مقالات

تواصل القوات الروسية استهداف كل من يقاتل "تنظيم الدولة" سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد استهدف قصفها الجوي مقار لقوات الجيش الحر في بداية القصف وغيره من الفصائل التي قاتلت التنظيم من بداية 2014 دونما دعم أو دفع من أي جهة إيماناً بأن الإرهاب دخيل على سورية، وما يستدعي الانتباه استهداف الطيران الروسي المتعمد لبنى الإدارة المحلية التي أفرزتها الثورة في المناطق التي خرجت عن سيطرة قوات الأسد منذ عام 2012 لسد الفراغ الإداري والخدمي الناجم عن تغيب النظام لمؤسسات الدولة عن تلك المناطق، كما حصل مؤخراً في القصف الروسي الذي استهدف المجلس المحلي في ريف حلب. وقد تمكنت المجالس المحلية عقب مرور ما يزيد عن الثلاث سنوات على انطلاقتها من ترسيخ نفسها بحسب القدرات والموارد المتاحة لها كهياكل حوكمة محلية ذات دور مركزي في إدارة شؤون مجتمعاتها مستندة في ذلك على شرعية تمثيلها للسكان.

ولعل ما يفسر استهداف الطيران الروسي للمجالس خشية صانع القرار الروسي من نجاح مشروع المجالس في ترسيخ سلطة بديلة متكاملة ذات شرعية، وتمتلك من المقومات ما يمكنها من الاستمرارية والتعامل بمرونة مع متطلبات المرحلة القائمة والانتقالية، وبالتالي نفي الطرح الذي تتمسك به موسكو والمتمحور حول بقاء نظام الأسد كخيار وحيد ضامن للاستقرار وبأنه الأقدر على محاربة الإرهاب وضمان الأمن المجتمعي. وضمن ما سبق يفهم الحرص الروسي على وقف انهيار نظام الأسد وإبقائه قائماً وإعادة إنتاجه وتسويقه إقليمياً ودولياً من خلال الدعم العسكري والسياسي الذي توفره له ومحاربة أي بديل له.

وتجد مخاوف صانع القرار الروسي ما يدعمها، فقد أثبتت المجالس قدرتها على توفير متطلبات الاستقرار لمجتمعاتها وفق الموارد المتاحة لديها وهو ما يمكن ملاحظته من خلال الأدوار التي تقوم بها حالياً في ظل تنامي الصراع والتي تشمل توفير الخدمات الحياتية الأساسية كالمياه والكهرباء والنظافة، ولعب دور تنموي لمجتمعاتها سواءً عن طريق إقامة دورات تأهيل ودعم التعليم أو من خلال إقامة مشاريع تنموية لا سيما في القطاع الزراعي، كذلك تقوم المجالس بلعب دور سياسي لا يمكن إغفاله باعتبارها هيئات برلمانية مصغرة يمارس المواطنون من خلالها حقهم في إدارة شؤونهم من خلال حق الانتخاب والترشيح والمحاسبة. كذلك تعتبر المجالس المحلية أحد أبرز الديناميكات التي تهيئ لطرح سياسي متماسك تبنى عليه المرحلة الانتقالية، حيث أنها تستطيع من إعادة بناء الدولة وتحقيق الأمن المجتمعي ومحاربة الإرهاب وتوفير الخدمات وتحقيق العدالة الانتقالية لقدرتها على التعامل بمرونة مع ملفات المرحلة الانتقالية، ومما يؤكد على ما سبق حضور المجالس في عدة مقاربات سياسية للحل طرحت من قبل عدة جهات ومراكز بحثية لم تلقَ القبول الكافي لترجمتها للواقع.

ولعل ما يزيد من مخاطر القصف الروسي على استمرارية مشروع المجالس قصور المقاربة السياسية في التعاطي مع الشأن السوري سواءً من قبل المبعوثين الدوليين الذين طرحوا عناوين للحل السياسي متناسين أصل المشكلة ومرددين لحجج مثل "وحدة المعارضة"، وأيضاً من قبل داعمي الثورة الذين اهتموا بتقوية هياكل المقاومة الوطنية العسكرية لمقاومة النظام والاحتلال الإيراني والروسي وخطر تنظيم داعش في حين لم يتم التركيز من قبلهم على توفير الدعم الفعلي الواجب لتقوية هياكل الحوكمة المحلية التي  تؤسس لاستقرار الحياة المدنية من خلال ما تقوم به من أدوار بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والهيئات المحلية.

وإضافة إلى ما سبق تواجه المجالس المحلية تحديات تؤثر سلباً على تطوير أدائها واستقرارها كتأطير العلاقة بينها وبين فصائل المقاومة الوطنية وتنمية مواردها الذاتية للتقليل من الاعتماد على الجهات المانحة ذات الدعم غير المستقر والمسيس أحياناً، وترسيخ مفاهيم الحكم الرشيد في ممارستها من خلال التأكيد على سيادة القانون والشفافية ومحاربة الفساد والتخطيط الاستراتيجي الأقدر على التعامل بكفاءة مع جذور المشكلة وليس مع نتائجها كما هو قائم، إضافة إلى تحقيق تكاملية إدارية على مستوى المحافظة الواحدة وبين المحافظات وبالتعاون مع مؤسسات المعارضة الرسمية، وبذلك يتم التأسيس لسلطة متكاملة قادرة على أن تواجه استحقاقات التحالف الثلاثي القائم بين النظام وإيران وروسيا لإجهاض الثورة.

وفي النهاية هي رسالة موجهة للمعارضة وفصائل المقاومة الوطنية والدول الداعمة للثورة بضرورة اتخاذ التدابير لحماية المجالس المحلية من الهجمة الأخيرة التي تتعرض لها من قبل روسيا وإيران وتمكينها بشكل أكبر من القيام بمهامها لخدمة السوريين في تشكيل البديل الإداري وتطوير آليات الحكم الديمقراطي المحلي على أسس جديدة تليق بتضحيات السوريين وتعيد الشعور بامتلاك السوريين لقرارهم الوطني وإدارة مواردهم ومقدراتهم ومؤسساتهم.

نشر على موقع السورية نت: http://goo.gl/qXMm8d

الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
الخميس نيسان/أبريل 29
الملخص التنفيذي مع تراجع سُلطة الدولة المركزية لصالح صعود تشكيلات دون دولتية، منها ذات طابع قومي وديني؛ برزت نماذج مختلفة من أنماط الحكم المحلي في الجغرافية السورية، والتي تأثرت بالخارطة…
نُشرت في  الكتب 
الخميس كانون1/ديسمبر 17
مقدمة تتفق جل الأدبيات المتعلقة بحقل العلاقات المدنية العسكرية بأنها خضوع القوات المسلحة لقيادة مدنية ديمقراطية، وهي عملية معقدة تتطلب إصلاحاً تشريعياً شاملاً، وإصلاحاً للقطاع الأمني بأكمله، وإجراء العدالة الانتقالية،…
نُشرت في  الكتب 
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20
قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أيمن الدسوقي تصريحاً لجريدة عنب بلدي ضمن تقرير…
الجمعة شباط/فبراير 24