تمهيد
تمثّل عملية بناء مؤسسات الدولة السورية، وفي مقدّمتها الأجهزة الأمنية والشرطية، مسؤولية وطنية جامعة تتطلب تضافر جهود مختلف الفاعلين في المرحلة الانتقالية. فقد ارتبط أداء هذه المؤسسات لعقود بانتهاكات جسيمة وفقدان للثقة المجتمعية. وفي هذا السياق، أنجزت وزارة الداخلية هيكلية جديدة للوزارة، في إطار تبنّي مفهوم جديد للأمن يضع خدمة المواطن في صلب الوظيفة الأمنية، انسجاماً مع شعار "نحو سورية آمنة" كما صرّح وزير الداخلية السوري أنس خطاب([1]).
من هذا المنطلق يعد إطلاق مدونة سلوك خاصة بقوى الأمن الداخلي مدخلاً لهذا التحول، إذ تمثل ركيزة أساسية في مشروع الإصلاح المؤسسي القائم على النزاهة والمساءلة وسيادة القانون بالإضافة لاحترام حقوق الإنسان. خصوصاً أن الإرث الثقيل لانتهاكات الماضي يستدعي اليوم إطاراً سلوكياً وقانونياً واضحاً يُلزم جميع أفراد الأمن الداخلي بمعايير مهنية عالية، تتجاوز مجرد الإرشاد النظري لتكرّس تحولاً في العقيدة الأمنية، وفق المفهوم الجديد للأمن والذي يرى الأمن خدمة تُقدم لاستقرار وأمن المجتمع لا أداة للضبط السلطوي.
ويتوافق هذا التصور مع ما ورد في مدونة الأمم المتحدة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين([2])، والتي تشدد على أن احترام الكرامة الإنسانية هو شرط لمشروعية الدور الأمني. من هنا تبرز أهمية أن تستلهم مدونة السلوك السورية أفضل النماذج العالمية، بما في ذلك مدونات الإنتربول والدول الأخرى الإقليمية أو العالمية، والتي ركزت على النزاهة، والشفافية، واحترام حقوق الإنسان، والالتزام القانوني، باعتبارها قيماً لا بد من ترسيخها في مؤسسات إنفاذ القانون. وقبل كل ذلك، لابد أن تنطلق المدونة من صيانة القيم المجتمعية ومفهوم الوطنية والهوية السورية بكل ما تحمله من تميز ثقافي واجتماعي.
لعلّ أبرز ما يميز مدونة السلوك هو مساهمتها في بناء الثقة بين المجتمع، بمختلف فئاته وأطيافه، وبين المؤسسات الأمنية والشرطية، إلى جانب دورها في تحديد وضبط العلاقة بين مؤسسات وعناصر إنفاذ القانون من جهة، ومؤسسات الدولة الأخرى من جهة ثانية، وعلى مختلف المستويات من القيادة العليا إلى الوحدات الميدانية وبالعكس. وبهذا، تضمن المدونة حقوق جميع الأطراف المعنية، وتكرّس مبدأ منع وقمع الجريمة والتعاون المتبادل في مكافحتها، بما يفضي إلى تحقيق الأمن والاستقرار والطمأنينة للمواطنين.
تأتي هذه الورقة ضمن هذا السياق لتسليط الضوء على المفهوم العام لمدونة السلوك وأهميتها، مع استعراض المبادئ الجوهرية التي ينبغي أن تتضمنها، والمكونات الأساسية التي تشكل بُنيتها. كما تقترح الورقة آليات فعّالة للتنفيذ والرقابة، تضمن تحويل المدونة من إطار نظري إلى ممارسة مؤسسية ملموسة، تنعكس آثارها الإيجابية على حياة المواطنين السوريين، بما في ذلك المقيمون والزائرون.
الأهداف والمبادئ الأساسية لمدونة السلوك
تشكّل الأهداف والمبادئ العامة لأي مدونة سلوك الإطار المرجعي الذي يوجّه السلوك الفردي والمؤسسي لعناصر الأمن الداخلي. فهي تحدد الغاية من وجود المدونة، والمعايير القيمية التي ينبغي أن تلتزم بها المؤسسة الأمنية، بما يعزز وظيفتها المجتمعية ويحفظ كرامة الأفراد ويكرّس سيادة القانون. وفي الحالة السورية، يُكتسب هذا الجانب أهمية خاصة نظراً لتاريخ طويل من الانتهاكات وانعدام الثقة.
أهداف المدونة
ينبغي أن تهدف مدونة سلوك لقوى الأمن الداخلي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الأساسية التي تعزز إعادة بناء المؤسسة الأمنية والشُرطية على أسس مهنية وقانونية واضحة، أبرزها:
- حماية حقوق الإنسان
- التأكيد على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية في جميع المهام الأمنية.
- منع أي ممارسات تنتهك حقوق الأفراد أو تسيء إلى كرامتهم الإنسانية.
- تعزيز المساءلة والشفافية
- إنشاء آليات واضحة تضمن خضوع كل عنصر أمني للمساءلة عن سلوكه وأفعاله.
- ضمان شفافية الإجراءات الأمنية وتسهيل الوصول إلى المعلومات المتعلقة بعمل قوى الأمن الداخلي.
- بناء الثقة المجتمعية والمؤسسية
- ترسيخ ثقافة أمنية مبنية على خدمة المجتمع باعتبار أن قوى الأمن الداخلي موجودة لخدمة المواطنين وحمايتهم.
- تعزيز التواصل الإيجابي بين المجتمع وقوى الأمن الداخلي، وتجاوز مرحلة انعدام الثقة السابقة.
- تعزيز التواصل الإيجابي بين قوى الأمن الداخلي والمؤسسات الأخرى كالجيش والقضاء والإعلام والسلطات الشتى، وذلك وفق ضوابط مكتوبة وواضحة.
- الوقاية من الفساد والانتهاكات
- اتخاذ تدابير وإجراءات وقائية لمنع حدوث أي فساد أو سوء استغلال للسلطة في قوى الأمن الداخلي.
- إرساء ثقافة عدم التسامح مع الانتهاكات من خلال آليات رقابية صارمة ومستقلة.
المبادئ الأساسية
ينبغي أن تُبنى المدونة على مجموعة من المبادئ المستمدة من الحاجة إلى صيانة المجتمع والدولة السورية، ومن التجارب الدولية والإقليمية الملائمة للسياق المحلي، بحيث تُشكّل بمجموعها إطاراً مرجعياً للسلوك المهني والأخلاقي لقوى الأمن الداخلي:
- احترام الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان
- التأكيد على ضرورة احترام كرامة جميع الأشخاص وحماية حقوقهم وحرياتهم الأساسية في كافة الظروف والأوقات، تماشياً مع القانون الوطني والدولي([3]).
- التأكيد على حظر جميع أشكال التعذيب والمعاملة المهينة أو الحاطة بالكرامة، سواء أثناء الاحتجاز أو التحقيق أو التنفيذ الميداني للمهام الأمنية.
- النزاهة والشفافية
- الالتزام المطلق بمعايير النزاهة المهنية والشخصية، والعمل على توفير معلومات واضحة وصادقة للمواطنين والمؤسسات المعنية حول أداء قوى الأمن الداخلي([4]).
- الحيادية وعدم التمييز
- تقديم الخدمات الأمنية لكافة أفراد المجتمع على أساس المساواة، دون تمييز قائم على العرق أو الدين أو الطائفة أو الجنس أو التوجه السياسي، أو حتى الانحياز الثوري بعد عام 2011.
- أن تُولي المدونة عناية خاصة بكيفية التعامل مع النساء، بما يراعي خصوصيتهن الجسدية والاجتماعية والثقافية، ويحترم الأعراف المجتمعية التي تضع للمرأة مكانة اعتبارية خاصة، مع التأكيد على التزام العناصر بما فيها العناصر النسائية (عند تفعيلها مستقبلاً) بسلوك مهني لا يُعرض النساء لأي حرج أو إيذاء أثناء تنفيذ المهام، خصوصاً في حالات التوقيف والتفتيش والاستجواب.
- أن تُولي المدونة عناية خاصة بكيفية التعامل الحساس والمسؤول مع الأطفال، سواء كانوا طرفاً مباشراً في الإجراءات الأمنية أو حاضرين أثناء التعامل مع ذويهم، بما يضمن حمايتهم النفسية والجسدية، ويدرأ عنهم أي ضرر مباشر أو غير مباشر.
- المساءلة القانونية والمهنية
- خضوع عناصر الأمن الداخلي للمساءلة المهنية والقانونية بشكل دائم، مع وجود نظام واضح لتلقي الشكاوى والتحقيق في الانتهاكات واتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة.
- ضمان حق المواطنين في التقاضي المباشر من خلال إمكانية رفع دعاوى قضائية أمام القضاء المختص دون الحاجة إلى إذن من أي سلطة أمنية أو قيادة إدارية، بما يعزز مبدأ المساواة أمام القانون ويضع حداً للإفلات من المساءلة([5]).
- الالتزام بالقانون الوطني والدولي
- ضرورة أن يتوافق عمل قوى الأمن الداخلي مع التشريعات الوطنية والدولية، خاصة فيما يتعلق باستخدام القوة والتعامل مع الموقوفين واحترام الإجراءات القانونية.
مكونات المدونة
بشكل عام ينبغي أن تتضمن المدونة مكونات رئيسية تنظّم قواعد السلوك الوظيفي والشخصي، وتعكس الالتزام الكامل بمبادئ القانون وحقوق الإنسان وفق الممارسات الدولية المُثلى، وتشمل هذه المكونات:
- الواجبات العامة لعناصر الأمن الداخلي
ينبغي أن تحدّد المدونة الواجبات التي يجب على كل عنصر من قوى الأمن الداخلي الالتزام بها أثناء أداء مهامه، والتي تتضمن:
- الالتزام بسيادة القانون:
- أداء الواجبات وفق القوانين والأنظمة الوطنية والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
- تنفيذ أوامر القيادة وفق الأطر القانونية الواضحة، مع التأكيد على رفض تنفيذ أي أوامر غير قانونية أو مخالفة لحقوق الإنسان.
- خدمة المجتمع:
- اعتبار تقديم المساعدة والحماية لجميع المواطنين أولوية قصوى دون أي تمييز.
- الاستجابة السريعة لحاجات الأفراد والمجتمعات في حالات الطوارئ أو الخطر.
- حقوق عناصر الأمن الداخلي
ينبغي أن تكرّس المدونة حقوقاً واضحة ومعلنة لأفراد قوى الأمن الداخلي، بما يعزز شعورهم بالأمان المؤسسي في معرض تنفيذ الخدمة وخارجها، ويمنحهم البيئة المناسبة لأداء مهامهم بمهنية، على اعتبار أن هيبتهم من هيبة الدولة، ومن هذه الحقوق:
- الحق في الحماية القانونية:
- الحصول على الدعم القانوني من المؤسسة في حال التعرض لاعتداءات أو ملاحقات بسبب أداء الواجبات المشروعة.
- عدم تحمّل المسؤولية الفردية عند تنفيذ أوامر قانونية صادرة عن القيادة، وضمان الحماية من التعليمات الشفهية غير القانونية.
- الحصول على الحماية حتى في الحالات التي يخضع فيها عناصر قوى الأمن الداخلي لعقوبات مسلكية وانضباطية.
- الحق في بيئة عمل عادلة:
- التمتع بظروف عمل لائقة تحترم الكرامة الإنسانية، بما يشمل ساعات العمل، الراحة، والتجهيزات المناسبة.
- مراعاة الخصوصية الجندرية للنساء من عناصر قوى الأمن الداخلي، سواء من حيث طبيعة العمل أو المهام الملقاة على عاتقهن.
- الحق في الرعاية الصحية والاجتماعية:
- الحصول على تغطية صحية شاملة، تشمل الرعاية الطبية والنفسية الناتجة عن طبيعة العمل الأمني والشرطي، على أن يشمل أفراء عائلاتهم أيضاً.
- توفير برامج دعم اجتماعي، وتعويضات عادلة عند الإصابة أو التقاعد، وضمان الأمن الوظيفي بما يعزز الاستقرار المهني والأسري.
- قواعد استخدام القوة
ينبغي أن تضع المدونة قواعد واضحة وصارمة لتنظيم استخدام القوة من قبل قوى الأمن الداخلي، استناداً إلى معايير حقوق الإنسان والقوانين الوطنية والتي ينبغي أن تنص صراحة على حالات وشروط استعمال القوة:
- ضرورة وتناسب استخدام القوة:
- حصر استخدام القوة في الحالات التي تكون فيها ضرورة قصوى، مع ضمان تناسب القوة المستخدمة مع حجم الخطر والتهديد الفعلي القائم.
- تقييد استخدام الأسلحة النارية، بحيث يكون كآخر إجراء يُلجأ إليه، وعند الضرورة القصوى فقط، وفق معايير واضحة لحماية حياة المواطنين وعناصر الأمن معاً([6]).
- توثيق حالات استخدام القوة:
- وجوب توثيق كل حادثة استخدام قوة بشكل فوري، وإحالة هذه التقارير إلى جهات رقابية مستقلة للتحقيق والمساءلة.
- حماية البيانات والخصوصية
تفرض المدونة قواعد صارمة لحماية البيانات الشخصية للأفراد واحترام خصوصياتهم:
- الحفاظ على سرية المعلومات:
- ضمان السرية التامة للمعلومات التي يحصل عليها عناصر الأمن أثناء أداء مهامهم، وعدم الإفصاح عنها إلا وفقاً للقانون ومتطلبات العدالة.
- الالتزام بحماية خصوصية المواطنين:
- وضع ضوابط واضحة لإجراءات التحقيق والتوقيف والمداهمات، بحيث تضمن احترام خصوصية الأفراد وممتلكاتهم الشخصية.
- السلوك الشخصي والمهني
ينبغي أن تحدد المدونة المعايير الأخلاقية والمهنية التي يلتزم بها عناصر قوى الأمن الداخلي في سلوكهم داخل العمل وخارجه، بما يعكس صورة المؤسسة ويحفظ كرامة الجميع. كما ينبغي أن تتضمن إرشادات للتعامل المهني مع المدنيين عند التعرض لاستفزاز أو إساءة، بما يضمن ضبط النفس واحترام القانون. وتشمل:
- النزاهة والاحترام:
- ضرورة أن يتحلى كل عنصر أمني بالنزاهة الشخصية، والامتناع عن أي سلوك قد يؤثر على حيادية المؤسسة الأمنية.
- احترام الزملاء والرؤساء والمرؤوسين، والتعامل معهم باحترافية وتقدير في جميع الأوقات.
- رفض الفساد والمحسوبية:
- حظر قبول أي هدايا أو مزايا أو امتيازات يمكن أن تؤثر على استقلالية القرار الأمني.
- الإبلاغ عن أي حالات فساد أو سوء استخدام السلطة عبر قنوات مخصصة وآمنة.
- قواعد السلوك في علاقات العمل
تنظّم هذه القواعد علاقة عنصر الأمن الداخلي بالرؤساء والمرؤوسين وكذلك بالزملاء والمواطنين والمؤسسات الأخرى. فهي تؤكد ضرورة الاحترام المتبادل داخل المؤسسة، وتشجّع التنسيق البنّاء مع الجهات والمؤسسات الشريكة ضمن الأطر القانونية، وتشمل:
- التسلسل القيادي:
- يُلزم الرؤساء المباشرون بتأدية دور ريادي قوامه القدوة، والإحاطة النفسية والذهنية بالعناصر، مع إرساء بيئة قائمة على الكفاءة والعدل ودعم روح الفريق.
- في المقابل، يُطلب من المرؤوسين احترام التسلسل القيادي وتنفيذ التعليمات إلا إذا كانت مخالفة صريحة للقانون، بما يعزز الانضباط والامتثال المهني.
- التعامل مع الزملاء:
- يُلزم عنصر الأمن باحترام زملائه دون تمييز أو إساءة، ومشاركة المعلومات المهنية التي تسهم في تحسين الأداء وجودة العمل.
- يتوجب معاملة الزميلات من عناصر الأمن الداخلي باحترام كامل وخالٍ من أي تمييز قائم على الجنس، والعمل في إطار تضامني جماعي أثناء المهام التي يتطلب بها وجودهن فيها.
- العلاقة مع السلطات والمؤسسات الشريكة:
- يُطالب عنصر قوى الأمن الداخلي باحترام قرارات السلطات الإدارية والقضائية، وتنفيذها في نطاق القانون، خاصة في مهامه كضابط عدلي.
- ينبغي عليه التعاون مع القوات العسكرية، والمحامين، ومساعدي القضاء، والمؤسسات ذات العلاقة على أساس الاحترام المتبادل وتسهيل أداء المهام.
آليات التنفيذ والرقابة
لضمان فعالية مدونة السلوك وتحويلها من وثيقة معيارية إلى ممارسة يومية ملزمة، لا بدّ من إنشاء آليات تنفيذ ومراقبة عملية وشفافة، تضمن الامتثال، وتمنع الإفلات من العقاب، وتعزّز ثقافة المساءلة داخل قوى الأمن الداخلي. تستند هذه الآليات إلى تجارب إقليمية ودولية ناجحة، والتي اعتمدت أنظمة رقابة مستقلة ومؤسسية في مدونات سلوك عناصر قوى الأمن الداخلي لديها.
- لجنة مستقلة للرقابة
- التشكيل:
- تُنشأ لجنة رقابة مستقلة تضم ممثلين عن وزارة الداخلية، منظمات المجتمع المدني، نقابات مهنية، وقضاة سابقين، على أن تكون مستقلة عن التسلسل القيادي الأمني.
- الاختصاصات:
- مراقبة مدى التزام العناصر الأمنية بالمدونة، واستقبال الشكاوى.
- إجراء تحقيقات مستقلة في حالات الانتهاك، ورفع تقارير علنية دورية إلى المجلس التشريعي والجهات الرقابية.
- التقارير الدورية والشفافية المؤسسية
تلتزم الوزارة بنشر تقارير فصلية حول مدى تطبيق المدونة، تتضمن:
- عدد الشكاوى المقدّمة والمتابعة القانونية لها.
- الإجراءات التأديبية المُتخذة بحق المخالفين.
- مستوى التزام وحدات الأمن المختلفة بالمعايير السلوكية المحددة.
- التدريب والتأهيل المستمر
- البرامج التدريبية: دمج مواد مدونة السلوك ومبادئ حقوق الإنسان ضمن البرامج التدريبية الأساسية والمتقدمة لجميع الرتب.
- التقييم السنوي: ربط الالتزام بمدونة السلوك بتقارير تقييم الأداء والترقية المهنية، بما يشجّع الامتثال الذاتي والمبادرة الأخلاقية.
- قنوات الشكاوى وحماية المبلّغين
- قنوات آمنة: تفعيل خطوط ساخنة ومنصات إلكترونية لتقديم الشكاوى بسرّية تامة([7]).
- حماية المبلّغين: سنّ تشريعات تحمي الشهود والمبلّغين من الانتقام الوظيفي أو المجتمعي، وفقاً لما تنص عليه القوانين الدولية.
- التقييم والمراجعة الدورية للمدونة
- تُراجع المدونة كل ثلاث سنوات على الأقل من قبل لجنة مختصة، لتحديثها استناداً إلى التطورات القانونية والميدانية، ووفقاً لملاحظات المجتمع المدني والجهات الرقابية.
توصيات عامة
تحث هذه الورقة وزارة الداخلية السورية على الإسراع في كتابة مدونة سلوك جديدة وواسعة بمشاركة من منظمات المجتمع المدني وضباط قائمين على عملهم وكذلك ضباط منشقين وآخرين متقاعدين، ثم العمل على تفعيل هذه المدونة وتحقيق أهدافها في إصلاح قطاع الأمن الداخلي.
كما تقدم الورقة حزمة من التوصيات الموجهة للسلطات المعنية وعلى رأسها وزارة الداخلية، والجهات التشريعية (لاحقاً عند الإعلان عنها)، ومنظمات المجتمع المدني، هي:
- الإقرار الرسمي بالمدونة كوثيقة ملزمة
- إجراء وزاري: إصدار قرار رسمي من وزارة الداخلية يصدر مدونة السلوك ويقرّها كوثيقة إلزامية لكل أفراد قوى الأمن الداخلي.
- الربط القانوني: تضمين مبادئ المدونة في النظام الداخلي لقوى الأمن، وربط مخالفتها بالعقوبات التأديبية والجنائية المنصوص عليها في القوانين الناظمة لعمل قوى الأمن الداخلي.
- دمج المدونة في منظومة التعليم الأمني والشرطي بالإضافة للتدريب والتأهيل
- ضرورة إدراج برامج تدريب وتأهيل مستمرة لجميع عناصر قوى الأمن الداخلي، بما في ذلك العاملون حالياً والمنتسبون الجدد، لضمان فهم دقيق لحقوقهم وواجباتهم.
- المدارس الأمنية والشُرطية: إدراج مبادئ السلوك المهني وحقوق الإنسان في المناهج الدراسية والمعسكرات التدريبية.
- الترقيات والمكافآت: ربط الالتزام بالمدونة بمعايير التقييم المهني ومسارات الترقي والمكافآت بما في ذلك العقوبات المسلكية.
- تعزيز الشراكة مع المجتمع المدني
- إشراك منظمات مستقلة: توسيع دور المنظمات المدنية في مراقبة تنفيذ المدونة وتقييم أثرها.
- إطلاق حملات توعية: تعريف المواطنين بحقوقهم والسلوك المتوقع من عناصر الأمن الداخلي، ما يعزز الرقابة المجتمعية.
- تفعيل المساءلة المستقلة
- دعم اللجنة الرقابية: توفير الموارد والسلطة القانونية للجنة المستقلة المعنية بتطبيق المدونة.
- التعاون مع القضاء: تسهيل الإحالة القضائية في حال وجود انتهاكات جسيمة، وضمان المحاكمات العادلة والعلنية للمخالفين.
- مراجعة دورية تواكب السياق المتغير
- تعديل المدونة: إجراء مراجعة كل 3 سنوات، أو عند حدوث تغيّرات جوهرية في السياق الأمني أو التشريعي.
- استفادة من تجارب الدول: الاستمرار في مقارنة المدونة بالتجارب الدولية لتحديث المعايير وتحسين الصياغة التنفيذية.
- إعادة النظر بالتشريعات والأنظمة النافذة
- إن الالتزام بتنفيذ مدونة السلوك، يستلزم إعادة صياغة التشريعات والأنظمة النافذة وعلى رأسها:
- المرسوم التشريعي 1 لعام 2012 قانون خدمة عسكريي قوى الأمن الداخلي وتعديلاته([8]).
- المرسوم التشريعي 2 لعام 2012 قانون معاشات عسكريي قوى الأمن الداخلي وتعديلاته([9]).
- نظام خدمة الشرطة.
- النظام الداخلي للشرطة.
خاتمة
تُعدّ مدونة السلوك الخاصة بقوى الأمن الداخلي إحدى الأعمدة الجوهرية في عملية إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع. فهي لا تمثل فقط أداة معيارية لتنظيم السلوك المهني للعناصر، بل أيضاً تعبّر عن التزام سياسي ومؤسسي جديد يقوم على احترام القانون وحقوق الإنسان، ويُحدث قطيعة مع إرث طويل من العنف والتمييز والإفلات من العقاب، على أن تشكل ميثاقاً قانونياً وأخلاقياً وسلوكياً ينظم تصرفات عناصر قوى الأمن الداخلي.
إنّ تبنّي وزارة الداخلية لمدونة سلوك لعناصرها وتفعيل آليات تنفيذها يمثل خطوة أولى ضرورية نحو تأسيس ثقافة أمنية جديدة، تتعامل مع المواطن بوصفه شريكاً في الاستقرار، لا خصماً يجب السيطرة عليه. وهذا يتطلب إرادة سياسية، وإصلاحاً تشريعياً، وبيئة مؤسسية تحتضن قيم النزاهة والشفافية والمساءلة.
لقد أثبتت التجارب الدولية في عدد من الدول بالإضافة لمواثيق الأمم المتحدة، أن مدونات السلوك ليست مجرد وثائق رمزية، بل أدوات فعالة لإحداث التحول داخل المؤسسات الأمنية حين تُرفق بإرادة واضحة للتنفيذ والرقابة والمحاسبة.
في سورية الجديدة، لا يمكن لأي مشروع للعدالة أو السلم الأهلي أن يُكتب له النجاح دون قوى أمن داخلية مهنية ومحايدة وخاضعة للمساءلة، تكون مدونة السلوك هي إطارها المرجعي الأخلاقي والقانوني.
([1]) "مقابلة مع وزير الداخلية السوري أنس خطاب"، قناة الإخبارية السورية، تاريخ النشر: 04/06/2025، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3ZWUOBL
([2]) "مدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين"، الأمم المتحدة، تاريخ النشر: 17/12/1979، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Zo7ilI
([3]) "مدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين"، المرجع سابق.
([4]) "مدونة السلوك الأخلاقي لموظفي الإنتربول الدولي"، الإنتربول الدولي، تاريخ النشر: تشرين الأول/أكتوبر 2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4l5I0kR
([5]) منع نظام الأسد من إمكانية إصدار أوامر الملاحقة وبالتالي رفع دعاوى قضائية على عناصر الجيش أو المخابرات أو قوى الأمن الداخلي إلا بإذن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، وذلك عبر عدة تشريعات، هي:
- "قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية"، مجلس الشعب السوري، تاريخ النشر: 13/03/1950، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Lh0EUh
- المرسوم التشريعي 14 لعام 1969، الخاص بإحداث إدارة أمن الدولة (المخابرات العامة)، المادة 16. وكذلك المرسوم 549 لعام 1969، المادة 74. للمزيد راجع "قانون إحداث إدارة أمن الدولة وقانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة"، اللجنة السورية لحقوق الإنسان. تاريخ النشر: 06/02/2004، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3FQHwju
- المرسوم التشريعي 64 لعام 2008. المتضمن محاكمة ضباط الشرطة وعناصرها وعناصر الجمارك والأمن السياسي أمام القضاء العسكري، المادة ب من المرسوم، مجلس الشعب السوري، تاريخ النشر: 30/09/2008، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4kxTDAZ
([6]) "مدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين"، مرجع سابق.
([7]) فعّلت وزارة الداخلية في هيكليتها الجديدة هذه الآلية، حيث تم استحداث إدارات تخص تلقي الشكاوى، ومتابعة الأخطاء، ومحاسبة التجاوزات المسلكية، وسيكون هناك خمس دوائر مركزية للشكاوى تتبع لإدارة العلاقات العامة، بالإضافة الى تطبيق خاص بالشكوى سيتم اطلاقه قريباً. للمزيد، راجع المؤتمر الصحفي للمتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السورية، سانا، تاريخ النشر: 24/05/2025، رابط إلكتروني: https://bit.ly/43GxQRU
([8]) "المرسوم التشريعي 1 لعام 2012"، مجلس الشعب السوري، تاريخ النشر: 02/01/2012، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3FV3mSV
([9]) "المرسوم التشريعي 2 لعام 2012"، مجلس الشعب السوري، تاريخ النشر: 02/01/2012، رابط إلكتروني: https://bit.ly/43XTTlK