الملخص التنفيذي

  • مع تراجع سُلطة الدولة المركزية لصالح صعود تشكيلات دون دولتية، منها ذات طابع قومي وديني؛ برزت نماذج مختلفة من أنماط الحكم المحلي في الجغرافية السورية، والتي تأثرت بالخارطة العسكرية المُتغيّرة، ما أدى إلى نهاية بعض النماذج وانحسار أخرى مقابل استقرار نسبي وحذر لبعضها الآخر.
  • قدمت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" نفسها، بوصفها نموذجاً منافساً لباقي النماذج الإدارية التي فرضها الواقع العسكري، وعلى الرغم من مرور سبعة أعوام على الإعلان الفعلي للإدارة الذاتية بسُلطاتها ومؤسساتها المختلفة؛ إلا أن مستوى وطبيعة الحوكمة في هذا النموذج الإداري لا تزال إشكاليّة ومحط تساؤلات عدة.
  • تنطلق الدراسة للبحث في هذا النموذج الإداري من مدخل السُلطة القضائية، وذلك لما تعكسه دراسة القضاء من مؤشرات مهمة عدة، لا تنحصر فقط على مستوى المحاكم والنشاط القانوني لها، وإنما تمتد إلى المستويات السياسية والإدارية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
  • حددت الدراسة عينتها بمؤسسات الجهاز القضائي ومنهجها بالوصفي التحليلي بما فيه دراسة الحالة، واعتمدت على مصادر بيانات عدة، على رأسها المقابلات المُعمّقة مع العديد من القضاة والمحامين القائمين على رأس عملهم، إضافة إلى عدد من الإداريين في مؤسسات القضاء وغيرهم من العاملين في مؤسسات السُلطة التنفيذية، مقابل بعض المنظمات الحقوقية العاملة في المنطقة، ومقابلات متفرقة فرضتها خصوصية كل منطقة.
  • طرحت الدراسة مجموعة تساؤلات، حول بُنية القضاء وهيكلية مؤسساته واختصاصاتها وآليات عملها، إضافة إلى المرجعيات القانونية التي تستند إليها، مقابل طبيعة التوزع العلمي والديموغرافي للقضاة القائمين على عمل هذا الجهاز، ومستوى فاعليته واستقلاليته وعلاقته مع باقي السلطات في الإدارة، خاصة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وطبيعة القضاء العسكري القائم، مقابل العلاقة بين ملف القضاء وحزب العمال الكردستاني في المنطقة.
  • ضمن المُتغيرات محلّ البحث، تطرّقت الدراسة إلى طبيعة التعاطي القضائي والقانوني مع ملف "الإرهاب"، تحديداً معتقلي تنظيم الدولة السابقين، خاصة مع إنشاء الإدارة الذاتية محاكم استثنائية خاصة بـ"الإرهاب" (محكمة الدفاع عن الشعب)، وفي هذا السياق رُصِدَت مستويات عدة للتعامل مع هذا الملف خارج نطاق المحاكم والقانون.
  • فَرَدَت الدراسة سبعة فصول للبحث في طبيعة الجهاز القضائي بمختلف مؤسساته ودرجاته، انطلق الفصل الأول من فلسفة النشأة والنظريات التي استندت إليها الإدارة الذاتية وتبنتها في نموذجها الإداري بما فيه الجهاز القضائي، في حين توزعت خمسة فصول على دراسات حالة مُعمّقة لخمسة مناطق أعلنتها الإدارة الذاتية كـ "أقاليم" ضمن سُلطتها، وهي: (الحسكة، الرقة، دير الزور، منبج، عين العرب/كوباني).
  • فُرِدَ الفصل السابع لما توصلت إليه الدراسة من نتائج وخُلاصات، والتي انقسمت بدورها إلى مستويين، الأول: على مستوى الجهاز القضائي، ببنتيه ومرجعيته وفاعليته وكفاءته مقابل الاستقلالية والحياد. في حين مثّلت النتائج في المستوى الثاني: تحليلاً شاملاً لبيانات دراسات الحالة واستخلاص نتائج منها على مستوى النموذج الإداري ككل، سواء شكل اللامركزية المتبع، ومستوى العلاقات المدنية-العسكرية، وأثر القضاء على السلم الأهلي والأمن المجتمعي، مقابل آليات إدارة ملف "الإرهاب" وانعكاساتها، وطبيعة العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني وأثرها على المنطقة.

للمزيد حول الإصدار انقر هنا

التصنيف الكتب

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • تبدو حملة موسكو والنظام على الغوطة الشرقية مغامرة سياسية وعسكرية، تستند إلى افتراض النظام بأنه الأقوى على الأرض، مستفيداً من فائض القوى الذي ولدته اتفاقات خفض التصعيد، وافتراض روسي مقابل باستمرار الولايات المتحدة في سياساتها المضطربة تجاه الملف السوري واقتصار دورها على شرق الفرات.
  • وقعت موسكو من خلال حملة الغوطة الشرقية في فخ التحول المباشر إلى طرف في الأزمة السورية بدلاً من فاعل دولي مساعد في الحل، وهو الدور الذي لطالما حاولت موسكو الإيحاء به، إضافة إلى تورط حليفها النظام في معركة طويلة الأمد قد تشكل حرب استنزاف لقواه وتعيد للعالم صورة النظام الدموي الذي يقتل شعبه، والتي حاول النظام وحلفاءه إخفاءها خلف ستار "حرب الإرهاب".
  • وضعت موسكو نفسها بين فكي كماشة أمريكية أوروبية تتيح لهم الفرصة للضغط على موسكو وتصفية الحسابات الموزعة على عدة ملفات عالقة بين الطرفين، الأمر الذي يُعَدُّ مؤشراً على أن ملف الغوطة الشرقية قد تجاوز حدودها الجغرافية إلى صراع دولي.
  • إن لحظة الانتهاء من حرب تنظيم الدولة كانت لحظة حاسمة ولها تداعيات كبرى على الملف السوري، أولها: نهاية مسمى "الأزمة" بانحسار أثارها الدولية والإقليمية وعلى رأسها "الإرهاب"، مما يعني عودة مفهوم "الثورة" ببعده الدال على المواجهة بين النظام السوري وشعبه. وثانيها: بأن فراغ الولايات المتحدة وتحالفها الدولي من حرب الإرهاب حمل ضمناً رسالة مفادها؛ نهاية التفويض الأمريكي لموسكو بالتحكم بالملف السوري، واستخدام واشنطن لوجودها العسكري على الأرض السورية باتجاه موازنة القوة مع موسكو وطهران.
  • إن تفاعل المتغيرات المتسارعة على الصعيد الاستراتيجي الأمريكي خصوصاً والناتوي عموماً، لم يكن في حسابات موسكو، والتي لجأت في محاولة لاستدراك آثاره إلى تحرك ورد فعل سريع في الغوطة.
  • في هذا المناخ المتوتر بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، يمكن فهم تفرد موسكو الواضح بعملية الغوطة، مقابل حضور إيران الملتبس، بناءً على عاملين: رغبة موسكو باستعراض قوتها منفردة كند لواشنطن وتثبيت مناطق نفوذ خالصة لها دون تواجد إيراني. إضافة إلى سعي موسكو للتخفيف من حضور طهران لتجنب هذا التشنج الإقليمي (الإسرائيلي-الخليجي) والدولي اتجاه إيران وسلوكها في المنطقة، والاحتمالات المتزايدة للتحرك العسكري ضدها.
  • تشكل الغوطة الشرقية اليوم-بعد دير الزور-إحدى المحطات التي ستتوضح فيها الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سورية، ومقياساً لمدى جدية الولايات المتحدة ومن خلفها أوروبا والخليج العربي في مواجهة النفوذ الإيراني والروسي في سورية، والوصول إلى حل سياسي للأزمة يرسم مستقبل سورية بدون الأسد.

مدخل

بدأ النظام السوري مدعوماً بغطاء جوي ودبلوماسي روسي في 18 شباط/ فبراير حملة قصف جنونية طالت مدن وبلدات الغوطة الشرقية؛ استهدفت بنيتها التحتية وتسببت بمقتل المئات من المدنيين، تبعتها محاولات للتقدم البري تكبد فيها النظام خسائر فادحة في الأرواح والعتاد. أثارت تلك الحملة ردود أفعالٍ دولية معارضة وحراكاً دبلوماسياً نشطاً لوقفها، تصدرته الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسويد، وأفضى إلى استصدار القرار الدولي رقم: (2401)، والقاضي بوقف الأعمال العسكرية لمدة شهر وإدخال المساعدات الإنسانية، ولكن النظام وحليفه الروسي لم يلتزما بالهدنة وطرحا بديلاً يقوم على فتح معبر إنساني لخروج المدنيين، بيد أن أهالي الغوطة لم يستجيبوا لتلك الدعوات ورفضوا الخروج حتى الآن.

 وعلى الرغم من الحراك الدبلوماسي النشط أوروبياً وأمريكياً، والحراك الروسي المضاد في أروقة مجلس الأمن؛ إلا أن المشهد يكاد يخلو من أي دور إقليمي فعال دبلوماسياً، سواء على الصعيد الخليجي التركي، أو على المقلب الآخر حيث لا يلحظ أيضاً ثقل إيراني دبلوماسي وعسكري فعّال وواضح على الأرض، الأمر الذي يشير إلى أن الغوطة أصبحت ساحة للصراع الدولي؛ بين أمريكا وأوروبا من طرف وروسيا من طرف آخر، بشكل يجعل الفاتورة البشرية للضحايا مرشحة للارتفاع في الأيام القادمة، ويبقي مآل الغوطة ملتبساً وخاضعاً لعدة احتمالات تبعاً لقدرة أهالي الغوطة وفصائلها على الصمود أولاً، ومدى جدية المجتمع الدولي وقدرته على فرض وقف إطلاق النار وإجبار موسكو والنظام على الالتزام بالهدنة، حيث تشكل الغوطة اليوم اختباراً للاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سورية وقدرتها على تحجيم الدور الروسي بشكل يعيد بثّ الحياة في مسار جنيف المعطل، ويعيد ضبط بوصلة الحل السياسي باتجاه بعيد عن الطموحات الروسية للتفرد به. وعليه تسعى هذه الورقة إلى رسم ملامح المشهد الدوليّ الجديد لفهم وتفكيك ما يجري اليوم في الغوطة الشرقيّة بشكلٍ خاص، واستشراف مآلات الحملة العسكرية عليها وأثرها على مسار الحل السياسي في ظل الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه سورية. مقابل قراءة تحليلية على مستوى الملف السوري برُمّته، والذي دخل مرحلة جديدة وحساسة تشكل الغوطة الشرقيّة بوابتها، ويمكن تسميتها "مرحلة ما بعد الإرهاب".

أولاً: النظام وموسكو (المغامرة)

لا تبدو الحملة العسكرية التي يقودها النظام وروسيا على الغوطة الشرقية عملية مدروسة الأبعاد والعواقب، سواء على المستوى العسكري ومقاربة موسكو لسيناريوهات مناطق سورية أخضعتها سابقاً(حلب)، أو على المستوى الدبلوماسي الذي تمثل بفشل محاولات تبرير العملية وخلق غطاءٍ دوليّ لها. لذلك يمكن القول إن ما تقوم به قوات النظام وموسكو في الغوطة مغامرة سياسية وعسكرية، تستند إلى افتراض النظام بأنه الأقوى على الأرض بعد التقدم الذي أحرزه في إدلب ودير الزور، مستفيداً من فائض القوى الذي ولدته اتفاقات خفض التصعيد، وافتراض روسي مقابل باستمرار الولايات المتحدة في سياساتها المضطربة تجاه الملف السوري واقتصار دورها على شرق الفرات، الأمر الذي يمنح موسكو المساحة الأكبر في ترتيب الأوضاع على الأرض بما يتناسب مع مصالحها ورؤيتها للحل السياسي. ويمكن الاستدلال على عامل المغامرة في هذه العملية من خلال مجموعة نقاط:

1.   غياب الذريعة

تجلت ذريعة النظام وموسكو المعلنة للهجوم على الغوطة بوجود عناصر إرهابية تتبع هيئة "تحرير الشام" في بعض مناطق الغوطة، ولكن إعلان فصائل الغوطة استعدادها لإخراج هذه العناصر أحرج موسكو، والتي عطّلت بدورها التفاوض حول خروج هؤلاء العناصر؛ لتتحول الذريعة إلى استهداف المدنيين في العاصمة دمشق بالقذائف من قبل فصائل المعارضة، وهو الأمر الذي يشير إلى مأزق موسكو في تغطية عملها العسكري وتقديم مبررات مقبولة لدى المجتمع الدولي لاستمرار حملتها على الغوطة وما ينتج عنها من مجازر يومية، خاصة وأن حجة "الإرهاب" لا تجدي نفعاً في حالة الغوطة، والتي تعترف موسكو بفصيليها الأقوى (جيش الإسلام- فيلق الرحمن)، حيث وقّعت معهما تتابعاً اتفاقاً اعتبرت بموجبه الغوطة منطقة خفض تصعيد. ولعل غياب الذريعة هو ما شكّل عاملاً مساهماً في تقوية المواقف الأمريكية الأوروبية ضمن مجلس الأمن، ودفع الدبلوماسية الروسية لتجنب المزيد من العزل الدولي في أروقة الأمم المتحدة، عبر عدم استخدام الفيتو في وجه القرار (2401)، مقابل تمريره بعد الالتفاف عليه وإفراغه من مضمونه وعدم الالتزام بتطبيقه.

2.   المقاربة الخاطئة

مقابل غياب الذرائع، فإن إشارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ومندوب النظام في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، لإمكانية تطبيق سيناريو حلب في الغوطة الشرقية؛ يبدو مقاربة خاطئة وغير مدروسة، وذلك وفقاً لعدة عوامل تصب في صالح الغوطة لناحية عدم إمكانية سحب سيناريو حلب عليها، ولعل أبرز تلك العوامل:

  • المساحة والجغرافية: حيث تمتد الغوطة الشرقية على مساحة 110 كم2، في حين اقتصرت مساحة الأحياء الشرقية لحلب في السيناريو الشهير على 3كم2، بالإضافة إلى أن جغرافية الغوطة تتشكل من مدن وبلدات متفرقة ومترامية ومساحات مفتوحة من الأراضي الزراعية بشكل يضطر النظام إلى خوض نوعين من المعارك، وهي حرب المدن والحرب النظامية في المساحات المفتوحة، الأمر الذي قد يزيد من خسائر قواته ويجعل الغوطة منطقة أكثر صعوبة من معارك أحياء حلب الشرقية، وهذا ما تدل عليه خسائر النظام الكبيرة في حملاته الثمان السابقة على الغوطة منذ العام 2012([1]).
  • السكان: يعيش في الغوطة الشرقة الآن ما يقارب 400 ألف نسمة من المدنيين المحاصرين منذ العام 2013، بشكل جعلهم يطورون بدائل محلية مستندة إلى خبرتهم كمزارعين، الأمر الذي يجعل الحصار أخف وطأة عليهم من حلب الشرقية، وإمكانية إفراغ الغوطة من سكانها على غرار حلب أمراً صعباً، حيث لا توجد اليوم منطقة سورية تحتمل هذه الكتلة البشرية في حال هُجّرت.
  • المقاتلون: لا يزيد عدد المقاتلين في الغوطة الشرقية كثيراً عن نظرائهم في حلب الشرقية، حيث تتراوح التقديرات بين 8000- 10000 آلاف مقاتل، ولكن الفارق في أن المقاتلين في الغوطة هم أبناء المنطقة بكتلتهم الكبرى، مما يزيد في تعزيز عامل الدفاع عن أرضهم وعوائلهم، إضافة إلى أن تنظيمهم وتسليحهم وخبراتهم القتالية تعد أفضل مما كانت عليه فصائل حلب، فالفصائل الثلاثة الكبرى في الغوطة (جيش الإسلام، فيلق الرحمن، أحرار الشام) أظهرت مرونة تفاوضية منذ بداية الحملة العسكرية وتنسيقاً عالياً في صد الهجوم البري، حيث دخلت في غرفة عمليات مشتركة متجاوزة خلافاتها السابقة([2])، ناهيك عن اعتمادها على الإنتاج الذاتي للأسلحة والذخائر التي تحتاجها، مما يمنحها القدرة على المقاومة طويلة الأمد، والأهم من ذلك هو صعوبة إخراج هذا العدد من المقاتلين المدربين والمنظمين إلى أي من جبهات المعارضة الأخرى، إذ سيؤدي ذلك إلى اختلال في موازين القوى مع النظام في تلك الجبهات المحكوم أغلبها باتفاقات أمنية إقليمية ودولية، بالإضافة إلى اختلال توازن القوى القائم بين الفصائل المهيمنة على الجبهات بشكل قد يدفعها إلى رفض استقبال كتلة عسكرية كهذه، يصعب السيطرة عليها و تطويعها ضمن فصائل أخرى.
  • الفاعلية الإقليمية: تعتبر الغوطة جغرافية داخلية غير حدودية مع أيّ دولة، الأمر الذي يعدُّ عاملاً هاماً يمنح فصائلها مساحة أكبر نسبياً في التحرك الدبلوماسي والمواجهة العسكرية بعيداً عن التأثير الإقليمي المباشر، والذي كان عاملاً حاسماً في سقوط أحياء حلب الشرقية. فبالرغم من وجود داعمين إقليميين لفصائل الغوطة؛ إلا أن النشاط الدبلوماسي والسياسي منذ بدء مسار أستانة يُظهر بوضوح المساحة الأوسع نسبيّاً من القرار الذاتي التي تتمتع بها قيادتا جيش الإسلام وفيلق الرحمن بعيداً عن الهيمنة الإقليمية المباشرة، والخاضعة لها غالبية الفصائل في الجبهات الشمالية والجنوبية.

3.   رد الفعل الدولي

يبدو أن اختيار موسكو لتوقيت العملية العسكرية ضد الغوطة الشرقية؛ عبّر بشكلٍ أو بآخر عن سوء تقدير من قبلها لجدية الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بخصوص سورية، والتي أعلن خطوطها العامة وزير الخارجية الأمريكية، ريكس تيلرسون، قبل شهر تقريباً من بداية الحملة على الغوطة، والتي تعتمد على تطويق النفوذ الإيراني وبناء مستقبل سوري من دون الأسد، ما يعني استهداف حلفاء موسكو بشكل يقوض من فاعلية الدور الروسي في سورية، وذلك عبر عودة الثقل الأمريكي الأوروبي الذي كان منشغلاً في فترة حرب تنظيم الدولة "داعش"، لذلك أسفرت الحملة العسكرية على الغوطة عن ردود أفعال أمريكية أوروبية معارضة وغير مسبوقة، تراوحت بين الضغط الدبلوماسي عبر مجلس الأمن و التواصل المباشر مع موسكو وصولاً إلى التلويح بالقوة العسكرية في حال تم استخدام السلاح الكيماوي، الأمر الذي يمكن أن يُفسّر كإثبات لجدية واشنطن وأوروبا في العودة بقوة للانخراط في الملف السوري وعدم السماح لموسكو بالتفرد في المناطق السورية الواحدة تلو الأخرى في إطار سعيها لفرض رؤيتها الخاصة في الحل السياسي.

ويشير واقع الحراك الدولي -الأمريكي الأوربي- تجاه الحملة الروسية على الغوطة، وما تبعه من حملة إعلامية دولية وحراك مدني سوري في مختلف عواصم العالم؛ بأن موسكو ونتيجة لمغامرتها غير المحسوبة قد وقعت في فخ التحول المباشر إلى طرف في الأزمة السورية بدلاً من فاعل دولي مساعد في الحل، وهو الدور الذي لطالما حاولت موسكو الإيحاء به، إضافة إلى تورط حليفها النظام في معركة طويلة الأمد قد تشكل حرب استنزاف لقواه وتعيد للعالم صورة النظام الدموي الذي يقتل شعبه، والتي حاول النظام وحلفاءه إخفاءها خلف ستار "حرب الإرهاب". وبذلك تكون موسكو لم تنجح في تحقيق نصر سريع يُستخدم في استكمال صورة المنتصر التي يريدها الرئيس، فلاديمير بوتين، قبيل الانتخابات الروسية في الثامن عشر من الشهر الجاري، بل ووضعت نفسها بين فكي كماشة أمريكية أوروبية تتيح لهم الفرصة للضغط على موسكو وتصفية الحسابات الموزّعة على عدة ملفات عالقة بين الطرفين، الأمر الذي يُعَدُّ مؤشراً على أن ملف الغوطة الشرقية قد تجاوز حدودها الجغرافية إلى صراع دولي.

ثانياً: المشهد السوري الجديد (ما بعد الإرهاب)

يبدو أن نشوة "الانتصارات" التي حققها تدخل موسكو العسكري في سورية قد غيّبت عن العقل الاستراتيجي الروسي حقيقة مفادها أنَّ؛ لحظة الانتهاء من حرب تنظيم الدولة كانت لحظةً حاسمةً ولها تداعيات كبرى على الملف السوري، أولها: نهاية مسمى "الأزمة" بانحسار أثارها الدولية والإقليمية وعلى رأسها "الإرهاب"، مما يعني عودة مفهوم "الثورة" ببعده الدال على المواجهة بين النظام السوري وشعبه.  وثانيها: بأن فراغ الولايات المتحدة وتحالفها الدولي من حرب الإرهاب حملَ ضمناً رسالةً مفادها؛ نهاية التفويض الأمريكي لموسكو بالتحكم بالملف السوري، واستخدام واشنطن لوجودها العسكري على الأرض السورية باتجاه موازنة القوة مع موسكو وطهران، وهو ما بدأت تظهر مؤشراته بوضوح مع مطلع العام 2018، والتي تمثلت في إعلان استراتيجية الدفاع الأمريكية الجديدة المتمحورة حول احتمال المواجهة مع روسيا والصين([3])، ووضحت أكثر ضمن خطاب وزير الخارجية الأمريكية، ريكس تيلرسون، في جامعة ستانفورد، والذي استعرض فيه الرؤية الأمريكية في سورية ما بعد "داعش"، حيث أكد على نية واشنطن الاحتفاظ بوجودها العسكري في سورية لمواجهة بقايا تنظيم الدولة والنفوذ الإيراني، وعدم تكرار خطأ العراق بالانسحاب، إضافة إلى استبعاد وجود الأسد في مستقبل سورية ودعوة موسكو للتعاون لإعادة الهدوء لمناطق خفض التصعيد([4]).

 بالمقابل شهد شهر شباط/ فبراير تصعيداً عسكرياً أمريكياً روسياً، من جهة، في دير الزور وتمثل في الضربة الأمريكية لمليشيات النظام ومرتزقة روس حاولوا تجاوز الخط الأحمر الأمريكي للعبور إلى شرق الفرات. إضافة إلى تصعيد إيراني إسرائيلي، من جهة أخرى، تمثل في إسقاط الطائرة الإسرائيلية في سورية، ثم تمت ترجمة التوتر العسكري في سورية بشكل تصعيد كلامي في "مؤتمر ميونخ" للأمن، حيث هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتحرك العسكري ضد طهران إذا لزم الأمر([5])، كما كشفت الخُطب في ذات المؤتمر عن مدى تعقد المشكلات العالقة بين موسكو وحلف شمال الأطلسي، بدءاً من شبه جزيرة القرم والتدخل الروسي في شرق أوكرانيا، إلى تورطها بالانتخابات في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبية، مروراً بدعمها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وصولاً إلى امتناعها عن الالتزام بمعاهدات خفض التسلّح، وحشدها مزيداً من القوات في شمال غربي روسيا وجيب كاليننغراد، ما يشكّل تهديداً لأمن دول البلطيق والبلدان الإسكندنافية([6]).

ويبدو أن تفاعل تلك المتغيرات المتسارعة على الصعيد الاستراتيجي الأمريكي خصوصاً والناتوي عموماً، لم يكن في حسابات موسكو، والتي لجأت في محاولة لاستدراك آثاره إلى تحرك ورد فعل سريع في الغوطة الشرقية يحقق لها عدة أهداف في هذا الإطار، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال عدة مؤشرات:

  1. "شيطنة الغوطة": والذي تجلى في المناخ السائد في موسكو بين أوساط خبراء سياسة الشرق الأوسط ومراكز الدراسات المقربة من دوائر صنع القرار قبيل بدء الحملة على الغوطة، واعتبارها "نقطة تواجد أمريكية من حيث التسليح ودعم الفصائل"، وأن أولوية روسيا الاتحادية يجب أن تكون إخراج الأمريكان من محيط دمشق، حيث أنتج هذا المناخ عملية إعلامية ضخمة لشيطنة الغوطة لدى النخبة الروسية والرأي العام كمقدمة لتبرير التدخل العسكري للسيطرة عليها([7]).
  2. عملية انتقامية: يمكن القول بأن موسكو تستثمر العملية العسكرية في الغوطة للرد على الضربة الأمريكية في دير الزور، والتي أودت بحياة 200 من المرتزقة الروس في خسارة تعادل خمسة أضعاف خسائر موسكو منذ تدخلها في سورية 2015، وبالرغم من الإنكار في البداية ومن ثم الصمت عن الحادثة الذي انتهجته موسكو؛ إلا أن محللين روس اعتبروا الحادثة " أول اشتباك بين القوتين منذ حرب فيتنام، وأنها فضيحة كبرى وسبب لأزمة دولية حادة، ولكن روسيا ستتظاهر وكأن شيئاً لم يحدث"([8]).
  3. تسويق السلاح: إن فتح جبهة جديدة في سورية يتيح لموسكو فرصة لتسويق أسلحتها الجديدة، وهو نهج اعتمدته روسيا منذ بداية تدخلها العسكري في سورية، حيث جرّبت حوالي 200 نوع سلاح جديد([9])، إذ تحتاج موسكو حملة تسويقية جديدة في سورية لأسلحتها بعد فضيحة فشل منظومة S400 في حماية قاعدة حميميم من هجوم بالقذائف أدى إلى تدمير سبع طائرات في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2017([10])، وسقوط إحدى طائراتها في إدلب ومقتل الطيار مطلع شباط/ فبراير الفائت، الأمر الذي دفع موسكو لاستخدام طائراتها الأحدث من الجيل الخامس "الشبح" في الغوطة بالرغم من أنها لم تنهي اختباراتها بعد([11])، هذا الاستخدام الذي تبعته تصريحات الرئيس الروسي حول تطوير صواريخ بالستية جديدة تحمل رؤوس نووية قادرة اختراق أنظمة الدفاع الجوي الأمريكي، في إعلان عن سباق تسلح جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية ([12]).

وفي هذا المناخ المتوتر بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية يمكن أيضاً فهم تفرّد موسكو بعملية الغوطة الشرقية، وتجنبها لحضورٍ إيرانيٍ واضح وفعَال بناءً على عاملين:

  • رغبة موسكو باستعراض قوتها منفردة كند لواشنطن وتثبيت مناطق نفوذ خالصة لها دون تواجد إيراني.
  • تجنب هذا التشنج الإقليمي (الإسرائيلي-الخليجي) والدولي اتجاه إيران وسلوكها في المنطقة، والاحتمالات المتزايدة للتحرك العسكري ضدها.

كما يمكن من خلال العلاقة مع روسيا تفسير مواقف الدول الأوروبية المتصدرة للحراك الدبلوماسي في مجلس الأمن ضد عملية موسكو في الغوطة الشرقية، فبالإضافة إلى الملفات المعلقة بين الناتو وروسيا، تشتعل حرب إعلامية بين موسكو وبريطانيا حول دعم الأخيرة للدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، والذي تعتبره موسكو منظمة "إرهابية"، وتدير في هذا الإطار حملة إعلامية دولية كشفت تفاصيلها صحيفة الغارديان البريطانية([13])، بشكل جعل الطرفان في مواجهة إعلامية ودبلوماسية حول سلوكهما في سورية. كما يزيد من الحراك الألماني تجاه ما يحدث في الغوطة، إضافة إلى مشاكلها الناتوية مع موسكو، شعورها بالحرج الأخلاقي إزاء ملف استخدام الكيماوي في الغوطة، خاصة بعد ما نشرته صحيفة "ديرشبيغل" الألمانية حول تورط شركات ألمانية في تصدير أجزاء من الصواريخ التي ضُربت بها الغوطة في العام 2013([14]). أما السويد فتجد في الهجوم على الغوطة فرصة لإدانة موسكو، والتي أدى التوتر بينهما نتيجة النشاط الروسي في البلطيق إلى احتمالات اندلاع مواجهة عسكرية نهاية العام 2016([15])، في حين تلتزم فرنسا وإدارة ماكرون بالخط الأحمر الذي وضعته الإدارة السابقة فيما يخص استخدام القوة في حال حدوث هجوم كيماوي في سورية. أما المواقف العربية الخجولة والمقتصرة على تصريحات بخصوص الوضع الإنساني، فيمكن فهمها في إطار الانشغال بالنفوذ الإيراني في سورية، والحشد الدولي لمواجهته، وعليه تفضل الدول العربية وعلى رأسها الخليجية عدم المواجهة مع موسكو، خاصةً في ظل استمرار الأزمة الخليجية، ولذلك يمكن اعتبار المبادرة المصرية مجرد محاولة لذر الرماد في العيون وإخلاء المسؤولية بوصف مصر أحد الضامنين لاتفاق خفض التصعيد في الغوطة.

ثالثاً: نتائج وخلاصات

من خلال استعراض طبيعة الحملة العسكرية التي تقودها موسكو والنظام السوري على الغوطة الشرقية وتحليل المناخ الدولي والإقليمي المحيط بها، مقابل استعراض نقاط القوة الداخلية للغوطة، يمكن التوصل إلى النتائج التالية:

  1. خيار روسي: يبدو أن قرار الهجوم الحالي على الغوطة الشرقية لم يكن للنظام السوري بقدر ما كان خياراً روسياً يستهدف واشنطن من خلال مناطق المعارضة التي تعتبرها موسكو "موالية لأمريكا"، ولعل اختيار رجل موسكو في جيش النظام، سهيل الحسن، لقيادة العملية يفهم في سياق التأكيد على أن العملية تخدم مصالح موسكو أكثر من النظام السوري.
  2. تدويل الصراع: إن تحول ملف الغوطة الشرقية إلى ساحة صراع دولية بين موسكو من جهة وأمريكا وأوروبا من جهة أخرى؛ قد يزيد من أمد الحملة، خصوصاً مع ما تظهره فصائل الغوطة وأهلها من صمود ورفض لخيار الخروج حتى الآن.
  3. معركة طويلة الأمد: ترتكز استراتيجية موسكو والنظام في محاولتهما التقدم برياً من الجبهات الشرقية للغوطة (حوش الظواهرة، الشيفونية، وغيرها) وهي مساحات زراعية مفتوحة، على تجنب حرب المدن في المحاور الأخرى وتخفيف خسائرها، إضافة إلى محاولات السعي لفصل شمال الغوطة عن جنوبها عسكرياً كمرحلة أولى في تقسيمها إلى جيوب، بشكل يُسهَل من السيطرة عليها لاحقاً، الهدف الذي لا يبدو سهلاً ويشير بنفس الوقت إلى نية موسكو خوض معركة طويلة الأمد بهدف إخلاء الغوطة.
  4. موازنة الحل السياسي: يبدو أن الحراك الدولي المناهض لعملية الغوطة والهادف لإيقاف القصف عنها ومنع سقوطها، مستمر بوتيرة متصاعدة وأكثر جدية من سابقتها ويدفع باتجاه خيارات مفتوحة لأمريكا وأوروبا بشكل قد يتجاوز مجلس الأمن، خاصة وأن الغوطة الشرقية تمثل الورقة الأكثر تأثيراً في موازنة الحل السياسي بعيداً عن طموحات موسكو والنظام في الحسم العسكري. الخيارات التي سترتبط بشكل مباشر في مدى تصعيد النظام وموسكو في الغوطة الشرقية واحتمالية استخدام الأسلحة المحضورة دولياً أو الاستمرار في عدم الالتزام بقرار مجلس الأمن.
  5. احتمالان: في ظل ما تقدم من نتائج يصبح احتمال سقوط الغوطة عسكرياً وإخلاءها من سكانها ضعيفاً في المدى القريب، وممكناً في حال استمرار الحصار ووتيرة القصف العالية لمدة طويلة، مما يعني قدرة موسكو على تحقيق انتصار دبلوماسي على أمريكا وأوروبا، وهذا ما يبدو أن الأخيرة لن تسمح به، أما الاحتمال الأكثر ترجيحاً يتمثل بنجاح المساعي الدبلوماسية مع موسكو في التوصل إلى تهدئة وتثبيت لاتفاق خفض التصعيد، مقابل تنازل المعارضة السورية عن بعض المناطق الواقعة تحت سيطرتها في محيط العاصمة، والتي تبعد خطر قذائفها عن دمشق "تبعاً للذريعة الروسية"، وتحفظ لموسكو ماء وجهها، كما أن هذا الاحتمال قد يكون مغرياً لموسكو والنظام لضم المناطق المحيطة بالعاصمة (جوبر، حرستا، وأجزاء أخرى) إلى مشروعها لإعادة إعمار المناطق الخاضعة لسيطرتها، حيث تعتبر تلك المناطق ضواحي سكنية لمدينة دمشق .
  6. مسار أستانة: من المستبعد أن تؤثر الغوطة أياً كان الاحتمال الذي ينتظرها على مسار أستانة لناحية مناطق خفض التصعيد التي أنتجها، فحتى الآن تُظهر الأطراف الفاعلة في الملف السوري (دولية وإقليمية) رغبة في الحفاظ على هذا المسار، وخصوصاً في الجنوب، حيث يوجد الأردن والولايات المتحدة الأمريكية كشركاء في التفاهم الذي أفضى إلى ضمه إلى مناطق خفض التصعيد، على عكس الغوطة التي تفتقد الظهير الإقليمي الحدودي، أما الشمال السوري فالتفاهمات بخصوصه قد أُنجزت بين تركيا وروسيا من جهة ومع الولايات المتحدة من جهة أخرى، كما أن التحسن الملحوظ في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة بعد زيارة تيلرسون الأخيرة والتقدم الذي تحرزه تركيا في معارك عفرين، قد يمنح تركيا مساحة أكبر لمناورة موسكو في الشمال وتحجيم تطلعاتها وإيران للاستحواذ على مزيد من الأراضي، في حين تعتبر المنطقة الرابعة من مناطق خفض التصعيد (ريف حمص الشمالي) هي الأنجح والأكثر هدوءاً حتى الآن وغير مرشحة للانفجار مستقبلاً.
  7. صراع جديد: تعتبر نتائج الحملة على الغوطة سياسية أكثر منها عسكرية، ففي حال تمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيين من الحؤول دون سقوط الغوطة ومنع موسكو من تأمين محيط العاصمة، فهذا سيعني تقليم أظافر موسكو عسكرياً وسياسياً في سورية، وإحداث توازن قوى بخصوص شكل الحل السياسي وعقبة بقاء الأسد، أما في حال تمكن موسكو من إسقاط الغوطة فهذا سيعني توسيع مساحة سيطرتها ونفوذها وتثبيتها في مواجهة مناطق السيطرة الأمريكية في شمال شرق سورية، الأمر الذي سيحوّل سورية إلى ساحة لحرب باردة جديدة بين موسكو وواشنطن تطيل من أمد الصراع وتعقّد الملف السوري بشكلٍ أكبر.

رابعاً: التوصيات

تشكل الغوطة اليوم بعد دير الزور إحدى المحطات التي ستتوضح فيها الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سورية، ومقياساً لمدى جدية الولايات المتحدة ومن خلفها أوروبا والخليج العربي في مواجهة النفوذ الإيراني والروسي في سورية، والوصول إلى حل سياسي للأزمة يرسم مستقبل سورية بدون الأسد، وعليه فإن الظرف الحالي يعتبر دقيقاً جداً، ويفرض على المعارضة السورية العسكرية والسياسية تجاوز أخطائها السابقة وإعادة هيكلة نفسها استعداداً لاستثمار المرحلة القادمة، والتي ستكون الغوطة بوابة الدخول لها، وعليه يمكن الإشارة إلى بعض التوصيات الهامة:

1.   على مستوى الغوطة

  • تعزيز عوامل الصمود: إن حالة الصمود التي تعيشها الغوطة اليوم هي حاصل تظافر جهود المدنيين ومنظمات المجتمع المدني والفصائل العسكرية، واستمرار هذا الصمود ريثما تؤتي جهود المجتمع الدولي أكلها في وقف المجزرة الجارية يبقى رهناً بالحفاظ على هذا التنسيق العسكري مع القوى المدنية، وقدرة الفصائل على تجاوز خلافاتها السابقة.
  • سد الذرائع: ويتمثل بسحب ذريعة وجود عناصر هيئة فتح الشام في الغوطة من يد روسيا، وذلك يمكن أن يكون عبر التفاوض مع مقاتلي الهيئة لحل التشكيل نفسه في الغوطة وتسليم سلاحه إلى فصائل الغوطة في حال تعذر إخراجهم إلى الشمال الذي يشهد معركة لاجتثاث الهيئة، أو استخدام القوة في حال فشل الحلول التفاوضية واعتقال عناصر الهيئة.
  • التنسيق السياسي: توسيع التنسيق العسكري بين فصائل الغوطة (جيش الإسلام، فيلق الرحمن، أحرار الشام) إلى تنسيق سياسي استعداداً لأي عملية تفاوضية مع الروس، وعدم إعطاء الفرصة لموسكو بإحداث اختراق سياسي بين الفصائل تكسب منه ما عجزت عنه عسكرياً.
  • شركاء الصمود: فسح المجال أمام (شركاء الصمود) الفعاليات المدنية والمجالس المحلّية في الغوطة سياسياً بشكل فعّال، وعدم احتكار الفصائل للقرار، واعتماد هذا الأسلوب كنهج مستقبلي يؤسس لإدارة مدنية حقيقية في الغوطة كنموذج لباقي المناطق المحررة.
  • ضامنون جدد: محاولة تعديل اتفاق خفض التصعيد في ظل احتمال حدوث أي تفاوض مع روسيا، وطرح إدخال ضامنين جدد أو استبدال مصر كضامن بدولة أُخرى أكثر فاعلية وقدرة على حفظ الهدنة تكون من الدول الداعمة للمعارضة، ومن الممكن اقتراح الولايات المتحدة الأمريكية أو إحدى الدول الأوروبية المشاركة بقوات التحالف الدولي المتواجدة على الأرض السورية، وقد يلقى هذا المقترح دعماً أمريكياً في ظل استراتيجيتها الجديدة في سورية.
  • الضغط الدبلوماسي: تكثيف الحراك السياسي الذي تمارسه المعارضة السورية للضغط على الدول الحليفة لها، بخاصة الخليجية للقيام بدور دبلوماسي أكثر فاعلية لوقف المجزرة الجارية في الغوطة.
  • الفاعلية الإعلامية: وتتمثل بدعم الجهد الذي يقوم به الناشطون السوريون في مدن العالم كالاعتصامات والمظاهرات أمام السفارات الروسية، وعدم الاستهانة بهذا الدور وأهميته في لفت النظر إلى ما يجري في الغوطة واستمرار التغطية الإعلامية لأخبارها في وسائل الإعلام الدولية.

2.   على مستوى الملف السوري

  • لحم المسارين: الاعتراف بأن ما يجري في الغوطة الشرقية اليوم ومن قبلها استحواذ النظام على البادية السورية وأجزاء من دير الزور وإدلب؛ هو حاصل ونتيجة مباشرة لمسار أستانة، والذي أتاح للنظام فائض قوة يوجهه باتجاه المناطق المحررة، وتجزئة الجبهات وفصلها عن بعضها، وفك الارتباط بين المسار السياسي والعسكري للمعارضة السورية، لذلك أولى خطوات استثمار الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سورية؛ هي إعادة توحيد المسار العسكري على مستوى المعارضة بشكل كتلة واحدة وليس جبهات منفصلة، والتنسيق على المستوى التفاوضي مع المسار السياسي، وعدم الفصل بينهما كما حدث في أستانة.
  • استثمار الهوامش: إن وجود استراتيجية أمريكية جديدة في سورية، ووجود عسكري أمريكي طويل الأمد لا يجب أن يفهم على أنه نهاية الدور الروسي، وإنما هو توازن للقوى، ومقدمة لصراع دولي مباشر بعد نهاية تنظيم الدولة يُضاف إلى الصراع الإقليمي القائم، وقد يساهم في تعقيد الملف السوري أكثر؛ لذا لابد للمعارضة السورية تجنب الانخراط المباشر في لعبة المحاور، فالمرحلة القادمة بحاجة لاستراتيجية مرنة تقوم على استثمار الهوامش التي قد يخلقها صراع المحاور، وتوظيفها في خدمة مصالح وأهداف الثورة السورية.

خامساً: ملاحق الورقة

الملحق رقم (1):

جدول زمني لحملات النظام السابقة على الغوطة الشرقية

 

المصدر: وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية

الملحق رقم (2):

قوات النظام المشاركة في الحملة الحالية على الغوطة، ومحاور تقدمها

 

المصدر: وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية


([1]) للاطلاع على خسائر النظام في حملاته السابقة على الغوطة الشرقية منذ العام 2012، راجع الجدول رقم (1) في الملحق.

([2]) وحدة الرصد المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.

([3]) استراتيجية دفاع أمريكية جديدة تشير إلى تحول في الأولويات، موقع "عربي 21"، 19/1/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/pRJLy6

([4]) تيلرسون: باقون عسكرياً في سورية لمنع عودة داعش، موقع "العربية نت"، 17/1/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/Y3DkW3

([5]) نتنياهو في مؤتمر ميونيخ: سنتحرك ضد إيران إذا لزم الأمر، موقع" DW الألماني"، 18/2/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/QkH2qt

([6]) روسيا ترفض «تطويقها» بالبنى العسكرية لـ«الأطلسي»، موقع "جريدة الحياة"، 19/2/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/7M7kVT

([7]) وحدة الرصد والمعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.

([8]) غارات أميركية تقتل 200 من المرتزقة الروس في سورية، موقع "نيوز سنتر"، 14/2/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/TDnds6

([9])  موسكو جرّبت 200 نوع من الأسلحة في قتل السوريين، موقع "أورينت نيوز"، 23/2/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/cjz9EG

([10]) "كوميرسانت": تدمير سبع طائرات روسية بمطار حميميم في سورية جراء قصف بالهاون، موقع صحيفة "العربي الجديد"، 4/1/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/JEjKJR

([11]) هآرتس: لهذه الأسباب بدأت روسيا باستخدام طائرة "الشبح" في سورية، موقع "أورينت نيوز"، 26/2/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/7FydSG

([12]) بوتين يعرض أسلحة جديدة لا مثيل لها في العالم، موقع وكالة "سبوتنيك العربي"، 1/3/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/iutkRS

([13]) The Guardian website,18/12/2017, available on: ,How Syria's White Helmets became victims of an online propaganda machine

https://goo.gl/S2uLgf

([14]) "دير شبيغل" تكشف عن تورط شركات ألمانية بهجمات الكلور في سورية، موقع "أورينت نيوز"، 6/2/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/bcAkmf

([15]) السويد تستعد لحرب مع روسيا!، موقع "روسيا اليوم"، 16/12/2016، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/BFr4WL

التصنيف أوراق بحثية
الجمعة, 10 حزيران/يونيو 2016 11:16

تحولات خطاب تنظيم القاعدة في سورية

مقدمة
تعتبر تجربة تنظيم القاعدة في سورية، من خلال فرعه المتمثل بجبهة النصرة، التجربة الأهمّ والأكثر فرادة ضمن تجارب القاعدة في البلدان الأخرى، لتوفرها على عدد وعتاد ومساحة نفوذ وعلاقات بالمجتمع المحلي أكبر مما حظيت به فروع القاعدة الأخرى، عدا عن التحولات الحركية والخطابية التي مرّت بها.

وإن كانت جبهة النصرة تأسست في البداية على يد جهاديين أتوا من العراق (من ضمنهم الجولاني نفسه) بدعم من "دولة العراق الإسلامية"، وأنشأوا قاعدة محلية بنسبة متزايدة من المهاجرين متعددي الميول والمرجعيات ومستويات التشدد ما بين تنظيم القاعدة ودولة العراق أو الجهادية المحلية الأقل أدلجة، فإن الشقاق الكبير الذي حصل في 9 نيسان 2013م، وتوجه جبهة النصرة إلى شرعية تمثيل تنظيم القاعدة الأم، وثّق من التقارب وتزايد التماهي ما بين خطاب النصرة والتنظيم الأم، والذي تفرضه الحاجة المشتركة قبل التبعية التنظيمية، وهو ما ظهر سريعاً من خلال كلمات قادة تنظيم القاعدة وجبهة النصرة على السواء، وتزايد وصول قياديين من الأفغان العرب إلى سورية للتأثير الأكبر في النصرة، وإن كانت الجبهة حافظت إلى حد ما على استقلاليتها وخصوصيتها التنظيمية.

ومن حيث الأهمية في تمتين هذه العلاقة، لا تقل تأثيراً التحولاتُ والتحديات التي مرّ بها تنظيم القاعدة الأم، سواء في مواجهته للتحالف الدولي والطائرات بدون طيار، أو في مواجهة تنظيم داعش الذي نافسه على عرش الجهاد المعولم في الإعلام والسياسية العالمية وفي معظم مناطق تواجده.

ترصد هذه الورقة تحولات خطاب تنظيم القاعدة في سورية، على مستوى القيادة الأم أو جبهة النصرة وأنصارهم، على مدى الأشهر الماضية، في محاولة لقياس التغيير الذي يعبّر عنه هذا الخطاب، إن كان مرحلياً أو استراتيجياً أو براغماتياً محضاً.

أولاً: من أحادية الأيديولوجي إلى ازدواجية السياسي

مرّ خطاب جبهة النصرة منذ نشأته في سورية بمراحل من التطور والتعدد والتحولات. ولم تكن بيانات جبهة النصرة الأولى تذكر تنظيم القاعدة، وإنما تكتفي بالتوقيع باسم "من إخوانكم مجاهدي الشام في ساحات الجهاد"، إلى أن أعلن الجولاني بيعته لأيمن الظواهري، وركّزت جبهة النصرة بعدها على طباعة رايات باسم "تنظيم القاعدة في بلاد الشام"، كما أصبح التأكيد على الانتماء لتنظيم القاعدة هو الرأسمال الرمزي المعتبر للنصرة في مواجهة خصومها، وإظهار التفوق عليهم في الشرعية الجهادية والدينية.

وليس المقصود بالخطاب هنا البيانات المكتوبة، بقدر ما هو مجمل المنتج الرمزي الذي تعبّر به الحركة عن نفسها، سواء بالكتابات الرسمية أو كتابات القادة والمنظّرين أو الأنصار، وكذلك المنتج الصوتي والمرئي الذي يقدّم أيديولوجية التنظيم وأهدافه ورسائله لأنصاره وخصومه وللفضاء العام.

ومع الإقرار بضرورة دراسة تطور خطاب التنظيم في سورية منذ نشأته، إلا أن هذه الورقة تناقش تحولات خطاب التنظيم (سواء القاعدة الأم أو جبهة النصرة) منذ مؤتمر الرياض (كانون أول 2015م)، وتزعم الورقة أنها مرحلة نضج لخطاب التنظيم كحركة سياسية، وقدرته على إدارة معركته الإعلامية، بما حملت هذه المرحلة من ازدواجية بين الخطاب والخطة، مقارنة بما حملته المراحل السابقة من تعددية في خطاب التنظيم نفسه تصل حد التناقض والاصطدام.

ولا شكّ أن الخلاف ما بين تنظيم (داعش) وجبهة النصرة في (9/4/2013م)، فجّر الخلاف الأكبر والأكثر دموية في تاريخ التيار الجهادي العالمي، ولكن حرب السيطرة على المنطقة الشرقية-التي خاضها تنظيم داعش (شباط-تموز 2014م) في مواجهة الفصائل الثورية وفرع جبهة النصرة في دير الزور بقيادة "أبو مارية القحطاني" ذي الموقف الأكثر تشدداً ضد داعش- قد فجّرت خلافات المواقف داخل جبهة النصرة نفسها، حيث ظهرت انتقادات واسعة في صفوف منظرين وقياديين من جبهة النصرة ضد موقف القحطاني المتشدد من التنظيم وقتاله الطويل ضده حتى سقوط دير الزور بيد داعش. وقدّم بعض أمراء جبهة النصرة الحماية لتنظيم داعش في مناطقهم خلال حرب الفصائل الثورية الموسعة ضده (بداية 2014م) وحتى بعد ذلك (مثلاً: أبو مالك التلي، أمير جبهة النصرة في القلمون الشرقي)، في مقابل تلميح تيار القحطاني لتخاذل الفصائل عن نجدته، وتصاعد حدة موقفه من منظري التيار السلفي الجهادي الذين كانت مواقفهم ناعمة تجاه تنظيم داعش (مثلاً: أبو محمد المقدسي).

وقد ظهر خلاف التيارات داخل جبهة النصرة في مواقف مفصلية عديدة مثل ميثاق الشرف الثوري رغم الموقف الرسمي. وقد فاقم تحول جبهة النصرة بعد سقوط دير الزور لخطة إقامة الإمارة وإقصاء تيار القحطاني من ظهور هذه الخلافات إلى العلن، وهو الإقصاء الذي طال عزل بعض مؤسسي جبهة النصرة ممن كان لهم موقف أقلّ حدة تجاه الفصائل الثورية (مثلاً: صالح الحموي)، ولكن هذا الافتراق في المواقف تقلص في المرحلة الأخيرة، وبدا من الملحوظ أن مواقف جبهة النصرة ومنظّريها شبه موحدة بشكل كبير، إضافة إلى عودة القحطاني إلى اللجنة الشرعية ومجلس شورى جبهة النصرة (آذار 2016م).

في مقابل توحد الموقف المعلن للجماعة إعلامياً في مرحلة الدراسة (كانون أول 2015م -أيار 2016م)، فإن تكرار حوادث اصطدام جبهة النصرة مع الفصائل الثورية ومحاولات قمع المظاهرات الشعبية في الشمال السوري، رغم محاولات التقارب مع الخطاب الثوري الذي أظهره زعيم جبهة النصرة في كلماته الأخيرة، قد أكد وجود مسافة براغماتية ما بين الخطاب المعلن للجبهة وما بين الأيديولوجيا التعبوية وسلوكه واستراتيجيته على أرض الواقع.

وقد ظهرت هذه الازدواجية (أو الازدواجيات) في مراحل سابقة، ما بين الخطاب المعلن والأيديولوجيا التعبوية والخيارات العملية، خاصة في مرحلة "حملة الإمارة"، حيث أعلنت جبهة النصرة قتال عدة فصائل من الجيش الحر في ريف إدلب وحماة وحلب بدعوى أنها فصائل "مفسدة" أو "باغية"، بينا أشارت شهادات عدة إلى أن القتال تمّ بفتاوى تقول بـ "ردّة" هذه الفصائل.

ولذلك فإن تحليل خطاب تنظيم القاعدة في سورية، لا ينبغي أن يتعامل مع هذا الخطاب باعتباره يطابق الأيديولوجيا أو الاستراتيجية المتبعة للتنظيم، بقدر ما أن عليه فهم سياقاتها والبحث في مساحة الأيديولوجي والسياسي في أي من الخطابات المعلنة، وطبيعة الجمهور المقصود به (موضوع الخطاب) والرسائل الضمنية أو الصريحة التي يريد إيصالها.

ثانياً: هيمنة الخطاب الثوري

كان عام 2013م مرحلة هيمنة خطاب السلفية الجهادية في سورية، أو ما ندعوه "هيمنة الخطاب الأقصى" على الفضاء العام، والذي امتدّ حتى إلى المجاميع الثورية التي لا تصنف ضمن التيار السلفي الجهادي أو الجهادي المعولم.
وقد تراجع حضور هذا الخطاب وتأثيره على الحواضن الثورية مع الوقت، وبتأثير أحداث مفصلية، كان أهمّها:

•    الصدام مع تنظيم داعش بداية 2014م.
•    حملة الإمارة (تموز 2014-شباط 2015م) والتي قام فيها تنظيما جبهة النصرة وجند الأقصى بالهجوم على عدد من فصائل الجيش الحر في ريف حماة وإدلب وحلب، وتمكنت النصرة بذلك من الهيمنة المكانية على مناطق قرب الشريط الحدودي التركي، ومن إضعاف الجيش الحر في الشمال السوري، والحصول على مخزون أسلحة من مستودعات الأسلحة التي فككتها.
•    تصاعد حدة الخطاب التخويني والتكفيري من رموز الجبهة ضد فصائل الثورة، خاصة مقالات رضوان نموس (أبو فراس السوري)، ومقابلات الجولاني المرئية، خاصة في "المؤتمر الصحفي " بعد مؤتمر الرياض، والذي قال فيه إنه لا وجود للجيش الحر.

استكمل الخطاب الثوري تصاعده واستعادَ هيمنته على الفضاء العام عبر مراحل عدة، كان أبرزها المعارك العنيفة ضد النظام منذ التدخل الروسي (30 أيلول 2015م)، والتي تحملت فصائل الجيش الحر العبء الأكبر فيها، خاصة في ريف حماة الشمالي والساحل، ثم تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات بمشاركة الفصائل (10/12/2015م)، والتي تم تناولها في الخطاب الجهادي (مع الهدنة المؤقتة التي دخلتها الفصائل) كمظاهر للتنازل والمؤامرات والعمالة. وكان أبرز مظهر لهيمنة الخطاب الثوري هو موجة المظاهرات الشعبية الحاشدة في المناطق المحررة فيما بعد إقرار الهدنة وفي ذكرى الثورة السورية (آذار 2016). ورسّخت صدامات عدة هذه الهيمنة والتمايز ما بين الخطاب الثوري والجهادي، خاصة قمع مظاهرات مدينة إدلب والتعدي على علم الثورة السورية فيها (7/3/2016م)، والهجوم على الفرقة 13 في معرة النعمان (13/3/2016م).

وأظهرت هذه الأحداث الأخيرة، سواء في الفضاء الافتراضي أو في الشارع الشعبي، حجم الاحتقان المتراكم والذي يولد ردود أفعال متزايدة، ما بين أنصار الخطاب/المشروع الثوري والخطاب/المشروع الجهادي، مع وجود مساحة من التداخل بين التصنيفين لدى فئات من الفاعلين تتقلص مع زيادة الاستقطاب.

وبعد ردات الفعل الواسعة على مقابلة الجولاني التي قال فيها إنه "لا وجود للجيش الحر" والاحتقان الذي ظهر من خلال اصطدامات متتابعة كان أبرزها اصطدام جبهة النصرة خلال أسبوع واحد بالتمثيلات الثورية المدنية (مظاهرات إدلب) والعسكرية (الفرقة 13)، وخاصة بعد الاحتقان الكبير في تناول مؤتمر الرياض والخطوات التي انبثقت عنه (الهيئة العليا للتفاوض، المشاركة في جنيف، الهدنة المؤقتة...الخ)، طرأ تحول ظاهر في خطاب جبهة النصرة لاستدراك ما حصل.

ثالثاً: التنافس على الثورة

من جهةٍ أولى أسهم صعود الخطاب الثوري وتراجع شعبية وتأثير الخطاب الجهادي في تنامي شعبية فصائل الجيش السوري الحر، ودعم موقفها السياسي وتوسع قاعدتها الشعبية، بالتوازي مع الاصطفاف السياسي والعسكري لهذه الفصائل. ولكن من جهة مقابلة، فإن هذا التصاعد واجه -في الوقت نفسه-موجة من التشكيك بمبدئيته لدى الجهاديين إزاء موافقة الفصائل على الدخول في العملية السياسية واتفاق وقف الأعمال العدائية المؤقت، وهو ما كان فرصة للتيار الجهادي لتصعيد اتهاماته للفصائل. وبقدر ما أنّ توافق الفصائل على مرجعية سياسية وقدرتها على الاصطفاف السياسي والعسكري يحدّ من نفوذ جبهة النصرة، فإنّ أي عملية سياسية تعني بالضرورة عزل جبهة النصرة عن هذه الفصائل والمشروع الثوري، وهو ما تعتبره الجبهة أشبه بتهديد وجودي حيث يحتمل انتقال هذه الفصائل إلى القتال ضد جبهة النصرة ضمن اتفاقية دولية، حسب الخطاب الجهادي، خاصة مع استثناء جبهة النصرة من وقف الأعمال العدائية والرخصة الدولية لدى روسيا ونظام الأسد باستمرار قصفها دوناً عن الفصائل الموافقة على الهدنة.

وقد شهدت الساحة السورية وفرة في مبادرات توحيد الفصائل فيما بعد مؤتمر الرياض، لعلّ أبرزها كان "مبادرة طلبة العلم" والتي طرحها عدد من المشايخ بعضهم أقرب للتيار الجهادي وبعضهم من فصائل ثورية، وطرحت تشكيل حكومة للفصائل في الداخل، ولم تنجح المبادرة، وتحفّظت عليها جبهة النصرة.

دعا زعيم الجبهة أبو محمد الجولاني قادة فصائل جيش الفتح لمبادرة بديلة، تتلخص بدمج فصائل جيش الفتح ضمن راية وقائد واحد، وإعلان عدم تبعية التشكيل لأي مرجعية في الخارج (وهذا كان بديل النصرة عن فك الارتباط بالقاعدة)، ولم تنجح هذه المبادرة أيضاً بسبب رفض حركة أحرار الشام بشكل رئيس.

ولكن طرح هذه المبادرات بحدّ ذاته من قبل داعمي التيار الجهادي ومن قبل زعيم جبهة النصرة نفسه، يظهر الشعور بالتهديد الذي أحست به النصرة بعد توافق معظم الفصائل الثورية على مرجعية سياسية تمثلت بالهيئة العليا للتفاوض، واللجوء إلى طرح مشاريع تقوّض المرجعية السياسية للهيئة العليا من جهة، وتمنع انعزال جبهة النصرة عن الفصائل المحلية دون فكّ ارتباطها بالقاعدة أو تخليها عن مشروعها الخاص من جهة مقابلة.

ولكن جبهة النصرة قررت التوجه مباشرة إلى الحاضنة الثورية بخطاب مختلف، بعد فشل التوافق مع قيادات الفصائل، ولئن ظهر هذا الخطاب في حسابات قادة الجبهة ومنظريها وأنصارها، وحتى في كلمات المقاتلين و "الاستشهاديين" في الإصدارات العسكرية، فقد حضر ضمن محطات رئيسية:

1.    كلمة الجولاني

جاءت كلمة الجولاني حول مشروع الهدنة، والتي نُشرت كرسالة صوتية في 26/2/2016م، ليلة بدء سريان الهدنة المؤقتة، لتحدد الخطوط العامة لهذا الخطاب القادم، والذي يوازن ما بين المحدّدين السابقين (تصاعد الخطاب الثوري، التشكيك بالموافقين على الهدنة والعملية السياسية).

هيمنت الصيغة الأدبية العاطفية على الكلمة مع كثير من الاقتباسات الشعرية الحماسية وهتافات مظاهرات الثورة وتكرار مديح "أهل الشام". وكان واضحاً من خلال التركيز على مصطلحات كانت غائبة بل شبه محارَبة من قبل الخطاب الجهادي سابقاً (الثورة السورية، الحرية، الكرامة، هتافات مظاهرات...الخ)، حرص قائد جبهة النصرة على التناغم مع الخطاب الثوري المهيمن ولو ظاهرياً، والتأكيد بأن جبهة النصرة تُمثل الثورة الشعبية وجزءٌ منها، وليست منفصلة عنها بانتمائها لتنظيم القاعدة، وإنما تعمل ضمن السياق الثوري والشعبي. واتسم رأي الجولاني حول الهدنة والفصائل بالتخوين الصريح وأن الهدنة وأدٌ للثورة ومُضادة لشعاراتها وأهدافها، كما دعى بشكل ضمني عناصر الفصائل للانشقاق عن قادتهم.

" وقد أعلنتم قراركم من أول يوم خرجتم فيه على الطاغية فقلتم حينها (الموت ولا المذلة)، وأنتم أهل لتصديقها".

ولعلّ أحد أهداف الكلمة ومفارقاتها، هو القناعة بتراجع تأثير الخطاب الجهادي التقليدي في الحشد والتعبئة، والتحول لاستخدام مفردات الخطاب الثوري الموجه خاصة للمقاتلين ضمن الفصائل الثورية (الأقلّ تأثراً بالخطاب الجهادي)، واستغلال ظرف الهدنة، بدعوتهم لترك الفصائل التي انخرطت في العملية السياسية والانضمام لمشروع القاعدة من خلال خطاب الثورة نفسه، أي أن تنظيم القاعدة دخل في التنافس على الرأسمال الرمزي للثورة السورية وشرعية تمثيلها.

ولكن هذا التحول الخطابي في كلمة الجولاني نحو التصالح مع الفضاء الرمزي للثورة السورية وتبنّيه، والذي امتدّ بشكل واضح وسريع إلى حسابات قياديي النصرة ومنظّريها في الفضاء الافتراضي، تبعه بوقت قصير الهجوم على مظاهرات مدينة إدلب وتمزيق علم الثورة فيها، ثم الهجوم على الفرقة 13 والاستيلاء على مستودعات سلاحها وجمعيات الإغاثة المقربة منها في معرة النعمان، وهو ما أظهر عدم انعكاس هذا التحول الخطابي على استراتيجية جبهة النصرة على الأرض.

وقد دفعت ردة الفعل على قمع جبهة النصرة مظاهرات مدينة إدلب، إلى إظهار الجبهة مرونة أكبر في تعاطيها مع الحراك المدني، ومشاركة عناصرها وأنصارها في المظاهرات الشعبية في أكثر من منطقة، إلا أنها مشاركة لم تخلٌ من اصطدامات أخرى ومن إظهار التمايز في الشعارات والرايات أيضاً، فيما عدا حادثة يتيمة رفع فيها أحد عناصر النصرة علم الثورة في مظاهرة بريف حلب. وفي المحصلة لم تنجح جبهة النصرة بعد هذه الاصطدامات المتتالية والحرص المكرّس على التمايز لدى أنصارها في أن تكسر الفجوة بينها وبين الحراك الثوري المدني، بقدر ما تعمّق الشرخ أكثر.

2.    معايدة الثوار

في 17/3/2016م، ليلة ذكرى بداية الثورة السورية (18/3/2011)، أصدرت جبهة النصرة بيان تهنئة بذكرى الثورة السورية موقعاً باسم الجولاني، بعنوان: "رسالة إلى أهلنا في ذكرى الثورة".

"نبارك لأهل الشام وأمة الإسلام مرور خمسة أعوام على ثورتهم المباركة وجهادهم المبارك، سُطّرت فيها أروع أنواع التضحية والفداء والعزيمة والعطاء".

واختتمت بالتأكيد على انتماء الجبهة للثورة والشعب السوري:"نحن من أهل الشام والشام منّا، ولا يفرقنا عنها وعن أهلها إلا الموت إن شاء الله، ونجدد العهد على إكمال المسير حتى آخر رمق إن شاء الله".

وهذه هي المرة الأولى لكسر الفجوة ما بين الجبهة وبين الحواضن الشعبية منذ نشأتها قبل قرابة أربع سنين ونصف، كحلقة أخرى ضمن موجة التحول الخطابي الثوري الذي أظهرته جبهة النصرة، ومحاولة لكسب مقاتلين جدد من الفصائل الثورية، وعزل الفصائل المنخرطة ضمن العملية السياسية عبر شرعية تمثيل الثورة.

3.    ورثة المجد

في 18/3/2016م أصدرت المنارة البيضاء (المؤسسة الإعلامية التابعة لجبهة النصرة) الفيلم الوثائقي "ورثة المجد 2"، (وكانت قد أصدرت فيلم ورثة المجد 1 في رمضان السابق)، بمناسبة ذكرى الثورة السورية، وليحمل رسائل تؤكد على الخطاب الجديد، وتتضمن رسائل ذكية ومدروسة بعناية.

يعمل إعلام جبهة النصرة باستمرار على إعادة إنتاج صورة الجبهة ومشروعها، ومَوضَعَتِهِ ضمن سياقات أعمّ من تصنيفات خصومه، سواء خصومه المحليين أو الدوليين. وقد تناول الفيلم الوثائقي "ورثة المجد 1"  قصة بدء الإسلام وانتشاره والقادة العسكريين الكبار في التاريخ الإسلامي وحركات مقاومة الاستعمار في البلاد الإسلامية في القرن العشرين وصولاً للجهاد الأفغاني والشيشاني ورموز إسلامية وجهادية حديثة (عز الدين القسام، سيد قطب، عبد الله عزام)،وعرض مشاهد من تدريب كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس التي كفّرها عدد من مرجعيات تنظيم القاعدة والتيار السلفي الجهادي، ليختتم بكلمات زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن. وهي رسالة لموضعة الجبهة ضمن سياق إسلامي عامّ، خارج الحلقة المغلقة للتيار السلفي الجهادي والجهادي المعولم، عدا طبعاً عن تقنيات الصورة والإخراج الحديثة، والاستخدام –الذي تكرر في إصدارات عسكرية ووثائقية لاحقة- لأناشيد كانت ذائعة (بتوجه صانعيها وجمهورهم) بين التيارات الأقرب للإخوان المسلمين (حماس) أكثر مما هي بين التيار الجهادي.

أما "ورثة المجد 2"، فقد تقصّد موْضَعة الجبهة ضمن سياقين أكثر راهنية، حيث استضاف الفيلم لأول مرة متحدثين من خارج جبهة النصرة، ومن خارج تنظيم القاعدة نفسه، كالأستاذ الجامعي السوري (د.سمير الشيخ علي)، وضمّ كلمات مأخوذة من مقابلات مع نعوم تشومسكي، ومقابلات تلفزيونية لمعارضين عرب.

وأظهر الفيلم للمرة الأول صور بعض القياديين في التنظيم:

•    عبد الرحمن عطون (أبو عبد الله الشامي): القيادي وعضو مجلس الشورى في جبهة النصرة والذي تحدّث عن دور النظام العالمي في دعم الثورات المضادة ومحاربة الربيع العربي لتكريس موقع جبهة النصرة كممثل للثورات الشعبية.
•    أحمد سلامة مبروك (أبو الفرج المصري): من رموز جماعة الجهاد المصرية، ورفيق أيمن الظواهري، والذي سبق أن سُجن أكثر من مرة في مصر، وأُفرج عنه أواخر عام 2012م، لينضمّ بعدها للنصرة.
•    مالك حسين زينبية (أبو مالك التلي)، أمير جبهة النصرة في منطقة القلمون الغربي، والذي عُرف لدوره بمعارك القلمون الغربي وأحداث عرسال والجنود اللبنانيين المختطفين. واشتهر بموقفه الحيادي من تنظيم الدولة حتى بعد الحرب الموسعة عليه من قبل الفصائل الثورية (بداية 2014م) والتي شارك فيها فرع جبهة النصرة في دير الزور على مدى خمسة أشهر (شباط-تموز 2014م)، قبل أن تتوتر هذه العلاقات ويوجه نداء تحذير للتنظيم (تشرين الثاني 2015م)، ثم قيادته حملة ضد التنظيم أواخر آذار 2016م.

ابتدأ الفيلم بالحديث عن النظام العالمي المهيمن، والذي يعتمد على ذراع اقتصادي (صندوق النقد) وسياسي (الأمم المتحدة) وعسكري (مجلس الأمن). واستعان بمقابلات المنظر الأمريكي اليساري المعروف نعوم تشومسكي، لتأكيد هدف القاعدة المتمثل بكسر النظام العالمي، وموضعة القاعدة ضمن حركات الرفض ورد الفعل على عنف النظام العالمي ومنظومة العولمة (دون أن ينفوا نظرتهم للتنظيم كحركة إرهابية)، وهي السردية التي يتبناها عدد من المفكرين الغربيين، لعلّ أبرزهم الفيلسوف الفرنسي جان بودريارد الذي اعتبر أن تنظيم القاعدة عنف مضادّ لعنف العولمة، وكذلك الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، وهي الرواية التي تتقاطع مع حركات اليسار بمعارضتها للنظام العالمي وتتحدى التفسيرات الثقافوية الجامدة حول التيار الجهادي. وقد لا تكون هذه هي الفكرة المُتبنّاه أو ذات الأولوية لدى جبهة النصرة بالضرورة، ولا هي العقيدة التعبوية المستخدمة في المعسكرات، ولا تعني إرادة تقاطع مع أيديولوجيات يسارية أخرى، بقدر ما هي رسالة أراد صانع الفيلم أن يوصلها ليكسر الجمود التصنيفي حول الجبهة وأيديولوجيتها لدى الخصوم.

أما الرسالة الأكثر إلحاحاً وتركيزاً في الفيلم، فقد كانت سردية الثورة السورية التي تم استعراض بدايتها ومراحلها بدءاً من الانتفاضة الشعبية إلى المظاهرات الحاشدة إلى التوجه نحو السلاح. ويستعرض الفيلم عمليات مبكرة لجبهة النصرة وفي جبهات مختلفة، وتتقدم بالشريط الزمني حتى العام الراهن. وقد كان القصد موضعة جبهة النصرة ضمن السياق الثوري المحلي وسيرورة الثورة السورية الخاصة، دون نفي البُعد العالمي والانتماء لتنظيم القاعدة، لأن الفيلم استضاف متحدثين من القياديين المهاجرين داخل سورية (أبو الفرج المصري)، ومن قيادات تنظيم القاعدة اليمني (خالد باطرفي)، وهي سياسة دمج الأبعاد التي اعتمدتها جبهة النصرة في بدايتها، ولكن مع تأكيد مركز على الانتماء للسياق الثوري، وشرعية جبهة النصرة في تمثيل الثورة السورية، وعدم انحصارها ضمن السياق الجهادي المعولم بمصطلحاته أو أنصاره.

رابعاً: الافتراق المحتوم

لم تنجح مبادرة الجولاني (اندماج جيش الفتح) في كسر الاحتقان المتراكم ما بين جبهة النصرة والفصائل الثورية حتى المصنفة كإسلامية منها (أحرار الشام)، أو في ضمّ هذه الفصائل لمشروع يقوّض احتمالية انعزالية مشروع الجبهة عن مشروع الفصائل الثورية المحلية. ورغم الخطاب الثوري المرن فقد تكررت الصدامات التالية:

أولاً: بين جبهة النصرة والفعاليات الثورية المدنية ضمن المظاهرات الشعبية التي نشطت خلال آذار 2016م بعد سريان الهدنة ومع الاحتفال بذكرى الثورة السورية، كما حصل في مدينة إدلب (وعدة مناطق في ريف إدلب الغربي ذات النفوذ العالي لجبهة النصرة) حيث تم قمع مظاهرة شعبية وأصدر جيش الفتح قراراً بمنع رفع علم الثورة السورية داخل المدينة.

ثانياً: ما حصل بين جبهة النصرة والفصائل الثورية بعد هجومها على الفرقة 13 في معرة النعمان (13/3/2016م)، حيث تعتبر معرة النعمان ومظاهراتها (وكذلك الأتارب وكفرنبل وغيرها) أحد الحواضن الرئيسة للخطاب الثوري الأكثر قُرباً للجيش الحر والمصادم للتيار السلفي الجهادي والجهادي المعولم (ما يسمى في التداول الشعبي: إخوة المنهج)، ما أعاد التذكير بحملة الإمارة، وشجّع المخاوف بين الفصائل الثورية من تجدد الحملة وهجوم الجبهة عليها لتفكيكها، وما أنتج ردة فعل قوية في الفضاء العام.

ثالثاً: تأسيس "جيش الفسطاط" (15/3/2016) في الغوطة الشرقية، كخصم لجيش الإسلام كما كان واضحاً منذ البداية، وكما تأكد في مشاركته العنيفة ضد جيش الإسلام منذ بداية أحداث الغوطة الشرقية الأخيرة (28/4/2016م)، وبتصعيد كبير في خطاب التخوين والتكفير ضد الجيش، كما أظهرت كلمات شرعيي جبهة النصرة في الغوطة الشرقية، أو كلمات قادتها وأنصارها بشكل عام.

وقد زادت هذه الحوادث من مسافة الشرخ بين جبهة النصرة والفصائل والحواضن الثورية، وتنامى شعور هذه الفصائل بالتهديد المتفاقم والخشية من هجوم الجبهة عليها، وهو ما زاد من التقارب فيما بينها، وقد يؤدي لتحالفات عسكرية مؤسسية أكثر تماسكاً فيما بينها ضمن الفترة القادمة.

وقد أظهرت هذه الصداماتُ براغماتية المرونة المرحلية لخطاب جبهة النصرة، وأنها لم تعكس تطوراً فكرياً أو تحولاً استراتيجياً في سياسة الجبهة مع المجتمع المحلي والفصائل الثورية أو مع مشروع "الإمارة". وقد كانت المفارقة أن الجبهة تحاول تمثيل الثورة في الإعلام، بينما تصطدم بتمثيلات الثورة المدنية والعسكرية على الأرض.

هذا إضافة إلى ما أظهرته هذه الصدامات من صعوبة إلغاء التمايز الرمزي عن الفضاء الثوري بشكل سريع، وهو التمايز الذي حاول منظرو الجبهة تكريسه لدى عناصرهم خلال سنوات، بالتركيز على تمثيل الشريعة والجهاد والعالمية في مقابل تمثيل الفصائل الأخرى لمشاريع مضادة لهذه الأهداف، إضافة إلى كون هذا التمايز أحد عوامل الجذب والتعبئة وترسيخ الانتماء لدى هؤلاء العناصر، لما يمنحه من سايكولوجيا التفوق.

خامساً: التحول للنفير

مع عدم تحقيق الخطاب الثوري الذي تبنته الجبهة خطوات تقارب مع الفصائل والحواضن الثورية، وعدم نجاح الرهان على كسب مقاتلي هذه الفصائل عبر مهاجمة الهدنة، وذلك بسبب سياسات الجبهة نفسها واصطدامها معهم، ودون أن يؤثر ذلك على التحالف الميداني بين جبهة النصرة والفصائل الثورية في جبهات القتال ضد النظام (خاصة ريف حلب الجنوبي)، فقد تحول تنظيم القاعدة لخطوة أخرى، دون أن تغيب معالم الخطاب الثوري تماماً عن شعاراتها، بعدما تمّ كسر "تابو" المصطلحات الثورية عملياً بكلمة الجولاني.

1.    حملة انفرْ

في (20/4/2016) أعلن الشيخ السعودي عبد الله المحيسني، وهو داعية مقرب من جبهة النصرة ويحظى بشعبية ضمن التيار الجهادي، عن إطلاق "حملة انفرْ" برعاية "مركز دعاة الجهاد" الذي يرأسه، بهدف دعوة الشباب للالتحاق بالجهاد، وكان شعار الحملة:

"قطع المجاهدون آلاف الكيلومترات لينصروا إخوانهم المستضعفين في الشام، فأين أنت يا ابن الشام؟"

وهو خطاب يستعيد -وإن بشكل أخف- أدبيات التنظيمات الجهادية المعولمة في سورية، الذي يرى "المهاجر" أعلى رصيداً من حيث الرأسمال الرمزي والشرعية الجهادية، مقارنةً بأبناء البلد "الأنصار"، والذي استخدم من قبل هذه التنظيمات كـ "خطاب سلطة" في مواجهة المجتمع المحلي، لإثبات أحقية المهاجر بتمثيل الجهاد وبالتالي بالحكم.

أقيمت مهرجانات خطابية في المناطق المحررة والمخيمات الحدودية، إضافة إلى حملات إعلامية كبيرة تدعو للانضمام للمعسكرات التدريبية للحملة والتي ستوزّع المتطوعين على الفصائل. ومن الطبيعي أن تحظى الفصائل الأقرب للتيار الجهادي (وفي مقدمتها جبهة النصرة) بنسبة أكبر من المتطوعين، بحكم توجهات مركز دعاة الجهاد نفسه. ولكن تواضع الأعداد المنضمة للحملة مقارنة بحجم الضخ الإعلامي، وتدنّي المستوى العمري بينهم كما أظهرت الصور، لا يجعل للحملة تأثيراً حقيقياً على قوة وعدد جبهة النصرة أو غيرها، ولكنه يُعيد إحياء مفهوم "النفير" ودعوة "شباب المسلمين" للتطوع للجهاد، بعد مرحلة طويلة من انخفاض عدد "المهاجرين الجدد" إلى سورية، عدا عن توجه النسبة الأكبر منهم إلى تنظيم داعش منذ إعلانه، وشبه استقرار المقاتلين المحليين ضمن فصائلهم. وقد أتت استجابةُ أو استكمالُ الحملة من مكان مختلف.

2.    كلمة الظواهري: انفروا للشام

في (8 أيار 2016م) نشرت مؤسسة السحاب كلمة صوتية لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بعنوان "انفروا للشام"، لتظهر أكثر لأنصار القاعدة وجمهورها التماهي ما بين التنظيم الأم وجبهة النصرة، في الخطاب والاستراتيجية، مع تصعيد أكبر، أو عودة بالأحرى، للسقف الجهادي التقليدي وشعاراته.

ولئن كانت كلمة أسامة بن لادن الأخيرة عن ثورات الربيع العربي في بدايتها قد أثارت جدلاً بين الباحثين، بالنظر إلى مديح تنظيم القاعدة لمظاهرات سلمية تنادي بالتغيير الديمقراطي، فإن نهج تنظيم القاعدة لم يختلف جذرياً وقتها، رغم أن قادة التنظيم مروا بمرحلة من القلق بسبب تزعزع نظريتهم حول استحالة التغيير السلمي بعد سقوط نظامي مصر وتونس، ومحاولة التكيف الأيديولوجي (الخطابي بالأحرى) مع مطالبات التغيير السلمية عبر محاولة رفض فكرة التصادم بين خطابي "القاعدة" والربيع، وتوجيه الأخير نحو أهداف "القاعدة" بإقامة دولة إسلامية.

ولم تكن تلك مرحلة وفاة تنظيم القاعدة كما استعجل البعض، وعلى النقيض من ذلك فقد كانت موجة الثورة المضادة وقمعُ الأنظمة الديكتاتورية للحركات الشعبية أحد مسببات ازدهار أيديولوجيا القاعدة وتنظيمها في المشرق العربي، ولذلك فإن الإشادة المبكرة بالربيع العربي تندرج ضمن خطاب التضامن والصورة الحسنة، بينما الإشادة بالثورة السورية في كلمة الظواهري الأخيرة عن الثورة السورية باعتبارها تمثل "الجهاد الصحيح" ونعي الثورات الأخرى فهي تندرج ضمن خطة وخطاب مشروع التيار الجهادي المعولم.

لم يعد أيمن الظواهري هنا متضامناً عن بُعد مع انتفاضات شعبية غير مؤدلجة، بقدر ما أصبح أيضاً ضمن المتنافسين على تمثيل الثورة السورية، ويطلق أحكامه حول الصواب والخيانة فيها، بناء على تحول خطاب النصرة نحو تبني مفردات من الخطاب الثوري وتأكيدها على تمثيل الثورة السورية. ولكن كلمة الظواهري وعاطفته المعلنة تجاه الثورة السورية تأتي في سياق مشروع الجهاد العالمي وأهدافه، لا لتأكيد محلية المشروع كما حرص الجولاني في جميع مقابلاته أن يقول.

وكما تبنّت كلمة الظواهري خطاباً مطعماً بمفردات الثورة السورية وهتافات مظاهراتها، أسوةً بخطاب جبهة النصرة الجديد، فإنها تبنّت –مثلها أيضاً- تخوين المنخرطين ضمن العملية السياسية أو من أرادوها دولة "وطنية"، وهو ما يشمل جميع الفصائل الثورية. ولكن الكلمة تمثل تصعيداً خطابياً (بعد مرونة خطابات النصرة الأخيرة) أو عودةً بالأحرى إلى السقف الجهادي التقليدي في تكفير الدول (خاصة السعودية التي تكرر ذكرها) وتخوين التيارات الأخرى، وتأكيد عالمية مشروع الجهاد.

كررّت كلمة الظواهري الحديث بإيجابية ومديح عن الثورة السورية التي يراها بأنها: “الثورة الشعبية الوحيدة بين ثورات الربيع العربي التي انتهجت الطريق الصحيح، طريق الدعوة والجهاد لإقامة الشريعة وتحكيمها، والسعي لإقامة الخلافة الراشدة، لا خلافة إبراهيم البدري"

وأكد على فضل "مجاهدي الشام" عدة مرات وهم الذين " ثبتوا ولم تزحزحهم الخدع والأكاذيب"، والتي يقصد بها خاصة العملية السياسية التي شاركت بها الفصائل الثورية بعد مؤتمر الرياض، حيث تعتبر السعودية عدواً تاريخياً بالنسبة لتنظيم القاعدة، وتتكرر مهاجمتها في خطاب قائد التنظيم أضعاف تكرار ذكر إيران:

"إن واجبنا اليوم هو أن ندافع عن الجهاد في الشام ضد المؤامرات التي تحاكُ له، والتي تتولّى كبرها ربيبة بريطانيا وتابعة أمريكيا، دولة آل سعود وذيولها من دول المنطقة".

ولا يقتصر الظواهري على الشأن المحلي في سورية، بقدر ما يعطي للتيار الجهادي فيه مهمة إقليمية مؤجلة:"المشكلة الكبرى للنظام العالمي ومجرميه، ولحكامنا وأنظمتهم المرتدة، أن مجاهدي الشام يقفون على حدود فلسطين، ويهددون ما يسمونه إسرائيل.

وبعد هذه المقدمات يصل الظواهري للنتيجة أو واجب التيار الجهادي العالمي إزاء "الشام":
"واجبنا اليوم أن ندعم الجهاد في الشام بكلّ ما نستطيع، وأن ننفر لنصرته خفافاً وثقالاً... حتى يقوم فيه كيان إسلامي مجاهد راشد".

وخطاب الظواهري عن الثورة السورية بهذا التخصيص وتحديد الأهداف حسب سقف التنظيم وأهدافه، هو محاولة استدخال للثورة ضمن مشروع القاعدة، أكثر مما هو تصالح حقيقي مع الثورة الشعبية، على النقيض من ذلك، فإن الكلام باسم الثورة محاولة كسب لشرعية مساعدة على الاصطدام مع عموم تمثيلات الثورة التي تخالف توجهات تنظيم القاعدة.

تناول الظواهري بالقسم الأكبر من الكلمة قضية فك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة ونظرته لوحدة المجاهدين، بعد القول إن " مسألة الوحدة اليوم هي قضية الحياة أو الموت لكم"، وللتأكيد على ذلك "لقد قلناها مراراً وتكراراً إن أهل الشام -وفي القلب منهم مجاهدوهم البواسل الميامين- إذا أقاموا حكومتهم المسلمة، واختاروا لهم إماماً، فإن ما يختارونه هو اختيارنا". أما صفات هذه الحكومة فإنها “تنشر العدل وتبسط الشورى وتعيد الحقوق وتنصر المستضعفين وتحيي الجهاد فتحرر البلاد وتسعى لتحرير الأقصى وإعادة الخلافة على منهاج النبوة"، وعند تحقيق هذه الحكومة: “لن يكون الانتماء التنظيمي يوماً ما عقبة في وجه هذه الآمال العظيمة".

وهي صياغة ملتبسة متعددة المعاني لا تشير صراحة إلى فك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة فيما لو اجتمع أهل الشام على حكومة راشدة، هذا طبعاً مع تحديد شروط هذه الحكومة الراشدة ضمنياً بكونها تتبنى أيديولوجياً تنظيم القاعدة، واتهام من يطالب النصرة بفكّ ارتباطها بالقاعدة بكونه جزءاً من مؤامرة وهذا يشمل جميع الفصائل الثورية (حتى إسلامية التوجه منها كأحرار الشام).

ولذلك لا يجب فهم كلام الظواهري عن التوحد أو التلميح لفك الارتباط أو مديح "مجاهدي الشام"، باعتباره تنازلاً أو مرونة مع الفصائل الأخرى كما أشارت بعض التحليلات، بقدر ما هو تأكيد على الافتراق المحتوم ما بين المشروع الثوري ومشروع التيار الجهادي، ودعوة (أو تمهيد) لجبهة النصرة للمضيّ في مشروع إقامة الإمارة في الشمال السوري، وتمهيد لصدامات أكبر مع خصوم التيار الجهادي المحليين.

إن عنوان الكلمة الصريح "انفروا للشام"، واعتبار أي طرح تتبناه الفصائل الثورية بالعموم كخيانة أو كفر، وتأكيد افتراق مشروع التيار الجهادي عنهم، مع الاستشهاد ذي الدلالة بكلمات زعيم الطالبان الراحل الملا عمر حول حمايته لأسامة بن لادن، يؤكد على استراتيجية التنظيم الأم الذي بات يعتبر أن مركز ثقله يقع في سورية (أو في الشمال السوري تحديداً حيث مركز ثقل ونفوذ جبهة النصرة بين المناطق السورية).

يأتي هذا الطرح بعد مرحلة من الانتكاسات التي أصيب بها تنظيم القاعدة خلال السنوات السابقة، بعد خروج تنظيم القاعدة من أفغانستان منذ عدة سنوات بضغط من الطالبان، وبعد إضعاف فرع اليمن (قاعدة الجهاد في جزيرة العرب) بشكل كبير باغتيال معظم رموزه في السنتين الماضيتين وبخروجه السريع من المكلا مؤخراً، وبعد هيمنة تنظيم داعش على الفضاء الجهادي المعولم، وبعد انتقال عدد كبير من قيادات خراسان إلى سورية خلال الفترة السابقة.

ولكن محدودية وحساسية الموقع الجغرافي لجبهة النصرة، وتركيز التحالف الدولي عملياته في المنطقة، عدا عن زخم التركيز الدولي على سورية، وتزايد الخصوم الداخليين للقاعدة بين الفصائل والمجتمعات المحلية، يجعل التفكير صعباً باتخاذ الشمال السوري كمركز دائم لقيادة التنظيم، ومحفوفاً بمراقبة دولية مكثفة لا يمكن أن تسمح بقيام كيان لتنظيم القاعدة على مدى طويل، ولا يحظى هذا الكيان بعمق جغرافي كافٍ للاختباء وإعادة الانتشار (كالعراق وأفغانستان ولبيبا واليمن)، ولا بقاعدة شعبية أيضاً، مع تزايد الشرخ ما بين جبهة النصرة والحواضن الثورية، وهو ما يشكك بالتحليلات التي تذهب إلى أن الظواهري وقيادة التنظيم انتقلت إلى سورية.

3.    حمزة بن لادن

بعد يوم واحد فقط من كلمة أيمن الظواهري، وبرسائل مشابهة، نشرت مؤسسة السحاب كلمة حمزة بن أسامة بن لادن، نجل زعيم تنظيم القاعدة السابق، بعنوان "ما القدس إلا عروس مهرها دمنا". وكان التركيز على الموضوع السوري واضحاً في الكلمة رغم أن موضوعها حول فلسطين، ويعلّل ذلك حمزة بن لادن بالقول عن تحرير القدس، داعياً كالظواهري إلى "توحيد صفوف المجاهدين في الشام" في سبيل هذا الهدف:
"خير الميادين المهيأة لهذه المهمة هي ميدان الشام المبارك ويجب أن نتذكر أن الطريق لتحرير فلسطين اليوم أقرب بكثير مما كان عليه قبل الثورة السورية المباركة، فعلى الأمة أن تصب اهتمامها بالجهاد في الشام". ومن الواضح أن الكلمة تمثل دعوة أخرى لأنصار التيار الجهادي للتوجه نحو سورية، تأكيداً لدعوة أيمن الظواهري نفسه، ولحملات "النفير".

4.    أبو عبد الله الشامي

في 25/5/2016م نشرت مؤسسة المنارة البيضاء كلمة مصورة للقيادي والشرعي في جبهة النصرة "عبد الرحيم عطون" (أبو عبد الله الشامي)، بعنوان "ماضون في نصرتكم".

ويعتبر الظهور الثاني للشامي بعد فيلم "ورثة المجد 2" بهدف ترويج الجبهة لرموز جديدة للأنصار والجمهور، وإن لم تكن جديدة بالنسبة لعناصر الجبهة، حيث يعتبر الشامي أكثر الشرعيين تأثيراً ضمن اللجنة الشرعية ومجلس الشورى لجبهة النصرة، حتى حين تمت تسمية سامي العريدي كشرعي عام للجبهة، عدا عن كونه من الأقلية السورية فيها حسب الأسماء المتداولة لأعضاء اللجنة (أبو سليمان المهاجر: أسترالي الجنسية مصري الأصل، أبو مارية القحطاني: عراقي، سامي العريدي: أردني، أبو عبد الله الشامي: سوري).

وتستخدم الكلمة مفردات ثورية (الحرية، الكرامة...الخ)، في إطار التركيز على التقارب الخطابي مع الحاضنة الثورية الذي بدأه الجولاني، إضافة إلى الحديث عن دور الولايات المتحدة الأمريكية في الثورة السورية، والذي يراه الشامي داعماً لنظام الأسد، ويعمل على "تصنيف قوى المجاهدين ومحاولة التَّفريق بينهم؛ فقد صنفت جبهة النصرة على قائمة الإرهاب كونها العنصر الفاعل في مواجهة نظام الأسد"، حيث تبعت ذلك بالاستهداف العسكري لجبهة النصرة، والذي استهدف عدة اجتماعات لقادة الصف الأول من جبهة النصرة في الفترة الأخيرة، وكان آخرها اجتماع قياديين للجبهة في مطار أبو الضهور وهم الذين نعاهم الشامي.

ويرسل الشامي تهديداً للولايات المتحدة عبر كلمات مثل "ذنب لا يُغفر" و "طلب الثأر" نتيجة سياستها في سورية:
"أمريكا باستهدافها لهذه القوة المجاهدة، قد وضعت نفسها أمام غضب شعبي متمثِّل بغضب الشعب المسلم في الشام، ويُمدُّه غضب أمةٍ إسلاميةٍ كاملة ترى جرائم بشار صباح مساء، وعلى كامل رقعة سورية. وسيبقى هذا الشعب المسلم الصابر المصابر المجاهد المرابط يطلب ثأره ممن زاد في معاناته ودافع عن جلاده".

ورغم تكرار الجولاني في معظم مقابلاته محلية الإطار العسكري لنشاط جبهة النصرة، وأنه لن يستهدف دولاً أخرى، فإن تهديد الولايات المتحدة يأتي كتأكيد لانتماء جبهة النصرة لمشروع الجهاد العالمي، وفي السياق العام لتركيز قادة تنظيم القاعدة على أهمية "الجهاد في الشام" في كلماتهم الأخيرة، لإظهار تقارب أكبر ما بين التنظيم الأم والفرع الشامي الذي أضحى أقوى مراكزه، بالنظر إلى تفكك وتراجع قوة فروع القاعدة فالأخرى، وانتقال عدد كبير من قيادات القاعدة من أفغانستان أو إيران (حيث كانوا محتجزين) إلى الفرع الشامي.

ولعلّ تهديد الشامي لا يعكس نية فعلية لتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة، بقدر ما يندرج ضمن خطاب رفع المعنويات وأيديولوجيا الحشد والتعبئة لعناصر الجبهة والقاعدة بالعموم، من خلال شخصية قيادية سورية محلية، فهو يجمع ما بين السياقين في الآن نفسه.

خاتمة

تستلزم القراءة الصحيحة لخطاب تنظيم القاعدة في سورية إدراك مستوياته وسياقاته ورسائله، وعدم المطابقة ما بين الخطاب المعلن والأيديولوجيا التعبوية والقناعات الحقيقية والاستراتيجية العملية، فهو خطاب سياسي أكثر مما هو خطاب أيديولوجي بحت، خاصة بالنسبة للخطاب الموجه للعموم في المرحلة الأخيرة.

وقد أظهرت جبهة النصرة منذ مشروع الهدنة براغماتية تجاه استخدام المفردات الثورية وحاولت عبر التقارب الخطابي مع الحاضنة الثورية للتنافس على شرعية تمثيل الثورة، في مواجهتها للعملية السياسية التي أفرزها مؤتمر الرياض وتوافق الفصائل على مرجعية سياسية، مع هيمنة الخطاب الثوري وعودة شعارات الجيش الحر للفضاء العام، وبدلاً من مصادمة المشروع الثوري، فإن خطاب الجبهة أراد تسويق مشروعه من خلال هذا الخطاب الثوري الجديد.

ولكن الانتماء الظاهر إلى تنظيم القاعدة وعُقدة التمايز عن الفصائل الثورية التي ترسخت لدى عناصر الجبهة خلال أربع سنوات، إضافة لمشروع جبهة النصرة نفسه، وشعورها بالتهديد من دخول الفصائل ضمن عملية سياسية دولية، دفع للاصطدام بتمثيلات الثورة المدنية والعسكرية، كما ظهر بقمع المظاهرات الشعبية التي ترفع علم الثورة وبالهجوم على الفرقة 13، حيث لم يفد خطاب التقارب مع الثورة في دمج جبهة النصرة ضمن شعارات الثورة ومظاهراتها، ولكن على النقيض من ذلك حاولت جبهة النصرة أن تصوّر مشروعها باعتباره مشروع الثورة الحقيقي، كقوة مساعدة ضد المنافسين الثوريين.

ولم ينجح خطاب النصرة الموجه للحاضنة الثورية والمنافس على شرعية تمثيل الثورة، في إقناع عناصر الفصائل الثورية بأن فصائلهم وقعت بخيانة لاشتراكها في العملية السياسية والهدنة المؤقتة، ولا في كسب مقاتلين جدد من هذه الفصائل، وهو ما تلاه تحوّل مكثف لإظهار مزيد من التماهي ما بين النصرة وتنظيم القاعدة الأم، كمحاولة لكسب متطوعين جدد من "المهاجرين"، من خلال العودة للسقف التقليدي للخطاب السلفي الجهادي وإرسال دعوات النفير إلى الشام وتأكيد شرعية تمثيل الجهاد العالمي.

ولا يعني التحوّل الخطابي تحولاً استراتيجياً بالضرورة، بقدر ما أن انزياح هذا الخطاب المتغير باستمرار نحو مفردات ثورية محلية أو جهادية عالمية، وزخم الكلمات والإصدارات التي أصدرها تنظيم القاعدة حول سورية في الأشهر الأخيرة موضوع الدراسة، يوحي بوجود اختلافات داخلية تعصف بالتنظيم، وحالة من التوتر والتخبط إزاء خيارات التعامل مع الواقع، فكما أن الانزياح الثوري في خطاب الجولاني لم ينعكس على تقارب مع الفصائل والحواضن الثورية، فإن الانزياح نحو الجهاد العالمي مؤخراً لا يعني بالضرورة إلغاء إمكانية فك الارتباط بتنظيم القاعدة، رغم أن النصرة أصبحت مركز ثقل التنظيم الأكبر (وشبه الوحيد) ورغم انتقال عدد كبير من قادة التنظيم الأم إلى جبهة النصرة، كما لا يعني تهديد شرعي جبهة النصرة (أبو عبد الله الشامي) للولايات المتحدة بأن الجبهة تخطط فعلاً لعمليات عسكرية خارج سورية.

وتقف جبهة النصرة على مفترق طرق صعب، ما بين التحولات السياسية الدولية من جهة والتي أصبحت أقرب لدعم موقف نظام الأسد وقوات سوريا الديمقراطية وإضعاف الثورة السورية بالعموم سياسياً وعسكرياً، والاستقطاب المتزايد ما بين جبهة النصرة من جهة، والفصائل والحواضن الثورية من جهة ثانية، والخلافات الداخلية فيما بين المؤيدين للاندماج في المشروع المحلي والداعمين للتماهي مع تنظيم القاعدة الأم من جهة ثالثة. وأمام هذه التحديات الموضوعية والذاتية لا يمكن أن تكفي تحولات خطابية مؤقتة في علاج مشكلة تتعلق بجذور المشروع واستراتيجيته العامة.

التصنيف أوراق بحثية

أجرت قناة TRT العربية لقاء تلفزيونياً ضمن برنامجها "لقاءات تركيا" مع نائب المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور سنان حتاحت، وأستاذ قسم العلاقات الدولية بجامعة إستانبول التجارية أحمد يوكلايان وذلك بهدف الحديث عن دور المنظمات الدولية في مكافحة الإرهاب.

لمشاهدة الحلقة كاملة انقر لى الرابط التالي:https://youtu.be/oN6wPZ1QcYw

عقد مركز صحيفة الصباح اليومية لدراسة السياسات في تركيا مؤتمراً على مدار يومي 10 و11 نيسان / إبريل 2016. ركز فيه على المشهد السياسي والاجتماعي في تركيا وانعكاساته على الصعيدين الإقليمي والعالمي. بغية توفير فهم واسع ومتسق من خلال تلاقح عدد من الآراء ووجهات النظر التي ناقشها وحللها جمع من الأكاديميين والباحثين وصناع القرار.

كان أبرزهم؛

  • الأستاذة فاطمة سيرين يازكان نائب مدير المخابرات والأمن في وزارة الشؤون الخارجية؛
  • البروفسور خلدون يالتشن كايا أستاذ ورئيس قسم العلاقات الدولية في جامعة الاقتصاد والتكنولوجيا في أنقرة.
  • الدكتور مسعود أوزكان، رئيس الأكاديمية الدبلوماسية في وزارة الخارجية التركية؛
  • البروفيسور بيرول أكغون، المدير العام لمعهد التفكير الاستراتيجي؛
  • البروفيسور علي مراد ييل، أستاذ في جامعة مرمرة، كلية الاتصالات في اسطنبول؛
  • الأستاذ صادق أوناي، خبير في الاقتصاد السياسي والدبلوماسية الاقتصادية في مركز سيتا؛

وعلى مدار اليومين جاء المؤتمر بأربع جلسات ناقشت المواضيع التالية:

  1. "السياسية والاقتصاد في عصر ما بعد الانتخابات في تركيا".
  2. "الأزمة السورية وآثارها الإقليمية والعالمية".
  3. "إدارة أزمة اللاجئين: دراسة التجربة التركية".
  4. "مكافحة ظاهرة الإرهاب".

وضمن الجلسة الثالثة للمؤتمر برزت مشاركة مركز عمران للدراسات الاستراتيجية. حيث تولى عضو مجلس إدارة المركز الدكتور ياسر تبارة تسيير نقاش الجلسة التي تحدث فيها كلاً من البروفسور إبراهيم كايا أستاذ في كلية الحقوق في جامعة إسطنبول، والأستاذ أنيس بيرقلي الباحث في الدراسات الأوروبية في سيتا، والأستاذ بورا البيركتار الممثل عن اسطنبول ومراسل في يورونيوز.

وفي الختام يجدر الذكر أن مركز صحيفة الصباح اليومية لدراسة السياسات في تركيا. يصدر صحيفته التركية باللغة الإنكليزية بعنوان Daily Sabah.

التصنيف أخبار عمران

حضر الباحث ساشا العلو من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، فعالية مؤتمر امتدت على مدار اليومي 9 و10 نيسان/إبريل 2016، والتي نظمها منتدى الشرق، تحت عنوان "إعادة التفكير بالعنف والتطرف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، والذي أقيم في مدينة اسطنبول التركية.

افتتح اليوم الأول من الفعالية بكلمة لمستشار وزير العلاقات الدولية في جنوب إفريقيا، وسفير جنوب إفريقيا السابق في لبنان وليبيا وسورية، محمد دانكور، إضافة إلى كلمة رئيس البعثة التركية في المجلس الأوربي وعضو البرلمان عن حزب العدالة والتنمية، طالب كوجكان، في حين ألقى الكلمة الرئيسية في الافتتاح، المتحدث باسم الرئاسة التركية والمستشار الخاص للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إبراهيم كالن.

حملت الجلسة الأولى من الفعالية عنوان "تاريخ وسياق نشأة تنظيم الدولة"، الجلسة التي أدارها، مسؤول الأبحاث في منتدى الشرق، غالب دالي، وضمت ثلاثة باحثين. حيث ابتدأ الجلسة، الباحث في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، يحيى القبيسي، عبر تقديم ورقة تحت عنوان " فهم نشأة داعش في سوريا والعراق"، في حين قدم الصحفي، ديفيد هيرست، ورقة حاول من خلالها الإجابة عن سؤال "لماذا ظهرت داعش في الشرق الأوسط؟" لتنتقل الجلسة إلى ورقة الباحث عمر عاشور، عن جامعة Exeter، بعنوان، "تنظيم الدولة: تناقض البقاء والتمدد"، لتنتهي الجلسة الأولى بورقة الدكتور محمد مختار الشنقيطي، داعش والثورات العربية المضادة: منظور تاريخي.

تناولت الجلسة الثانية من الفعالية؛ الأسس الأيديولوجية للجماعات المتطرفة، الجلسة التي أدارها، مسؤول الدراسات الأمنية في مؤسسة SETA التركية، مراد يشلتاش، وضمت 3 من الخبراء، حيث بدأت الجلسة بتفكيك الجذور الإيديولوجية لتنظيمي داعش والقاعدة، عبر ورقة بحثية قدمها، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، شفيق شقير، في حين طرحت إشكالية "القومية السنية أو التزمت الإسلامي" (بيورتانية إسلامية) عبر ورقة للدكتور عماد شاهين، عن جامعة جورج تاون. لتختتم الجلسة بورقة الدكتور، رمضان يلديريم، عن جامعة اسطنبول، تحت عنوان؛ " بين السلفية، البعثية، والعنف".

ركزت الجلسة الثالثة على محاولات " إعادة تشكيل تصور لتنظيم الدولة الإسلامية"، وذلك من خلال مناقشة ثلاث أوراق، أشرفت على إدارة النقاش فيها، الباحثة الزميلة في معهد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في جنوب إفريقيا، ناديرا منشي.

ابتدأت الجلسة بورقة تحت عنوان، " هل داعش تنظيم ثوري" للباحث، ابراهيم حلاوي، عن Royal Holloway university، لتكمل الجلسة بورقة منسق الدراسات الأمنية في مؤسسة Orsam، Haldun yalcinkaya، متناولة إشكالية " الجيل الجديد من الإرهابيين الأجانب"، لتنتهي الجلسة الثالثة والأخيرة من اليوم الأول، بورقة الباحث عن جامعة كامبردج، خوسيه مارتينيز، والتي تناول فيها إشكالية " بناء الدولة في ظل سيادة متنازع عليها".

بالمقابل شكلت الفعالية مجالاً هاماً للتفاعل بين باحثين من مختلف أنحاء العالم، وملتقى لتبادل الرؤى حول إشكالية الإرهاب في الشرق الأوسط والجماعات المتطرفة.

يذكر أن الباحث، ساشا العلو، قدم دراسة ضمن الكتاب السنوي لمركز عمران، تحت عنوان "الإرهاب كمدخل في وأد الثورة السورية"، الدراسة التي حاولت تفكيك إشكالية الإرهاب في الملف السوري عبر دراسة سلوك الفاعلين المحليين والدوليين والإقليمين ضمن الملف السوري. إضافة إلى عدد من الأوراق التي تناولت إشكالية حضور التنظيمات العابرة للحدود في الثورة السورية. 

التصنيف أخبار عمران

نظم مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة بحثية بعنوان "المشهد السوري والتهديد الأمني"، بالتعاون مع مركز "سيتا SETA" للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي، وذلك في مدينة اسطنبول.

افتتح الدكتور عمار القحف، المدير التنفيذي لمركز عمران الندوة بكلمة ترحيبية، أوضح خلالها أهمية هذه الندوة والأوراق المطروحة فيها، وأشار إلى إطلاق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية لكتابه السنوي الثاني بالتزامن مع الذكرى الخامسة للثورة السورية.

شارك في الندوة كل من الباحثين: الأستاذ معن طلاع، والأستاذ ساشا العلو، من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية. وجان آجون، ومراد يشيلتاش، من مركز SETAللدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأدارها الباحث طلحة كوسيه من مركز SETA.

في وقته "الارتدادات الأمنية للسلوك الدولي والإقليمي في سورية"، تحدث الباحث معن طلاع عن سلوك وسياسات بعض القوى الدولية (الولايات المتحدة وروسيا) والإقليمية (إيران وتركيا ومصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي) تجاه الملف السوري، وكيف انعكست ارتدادات أمنية على المشهد السوري، مبيناً أهم مميزاته وانعكاساته.

أما الباحث ساشا العلو، فقد حاول في ورقته "الإرهاب كمدخل في وأد ‏الثورة السورية"، تفكيك حركية "الإرهاب" في الثورة السورية، وفقاً لسلوك الفاعلين المحليين الإقليمين والدوليين في الملف السوري، وتبيان أثر تلك السلوكيات على تنامي الإرهاب وتأثيره على التموضع السياسي العسكري للمعارضة السورية، ومساهمته في نقل الإرهاب من متحول في المعادلة السورية إلى ثابت على حساب القضية السياسية.

وفي ورقته، تحدث الباحث مراد يشيلتاش من مركز سيتا، عن انهيار المنظومات الامنية في المنطقة بسبب إطالة أمد الأزمة السورية، وعن آثار عدم التعاون بين هذه المنظومات في مواجهة التحديات المنبثقة عن الأزمة السورية. كما بيّن أن هناك عدة صراعات تؤثر على الأمن في المنطقة هي الصراع العربي الاسرائيلي، والأزمة العراقية، وأزمات المتفرعة عن الجماعات المتشددة في شمال افريقيا. وأشار الى الصراع الطائفي في المنطقة وتناميه في الآونة الأخيرة، ودور بعض الدول في تغذيته.

في كلمته، اعتبر الباحث جان آجون أن انهيار النظام الأمني في سورية أدى الى انتشار الجماعات المتشددة، الدينية والعرقية، التي تقاسمت هذه الأدوار الأمنية كتنظيم داعش والنصرة و"PYD". وأوضح الباحث أن تركيا حاولت ضم تنظيم "PYD" إلى المعارضة السورية وفك ارتباطها بالنظام السوري وPKK في بداية الثورة، وأن الدعم الغربي لهذا التنظيم دفعه إلى محاولة تصفية أطياف المعارضة الكردية، كالمجلس الوطني الكردي لاحتكار التمثيل الكردي في سورية.

لمشاهدة التقرير المصور انقر على الرابط التالي:https://youtu.be/fuo2eBfaS3M

 

التصنيف الفعاليات

تزامناً مع الذكرى الخامسة لانطلاق الثورة السورية، يطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية كتابه السنوي الثاني، متضمناً عدة دراسات تعنى بأهم تحولات وتحديات الملف السوري، من إعداد مسارات المركز الثلاثة السياسة والعلاقات الدولية، الإدارة المحلية وتعزيز الممارسة الديمقراطية، والتنمية والاقتصاد.

يقدم مسار السياسة والعلاقات الدولية دراستين، الأولى بعنوان "الارتدادات الأمنية للسلوك الدولي والإقليمي في سورية... دراسة تحليلية"، وتفكك سياسات أهم الفاعلين الإقليميين والدوليين تجاه الملف السوري، متلمسةً أهم التداعيات الأمنية لهذه السياسات على معادلات الأمن المحلي والإقليمي، أما الدراسة الثانية، فكانت بعنوان "الإرهاب كمدخل في وأد الثورة السورية... دراسة سياسات"، وتبين حركية "الإرهاب" في المشهد السوري وأثر سلوكيات الفواعل الرئيسة على تناميه، وتستشرف مستويات "الإرهاب" الذي قد تواجهه المعارضة السورية "كخطر" في مختلف مراحل الانتقال السياسي، وترسم ملامح التحرك الاستراتيجي الأمثل تجاه تلك المستويات.

يقدم هذا الكتاب ضمن مسار الإدارة المحلية وتعزيز الممارسة الديمقراطية، دراسة بعنوان "خيارات اللامركزية وامتحان إعادة بناء الدولة في سورية"، تناولت بالتحليل أنماط الإدارة المحلية في سورية، ومعالم نموذج مقترح للإدارة المحلية، وتحديات المرحلة الحالية والانتقالية.

وضمن مسار التنمية والاقتصاد يمكنكم مطالعة دراسة بعنوان "التنمية الاقتصادية المحلية ضرورة للاستقرار الاجتماعي في سورية: دراسة تحليلية"، تركز على واقع التنمية الاقتصادية في المناطق المحررة وتستشرف الأولويات الأساسية لمستقبل اقتصادات هذه المناطق في عام 2016، من خلال تصميم برامج مناسبة تسهم بمجموعها في تحقيق أهداف هذه التنمية.

 

 

التصنيف الكتب