أطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ومعهد السياسة و المجتمع، كتابه الجديد بعنوان: “حرب الشمال: شبكات المخدرات في سوريا، الاستجابة الأردنية وخيارات الإقليم”، ويحلل الكتاب ظاهرة شبكات تهريب المخدرات المنظمة في سوريا، وتداعياتها الأمنية والسياسية والاجتماعية على الأردن والإقليم.

عمل على تأليف الكتاب الباحث حسن جابر، المتخصص في الشأن السوري وقضايا الشرق الأوسط، موظفًا منهجيات التحليل الكمي والنوعي، بالإضافة لعدد مهم من المقابلات البحثية التي أجريت مع أكاديميين وخبراء أردنيين وسوريين ومن دول جوار سوريا، للسعي لفهم أكثر دقة حول قضية شبكات المخدرات ذات التعقيد الكبير.

يقدم الكتاب قراءة معمقة حول واقع شبكات تهريب المخدرات في سوريا، باعتبارها ظاهرة أمنية ذات أبعاد وديناميكيات إقليمية معقدة، حيث يسلط الضوء على تشكل هذه الشبكات منذ اندلاع الأزمة السورية سنة 2011، وما ترتب عليها من عوامل ساهمت في تبلور عدد ضخم من شبكات الجريمة المنظمة في سوريا. كما يبحث الكتاب في آليات الاستجابة الأردنية لهذه الشبكات العابرة للحدود، متناولًا الخيارات والبدائل الأمنية والدبلوماسية التي انتهجها الأردن للتعامل مع التهديدات الناجمة عن تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية – السورية.

 

لتحميل الكتاب: https://bit.ly/3DwbuaN 

التصنيف الكتب

ملخص تنفيذي

  • كان للميليشيات والفصائل في السويداء دوراً أساسياً في المحافظة منذ عام 2015، وذلك بسبب تبعية الميلشيات للأفرع الأمنية أو روسيا وإيران وحزب الله، والأدوار التي لعبتها في الزعزعة الأمنية المتمثلة بعمليات الخطف ومواجهة الحراك الثوري في المدينة، وتوسِّع عملها ليشمل تجارة المخدرات وتهريبها خارج الحدود.
  • لم تكن أدوار المجموعات المسلحة ثابتة بين عامي 2015-2024، إذ تحول عدد من الميليشيات إلى فصائل مقربة من المجتمع المحلي بسبب مساعي المرجعيات الدينية والوجهاء المحليين، في حين اختفت ميلشيات بسبب حملات من الفصائل المحلية استهدفت وجودها، بينما توسعت ميلشيات أخرى لتُصبح أكثر تمرساً في تجارة المخدرات أو الاغتيالات.
  • تُعتبر الميليشيات المرتبطة بحزب الله وإيران أكثر الميليشيات نفوذاً وأخطرها على السلم الأهلي في المحافظة، بسبب تخصصها في عمليات الاغتيال وتهديدها المستمر للحراك الثوري، وعملها الأساسي في تجارة الكبتاغون، بينما تناقصت فاعلية المليشيات المرتبطة بروسيا خلال عامي 2023-2024.
  • بعد انتفاضة آب 2024؛ ازداد وضوح الاصطفاف المسلح في المحافظة بين ميليشيات واجعت الحراك واعتبرته مهدداً لها بسبب علاقتها مع الأفرع الأمنية ونشاطها في تجارة المخدرات، وبين فصائل التزمت بدعم الحراك المحلي وحماية المظاهرات السلمية.
  • كانت احتجاجات تموز 2022 مفصلية في وضوح أدوار الفصائل والميليشيات في المحافظة، إذ تقلص نشاط عدد من الميليشيات من الخطف والمخدرات نحو تركيزها على تجارة المخدرات، ويمكن ملاحظة دورين متكاملين لتلك الميليشيات أولها نقل المخدرات من خارج المحافظة لداخلها، وثانيها تخزين ونقل المخدرات داخل المحافظة، ومن الممكن أن تشترك بعض الميليشيات في الدورين.
  • لا يمكن أن تتم مكافحة تجارة وصناعة الكبتاغون بالتعاون مع نظام الأسد لتورط أفرعه الأمنية ضمن سلاسل التوريد، وقد يفضي التعاون معه إلى سقوط ضحايا مدنيين مما يُشكل توتراً بين أهالي السويداء والأردن، وهذا يصب في محاولات النظام بعدم تحقيق أي تقارب أردني مع الفصائل المحلية الساعية لذلك.
  • استطاعت المجموعات المسلحة في السويداء سحب ورقة "داعش" التي يلوح بها نظام الأسد من يده، حيث إن أي تكرار لسيناريو 2018 الذي تمثل بهجوم "داعش" على المحافظة سيُعيد توحيد المجموعات المسلحة تحت شعار " الأرض والعرض"، وهذا يفضي إلى خفض التوتر بين الميلشيات والفصائل في المدينة، إذ يعوَّل النظام على هذا التوتر واستمراريته من أجل الإبقاء على السويداء غير مستقرة أمنياً ويصبح تدخل "الجيش" حلاً أخيراً لإعادة "الاستقرار والأمن" حسب رواية النظام.

مقدمة

لعبت الميليشيات والفصائل في السويداء دوراً محورياً في المحافظة منذ عام 2015،([1]) إذ قامت الميليشات بأدوار زعزعة أمنية متعلقة بالجهات المرتبطة بها، سواءً كانت أفرعاً أمنية أو ارتباطات خارجية مع روسيا وإيران وحزب الله، أو لتأمين تمويلها عبر عمليات الخطف والإتاوات. وتفاوتت حدة التوترات بين الميليشيات والفصائل تبعاً لتغير موجات الحراك في المحافظة واتِسَاعه، وذلك بالتزامن مع اتِساع دور الميليشيات في تجارة المخدرات خصوصاً الكبتاغون وتبلور خطوط التوريد له مع وضوح المساحات الجغرافية لعمل كل ميليشيا وقيادتها وموقفها من الحراك وتبعيتها،(([2] تحاول الورقة أدناه رسم خارطة الميليشيات والفصائل ضمن المحافظة وفهم ارتباطاتها وديناميات عملها وأدوارها ضمن مشهد الحراك الثوري من جهة، وضمن سلاسل توريد وإنتاج الكبتاغون من جهة أخرى، والمشهد الأمني والاجتماعي في المحافظة بشكل عام.

تعتمد الورقة المنهج الوصفي التحليلي من خلال الرصد الذي أجراه الباحث منذ عام 2021، ويُضاف إليه الأوراق السابقة التي نُشرت في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عن محافظة السويداء وتضمنت تحديثات خارطة المجموعات المسلحة في المدينة خلال عامي 2022 و2023، والفواعل السياسية عام 2024،(([3] والمقابلات التي أجراها الباحث مع عدة شخصيات محلية ذات اطلاع وبعضها مقرب من المرجعيات الدينية، إضافة إلى تتبع حركة وسلوك المجموعات المسلحة في المحافظة من خلال المصادر المفتوحة.

تشابك في التبعيات وتغير مستمر في خارطة الفواعل

كانت حركة "رجال الكرامة" أولى الفصائل التي أنشئت بعد 2011، إذ أسسها الشيخ وحيد البلعوس بهدف تشجيع شباب السويداء على عدم الالتحاق بالخدمة الإلزامية في جيش النظام، لتتحول لاحقاً إلى فصيل عسكري، ولكن اغتيال وحيد البلعوس في سبتمبر/ أيلول عام 2015 كان مفصلياً لمسار الحركة، إذ طُرد منها  كلٌ من ناصر السعدي ومهران عبيد عام 2016 اللذان أسسا ميليشيات خاصة بهما، وأيضاً خرج من "رجال الكرامة" ليث البلعوس الذي أسس قوات "شيخ الكرامة" عام 2017، وشهدت الفترة بين عامي 2016 و 2020 ظهور ما يقارب من 34 فصيلًا وميليشيا في المدينة تعددت أدوارها وتبعياتها.

تبلورت أدوار الفصائل والميليشيات ضمن 4 أنواع بناء على هدف وجودها وسلوكها وآليات تمويلها:

  • ميليشيات تتبع لجهات خارجية وأمنية ويتمثل دورها في الخطف والإتاوات فقط.
  • ميليشيات تتبع لجهات خارجية وأمنية ويتمثل دورها في الخطف والإتاوات بالإضافة إلى تجارة المخدرات.
  • فصائل تتبع للمرجعيات الدينية ومقربة من المجتمع المحلي.
  • ميليشات لا تتبع لأي جهة وتعمل في الخطف والإتاوات لتأمين تمويلها من أجل استمراريتها.

ولم تكن أنواع المجموعات المسلحة ثابتةً خلال تلك السنوات، إذ تحول عدد منها من ميليشيات للزعزعة الأمنية إلى فصائل مقربة من المجتمع المحلي بسبب مساعي المرجعيات الدينية والوجهاء المحليين، كما اختفى عدد من الميليشيات نتيجة لأحد سببين؛ إما بسبب مصالحات محلية تحت إشراف المرجعيات الدينية،([4]) وذلك بهدف تسليم الميليشيات لسلاحها والكف عن عمليات الخطف مثل ميليشا "سليم حميد" وميليشيا "ناصر السعدي" اللذين أعادا تفعيل ميليشياتهما لاحقاً بشكل أكبر، أو حملات قام بها عدد من الفصائل ضد تلك الميليشيات مثل "حراك تحرير السويداء" في عام 2022 الذي استهدف بشكل أساسي ميليشيا راجي فلحوط" التي نشطت في عملية الخطف وتصنيع وتجارة الكبتاغون،([5]) حيث تم إنهاء وجود عصابة الفلحوط والعثور على معدات لتصنيع الكبتاغون في مقرها،(([6] وتم إضافة الفلحوط في تشرين الثاني عام 2023 ضمن مشروع قانون "الكبتاغون2" الذي يستهدف الشخصيات المتورطة في تجارة الكبتاغون ومنها ماهر الأسد وراجي فلحوط.([7](

أما على صعيد تبعية الميليشيات لجهات خارجية وأمنية فتتمثل تبعيتهم الخارجية المباشرة إما لروسيا أو إيران أو لحزب الله، أما على صعيد الأفرع الأمنية؛ فإما لفرع الأمن العسكري أو شعبة المخابرات العسكرية أو شعبة المخابرات الجوية، وتوضح الخريطة رقم (1) توزع الميليشيات والفصائل في قرى المحافظة وتبعية كل منها وتورطها في تجارة المخدرات من عدمه:

 

 

كما توضح الشبكة رقم (1) الفصائل المحلية والتبعية الخارجية للميليشيات وارتباطاتها الأمنية بالإضافة لبطاقة معلوماتية عن كل مجموعة.

 

الشبكة رقم (1) الفصائل المحلية والتبعية الخارجية للميليشيات وارتباطاتها الأمنية

تتمايز تبعية المييلشيات إلى:

  • الميليشيات المرتبطة بحزب الله وإيران: منها ما يكون تواصلها غير مباشر مع الحزب ويتم عبر فرع الأمن العسكري ومنها ما يكون تواصلها معه مباشراً، وتعتبر المرتبطة بالحزب بشكل مباشر أكثر الميليشيات نفوذاً وخطراً على السلم الأهلي في المحافظة، إذ تخصصت بعمليات الاغتيال وتهديد الحراك الثوري بشكل مستمر، بالإضافة إلى مهمتهم الأساسية في تجارة الكبتاغون مثل "ميليشيا قوات سيف الحق"، و"ميلشيا ناصر السعدي"، و"ميلشيا نافذ أسد الله" التي يرأسها يعرب عصام زهر الدين والذي عُيّن قائداً على التشكيلات الرديفة للفرقة الرابعة في جنوب سورية.([8])
  • الميليشيات المرتبطة بروسيا: تناقصت فاعليتها وعددها خلال عامي 2023- 2024 واقتصر دور تلك الميليشيات على بعض عمليات الخطف والخلافات الداخلية.

أما على صعيد الميليشات المرتبطة بالأفرع الأمنية، فيمكن تصنيفها إلى:

  • ميليشيات تابعة لشعبة المخابرات العسكرية أو فرع الأمن العسكري: أغلبها يرتبط بإيران عبر الشعبة، وأصبحت تجارة الكبتاغون أهم أدوارها بالإضافة لبعض حالات الخطف، وتجلى دورهم في مواجهة الحراك الثوري في موجاته الثلاث 2021- 2022- 2023.
  • ميليشيات تابعة للمخابرات الجوية وإدارة المخابرات العامة: تتركز أدوارها في الزعزعة الأمنية ولا تشارك بشكل منظم في تجارة الكبتاغون، وتراجع دورها في المحافظة خلال عامي 2023- 2024 مقابل زيادة نفوذ شعبة المخابرات العسكرية.

بعد انتفاضة آب 2024؛ ازداد وضوح الاصطفاف المسلح في المحافظة بين ميليشيات اعتبرت الحراك مهدداً لها إما وجودياً بسبب اصطفافها مع النظام أو حتى اقتصادياً خوفاً من تعرض خطوط تهريب الكبتاغون للخطر في حال أعادت الفصائل المحلية ما فعلته مع راجي فلحوط، وبين فصائل التزمت بدعم الحراك المحلي والتأكيد على وجودهم لحماية المظاهرات السلمية، حيث لجأت الميليشيات بداية لتشويه الحراك واعتباره مؤامرة خارجية انفصالية،([9]) ولاحقاً إلى تهديد الحراك وفتح عدة مقرات لحزب البعث عنوة بعد إغلاقها من قِبل المتظاهرين الرافضين لتواجد أفرع الأمن أو أفرع حزب البعث في المحافظة.([10])

ميليشيات تهريب المخدرات: توزعها، أدوارها، ارتباطاتها

كانت احتجاجات تموز 2022 نقطة تحول في تمترس الفصائل والميليشيات ووضوح أدوارها في المحافظة، وذلك بعد المواجهة بين الفصائل المحلية وراجي فلحوط التي أفضت إلى إنهاء فصيل راجي فلحوط واكتشاف مدى تورطه في تصنيع الكبتاغون وتجارته في المحافظة،(([11] وانعكس الأمر على باقي الميليشيات التي انحسر نشاطها إلى الخطف والاغتيالات نحو تركيزها على تجارة المخدرات عموماً والكبتاغون خصوصاً.

ولا تتشابه أدوار تلك الميليشيات في سلاسل تجارة المخدرات، وتوضح الشبكة رقم (2) أدوار الميليشيات ضمن تجارة الكبتاغون  وأماكن تواجدها وارتباطاتها:

 

 

الشبكة رقم (2) أدوار الميليشيات ضمن تجارة الكبتاغون  وأماكن تواجدها وارتباطاتها

 

كما يمكن ملاحظة دورين متكاملين تُنفذهما تلك الميلشيات، مع إمكانية مشاركة الميليشا في أكثر من دور ضمن سلاسل التجارة والتصنيع في المحافظة، وهي كالتالي:

  • ميليشيات نقل إلى المحافظة: ويتمثل دورها بنقل الكبتاغون من أماكن تصنيعه أو تخزينه إلى السويداء، إذ شكلت السويداء خط عبور بين أماكن التصنيع والحدود الأردنية، ويشكل الكبتاغون القادم من الفرقة الرابعة في دمشق ومن البادية غربي السويداء من منطقة اللجاة خصوصاً؛ النسبة الأعلى للكبتاغون في المحافظة،([12])حيث تشرف ميليشيا "نافذ أسد الله" بقيادة يعرب زهر الدين على نقل الكبتاغون من دمشق إلى السويداء وهو ابن العميد عصام زهر الدين قائد الحرس الجمهوري في مدينة دير الزور الذي قتل في أكتوبر 2017 في دير الزور، بينما تشرف ميليشيا "رياض أبو سرحان" على إدخال الكبتاغون من البادية إلى السويداء.([13])
  • ميليشيات تخزين ونقل داخل المحافظة: ويتمثل دورها بتخزين الكبتاغون في القرى وخاصة في الريف الشرقي للمحافظة، حيث ينشط التهريب في أشهر الشتاء وذلك بسبب سوء الأحوال الجوية الذي يُعطي المهربين فرصة إيصال بضاعتهم إلى الحدود الأردنية، بينما تكون باقي أشهر السنة لتنسيق تخزين الكبتاغون في المحافظة من قبل الميليشيات، مثل "ميليشيا ناصر السعدي" في بلدة صلخد، و"ميليشيا فارس صيموعة" في بلدة عرمان، و"ميليشيا صقور الوطن" في بلدة الكفر.

ويضاف إلى تلك الأدوار أدوار أخرى متعلقة بإقناع المجتمع المحلي بتخزين الكبتاغون ريثما يتم تهريبه لاحقاً، حيث أدى التراجع الاقتصادي في المدينة إلى محاولة الميليشيات إشراك المجتمع المحلي في سلاسل تجارة الكبتاغون نظراً لعائدها المادي المرتفع وتقديم ضمانات من قبل تلك الميليشيات بتأمين الحماية للمتعاملين معهم، وبالتالي إغراق المجتمع المحلي بالمخدرات سواءً كتجارة أو كتعاطٍ مما يمنح نظام الأسد لاحقاً ورقة تؤهله لاستخدام حلول أمنية أو حتى عسكرية للتدخل في المحافظة وإيقاف الحراك المستمر ضده وسحب السلاح المتواجد خارج ميليشياته وأفرعه الأمنية بحجة مكافحة تجارة الكبتاغون.

السويداء ما بين جريمة الكبتاغون السياسية والحراك الثوري المستمر

تقاطع في محافظة السويداء في عامي 2023 و2024 ملفان أمنيان أحدهما محلي مرتبط بالحراك الثوري في المحافظة ومهدداته الأمنية، وملف تجاوز الجغرافيا السورية ليصبح مهدداً أمنيًا إقليمياً ودولياً، وهو تجارة المخدرات وماهيّة السُبل الواجب على الأردن أو الدول الأخرى تبنيها بهدف تقنين تهريب المخدرات ومكافحة إنتاجها، ويمكن تلخيص النتائج ضمن ثلاث حِزم:

على صعيد تجارة المخدرات

  • تُشرف الميليشيات المحلية في السويداء بشكل كامل على سلاسل توريد المخدرات وخاصة الكبتاغون داخل المحافظة، إذ يُلاحظ غياب الميليشيات غير السورية أو من خارج المحافظة، مما يُعطي تجارة المخدرات بُعدين؛ أحدهما داخلي مرتبط بإغراق المجتمع المحلي بالكبتاغون، وبُعد خارجي يشكل جريمة سياسية يُطبقها نظام الأسد وإيران عبر أدواتهم في المحافظة للعب بالأمن الإقليمي لدول عديدة منها الأردن.
  • تُعتبر الميليشيات المحلية التابعة لإيران وحزب الله بشكل مباشر أو غير مباشر عبر شعبة المخابرات العسكرية والأمن العسكري أكثر الميليشيات خطورة ضمن عدة مستويات، أولها مواجهة الحراك المحلي وتهديده، وثانيها تجارة المخدرات بكل مستوياتها من الجلب إلى المحافظة وتخزينه فيها وتجهيزه للتهريب خارج الحدود، ثالثها توريط المجتمع المحلي في تخزين الكبتاغون في أشهر الصيف التي يتعذر التهريب فيها.
  • تراجع الوضع الاقتصادي في المدينة من جهة، والبطالة الناتجة عن عدم قدرة شباب المحافظة على العمل في دمشق بسبب عدم التحاقهم بالخدمة العسكرية في جيش الأسد واحتمال سوقهم تعسفياً في حال مغادرتهم السويداء من جهة أخرى، مما جعل تجارة المخدرات إحدى مصادر الدخل المُربحة للشباب في ظل قلة فرص العمل.

على صعيد مكافحة تجارة الكبتاغون في المحافظة

  • أي عملية تهدف لمكافحة تهريب المخدرات والكبتاغون نحو الحدود الأردنية أو العراقية يجب أن تتم من بداية السلسلة وليس في المراحل الأخيرة منها، أي في مرحلة الإنتاج والنقل، وبالتالي تكون مقرات حزب الله والفرقة الرابعة في دمشق، أو منطقة اللجاة في درعا (التي تعتبر نقطة عبور للمخدرات باتجاه السويداء) هي هدف تلك العملية.
  • بناء على ما تم ذكره؛ نظام الأسد وإيران مرتبطان بشكل مباشر في تجارة المخدرات، وبالتالي أي تنسيق معهم في مكافحة المخدرات سيكون غير ناجع، كما حدث مع محاولة استهداف فارس صيموعة وناصر السعدي، إذ غادرا منزليهما قبيل استهدافهما من قبل الطيران الأردني.
  • أي عملية لمكافحة المخدرات سواء من الأردن أو في حال تشكل تحالف لمحاربة تجارتها، من الممكن أن يتم التنسيق فيها مع الفصائل المحلية، وذلك تفادياً لوقوع ضحايا مدنيين نظراً لتواجد الميليشيات المتورطة وقياداتها ضمن المحافظة وأيضاً خطوط التهريب وأماكن التخزين.
  • تآكلت سلطة نظام الأسد في المحافظة لصالح ميليشياته المتورطة في تجارة المخدرات، مما يفضي لحاجة تنسيق عالٍ بين الأطراف الفاعلة الراغبة في تقنين تلك التجارة، وذلك تفادياً لتحول الوضع في المدينة إلى صراع بين الفصائل والميليشيات،مما قد يُفضي إلى استخدام النظام لورقة العنف بهدف إعادة سيطرة أجهزته الأمنية على المدينة.

على صعيد التحديات الأمنية للحراك الثوري في المحافظة

  • الخلاف بين المجموعات المسلحة في الريف والمدينة، حيث أعادت حادثة اغتيال قائد "فصيل لواء الجبل" مرهج الجرماني (المنحدر من قرية أم الزيتون في ريف السويداء)، واتهام كلٍ من وائل الشعار ومهند مزهر (أبناء المدينة) بالضلوع وراء عملية اغتياله؛ التوترات بين تلك المجموعات، وبالتالي أضيفت تلك التوترات كأداة للنظام ضمن أدواته التي قد يُسخرها لإخماد الحراك الثائر ضده منذ آب 2023 وتحويله إلى صراع داخلي دون أن يتدخل عسكرياً بشكل مباشر.
  • خففت حملة المصالحات المحلية التي قامت بها المرجعيات الدينية من حدة عمليات الخطف، ولكن لم تستطع إيجاد حل جذري لإنهاء الميليشيات التي أجرت تلك المصالحات، حيث أعادت عدة ميليشيات تفعيل أدوارها، إما في الزعزعة الأمنية مثل سليم حميد الذي أعاد ترتيب قواته في بلدة مفعلة ومنعَ خروج أي مظاهرة في المدينة وهدد المتظاهرين وأطلق النار عليهم،([14] ([15])(وناصر السعدي الذي عاد لنشاطه وأصبحت مجموعته هي الأنشط في تجارة المخدرات.
  • استطاعت المجموعات المسلحة في السويداء سحب ورقة "داعش" التي يلوح بها نظام الأسد من يده، حيث إن أي تكرار لسيناريو 2018 الذي تمثل بهجوم "داعش" على المحافظة سيُعيد توحيد المجموعات المسلحة تحت شعار " الأرض والعرض"، وهذا يفضي إلى خفض التوتر بين الميلشيات والفصائل في المدينة، إذ يعوَّل النظام على هذا التوتر واستمراريته من أجل الإبقاء على السويداء غير مستقرة أمنياً ويصبح تدخل "الجيش" حلاً أخيراً لإعادة "الاستقرار والأمن" حسب رواية النظام.

ختاماً، لا يمكن أن تتم مكافحة تجارة وصناعة الكبتاغون بالتعاون مع نظام الأسد لتورط أفرعه الأمنية ضمن سلاسل التوريد، وقد يفضي التعاون معه إلى سقوط ضحايا مدنيين مما يُشكل توتراً بين أهالي السويداء والأردن، وهذا يصب في محاولات النظام بعدم تحقيق أي تقارب أردني مع الفصائل المحلية الساعية لذلك وخاصة رجال الكرامة، وقد يحقق التواصل بين الأردن والفصائل المحلية إنجازاً على صعيد تقنين تهريب الكبتاغون باتجاه السويداء، ومنع سقوط ضحايا مدنيين مستقبلاً. وعلى صعيد الحراك الثوري في المحافظة؛ يبقى المهدد الأمني الأكبر له هو الميليشيات التابعة للأفرع الأمنية وإيران وحزب الله، وهي المسؤولة في أغلبيتها عن تجارة المخدرات وجعل السويداء خط عبور بين أماكن تصنيع المخدرات والحدود السورية الأردنية.


([1]) اصطلح الباحث "ميليشيات" للمجموعات المسلحة التي تقوم بأدوار زعزعة أمنية مستمرة  وتجارة المخدرات ولها تبعية للأفرع الأمنية أو لروسيا أو إيران، بينما مصطلح "فصائل" للمجموعات المسلحة المرتبطة بالحراك ضمن المحافظة ولا تتبع لجهات أخرى.

([2]) الكبتاغون هو الاسم التجاري ل "الفينيثيلين" أحد مشتقات مادتي الأمفيتامين والتيوفيلين.

([3])  انظر:
1-  يمان زباد، المشهد الأمني في السويداء: قراءة في السياق والمآلات المتوقعة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 08/08/\2022 https://bit.ly/3WQoM84
2-  يمان زباد، انتفاضة السويداء في آب 2023: تحديات أمنية وسيناريوهات مفتوحة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية 31/08/2023 https://bit.ly/3T2qWQW- 3- - يمان زباد، حراك السويداء ... تحديات أمنية ومظاهرات مستمرة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية 08/05/2024 https://bit.ly/3yTqfCO

([4])  صلخد والمزرعة.. مجموعات الأمن العسكري تتفكك، السويداء 24، 13/08/2022 https://bit.ly/46GmQDG

([5]) "رجال الكرامة"... حضور شعبي وعسكري يربك النظام في السويداء، العربي الجديد، ليث أبي نادر 06/08/2022 https://bit.ly/3ySozcC

([6])  أحداث السويداء الأخيرة.. حرب على العصابات أم استهداف لـ”المد الإيراني”، عنب بلدي، 02/08/2022 https://bit.ly/4fJMf3K

([7])  موقع الكونغرس الأميركي، 07/11/2023 https://bit.ly/3YI37l7

([8])  يعرب زهر الدين على رأس الميليشيات التابعة لنظام الأسد جنوب سوريا، شبكة شام الإخبارية، 10/01/2018 https://bit.ly/3yB5wDw

([9]) "مؤامرة كونية".. "بشار" يرسل محافظ دمشق كموفد حاملاً رسالة عتب من القيادة لوجهاء السويداء، شبكة شام الإخبارية، 03/08/2023 https://bit.ly/3SWSU0n

([10])  السويداء: مجموعات مرتبطة بالأمن العسكري تهدّد بقمع الحراك، المدن 09/11/2024، https://bit.ly/3vWaM3q  .

([11])  السويداء.. حركة رجال الكرامة تعثر على مصنع مخدرات بمقر ميليشيا "فلحوط"، تلفزيون سوريا، 27/07/2022 https://bit.ly/4dThsj6

([12]) مقابلة أجراها الباحث مع أحد النشطاء الراصدين للمجموعات المسلحة في مدينة السويداء، تاريخ 26/07/2024.

([13])  المقابلة السابقة.

([14])  السويداء.. ما تبعية فصيل سليم حميد الذي أطلق النار على المتظاهرين، عنب بلدي 08/08/2024  https://bit.ly/3ThKctU

([15])  كان سليم حميد قائداً لقوات الفهد التابعة للأمن العسكري، ولكن أجرى سليم مصالحة محلية في آب 2022 بعد أن هاجمت فصائل محلية مقراته.

التصنيف أوراق بحثية

 

ملخص عام

يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسة والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر نيسان 2024، حيث تزداد مؤشرات عدم الاستقرار في مختلف مناطق النفوذ مع استمرار حالة الانغلاق السياسي، ففي إدلب تستمر الاحتجاجات الشعبية ضد هيئة تحرير الشام، وفي شمال شرق سورية تحاول "الإدارة الذاتية" الالتفاف على الاستحقاقات السياسية والأمنية والحوكمية المطلوبة لكسب "شرعية محلية" من خلال الإعلان عن اجراء انتخابات بلدية تقاطعها العديد من القوى السياسية والشعبية. أمنياً، في الوقت الذي تخيم فيه حالة السيولة الأمنية وعدم الاستقرار على المشهد الميداني، يستمر مؤشر انتعاش تنظيم داعش بالتصاعد مع تزايد عملياته الأمنية فيما يحاول التحالف الدولي تكثيف حملاته الأمنية لمنع انطلاقة جديدة للتنظيم. كما لا تزال الجغرافية السورية مسرحاً لحرب الوكالة الإيرانية- الإسرائيلية. على الصعيد الاقتصادي، كان إعلان الأمم المتحدة عن نيتها انشاء صندوق للتعافي المبكر انطلاقاً من دمشق دون توضيح آليات عمل الصندوق والجهات المانحة مثار قلق لدى السوريين، في الوقت الذي تستمر فيه تداعيات السياسيات الاقتصادية الكارثية للفاعلين المحليين، في مختلف مناطق النفوذ، على الشعب السوري؛ حيث تزداد تحديات تأمين الاحتياجات الأساسية مع زيادة تكاليف المعيشة في سورية بنسبة 61 بالمئة مقارنة بالعام الماضي.

ثنائية "اللاستقرار والعطالة السياسية"

أقر الكونجرس الأمريكي قانون " الكبتاغون 2"، الذي يمنح الحكومة الامريكية صلاحيات واسعة في معاقبة شبكات تهريب المخدرات أو تصنيعها أو تهريبها أو الاستفادة من الريع الناجم عنها، بصرف النظر عن جنسيته، كما يسمح القانون بإصدار عقوبات جديدة ضد المتورطين في هذه التجارة. ومن المتوقع أن يساهم هذا القانون إلى جانب الإجراءات الدولية والأمريكية السابقة في تقييد عمليات تمويل نظام الأسد والميليشيات المرتبطة به والمتورطة بشكل كبير في عمليات تصنيع وتهريب المخدرات.

في سياق آخر ومع استمرار الانغلاق في الملف السياسي، تراجع الحديث حول عقد الجولة التاسعة من أعمال اللجنة الدستورية على الرغم من تأكيد الأطراف الدولية والإقليمية المستمر على ضرورة العودة إلى مسار اللجنة، ومن المتوقع عدم انعقاد أعمال اللجنة في المستقبل القريب بسبب غياب التوافق حول مكان انعقاد اجتماعات اللجنة.

من جهة أخرى، تنوي الأمم المتحدة إطلاق برنامج خاص للتعافي المبكر في سورية انطلاقاً من دمشق بهدف إقامة مشاريع في عدد من القطاعات الاقتصادية بتمويل من بعض المانحين غير التقليديين تحت مظلة دولية. وفي حين يرتبط التعافي المبكر بالفاعلين المعنيين ومصالحهم واشتراطاتهم، الأمر الذي يجعل منه مقاربة ليست تقنية فحسب وإنما ذات مضمون سياسي تتباين فيها المبادئ والأولويات بما يفسر التعريفات المتعددة له، فإن صندوق التعافي، المزمع إنشاؤه، يحمل فرصاً بقدر ما يحتويه من مخاطر، الأمر الذي يستوجب حوكمة الصندوق بمبادئ توجيهية وأطر معيارية، لضمان مساهمته في تحقيق الاستقرار ودفع العملية السياسية التفاوضية.

محلياً، وفي إطار سعيها لزيادة أوراق القوة وكسب شرعية شعبية تحاول قسد تطوير نموذجها الحوكمي وتنظيم البيئة القانونية في مناطق سيطرتها عبر إعلان إجراء انتخابات محلية للبلديات في نهاية شهر أيار القادم. وأصدرت الإدارة قانون تنظيم عمل البلديات في الوقت الذي أعلنت فيه قوى سياسية أنها لن تشارك في هذه الانتخابات معتبرة إياها غير شرعية كونها لا تستند الى إرادة شعبية أو توافق بين القوى السياسية. وتعتبر مقاطعة القوى السياسية لهذه الانتخابات أحد المؤشرات التي تدلل على شكلانية هذه الانتخابات وعدم جدية الإدارة في تطبيق إصلاحات حقيقية فيما يتعلق بتهيئة بيئة سياسية وقانونية سليمة لتوسيع دائرة التمثيل وصناعة القرار في مؤسساتها.

من جهة أخرى، رحب مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) بوثيقة المناطق الثلاث التي صدرت عن نشطاء وأكاديميين في السويداء ودرعا وحلب، ووثيقة تجمع العمل الوطني في الساحل السوري، حيث أكد بيان مسد على أهمية وحدة السوريين دون إقصاء أو تهميش، وذلك عبر الحوار المباشر وصولاً الى الحل السياسي وفق القرارات الدولية.

وفي إدلب استمرت الاحتجاجات الشعبية ضد هيئة تحرير الشام، ويبدو أن هذه الاحتجاجات تربك الهيئة وتشغلها عن المشهد السوري العام حيث تعتبر هذه أكبر أزمة تواجهها وتهدد شرعية وجودها.

ولم تسفر "الخطوات الإصلاحية" التي اتخذتها الهيئة على الصعيد الاقتصادي والحوكمي في إيقاف هذه الاحتجاجات([1])، إلا أن الهيئة تحرص على استمرارها في سياسة الاحتواء وتجنب الاصطدام المباشر مع المحتجين واستخدام القوة المفرطة ضدهم.

ارتفاع مؤشرات السيولة الأمنية

في سياق تفاعل حرب غزة وتأثيرها على المشهد الأمني في سورية، استهدف الطيران الإسرائيلي مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، وقد تسبب القصف بمقتل 13 شخصاً من بينهم محمد رضا زاهدي قائد الحرس الثوري الإيراني في سورية ولبنان. ويعد هذا الاستهداف الأول من نوعه سواء من حيث مكانة القيادي الإيراني أو مكان الاستهداف، إذ يعد زاهدي رجل إيران الأول في سورية ولبنان، ومسؤول عن معظم سياسات إيران فيهما، وتعد هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها القصف الاسرائيلي مبنىً دبلوماسياً إيرانياً في سورية، حيث كان التركز على المواقع العسكرية والأمنية وطرق ومخازن الأسلحة.

كما شهد هذا الشهر ارتفاعاً في مؤشرات استهداف القواعد الأمريكية في سورية بعد أن توقفت بشكل شبه كامل منذ شباط الماضي، الأمر الذي يؤكد على استمرار تدهور الواقع الأمني السوري في ظل المواجهة والتنافس المستمر بين القوى الفاعلة الإقليمية والدولية على الجغرافية السورية.

بالمقابل، ارتفعت وتيرة النشاط العسكري الروسي، حيث استهدف الطيران، الحربي والمسير، مواقع قرب قاعدة التنف الأمريكية في البادية، كما أجرت تدريباً عسكرياً مشتركاً مع قوات النظام في قاعدة طرطوس البحرية، ويأتي هذا النشاط المتزايد ضمن الجهود الروسية لرفع مستوى كفاءة وفاعلية قوات النظام والتي بدأت منذ أشهر عبر تدريبات على استخدام الطيران المسير وصولاً إلى التدريبات البحرية، وهي تدريبات تأتي في سياق دعم موسكو للمؤسسة العسكرية للنظام مقابل الدعم الإيراني للميليشيات.

في الجنوب السوري، لاتزال المنطقة ميداناً للفوضى الأمنية وعمليات الاغتيال المتبادل، إذ شهدت محافظة درعا مقتل عدد من ضباط وعناصر قوات النظام والأجهزة الأمنية التابعة له جراء استهدافهم بالعبوات الناسفة وإطلاق النار  والاشتباكات في الصنمين ودرعا البلد وبصر الحرير وريف درعا الغربي، وارتفعت عمليات استهداف قوات النظام لجهة نوعية وعدد حالات الاغتيال والاشتباكات وتنظيمها، حيث تعرضت الحواجز العسكرية في ريف درعا الغربي والقنيطرة لهجمات متزامنة أوقعت قتلى وجرحى في صفوف قوات النظام، كما أعلن مقاتلون ملثمون تشكيل " كتيبة الظل" بهدف مواجهة التواجد الإيراني والميليشيات المرتبطة به في مناطق درعا والقنيطرة.

في إدلب، لا تزال ديناميات الصراع الداخلي بين قيادات هيئة تحرير الشام وتفاعل "قضية العملاء" وتصاعد الاحتجاجات الشعبية تلقي بظلالها على الواقع الأمني للمنطقة، إذ تعرض القيادي في هيئة تحرير الشام أبو ماريا القحطاني لعملية اغتيال أثر تفجير انتحاري استهدفه في مدينة سرمدا، وتعرض عدد من الناشطين الفاعلين في تنظيم المظاهرات لاعتداءات ومحاولات اغتيال، إلا أنَّ تداعيات الأحداث لم تخرج عن سيطرة هتش. كما لا تزال المنطقة عرضة لهجمات الطيران المسير، الذي زاد تعويل النظام عليها في استهداف مناطق شمال غربي سورية، بالإضافة إلى القصف المدفعي.

في شرق سورية، جدد الطيران التركي استهداف البنية التحتية والموارد الاقتصادية والمنشآت النفطية في مناطق سيطرة قسد. وفي سياق مكافحة نشاط تنظيم الدولة، نفَّذ التحالف الدولي 28 عملية ضد مواقع التنظيم، أسفرت عن مقتل 7 عناصر واعتقال 27 آخرين. من جهته نفذ التنظيم 15 عملية استهدف خلالها " قوات سوريا الديمقراطية"، وتوزعت العمليات في دير الزور والحسكة وحلب، كما أسفر استهداف التنظيم لحافلة تابعة لميليشيا لواء القدس عن مقتل 21 عنصراً. وتشير عمليات تنظيم داعش الأخيرة إلى استمراره في عملية التعافي واستعادة النشاط في الجغرافية السورية بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها، كما تعيده مجدداً إلى قائمة مهددات الأمن والاستقرار في سورية والإقليم.

التعثر الاقتصادي كسمة عامة

بعد التحسن المؤقت لليرة السورية خلال شهر رمضان انخفضت قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية 14250 أمام الدولار الأمريكي. ويؤكد هذا التراجع ارتباط التحسن بمعدل الحوالات الخارجية الآتية إلى السوق مقابل ارتفاع الطلب على الليرة. 

كما رفع مصرف سورية المركزي سعر صرف الدولار الخاص بالحوالات بمقدار مئة ليرة، بعد أكثر من شهر على ثبات السعر، ورفع كذلك سعر صرف الدولار الخاص بالجمارك بعد أربعة أشهر على رفع قيمته بنحو 30%. ومن شأن ارتفاع الدولار الجمركي أن يساهم في زيادة تكاليف المواد الخام والسلع والخدمات المستوردة من الخارج وهو ما قد ينعكس سلباً على العملية الإنتاجية وتوفر السلع في السوق، وبالمحصلة على السكان بعد ارتفاع الأسعار في السوق تزامناً مع انخفاض القوة الشرائية، حيث ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من 5 أفراد خلال شهر آذار الماضي إلى نحو 12.5 مليون ليرة، في وقت لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور 278 ألفاً و910 ليرات، أي أقل من 20 دولاراً.

وفي أول مشاركة له بموسم الحج منذ 12 عاماً، استغلّ النظام الموسم لتعزيز قيمة الليرة من خلال تحديد طريقة تسديد رسوم الحج بالدولار الأمريكي من جهة، وإلزام الحجاج المستنكفين بإعادة استبدال الليرة السورية بالدولار.

من جهة أخرى، رفعت حكومة النظام أسعار البنزين والمازوت والغاز المنزلي، وتأتي هذه الزيادة في إطار رفع أسعار المحروقات بشكل دوري كل 15 يوم تماشياً مع استراتيجية النظام بتخفيض الدعم. ولا يزال ارتفاع أسعار الطاقة أحد الحوامل الرئيسية لمعدل التضخم. وعلى إثر زيادة أسعار الكهرباء طالب صناعيون في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام بضرورة إصدار قرارات سريعة لتخفيض تعرفة الكهرباء الصناعية تفادياً للخسائر الكبيرة في القطاع، حيث أصبحت سورية أغلى دولة في تسعيرة الكهرباء بين دول الجوار، ويهدد ارتفاع الكهرباء، إضافة إلى فقدان مادة الفيول لتشغيل المولدات، إلى توقف صناعة النسيج والألبسة بشكل كامل.

في شمال غرب سورية، دعت وزارة الزراعة في حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، المزارعين الراغبين بزراعة محصول القطن ضمن مشروع “القرض العيني الحسن” لعام 2024، إلى الاكتتاب على البذار المطلوبة والمحروقات والسماد. في حين زادت مساحات زراعة البصل في رأس العين بريف الحسكة على أمل تحقيق أرباح بعد خسائر تعرض لها المزارعون في محصولي القطن والقمح إثر كسادهما وعدم وجود سوق تصريف لهما، إضافة إلى تحكم التجار بتحديد السعر. وبحثاً عن الربح أيضاً شهد عام 2024 إقبالاً واسعاً من المزارعين في إدلب على زراعة الكمون، أكثر من الزراعات التقليدية المعتادة كالقمح والشعير إذ بلغت المساحة المزروعة بشكل تقريبي 4350 هكتاراً في إدلب وأريافه وإضافة إلى الكمون فقد زادت زراعة العصفر في إدلب وريف حلب بشكل ملحوظ نظراً لمقاومة النبتة لتقلبات المناخ، وأسعارها المرتفعة في السوق. وعلى صعيد الأسعار فقد شهدت سلة النفقات الأدنى قيمة للبقاء على قيد الحياة (SMEB)، والتي تعد مؤشراً لتكاليف الأصناف الأساسية التي تحتاجها أسرة مكونة من 6 أفراد لمدة شهر، زيادة في تكلفتها بنسبة 61 بالمئة خلال العام الماضي؛ حيث تعكس هذه الزيادات التحديات المتزايدة التي تواجه الأسر في تأمين احتياجاتها الأساسية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

أما في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، تسعى "الإدارة الذاتية" لزيادة نسبة فرض الضرائب بهدف تغطية العجز المالي في ميزانيتها، حيث فرضت على أصحاب محطات الوقود دفع مبلغ مالي جديد قيمته عشرة آلاف دولار مقابل استمرار تزويدها بالوقود أو تعرضها للإغلاق في حال عدم الدفع، وتعمل الإدارة منذ أشهر على إصدار قرارات جديدة من شأنها توفير مصادر ومبالغ مالية في خزينتها العاجزة عن تأمين رواتب موظفيها مطلع كل شهر. وتلقي هذه الزيادات أعباء مالية جديدة على السكان تؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة وإثارة سخط التجار وأصحاب المشاريع والشركات.

من ناحية أخرى تسعى الإدارة لزيادة استلام محصول القمح عبر زيادة مراكز التسليم إلى 30 مركز بقدرة استيعابية تفوق المليون ونصف المليون طن، وهو الإنتاج المتوقع في مناطق شمال شرق سورية، كما عقدت عدد من الورشات والاجتماعات بهدف تخفيف أعباء وتكاليف نقل وتكييس القمح عن المزارعين، وتأتي هذه الخطوات في سياق التنافس بين نظام الأسد والإدارة الذاتية للحصول على قمح المنطقة.


 

([1]) أعلنت هيئة تحرير الشام عن سلسلة من الإجراءات لاحتواء الاحتجاجات منها، استحداث إدارة "الأمن العام" التي ستعمل تحت إشراف حكومة الإنقاذ، إضافة الى إعادة هيكلة الجناح العسكري، كما أصدرت حكومة الإنقاذ عفواً عاماً عن المعتقلين، وأعلنت عن تخفيض رسوم بعض المواد الخدمية وسياسات ضريبية جديدة، وإطلاق حوار مع المجتمع المدني.

التصنيف تقارير خاصة