ملخص: أُعلن عن تشكيل جيش الشام في 9/10/2015م، مع اقتحام تنظيم الدولة (داعش) مرة أخرى مناطق ريف حلب الشمالي وسيطرته على مواقع أهمها: مدرسة المشاة وتل قراح وتل سوسين، بعد قرابة شهرين من "تسريبات" مؤسسي الجيش أنفسهم عن تشكيله، وبعد شهور من العمل عليه، فيما بدا محاولة من التشكيل الجديد أن يعلن عن نفسه عبر معركة لا عبر بيان، فبدأ أول معاركه مع تنظيم داعش باستعادة "تل سوسين" (9/10/2015م) مع فصائل الجيش الحر في حلب، وكانت معركته الأخرى بعد أيام باستعادة "تل جبين" (14/10/2015م) مع ذات الفصائل تقريباً، وقد أصدر جيش الشام بيان التشكيل مع علم الثورة السورية (ما يحسم قطيعته مع السلفية الجهادية أو الجهادية المعولمة)، وبشعار معبر عن الخط عريض الأهداف (جيش الشام: ثورة على الطغاة والغلاة).
وأظهرت ردات الفعل على تشكيل الجيش نوعاً من الارتباك أو ضبابية الرؤية أو التصنيفات المسبقة، ما بين ردود الفعل في الفضاء الجهادي الذي امتلأ بالكلام عن "مشاريع شق الصف"، أو الفضاء الدولي الذي عبّر عنه السفير الروسي في دمشق الذي أكّد بعد أيام من تشكيل الجيش (14/10/2015) أن أهداف روسيا في سوريا ليس الجيش الحر وإنما التنظيمات الإرهابية: داعش، جبهة النصرة، أحرار الشام، جيش الإسلام، جيش الشام.
تقدم هذه الورقة تعريفاً للجيش حسب بنيته وقادته وفكره، وضمن الخارطة الفصائلية للشمال السوري، وديناميات التفاعل والتحول المتمايزة فيه.
مقدمة
أُعلن عن تشكيل جيش الشام في 9/10/2015م ( )، مع اقتحام تنظيم الدولة (داعش) مرة أخرى مناطق ريف حلب الشمالي وسيطرته على مواقع أهمها: مدرسة المشاة وتل قراح وتل سوسين، بعد قرابة شهرين من "تسريبات" مؤسسي الجيش أنفسهم عن تشكيله، وبعد شهور من العمل عليه، فيما بدا محاولة من التشكيل الجديد أن يعلن عن نفسه عبر معركة لا عبر بيان، فبدأ أول معاركه مع تنظيم داعش باستعادة "تل سوسين" (9/10/2015م) مع فصائل الجيش الحر في حلب، وكانت معركته الأخرى بعد أيام باستعادة "تل جبين" (14/10/2015م) مع ذات الفصائل تقريباً، وقد أصدر جيش الشام بيان التشكيل مع علم الثورة السورية (ما يحسم قطيعته مع السلفية الجهادية أو الجهادية المعولمة)، وبشعار معبر عن الخط عريض الأهداف (جيش الشام: ثورة على الطغاة والغلاة).
وأظهرت ردات الفعل على تشكيل الجيش نوعاً من الارتباك أو ضبابية الرؤية أو التصنيفات المسبقة، ما بين ردود الفعل في الفضاء الجهادي الذي امتلأ بالكلام عن "مشاريع شق الصف"، أو الفضاء الدولي الذي عبّر عنه السفير الروسي في دمشق الذي أكّد بعد أيام من تشكيل الجيش (14/10/2015) أن أهداف روسيا في سوريا ليس الجيش الحر وإنما التنظيمات الإرهابية: داعش، جبهة النصرة، أحرار الشام، جيش الإسلام، جيش الشام.
تقدم هذه الورقة تعريفاً للجيش حسب بنيته وقادته وفكره، وضمن الخارطة الفصائلية للشمال السوري، وديناميات التفاعل والتحول المتمايزة فيه.
جذور التشكيل
ينتمي أغلب قادة (جيش الشام) إلى حركة أحرار الشام الإسلامية (سابقاً)، ومعظمهم من المؤسسين للحركة وكانوا ضمن مناصب قيادية فيها، دون أن تنعكس هذه النسبة نفسها على القواعد أو المقاتلين، الذين ينتمون إلى تشكيلات مختلفة، بعضها من أحرار الشام وفيلق الشام وتشكيلات الجيش الحر الصغيرة.
وينتمي جيش الشام بشكل مباشر للشهادة الجماعية التي طالت قادة حركة أحرار الشام الإسلامية في الاجتماع المعروف برام حمدان (9/9/2014م)، وإعادة هيكلة الحركة التي تلت ذلك في مرحلة الثلاثي القيادي الجديد (أبو جابر الشيخ القائد العام، أبو صالح طحان القائد العسكري، أبو محمد الصادق الشرعي العام).
ولكنه ينتمي كذلك بشكل غير مباشر إلى أزمات الشمال السوري وقلقه البنيوي العام، بحكم الصراع الأيديولوجي المستمر منذ دخول السلفية الجهادية إلى ساحة الثورة السورية، وتركز في الشمال السوري، الذي مر منذ 2013م بسيرورة من "تضخم التمثيلات" الأيديولوجية والسياسية والإعلامية، وإن كانت نتائج هذا الصراع قد عمت الثورة السورية ككل.
ولا ينفصل قادة أحرار الشام وجيش الشام أنفسهم عن مسيرة الانتماء للسلفية الجهادية أو التأثر بها ثم المرور بالتحولات المريرة عبر صدمات الواقع الدموية، حتى الوصول إلى خطاب أكثر ثورية ووطنية واتساقاً مع المزاج الشعبي العام.
فيما بعد الشهادة الجماعية لقادة أحرار الشام، عملت القيادة الجديدة على السعي المتزايد نحو مركزية القرار في الحركة، وإضعاف مراكز القرار (والخطاب) الفرعية، في سعي نحو تقوية القيادة المؤسسية للحركة، وتعميم فكر واحد ضمن القواعد.
ولكن سياسة إعادة الهيكلة هذه، والتي نجحت في أهدافها إلى حد بعيد، واجهت مع ذلك ارتباكاً (فكريّاً وإداريّاً) في تنفيذها، وأدت إلى عزل وانعزال عدد من قادة الحركة السابقين وحتى ضمن المؤسسين للحركة، عدا عن تفكك بعض القوى الرئيسة فيها (مثل لواء بدر)، وتراجع النفوذ على الأرض عبر السلطة المدنية أو القضائية لصالح دور القضاء المحسوبة على جبهة النصرة، عدا عن تقديم بعض الشخصيات الأكثر محافظةً في المراكز القيادية رغم الانزياح المتزايد في خطاب الحركة المعلن نحو خط سياسي ثوري وطني.
وكان ضمن الذين أبعدوا (أو ابتعدوا): أبو عبد الرحمن السوري، يامن الناصر، أبو العباس الشامي، أبو البراء معرشمارين، أبو محمود تلعادة، وغيرهم.
الفضاء الحيوي
على مستوى أوسع من الحركة، لم تنجح مشاريع التوحيد المتعددة التي طُرحت أو بدأت في الشمال السوري، على المستوى المناطقي، سواء التي حاولت جمع فصائل الشمال السوري (ما زال يُطرح حتى الآن مشروع الجبهة الشمالية على غرار الجبهة الجنوبية)، أو الفصائل الثورية على مستوى وطني (الجبهة الإسلامية)، أو جمع الفصائل في كل محافظة (الجبهة الشامية في حلب)، أو حتى ضمن مناطق ذات هوية متمايزة ضمن المحافظات (جيش المجاهدين في ريف حلب الغربي)، أو المشاريع التي طُرحت لجمع فصائل "الجيش الحر" في جبهات مترابطة (مثل فصائل الجيش الحر في الشمال الغربي الذي يضم حماة وإدلب والساحل، والتي تعرضت في "حملة الإمارة" ما بين تموز 2014م – آذار 2015م إلى عملية إضعاف وتفكيك مركزة من قبل جبهة النصرة وجند الأقصى، وحاول جيش النصر جمع قسم واسع منها دون أن يتوسع ليكون كياناً جامعاً)، مع نجاح أفضل لمشاريع غرف العمليات التي طرحت قدراً أقلّ من الاندماج لصالح التنسيق العسكري واستمرار عمل الفصائل وبنيتها بشكل مستقل (وجيش الفتح هو المثال الأهمّ هنا).
ويمكن ملاحظة هذا القلق البنيوي العام في الشمال السوري، على المستوى الأيديولوجي الذي ما زال يعيش صراعاً يتمركز حول الشرعية الدينية وأفضلية التمثيل الجهادي، بسبب وجود السلفية الجهادية التي عرّفت نفسها بالنقيض من الجيش الحر ذي البعد المحلي والأقلّ أدلجةً، وبسبب وجود الصراع ما بين الجهاديين بمستوياتهم المختلفة وما بين الفصائل الثورية (مع إقرار التداخل بين التصنيفين)، وعلى المستوى الفصائلي أيضاً، مع وجود الفصائل الثورية غير المؤدلجة (معظم فصائل الجيش الحر)، والاختلافات فيما بينها حسب الانتماء المناطقي أو التحالفات أو الجبهات...الخ، والفصائل التي عرّفت نفسها بكونها ذات مشروع إسلامي وتأثرت بالتيار الجهادي (أحرار الشام خاصة)، والفصائل التي تنتمي لتنظيم القاعدة ولديها خلاف معلن مع تنظيم داعش ولكنها تحمل خطاباً سلبياً تجاه الفصائل الثورية أيضاً (جبهة النصرة)، والفصائل التي تنتمي للسلفية الجهادية ولكنها لا تحمل موقفاً ضد تنظيم داعش وتتبنى موقفاً أكثر سلبية وعدوانية تجاه الفصائل الثورية (جند الأقصى)، عدا الفصائل التي يغلب عليها المهاجرون والتي توسعت أعدادها بوضوح بعد حملة الإمارة (الحزب التركستاني الإسلامي وفصائل القوقاز ومجموعات الأوزبك..الخ).
إن هذه التناقضات غير المحلولة في الشمال السوري (الذي نتعامل معه كفضاء حيوي متصل)، والتي تحضر كصراع أيديولوجي/ميداني/سياسي/اجتماعي لا كمساحة اختلاف سياسي مكرسة في المجال العام، وهي صراعات غير مذوّبة ضمن كيان مؤسسي جامع، أو يحدد ثنائية الاختلاف ما بين الفصائل الثورية والجهادية (حيث تبقى حركة أحرار الشام فقط في الوسط بين التصنيفين)، أو يوحد الفصائل الثورية والجهادية ضمن غرف العمليات العسكرية على مستوى المناطق، أو يوحد حتى المرجعية القضائية أو المدنية ضمن كل منطقة، إضافة للتباين في المناطق أو مستوى الدعم والاستنزاف وخطوط الرباط والاشتباك مع تنظيم داعش أو نظام الأسد، والتنافس الذي يظهر كمزايدات دائمة على الشرعية الجهادية والثورية والميدانية، كل هذا يبقي الشمال السوري في حالة مستمرة من تبدل التحالفات أو تنقل المقاتلين أو نشوء تحالفات جديدة، وإن كانت تقل وتيرة (أو حدة) هذه السيولة مع الوقت وتمايز الكيانات الكبرى، وهو ما ندعوه بالحركية المستدامة للشمال السوري.
وقد نجد نوعاً من هذه المرونة الميدانية والتنافس الأيديولوجي واختلاف المشاريع والارتباطات في معظم مناطق القتال، في الجبهة الجنوبية خاصة، ولكن ثنائيات المجال العام في الجنوب أكثر وضوحاً في الاختلاف ما بين الفصائل الثورية والجهادية، إضافة إلى عدم حدوث صراعات عسكرية على مناطق النفوذ ما بين جبهة النصرة وفصائل الجيش الحر كما حصل في إدلب.ورغم عدم نجاح مشاريع التوحد العسكرية والقضائية في الجنوب، إلا أن البنية المحلية العشائرية المتماسكة إلى درجة ما، وانخفاض نسبة غير السوريين (المهاجرين)، إضافة إلى انخفاض نسبة الفصائل المحلية (الثورية) التي تمايزت تحت شعار أيديولوجي عن مسمى الجيش الحر (أحرار الشام، جيش الإسلام...الخ) بحثاً عن موقع وسط بين التصنيفين، ووجود فصائل الجيش الحر غير المؤدلجة بنسبة كبيرة في مقابل جبهة النصرة ...، كل هذه العوامل جعلت
الفضاء العام أكثر تماسكاً وأقلّ صراعاً على الأسس لفترة طويلة (مع طروء تحولات واضحة على هذا التماسك مؤخراً)، رغم حضور بذور هذا الصراع الدائمة.
ويمكن الحديث هنا عن جغرافية الأيديولوجيا في الثورة السورية، حيث تركز الصراع النظري والميداني ضمن الفضاء الثوري والجهادي في الشمال السوري، وبلع تعدد التصنيفات وتنافسها وتحوّلاتها أقصاه ما بين فصائل الجيش الحر (على تنوعها واختلاف مدى التزامها وعلاقاتها) وأحرار الشام (التي اتخذت موقعاً مشتركاً بين الثوري والجهادي) وجبهة النصرة وتنظيم داعش، وحيث بلغ تمدد الأيديولوجيا الجهادية نظريّاً ومجموعات "المهاجرين" ميدانيّاً مداه الأقصى، كما توسع التنافس السياسي بين الفصائل، وتعددت الكيانات الكبرى دون وجود سلطة مهيمنة، ولا خطاب مهيمن، ما يجعل من الشمال السوري منطقة رمال متحركة بحكم القلق البنيوي العميق فيه، وصراع أنظمة الحقيقة والمصالح المرجعية لأنظمة القوة القائمة.
القيادة
أهم قادة الجيش في المرحلة الحالية:
•أبو العباس الشامي (أبو العباس التوت): سُجن أبو العباس قرابة عشرين عاماً في صيدنايا، ويعتبر من المراجع الشرعية لحركة أحرار الشام الإسلامية منذ التأسيس، وكان "شيخ" قادة الحركة الراحلين في السجن، واستمرّ دوره "الأبوي" خلال تأسيس الحركة، وفيما قبل الشهادة الجماعية للقادة الراحلين كان أبو العباس أعلن أكثر من مرة أنه لا علاقة تنظيمية بينه وبين الحركة، ولكن بعد حادثة الشهادة وتولي (أبو محمد الصادق) كشرعي عام للحركة، يبدو أن هذه العلاقة انقطعت، ولا يشغل أبو العباس منصباً تنظيميّاً في هيكلية جيش الشام، ولكنه يعتبر المرجعية الشرعية و "الأبوية" للتشكيل الجديد.
•أبو عبد الرحمن السوري (محمد طلال بازرباشي): من مؤسسي الحركة، ومن محافظة إدلب، وكان عضو مجلس شورى الحركة، والناطق الرسمي باسم الحركة، وهو من تلا بيان تأسيس "كتائب أحرار الشام" ثم بيان تأسيس "الجبهة الإسلامية السورية" ثم بيان تأسيس "حركة أحرار الشام الإسلامية"، وشارك في المعركة ضد تنظيم داعش في باب الهوى وريف إدلب بداية 2014م، وعُرف أبو عبد الرحمن بآرائه الأكثر صلابة ضد تنظيم داعش (مقارنة بالموقف العام المبكر للحركة)، حيث يعتبر أن تنظيم داعش ينتمي لفئة "الزنادقة المرتدين" لا إلى فئة "الخوارج المسلمين"، استناداً إلى رأي فقهي يرى أن "الخوارج" حسب الاصطلاح الفقهي لا يعتبرون مسلمين، ويتضمن هذا بطبيعة الحال موقفاً أكثر نقدية تجاه السلفية الجهادية بالعموم وتنظيم القاعدة خاصة.
•يامن الناصر (أبو بكر الديري): من مؤسسي الحركة، ومن محافظة دير الزور، وأسس فرع الحركة في معرة النعمان مع القيادي المعزول (أبو البراء معرشمارين)، وأسهم في تأسيس فرع الحركة في حلب، وكان أمير الحركة في حلب، ثم تم تعيينه كأمير للحركة في المنطقة الشرقية، وعمل على تأسيس الحركة في الحسكة ودير الزور، وترك الحركة بعد الشهادة الجماعية للقادة الراحلين.
•أبو حمص (علي عيسى): وهو القائد العسكري لجيش الشام، من بلدة رتيان في ريف حلب الشمالي، وكان من أهم القادة العسكريين لحركة أحرار الشام، وشارك في معارك ريف حلب الجنوبي أواخر 2013م، كما شارك في معارك صد داعش في ريف حلب الشمالي منذ بداية 2014م، وكان له دور رئيس في صد رتل النظام المتقدم عبر باشكوي ورتيان وحردتنين (17 شباط 2015م)، وترك الحركة قبل قرابة أربعة أشهر من تأسيس جيش الشام.
•النقيب محمود: كان ضمن كتائب ثوار الشام من الجيش الحر في ريف حلب الغربي.
•أبو أنس اعزاز: كان ضمن أحرار الشام وترك الحركة.
•الشيخ مراد: كان ضمن فيلق الشام في ريف إدلب الجنوبي.
واعتمد الجيش على أسماء عدة كمراجع شرعية ونظرية دون أن يكونوا تنظيمياً ضمن الجيش، مثل أبو بكر علوش، وحذيفة عزام، وصالح الحموي، وغيرهم.
الخطاب (أو التصنيف)
اعتمد جيش الشام منذ بدايته على خطاب ثوري وطني يصرّح بقطيعته مع الخطاب السلفي الجهادي العام، واعتمد شعار علم الثورة السورية، وهي الخطوة التي لم تقدمْ عليها حركة أحرار الشام حتى الآن، باعتبارها إحدى نقاط المفاصلة في فضاء المزايدات الذي فرضته السلفية الجهادية على الثورة السورية.
كما صرّح الجيش بأهدافه وبنيته السورية البحتة، ويظهر خطاب الجيش وتوجه قيادته، تصنيف أنفسهم ضمن الفضاء الثوري والقطيعة مع التيار السلفي الجهادي أو التيار الجهادي المعولم، ولعل التقدم خطوةً على حركة أحرار الشام في هذا الجانب أحد دوافع هذا الأمر، حيث ما زالت الحركة تعتمد على ثنائية الثوري والجهادي في تعريفها لنفسها وكسبها لشرعيتها.
ودون أن يستخدم التشكيل وصف "الجيش الحر" في تصنيف نفسه، إلا أن خطابه وتحالفاته وتوجهه تقع ضمن الإطار العريض الذي يجمع فصائل الجيش الحر كفصائل ثورية وطنية متمايزة عن التيار السلفي الجهادي أو التيار الجهادي المعولم.
ولعلّ تعريف الجيش لنفسه يظهر التصنيف الذي أراد أن يوضع فيه:
"اسم الجيش وشعاره "جيش الشام" ثورة على الطغاة والغلاة، يعطي شعبنا تعريفاً به، سمي جيش الشام لأنه لأهلها ولحماية أرضها "سوريا"، كوادره من أهلها وما يملكه هو لخدمتهم وتحقيق آمالهم وطموحاتهم، يحمل الهوية الإسلامية التي هي أملنا انطلقت به الثورة "يا الله ما لنا غيرك يا الله".
وشعاره: ثورة على الطغاة والغلاة، الطغاة الذين يريدون الاستبداد والاستئثار بالمال والجاه والسلطة، واستعباد الناس وظلمهم، والغلاة هم أدوات أولئك الطغاة ومصنعهم.
وعلم الثورة هو العلم الذي قبله عموم شعبنا، وكان لهم رمز استقلال عن الانتداب الفرنسي واليوم هو رمز التحرر من طغيان الطغاة وجرم الغلاة".
البنية
يتشكل جيش الشام من قيادات كان غالبهم ضمن حركة أحرار الشام الإسلامية قبل إبعادهم أو ابتعادهم، وتتشكل قواعده من مجموعات كانت شبه تابعة لهؤلاء القادة في أحرار الشام، إضافة لمجموعات متنوعة من المقاتلين من كتائب جيش حر صغيرة أو مقاتلين مستقلين في المناطق التي ينشط فيها الجيش في الشمال السوري، خاصة ريف حلب الشمالي وريف إدلب وريف حماة الشمالي، ويبلغ عدد مقاتليه قرابة الألفين في مرحلته الراهنة.
وهذه الانتماءات المختلفة (وإن كانت حاضرة بنسب مختلفة في مجمل الفصائل الثورية) تنعكس على بنية الجيش وأهدافه العسكرية، باعتبارها تظهر الجيش -رغم قلة عدده النسبية-ممثلاً للشمال السوري، وباحثاً عن امتداد شامل فيه، أكثر مما هو منتمٍ إلى منطقة محددة فيه.
وطرح قادة جيش الشام استراتيجيتهم التوسعية، على أنها تستهدف المجموعات الصغيرة لجمعها في فصيل منظم ومتماسك، إضافة للمقاتلين الذين تركوا الساحة.
ويعتمد نجاح هذه الخطة التوسعية بشكل رئيس، على إنجازات الجيش في مرحلته الأولى والتي أتت في وقت صعب ومفصلي بالنسبة للثوار في الشمال السوري، إضافة إلى حجم الدعم أو القدرة المادية المتوفرة لديه.
التحدي العسكري
أتى إعلان جيش الشام في مرحلة مفصلية على المستوى العسكري بالنسبة للثورة السورية، على إثر حملة تنظيم داعش المتجددة على ريف حلب الشمالي، وبدء التدخل الروسي، واشتعال جبهات الصراع كافة وبوقت متزامن وضمن هجوم مكثف، في الشمال السوري خاصة (الساحل، ريف حماة الشمالي، سهل الغاب، ريف حلب الجنوبي، ريف حلب الشمالي)، وفي حلب بشكل مضاعف بحكم التهديد المشترك من تنظيم داعش وقوات النظام وحلفائه.
ولعلّ ذلك يُضعف قدرة جيش الشام أو أي فصيل آخر على تحقيق إنجاز عسكري منفرد أو حاسم، بقدر ما يضاعف من الضغط العسكري الميداني عليه.
ولكن توجه جيش الشام يتركز نحو صد حملة تنظيم داعش في ريف حلب الشمالي، إضافة للمشاركة مع فصائل الجيش الحر وأحرار الشام في صد حملة النظام وحلفائه على ريف حماة الشمالي.
خاتمة
تشكل جيش الشام من قلب التحديات الميدانية والأيديولوجية في الشمال السوري، لا كانشقاق عن حركة أحرار الشام، بقدر ما كان تعبيراً عن أزمتها الداخلية في المرحلة التي تلت الشهادة الجماعية للقادة الراحلين، وعلى مستوى أوسع كان تعبيراً عن أزمة الشمال السوري وصراعاته داخل الفضاء الثوري والجهادي، ما يترك الشمال السوري في حالة من سيولة التحالفات الدائمة، ويمنع قيام سلطة ثورية موحدة فيه، كما يمنع التوافق بين مكوناته على خطوط سياسية أو أيديولوجية عامة تجمع بينها، حتى بالنسبة للثورة السورية نفسها، التي لا يقتصر التعامل "التكفيري" معها ومع شعاراتها وفصائلها ومشروعها السياسي على تنظيم داعش وحده.
ويتبنى جيش الشام خطاباً ثورياً وطنيّاً بمرجعية إسلامية، وهو تقدّم في خطاب قادته الذين مرّوا بتجربة جهادية طويلة وبأزمات دموية نتيجة خلافات الجهاديين ومنهج السلفية الجهادية والتيار الجهادي المعولم، وهو ما يضع جيش الشام تصنيفاً ضمن الإطار العريض الذي يجمع فصائل الجيش الحر، ويعتبر متقارباً معها في البنية والأهداف والتحالفات.
ويمتد وجود جيش الشام في مرحلته الراهنة على جبهات حلب وإدلب وحماة، ويعتبر قتال تنظيم داعش أولويته بالتوازي مع قتال النظام، وبنى خطة توسعه "المعلنة" على استقطاب المجموعات الأصغر، ممن تركوا التحالفات الكبرى أو لم ينضموا إليها، ويتوقف نجاح تمدده على قدرته على فرض إنجازات عسكرية حاسمة، وكذلك على قدرته المادية، وكلاهما يأتي في مرحلة مفصلية بالنسبة للتحديات العسكرية والسياسية التي تواجهها الثورة السورية.