أوراق بحثية

مدخل

شهدت سورية خلال الأيام القليلة الماضية تحولاً تاريخياً تمثل بانتصار الثورة في إسقاط نظام الأسد الذي حكم البلاد لخمسة عقود، بعد سنوات من الصراع الدموي أدخلت البلاد في أتون أزمة اقتصادية وإنسانية مركبة استنزفت مواردها وثرواتها. وفي ظل هذا التغيير الجذري، برزت الليرة السورية بوصفها مؤشراً حساساً يترجم واقع الاقتصاد السوري ومدى تأثره بالمتغيرات السياسية والأمنية.

عانت الليرة السورية من انهيارات متتالية منذ عام 2011، حيث انخفضت قيمتها أمام الدولار من 50 ليرة إلى حوالي 15 ألف ليرة خلال الأيام التي سبقت عملية "ردع العدوان" التي انطلقت في 27 تشرين الثاني 2024، ومع بدء العملية العسكرية وانهيار دفاعات النظام وصل سعر الصرف إلى أكثر من 35 ألف ليرة للدولار. وبعد دخول قوات المعارضة إلى دمشق في 8 كانون الأول وسقوط النظام، أظهرت الليرة مؤشرات أولية للانتعاش نسبياً، إذ عاد سعر الصرف إلى حوالي 15 ألف ليرة مقابل الدولار رغم حالة الفوضى المؤقتة والفراغ المؤسسي. لذلك، بات من الضروري دراسة مآلات ما حدث مع الليرة السورية، وفهم العوامل التي قد تؤدي إلى مزيد من الانهيار، والتحديات التي تواجهها خلال المرحلة الحالية. وستسلط هذه الورقة الضوء على الأسباب المباشرة لما حدث مع الليرة قبل سقوط النظام، والعوامل التي ستتحكم في مسارها بعد الثامن من كانون الأول 2024، بالإضافة إلى وضع ملامح خطة عمل لإدارة العملة الوطنية بكفاءة.

مسار الليرة السورية خلال سنوات الصراع

تأثرت قيمة الليرة السورية بشكل ملحوظ منذ عام 2011، فمع دخول البلاد في دوامة الحرب والعقوبات الاقتصادية؛ انخفضت الليرة تدريجياً من 50 ليرة سورية مقابل الدولار إلى أكثر من 500 ليرة خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2016، تزامناً مع خسارة النظام عدداً من المدن والموارد الاقتصادية لصالح المعارضة وتنظيم "داعش"، وبين عامي 2017و2020 تدهورت الليرة بوتيرة أسرع، حيث تجاوز سعر الصرف الـ 1,000 ليرة مقابل الدولار، لتبدأ سلسلة الانهيارات الحادة بين عامي 2021 و2024 حتى وصلت إلى 15 ألف ليرة مقابل الدولار.

يعكس هذا التراجع المطّرد حالة الاقتصاد المنهار والتخبط الذي عاشه النظام طول السنوات الماضية في إدارة الاقتصاد والموارد، ويمكن تلخيص الأسباب العميقة لانهيار الليرة منذ عام 2011 بما يلي:

  • خسارة حوامل الموازنة العامة: فقد النظام تدريجياً السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي التي تضم موارد اقتصادية استراتيجية مثل مناطق الإنتاج الزراعي (القمح والقطن)، وحقول الطاقة (النفط والغاز)، والمعابر الحدودية التجارية (مع تركيا والأردن والعراق)، إضافة إلى خسارة المناطق الصناعية في حلب وريف دمشق. وقد أدى ذلك إلى: تقليص قدرة النظام على تحصيل الإيرادات من الضرائب والرسوم، وحرمانه من مصادر تمويل حيوية تعد المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية وأهم حوامل الموازنة العامة، والاعتماد على الواردات بشكل متزايد خاصة في تأمين المحروقات والأغذية. بالتوازي مع ذلك، تم توجيه الموارد الاقتصادية والمالية نحو تمويل العمليات العسكرية، مما أدى إلى استنزاف الخزينة العامة وتفاقم العجز المالي. كما تحول الاقتصاد الرسمي إلى اقتصاد حرب، هيمنت عليه أنشطة غير مشروعة مثل التهريب والابتزاز وتجارة المخدرات، إلى جانب بروز اقتصاد موازٍ يعتمد على شبكات الفساد والميليشيات.
  • سياسة نقدية غير فعّالة: اعتمد مصرف سورية المركزي على سياسة التدخل المباشر في أسواق الصرف بين عامي 2011 و2016 عبر ضخ كميات كبيرة من العملات الأجنبية في محاولة يائسة لتثبيت سعر الصرف، وقد أسفرت هذه السياسة عن استنزاف الاحتياطي النقدي. لاحقاً، ومع تآكل الاحتياطي الأجنبي؛ لجأ المصرف إلى سياسة عدم التدخل المباشر وترك مهمة تحديد سعر الصرف إلى قوى السوق، ومع ذلك استمرت الليرة بالانهيار لغياب سياسة نقدية متكاملة، وضعف الثقة بالعملة الوطنية. وفي عام 2023، طبّق المركزي سياسة خفض قيمة الليرة تدريجياً، في محاولة للاقتراب من سعر السوق السوداء، كما أهمل استخدام أدوات السياسة النقدية الأخرى وعلى رأسها سعر الفائدة التي تستخدم لكبح التضخم وتحقيق الاستقرار النقدي.
  • الأزمة المالية في لبنان: مع اشتداد وتيرة العقوبات وتضييق الخناق على القنوات المالية للنظام، ازداد اعتماد سورية على المصارف والشركات المالية في لبنان كمنفذ رئيسي لإجراء التحويلات والصفقات وتأمين السيولة، حيث تقدر أموال السوريين المودعة في البنوك اللبنانية نحو 30 مليار دولار. إلا أن الأزمة المالية في لبنان أدت إلى انهيار القطاع المصرفي وتجميد حسابات المودعين، ممّا حال دون وصول السوريين إلى ودائعهم، ومن ثم استهدفت عقوبات "قيصر" المؤسسات والشركات المتعاملة مع النظام بشكل مباشر أو غير مباشر، ممّا زاد من صعوبة تأمين السيولة اللازمة للتمويل التجاري واستيراد السلع الأساسية وتأمين القطع الأجنبي، فأسهم في تدهور قيمة الليرة أكثر.
  • عزلة سورية: منذ اندلاع الثورة عام 2011، فرضت الدول العربية والغربية عقوبات متدرجة استهدفت النظام ومؤسساته وشخصيات نافذة مقربة منه، وبلغت هذه العقوبات ذروتها مع إقرار قانون "قيصر" الذي وصف بأنه الأكثر صرامة وتأثيراً. وقد استهدفت العقوبات قطاعات حيوية مثل النفط والاستثمار والمصارف والتجارة الخارجية والتحويلات المالية وقطاعات اقتصادية عدّة، ممّا أدى إلى نقص حاد في تدفق العملات الأجنبية إلى البلاد، وعزلة سورية اقتصادياً عن العالم بسبب إحجام الدول والمؤسسات عن التعامل مع النظام خوفاً من خرق العقوبات، الأمر الذي أدى إلى تفاقم أزمة السيولة المالية وتمويل الواردات الضرورية، وانهيار مستمر في قيمة الليرة.
  • الفساد والمضاربة المالية: ساهم الفساد المستشري وهيمنة رجال الأعمال المرتبطين بالنظام على القطاعات الاقتصادية في تعميق أزمة الليرة السورية، حيث لعبت شخصيات مثل سامر فوز وقاطرجي وأمثالهم دوراً رئيسياً في احتكار موارد اقتصادية واستغلالها لتحقيق مكاسب شخصية. كما ازدهرت المضاربات على الليرة السورية في السوق السوداء لتحقيق أرباح مالية سريعة، مما تسبب في زيادة الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء وتدهور مستمر في قيمة الليرة.
  • التمويل بالعجز : شهدت الموازنة العامة في سورية عجزاً مالياً متزايداً نتيجة السياسات الممنهجة غير المسؤولة التي انتهجها النظام، وقد لجأ إلى تمويل العجز عبر طباعة النقود بشكل مفرط بدون غطاء إنتاجي أو احتياطي نقدي كافٍ، فتسبب بزيادة كبيرة في المعروض النقدي وتفاقم معدلات التضخم وتآكل القوة الشرائية للمواطنين.
  • غياب الاستقرار التشريعي: ساهمت مجموعة من القوانين التي أقرّتها حكومة النظام ومصرف سورية المركزي بزيادة الفوضى وعدم اليقين الاقتصادي، مثل: القوانين التي تجرّم التعامل بالعملات الأجنبية، وتشديد القيود على التحويلات المالية، وفرض قيود وتعقيدات على تراخيص وتمويل عملية الاستيراد، وتحديد سقف السحب النقدي، وغيرها من القوانين التي دفعت المواطنين للجوء إلى السوق السوداء لتأمين احتياجاتهم، وهو ما يعطل حركة التجارة وتدفق الأموال نتيجة البحث عن قنوات غير رسمية لإجراء المعاملات المالية.

مستقبل وتحديات الليرة السورية

عند بدء عملية "ردع العدوان" في 27/11/2024 وتحرير المدن بشكل متتالٍ، تراجعت قيمة الليرة إلى مستويات قياسية حيث بيعت مقابل الدولار بأسعار قريبة من 30 و40 ألف ليرة، ويعود هذا الانخفاض إلى جملة من العوامل من بينها: الطلب الكبير على العملات الأجنبية للتحوّط من انخفاض قيمة الليرة، وإغلاق المصارف الحكومية والخاصة، وانهيار الثقة بالعملة الوطنية، وانقطاع سلاسل التوريد والطرقات التجارية الدولية، إضافة إلى حالة الغموض والخوف من مآلات ما قد يحصل مستقبلاً.

ومع سقوط النظام في 8/12/2024 واستتباب الأوضاع الأمنية بشكل نسبي، عادت الليرة إلى مستويات قريبة من 15 ألف ليرة مقابل الدولار، وذلك بسبب زيادة الطلب على شراء الليرة من قبل الأهالي والنازحين والمهجّرين الذين عادوا إلى مدنهم وقراهم، ودخول كميات كبيرة من العملة الصعبة إلى الأسواق، وعودة مصرف سورية المركزي للعمل، إضافة إلى إرسال رسائل طمأنة من قبل "إدارة العمليات العسكرية" وتشكيل حكومة لتسيير الأعمال.

وفي خضم هذه الأحداث، تواجه الليرة السورية مجموعة من التحديات التي ستحدد مستقبلها، مرتبطة بشكل أساسي بالوضع السياسي الجديد، ومدى قدرة الإدارة القادمة على التعامل مع التحديات المتراكمة. ويمكن تصنيف هذه التحديات ضمن أربع فئات رئيسية: سياسية، واقتصادية، ونقدية، وأخرى متعلقة بالدعم الخارجي.

التحديات السياسية

  • غياب الاستقرار السياسي: يشكل غياب الاستقرار السياسي في المرحلة الانتقالية حالة من عدم اليقين، مما يهدد استقرار الاقتصاد وقيمة الليرة.
  • عدم الاعتراف الدولي: قد يعيق التأخر في الاعتراف الدولي بالإدارة الجديدة التدفقات المالية والمساعدات الضرورية لدعم الاقتصاد، إضافة إلى تأخير عودة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين سورية والعالم إلى طبيعتها.
  • التنافس بين القوى المختلفة: سيقوّض أي صراع داخلي بين المكونات العسكرية أو المكوّنات السياسية من ائتلاف وهيئة تفاوض وحكومة مؤقتة؛ من حالة الاستقرار ويؤثّر سلباً على الليرة وعلى الاقتصاد عموماً.

التحديات الاقتصادية

  • حقول الطاقة: يشكل بقاء حقول النفط والغاز في شمال شرق سورية تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة في الفترة الحالية، إذ يحرم الاقتصاد من موارد ضرورية لدعم الليرة.
  • ضعف القطاعات الإنتاجية: تدمير البنية التحتية للقطاعات الاقتصادية وعلى رأسها الزراعة والصناعة؛ زاد من الاعتماد على الواردات بشكل كبير، وهو ما ينعكس سلباً على قيمة الليرة.
  • التضخم الجامح: ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية يُضعف القوة الشرائية، ويؤدي إلى نزيف مستمر في قيمة الليرة.
  • الكلفة العالية لإعادة الإعمار: تقدر كلفة إعادة الإعمار في أسوأ الأحوال بنحو نصف ترليون دولار، وهو رقم كبير يحتاج إلى تضافر كافة الجهود الدولية من أجل إنجاز هذه العملية.

التحديات النقدية

  • ضعف الثقة بالمؤسسات المالية: تقلُّص ثقة السوريين بمصرف سورية المركزي وسياساته قد يعيق جهود تحقيق الاستقرار النقدي في البلاد.
  • التمويل بالعجز: استمرار سياسة التوسع غير المنضبط في طباعة النقود سيزيد من التضخم ويفاقم من تدهور الليرة.
  • السوق السوداء: يشكل استمرار نشاط السوق السوداء وعمليات المضاربة ضغطاً متواصلاً على قيمة الليرة.

تحديات الدعم الخارجي

  • نقص المساعدات الدولية: سيؤدي نقص الدعم الدولي إلى صعوبات في توفير الاحتياجات الأساسية للمحتاجين، متسبباً بزيادة الضغط على الحكومة الانتقالية لتأمين السلع من الاحتياطي الأجنبي المتوفر لدى المصرف المركزي.
  • صعوبة استقطاب الاستثمارات: تعيق بيئة العمل غير المستقرة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

الأجندة المطلوبة: الخطوات المستقبلية المنتظرة

بالنظر إلى التحديات المذكورة أعلاه، يمكن لمصرف سورية المركزي والحكومة العمل على عدة خطوات لتجنب المزيد من نزيف الليرة وتحقيق خطوات ملموسة للاستقرار على كافة المستويات، ومن بين الخطوات ما يلي:

أولاً: تعزيز مبدأ الشفافية

من الضروري أن يتبنى مصرف سورية المركزي ممارسات شفافة تسهم في بناء الثقة بينه وبين المواطنين والأسواق. على سبيل المثال، ينبغي عقد مؤتمر صحفي أسبوعي يقدّم من خلاله حاكم المصرف أو من ينوب عنه تحديثاً حول آخر التطورات النقدية والسياسات المتبعة، وإرسال تطمينات واضحة للأسواق. بالتوازي مع تنظيم ندوات دورية واجتماعات مغلقة مع الصناعيين والتجار والمستثمرين، لمناقشة التحديات القائمة وشرح السياسات النقدية المستقبلية لضمان إشراك القطاع الخاص في عملية صنع القرار.

إلى جانب ذلك، يتعين على المصرف نشر تقارير شفّافة بشكل منتظم تتناول السياسة النقدية، وحجم الاحتياطي الأجنبي، والمعروض النقدي، وأسعار الفائدة، ومعدلات التضخم والفقر والبطالة والعمالة وغيرها من البيانات الاقتصادية ذات الصلة. كما ينبغي أن تكون هذه التقارير متاحة عبر الموقع المصرف المركزي إلكترونياً بصيغة يسهل على الجميع الوصول إليها وفهمها، إذ ستعزز هذه الخطوات من الشفافية المطلوبة وتساعد في استعادة الثقة بالمصرف المركزي كجهة مستقلة ومسؤولة، وتجسر الثقة مع الأسواق بعد أن خسرها المركزي خلال الأعوام الماضية.

ثانياً: تحقيق الاستقرار النقدي

لضمان استقرار الليرة السورية خلال الشهور القادمة، قد يكون من المجدي توحيد جميع أسعار الصرف المعتمدة ضمن نشرة واحدة تعكس الواقع الاقتصادي وتكون قريبة من سعر السوق السوداء، مع مراقبة مستمرة لتقليل التباين بين السعرين. وتبني سياسة عدم التدخل في أسواق الصرف خلال هذه المرحلة، وتعويم سعر صرف الليرة، وتجنب التوسع بطباعة النقود من خلال وضع سقف صارم لطباعة وإصدار العملة الجديدة، بحيث يرتبط أي توسع نقدي بزيادة فعلية في الإنتاج المحلي أو بارتفاع احتياطي النقد الأجنبي، إضافة إلى ضمان استقلال البنك المركزي من خلال مواد في الدستور الجديد تنص على عدم تدخل رئيس الدولة أو الحكومات القائمة بعمله.

بالإضافة إلى ذلك، يفترض وضع استراتيجية مالية متوسطة وطويلة الأمد لبناء احتياطي نقدي أجنبي عبر استثمارات مدروسة تحقق توازناً بين العوائد المالية والأمان بالشكل الذي يُسهم في تعزيز قوة الليرة ودفاعاتها. وتشير البيانات الحالية إلى أن الاحتياطي الأجنبي محدود جداً يقدر بنحو 200 مليون دولار مع 2.2 مليار دولار من الذهب، ممّا يستدعي تدخلاً سريعاً لتدعيم هذا الاحتياطي كركيزة لاستقرار العملة.

ثالثاً: إعادة بناء الثقة بالمصرف المركزي

إصلاح الهيكلية المؤسسية لمصرف سورية المركزي يعد أمراً حتمياً لتعزيز فعاليته خلال المرحلة القادمة. إذ ينبغي استبدال "مجلس النقد والتسليف" بـ "لجنة السياسة النقدية" على أن يكون أعضاؤها من كبار موظفي البنك المركزي وأعضاء مستقلين من خارج البنك (من أكاديميين وخبراء ومستشارين من القطاع الخاص)، مع التأكيد على عدم إشراك ممثلين عن الحكومة، بحيث تقوم هذه اللجنة بتحديد ومناقشة السياسات النقدية بشكل مستقل عن التأثيرات والإملاءات السياسية.

كما ينبغي استقبال بعثات دولية للتدقيق والمراجعة، بما يضمن الشفافية والاندماج في النظام المالي العالمي والعمل مع المجتمع الدولي على إزالة كافة العقوبات التي تمس عمل المصرف المركزي. علاوة على ذلك، يتعين على المصرف استخدام نظم تقييم الأداء المعترف بها عالمياً، لتقييم المصارف العامة والخاصة، وتحديد مواطن الضعف ومعالجتها بشكل فعّال. إضافة إلى تشديد الرقابة على الأنشطة المصرفية لمكافحة الممارسات غير القانونية، مثل المضاربات غير المشروعة وغسيل الأموال، وتطبيق عقوبات صارمة على المخالفين.

أخيراً، ينبغي الاستثمار في التكنولوجيا المالية وتحديث أنظمة الدفع والبنية القانونية للمصرف لمواكبة آخر التطورات الحاصلة في العالم في هذا الإطار، من خلال اعتماد نظم دفع إلكترونية متطورة تسهّل العمليات المصرفية وتزيد من كفاءتها، والسماح بترخيص شركات التقنية المالية المتنوعة، بما يحد من التعاملات النقدية غير المنظّمة.

رابعاً: مكافحة التضخم

من أجل كبح التضخم، ينبغي أن يعمل المصرف المركزي على ضبط الكتلة النقدية عبر التحكم في نمو المعروض النقدي بما يتناسب مع معدل النمو الاقتصادي، لتجنب أي زيادة غير مبررة في السيولة تؤدي إلى ضغوط تضخمية. مع التنويه إلى ضرورة التنسيق بين المركزي والوزارات والهيئات الاقتصادية لضبط أسعار السلع الأساسية ومنع أي ممارسات احتكارية أو استغلالية تؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

كما على المصرف أن يستخدم كافة الأدوات النقدية المتاحة لضبط الأسعار والحفاظ على قيمة العملة، مثل: شهادات الإيداع، وسندات الخزينة قصيرة الأجل، وأسعار الفائدة، وغيرها من الأدوات التي تعد ضرورة ملحة لإدارة السيولة بشكل فعّال. إذ تمكّن هذه الأدوات من سحب الفائض النقدي من السوق بما يسهم في تحقيق استقرار الأسعار.

ومن الضروري أيضاً تحديد أسعار فائدة مرنة تتناسب مع الظروف الاقتصادية الحالية، بحيث تحقق التوازن بين رفع الفائدة لكبح التضخم، ودعم النمو الاقتصادي عبر توفير قروض ميسّرة للقطاعات الإنتاجية.

أخيراً، جراء ارتفاع معدلات الفقر والجوع وبسبب الأوضاع المعيشية المتردية التي يعيشها السوريون، قد يكون من المجدي أن تتبنى الحكومة والمصرف المركزي سياستين: الأولى؛ ترك أعباء تأمين السلع الأساسية من غذاء ومحروقات وأدوية على عاتق القطاع الخاص، والعمل على تذليل كافة الصعوبات وتعديل كافة القرارات التي تعد عائقاً أمام حركة الاستيراد.

والسياسة الثانية؛ تصميم برنامج اجتماعي لدعم الأسر المحتاجة بمبالغ نقدية حسب حاجة الأسرة وعدد أفرادها ومستواها المعيشي، بحيث يُموّل هذا البرنامج من قبل برامج الأمم المتحدة والدول المانحة، مما يسهم في تخفيف الضغوط التضخمية ويدعم القوة الشرائية للمواطنين، ويحرّك عجلة الاقتصاد والأسواق المحلية.

في النهاية تحقيق الاستقرار في قيمة الليرة السورية مرهون بقدرة الحكومة الانتقالية على تنفيذ إصلاحات جوهرية على كافة الصعد. وفي هذا الإطار تعد إعادة هيكلة المؤسسات المالية، خاصة مصرف سورية المركزي، أحد أبرز تلك الإصلاحات لتعزيز الشفافية والاستقلالية. كما ينبغي تبني سياسات نقدية متوازنة بعيداً عن التوسع غير المسؤول في طباعة النقود، إلى جانب كبح التضخم عبر دعم القطاعات الإنتاجية وعودة حركة الإنتاج.

من جانب آخر، يفترض أن تكون استعادة الموارد الوطنية، وعلى رأسها حقول النفط والغاز، في سلم أولويات الحكومة الحالية، إضافة إلى إطلاق مشروعات إعادة الإعمار التي ستساهم في دوران عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل، وتشجيع القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية، عبر إيجاد بيئة أعمال محفزة وخالية من الفساد، والتعاون الوثيق مع المجتمع الدولي لضمان تدفق المساعدات المالية والتحويلات المالية من الخارج، فمن شأن ذلك كله أن يشكل عاملاً أساسياً في تعزيز قيمة الليرة ودعم الاحتياطي النقدي وبناء اقتصاد مستدام.


الأربعاء كانون1/ديسمبر 18
أطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ومعهد السياسة و المجتمع، كتابه الجديد بعنوان: “حرب الشمال: شبكات المخدرات في سوريا، الاستجابة الأردنية وخيارات الإقليم”، ويحلل الكتاب ظاهرة شبكات تهريب المخدرات المنظمة في…
نُشرت في  الكتب 
الإثنين تموز/يوليو 22
المُلخَّص التنفيذي: قسَّمت الدراسة مبناها المنهجي وسياقها المعلوماتي والتحليلي إلى فصول ثلاثة، مثّل الفصل الأول منها: مدخلاً ومراجعة لتاريخ القبائل والعشائر في الجغرافية السورية بشكل عام وفي محافظتي حلب وإدلب…
نُشرت في  الكتب 
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20