية من ريف الطبقة كما عبرت قوات وحدات الحماية النهر، وبدأ هجوم على المطار العسكري من المحاور الجنوبية دون الهجوم على المدينة.

وفي مساء 26 آذار نشر قيادي في وحدات الحماية السيطرة على المطار، وبعد السيطرة على مطار الطبقة بدأت القوات الكردية وبإشراف أمريكي وفرنسي تام بالعمل على السيطرة على أرياف المدينة بغرض محاصرتها والذي حدث في منتصف شهر نيسان، وانتقل الصراع إلى داخل المدينة مع كثافة الغارات من طيران التحالف، حيث وصل عدد غارات التحالف على الطبقة وأريافها في شهر نيسان إلى 215 غارة، والتي كانت أعلى نسبة من الغارات بالمقارنة مع أهداف التحالف الأخرى في شهر نيسان، الموضحة بالشكل البياني التالي:

 جدول رقم (5)

القوى المشاركة بهجوم الطبقة: كانت عمليات الإنزال الجوي جنوب نهر الفرات أمريكية بامتياز، بينما تواجدت القوات الفرنسية في "جعبر" على الطرف الآخر، وهي التي أمّنت قوارب عسكرية لنقل وحدات الحماية إلى الطرف الأخر. حاولت قوات التحالف تأمين مطار الطبقة ليصبح مركز إمداد وانطلاق لهم، ثم محاصرة الطبقة، أما وحدات الحماية YPG"" فهي موجودة فقط لحماية ظهر قوات التحالف والتمركز بعد مغادرتها.

خريطة رقم (1) توضح الوضع الميداني في محيط مدينتي الرقة والطبقة بتاريخ 7 شباط 2017 و7 أيار 2017

وعلى الرغم من أن سوريا الديمقراطية أعلنت عن إطلاق المرحلة الرابعة من عملية غضب الفرات، وأن المراحل السابقة قد حققت أهدافها، إلا أنها لم تستطع السيطرة على مدينة الطبقة حتى تاريخ 4 أيار 2017، وذلك باتفاق ضمن خروجاً آمناً لعناصر تنظيم داعش مع عوائلهم إلى محافظة دير الزور([15])؛ أي إن معركة مدينة الطبقة ورغم كثافة غارات الطيران ومشاركة قوات أجنبية برية دامت أكثر من شهر، ولم تشهد معارك مباشرة حقيقية مع التنظيم.

في 13 نيسان أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن انطلاق المرحلة الرابعة من عملية غضب الفرات، والتي تهدف إلى تطهير ما تبقى من الريف الشمالي لمدينة الرقة، ووادي جلاب من إرهابيي داعش، وفق ما ورد في بيان صادر عن بيان لقيادة غرفة عمليات غضب الفرات([16]).

تكلفة المعركة (البنية التحتية والمدنيين):

دمرت غارات التحالف في شهر أيلول 2016 الجسور المتبقية العابرة للفرات بين الحدود العراقية وشرق الرقة كافة؛ بالإضافة إلى ذلك، دمرت غارات إضافية جسريْ المدينة في 3 شباط 2017. كما تضرر سد الفرات نتيجة الاشتباكات، حيث إن وضع السد الآن غير جيد مع ارتفاع مستوى المياه إلى 10 أمتار منذ بداية العام، ومع تعطيل الضربات الأمريكية للأجهزة التي تتحكم بالسد وبتخفيف مياهه، خاصة مع بدء ذوبان الثلوج وارتفاع منسوب المياه أكثر.

توقف سد الفرات عن العمل بسبب الاشتباكات بين القوات الكردية ومقاتلي "داعش"، إضافة إلى قصف التحالف الدولي مناطق بقرب السد، ومخاوف دولية من انهياره مما يعني ارتفاع منسوب المياه التي تحتجز خلفه إلى أكثر من 10 مليار مُكعب متر، مما يُنذر بغمر ثلث مساحة سوريا، بالإضافة إلى أراضٍ واسعة في العراق تصل إلى مدينة الرمادي، في حال انهيار السد.

جميع المشافي في ريف الرقة أصبحت خارج الخدمة، والمشفى الوحيد المتبقي في مدينة الرقة بات يعمل بربع طاقته، على الرغم من أن المدينة تحوي حوالي مئتي ألف مدني([17]). وفي 21 آذار 2017 استشهد وأصيب أكثر من 200 مدني، في قصف جوي نفذته طائرات تابعة لقوات التحالف الدولي على مدرسة يقطنها نازحون في بلدة "المنصورة" بريف الرقة([18]).

ليعود طيران التحالف في 22 آذار 2017 ويرتكب مجزرةً مروعة جديدة في مدينة الطبقة غربي الرقة، وذلك إثر استهداف طائراته لفرن وسوق في الحي الثاني من المدينة، وقد استشهد أكثر من 25 مدنياً، وجرح أكثر من 40 شخصاً جراء تلك الغارات التي شنها التحالف على الطبقة([19]).

وفي تاريخ 22 نيسان 2017 استشهد 5 مدنيين وأصيب آخرون جراء قصف طيران التحالف من جديد على مدينة الطبقة، بينما شهد تاريخ 11 نيسان 2017 مقتل 18 عنصراً من قوات سورية الديمقراطية، وذلك إثر غارة لقوات التحالف استهدفت مواقعهم "بالخطأ"، حيث أصدرت قوات التحالف بياناً أوضحت فيه أن "الضربة تمت بناءً على طلب من القوات الشريكة التي حددت موقعاً مستهدفاً، قالت إنه موقع قتالي لتنظيم داعش"، مضيفاً أن "الهدف كان في الحقيقة موقعاً قتالياً متقدماً لقوات سورية الديمقراطية"، ومشيراً إلى أن الضربة وقعت جنوب مدينة الطبقة([20]).

ثالثاً: سيناريوهات الحسم

رغم أن قوات سوريا الديمقراطية إلى الآن تتصدر المشهد، وتبدو أنها القوة المرشحة لتحرير مدينة الرقة؛ إلا أن جملة من العوامل تُظهر أن هذا ليس هو السيناريو الوحيد المرجح لمعركة تحرير الرقة، فالأمر ليس منوطاً فقط بالقوة التي تنفذ الهجوم، وإنما بإدارة المدينة بعد التحرير، وملاحقة فلول "داعش" ومعركة دير الزور اللاحقة والحاسمة كآخر معقل للتنظيم في سوريا. ويمكن إجمال العوامل المؤثرة في رسم ملامح السيناريوهات الممكنة للمعركة بما يلي:

  • عدم قدرة قوات سوريا الديمقراطية على خوض المعركة منفردة، الأمر الذي رتب على قوات التحالف الانخراط بشكل مباشر في تحرير بعض النقاط الهامة، وزيادات متلاحقة في أعداد القوات الأمريكية في سوريا، هذا بالإضافة إلى أخطاء تحديد الأهداف التي ارتكبتها سوريا الديمقراطية، والتي تسببت بخسائر بشرية كبيرة بين المدنيين.
  • جغرافية محافظة الرقة المفتوحة على محافظات الحسكة ودير الزور المفتوحة على العراق في الجنوب الشرقي، وغرباً على محافظتي حماة وحمص، وشمالاً باتجاه تركيا، الأمر الذي يعقد المعركة من خلال تعدد القوى المحلية والإقليمية المتطلعة للمشاركة في المعركة، والتي تملك نقاط اشتباك مع المحافظة.
  • الصراع على تركة التنظيم والتي تشكل مساحات جغرافية هامة؛ ترتبط بشكل مباشر بمآلات الحل السياسي في سوريا، الأمر الذي أخضع المعركة للمصالح المتضاربة بين الأطراف المحلية والإقليمية الدولية المنخرطة في الأزمة السورية.
  • مأزق إدارة ترامب، والتي وجدت نفسها أمام خطة مليئة بالثغرات بحسب تعبيرهم، وضعتها الإدارة السابقة لتحرير الرقة تقوم على الاعتماد على الأكراد وتسليحهم، ولكنها تتعارض مع توجه الإدارة الجديدة نحو تحسين العلاقة مع تركيا وزيادة التنسيق مع روسيا لصياغة حل سياسي للأزمة السورية.

وبناءً على تلك العوامل يُمكن رسم ملامح سيناريوهات أربعة لمعركة الرقة، وهي:

السيناريو الأول

استمرار الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتماد على قوات سورية الديموقراطية وحدها، وتفعيل دور الفصائل العربية المنخرطة في صفوف تلك القوات بشكل حقيقي، وليس ديكورياً كما يحدث الآن، لتكون معادل قوة لـPYD داخل قوات سوريا الديمقراطية، ومن ثم تسليم الرقة لمجلس محلي يمثل كل المكونات وهو ما يجري الإعداد له حالياً، وما يدعم احتمالية هذا الخيار هو زيادة عدد القوات الأمريكية في سوريا، ووضع ألف جندي أمريكي في الكويت كاحتياط للمشاركة في المعارك الدائرة مع التنظيم في سوريا والعراق، بالإضافة إلى منح الرئيس ترامب للجيش صلاحية تحديد مستويات القوات في العراق وسوريا([21])، وفي ظل هذا السناريو قد تتمكن الولايات المتحدة من إنجاز معركة الرقة، ولكن بجهد كبير وانخراط مباشر وفترة زمنية طويلة، وستبقى الإشكالات السياسية عالقة، وخصوصاً مع تركيا، لتُرحّل ذات الإشكاليات إلى معركة ما بعد الرقة، وفي ظل إصرار تركيا وجديتها في منع سيطرة "سوريا الديمقراطية" على مزيد من الأراضي، وتقطيع أوصال المناطق التي بحوزتها، فقد يؤدي تأزم الموقف مع الولايات المتحدة؛ إلى أن يكون المخرج الوحيد لهذا السيناريو هو مخرج منبج، وهو ما تطمح إليه موسكو أي استغلال الخلافات الأمريكية التركية لطرح مشاركة قوات النظام في المعركة.

السيناريو الثاني

التعاون الأمريكي التركي واستبعاد الأكراد؛ وذلك وفق الخطتين التركيتين، إما الدخول إلى الرقة من تل أبيض وإفساح قوات سوريا الديمقراطية ممراً للقوات التركية بعرض 25كم، وهذا معناه خسارة الـPYD لتل أبيض وقطع الاتصال بين القامشلي وعين العرب (كوباني) وهو أمر شبه مستحيل، أو الدخول من الباب وهذا يعني إما الصدام مع قوات النظام أو التنسيق معها، ولا يبدو إلى الآن أن الاستغناء الكامل عن قوات سوريا الديمقراطية وارد في احتمالات الإدارة الأمريكية، كما أن الخيار بمشاركة قوات عربية مدعومة من تركيا إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية هو أمر غير وارد أيضاً، وهو مرفوض من تركيا ومن سوريا الديمقراطية، فالمعركة بالنسبة لتركيا لا تقبل القسمة على اثنين وبخاصة مع الكرد .

السيناريو الثالث

التوصل إلى اتفاق أمريكي روسي حول صيغة الحل في سوريا، يترتب عليه تحييد تركيا ومشاركة قوات النظام إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية، وهو أمر لا ترفضه الأخيرة، وما يعزز هذا الاحتمال هو سعي النظام المحموم للتقدم في ريف حلب الشرقي للوصول إلى الحدود الإدارية لمحافظة الرقة (محور خناصر الرقة)، وتعزيز وجوده في "أثريا" على طريق مدينة الطبقة، بالإضافة إلى تواجده في تدمر والتي تمثل نقطة في البادية على طريق تدمر الرقة، وهو ما يحاول تعزيزه للسيطرة على نقاط أكبر في البادية عبر مهاجمة مناطق سيطرة "أسود الشرقية" في الأيام الماضية([22])، يضاف لذلك النقاط العسكرية التي يمتلكها النظام في دير الزور وبخاصة في الريف الغربي المتصل مع الرقة، أو مطار دير الزور العسكري في الريف الشرقي للمحافظة والذي ينتهي بالحدود السورية العراقية، الأمر الذي يفرض عسكرياً على التحالف الدولي التعاون مع قوات النظام إن لم يكن في معركة الرقة فسيكون في معارك ما بعد الرقة .

السيناريو الرابع

قد يشكل اجتماع أستانة الأخير، وما تمخض عنه من توافق حول إقامة أربع "مناطق منخفضة التوتر"؛ مقدمة لسيناريو رابع يقوم على فتح الولايات المتحدة الأمريكية المجال لمشاركة جميع الأطراف في معركة الرقة وما بعدها، عبر محاور يتم توزيعها بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام والمعارضة المدعومة من تركيا، حيث تقوم القوات الأمريكية والروسية بتنسيق الأدوار بين القوى المنخرطة في المعركة بشكل يضمن فاعليتها، ويمنع الاحتكاك أو الاشتباك بينها، وما يدعم فرضية هذا السيناريو، هو التوافق على خطة المناطق منخفضة التوتر، والذي يشمل هدنة بين قوات النظام والمعارضة وتثبيت لمناطق النفوذ بشكل يسمح للطرفين بتركيز جهودهم لحرب تنظيم الدولة، كما أن رعاية تركيا وروسيا لهذا الاتفاق والمناخ الإيجابي للقاء الذي جمع الرئيسين التركي والروسي قبل الاتفاق، يحمل دلالات على وجود تفاهمات مرضية لتركيا حول معركة الرقة، كما أن الموقف الأمريكي المرحب بالاتفاق يحمل إشارة لاحتمال تفاهم ثلاثي حول المعركة، خصوصاً وأن روسيا أعادت العمل باتفاق التنسيق الجوي مع الولايات المتحدة في سوريا، والذي كانت جمدته بعد ضرب الأخيرة لمطار الشعيرات، ولكن يبدو أن ملامح هذا التفاهم الثلاثي ستتضح بشكل أكبر بعد اللقاء المرتقب بين الرئيس التركي ونظيره الأمريكي في منتصف الشهر الجاري .

 

خريطة رقم (2)

الخاتمة

يبدو أن الوجود الأمريكي في سوريا لحرب تنظيم الدولة، والذي يمثل متغيراً جديداً في معادلة القوة السورية، أضفى على المشهد مزيداً من التعقيد والتشابك بين مصالح أطراف متنافرة، تحاول الولايات المتحدة الاستفادة منها وتحجيمها بالوقت ذاته، وعليه كان أهم إنجازات الدخول الأمريكي هو تقويض تفاهمات ما بعد حلب والتي أرستها روسيا، في محاولة لفرض تفاهمات جديدة تتوافق مع العودة الأمريكية إلى الانخراط المباشر بقضايا الشرق الأوسط، ولكن تلك التفاهمات الجديدة لا تزال غير واضحة المعالم، ويبدو أنها مؤجلة إلى ما بعد القضاء على تنظيم الدولة، والتي تشكل معركة الرقة وما بعدها نقطة ارتكاز  لتلك التفاهمات، ومحدداً لمصير وشكل سوريا التي سيتم التوافق عليه بين أطراف الصراع الإقليمية والدولية .

 


([1]) فابريس بالونش، معركة استعادة الباب تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/PFTMX9

([2]) تركيا تعلن انتهاء عملية درع الفرات، موقع الجزيرة نت، متوافر على الرابط: https://goo.gl/rA6rof

([3]) “جيش درع الشرقية” تشكيلٌ جديد لمواجهة ثلاث قوىً شرق سوريا، جريدة عنب بلدي، متوافر على الرابط: https://goo.gl/y4zVWx

([4]) تعرف على خطة تركيا لتحرير الرقة السورية، موقع تركيا الآن، متوافر على الرابط: https://goo.gl/cmJr9X

([5]) تنسيق روسي أمريكي تركي بشأن سوريا، موقع الجزيرة نت، متوافر على الرابط: https://goo.gl/O7cAC6

([6]) موسكو تعرض «تعاوناً» مع الأميركيين في سورية، صحيفة الحياة، متوافر على الرابط: https://goo.gl/JedtYH

([7]) صافيناز أحمد، منبج والرقة. التداخلات الدولية والإقليمية وخرائط النفوذ الجديدة في سوريا، مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، متوافر على الرابط: https://goo.gl/PyVtoS

([8]) إبراهيم حميدي، "مفاجأة موسكو بين منبج والباب: إغراء واشنطن وتقليص منطقة أنقرة"، جريدة الحياة، متوافر على الرابط: https://goo.gl/VnGkKn

([9]) لاريجاني: تدخل أمريكا في سوريا ليس لصالحها. وحضور قوات المارينز لم يكن بالتنسيق مع طهران. ولا نهدف إلى تحقيق مصالح خاصة في سوريا، موقع صحيفة رأي اليوم، متوافر على الرابط: https://goo.gl/PRk0SA

([10]) صافيناز أحمد، منبج والرقة... التداخلات الدولية والإقليمية وخرائط النفوذ الجديدة في سوريا، مرجع سبق ذكره.

([11]) إبراهيم حميدي، "مفاجأة موسكو بين منبج والباب: إغراء واشنطن وتقليص منطقة أنقرة"، جريدة الحياة، مرجع سبق ذكره.

([12]) «المارينز» في سورية لتسريع معركة الرقة... و «طمأنة» تركيا، جريدة الحياة، متوافر على الرابط: https://goo.gl/UELPQg

([13]) المرجع السابق.

([14]) بعد تخليه عن خطة أوباما. ترامب يبحث عن طريقه إلى الرقة، موقع روسيا اليوم، متوافر على الرابط: https://goo.gl/jvyX8p

([15]) "داعش" ينسحب من الطبقة بموجب اتفاق مع "قسد"، صحيفة العربي الجديد، متوافر على الرابط: https://goo.gl/3cZcD3

([16]) المرحلة الرابعة لـ"غضب الفرات": محاولة الوصول إلى تخوم الرقة، صحيفة العربي الجديد، متوافر على الرابط: https://goo.gl/JTHxLS

([17]) الرقة.. بين مجازر التحالف والتمهيد لما بعد داعش، جريدة عنب بلدي، متوافر على الرابط التالي: https://goo.gl/OiQTJ0

([18]) مجزرة جديدة يرتكبها التحالف الدولي في "المنصورة" بريف الرقة، جريدة زمان الوصل، متوافر على الرابط: https://goo.gl/6VUbGZ

([19]) التحالف الدولي يرتكب مجزرة مروعة في الطبقة، موقع الرقة بوست، متوافر على الرابط: https://goo.gl/pp2wLv

([20]) المرحلة الرابعة لـ"غضب الفرات": محاولة الوصول إلى تخوم الرقة، صحيفة العربي الجديد، مرجع سبق ذكره.

([21]) ترامب يمنح البنتاجون سلطة تحديد مستويات القوات بالعراق وسوريا، وكالة رويترز للأنباء، متوافر على الرابط: https://goo.gl/7Er9oO

([22])"أسود الشرقية": النظام يحاول التقدم في ريف السويداء الشرقي، موقع ميكروسيريا، متوافر على الرابط: https://goo.gl/zB8cIV

التصنيف أوراق بحثية