يعمل هذا الكتاب على بلورة الشروط المعرفية والسياسية والاجتماعية والتقنية المؤثرة في عملية التغيير الأمني، واتّساقها مع الظرف السوري الراهن، وبالتالي القدرة على تصدير رؤية تنفيذية تراعي الضرورات الوطنية وتخرج هذا الملف من زوايا التنافس السياسي بين أطراف الصراع سواء المحليين أم الإقليمين أم الدوليين إلى متطلبات التماهي والتوافق ما بين الشروط الأمنية المحلية والتقاطعات مع النظام الأمني الإقليمي، وتقدم إجابات موضوعية لأسئلة حدود التغيير الأمني في سورية وطبيعته وما مستوياته وما أهدافه وما خطته التنفيذية؟

يقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول رئيسة تبدأ بالتأسيس لمجموعة من المفاهيم والسياسات التي تتطلبها عملية التغيير الأمني، منطلقة في ذلك من برامج إعادة هيكلة القطاع الأمني وبرامج نزع السلاح وإعادة الدمج، وتجارب دول ما بعد الصراع واستعراض لأهم الدروس المستفادة منها، كما يوضح هذا الفصل الأدوار الرئيسة المؤثرة في عملية إعادة الهيكلة كدور المجتمع المدني وبرامج العدالة الانتقالية وأثرهما في جعل العملية مراقبة ومتوافقة مع التطلعات المجتمعية المتمثلة في خمسة تطلعات: المراقبة؛ المشاركة؛ الشفافية؛ المسؤولية؛ العدالة.

ويستعرض الكتاب في فصله الثاني الواقع الأمني في مناطق النظام والمعارضة والإدارة الذاتية، وذلك للوقوف على طبيعة البيئة والبنية الأمنية، وقياس مدى كفاءتها وقدرتها على تحقيق الوظائف الأمنية، ليصار بعدها لاستخلاص مقاربة تحوكم العمل الأمني بين هذه البنى، مقاربة يُختبر فيها كلٌ من أطروحاتي المركزية واللامركزية، وفق معايير لا تتعارض مع الغايات الأمنية الوطنية وضرورات الانطلاق من رؤية أمنية شاملة، ولا تتجاوز الواقع الراهن بما يؤسس لحالة استقرار تتطلبها مناطق النزاع كافة.

وفي سبيل تقديم مقاربة تنفيذية في إعادة الهيكلة الأمنية في سورية يفكك الفصل الثالث من هذا الكتاب التحديات التي ستواجهها عملية التغيير، إذ يبحث في العلاقة بين الظرف السياسي وتحولاته ومدى اقترابه أو ابتعاده عن تشكيل عملية سياسية تفضي لتغيير أمني حقيقي مع الغايات المتوقعة في الملف الأمني وفرضيات التغيير عامة، كما يبين مدى ارتباط أي تغيير بمدى توافر القدرة على مواجهة تحديات "الدولة الفاشلة" والسير وفق منظومة إصلاحات لا تستقم العملية دونها، بحيث لا يكون سيراً شكلياً والتفافاً على متطلبات هذا الملف، ويقدم المطلب الأخير في هذا الفصل رؤية تنفيذية للعملية الأمنية الموضوعية والتي تنطلق من جملة أهداف استراتيجية كفيلة بالوصول إلى بناء قطاع أمني متماسك قادر على القيام بمهامه الأمنية ويضمن المشاركة المجتمعية في صيانة الأمن ومراقبته، ويفصِّل  في هذا السياق الجدول الزمني ومراحل التنفيذ لهذه العملية بدءاً من مرحلة ما قبل الانتقال والتي بات يطلق عليها "مرحلة بناء السلام" ومروراً بالمرحلة الانتقالية وانتهاء بمرحلة الاستقرار.