شنت مجموعات من فلول نظام الأسد في الساحل السوري، هجمات ضد قوى الأمن العام ومنتسبي وزارة الدفاع السورية ومدنيين نجم عنها ضحايا بالمئات. لم تكن هذه الهجمات الأولى من نوعها عقب سقوط نظام الأسد، إلا أنها الأعنف والأوسع انتشاراً جغرافياً لغاية الآن، والأخطر لناحية حملات التجييش الطائفية التي رافقتها، وما نجم عنها من انتهاكات بحق مدنيين تبعاً لتقارير حقوقية، فضلاً عن المخاطر العالية القائمة لانتقالها إلى مناطق متداخلة طائفياً في الداخل السوري. صحيح أن حدة الاشتباكات ونطاقها الجغرافي قد تراجعت، إلا أن الأحداث الأخيرة تحمل في طياتها مؤشرات في غاية الخطورة، تتطلب من إدارة العهد الجديد أخذها على محمل الجد، واتخاذ إجراءات لدعم الاستقرار في الساحل كجزء من خارطة طريق لاستقرار سورية.
سبقت أحداث الساحل اشتباك إقليمي حول سورية بين قوى مؤيدة ومناهضة للعهد الجديد، يمكن تلمسها بالسجال التركي_ الإيراني كذلك التركي_ الإسرائيلي حول سورية. كذلك تدخل "إسرائيل" في السياسة السورية الداخلية لإضعاف السلطة المركزية، عبر تصريحاتها المؤيدة للأقليات من جهة، وتحركات جيشها في الجنوب السوري من جهة أخرى. أيضاً، تأتي هذه الأحداث في ظل حالة إحباط لدى أهل الساحل من الطائفة العلوية، ممن تضرروا اقتصادياً جراء إعادة هيكلة القطاع العام ومؤسسات الدولة. هذا ولا يمكن فصل ما حدث عن سياق التوتر الذي نشب بين العهد الجديد والدروز في جرمانا والسويداء، تم احتواؤه لحين، بالوقت الذي لم يتم التوصل فيه بعد لاختراقات نوعية في المفاوضات مع قسد فيما يتعلق بقضايا العسكرة والحوكمة بانتظار الموقف الأمريكي الحاسم. في ظل هذه البيئة من التنافس الإقليمي على سورية واتساع الهوة بين الأطراف والعهد الجديد، جاء تحرك مجموعات من فلول النظام لزعزعة استقرار الساحل أمنياً ومجتمعياً، بشكل منظم وبغطاء خارجي بحسب مصدر أمني للجزيرة.
يشير تحليل أولي للاشتباكات في الساحل إلى فارق ملحوظ في ميزان القوى بين فلول النظام والقوى العسكرية والأمنية للعهد الجديد، يميل لصالح الأخيرة. يدلل على ذلك عدم تمكن المجموعات المهاجمة من فرض سيطرتها وإدامتها على قطاعات جغرافية أو مراكز نوعية في الساحل، كذلك فشلها لغاية الآن في جر قوات الأمن العام ومقاتلي وزارة الدفاع السورية إلى حرب عصابات متكاملة الأركان، تستنزفهم في بيئة مواتية لمثل هذا النوع من الحروب. بالمقابل، لا يمكن تجاهل وجود أهداف أخرى سعت فلول النظام وداعميهم إليها، تتمثل في إحداث فتنة طائفية بين السنة والعلويين لإرباك العهد الجديد، وتصدير ضعف قدرته على الالتزام بالخطوط الحمراء دولياً وإقليمياً لسورية ما بعد الأسد ومنها؛ حماية الأقليات وعدم تحول سورية إلى مصدر تهديد لجوارها. ما يعزز هذا الاستنتاج تحذير مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي من احتمالية اندلاع حرب أهلية في سورية، ووجود مقدمات لتفكيك الدولة السورية قبيل أيام من أحداث الساحل. أيضاً، لا يمكن تجاهل محاولات تصدير سردية أحادية اللون للعهد الجديد، وبأنه ذا هوية دينية واضحة لا تمثل جميع المكونات السورية، في محاولة لضرب شرعيته الداخلية وتقويض استقرار سورية عبر تعميق الشرخ مجتمعياً وسياسياً على أساس طائفي. لذلك كان لا بد من افتعال أحداث أمنية لشد العصب الطائفي، الأمر الذي ظهر للأسف في خطابات التحشيد الطائفية على مواقع التواصل المجتمعية، وهتافات بعض المظاهرات المؤيدة للعهد الجديد، كذلك حدوث انتهاكات بحق مدنيين على أساس طائفي خلال ملاحقة فلول النظام بحسب تقارير حقوقية.
على الرغم من إعلان عدد من الدول العربية دعمها لإدارة العهد الجديد في مواجهة فلول النظام، وما تضمنه خطاب الرئيس الشرع من نقاط علامة لضبط التجاوزات واستعادة الأمن والحفاظ على السلم الأهلي، إلا أن هنالك مخاطر كامنة وتداعيات سلبية لأحداث الساحل لا يمكن إغفالها، تستوجب اتخاذ قرارات وإجراءات عاجلة لصيانة استقرار سورية، منها: