رأى معن طلاع، الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ضمن تصريحه لصحفية الشرق الأوسط، بتاريخ 5 آب/ أغسطس 2018، أن ملف العودة بشكل رئيسي يرتبط بإزالة أسباب الهجرة الرئيسية، التي لا تزال غائبة عن الهندسة الروسية للحل السياسي في سورية، وقال: «أي حل يرتبط ارتباطاً عضوياً بانتهاء مسببات الصراع، وليس نتائجه فقط، فملف العودة وضرورات الاستقرار لا تزال تغيب معاييرها وشروطها عن المبادرة الروسية».

وفيما يتعلق بتصريحات افرينتييف الأخيرة عن الحكومة السورية، فقد حللها بالباحث بالقول: «تهدف موسكو من مبادرتها لتحقيق أمرين: أولهما المساندة المالية التي تتطلب مبالغاً يصعب عليها وحلفائها تأمينها بمفردهم؛ وثانيهما: تأسيس مناخات سياسية تؤمن انخراط أعداء النظام في عملية شرعنة نظام الأسد بشكل تدريجي».

رابط المصدر: https://bit.ly/2Oag9jK

أجرت صحيفة القدس العربي حوراً مع الباحث معن طلاع -من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية-رأى فيه أن معارك الجنوب السوري شكلت تحولاً متوقعاً في التعاطي الأمريكي مع الملف السوري، إذ باتت بوصلته متوافقة (في الهدف) مع الحركية العسكرية الروسية الرامية لتعزيز سلطة قوات النظام السوري على الحدود والمعابر السورية، مقابل ادعاءات موسكو بضبط ميليشيات طهران في الجنوب والتي باتت جزءاً أصيلاً في مكونات الجيش لا سيما الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وقوات النمر...

 

للمزيد تابع رابط المصدر: http://www.alquds.uk/?p=976636

 

من بعد مؤتمر أستانة وما نتج عنه من اتفاقات "خفض التصعيد"، يسير الملف السوري عسكرياً وفق بوصلة روسية باتجاه استعادة مناطق سيطرة المعارضة، سواء عبر الضغط العسكري أو التوافقات الإقليمية-الدولية، والتي تفضي في النهاية إلى تسويات محلية على الأرض لصالح موسكو وحليفها، وذلك بهدف روسي قريب يتمثل: باستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، سواء عسكرياً أو إدارياً (مؤسسات الدولة)، وإعادة ضبط الحدود واستكمال عمليات نزع السلاح الثقيل والمتوسط من أيدي المعارضة المسلّحة وتحييد الجيوب المصنفة "إرهابية" وفتح وتنشيط شبكة الطرقات الدولية. في حين يتمثل الهدف على المستوى البعيد بالسعي لترجمة كل تلك "الإنجازات" على الأرض إلى حصيلة سياسية تساهم في إعادة ضبط مسار الحل السياسي لصالح موسكو.

 وضمن هذا السياق، لا يمكن اعتبار محافظة إدلب استثناءً، خاصة وأن الروس بدأوا يلمحون لاحتمالية اندلاع معركة قريبة، مقابل تحذيرات تركية من انهيار اتفاق "خفض التصعيد"، الذي هو من الأساس مخترق في إدلب عبر عمليات القصف الروسية التي لم تهدأ خلال الأشهر الفائتة.

 لذلك، فإن وجود إدلب على خط المسار الروسي هو الثابت، ليبقى المتغيّر هو كيفية التعاطي معها بطبيعتها الجغرافية والإنسانية والفصائلية، والمحكومة بالضرورة بتوافقات روسية-تركية بالدرجة الأولى وأمريكية-تركية بدرجة أقل، وضمن تلك التوافقات المحتملة فكل السيناريوهات واردة؛ بدءاً من عمل عسكري للنظام والروس على أجزاء من المحافظة، مروراً باحتمالية ضبط بعض الفصائل وإعادة تشكيلها من قبل الجانب التركي ودفعها لمحاربة "هيئة تحرير الشام" و"حراس الدين" وغيرهم بدعم روسي، وخلق صيغ جديدة لضبط الحدود وإدارة المعابر ودخول "مؤسسات الدولة" وتأمين الجانب الإنساني، وصولاً إلى احتمالية تسويات جديدة ومختلفة تماماً، الثابت فيها محاربة "هيئة تحرير الشام" و"حراس الدين" وبعض الجيوب المصنفة "إرهابياً"، والمتغيّر هو مستقبل باقي فصائل المعارضة العسكرية والوضع الإنساني، ووفق السيناريوهات العديدة المحتملة لا يمكن استبعاد أن يتولى الجانب التركي عمليات نزع السلاح الثقيل والمتوسط وإعادة ضبط الفصائل وفق تركيبة جديدة بالتنسيق مع الروس وبشكل يجنب المحافظة الكارثة الإنسانية وتداعياتها المحتملة على الحدود التركية.

 وتبقى التوافقات الدولية وما قد يطرأ عليها من متغيرات هي العامل المرجح لسيناريو على حساب آخر أو حتى سيناريوهات جديدة، خاصة قمة هلسنكي وما ينتظر أن يتمخض عنها حول مستقبل الملف السوري من اتفاقات غير معلنة، فإذا استطاعت موسكو إقناع واشنطن بمنحها فرصة استكمال الترتيبات العسكرية على الأرض ومن ثم شرعنتها بمخرَج سياسيّ، سواء عبر حرف جنيف أو إعطاء زخم أكبر لسوتشي؛ فهذا سينعكس بالضرورة على تقويض هامش المناورة التركية مع روسيا، وبالتالي التنازل في الشمال وإدلب تحديداً، خاصة إذا استعاد الروس مناطق قسد في شرق الفرات بتوافق أمريكي، الأمر الذي سيخفف الهواجس التركية حيال حزب الاتحاد الديمقراطي PYD،  وهذا ما يبدو أنه يجري في الشمال الشرقي بالتوازي مع العمليات العسكرية في الجنوب، حيث يسير مجلس "سوريا الديمقراطية"  عبر خطوات متسارعة تجاه الانفتاح على النظام والروس من خلال عودة موظفي الدولة إلى قطاعاتهم ورفع مستوى التنسيق الأمني مع النظام في مناطق الإدارة الذاتية، والذي لم ينقطع أساساً، وسحب صور أوجلان من الشوارع والمراكز تمهيداً لعودة النظام، الخطوة التي من المرجح أن تكون برضى أمريكي، خاصة وأن "الاتحاد الديمقراطي" ومن خلفه "مجلس سوريا الديمقراطية" أصغر من أن يتخذا خطوة الانفتاح على الروس والنظام دون موافقة أمريكية.

 أما وفي حال العكس وعدم توصل قمة هلسنكي لاتفاقات واضحة بين واشنطن وموسكو حول سوريا، فمن الطبيعي أن يوسّع هامش الخلاف هذا مساحة المناورة التركية مع موسكو، الأمر الذي سينعكس على الشمال أيضاً.

كل شيء محتمل في ملفات النزاعات التي تدار وفق صفقات، طالما أن الملف مفتوح والمتغيرات عديدة؛ ليبقى مستقبل الشمال السوري رهينة لتوافقات إقليمية ودولية حددت مصير مناطق عدة سبقت إدلب، خاصة وأن السياسة الإقليمية والدولية اتجاه الملف السوري أصبحت خاضعة للصفقات ولا يمكن التنبؤ بالمستقبل بناءً على مواقف الدول المعلنة، لأن جميعها لم تلتزم في الملف السوري بنهج ثابت أو بخطوطها الحُمر.

 

المصدر السورية نت: https://bit.ly/2LBUQXt

التصنيف مقالات الرأي

ملخص تنفيذي

  • رغم تفاخر موسكو بسير العمليات العسكرية والتفاوضية التي قادتها في الجنوب السوري، إلا أن استمرارها بتعزيز مقاربة الاستحواذ وعودة السيطرة للأسد ستبقى مُعرضة للعديد من الهزات والارتكاسات طالما استمر التغييب المتعمد لضرورة وجود لحظة سياسية في سورية تؤسس لاستقرار مستدام.
  • تتنامى مؤشرات "القلق" الروسي حيال الدور التركي في الشمال، وهذا اختبار جدي لمسار الأستانة الذي سيشهد جولات صعبة فيما يتعلق بالترتيبات النهائية للشمال السوري.
  • شكل استهداف قاعدة حميميم هاجساً روسياً واضحاً في الآونة الأخيرة، خاصة في ظل عدم وجود وسائل فعّالة وغير مُكلفة للتصدي للطائرات المسيرة، مما يعزز تنامي مؤشر الاستنزاف.
  • تدفع روسيا باتجاه تعزيز مقاربة الأسد مقابل الضبط الإيراني؛ لتستثمر في وهمٍ لن يحصل، فالتغلغل الإيراني بِبُنى الأمن والدفاع بات عضوياً وأي إشارة لإمكانية هذا هي إشارة غير موضوعية ومنافية للواقع.
  • تمضي موسكو في منهجها الرافض كلياً لتفاعلات الملف الإنساني مستخدمة ذات المصطلحات التشكيكية في صحة التقارير الدولية وتحاول جاهدة إبعاد هذا الملف عن مسرح التأثير وهو ما لا يتوقع حدوثه مما سيعقد الموقف الروسي مستقبلاً.

تمهيد

تعددت قضايا الاهتمام الإعلامي والبحثي الروسي حيال سورية خلال الفترة الممتدة من 15حزيران – 15 تموز 2018. ويُمكن حصرها عدة محاور رئيسية منها: تطورات الجبهة الجنوبية الأخيرة؛ تزايد القلق الروسي حيال السياسة التركية في الشمال؛ السيناريوهات المتوقعة لمنطقة شرق النهر؛ القلق المتنامي من الهجمات ضد قاعدة حميميم؛ بالإضافة إلى مستجدات الملف الكيماوي. ويؤكد التعاطي الإعلامي والبحثي الروسي حيال كل هذه الملفات على التماهي المطلق مع الرؤية الرسمية للدولة، إذ تتلقف هذه الرؤية دون تكبد عناء البحث عن تفاصيلها في المشهد السوري التي تؤكد استمرار غياب عوامل الاستقرار المرتبط كلياً بمرحلة سياسية جديدة تنظرها البلاد وتعمل موسكو على إلغائها لصالح تعويم نظام الأسد.

"تسويات" في الجنوب و"ترقُّب" في الشمال

تشهد الساحة الميدانية في سورية هجوماً روسياً إيرانياً مع ميليشيات الأسد على الجنوب السوري أمام صمت دولي عامة وأميركي خاصة؛ على الرغم من كون المنطقة منطقة خفض تصعيد باتفاق الولايات المتحدة والأردن وروسيا بالتنسيق مع إسرائيل. ويأتي كل هذا كمؤشر صريح على احتمالية حدوث صفقة أولية ينتظر أن تكتمل ملامحها في قمة ترامب بوتين التي عقدت في 16/7/2018.

في بث مباشر من راديو سبوتنيك؛ أشاد الباحث مركز الدراسات الاستراتيجية فلاديمير فيتين بـ"النجاح" الذي حققه العسكريون الروس والسوريون في درعا نتيجة المفاوضات التي أجراها ضباط حميميم مع الفصائل المقاتلة والمراكز السكانية، والتي كانت نتيجتها حسب قوله "ترك الإرهابيين في منطقة خفض التصعيد لأسلحتهم المختلفة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة للجيش السوري". وأشار إلى أن الأسلحة تعود لعدة دول غربية كانت قد أُدخلت عبر الأردن، ومصرحاً "بعجز" محاولات الولايات المتحدة إيقاف هجوم القوات السورية التي يدعمها الطيران الروسي، وأن معظم البلدات يتم تسليمها دون قتال، مع أقل الخسائر البشرية وخاصة بين المدنيين. ويُتابع بالتركيز على إمكانية حل كثير من القضايا بواسطة المفاوضات على مدار الأسبوع الماضي([1]).

كما أوضح لافروف -وزير خارجية روسيا- الموقف الرسمي لموسكو بقوله أن اتفاقية خفض التصعيد قائمة بحكم الاتفاقات بين ترامب وبوتين وجوهر القضية تكمن في إبعاد "الإرهابيين عن الحدود الإسرائيلية وسيطرة الجيش السوري عليها"، وأن روسيا "نفّذت التزاماتها تجاه الاتفاقية" و"نأمل من الشركاء تنفيذ التزاماتهم، مما يظهر عدم رضى موسكو عن المحادثات التي تجريها الولايات المتحدة مع المعارضة([2]). وحول هذا الهجوم نشر آيغور سوبوتين في صحيفة نيزافيسمايا الروسية تحليلاً معمقاً حول تداعيات هذا الهجوم وهواجس موسكو حياله، حيث ركز على مجموعة من النقط أهمها ([3]):

  1. خشية تأثر المسار الدستوري بتطورات الجنوب؛ إذ تتبين مؤشراته من خلال لقاء غويتيرش (الأمين العام للأمم المتحدة) مع وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الذي أوضح استمرار الانقسام في مجلس الأمن ومحاولة بعض الأطراف حل القضية من وجهة نظرها؛
  2. قلق إسرائيل المتزايد: إذ لا تزال تل أبيب تطالب موسكو بانسحاب القوات الموالية لإيران من المنطقة الحدودية معها لا سيما مع وضوح المشاركة الإيرانية؛
  3. تأكيد تصريحات أنطون مادراسوف عضو المجلس الروسي للشؤون الخارجية بأنه "ليس مستبعداً أن يشكل الهجوم الأخير مشكلة للدبلوماسية الروسية التي تُتّهم دائماً بالأخطاء التي يرتكبها الأسد.

إلا أن الحركية الروسية لا تلحظ هذه الهواجس؛ فهي ماضية باتجاه تعزيز سيطرة النظام العسكرية وإخراج حل سياسي يبدأ بالدستور وفق مخيالها السياسي؛ ومختبرة بذات الوقت هوامش تحركاتها في مناطق ذات النفوذ الأمريكي. وعلى الرغم من أن المشهد العام وإن بدا يسير باتجاه استحواذ الأسد على المزيد من مناطق سيطرة المعارضة إلا أن المُضي دون وجود استراتيجية خروج ولحظة سياسية جديدة تعيشها البلاد وتستطيع من خلالها مواجهة تحديات عميقة مرتبطة كلياً بمولدات الاستقرار فإن المشهد العام في سورية سيكون أسير الفوضى والسيولة الأمنية ومعززاً لعوامل التشظي الاجتماعي.

أما في الشمال السوري؛ ووفقاً لتحليل الخبير في الشأن السوري نيقولاي بلوتنيكوف، فإن مؤشرات عديدة تدلل على سعي "تركيا على تدمير الحكومة السورية" كما عنون مقاله؛ ودفع الخبير بتعزيز اتجاهات التحليل نحو ربط تصرفات الحكومة التركية ببوصلة "تدمير الدولة السورية التي تقاتل الإرهابيين"، والمساعدة في "إنشاء جيب للمعارضة في شمال سورية مع حكومتها". وأكد أن إنشاء مؤسسات موازية للسلطة في دولة ذات سيادة ينطوي على مشاكل قانونية ودبلوماسية لابد من حلها. ومن هذه المؤشرات الآتي([4]):

  1. إنشاء مؤسسات إدارة محلية وتعليمية باللغات الثلاث العربية والتركية والإنكليزية؛
  2. إنشاء مراكز بريد ولوحات طرقية باللغة التركية ومصارف وموظفين؛
  3. جمع الأموال بسبب الضرائب المحلية والإيجار والرسوم البلدية بالليرة التركية؛
  4. وجود العلم التركي وصورة أردوغان في المؤسسات الرسمي؛
  5. إنشاء جهاز للشرطة بقوام 7000 فرد يحملون الإشارات التركية؛
  6. تعيين مفتي للباب من الشؤون الدينية التركية.

تدلل هذه الرؤية حيال الفاعل التركي على أن التحالف التركي الروسي ضمن مسار الأستانة هو تحالف قلق تجمعه الهواجس الأمنية المشتركة وتعمل على تباعده في المنظور الإداري والسياسي. فعلى الرغم من أنَّ الحركية التركية في الشمال السوري أتت ضمن تفاهمات الأستانة إلا أن ملامح عدم التوافق على الشكل النهائي لترتيبات هذه المناطق مرشح لمزيد من التبايُنات وسيحتاج العديد من التفاهمات الجزئية.

رغبة متزايدة بسحب "الورقة الكردية"

فيما يرتبط بشرق النهر (مناطق سيطرة الإدارة الذاتية) نشرت صحيفة سفابودنايا بريسا مقالاً بعنوان "ترامب سيسلّم الأكراد السوريين لبوتين"؛ وسردت مجموعة من المعطيات الداعمة لهذا العنوان، ومما ذكرته الصحيفة([5]):

  • بدأ الاتصالات بين قوات الأسد والقوات الكردية، واستمرت المحادثات حوالي شهر. وربما كانت شرارة البدء بها المقابلة التي أجراها الأسد والذي أبدى فيها استعداده لمناقشة أي مقترحات بناءة مع الأكراد، ولكنه أضاف إذا فشلت الجهود فسيستعمل القوة لحلها.
  • تفاهم الدولتين اللتين ترعيان الأطراف المتنازعة وهما روسيا والولايات المتحدة، فهاتان القوتان كانت قد وصلتا إلى حد الاصطدام، حيث كان العالم يتوقع حرباً بينهما.
  • قيام بعض القوى الكردية المدعومة من أميركا بالحديث فجأة عن هدنة مع دمشق، وقد بدأت المفاوضات بزيارة وفد صغير من موالي الأسد إلى الحسكة والقامشلي وتكررت اللقاءات.
  • حديث صحيفة الوطن السورية عن اتفاق تم برفع الأعلام السورية في القامشلي والحسكة وتشكيل حواجز من قوات مشتركة في المدينة.

وبينما يعتقد المستشرق السياسي الروسي "كارين جيفورجيان"، أنه لا يستحق أخذ مثل هذه الأخبار بتفاؤل مفرط، فقد تمت محاولات سابقة، وربما يتحول الوضع للأسوأ. كما شارك الخبير العسكري إيرك يلدريم التركي في حوار الصحيفة حيث قال: إن أميركا بهدف الحفاظ على علاقتها مع تركيا "التي تعتبر pyd مجموعات إرهابية" أجبرت القوات الكردية على الانسحاب من منبج، ويعتقد أن أميركا قد تعطي الأراضي التي تسيطر عليها لروسيا، ويعتبر ذلك صفقة مربحة للأسد الذي ليس لديه ما يواجه به تركيا. كما أن وجود القوات الروسية في الشمال سيحُد من العمليات العسكرية التركية في حال استمرارها شمالاً. ويُتابع الخبير بأن بوتين سيتفاهم مع أردوغان على ذلك قبل قبول عرض ترامب "تفادياً لعدم إساءة العلاقة مع تركيا". ويرى الخبير أنه قد تسمح قوات الحماية الشعبية YPG لقوات النظام بالتواجد في الأراضي التي تسيطر عليها ولكنها لن تتخل عن إدارتها لها([6]).

استنزاف "حميميم" وأسئلة "التنف"

وبسؤال مركزي إلى متى سيصمد دفاع قاعدة حميميم؟ تساءلت إيفان شفارتس التي حللت أخبار تعرض قاعدة حميميم لهجوم بطائرات مسيرة مجهولة التابعية، واستطاعت وسائط الدفاع الجوي "بانتيسير "للقاعدة من إسقاط الطائرات المهاجمة. ولكن السؤال إلى متى سيبقى إسقاط هذه الأهداف الرخيصة بواسطة منظومات الصواريخ المضادة غالية الثمن؟ وبالنظر لهذه المنظومة التي تضم 12 صاروخ إطلاق، فتستطيع إسقاط 12 طائرة، واستمرار الدفاع بهذه الطريقة سيؤدي إلى استهلاك هذه الصواريخ ونفادها، وفي حال تعرض القاعدة لموجات هجوم منظم قد تستطيع هذه الطائرات الوصول إلى مرابض الطائرات في القاعدة وتحقيق أهدافها. وسيصبح الدفاع عن القاعدة كمن يتصيّد العصافير بمدفع، ولكن إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الجيش الروسي يستخدم صواريخ مضادة للطائرات لتدمير طائرات بدون طيار، وهذا يعني عدم وجود وسائل فعالة من التدابير المضادة الإلكترونية ضد طائرات بدون طيار، كما يؤكد عدم فعاليّة الدفاع عن القاعدة([7]).

يؤكد المعطى أعلاه على مؤشرٍ بالغ الأهمية، ويتمثل بجعل الوجود الروسي وجوداً قلقاً تحده العديد من المخاوف الأمنية وتعرضه لاستنزافات مستمرة. وبغض النظر عن الجهة المستهدفة وما تحمله من تفسيرات محتملة، إلا أنه يكرس مقاربة الكلفة المرتفعة للانخراط الروسي في سورية الذي يشهد تزايداً ملحوظاً. فقد أُعلن مؤخراً عن شركة أمنية تُسمى "باتريوت" لها نفس مهمة "فاغنر" مع وجود أشخاص يعملون بعقود سرية مع وزارة الدفاع الروسية. وقد شاركت هذه القوات بشكل غير مباشر في تحرير دير الزور، حيث قامت بقطع خطوط الإمداد القادمة من شرق الفرات والتعامل مع قوات YPG عند اللزوم، كما شارك البعض مع قوات النمر([8]).

وفيما يرتبط بمصير قاعدة التنف الأميركية فقد بيَّنت الأوساط الإعلامية الروسية أنها ستكون حاضرة في نقاشات ترامب بوتين، وتوقعت دوراً كبيراً ستلعبه إسرائيل في هذا الموضوع (الدفع باتجاه تثبيت القاعدة)، ولهذا وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موسكو في 11/7 لمناقشة ذلك. وكان الحديث يدور على سحب القوات الإيرانية إلى 100 كم عن الحدود الإسرائيلية ثم إلى 80، بينما تُطالب إسرائيل بسحبها نهائياً، في الوقت الذي لا تستطيع فيه موسكو إعطاء مثل هذه الضمانات. وحسب الصحيفة فإن موسكو على استعداد لنشر قوات شرطة عسكرية في هذه المناطق، وأنها سعت لعدم مشاركة قوات إيرانية في الجنوب. ولكن مصادر المعارضة تُفيد باندماج هذه القوات مع الجيش السوري وارتداء زيّه العسكري، ولكن ماهي ردود فعل إيران؟ أجاب على ذلك حميد عزيري عضو نادي فالاداي وكبير المحاضرين في جامعة طهران بأنه لا يرى أي مؤشرات لمغادرة إيران سورية موضحاً أن إيران تُمارس أنشطتها عن طريق ميليشيات ليس لموسكو تأثير عليها([9]).

وفي هذا السياق وبحكم تغلغل الإيرانيين بشكل عضوي (عبر أفراد أو مجموعات محلية أو أجنبية) في بُنى الجيش والأمن، فإن موسكو ستبقى تعمل على عرض اتفاقات مع واشنطن وأن تبيعهم وهماً يسمى الانسحاب الإيراني؛ إلا أن هذا لا ينفي بالمقابل احتمالية رضا الأمريكان بضبط نفوذ إيران وتعميم نموذج الجنوب.

الملف الكيماوي وسياسة النكران الروسية

وفيما يتعلق بتطورات التحقيق في استخدام السلاح الكيماوي؛ تابعت الخارجية والدفاع الروسيتين اتهامها لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتحيُزها في التحقيق الذي يجري في سورية في دلالة على تشبُث موسكو بسياسة تحييد آثار الملف الإنساني مهما بلغت تداعياته. كان ذلك على لسان قائد السلاح الكيميائي والبيولوجي الروسي الجنرال أيغور غريلوف حين ساق التُهم التالية:

  1. عدم أخذ الأدلة من المواقع المشتبه بها، مما يؤدي إلى ظهور عبارات تحتمل تفسيرات متناقضة لمحتوى التقرير؛
  2. عدم تضمن هذه التقارير أدلة دامغة، وهذا يشير صراحة إلى العدائية ضد النظام السوري؛
  3. إن اتهام دمشق من خلال فكرة أن القنابل ألقيت من الطائرات على اعتبار أن الإرهابيين ليس لديهم طائرات، هو غير صحيح برأيه لأن البراميل كانت موجودة لدى الإرهابيين في مكان قصف الطيران مما أدى إلى انفجارها حسب رأيه.

في سياق متصل ووفقاً لبيانات وزارة الدفاع فإن "الخوذ البيضاء" هم من عملوا على تزييف الحقائق وافتعال الهجوم الكيميائي. وتُشير الصحيفة أن الولايات المتحدة تستبق التحقيق في كل مرة لتوجيه ضربات للنظام السوري، معتبراً أن "الخوذ البيضاء" تعمل لصالح القاعدة وجبهة النصرة. ويدَّعي كريلوف اكتشاف القوات الروسية مخبراً لدى الخوذ البيضاء لتصنيع الأسلحة الكيميائية بمعدات غربية وأمريكا الشمالية([10]).

بينما كتبت صحيفة كاميرسانت الروسية نقلاً عن صحيفة نيويورك تايمز إن تقرير اللجنة المشكلة لتقصي جرائم النظام السوري في حقوق الإنسان واستخدامه للأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية الذي نشر يوم الأربعاء بتاريخ 20/6 في صيغته النهائية يختلف كثيراً عن صيغة المسودة التي أعدتها اللجنة، حيث اختفت كثير من الحوادث المفصّلة عن استخدام الكلور المؤكد في مناطق الغوطة الشرقية، كاستبعاد اتهام النظام السوري عن مقتل 49 شخصاً بينهم 11 طفلاً في إلقاء قنبلة على مبنى سكني في الغوطة ومن استخدامه صواريخ أرض -أرض محملة بالغاز السام ألقيت على دوما التي ذهب ضحيتها  49 شخصاً وأصيب فيها 650 شخص، بينما يؤكد كاتب المقال المسؤولية الكاملة للجيش السوري وحلفائه عن الهجمات الكيميائية.

وتعليقاً على تقرير الأمم المتحدة أعرب لافروف عن شكوكه بنتائج التقرير لأن اللجنة اعتمدت على وسائل التواصل الاجتماعي والفيديوهات الصادرة عنها بدلاً من الذهاب إلى الموقع وهذه أدلة لا يمكن الوثوق بها حسب قوله([11]). ويذكر هنا أن موسكو ممثلة بنائب وزير الصناعة قد عارضت بشدة مشروع القرار الأممي الذي طالب بضرورة تحديد اللجنة إلا أنه تم إقرارها بعد موافقة 82 دولة واعتراض 24 دولة أخرى. والجدير بالذكر أن هذه القرارات لن تكون سارية المفعول قبل تشرين الثاني القادم موعد اجتماع الأعضاء في دورتهم العادية([12]).

لا تزال تمضي موسكو في منهجها الرافض كلياً لتفاعلات الملف الإنساني مستخدمة ذات المصطلحات التشكيكية في صحة التقارير الدولية وشيطنة كافة المنظمات الإنسانية السورية. وتحاول أن تفرض منهجية واحدة في عمل هذه التقارير عبر الاكتفاء بالوصف دون تحديد المسؤولية، وهذا يدل بشكل واضح على خطورة هذا الملف على إنجازاتها السياسية والعسكرية في المسرح السوري، لذا تحاول جاهدة إبعاده عن مسرح التأثير وهو ما لا يتوقع استمرار تغييبه مما سيعقد الموقف الروسي مستقبلاً.

وكخاتمة لهذا التقرير؛ يمكن القول:

إن معظم الأطروحات والتحليلات الروسية حيال تطورات المشهد السياسي والعسكري السوري تنطلق من ذات الفرضيات التي تُسوقها موسكو رسمياً؛ ولم تُشكل تلك الإشارات الخجولة التي يتم التطرق إليها بين الحينة والأخرى حيال مؤشرات الاستنزاف الروسي اتجاهاً إعلامياً أو بحثياً عاماً في روسيا، فلا تزال مفردات "الانتصار على الإرهابيين؛ تدمير الدولة؛ والسيادة الوطنية؛ والنظام الشرعي" هي الأكثر تحكماً بمخيال معظم المحللين والباحثين، وهذا يفسر تغييبهم المتعمد "لضرورة التأسيس لمرحلة سياسية جديدة" التي بدونها ستبقى المناخات العامة مرشحة للعديد من الارتكاسات والتحديات.


([1]) فلاديمير فيتين "نجاحات الروس والسوريين في درعا" مركز الدراسات الاستراتيجية، تاريخ: 5/7/2018 https://goo.gl/8KMzmT

([2]) مارينا بيلينكايا "الأردن يهيئ المناخ لقمة هلسنكي" كاميرسانت، تاريخ: 4/7/2018 https://goo.gl/3hLNoG

([3]) ايغور سوبوتين "الهجوم السوري الجديد في الجنوب يسبب صداعاً لروسيا" نيزافيسيمايا، تاريخ: 21/6/2018 https://goo.gl/2tuNyN

([4]) نيقولاي بلوتنيكوف "كيف تعمل تركيا على تدمير الحكومة السورية" نيزافيسيمايا، تاريخ 22/6/2018 https://goo.gl/czq9oa

([5]) نيكيتا سماغين "كيف سيغير ترامب إيران من الداخل" المجلس الروسي للشؤون الدولية، تاريخ: تاريخ 4/7/2018 https://goo.gl/k1kWz5

([6]) زاور كارييف "بوتين يسلم الاكراد السوريين لبوتين، سفابودنايا بريسا، تاريخ: 4/7/2018 https://goo.gl/b2uVgL

([7]) ايفان شفارتس "إلى متى سيصمد دفاع قاعدة حميميم" نيزافيسيمايا، تاريخ: 1/7/2018 https://goo.gl/Nx7Zuw

([8]) وتفيد صحيفة سفابودنايا بريسا أن من بين المشاركين ضابطين من داغستان برتبة نقيب ورائد سافروا إلى سورية بمعرفة قادتهم ولكن بدون علم وزارة الدفاع الروسية، قد يكون السبب الحصول على أجر مرتفع، وأحدهم حصل على لقب بطل ولكنه توفي والسبب في ظهور هذه التنظيمات التناقض في القوانين الروسية، أما عن عناصر "فاغنر" فهي تحصل على رواتب عالية بفضل مهنيتها، وما الاشاعات التي تفيد عن عدم معالجة جرحى هذه الشركات فهو غير صحيح لا بل ويتلقى ذويهم الدعم المالي والنفسي إذا لزم الأمر. في حين أشار أحد قادة فاغنر لم يذكر اسمه أنهم لا علاقة لهم بهذه المجموعة ولكن يقومون بأعمال مشتركة أحيانا، للمزيد أنظر: زاور كارييف "ارسال مرتزقة روس جدد إلى سورية" سفابودنايا بريسا، تاريخ: 7/7/2018 https://goo.gl/2tUKgH

([9]) ايلينا تشيرنينكو، ميخائيل كاراستيكوف "على ماذا يمكن ان يتفق الرئيسان بوتين وترامب في هلسنكي" كاميرسانت،9/7/2018 https://goo.gl/Xs1h8S

([10]) اولغا بوجييفا "روسيا تتهم منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بالتحيز في التحقيق"، مسكوفسكايا كمسامولسكايا، تاريخ:22/6/2018https://goo.gl/gW22wa

([11]) ايكاترينا مارييفا "لماذا ظهر تقرير لجنة الكشف عن استخدام الكيماوي في سورية مخففا" كاميرسانت، 21/6/2018 https://goo.gl/3v6Eqd

([12]) ايكاترينا مارييفا "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ستعلن جهة استخدام السلاح الكيميائي" كاميرسانت، 27/6/12018  https://goo.gl/FKJr2a

التصنيف تقارير خاصة

مدخل

شكلت مواقف دول الخليج حالات داعمة للقوى المجتمعية الثورية السورية، حيث تولت منذ البداية طرح العديد من المخارج للأزمة السورية، وشكلت مبادراتها الدينامية الأساسية والمحركة لمبادرة الجامعة العربية الأولى إلا أن استمرار رفض النظام أدى إلى تطور الموقف الخليجي والمطالبة بتنحي رئيس النظام السوري لصالحه نائبه (المبادرة العربية الثانية)، ومن ثم رفض الحوار معه ليفضي إلى تعزيز تقديم الدعم السياسي والمعنوي للمعارضة السورية في المجتمع الإقليمي والدولي، وبلغ هذا الموقف ذروته في تلك المرحلة عندما سحبت دول الخليج سفرائها من دمشق وطردت نظرائهم السوريين من أراضيها. أما في المرحلة المسلحة فقد اتبعت كل من قطر والسعودية والإمارات سياسات تمكين المعارضة ومدها بالدعم اللوجستي بدايةً ثم دعوة المجتمع الدولي ومطالبته بتسليح الجيش السوري الحر والاعتراف بمؤسسات المعارضة الرسمية وهيئاتها، إلا أن التطورات السياسية والأمنية ساهمت في عرقلة الحركة والتأثير الخليجي، سواء تلك التطورات  الناجمة عن التدخل الروسي وما فرضه من معادلات سياسية وعسكرية جديدة، أو تلك المتعلقة بالأزمة الخليجية والتحولات المحلياتية أو تلك المرتبطة "بالتخبط" الامريكي في المنطقة وما تفرزه من تمكين للمشروع الإيراني.

تناقش هذه الورقة -متكئة على أدوات التحليل الاستراتيجي-مسببات تلك العرقلة وأثرها على العلاقة الخليجية السورية وانحسار خيارات ومساحات التأثير، موضحة طبيعة المشهد السوري بعد هذه التطورات وموجبات عودة التلازم الوظيفية مع المسارات السورية الوطنية لتحقيق الاتساق العضوي لتفريغ المشروع الإيراني المتمدد، وتستكشف هذه الورقة ميادين هذا التلازم وحزم الإجراءات الضامنة لعودة الفاعلية في الحقل السياسي والأمني والتنموي.

عوائق التفاعل الخليجي مع تطورات القضية السورية

دفعت التطورات الإقليمية والتعقيدات المحلية التي تعتري الجغرافية السورية منذ التدخل الروسي إلى ظهور عوائق مختلفة الحجم أمام القوى الإقليمية الفاعلة في الشأن السوري، مما أفرز تحولاً في مسار الحركية الإقليمية وفقاً لتغلب "المنطق الجيوأمني" على مداخل الحل والانفراج السوري وبحكم أولوية "عدم التعارض مع موسكو" التي باتت فاعلاً رئيسياً في هذه الجغرافية، ودول الخليج العربي من بين تلك القوى الإقليمية، فبالنظر لأهم تلك التطورات، فإنه يمكن حصرها بعدة دوائر "متعارضة"، فرضت على دول الخليج تغييرات  واضحة أفرزت إعادة تقييم للسلوك والأداء الخليجي، وأهم هذه الدوائر وهي:

  • الدائرة الأمريكية: إذ عزز بدايةً سلوك وأداء الفاعل الأمريكي في المشرق العربي عموماً وفي سورية خاصة، تغييباً واضحاً للمداخل السياسية وتغليباً للمقاربات الأمنية، وهو ما جعل قضايا المنطقة أزمات مزمنة "يعول" فيها على عنصر التسكين والتهدئة لخلق حالة تعافي واستقرار نسبي، الأمر الذي أعاد هندسة العناصر المشكلة للعملية السياسية في سورية، فقد ساهمت سياسة واشنطن السابقة والتي اتكأت على "ترشيد استخدام القوة" ومبدأ "القيادة من الخلف" إلى تثبيت عدة عناصر حدت بشكل موضوعي عمل الإدارة القائمة، أهمها تمكين طهران في سورية التي استفادت كثيراً من واقع ما بعد الاتفاق النووي الإيراني، وترك مساحات الفاعلية السياسية الروسية والتي اتسعت في ظل الإدارة الأمريكية الحالية.
  • الدائرة الروسية: شكل تحليل النتائج المتوقعة من تدخل موسكو كالضغط على الأسد والحد من التمدد الإيراني وضرب القوى الإرهابية، عاملاً مطمئناً للفاعل الخليجي عامة، إلا أن نمو محور (إيران، موسكو، العبادي، الأسد) وزيادة فاعلية إيران وفرض الأسد ونظامه على كل المسارات الناشئة، ساهم في تبني دول الخليج سياسة الحذر والترقب، والبحث عن هوامش حركة دافعة باتجاه الحلول السياسية، والانخراط الإيجابي في كافة الفعاليات الإقليمية والدولية المعززة لتلك الحلول.
  • الدائرة الخليجية: حيث إن عوامل كالأزمة الخليجية، والحرب ضد ميليشيا الحوثي في اليمن، وتغيير أنماط السياسات المحلية، ساهمت في تأخر الملف السوري في أولويات السياسة الإقليمية لدول الخليج، الأمر الذي ساهم في تقليص مساحات التأثير في المعادلات العسكرية في الجغرافية السورية، واضطرابٌ في أدوات التعاطي، وبالتالي اتسام الحركية الخليجية اتجاه الملف السوري بالتكتيكية والقائمة على مبادئ "الصد" و"تقليل" الخسائر.
  • الدائرة السورية: ساهم الانتقال غير المتسق في خطوات الهندسة السياسية لملامح "الانفراج" السوري (من انتقال سياسي إلى سياسات التسكين والتعافي وصولاً إلى تحويل الاستحقاقات السياسية إلى اختبارات حكومية) إلى تعقيد مآل العملية السياسية، وبالتالي تعزيز احتمالات بقاء نظام الأسد وحلفائه و"انتفاء" حصول انتقال سياسي من سلطة الأسد إلى سلطة مدنية وفق آليات العدالة الانتقالية.

بعد تلك التطورات الدافعة لتغير السلوك الإقليمي لدول الخليج في سورية، فإنه يمكن تشكيل معادلة الدور الخليجي الراهنة وفق للآتي: )الفاعلية الخليجية = أدوار إنسانية ودبلوماسية+ دعم شديد المحددات والشروط+ انخراط إيجابي في عمليات التشكل السياسي(، وتؤكد هذه المعادلة -التي فرضت نفسها بحكم تنامي معوقات الفاعلية المثلى- تضيق مساحات التأثير وتقلص الفرص الكفيلة بعدم تحول سورية سواء كجغرافية لمسرح متشظي، "تُحسن" طهران المنتشرة أفقياً في هذا المسرح استغلاله ومل فراغاته بمشروعها السياسي والإيديولوجي، أو لتحول سورية كدولة إلى كيان دولتي فاشل غير قادر على ضبط المشهد الأمني والعسكري والسياسي وترتهن دوائر صنع القرار فيه لحلفائه وشروطهم الجيوسياسية في المنطقة.

"التلازم": ضرورة وحتمية  

من جهة أولى، فإن تسارع طهران لتحسين وتعزيز تموضعها في المنطقة وإن بدى غير مستقر فإنه باتجاهات امتلاك شروط التمكين، إذ يساهم تفتيت أهم المسارح الجيوسياسية في المنطقة في إضعاف دول الأطراف وتصدر طهران لدفة القيادة التي ستحاول من خلالها التحكم في ملفات المنطقة بغية ضمان عودته لممارسة دوره الشرطي قبل أحداث الربيع العربي من جهة ولاستكمال مشروعه الاستحواذي على مراكز القوة في المجال الحيوي والجيبولتيكي لهذه المنطقة.

ومن جهة ثانية، فإن عدم تحول الفعل الخليجي لاستراتيجية متكاملة قادرة على الدفع باتجاه تضمين الاتفاق السياسي المتوقع للشروط الأمنية والسياسية المحلية المتقاطعة مع محيطها العربي، واكتفائها في سياسة الصد، يسهم على المدى الاستراتيجي بإعادة فرز السلطة الحاكمة بكل ما تعنيه العودة من تعاظم شروط اللاستقرار والفوضى والتحكم في بؤر الإرهاب واتجاهاته.

 ومن جهة ثالثة، فإن التدخل الروسي الذي يحاول استثمار "نصره" العسكري في ميدان السياسة و"رعاية" عملية سياسية لا تفضي لمعالجة أسباب الرفض والقطيعة المجتمعية، فإنه ينمي مناخات الانحدار باتجاه الأفغنة القابلة للتدحرج لتغدو سمة المنطقة ككل، وبالتالي فإن كافة المؤشرات تدل على أنها خطوات ديكورية في "مسلسل ادعاءات" الحل السياسي، وهو أمرٌ ينبغي أن تبقى دول الخليج مدركةً أبعاده السلبية على المنطقة ككل،

تحتم الاتجاهات أعلاه على دول الخليج تجاوز معطلات التأثير في الملف السوري سواء المرتبطة ببنيتها الداخلية أو المتعلقة بضرورات اتساق الرؤية والأدوات الخارجية، وإعلاء أولويات التلازم الأمني والسياسي  السوري الخليجي، والاستمرار بالضغط على الفواعل الدولية لتبقى القضية المجتمعية هي المحرك الأساس في أي عملية سياسية، مستغلة عوامل في تمكين القوى الاجتماعية سياسياً واقتصادياً  وتعزيز أدوار المجالس المحلية التي هي نتاج شرعية شعبية، وهو أمر سيكون صاداً للمشروع الإيراني غير المنسجم مع هوية المنطقة وتفاعلاتها من جهة، وسيعزز من مناخات صد وتجفيف قوة الجماعات العابرة للحدود واسقاط ورقة لطالما احسنت قوى الاستبداد توظيفها في تمزيق البنية المحلية واستغلال ذلك لإعادة شرعنة بقائها.

اتساقٌ سياسيٌّ

انطلاقاً من ضرورة وأهمية هذا التلازم، فإن ملامح أي انخراط استراتيجي خليجي ينبغي له الانطلاق من اعتبارات سياسية واقعية؛ وضرورات إعادة تقييم لأدوار التأثير محلياً والبحث عن أنماط تغييرها باتجاهات تعزيز التلازم؛ بالإضافة إلى أولوية تعزيز المشروع الصاد لطموحات طهران، وعليه يمكن– كمحاولة لرسم هذه الملامح –تحديد ثلاثة أطر للفاعلية، الأول متعلق باستنباط عناصر التأثير الكامنة في العملية السياسية وسبل تعزيز مقاربة التلازم، والثاني مرتبط بتحديد الأدوار المحلياتية، والإطار الثالث يحدده واقع المشروع الإيراني وآفاقه وسبل مواجهته وتحجيمه. فإذا ما انطلقنا من في هذا القسم من الإطار الأول، فإن المشهد السياسي الراهن بات يؤكد على ثوابت جديدة، لا سيما تلك التي تعد نتائجاً للتدخل الروسي، ومنها نذكر:

  1. الاستثمار السياسي الروسي لمخرجات الأستانة، والدفع السياسي باتجاه بلورة مسارات سياسية "تجد طريقاً للحظها في حركية العملية السياسية" وتخفف من تكلفة تدخلها وتسهل من استراتيجية الخروج.
  2. انسجام نتائج التدخل مع فكرة تثبيت نظام الحكم واجراء تغييرات واصلاحات شكلية ومن داخله، واتساقه مع الهواجس الإيرانية بحكم العلاقة الوظيفية التي تضبط علاقات موسكو بطهران في سورية لا سيما فيما يرتبط بالشق الميداني، وبذات الوقت يعمل على اصدار نتائج ينبغي لها أن تحتوي عنصر جذب لأنقرة تجاه موسكو التي لا تزال تتطلع لعلاقات أمثل مع الولايات المتحدة.

إلا أن إدراك موسكو لثابتين يتعلقان بالنظام (الأول: عدم قابلية تحمل بنيته لأي تغيير حقيقي؛ والثاني عدم نجاعة تزمين خفض التوتر من زاوية عدم قدرة النظام على الحفاظ على المكتسبات العسكرية، وبالتالي العمل على أولوية الاستعجال في الخطوات السياسية اللازمة وانجازها شكلاً على الأقل) يجعل عملية الهندسة الروسية للحل السياسي عملية يعتريها العديد من العراقيل وعناصر اللاستقرار، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن العملية السياسية وفق المخيال الروسي لا تزال مرتبطة حالياً بمرحلة تفاوضات مع الأطراف الإقليمية المعنية، ومتعلقة بمدى مقاومة المجتمع الدولي لهذه الخطوة الروسية التي ستسحب تدريجياً مرجعية جنيف، هذا المجتمع الذي وإن تماهى بحكم التدخل العسكري مع المخرجات الروسية، إلا أنه يدرك أن الأمر بنهايته رهين التقارب الروسي الأمريكي، وهذا ما لم تتعزز مؤشراته المرتبطة بالشروط الأمنية السورية المحلياتية([1]).

ووفقاً لأعلاه وبالتقاطع مع الشروط الوطنية كانتفاء مسببات الإرهاب والربط العضوي بين الانتقال السياسي والاستحقاقات الأخرى، فإنه يمكن تحديد عناصر الفاعلية السياسية الخليجية بأربعة مداخل:

  1. الدفع باتجاه تبني سياسة خليجية وعربية موحدة حيال نظام الأسد، وتبيان الأضرار الاستراتيجية والتكاليف السياسية البالغة من عملية إعادة شرعنته، والعمل على إصدار بيان عربي موحد، فوجوده في النظام العربي يهيأ الظرف المكتمل لطهران لتحويل سورية لمنصة قلق وفوضى إقليمية.
  2. استراتيجية تفاوض خليجية موحدة مع موسكو لتضمين العملية السياسية الشروط السياسية المناسبة لخلق بيئة محلية مستقرة، كجلاء كافة الميليشيات الإرهابية التي تساند نظام الأسد، وبرامج زمنية للانتقال السياسي وفق القرارات الدولية ذات الصلة.
  3. دعم الفعاليات السياسية والإدارية الوطنية في مناطق خفض التصعيد، وفقاً لعناصر استراتيجية التمكين المحلي التي تستوجب العمل على تعزيز أربعة عناصر، تطوير عمليات الحوكمة في مناطق سيطرة المعارضة، وتدريب البنى الإدارية وتقوية أدائها السياساتي، برامج مكافحة التطرف الوطنية، دعم مجالس الحكم المحلي كديناميات حكومية صادة لمشاريع جبهة تحرير الشام (النصرة سابقاً).
  4. تدعيم القدرات الدفاعية لمنظومة الجيش الحر، وما تستوجبه من عمليات تحصين وحماية مناطق خفض التصعيد من أي اختراق محتمل من قبل النظام وحلفائه أو من قبل تنظيم الدولة الذي بات يعلي مقاربة المجموعات السائلة كمبدأ للاختراق وإعادة السيطرة وتحسين التموضع.

تفريغ المشروع الإيراني

تدلل الخريطة أدناه على واقع إيران العسكري والأمني في سورية في عام 2017، فبالإضافة إلى قواعدها العديدة في سورية (فعلى سبيل المثال يمتلك الحرس الثوري لوحده -عدا الميليشيات الأخرى-ثلاثة قواعد كبيرة في الكسوة بريف دمشق ومنطقة صلنفة في الساحل السوري ومنطقة السبع بيار في البادية السورية، عدا عن نقاط الاتصال والتسليح في مطار دمشق الدولي والزبداني وجمرايا في ريف دمشق ومدينة البعث في القنيطرة، والحاضر في ريف حلب) تنشط إيران حالياً على أربعة أبعاد:

  • سياسياً: إذ مكنتها منصة الأستانة الدفع باتجاه المشاركة في بلورة معالم الطريق للحل السياسي
  • عسكرياً: تقاتل طهران وميليشياتها على عدة جبهات في دير الزور والقنيطرة ودرعا وريف حمص الشرقي.
  • اقتصادياً: البدء في استحواذ مشاريع استراتيجية كالطاقة والمواصلات والعقارات.
  • إدارياً: فبالإضافة إلى سيطرتها وتحكمها في خيارات وسياسات المجالس البلدية والمحلية في مناطق سيطرتها، باتت إيران متحكمة في معظم المعابر الشرقية ناهيك عن المعابر مع الحدود الإيرانية.

بالمقابل ورغم تنامي العناصر المكملة للمشروع الإيراني وبلوغها مستويات متقدمة، إلا أن عوامل تفريغ هذه المشروع وتحجيمه لا تزال تمتلك فرصاً عديدة يمكن لدول الخليج استغلالها، خاصة أن أي حالة سياسية محتملة ستعترضها بنية أمنية هشة ومناخ فوضوي لا يمكن أن يفضي للتعافي والاستقرار المجتمعي، ومن هذه الفرص نذكر حزم الإجراءات التالية:

  1. البدء بحملة سياسية ودبلوماسية في كافة الفعاليات الإقليمية والدولية لتوصيف كافة الميليشيات الإيرانية كقوى إرهابية، واعتبارها قوى معطلة لمسيرة "السلام" ومغذية لخطاب التطرف والإرهاب.
  2. البحث عن علاقة وظيفية مع تركيا، تشكل عامل معادل لعلاقتها مع أنقرة التي فرضتها ضرورة الجغرافية والمعادلات العسكرية والأمنية في سورية.
  3. دعم كافة الاتفاقيات الأمنية المثبتة لمناطق خفض التصعيد مقابل جدول زمني لانسحاب الميليشيات الإيرانية من المجال الحيوي لهذه المناطق تمهيداً لخروجها من سورية.
  4. دعم مجموعة من الفعاليات المدنية والإعلامية والبحثية والقانونية الهادفة لخلق حالات محلية صادة للمشروع الإيراني.

إعادة الإعمار والبوصلة السياسية

تشكّل إعادة الإعمار في سورية مهمة بالغة التعقيد والتشبيك مع المسار السياسي؛ فبحسب ما هو متعارَف عليه حول المعافاة وإعادة الإعمار بعد النزاعات، يجب أن تتم إعادة البناء المادّية والمعافاة الاقتصادية والإصلاحات السياسية والمصالحة المجتمعية بصورة متزامنة من أجل نقل البلاد من حالة الحرب والفوضى إلى "السلم والاستقرار". لكن في سورية، ثمة خطر بأن يتواصل الجزء الأكبر من إعادة الإعمار والمعافاة الاقتصادية بمعزل عن المفاوضات والإطار السياسي الملائم لشروط التعافي، إذ يمكن أن تتحوّل إعادة الإعمار بسهولة إلى أداة لتثبيت مكاسب الحرب وديناميكيات النفوذ القائمة، ما يحول دون عملية الانتقال من الحرب إلى السلم أو يطرح تعقيدات أمامها، بدلاً من دعمها،  كما أن اهم ما يعزز هذا الخطر أنه مع تقدّم عملية إعادة الإعمار، ستواجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، معضلةً بين الاستثمار في إعادة الإعمار "التقنية" – التخلّي عن فرض شروط على المساعدات، والاتجاه بحكم الأمر الواقع إلى مكافأة النظام والمساهمة في ترسيخه لنفوذه على الأرض – وبين رفض المشاركة في عملية إعادة الإعمار برمتها، ما يُعرِّضهم لخطر خسارة مزيد من التأثير[2].

 ورغم ذلك تتيح إعادة الإعمار فرصة لدول الخليج بتعزيز الاتساق السياسي مع الحاضنة المجتمعية السورية وزيادة أوراق التأثير والمساهمة في عملية التشكل السياسي لسورية ورسم معالمها المستقبلية، فإعادة تصوّر المشهد بكافة أبعاده لا يمكن له أن يتم دون إعادة صياغة الديناميكيات السياسية وديناميكيات النفوذ أو ترسيخها.[3] وتدرك دول الخليج طبيعة العلاقة بين إعادة الإعمار والحكم والنفوذ. فحتى فيما يتفاوضون على الترتيبات المتعلقة بنزع التصعيد ووقف إطلاق النار، فأنهم سيسعون أيضاً إلى ترسيخ دوائر نفوذهم في سورية عن طريق إعادة الإعمار. على سبيل المثال، تستثمر تركيا في إعادة إعمار البنى التحتية المتضررة من الحرب في الباب، آملةً بأن يساهم ذلك في طرد المجموعات المتطرفة وتشجيع عدد كبير من اللاجئين الذين تستضيفهم داخل الأراضي التركية، على العودة إلى سورية، وليس الهدف من هذه الجهود بسط الاستقرار في الوقت الراهن وحسب، إنما أيضاً تمكن ورائه أسباب سياسية.

وعليه يمكن تحديد ملامح سبل فعالية دول الخليج في سياسات إعادة الإعمار في عدة اتجاهات، أهمها ما هو مرتبط بمتطلبات تعزيز التواصل ما بين منظومة مجلس التعاون الخليجي مع الاتحاد الأوروبي (الداعم المادي الأكبر لإعادة الإعمار في سورية) والتوصل لمذكرات تفاهم وتنسيق وتعاون لإنجاز هذا التحدي، والعمل على الدفع باتجاه تحديد الشروط السياسية لبدء هذه العملية، والحذر من تحول هذا الملف من استحقاق سياسي داعم للاستقرار إلى تحدي حكومي يتوه في دهاليز البيروقراطية وشبكات الفساد الأسدية والإيرانية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه من أدوات الفاعلية يكمن في إنشاء منظومة التعاون الخليجي لصندوق مالي داعم لسياسات إعادة الإعمار وما تتطلبه من دراسة احتياجات وسياسات تنفيذية وبرامج تطوير الأداء والعودة الكريمة للاجئين والنازحين، والتركيز المباشر على مناطق سيطرة المعارضة وما تتطلبه من احتياجات تؤهلها لإدارة هذه العملية.

ختام القول

تتعاظم شروط التشكل السياسي غير المتسق مع طبيعة وتعريف القضية السورية التي تشهد تغييراً لمفاهيم سياسية كالانتقال والتغيير السياسي لصالح تسوية تفرغ الاستحقاقات السياسية الضامة لبناء سورية بما يتسق مع هويتها الحضارية وتحولها لمهمات حكومية غير مستعجلة وغير مرتبطة ببوصلة سياسية، وهو ما من شأنه تحول سورية لدولة فاشلة مزمنة تتحكم طهران في معظم دوائر صنع قرارها، وهو ما سيرتد فوضى أمنية متنامية على البنية السورية والخليجية والعربية، الأمر الذي يحفز دول الخليج لإعادة تقييم سياساتها تجاه الملف السوري ودراسة أسباب إعاقة فاعليتها عبر تعزيز مقاربة التلازم السياسي والأمني مع الملف السوري، والبحث عن امتلاك دوائر تأثير تضمن من خلالها دول الخليج إيقاف السيولة المتأتية من المشهد السوري وتضمين خطوات هندسة الحل أبعاده السياسية والاجتماعية الكفيلة بتحقيق الاستقرار والتعافي في سورية من جهة وتقوض وتفرغ المشروع الإيراني من جهة أخرى.

 

المصدر مجلة آراء حول الخليج


 ([1]) التثمير الروسي للمسار السياسي لما بعد الأستانة، تقدير موقف صادر عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ 13/11/2017، الرابط: https://goo.gl/6sN4h8

([2])  Benedetta Berti, “Is Reconstruction Syria’s Next Battleground?”, Carnegie endowment for international peace, 5/9/2017, https://goo.gl/xFWLxX

 ([3]) لقد تكبّدت سورية، خلال الأعوام الستة الماضية، خسائر تراكمية في إجمالي الناتج المحلي تخطّت 226 مليار دولار، وأصبح نصف سكّانها في عداد النازحين بسبب النزاع، ولحقت أضرار كبيرة بالبنى التحتية المدنية. بحسب التقديرات الواردة في تقرير صادر عن البنك الدولي في العام 2017، دُمِّر 27 في المئة من المنازل في المراكز المدينية التي خضعت للتقويم، أو لحقت به أضرار، ويُقدَّر مجموع تكاليف إعادة الإعمار بـ200 إلى 350 مليار دولار

التصنيف أوراق بحثية

استضاف برنامج "من تركيا" على قناة الأورينت السورية، الدكتور عمار قحف، مدير مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، للحديث عن مسار مؤتمر جنيف4 ومآلاته في ظل الانسداد السياسي القائم.

قدّم مدير مركز عمران للدراسات الاستراتيجية تحليلاً معمقاً للدور الروسي المتعاظم في سورية، وهو الأكبر منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وحلل أساليبها في خلق منصات متعددة لإضعاف المعارضة السورية لصالح نظام الأسد.

وإجابة منه على سؤال حول سرّ تعدد منصات المعارضة في مؤتمر جنيف، وتأثيرها على المسار السياسي في جنيف، أجاب الدكتور عمار قحف، بأن غاية روسيا من صناعة منصات موالية لها، هو الإعداد للمرحلة المقبلة من المفاوضات لضمان مصالح موسكو في سورية.

كما تناولت المقابلة الحديث عن بيانات جنيف1 ومساعي الروس للالتفاف على البيان من خلال اعتماد سياسة الغموض البناء على الرغم من مبادرة موسكو نفسها لصياغة البيان.

 

 

بتاريخ 18 شباط / فبراير 2017 وضمن تصريح خاص بعنوان: " لماذا نكثت موسكو وعودها للمعارضة؟ وما خفايا معركة درعا؟". أوضح الباحث ساشا العلو من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أن مستقبل الدور الروسي في الملف السوري مرتبط الآن ارتباطاً وثيقاً بملامح تكوّن موقف الإدارة الأمريكية من سوريا، ما قد يهدد الدور السياسي الروسي بالانهيار والفشل، ليكون البديل الجاهز هو التصعيد العسكري دوماً.

وتوقع الباحث ساشا، أن يسهم تبلور الموقف الأمريكي من سوريا، ومحاولة العودة إليها مجدداً، بالتعاون مع الحلفاء (تركيا)، في تحرير الأخيرة من ضغوط "اتفاقات الأمر الواقع" التي اضطرت إلى عقده في ظل الانسحاب الأمريكي من سوريا والشرق الأوسط برمته، وهو ما انعكس في اجتماع أستانة الأخير.

وعند الحديث عن معركة درعا... من حيث الدلالات والتوقيت؛ فقد أفاد مدير وحدة المعلومات والخبير الأمني والعسكري نوار أوليفر أن دلالات معركة درعا التي جاءت بعد هدوء تام استمر نحو عام ونصف العام من قِبل الفصائل الجنوبية، ترتبط بتعقيدات وتطورات سياسية طرأت على الجبهة الجنوبية في سوريا. كما أن النظام السوري وروسيا طلبا من الأردن فتح أحد المنفذين الحدوديين مع سوريا (الجمارك أو نصيب) لتأمين رئة يتنفس منها اقتصاد نظام الأسد المتداعي، وأن هذا النبأ تسرب إلى الفصائل الجنوبية عن طريق مصادرها في غرفة عمليات الـ"موك"، التي خشيت أن يؤدي تصاعد الضغوط إلى تمدد النظام وقواته بمناطق نفوذها، فشرعت في عملية "البنيان المرصوص" بمشاركة فصائل الموك وحركة أحرار الشام وغيرها من الفصائل كعملية استباقية.

يجدر بالذكر أن التقرير أعده الصحفي هشام منور ونشره موقع الخليج اونلاين على الرابط التالي:https://goo.gl/5By0DA