مُلخصٌ تنفيذيّ

  • نص اتفاق "سوتشي" على؛ إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح، ومحاربة الإرهاب الذي عكس ضمنياً "تفكيك هيئة تحرير الشام"، إضافة إلى فتح الطرق الدولية. وأما المنطقة العازلة فقد تم ترسيمها بعد معارك ريفي حماة وإدلب، في حين لا يبدو تفكيك الهيئة متاحاً حالياً، ليبقى فتح الطرق الدوليّة الهدف الظاهر للحملة العسكرية على إدلب.
  • لا تعكس مواقف ثلاثي "أستانا" من الحملة العسكرية على إدلب خلافات عميقة على هدفها الظاهر والمتمثل بفتح الطرق الدولية، بقدر ما تعكسه من اختلاف على ما يبدو حول آليات التنفيذ ومرحلة ما بعد المعركة.
  • على الرغم مما تشير إليه طبيعة الحملة ومحاورها العسكرية من أولوية فتح الطرق الدولية، إلا أن الهدف الأخير لا يبدو إلا تكتيكاً ضمن استراتيجية أوسع للنظام وحلفائه.
  • تبدو الحملة العسكرية للنظام وموسكو فرصة جيدة للمناورة السياسية مع أنقرة وتحصيل أكبر قدر من الجغرافيا، بما يتجاوز الاتفاقات المنصوص عليها، إضافة إلى انتزاع تعديلات محتملة على اتفاق سوتشي.
  • يعكس أداء الضامن التركي في التفاعل مع الحملة العسكرية وما ترتب عليها من آثار إنسانية وسياسية؛ إقراراً ضمنياً بتنفيذ الاتفاق المنصوص عليه بفتح الطرق الدولية، واعتراضات على ما يبدو حول آليات التنفيذ.
  • تشير ردات فعل الفصائل المدعومة من تركيا وغيرها، إلى أن المعارضة العسكرية تدرك أنها تخوض معركتها دون غطاء سياسي، ولعل هذا ما يفسر عدم زجّها بكامل قواها على الجبهات وتركها لمجموعات مقاومة محليّة.
  • إن تغيير الموقف التركي باتجاه التصعيد وزيادة الدعم العسكري للمعارضة، يعد احتمالاً وارداً، لكن ليس لحسم المعركة عسكرياً أو استعادة المناطق التي تم السيطرة عليها، بقدر ما هو تحسين لشروط التفاوض على أي اتفاق محتمل (إدارة المناطق، الدوريات المشتركة، طبيعة الإشراف على الطرق الدولية، نقاط المراقبة، الحدود الجغرافية).
  • لم تعبّر المواقف الدولية من الحملة العسكرية على إدلب عن صيغة جديدة في التعاطي مع الملف السوري؛ إلا أن اللافت في وتيرة تفاعلها أنها عكست، بشكلٍ أو بآخر، مدى عمق تكريس صورة إدلب كمنطقة لتجمع "الإرهابيين".
  • كل تقدم عسكري للنظام وحلفائه سيؤدي إلى مزيد من تعميق حالة عدم الثقة بين المجتمعات المحليّة ضمن مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري و"الضامن" التركي وفصائله من جهة، وبين الأخيرة وحواضنها الاجتماعية من جهة أخرى.

مدخل

لم تكن الحملة العسكرية التي بدأها نظام الأسد وحلفائه في 19 كانون الأول/ديسمبر 2019 على ريف محافظة إدلب مفاجئة أو غير متوقعة، سواء لناحية التوقيت أو الشكل، إذ تأتي ضمن سلسلة من المراحل بدأها النظام على المحافظة منذ مطلع العام 2019، كان آخرها الريف الجنوبي. إضافة إلى أن بوادر الحملة العسكرية الحالية قد لاحت قبل عملية "نبع السلام" وما تخللها من قرار أمريكي بالانسحاب الجزئي ومن ثم التراجع عنه، والذي غيّر أولويات النظام وموسكو عسكرياً باتجاه شرق الفرات، لاستغلال تردد الإدارة الأمريكية وما أتاحه من هوامش لإعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة، عبر اتفاق النظام مع "قسد" بوساطة روسية وآخر روسي-تركي استطاع النظام من خلاله العودة إلى الحدود، لتعود بعد ذلك أولوية النظام وحلفائه إلى إدلب، خاصة ريفها الجنوبي الشرقي.

 وتشير تقارير الرصد السابقة للحملة العسكرية بأن النظام استمر باستقدام تعزيزات عسكرية نحو محور معرة النعمان من القوى الموجودة أساساً في محيط المحافظة، والممتدة من حدود اللاذقية حتى حلب مروراً بحماه، كما أن القصف الجوي السابق للهجوم الحالي، والذي شنته طائرات النظام وموسكو على المحافظة وطبيعة بنك الأهداف، كان ينذر باقتراب عمل عسكري على الأرض، خاصة وأن استراتيجية موسكو قبل أي عملية بريّة، تقوم عبر القصف الجوي المكثّف على شلّ المرافق الحيوية وضرب مقومات الحياة وعوامل الصمود (مستشفيات ميدانية، مخابز، مدارس، أسواق، طرق إمداد)، وهو ذات الأسلوب العسكري الذي اعتمدته مع مناطق المعارضة السابقة لإدلب، والتي كانت تخضع لاتفاقات "خفض التصعيد" بعد خرقها واقتحام المناطق بريّاً، ومن ثم حصارها وفرض نموذج تسوية يضمن سيطرة النظام وحلفائه.

كما أعلن اجتماع أستانا 14، 10-11 كانون الأول/ديسمبر، وبشكل غير مباشر، عن اقتراب الحملة العسكرية وطبيعة أهدافها، ليس لناحية الدلالة الرمزية التي تربط نهاية كل اجتماع من سلسلة "أستانا" بقضم النظام لمساحات واسعة من سيطرة المعارضة؛ وإنما عبر البيان الختامي الذي خرج عن الاجتماع؛ والذي أكد في الفقرة السادسة منه على أن: "جمهورية إيران الإسلامية والاتحاد الروسي وجمهورية تركيا بوصفها الدول الضامنة لصيغة أستانا؛ استعرضت بالتفصيل الحالة في منطقة إدلب لخفض التصعيد، وأبرزت ضرورة تحقيق التهدئة على أرض الواقع من خلال التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقيات المتعلقة بإدلب، وأولاً وقبل كل شيء مذكرة 17 أيلول 2018"([1]).

وقد نصّت المذكرة التي أبرمت في سوتشي وأوقفت حملة عسكرية للنظام على إدلب بتوافق تركي-روسي، على "إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح وإبعاد جميع الجماعات الراديكالية والإرهابية عنها، والعزم على "محاربة الإرهاب" وهو البند الذي عكس ضمنياً تفكيك هيئة تحرير الشام، إضافة إلى بند فتح الطرق الدولية واستعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين M4 (حلب-اللاذقية) وM5 (حلب-حماة)".

 وأما عن المنطقة العازلة فقد تم ترسيمها، بل وتجاوز حدودها، بعد عجز الطرف التركي عن فرضها، وتدخل النظام وحلفائه عبر معارك طاحنة في ريفي حماة وإدلب في آب 2019، بينما لا يبدو تفكيك هيئة تحرير الشام بالأمر السهل والمتاح حالياً لأي من الأطراف، سواء لناحية تعقيد المهمة أو لناحية عدم انتهاء صلاحية الهيئة وظيفياً، ليبقى فتح الطرق الدولية هو الهدف الظاهر للعملية والأولوية السياسية-الاقتصادية بالنسبة للنظام وحلفائه، تحت ذريعة "محاربة الإرهاب" وعجز الطرف التركي عن تعهداته ضمن الاتفاق. وهذا ما حدث في سيناريو فرض المنطقة العازلة، وهو ذاته ما يتكرر اليوم ضمن حملة عسكرية وحشية لا تبدو أهدافها مقتصرة على فتح الطرق الدولية فقط. خاصة ضمن الظرف السياسي والعسكري الذي يمر فيه الملف السوري.

موسكو والنظام (حدود الحملة ودوافعها)

في الوقت الذي تتصاعد فيه العملية عسكرياً؛ يبدو المناخ السياسي الذي تدور خلاله أكثر هدوءاً، على مستوى التفاعل الدولي أو الإقليمي، إذ لا تعكس مواقف ثلاثي "أستانا" من العملية خلافات عميقة على هدفها الرئيس المتمثل بفتح الطرق الدولية، بقدر ما تعكسه من اختلاف على ما يبدو حول آليات التنفيذ ومرحلة ما بعد المعركة، فاليوم لا يتم السعي لإنجاز اتفاق جديد بقدر ما هو تطبيق لاتفاق سابق، وربما انتزاع تعديلات عليه عبر التصعيد العسكري، إذ بدت لهجة موسكو أكثر تصعيداً مع بدء الحملة على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، الذي صرح بأن "الأسد سيستعيد كامل الأراضي السورية وسندعمه في ذلك"([2])، بينما جاءت تصريحات وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، ضمن السياق الروسي، لتضيف عليه أن "اتفاق "سوتشي" قد فشل ولا حل سوى الحرب"([3])، في إشارة إلى عدم قدرة أنقرة على الالتزام بتعهداتها، والتلميح أن حدود هذا الاتفاق لم تعد ملزمة للنظام، وبالتالي احتمالية خرقها والتفاوض على تعديلها، في حين اكتفى الإيراني المشارك على الأرض بدعوة أنقرة للتعاون مع الأسد في حملته على إدلب([4]).

وعلى الرغم مما تشير إليه طبيعة الحملة ومحاورها العسكرية من أولوية فتح الطرق الدولية، إلا أن الهدف الأخير لا يبدو إلا تكتيكاً ضمن استراتيجية أوسع للنظام وحلفائه في استعادة كامل الأراضي السورية، وأن المعركة الحاليّة ما هي إلا جزءٌ من هذه الاستراتيجية، بشكلٍ يحقق أهدافاً مرحلية على المستويين العسكري والسياسي؛ إذ  يسعى النظام من خلالها إلى تأمين جزء من الطرق الدولية لما لها من أهمية اقتصادية بالنسبة له وللأطراف المختلفة، إضافة للعودة إلى المعسكرات الاستراتيجية (الحامدية، وادي الضيف)، برمزيتها العسكرية وإشرافها الناريّ الواسع على المنطقة، وذلك عبر إنهاء معركة بمناطق سهلية مفتوحة ذات تحصينات ضعيفة وخطوط إمداد مرصودة وتدمير خطوط الدفاع الأولى فيها. كما تمنح الحملة العسكرية في هذه الفترة فرصة للنظام لتصدير أزماته الاقتصادية في مناطق سيطرته بصورة انتصار عسكري مع نهاية العام 2019، خاصة في إدلب ومالها من رمزية كآخر معاقل المعارضة، وبالتالي الإيحاء بأن العمليات العسكرية لم تنتهِ وأن الأولوية للمجهود الحربي أولاً، وبالتالي تأجيل أي استحقاق من شأنه تحسين الوضع المعيشي في مناطق سيطرته، في ظل حزمة العقوبات القادمة، وعلى رأسها قانون قيصر.

إلى جانب ذلك، تبدو الحملة العسكرية للنظام وموسكو على المستوى السياسي فرصة جيدة للمناورة مع أنقرة وتحصيل أكبر قدر من الجغرافيا، بما يتجاوز الاتفاقات المنصوص عليها، إضافة إلى انتزاع تعديلات محتملة على اتفاق "سوتشي"، مقابل وقف إطلاق النار، والتي قد تكون متعلقة بــ (إدارة المنطقة، الإشراف على الطرق الدولية، الدوريات المشتركة، نقاط المراقبة، الحدود الجغرافية للتقدم العسكري).  كما قد يشكل التصعيد العسكري في إدلب بالنسبة لموسكو فرصة لمناورة سياسية أبعد من الملف السوري إلى ملفات إقليمية مشتركة تتصاعد فيها الخلافات مع أنقرة، خاصة الملف الليبي.

الضامن والفصائل (إقرار الهدف وخلاف الآليات)

بالمقابل، يعكس أداء الضامن التركي في التفاعل مع الحملة العسكرية وما ترتب عليها من آثار إنسانية وسياسية؛ إقراراً ضمنياً بتنفيذ الاتفاق المنصوص عليه بفتح الطرق الدولية، واعتراضات على ما يبدو حول آليات التنفيذ، إذ اكتفى الجانب التركي بمحاولات الضغط عبر موسكو لفرض تهدئة والتحذير من تفاقم كارثة إنسانية على حدوده متمثلة بموجات نزوح كبيرة باتجاه الأراضي التركية"([5])، في تلويح للأوروبيين بموجة لجوء جديدة وأن أنقرة لن تكون المسؤولة الوحيدة عنها، ومن ثم استطاعت تركيا بعد اجتماعات أمنيّة مع الجانب الروسي الوصول إلى تهدئة مؤقتة لم تطبق فعلياً على الأرض، لتعود العمليات العسكرية للاستئناف([6]). وبالعموم يمكن القول؛ إن الموقف التركي-إلى الآن-عكس بشكل أو بآخر إقراراً بضرورة فتح الطرق الدوليّة كجزء من اتفاق سوتشي، وأن سعي أنقرة اليوم عبر التفاوض مع موسكو، ما هو إلا محاولات لتخفيف تبعات تطبيقه العسكرية والسياسية والإنسانية.

 إذ تدعم هذه الرؤية مجموعة مؤشرات أبرزها؛ أداء أنقرة في التفاعل مع الحملة العسكرية الحالية قياساً بأدائها قبل انتزاع اتفاق سوتشي الذي سبقه تهديد موسكو والنظام بعملية عسكرية على إدلب، حيث أشار أداؤها خلال تلك الفترة إلى عدم وجود اتفاق بالفعل، ما حدا بها إلى الضغط على عدة مستويات إقليمية ودولية، مقابل إجراءات على المستوى المحليّ، تمثلت بفتح المعابر أمام الصحافة الغربية وتشجيع المظاهرات المدنية، وتكثيف جهود سياسية ودبلوماسية كبيرة أدت في النهاية إلى توقيع اتفاق سوتشي مع الجانب الروسي. ولكن يبدو اليوم الظرف مختلفاً بالنسبة لأنقرة، خاصة بعد عملية "نبع السلام" التي أمنّت الجزء الأكبر من الحدود بتعاون أمريكي من جهة وروسي من جهة أخرى، ضمن اتفاقات امتدت على ما يبدو من شرق الفرات إلى غربه.

 كما تشير ردّات فعل الفصائل الكبرى المدعومة من تركيا ومن ضمنها "الجيش الوطني"، والذي أرسل مجموعات محدودة من مقاتليه إلى جبهة إدلب بعد 12 يوم على الحملة العسكرية، إلى أن المعارضة العسكرية تدرك أنها تخوض معركتها دون غطاء سياسي، ولعل هذا ما يفسر عدم زجّها بكامل قواها على الجبهات وتركها لمجموعات مقاومة محليّة من شباب المناطق وبعض الفصائل، في إدراك منها أن الاتفاق في طريقه للتطبيق وتأمين الطريق الدولي، فلماذا الزج بقواتها واستنزفها في معركة محسومة سياسياً قبل أن تحسم عسكرياً؟! ويبدو أن هذا التصور للمعركة ينطبق بدرجة أكبر على هيئة تحرير الشام الذريعة الأكبر في شن الهجوم تحت غطاء مكافحة الإرهاب، إذ لم تنخرط الأخيرة بثقلها العسكري كامل في المعركة، سواء على مستوى مقاتليها أو سلاحها الثقيل، بل إن ظهور زعيم الهيئة أبو محمد الجولاني، في كلمة مصورة حثّ فيها الجميع على حمل السلاح، بدا كهروب للأمام واستباق إعلامي لاتهامات محققة.

مقابل تلك المؤشرات، بدا لافتاً عدم انسحاب النقاط التركية من بعض مواقعها التي تقدم إليها النظام بالرغم من حصارها (الصرمان)، وتأكيد أنقرة على بقائها وعدم انسحابها([7])، وهذا ما يعكس نظرة تركيا لتلك النقاط العسكرية على أنها نقاط سياسية متقدمة لتفاوض لاحق على انسحابها، مُدركةً أن النظام وبإشراف الروس سيتحاشى التعرض لها، وهذا ما أكدت عليه تصريحات، وليد المعلم، بأننا "لن نتعرض للنقاط التركية"([8])، وهذا أيضاً ما نصّ عليه اتفاق أستانا؛ "بضمان سلامة وأمن الأفراد العسكريين التابعين للدول الضامنة داخل منطقة إدلب لـ"خفض التصعيد" وخارجها"، ولعل النقطة التركية في مورك بريف حماة مثال جيد في هذا السياق.

وعلى الرغم من كل تلك المؤشرات؛ إلا أن احتمالية تغيير الموقف التركي باتجاه التصعيد وزيادة الدعم للمعارضة، سواء عبر السلاح النوعي أو عبر دخول فصائل كبرى بثقلها العسكري، يعد احتمالاً وارداً، لكن ليس لحسم المعركة عسكرياً أو استعادة المناطق التي تم السيطرة عليها، بقدر ما هو تحسين لشروط التفاوض على أي اتفاق محتمل حول (إدارة المناطق، الدوريات المشتركة، طبيعة الإشراف على الطرق الدولية، نقاط المراقبة، الحدود الجغرافية للتقدم العسكري)، ولعل معارك ريفيّ حماة الشمالي وإدلب الجنوبي الأخيرة آب/أغسطس 2019، تعد مثالاً واضحاً في هذا السياق، فعلى الرغم من الدعم التركي وعبور مجموعات كبيرة من الفصائل واستمرار المعارك لفترات طويلة؛ إلا أن المحصلة في النتيجة كانت واحدة، وهي خسارة الأرض وفرض المنطقة العازلة، والتي تجاوز النظام حدودها، كما فعل من قبل في  تجاوز حدود اتفاق "شرق السكّة".

وعلى وقع تطور المواقف السياسية لثلاثي أستانا؛ بدا الموقف الدولي أقل حماساً للتفاعل مع الحملة على إدلب ونتائجها الكارثية على الصعيد الإنساني، إذ تراوحت المواقف بين بيان الأمم المتحدة بصيغته الإنسانية ووساطة منظماتها الدولية لتحصيل ساعات لتأمين بعض الطرقات "الآمنة" للنازحين([9])، والتي رغم ذلك تعرضت للقصف، مقابل بيان خجول من السفارة الأمريكية في دمشق، تلته تغريدة  للرئيس دونالد ترامب اتهمت روسيا وإيران بقتل المدنيين وعوّلت على جهود تركيا محملةً إياها مسؤولية غير مباشرة، إضافة إلى بيانات تقليدية عن بعض الخارجيات الأوروبية (ألمانيا، فرنسا) والاتحاد الأوروبي([10])، والتي رأت الحملة من منظار موجات اللجوء والاكتفاء بالتنديد والاستنكار والمطالبة بإيقاف القصف، وعلى الرغم من أن المواقف الدولية لم تعبر عن صيغة جديدة في التعاطي مع الملف السوري؛ إلا  أن اللافت في وتيرة تفاعلها أنها عكست، بشكل أو بآخر، مدى عمق تكريس صورة إدلب كمنطقة لتجمع "الإرهابيين"، خاصة بعد مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي على أراضيها.

التصعيد العسكري وآفاقه

وبالنظر إلى طبيعة الحملة العسكرية الشرسة والمناخ السياسي الذي تسير خلاله، مقابل المواقف الإقليمية والدولية التي ظهرت إلى الآن منها؛ فمن المحتمل أن يستمر تقدم النظام وحلفائه حتى السيطرة على مدينة معرة النعمان، أو على الأقل تأمين محيطها بما فيه M5 والمعسكرات الاستراتيجية (وادي الضيف، الحامدية)، ومن ثم الانتقال لتأمين الطريق ما بين مدينة خان شيخون ومعرة النعمان والمعروف بـ"طريق الموت".

 أما مرحلة التقدم باتجاه مدينة سراقب لاستكمال تأمين الطريق الدولي وتقاطع M4 وM5 في شمال المدينة، فهو مرهون بعاملين، الأول: مستوى المقاومة العسكرية التي سيواجهها النظام، والتي يبدو أنها تعتمد على حالة دفاعية وهجمات خاطفة تستغل الأحوال الجوية وغياب الطيران الحربي لإيقاع أكبر خسائر في قواته، لكنها غير قادرة على التمركز وإعادة السيطرة حتى الآن. أما الثاني: فيتمثل بتوصل موسكو وأنقرة إلى اتفاق جديد مطوّر من اتفاق "سوتشي" يوجد صيغة جديدة بين الفصائل والنظام من المحتمل أن تكون في صالح الأخير. أما ما تبقى من طريق الـ M5 فيحتاج من النظام مراحل أخرى لتأمين المنطقة الممتدة من سراقب في ريف إدلب الشرقي إلى بلدة الزربة في ريف حلب الجنوبي ومنها إلى مدخل مدينة حلب، حيث سيعتمد النظام في ترتيب أولويات تلك المعارك على اختراق الخواصر الرخوة في تلك المناطق.

وفي حال استمرار تقدم النظام عسكرياً والسيطرة على المناطق الواقعة على الطريق الدولي M5، سواء عبر التصعيد العسكري أو أي اتفاق سياسي محتمل؛ فسيكون بذلك أنهى مرحلة المعارك السهليّة في إدلب، لينتقل إلى المرحلة الجبليّة لتأمين الطريق الدولي M4، والذي لم تنقطع المعارك على أجزاء منه (جبهة الساحل)، وعلى الرغم من أنها قد لا تكون بسهولة سابقاتها نتيجة طبيعتها الجغرافية واحتوائها على مدن وبلدات تمثل العمق الاستراتيجي لقوى المعارضة المسلحة (أريحا، جسر الشغور، كفرنبل، جبل الزاوية، جبل الأربعين)؛ إلا أنه وبالوقت نفسه يكون النظام عبر معاركه الحالية قد أفرغ المنطقة السهليّة من سكانها لتصبح المناطق الجبليّة ذات كثافة سكانية عالية ونفوذ عسكرية واسع من قبل هيئة "تحرير الشام"، والتي ستسعى كسلوكها المعتاد إلى ابتلاع الفصائل المحليّة لتثبيت نفوذها وضمان هيمنتها العسكرية والأمنية في المنطقة، وبالتالي ستتحول المنطقة إلى كثافة سكانية عالية يغطيها "السواد"، الأمر الذي سيعطي موسكو مبرراً جديداً لشن حملة عسكرية على بقعة "إرهابية"، بل وستصدرها  ليس كمعركتها فقط، وإنما "معركة المجتمع الدولي بالكامل".

بالمقابل، فإن كل تقدم عسكري للنظام وحلفائه بهذه الصورة الوحشية سيؤدي إلى مزيد من تعميق حالة عدم الثقة بين المجتمعات المحلية ضمن مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري و"الضامن" التركي وفصائله من جهة، وبين الأخيرة وحواضنها الاجتماعية من جهة أخرى، وبالتالي احتمالية فتح ثغرات أكبر قد تصب لاحقاً بشكل أو بآخر في تسهيل عمليات التسوية الإجبارية، أو الفوضى داخل تلك المناطق.    

 خلال مسار أستانا، وما أفرزه من اتفاقات "خفض التصعيد" تعرضت ولا تزال مناطق سيطرة المعارضة لذات السيناريو في القضم والسيطرة لصالح موسكو والنظام، وذلك ليس لقوة النظام أو لعجز المعارضة، بقدر ما هو إعادة ترتيب الأولويات وفق مصالح الداعمين بشكل أمّن للنظام معارك سهلة نسبيّاً كان أغلبها محسوم سياسياً، مخلّفة مع نهاية كل منطقة ذات الكارثة الإنسانية. لذلك وفي حال عدم خلق دينامية سياسية وعسكرية جديدة وواقعية في التعاطي مع الجيب الأخير للمعارضة تعيد تقييم جدوى الاستمرار في مسار أستانا على المستوى العسكري، ومسار اللجنة الدستورية على المستوى السياسي، آخذة في الحسبان ضرورة إعادة تعريف العلاقة من جديد مع "الضامن"، والموقف من هيئة تحرير الشام، وإدراك أن النظام لم ولن يلتزم بأي اتفاق حالي أو مستقبلي، وأن أي اتفاق مع النظام والروس ما هو إلا كسب وقت لإعادة خرقه، وأن مسار المعارك في هذا السياق سيتحول إلى صيغة حسم سياسي سابق واستنزاف عسكري لاحق، وما دون ذلك فمن غير المتوقع أن تكون النتائج مختلفة عن سابقاتها من المناطق، إلا في حجم الكارثة الإنسانية التي ستلحق بــ 3.5 مليون سوري في إدلب من مقيمين ومهجّرين. والتي لا يمكن التنبؤ بحدودها وحجم آثارها.

 


 

([1]) للاطلاع أكثر على البيان الختامي لاجتماع أستانا 14، راجع الموقع الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية للجمهورية الكازاخستانية، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/VA2NU

([2]) لافروف: الأسد سيستعيد كل سورية وسندعمه في ذلك، موقع الحلّ، 23/12/2019، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/MKRrD

([3]) المعلم: سوتشي فشل وتركيا تطبق "تطهيراً عرقياً"، صحيفة عنب بلدي، 24/12/2019، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/TncPy

([4]) إيران تدعو تركيا للتعاون مع النظام السوري في إدلب، صحيفة عنب بلدي، 19/12/2019، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/aO2H6

([5]) إدلب...تركيا تضغط على روسيا وغوتيرش يطالب بوقف فوري للعنف، موقع DW، 24/12/2019، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/0vJfF

([6]) الطائرات الروسية تستأنف القتل بعد هدنة الأحوال الجوية، موقع العربي الجديد، 31/12/2019، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/Kn197

([7]) أنقرة: لن ننسحب من نقاط المراقبة في إدلب التركية، موقع قناة الحرة، 29/12/2019، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/39US8

([8]) وليد المعلم: اتفاق سوتشي فشل .. والحل عسكري فقط، الموقع الإلكتروني لجريدة المدن، 24/12/2019، متوافر على الرابط: https://2u.pw/gcIrH

([9]) إدلب...تركيا تضغط على روسيا وغوتيرش يطالب بوقف فوري للعنف، موقع DW، 24/12/2019، متوافر على الرابط التالي: https://2u.pw/0vJfF

([10]) الاتحاد الأوروبي يعلق على أحداث إدلب ويوجه رسالة للنظام السوري، موقع الحلّ، 29/12/2019، متوافر على الرابط: https://2u.pw/Qk61U

التصنيف تقدير الموقف

يهدف هذا التحديث المعلوماتي لتبيان تغيرات السيطرة وخارطة القوى الفاعلة في الشمال السوري بعد عملية "نبع السلام" التي أطلقها الجيش التركي والجيش الوطني في 9/10/2019، والتي استهدفت تواجد قوات سورية الديمقراطية بالقرب من الحدود السورية-التركة في المنطقة بين مدينتي (تل أبيض في محافظة الرقة ورأس العين في محافظة الحسكة)، وسيركز هذا التحديث على النقاط التالية: 1) خريطة السيطرة والنفوذ حتى تاريخ 12/12/2019 في الشمال السوري (الحسكة، الرقة، حلب، وإدلب).  2) خارطة السيطرة للقوى الفاعلية الدولية والمحلية بشكل عام. 3) القوى المسيطرة على أهم الموارد والبنية التحتية في المنطقة الشمالية (أهم الطرق الدولية -المعابر الحدودية الدولية ووضعها).

استند هذا التحديث في معلوماته على مصادر وحدة المعلومات في مركز عمران وبرنامج Terra Server والذي يقدم صور أقمار صناعية حديثة، بالإضافة إلى المواقع الرسمية لوزارات الدفاع للدول الفاعلة وبياناتهم المتعلقة بالشأن السوري، وفيما يتعلق بأرقام ونسب السيطرة فقد تم الاعتماد على برنامج ArcGIS مما يزيد من نسبة الدقة في احتساب المساحات والنسب، مع احتمالية الخطأ بنسبة 1 إلى 2%.

خارطة القوى الفاعلة في الشمال وتطورات مواقع النفوذ والسيطرة

 خارطة رقم (1): مواقع النفوذ والسيطرة في المحافظات الشمالية – 12 كانون الأول 2019

 

 نسب وتوزع سيطرة الفواعل المحلية في الشمال السوري

 

 

المعابر في الشمال السوري: تقييم حالة

التصنيف تقارير خاصة

رأى الباحث معن طلاع من مركز عمران، في حديثه لراديو روزنة في تاريخ 14 أيلول 2019، حول القمة الثلاثية في أنقرة والتفاهمات الجديدة حول إدلب؛ أن القمة ستركز بشكل مباشر ورئيسي على ملف إدلب وما يتضمنه من تحديات ملحة كموضوع الطرق الدولية؛ وملف تنظيمات "هيئة تحرير الشام" و "حراس الدين" إضافة إلى حركة النزوح الجماعي معتبراً أن قمة أنقرة اختباراً حقيقياً لضبط الخلافات واستيعابها فإما ترميم مساحات الخلاف الحاصل والحفاظ على مسار أستانا كمسار أمني وإما ترحيل الخلاف لقمم أخرى مما بسفر عن تصدع هذا المسار بحكم انتهاء صلاحياته بعد أن أتم المطلوب منه.

كما رجّح تنامي خيارين؛ يتمثل الأول بإعادة تعريف موسكو لاتفاق سوتشي لا سيما فيما يتعلق بالبند الثالث والذي ينص على "إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15-20 كيلومتراً " ليصبح عمق المنطقة 30 كم وتعزيز فكرة الدوريات المشتركة كمدلول لحفاظ أنقرة على نقاطها في تلك المناطق.

أما الخيار الثاني هو الاعتراف بالأمر الواقع وتجميد القتال مقابل منح أنقرة مهلة إضافية لتنفيذ اتفاق سوتشي وتفكيك هيئة تحرير الشام وحراس الدين؛ وبالتالي شرعنة نتائج العمل العسكري الروسي الاخير وتحويله لنموذج عمل حيال أي تأخر في تنفيذ الاتفاق.

 

المصدر راديو روزنة: http://bit.ly/2mf4DuQ

الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية؛ أيمن الدسوقي، رأى خلال حديثه لراديو روزنة أن الإدارة الأمريكية تنتهج سياسات تبدو متناقضة أو غير متكاملة تجاه سورية، معتبراً أن "الأمثلة كثيرة في هذا الصدد، حيث سبق لها أن أعلنت عبر مسؤوليها رفضها للجنة الدستورية وأن الوقت قد حان لتجاوزها، لتعود وترحب بها و بالجهود الأممية لحل الأزمة السورية".

جاء ذلك ضمن مادة حملت عنوان: صفقات أميركية متناقضة في سوريا… ما مصير المنطقة الآمنة وإدلب؟

للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2nR2dnp

عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بالتنسيق مع المجلس السوري الأمريكي والمنتدى السوري أمريكا، جلسة نقاشية بعنوان "مستقبل الصراع في سورية: التطورات الميدانية والسياسية"، وذلك بتاريخ 14 سبتمبر 2019، في العاصمة الأمريكية واشنطن
حيث اعتبر حتاحت أن التحدي في عام 2020 أمام الثورة السورية هو محاولة وقف النزيف وإعادة تعريف المسار التفاوضي مع النظام من خلال إيجاد تفاهم ومساحات جديدة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وهذا ممكن أن يُنتج اتفاق جديد في إدلب او يجعل هناك اتفاق تكاملي بين شرق الفرات وغرب الفرات يؤدي لتكوّن كتلة جديدة معارضة للنظام تعتمد على مصادرها الذاتية.

 

التصنيف الفعاليات

في تعليقه حول تسيير الدوريات المشتركة في الشمال... ما الأهداف الحقيقية؟ صرَّح الباحث أيمن الدسوقي لراديو روزانة بتاريخ 15 أغسطس 2019، أن الدوريات المشتركة في إدلب تعتبر جزءاً من اتفاق سوتشي (أيلول/ 2019) وهي مرتبطة بنقطة آخرها تتضمنها الاتفاق متمثلة بتشكيل مركز للتنسيق المشترك بهذا الخصوص، وقد حدد الاتفاق أهداف الدوريات المشتركة في حفظ الاستقرار ووقف إطلاق النار وتسهيل حركة التنقل للأفراد وذلك الحركة التجارية على الطريقين الرئيسي المعروفين اختصاراً بــ"M5" و"M4".

وأضاف "لقد تم تسيير عدد من الدوريات من قبل روسيا وتركيا في نقاط محددة منذ نهاية عام 2018 تتواجد على محور الطريق الدولي M5، لكنها لم ترقى بعد إلى آلية مشتركة ودائمة معززة بتفاهمات دائمة يشرف عليها مركز للتنسيق المشترك وقادرة على إنجاز مهامها وفق اتفاق سوتشي، ويعود السبب في ذلك إلى طبيعة الوضع الميداني والقوى المسيطرة، ومسائل ما تزال معلقة بين ضامني آستانة، وحسابات تتجاوز المنطقة ".

واستبعد أن تُحدِث العمليات العسكرية الدائرة حالياً في ريفي حماة وإدلب تأثيراً كبيراً على انتشار نقاط المراقبة سيما نقطة المراقبة التركية في مورك والتي تتواجد خلف المنطقة منزوعة السلاح، ويُستند في هذه القراءة على تحليل سير العمليات العسكرية لقوات النظام بدعم وإسناد روسي والتي تنحصر في منطقة منزوعة السلاح "15-20 كلم" والتي لم يعتقد أنها ستتجاوزها خلال المرحلة الراهنة.

المصدر راديو روزانة: http://bit.ly/2KIANJ2

الإثنين, 29 تموز/يوليو 2019 19:11

نوار أوليفر | حول حرب "الاستنزاف" في إدلب

قدم مدير وحدة المعلومات -بمركز عمران- نوار أوليفر تصريحاً صحفياً لوكالة فرانس برس بتاريخ 27 تموز 2019 ، حول حرب "الاستنزاف" في إدلب، حيث اعتبر أوليفر أن الاستنزاف يهدف إلى "الضغط على الفصائل وحاضنتها الشعبية"، بعدما باتت المنطقة تضم كل السوريين المعارضين وعائلات مقاتلي الفصائل موضحاً أن التصعيد الجوي يخدم العمل البري المحتمل مستقبلاً والمؤجل حالياً بسبب الاتفاق الروسي التركي في المنطقة.

للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2MrUFkS

في تصريحه لصحفية لموقع عربي21 بتاريخ 12 تموز / يوليو 2019، حول المباحثات الجارية لتشكيل اللجنة الدستورية؛ أكد الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية معن طلاع أن الخلاف لا يزال قائما على نسب التوزيع، رغم الليونة الروسية، إلى جانب الاختلافات على الآليات التنفيذية لمخرجات "اللجنة الدستورية".وأن ما يظهر من خلاف ما بين الأطراف الفاعلة في سورية على تسمية أشخاص، يخفي الخلاف الحقيقي على اختصار الحل السياسي على السلة الدستورية وفقاً لمخيال النظام الذي يريدها لجنة توصيات دستورية غير ملزمة. كما أكد طلّاع على أن النظام السوري سيبقى يعمل على في هذا الموضوع على استراتيجية تمرير الوقت ودفع الكرة إلى الأمام، حتى تتضح نتائج المفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا حول مآل منطقة شرق الفرات، وبين روسيا وتركيا حول ملف إدلب، وكذلك الصفقات الروسية والتي على رأسها إعادة الإعمار مقابل السماح للاجئين بالعودة؛

رابط المصدر: https://m.arabi21.com/story/1194088

اعتبر الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران خلال تصريحه لـ «القدس العربي» بتاريخ 16 حزيران 2019، أن سبب تكثيف الضغوط العسكرية على نقاط المراقبة التركية هو لدفعها للانسحاب من مناطق تمركزها، وإظهار أنقرة بمظهر «الضامن الضعيف»، واستغلال ذلك في حال حدوثه لضرب العلاقة بين الجانب التركي وفصائل المعارضة، فضلاً وهو الأهم تقويض الاتفاق الروسي التركي، الذي يلجم النظام عن شن عملية عسكرية واسعة النطاق في إدلب.
في المقابل، تستثمر روسيا الاستهداف المتكرر من قبل قوات النظام لنقاط المراقبة التركية، حسب رأي الدسوقي، من أجل الضغط على أنقرة ودفعها لإعادة النظر بحساباتها فيما يتعلق بالمعارك الدائرة في ريف حماة الشمالي وملف « اللجنة الدستورية»، فضلاً عن محاولة استثمار هذه الاستفزازات لفتح قناة تواصل مباشرة بين الطرفين بحجة ضرورة التنسيق مستقبلاً للحيلولة دون تكرار مثل هكذا حوادث، ويؤشر الرد التركي لعدم خضوع أنقرة للتهديدات والضغوط واستعدادها للتصعيد عسكرياً إن تطلب الموقف ذلك، ومن المحتمل أن يدفع الرد التركي روسيا إلى إعادة ضبط الصراع ليكون بين الفرقاء المحليين، مخافة الانزلاق إلى مواجهات أكبر أطرافها الضامنين.

للمزيد انقر الرابط التالي: http://bit.ly/2XTGKXB

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • يُلحظُ تغيرٌ واضحٌ في الديناميكيات الدبلوماسية والعسكرية للأطراف الفاعلة في الشأن السوري، التغير الناجم عن نهاية التفاهمات القديمة بين تلك الأطراف، الأمر الذي دفع بصراعات وتحالفات جديدة قائمة على تصفية الملفات العالقة وتثبيت مواقع النفوذ.
  • يبدو أن الديناميكية العسكرية الجديدة، ما هي إلا انعكاس لديناميكية سياسية محمومة تدور منذ المرحلة الأخيرة من الحرب على تنظيم الدولة، وتتجلى في محاولة الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في الملف السوري إعادة ترتيب أوراقها وصولاً إلى تفاهمات جديدة.
  • تتوزع مصالح الأطراف الفاعلة على الجغرافيا السورية؛ بشكل قسّم الخارطة إلى مناطق ساكنة ظاهرياً، ولكنها تحمل إمكانات الانفجار في أي وقت تبعاً لقدرة اللاعبين في كل منطقة على الوصول إلى تفاهمات.
  • تتجه موسكو للاستفادة من المناخ الإقليمي والدولي المتخوف من الوجود الإيراني في سورية باتجاه بناء تحالفات واختيار حلفاء جدد لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، بالمقابل، لا يغيب هذا التحرك الروسي عن ذهن القيادة الإيرانية التي تسعى إلى تدعيم تحالفاتها بعيداً عن موسكو.
  • في ظل هذا المناخ المتوتر بين مختلف الأطراف، يبدو أن محاولات أنقرة لمسك العصا من المنتصف مع جميع الأطراف لن تفلح، وعليها أن تختار تحالفاتها الجديدة بالانحياز إلى أطراف على حساب أخرى.
  • يمكن اعتبار معارك ريفي حماه وإدلب هي آخر محطات مسار أستانة، حيث سيتجه كل طرف من أطرافه الثلاثة باتجاه تثبيت تحالفات جديدة على الأرض تحقق مصالحه، وبشكل يحسن تموضعه السياسي في صيغة الحل النهائي.
  • تعتبر منطقة شرق الفرات النقطة التي تجتمع فيها خيوط اللعبة في سورية، وهي بذلك تشكل هدفاً لكافة الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الملف السوري، ولكل طرف من الأطراف تصوراته الخاصة لمستقبل تلك المنطقة، كما له أدواته للتصعيد فيها.
  • يشهد جنوب سورية بمحافظاته الثلاث حالة من الفوضى ذات الدلالات الأمنية والسياسية الخطيرة، فبالرغم من أن الجنوب يبدو هادئاً ظاهرياً تحت سيطرة النظام؛ إلا أنه يحمل قابلية الانفجار في أي لحظة، نتيجة للصراع الدائر بين أذرع الفاعلين في المنطقة.
  • يعيش النظام أزمة اقتصادية أمنية في مناطق سيطرته "سورية المفيدة"، إضافة إلى المناطق التي استعادها خارج هذا النطاق، حيث ساهمت عدة عوامل بإضعاف هيمنة النظام داخل تلك المناطق لصالح حلفائه والمليشيات التابعة لها.
  • لا يبدو في المدى القريب أن هناك انفراجه على مستوى الحل السياسي؛ فالصراعات بين الفاعلين الإقليميين والدوليين بدأت تتصاعد بشكل مواجهات ما تزال محدودة ولكنها مباشرة.
  • تشهد المنطقة برمتها عملية إعادة تشكيل لخارطة القوة فيها، وتعتبر سورية إحدى الساحات التي تلتقي فيها مصالح القوى الدولية والإقليمية المتنافسة على رسم ملامح النظام الأمني الجديد في الشرق الأوسط.

مدخل

عكست نتائج اجتماع أستانة الأخير بتاريخ 25-26 نسيان/أبريل؛ استمرار حالة ما اعتُبر "جموداً سياسياً" اعترى الملف السوري منذ أمدٍ ليس بقصير، وتجلى في تعثر إعلان اللجنة الدستورية التي تعتبر الخطوة الأولى "باتجاه الحل السياسي" وهدوء نسبي على مستوى الأعمال العسكرية مع انحسار فصائل المعارضة إلى جيب صغير في الشمال وإعلان نهاية تنظيم الدولة، لتعود الديناميكية العسكرية في الملف السوري مجدداً عقب أيام من انتهاء اجتماع أستانة 12، مع الحملة الروسية على ريفي إدلب وحماه، وذلك بالتزامن مع عملية محدودة نفذها "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا شمال حلب ضد "وحدات حماية الشعب " التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي  PYD"" والعمود الفقري لـ"قوات سورية الديمقراطية".

ويبدو أن تلك الديناميكية العسكرية ما هي إلا انعكاس لديناميكية سياسية محمومة تدور منذ المرحلة الأخيرة من الحرب على تنظيم الدولة، وتتجلى في محاولة الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في الملف السوري إعادة ترتيب أوراقها وصولاً إلى تفاهمات جديدة تحدد مصالح كل طرف من الأطراف بشكل يفضي إلى رسم ملامح الحل السياسي في سورية.

 وتتوزع مصالح الأطراف على الجغرافيا السورية؛ بشكل قسّم الخارطة السورية إلى مناطق ساكنة ظاهرياً ولكنها، تحمل إمكانات الانفجار في أي وقت تبعاً لقدرة اللاعبين في كل منطقة على الوصول إلى تفاهمات، وتلك المناطق هي: الجنوب السوري والشمال الغربي، إضافة إلى ما تبقى من غرب الفرات بيد "قوات سورية الديمقراطية" وشرقي الفرات، مقابل مناطق سيطرة النظام السوري في الساحل ودمشق، بما فيها مؤسسات النظام وما يدور في تلك المنطقة من صراعات خفية وأزمات اقتصادية متلاحقة.  وعليه تسعى هذه الورقة التحليلية إلى تفكيك المشهد السوري المعقّد، تبعاً لمناطق النفوذ ولاعبيها الإقليميين والدوليين، وصولاً إلى رسم ملامح التفاهمات الجديدة واستشراف ما قد تؤدي إليه من آثار على شكل الحل السياسي المرتقب.

أولاً: أستانة (هزيمة التكتيكي أمام الاستراتيجي)

شكّل تعثر مسار أستانة بجولته الثانية عشر في إعلان تشكيل اللجنة الدستورية، وإحالتها إلى جنيف؛ فشلاً في المسعى الروسي لقطف ثمار ما أحرزته موسكو من تقدم عسكري نتيجة لهذا المسار، وتحويله إلى بديل عن مسار جنيف الأممي لإنتاج حل سياسي استراتيجي في سورية.

ويضاف إلى هذا الفشل الناجم عن رفض أمريكي-أوروبي لتفرد موسكو في إنتاج الحل السياسي في سورية؛ فشل آخر يتعلق بإحباط أمريكي لجهود موسكو في عملية إعادة تعويم الأسد وتنشيط ملف عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، في حين يستمر الهدف التكتيكي لمسار أستانة من خلال القصف الروسي ومحاولات التوغل البري في أرياف إدلب وحماه وحلب، وذلك لقضم مساحات جديدة من آخر مناطق سيطرة المعارضة والهيمنة على الطرق الدولية M4- M5، وهو جزء من اتفاق سوتشي لم تنفذه تركيا([1])، وبذلك يكون مؤتمر أستانة قد أتم المطلوب منه عسكرياً وفق بوصلة روسية وإيرانية باتجاه استعادة مناطق سيطرة المعارضة، وإعادة ضبط الحدود واستكمال عمليات نزع السلاح الثقيل والمتوسط من أيدي المعارضة المسلّحة وتحييد الجيوب المصنفة "إرهابية" وفتح وتنشيط شبكة الطرقات الدولية.  الأمر الذي يشير إلى بداية انفراط عقد التحالف الثلاثي (روسيا، تركيا، إيران) بعد أن أنجز لأطرافه الثلاثة الأهداف العسكرية المشتركة. حيث بدأت خلافات ثلاثي أستانة بالظهور للعلن على عدة مستويات، خاصةً بين إيران وروسيا من ناحية، وبين موسكو وأنقرة من ناحية أخرى، إذ يبدو أن التنافس بدأ لتثبيت المكاسب على الأرض عبر تحالفات جديدة.

موسكو وطهران: (تحالف الأضداد)

أحرز تحالف "الضرورة" بين موسكو وطهران إنجازات هامة بالنسبة لهدف الطرفين المشترك في الحفاظ على بقاء بشار الأسد؛ إلا أن تراجع المعارضة المسلحة إلى جيب ضيق في الشمال وانحسار الأعمال العسكرية سرعان ما ظهّرَ الخلافات الاستراتيجية بين الطرفين، والمتعلقة برغبة كل طرف بالتحكم بالملف السوري وهندسة الحل السياسي، ويمكن إجمال الخلاف الاستراتيجي بين روسيا وإيران في عاملين ([2]):

  1. عاملسياسي: والمتعلق برغبة إيران في تحويل سورية إلى امتداد لنفوذها ومشروعها، عبر إبقاء نظام الأسد ضعيفاً لحساب ميليشيات طائفية تتبع لها وتستحوذ على السلطة الفعلية، كما هي الحال في العراق ولبنان، في حين تتمسك موسكو بوجود نظام قوي يتبع لها يسيطر على مفاصل الدولة وليس ميليشيات، كما أن الطرفين يتنازعان على ورقة سورية للمساومة عليها مع الغرب.
  2. عامل اقتصادي: ويتجلى بالتنافس الاقتصادي، فروسيا المتربعة على عرش تجارة الغاز العالمية لن تسمح لأكبر منافسيها بالوصول إلى شواطئ المتوسط وتصدير الغاز عبرها إلى أوروبا، كما أن موسكو وإن كانت ترحب بمشروع طريق الحرير الجديد وتسعى للارتباط مع طهران بسكك حديد تجارية؛ إلا أن ذلك لا يعني أنها تسمح بأن تكمل إيران مشروعها في الوصول إلى المتوسط لتكون بذلك أحد مراكز هذا الطريق الجديد.

بالإضافة إلى العاملين السابقين، أخذت أبعاد الصراع الاستراتيجي الروسي الإيراني تتجلى في عدة ملفات أساسية منها ملف إعادة الإعمار وقطاعات الاقتصاد السوري الحيوية، إضافة إلى ملف إعادة هيكلة الجيش السوري والتحكم به، وفي إطار هذا التنافس تتوجه موسكو للاستفادة من المناخ الإقليمي والدولي (إسرائيل، الخليج، الولايات المتحدة) المتخوف من الوجود الإيراني في سورية، ومقايضة ورقة إيران بورقة بقاء الأسد وتعويمه وتمويل عملية إعادة الإعمار. وهذا ما بدا واضحاً في صمت موسكو عن الضربات الجوية الإسرائيلية للمواقع الإيرانية في سورية، ومحاولة إدخال إسرائيل على خط الحل السياسي للأزمة السورية بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو، والتي تزامنت مع زيارة بشار الأسد إلى طهران ([3]). الأمر الذي قد يشير إلى أن موسكو اختارت التضحية بحليفها التكتيكي (طهران) لصالح حلفاء جدد يساهمون بتحقيق أهدفها الاستراتيجية في سورية (إسرائيل، الولايات المتحدة، محور مصر السعودية الإمارات). بالمقابل، لا يغيب هذا التحرك الروسي عن ذهن القيادة الإيرانية، والتي ردت بالاجتماع الثلاثي في دمشق ([4])، والذي جمع رئيس أركانها مع نظيريه السوري والعراقي واستثنى الجانب الروسي من هذا الاجتماع، مما يشير إلى أن إيران تسعى إلى تدعيم تحالفاتها بعيداً عن موسكو بالاعتماد على العراق وسورية ولبنان، وذلك استعداداً لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ومحاولات إضعاف وجودها في سورية.

تركيا: (معضلة PYD)

تعتبر تركيا بحكم موقعها كقوة إقليمية على الحدود السورية؛ المتضرر الأكبر من تدخل إيران المباشر ومن ثم موسكو في سورية، حيث أضعف هذا التدخل الدور التركي وساهم بانحساره إلى حماية الأمن القومي التركي من تنظيم "داعش" وميليشيات "PYD" المدعومة من الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار انخرطت أنقرة اضطرارياً مع طهران وموسكو في مسار أستانة بالرغم من الخلافات العميقة في رؤى الأطراف الثلاث الاستراتيجية لمستقبل سورية. وعليه فقد كان تعاطيها مع الشريكين الروسي والإيراني ذو طابع تكتيكي تحكمه مقتضيات حماية الأمن القومي؛ فهي تتقارب تارةً مع موسكو على حساب طهران كما حدث إبان اتفاق حلب، وتارةً أخرى مع طهران على حساب موسكو كما حدث حيال الموقف الإيراني الحيادي من معركة إدلب، والذي تجلى بإبعادها عن اتفاق سوتشي.

وتعاني تركيا في موقفها من الأطراف المنخرطة في الملف السوري من معضلة حقيقية تكمن في وجود ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" الفرع السوري لـ PKK على حدودها، واستغلال هذا الوجود من قبل أطراف متعددة كورقة للضغط عليها؛ فمن ناحية تحاول إيران دعم وجود ميليشيات PKK على الحدود التركية مع سورية والعراق بهدف عزل الدور التركي في البلدين، كما تحاول موسكو استغلال وجود ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" في مثلث (تل رفعت، عين دقنة، مارع) لفرض تفاهمات جغرافية جديدة مع تركيا حول مناطق سيطرة المعارضة، وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها في التحالف الدولي وعلى رأسهم فرنسا، والذين يحاولون الضغط على تركيا باستخدام الورقة "الكردية" لتحجيم الدور التركي وتطويعه في خدمة رؤيتهم للحل في سورية.

 وفي ظل هذا المناخ المتوتر بين الأطراف الثلاثة والضغط الأمريكي على إيران والتقارب الإسرائيلي الروسي فيما يخص تحجيم الوجود الإيراني في سورية، يبدو أن محاولات أنقرة لمسك العصا من المنتصف مع جميع الأطراف لن تفلح، وعليها أن تختار بين الأطراف الثلاثة، ومن المرجح أن أنقرة رغم مواقفها المتشددة مع الولايات المتحدة حول التزامها بصفقة S400 مع موسكو، ومحاولاتها لتمديد إعفائها من العقوبات على النفط الإيراني؛ إلا أنها ستحسم موقفها إلى جانب الولايات المتحدة في سورية على الأقل، وهو ما قد يشير إليه التقدم الحاصل بين الطرفين على مستوى المنطقة الآمنة شرق الفرات.

ثانياً: شرق الفرات (لُعبة الكبار)

تعتبر منطقة شرق الفرات النقطة التي تجتمع فيها خيوط اللعبة في سورية، وهي بذلك تشكل هدفاً لكافة الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الملف السوري؛ نظراً لمساحتها التي تشكل ثلث سورية وغناها بالثروات الباطنية والغلال الزراعية، إضافة إلى موقعها المجاور لتركيا والعراق. تلك الامتيازات دفعت العديد من الأطراف لمحاولة ملء الفراغ الأمريكي بعد إعلان الرئيس ترامب نيته بالانسحاب من سورية، وتنقسم تلك الأطراف إلى أربعة معسكرات:

  • الأول: فرنسا والإمارات والسعودية، والتي تعتبر وجودها في المنطقة تحت المظلة الأمريكية فرصة للحفاظ على دور وإن كان محدوداً في الملف السوري والحل السياسي، إضافة إلى ما يشكله دعمها لقوات "قسد" من ورقة للضغط على تركيا ومنع تمدد إيران في المنطقة بعد الانسحاب الأمريكي.
  • الثاني: روسيا والنظام السوري، واللذان تشكل المنطقة بالنسبة لهما مساحة واسعة من الأرض السورية تساهم استعادتها بتقوية موقف النظام السياسي، ناهيك عن موقفه الاقتصادي، إضافة إلى زيادة فرص موسكو للتحكم في الملف السوري بعد الانسحاب الأمريكي، أما إيران فيبدو أن موسكو في خضم تحالفاتها الجديدة القائمة على تحجيم الوجود الإيراني في سورية لا تضعها في حساباتها الخاصة بشرق الفرات.
  • الثالث: تركيا صاحبة الهواجس الأمنية في المنطقة، والمتعلقة بإبعاد ميليشيات "PYD"عن حدودها ومنع قيام كيان "كردي" في سورية، إضافة لسحب الورقة "الكردية" من يد الأطراف التي تحاول أن تساومها عليها.
  • الرابع: إيران التي تراقب المنطقة بصمت، وتعلم أنها أكثر المناطق خطورة على طريقها البري ومشروعها الاستراتيجي في الربط بين العراق وسورية، ولذلك فهي تدفع باتجاه الانسحاب الأمريكي الكامل وتفعيل اتفاق أضنة مع تركيا، والذي سيتيح انتشار قوات النظام في المنطقة وبالتالي دخولها تحت مظلة تلك القوات.

 ولكل طرف من الأطراف الأربعة تصوراته الخاصة لمستقبل تلك المنطقة، كما له أدواته للتصعيد فيها؛ فبالنسبة لفرنسا وحلفائها يشكل الوجود الأمريكي ولو بشكل رمزي غطاءً لها للبقاء في المنطقة، وقد نجحت ضغوطها على الإدارة الأمريكية بحرف القرار الأمريكي نحو تخفيض عدد الجنود بدل الانسحاب الكامل. أما بالنسبة لموسكو والنظام فيحاولان الضغط باتجاه سحب كامل للقوات الأمريكية وتسليم المنطقة للنظام، وفي هذا الإطار تقدمت موسكو باقتراح تفعيل اتفاق أضنة مع تركيا لتهدئة مخاوفها، والتفاوض مع النظام بالنسبة لـ "قسد" لتسوية وضعها في ظل عودة النظام إلى المنطقة. في حين لا تثق أنقرة بكل تلك الأطراف وتعتبر أن المنطقة الآمنة هي الوسيلة الوحيدة لضبط حدودها وحمايتها، مما جعل العلاقات التركية متوترة مع واشنطن وحلفاء الناتو، إضافة إلى موسكو التي ترفض المنطقة الآمنة التركية وتريد استبدالها باتفاق أضنة.

وبالرغم من الهدوء النسبي الذي يعيشه شرق الفرات؛ إلا أن أطراف عديدة تقف متربصة بقواتها على حدوده، فمن ناحية هناك القوات الروسية والنظام السوري، والمليشيات الإيرانية في سورية والحشد الشعبي على الحدود العراقية السورية، كما توجد المصالح (السعودية الإماراتية) الممثلة بالوجود العسكري الفرنسي، إضافة إلى الحشود التركية على طول الحدود مع سورية.

وهنا تقع الولايات المتحدة في معضلة إيجاد حل يوازن بين مصالح حلفائها ويحمي مليشيات "PYD" من مواجهة مع تركيا. ويبدو أن الخيار قد حسم باتجاه تشكيل منطقة آمنة، والتي طال التفاوض حولها بالرغم من التفاهم على خطوطها العريضة؛ فمن حيث امتدادها يبدو أن الجانب التركي استطاع فرض تصوره بأن تكون المنطقة الآمنة بطول 460 كيلومتراً على طول الحدود التركية السورية، وستضم مدناً وبلدات من 3 محافظات سورية، هي: حلب والرقة والحسكة([5])، أما من خلال العمق فلايزال الموضوع محل تفاوض، إذ تريدها تركيا بعمق 32 كم في حين تحاول الولايات المتحدة تضييقها، كما يتفاوض الطرفان على آلية الانتشار المشترك التركي الأمريكي وطبيعة القوات التي ستنشرها تركيا في المنطقة، خصوصاً بعد رفض بريطانيا وفرنسا مقترحاً أمريكياً لنشر قواتهما كفاصل بين "قسد" والجيش التركي. ويجري الحديث عن ثلاثة احتمالات للقوات التي ستنشر في المنطقة ([6]):

  1. قوات المعارضة الموالية لتركيا.
  2. قوات تركية، إضافة إلى قوات البيشمركة التابعة للمجلس الوطني الكردي.
  3. سحب وحدات "حماية الشعب" والإبقاء على قوات الأسايش التابعة للإدارة الذاتية.

وبغض النظر عن الطرف المحلي الذي سينتشر في المنطقة الآمنة؛ فإن تطبيق تلك المنطقة يبدو أنه بات أمراً واقعاً، وهذا يعني بشكل أو بآخر نهاية الإدارة الذاتية وحلم فيدرالية شرق سورية، الأمر الذي بدأت تظهر مؤشراته من خلال حل الإدارة الذاتية لهيئاتها السيادية الأبرز ([7]) (هيئة الدفاع والحماية الذاتية، هيئة الخارجية)، إضافة إلى الوساطة الفرنسية للمصالحة بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي المقرب من تركيا ([8]).

كما أن إقامة المنطقة الآمنة خاليةً من مليشيات "PYD" يعني أن تلك القوات إما سيتم حلها، أو ستنسحب باتجاه العمق السوري خارج المنطقة الأمنة، في مدن الحسكة و الرقة وريف دير الزور، وبذلك ستزداد حدة التوترات مع النظام المسيطر على الحسكة من ناحية ومع العشائر العربية الرافضة للهيمنة "الكردية" على مناطقها من ناحية أخرى، وهذا ما سيدفع إلى مزيد من التوتر  في المنطقة؛ إلا في حال كانت التفاهمات الأمريكية التركية تتجاوز المنطقة الآمنة إلى كامل مناطق سيطرة "قسد"، بشكل يحقق استبدال عناصر "قسد" التابعين لوحدات "حماية الشعب" بعناصر عربية، وهو ما لم يتم الحديث حوله حتى الآن. إضافة لذلك فإن التوافق حول المنطقة الآمنة في شرق الفرات سيساهم بحلحلة الخلافات التركية الناتوية وتشكيل شريط ناتوي ضخم على طول الحدود التركية السورية، يشمل مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات، ومثل هذا التقارب الناتوي لن يكون في صالح روسيا أو إيران، اللتان ترفضان فكرة المنطقة الآمنة، مما سيزيد من نطاق الخلاف مع تركيا.

ثالثاً: جنوب سورية (نار تحت الرماد)

يشهد جنوب سورية بمحافظاته الثلاث (درعا، القنيطرة، السويداء) حالة من الفوضى الأمنية المتمثلة بعمليات قتل وخطف وسرقات واغتيالات في ظل ظروف معيشية صعبة للأهالي وعجز قوات النظام عن ضبط الأمن وانتشار السلاح.

وبالرغم من أن الجنوب السوري يعيش ذات الظروف العامة؛ إلا أن الأحداث في محافظة درعا تحمل دلالات سياسية وأمنية خاصة. فمنذ عقد اتفاق المصالحة في يوليو/ تموز 2018 لم يفي النظام بوعوده على المستوى المحلي بالنسبة للأهالي والفصائل والمجالس المحلية التي وافقت على المصالحة، كما أن موسكو لم تفلح بتنفيذ تعهداتها للدول الإقليمية (الأردن، إسرائيل) بعدم تغلغل إيران ومليشياتها إلى حدود البلدين. فعلى المستوى المحلي تعيش درعا وريفها ظروفاً معيشية صعبة تتمثل بندرة المواد الأساسية وتعطل الطرق والمرافق العامة وتدهور الخدمات، إضافة إلى الفلتان الأمني الناجم عن صراع بين أجهزة النظام الأمنية وفرقه العسكرية، مما خلق حالة احتقان شعبي، خصوصاً في ظل تلكأ النظام بتنفيذ بنود اتفاق المصالحة المتعلقة بإطلاق سراح المعتقلين ورفع المطالبات الأمنية، وعودة الموظفين إلى وظائفهم وانسحاب الجيش والحواجز الأمنية خارج المدن والبلدات.

أما على المستوى الإقليمي فقد فشلت موسكو في منع تغلغل العناصر التابعة لإيران في درعا والقنيطرة ووصولها إلى نقاط قريبة من الحدود الإسرائيلية. حيث لجأت إيران لدمج ميليشياتها بالقطعات العسكرية السورية وبخاصة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري اللواء 105، إضافة إلى تشكيل خلايا شيعية من أهالي المنطقة وتجنيدها وتدريبها من قبل الفرقة الرابعة وجمعية البستان ([9])، والتي عُرفت باللواء "313" ثم جرى تغيير التسمية إلى "درع الوطن"([10]).

ونتيجة لاستراتيجية التخفي التي اتبعتها إيران، فقد باتت تحظى بوجود عسكري على حدود إسرائيل في الجنوب السوري تحت ستار القواعد العسكرية التابعة للنظام، حيث تهيمن إيران على منطقة "مثلث الموت"  وهي المنطقة التي تربط محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا، وعززت سيطرتها على ذلك المثلث، بإنشاء قواعد عسكرية في تلال "فاطمة الزهراء"،  كما تتواجد إيران عسكرياً في مدينة درعا، وفي سلسلة الجامعات الواقعة على أوتوستراد "دمشق-عمان"، وفي "خربة غزالة" وقرية "نامر" شرقي درعا، وفي "ازرع" والقطعات العسكرية المحيطة بها، وفي مدينتي "البعث وخان أرنبة" في القنيطرة، و "تل الشعار وتل الشحم وتل مرعي" ([11])، إضافة لتأسيس "حزب الله" معسكراً للتدريب شمال درعا يسمى "حقل كريم الشمالي" يتم فيه تدريب عناصر من محافظات الجنوب السوري (درعا، السويداء، ريف دمشق، القنيطرة) تحت إشراف عناصر الحزب وبتمويل إيراني([12]).

ويبدو أن فشل النظام بالوفاء بوعوده لأهالي درعا وعدم قدرته على وقف التمدد الإيراني في المنطقة، قد أدى إلى إحداث شبه تقارب بين روسيا والمجتمع المحلي في درعا على مستويين:

  1. مستوى الحاضنة الشعبية: والتي تحاول موسكو استمالتها مستفيدة من غضبها نتيجة عجز النظام عن تحقيق مطالبهم، وذلك بهدف تثبيت وجود موسكو في المنطقة وقطع الطريق على محاولات إيران التغلغل وسط تلك الحاضنة واستمالتها. حيث سمح الروس للأهالي بالتظاهر -ضمن شروط محددة-وقاموا بحماية التظاهرات في ريفي درعا الشرقي والغربي ([13]).
  2. مستوى قادة فصائل المصالحات: والمنقسمين بين الفرق العسكرية والأفرع الأمنية التابعة لطهران وموسكو، حيث تحاول موسكو عبر أذرعها في المنطقة وقادة المصالحات التابعين لها تطويق نفوذ إيران، ووقف تغلغل ميليشياتها في المجتمع المحلي عبر كسب منتسبين جدد من المتشيعين.

 ويبدو أن موسكو لا تقف وحيدة في هذا المسعى، حيث تذكر تقارير أمنية دوراً للأردن والإمارات مؤيد للجهود الروسية، عبر دعم القيادي في الفيلق الخامس (أحمد العودة)، والذي يتزعم مهام الحد من التمدد الإيراني في الجنوب، ودعم جهود موسكو لتشكيل فيلق سادس بقيادة (عماد أبو زريق). وتشير المصادر أن القياديان زارا الأردن مؤخراً وعقدا اجتماع مع المخابرات الأردنية لبحث سبل إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود، إضافة لحديث حول إمكانية تشكيل غرفة جديدة للدعم في عمان على غرار غرفة "الموك" التي تم إغلاقها في العام الماضي ([14]).

وبالرغم من أن الجنوب السوري يبدو هادئاً ظاهرياً وتحت سيطرة النظام؛ إلا أنه يحمل قابلية الانفجار في أي لحظة، نتيجة للصراع الدائر بين أذرع موسكو وطهران في المنطقة (الفيلق الخامس، الحرس الجمهوري، الفرقة الرابعة، المخابرات العسكرية، الأمن السياسي، المخابرات الجوية، حزب الله)، حيث ازدادت في شهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان من العام الحالي وتيرة الاغتيالات الممنهجة، والتي طالت مقربين من الطرفين، كما حدثت احتكاكات مباشرة بين فرق عسكرية مقربة من موسكو مع الفرقة الرابعة المقربة من طهران.

رابعاً: سورية المفيدة (وهم الدولة)

يعيش النظام أزمة اقتصادية أمنية في مناطق سيطرته التي تعرف بـ"سورية المفيدة"، إضافة إلى المناطق التي استعادها خارج هذا النطاق، دفعت تلك الأزمات حاضنته الشعبية إلى التململ ورفع الصوت في وجه الفشل الحكومي على مستوى الخدمات الأساسية، مما حدا ببشار الأسد للإشارة إلى المنتقدين في خطابه أمام أعضاء المجالس المحلية ([15]). ويمكن رد تلك الأزمات إلى ثلاث عوامل رئيسية:

  1. التوسع الجغرافي الكبير: لمساحة سيطرة قوات النظام، والذي أدى إلى زيادة العبء الملقى على عاتق مؤسساته الخدمية، فقد توسعت مساحة سيطرة قوات النظام بشكل سريع وغير محسوب نتيجة الهوامش التي أتاحها له مسار أستانة، الأمر الذي أدى إلى توزيع موارده الاقتصادية المحدودة على عدد أكبر من السكان والمساحة الجغرافية، بالإضافة إلى زيادة نسبة التجنيد في جيشه وضم أعداد من عناصر المصالحات إليه لتغطية النقص العددي في قواته ومسك الأمن في المناطق التي استعادها، وما يترتب على ذلك من تكلفة مادية إضافية.
  2. صراع حليفيه (إيران وروسيا): والذي بدأ يطفو على السطح بشكل تنافس على الاستيلاء على القطاعات الاقتصادية والمؤسسة العسكري، حيث لم يعد خافياً التنافس الإيراني الروسي للاستحواذ على القطاعات الاقتصادية الحيوية في سورية كقطاع الطاقة والموانئ والطرق الدولية، إضافة إلى عقود إعادة الإعمار والتحكم بها. كما أن التنافس على إعادة هيكلة الجيش السوري والأجهزة الأمنية بدأ يأخذ منحى تصعيدي بين الطرفين عبر صدامات وتوترات بين الوحدات العسكرية والأجهزة الأمنية التابعة لكلا الطرفين في درعا وحلب ودير الزور وحمص. حيث ساهمت تلك الصراعات بزعزعة الاستقرار وإضعاف قوة النظام في المناطق التي استعادها، كما ساهم التنافس الاقتصادي بين الطرفين بإضعاف حجم المساعدات الاقتصادية التي يتلقاها النظام، والتي بات كل طرف يربطها بما يحصل عليه من تنازلات من النظام السوري.
  3. الموقف الأمريكي المتشدد اتجاه الأسد، والذي أحبط محاولاته لاستثمار تقدمه العسكري اقتصادياً وديبلوماسياً. إذ تعتمد الولايات المتحدة نهجاً جديداً في التعاطي مع نظام الأسد يقوم على الخنق الاقتصادي عبر وقف شحنات المحروقات الإيرانية للنظام وفرض العقوبات الاقتصادية على شخصيات وكيانات محسوبة عليه، إضافة لمنع تدفق النفط من مناطق سيطرة "قسد" إلى مناطق النظام. وعلى الصعيد الديبلوماسي أيضاً أوقفت الولايات المتحدة المساعي العربية للتطبيع مع النظام وإعادته إلى الجامعة العربية، كما ساهمت ضغوطها في وقف التطبيع الاقتصادي الأردني مع النظام وإفشال جهود موسكو في إقناع دول الخليج بتمويل عملية إعادة الإعمار قبل التوصل إلى حل سياسي.

ساهمت تلك العوامل بإضعاف هيمنة النظام داخل مناطق سيطرته لصالح حلفائه (روسيا وإيران) من جهة، ولصالح ميليشياته التي باتت خارجة عن سيطرته وبخاصة في الساحل السوري، حيث باتت التنازلات التي يقدمها لروسيا وإيران على الصعيد الاقتصادي مدعاة للتهكم حتى لحاضنته الشعبية، والتي باتت على ثقة بعجز هذا النظام عن إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية المتفاقمة والانفلات الأمني والفساد المنظّم الذي يسود مناطق سيطرته.

خامساً: النتائج

يمكن من خلال الاستعراض السابق لواقع المناطق السورية الوصول إلى النتائج التالية حول قابلية التصعيد في تلك المناطق، وخارطة التحالفات الجديدة وما سيتركه ذلك من أثر على الحل السياسي:

  1. تغيير التفاهمات والديناميكيات: لا يمكن اعتبار أن الملف السوري يمر بحالة من الجمود على المستوى السياسي، وإنما هناك تغير في الديناميكيات الدبلوماسية والعسكرية للأطراف الفاعلة في الشأن السوري. وهذا التغير ناجم عن نهاية التفاهمات القديمة بين تلك الأطراف بحكم نهاية تنظيم الدولة وانحسار المعارضة العسكرية، الأمر الذي دفع بصراعات وتحالفات جديدة قائمة على تصفية الملفات العالقة وتثبيت مواقع النفوذ على الأرض وترجمتها بشكل سياسي واقتصادي. وعليه لا يبدو في المدى القريب أن هناك انفراجه على مستوى الحل السياسي؛ فالصراعات بين الفاعلين الإقليميين والدوليين بدأت تتصاعد بشكل مواجهات ما تزال محدودة ولكنها مباشرة، ومن المستبعد أن يحدث تقدم على المستوى الحل قبل أن يتم حسم تلك الصراعات لصالح الأطراف الأقوى والتي سترسم ملامح الحل.
  2. أضلاع مثلث أستانة: أبرز ملامح الديناميكيات الجديدة للصراع الديبلوماسي والعسكري في سورية تتجلى في العلاقة بين أطراف أستانة الثلاثة (روسيا، تركيا، إيران)؛ فالخلاف الروسي الإيراني بات واضحاً من خلال تصريحات المسؤولين في البلدين، وتجاوز حدود التنافس الاقتصادي في سورية لحدود التنافس والتوترات العسكرية عبر أذرع الطرفين في الجيش وأجهزة الأمن السورية، كما أن كلاً من الطرفين بدأ يشكل تحالفات جديدة بعيداً عن الآخر، حيث تتجه موسكو نحو التحالف مع المحور المعادي لوجود إيران في سورية، في حين تحاول إيران تدعيم محورها في العراق وسورية ولبنان عبر اتفاقات عسكرية واقتصادية تمكنها من تجاوز العقوبات الأمريكية والتحايل عليها عبر تلك الدول. أما بالنسبة لتركيا فيبدو أنها في إطار تقاربها مع الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص المنطقة الآمنة اختارت التضحية بحلفاء أستانة، وهو ما قد يؤكده دعمها لفصائل الشمال في مواجهتها مع موسكو والنظام، وتغيير موقفها من العقوبات على النفط الإيراني وإعلانها الامتثال للعقوبات الأمريكية ووقف استيراد النفط من إيران.
  3. ملامح جبهة ناتويّة: يمكن اعتبار معارك ريفي حماه وإدلب هي آخر محطات مسار أستانة، حيث سيتجه كل طرف من أطرافه الثلاثة باتجاه تثبيت تحالفات جديدة على الأرض تحقق مصالحه، وبشكل يحسن تموضعه السياسي في صيغة الحل النهائي للأزمة السورية، ويبدو أن تغيير تركيا لتحالفاتها باتجاه العودة إلى الصف الناتوي في سورية عبر التفاهم حول المنطقة الآمنة شرق الفرات، سيساهم بخلق جبهة ناتوية تسيطر على مساحة واسعة من الأرض السورية وتمتلك القوة العسكرية الأكبر بين الأطراف اللاعبة على الأرض السورية، مما سينعكس بطبيعة الحال على شكل الحل السياسي ويعيده إلى مسار جنيف الذي غيبه لفترة مسار أستانة ومسار سوتشي.
  4. ساحات مواجهة محتملة: يبدو أن سعي موسكو لمقايضة الوجود الإيراني في سورية بفرض رؤيتها للحل السياسي والتحكم به، ليس بالسهولة التي تتوقعها، فإلى الآن لم تفلح موسكو بالوفاء بتعهداتها حيال الوجود الإيراني أمام حلفائها الجدد في إسرائيل والخليج العربي، وذلك بسبب رغبة موسكو بتجنب الصدام المباشر مع إيران والاعتماد على الضربات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية ومحاولات العزل الاقتصادي والعسكري لإيران في سورية، ولكن يبدو أن المرحلة القادمة بتحالفاتها الجديدة وتصاعد التوتر الإقليمي اتجاه إيران قد تدفعان موسكو إلى المزيد من التصعيد ضد ميليشيات إيران وأذرعها في الجيش السوري، مما يشير إلى إمكانية تحول مناطق النظام إلى ساحات مواجهة بين أذرع إيران وموسكو داخل الجيش السوري، وعلى رأس المناطق المرشحة للتصعيد الجنوب السوري وحلب ودير الزور.
  5. النظام واستثمار الهوامش: لطالما أتاح الصراع الإقليمي هوامش حركة للنظام السوري، حيث يتقن النظام لعبة التنقل بين المحاور واستغلال المصالح الإقليمية والدولية المتضاربة لإطالة بقائه. وفي إطار تغيّر التحالفات الإقليمية الذي يحدث؛ يحاول النظام الاستفادة من هوامش التنافس الروسي الإيراني من جهة، والتوتر في العلاقات التركية مع الإمارات والسعودية من جهة أخرى، ولكن يبدو أن الموقف الأمريكي المتشدد هذه المرة اتجاه النظام سيحرمه من استثمار هوامش الصراعات الإقليمية وحصد نتائج ما أحرزه من تقدم عسكري على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي، وسيدفع النظام نحو مزيد من التنازلات على مستوى الحل السياسي، خصوصاً مع التوتر الذي تشهده المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران.

خاتمة

تشهد المنطقة برمّتها عملية إعادة تشكيل لخارطة القوة فيها، وتعتبر سورية إحدى الساحات التي تلتقي فيها مصالح القوى الدولية والإقليمية المتنافسة على رسم ملامح النظام الأمني الجديد في الشرق الأوسط، ولذلك فإن الحديث لايزال مبكراً عن نهاية قريبة للحرب في سورية وفرصة إنتاج حل سياسي. ولكن يمكن القول؛ إن الأزمة السورية ببعدها الدولي والإقليمي دخلت في مرحلتها الأخيرة والتي عنوانها تثبيت النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي، أم شكل هذه المرحلة من حيث أدواتها، هل ستكون عسكرية أم ديبلوماسية؟ فهو رهن لقدرة تلك القوى على تسوية خلافاتها واقتسام المصالح على الأرض وعلى المستوى السياسي، بشكل يفتح المجال أمام جلوس الأطراف السورية على طاولة التفاوض مجدداً.


 

[1])) للاطلاع أكثر على بنود اتفاق سوتشي حول إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب (اتفاق النقاط العشر بين روسيا وتركيا حول إدلب)، راجع الرابط التالي: http://cutt.us/dBOo8

[2])) سقراط العلو، الصراع على الثروة السورية بين إيران وروسيا: الفوسفات نموذجًا، مركز الجزيرة للدراسات، 26 يوليو 2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Vkzl1x

([3]) الأسد في طهران... ونتنياهو في موسكو، جريدة الأنباء الكويتية، 28/2/2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HnoGxY

([4]) إيران والعراق وسوريا في دمشق لأول مرة، موقع TRT عربي، 17 مارس 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2LCUJ2v

[5])) هذه تفاصيل المنطقة الآمنة التي ستقيمها تركيا على الحدود شمال سورية، موقع صحيفة العربي الجديد، 16 يناير2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2EaBabs

[6]))3 مقترحات أمريكية لمنطقة آمنة خالية من "بي كي كي"، موقع ترك برس، 22يناير 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2WR6fsp

 ([7]) بدر ملا رشيد، إلغاء هيئتي الدفاع والخارجية في "الإدارة الذاتية": إعادة هيكلة أم تحجيم وظيفي، مركز عمران للدراسات، 5 نيسان/ أبريل2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2vZ5ZeT

[8])) مصادر لـ"عربي21": جهود فرنسية لعقد اتفاق بين أكراد سوريا، موقع عربي21، 23 أبريل2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2VEtXLD

(([9] المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، تقدير موقف 25 أبريل 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2VQttlH

([10]) الأبعاد والمتغيرات الجديدة للوجود الإيراني في جنوب سوريا، شبكة بلدي الإعلامية، 14 كانون الثاني 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2ANeTyO

[11])) المرجع السابق.

[12])) المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، مرجع سبق ذكره.

[13])) درعا: ما هو دور روسيا في التظاهرات؟، موقع جريدة المدن، 15/3/2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HrdOR8

[14])) المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، مرجع سبق ذكره.

[15])) ساشا العلو، رسائلُ خطاب الأسد: عَودٌ على ذي بدء، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 19 شباط 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HxOZ6b

 

 

التصنيف أوراق بحثية