لعبت الميليشيات والفصائل في السويداء دوراً محورياً في المحافظة منذ عام 2015،([1]) إذ قامت الميليشات بأدوار زعزعة أمنية متعلقة بالجهات المرتبطة بها، سواءً كانت أفرعاً أمنية أو ارتباطات خارجية مع روسيا وإيران وحزب الله، أو لتأمين تمويلها عبر عمليات الخطف والإتاوات. وتفاوتت حدة التوترات بين الميليشيات والفصائل تبعاً لتغير موجات الحراك في المحافظة واتِسَاعه، وذلك بالتزامن مع اتِساع دور الميليشيات في تجارة المخدرات خصوصاً الكبتاغون وتبلور خطوط التوريد له مع وضوح المساحات الجغرافية لعمل كل ميليشيا وقيادتها وموقفها من الحراك وتبعيتها،(([2] تحاول الورقة أدناه رسم خارطة الميليشيات والفصائل ضمن المحافظة وفهم ارتباطاتها وديناميات عملها وأدوارها ضمن مشهد الحراك الثوري من جهة، وضمن سلاسل توريد وإنتاج الكبتاغون من جهة أخرى، والمشهد الأمني والاجتماعي في المحافظة بشكل عام.
تعتمد الورقة المنهج الوصفي التحليلي من خلال الرصد الذي أجراه الباحث منذ عام 2021، ويُضاف إليه الأوراق السابقة التي نُشرت في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عن محافظة السويداء وتضمنت تحديثات خارطة المجموعات المسلحة في المدينة خلال عامي 2022 و2023، والفواعل السياسية عام 2024،(([3] والمقابلات التي أجراها الباحث مع عدة شخصيات محلية ذات اطلاع وبعضها مقرب من المرجعيات الدينية، إضافة إلى تتبع حركة وسلوك المجموعات المسلحة في المحافظة من خلال المصادر المفتوحة.
كانت حركة "رجال الكرامة" أولى الفصائل التي أنشئت بعد 2011، إذ أسسها الشيخ وحيد البلعوس بهدف تشجيع شباب السويداء على عدم الالتحاق بالخدمة الإلزامية في جيش النظام، لتتحول لاحقاً إلى فصيل عسكري، ولكن اغتيال وحيد البلعوس في سبتمبر/ أيلول عام 2015 كان مفصلياً لمسار الحركة، إذ طُرد منها كلٌ من ناصر السعدي ومهران عبيد عام 2016 اللذان أسسا ميليشيات خاصة بهما، وأيضاً خرج من "رجال الكرامة" ليث البلعوس الذي أسس قوات "شيخ الكرامة" عام 2017، وشهدت الفترة بين عامي 2016 و 2020 ظهور ما يقارب من 34 فصيلًا وميليشيا في المدينة تعددت أدوارها وتبعياتها.
تبلورت أدوار الفصائل والميليشيات ضمن 4 أنواع بناء على هدف وجودها وسلوكها وآليات تمويلها:
ولم تكن أنواع المجموعات المسلحة ثابتةً خلال تلك السنوات، إذ تحول عدد منها من ميليشيات للزعزعة الأمنية إلى فصائل مقربة من المجتمع المحلي بسبب مساعي المرجعيات الدينية والوجهاء المحليين، كما اختفى عدد من الميليشيات نتيجة لأحد سببين؛ إما بسبب مصالحات محلية تحت إشراف المرجعيات الدينية،([4]) وذلك بهدف تسليم الميليشيات لسلاحها والكف عن عمليات الخطف مثل ميليشا "سليم حميد" وميليشيا "ناصر السعدي" اللذين أعادا تفعيل ميليشياتهما لاحقاً بشكل أكبر، أو حملات قام بها عدد من الفصائل ضد تلك الميليشيات مثل "حراك تحرير السويداء" في عام 2022 الذي استهدف بشكل أساسي ميليشيا راجي فلحوط" التي نشطت في عملية الخطف وتصنيع وتجارة الكبتاغون،([5]) حيث تم إنهاء وجود عصابة الفلحوط والعثور على معدات لتصنيع الكبتاغون في مقرها،(([6] وتم إضافة الفلحوط في تشرين الثاني عام 2023 ضمن مشروع قانون "الكبتاغون2" الذي يستهدف الشخصيات المتورطة في تجارة الكبتاغون ومنها ماهر الأسد وراجي فلحوط.([7](
أما على صعيد تبعية الميليشيات لجهات خارجية وأمنية فتتمثل تبعيتهم الخارجية المباشرة إما لروسيا أو إيران أو لحزب الله، أما على صعيد الأفرع الأمنية؛ فإما لفرع الأمن العسكري أو شعبة المخابرات العسكرية أو شعبة المخابرات الجوية، وتوضح الخريطة رقم (1) توزع الميليشيات والفصائل في قرى المحافظة وتبعية كل منها وتورطها في تجارة المخدرات من عدمه:
كما توضح الشبكة رقم (1) الفصائل المحلية والتبعية الخارجية للميليشيات وارتباطاتها الأمنية بالإضافة لبطاقة معلوماتية عن كل مجموعة.
الشبكة رقم (1) الفصائل المحلية والتبعية الخارجية للميليشيات وارتباطاتها الأمنية
تتمايز تبعية المييلشيات إلى:
أما على صعيد الميليشات المرتبطة بالأفرع الأمنية، فيمكن تصنيفها إلى:
بعد انتفاضة آب 2024؛ ازداد وضوح الاصطفاف المسلح في المحافظة بين ميليشيات اعتبرت الحراك مهدداً لها إما وجودياً بسبب اصطفافها مع النظام أو حتى اقتصادياً خوفاً من تعرض خطوط تهريب الكبتاغون للخطر في حال أعادت الفصائل المحلية ما فعلته مع راجي فلحوط، وبين فصائل التزمت بدعم الحراك المحلي والتأكيد على وجودهم لحماية المظاهرات السلمية، حيث لجأت الميليشيات بداية لتشويه الحراك واعتباره مؤامرة خارجية انفصالية،([9]) ولاحقاً إلى تهديد الحراك وفتح عدة مقرات لحزب البعث عنوة بعد إغلاقها من قِبل المتظاهرين الرافضين لتواجد أفرع الأمن أو أفرع حزب البعث في المحافظة.([10])
كانت احتجاجات تموز 2022 نقطة تحول في تمترس الفصائل والميليشيات ووضوح أدوارها في المحافظة، وذلك بعد المواجهة بين الفصائل المحلية وراجي فلحوط التي أفضت إلى إنهاء فصيل راجي فلحوط واكتشاف مدى تورطه في تصنيع الكبتاغون وتجارته في المحافظة،(([11] وانعكس الأمر على باقي الميليشيات التي انحسر نشاطها إلى الخطف والاغتيالات نحو تركيزها على تجارة المخدرات عموماً والكبتاغون خصوصاً.
ولا تتشابه أدوار تلك الميليشيات في سلاسل تجارة المخدرات، وتوضح الشبكة رقم (2) أدوار الميليشيات ضمن تجارة الكبتاغون وأماكن تواجدها وارتباطاتها:
الشبكة رقم (2) أدوار الميليشيات ضمن تجارة الكبتاغون وأماكن تواجدها وارتباطاتها
كما يمكن ملاحظة دورين متكاملين تُنفذهما تلك الميلشيات، مع إمكانية مشاركة الميليشا في أكثر من دور ضمن سلاسل التجارة والتصنيع في المحافظة، وهي كالتالي:
ويضاف إلى تلك الأدوار أدوار أخرى متعلقة بإقناع المجتمع المحلي بتخزين الكبتاغون ريثما يتم تهريبه لاحقاً، حيث أدى التراجع الاقتصادي في المدينة إلى محاولة الميليشيات إشراك المجتمع المحلي في سلاسل تجارة الكبتاغون نظراً لعائدها المادي المرتفع وتقديم ضمانات من قبل تلك الميليشيات بتأمين الحماية للمتعاملين معهم، وبالتالي إغراق المجتمع المحلي بالمخدرات سواءً كتجارة أو كتعاطٍ مما يمنح نظام الأسد لاحقاً ورقة تؤهله لاستخدام حلول أمنية أو حتى عسكرية للتدخل في المحافظة وإيقاف الحراك المستمر ضده وسحب السلاح المتواجد خارج ميليشياته وأفرعه الأمنية بحجة مكافحة تجارة الكبتاغون.
تقاطع في محافظة السويداء في عامي 2023 و2024 ملفان أمنيان أحدهما محلي مرتبط بالحراك الثوري في المحافظة ومهدداته الأمنية، وملف تجاوز الجغرافيا السورية ليصبح مهدداً أمنيًا إقليمياً ودولياً، وهو تجارة المخدرات وماهيّة السُبل الواجب على الأردن أو الدول الأخرى تبنيها بهدف تقنين تهريب المخدرات ومكافحة إنتاجها، ويمكن تلخيص النتائج ضمن ثلاث حِزم:
ختاماً، لا يمكن أن تتم مكافحة تجارة وصناعة الكبتاغون بالتعاون مع نظام الأسد لتورط أفرعه الأمنية ضمن سلاسل التوريد، وقد يفضي التعاون معه إلى سقوط ضحايا مدنيين مما يُشكل توتراً بين أهالي السويداء والأردن، وهذا يصب في محاولات النظام بعدم تحقيق أي تقارب أردني مع الفصائل المحلية الساعية لذلك وخاصة رجال الكرامة، وقد يحقق التواصل بين الأردن والفصائل المحلية إنجازاً على صعيد تقنين تهريب الكبتاغون باتجاه السويداء، ومنع سقوط ضحايا مدنيين مستقبلاً. وعلى صعيد الحراك الثوري في المحافظة؛ يبقى المهدد الأمني الأكبر له هو الميليشيات التابعة للأفرع الأمنية وإيران وحزب الله، وهي المسؤولة في أغلبيتها عن تجارة المخدرات وجعل السويداء خط عبور بين أماكن تصنيع المخدرات والحدود السورية الأردنية.
([1]) اصطلح الباحث "ميليشيات" للمجموعات المسلحة التي تقوم بأدوار زعزعة أمنية مستمرة وتجارة المخدرات ولها تبعية للأفرع الأمنية أو لروسيا أو إيران، بينما مصطلح "فصائل" للمجموعات المسلحة المرتبطة بالحراك ضمن المحافظة ولا تتبع لجهات أخرى.
([2]) الكبتاغون هو الاسم التجاري ل "الفينيثيلين" أحد مشتقات مادتي الأمفيتامين والتيوفيلين.
([3]) انظر:
1- يمان زباد، المشهد الأمني في السويداء: قراءة في السياق والمآلات المتوقعة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 08/08/\2022 https://bit.ly/3WQoM84
2- يمان زباد، انتفاضة السويداء في آب 2023: تحديات أمنية وسيناريوهات مفتوحة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية 31/08/2023 https://bit.ly/3T2qWQW- 3- - يمان زباد، حراك السويداء ... تحديات أمنية ومظاهرات مستمرة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية 08/05/2024 https://bit.ly/3yTqfCO
([4]) صلخد والمزرعة.. مجموعات الأمن العسكري تتفكك، السويداء 24، 13/08/2022 https://bit.ly/46GmQDG
([5]) "رجال الكرامة"... حضور شعبي وعسكري يربك النظام في السويداء، العربي الجديد، ليث أبي نادر 06/08/2022 https://bit.ly/3ySozcC
([6]) أحداث السويداء الأخيرة.. حرب على العصابات أم استهداف لـ”المد الإيراني”، عنب بلدي، 02/08/2022 https://bit.ly/4fJMf3K
([7]) موقع الكونغرس الأميركي، 07/11/2023 https://bit.ly/3YI37l7
([8]) يعرب زهر الدين على رأس الميليشيات التابعة لنظام الأسد جنوب سوريا، شبكة شام الإخبارية، 10/01/2018 https://bit.ly/3yB5wDw
([9]) "مؤامرة كونية".. "بشار" يرسل محافظ دمشق كموفد حاملاً رسالة عتب من القيادة لوجهاء السويداء، شبكة شام الإخبارية، 03/08/2023 https://bit.ly/3SWSU0n
([10]) السويداء: مجموعات مرتبطة بالأمن العسكري تهدّد بقمع الحراك، المدن 09/11/2024، https://bit.ly/3vWaM3q .
([11]) السويداء.. حركة رجال الكرامة تعثر على مصنع مخدرات بمقر ميليشيا "فلحوط"، تلفزيون سوريا، 27/07/2022 https://bit.ly/4dThsj6
([12]) مقابلة أجراها الباحث مع أحد النشطاء الراصدين للمجموعات المسلحة في مدينة السويداء، تاريخ 26/07/2024.
([14]) السويداء.. ما تبعية فصيل سليم حميد الذي أطلق النار على المتظاهرين، عنب بلدي 08/08/2024 https://bit.ly/3ThKctU
([15]) كان سليم حميد قائداً لقوات الفهد التابعة للأمن العسكري، ولكن أجرى سليم مصالحة محلية في آب 2022 بعد أن هاجمت فصائل محلية مقراته.
فَشِلت الكليات العسكرية التابعة لجيش النظام في استقطاب الأعداد اللازمة لاستكمال النصاب العددي للراغبين بالتطوع كضباط في صفوف قواته ([1])، حيث أعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة بتاريخ 14 أيلول/ سبتمبر 2022 عن تمديد فترة فحص القبول للراغبين بالانتساب إلى الكليات العسكرية التابعة لها للمرة الثانية بعد أن سبق لها تمديد تلك الفترة لنصف شهر بتاريخ 29 آب/أغسطس الماضي، علماً أن هذه التمديدات الحالية في عام 2022 ليست الأولى، بل سبقها قرارات تمديد أخرى خلال السنوات القليلة الماضية ([2]).
تبدأ القيادة العامة للجيش عادة بالإعلان والترويج للانتساب إلى صفوف الكليات والمعاهد العسكرية بعد صدور نتائج الشهادة الثانوية وتستمر حتى بداية أيلول/ سبتمبر من كل عام ([3])، ومن يتم قبوله من الشباب أو الشابات، يلتزم بالكلية الحربية لمدة ثلاث سنوات قبل أن يتخرج منها برتبة ملازم تحت الاختبار، بمقابل خمس سنوات لطلاب الأكاديمية العسكرية على أن يتخرج منها برتبة ملازم أول مهندس.
خلال سنوات الثورة الأولى بدأ النظام ومن أجل تغطية النقص العددي الحاصل في صفوف قواته بزج طلاب الكليات الحربية بالعمليات العسكرية القريبة من مناطق تلك الكليات، كما قلص مدّة التخرج من ثلاث سنوات إلى سنتين من أجل الحصول على ضباط برتب صغيرة وبوتيرة أسرع وبالتالي يُسهم الضباط المتخرجون حديثاً بسد النقص العددي وبالأخص في سلك صف الضباط باعتبار الأخير عمود أي جيش، كما زاد النظام من عدد الطلاب المقبولين في الكليات عموماً من 1000 – 1200 سنوياً إلى 3500 – 5000، قبل أن تعود مدة التخرج والأعداد في السنوات الأخيرة لحالتها الطبيعية مع زيادة نسبية في عدد المقبولين.
بالمقابل كانت حركات التطويع والانضمام نشطة وبكثرة في صفوف قوات الدفاع الوطني والميليشيات الأخرى التي تم تأسيسها منذ منتصف عام 2011، وهو ما شكل حالة تنافس خفية ما بين المؤسسة العسكرية الرسمية والميليشيات الأخرى التي تعمل على استقطاب الشباب لصفوفها، وغالباً كان كل من لا يجد طريقه للكليات العسكرية يتوجه نحو التطوع في الميليشيات العاملة في سورية بما فيها تلك التي أسستها إيران.
عادت عمليات التطويع سواء في المؤسسة العسكرية أو الميليشيات بالنفع على النظام إذ استطاع الاستفادة من الموارد البشرية المتوفرة لدى الطرفين وتعبئتها لصالح العمليات العسكرية، إلا أن الاستفادة الحقيقية كانت بعد التدخل الروسي نهاية أيلول/سبتمبر 2015، وقيام روسيا بإعادة هيكلة بدأتها بالمؤسسة العسكرية أولاً ثم انتقلت لهيكلة الميليشيات حيث حلّت بعضها كميليشيا درع القلمون وصقور الصحراء وضمت بعضها للمؤسسة العسكرية ككتائب البعث التي تحولت للفيلق الخامس([4])، والقسم الآخر تم دعمه ليغير ولاءه من إيران نحو روسيا كلواء القدس الفلسطيني وغيرها ([5])، وهو ما دفع إيران أخيراً للتخلي عن مشروع الدفاع الوطني واستبداله بالدفاع المحلي([6]).
بعد مرور السنوات وبالأخص تلك التي شهدت أعنف المعارك القتالية، اكتشف عدد كبير ممن تعرض لإصابات بليغة أدت به للعجز كما اكتشف ذوو من قُتل مع الميليشيات أن لا حقوق تقاعدية أو تعويض إصابة أو قتل لهم من قبل مؤسسات الدولة، حتى أولئك الذين قاتلوا مع الميليشيات تمت مطالبة من لم يؤد الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية منهم بتأديتها([7])، وبالتالي فقد هؤلاء العديد من المزايا لصالح من تطوع ضمن المؤسسة العسكرية الرسمية، لاحقاً تم الالتفات إلى موضوع التعويضات واستطاع قسم من عناصر الميليشيات الاستفادة من التعويضات والحقوق الممنوحة، حيث أقر مجلس الوزراء تعويضاً شهرياً لمن أسماهم جرحى قوات الدفاع الشعبي([8]).
لاحقاً بعد انحسار العمليات العسكرية وتقلصها للحد الأدنى بالأخص بعد اتفاق آذار 2020 بين تركيا وروسيا، بدأت كتلة الموارد البشرية المتاحة للمؤسسة العسكرية بالارتفاع نتيجة دخول مناطق كثيرة ضمن نطاق المصالحات والتسوية أو نتيجة السيطرة العسكرية المباشرة على مناطق أخرى وهو ما أتاح للنظام التحاق عدد غير قليل بصفوف قواته، وبالتالي تم خلال السنتين الماضيتين إصدار عدة قرارات خاصة بالتسريح وإن لم تكن تنال رضى من خدم في صفوف قوات النظام لمدة 8 – 10 سنوات إلا أنها وضعت على الأقل حداً لمعاناتهم المستمرة([9])، بالمقابل انخفضت وتيرة الانضمام للميليشيات نتيجة انخفاض حدة المعارك ونتيجة الوضع القانوني غير المستقر للمنضمين لها.
إن المفاضلة الأساسية المتعلقة بالتطوع لصالح المؤسسة العسكرية أو لصالح الميليشيات تتمحور حول عدة دوافع أساسية تتضمن الراتب الذي يتقاضاه المتطوع والحقوق التقاعدية والبدل في حال مقتله، بالإضافة إلى مدى خطورة الوضع العسكري، وبالتالي تخضع عملية التطوع لهذه المفاضلة من أجل الوصول للقرار المناسب.
حالياً، ومع انخفاض حدّة المعارك بدأ عدد كبير من الشباب يفضل التوجه نحو التطوع في صفوف الميليشيات، حيث الرواتب أعلى والخطر أقل بالإضافة لوجود عدد أيام أقل للالتزام بها شهرياً في أماكن الخدمة مقارنة بالجيش، حيث تنتشر الدعوات المتعلقة بالتطوع في صفوف الميليشيات على وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك) ضمن مجموعات مغلقة وهذه الدعوات ليست حصراً على الذكور دوماً، بل تتضمن بعضها قبول الإناث أيضاً، وعادة ما يكون شرط العمر ذا طيف واسع من 18 وحتى 55 عاماً.
تأتي هذه الدعوات بحزمة متكاملة تتضمن تسوية التخلف أو الفرار العسكري (يتم استثناء الفارين ببعض الدعوات) كما تتضمن عدد أيام الخدمة شهرياً والراتب بالإضافة لوضع الإطعام والإمداد اللوجستي، وتتضمن تلك الدعوات صراحة الاستفادة من الموارد المتاحة في مناطق الخدمة، كتعفيش الحديد الذي يتم انتزاعه من بيوت الأهالي الذين تم تهجيرهم أو من المواسم الزراعية كالزيتون أو الفستق الحلبي وحتى حطب الأشجار المتوفرة بالإضافة للإتاوة والخاوة التي يتم الحصول عليها على الحواجز العسكرية، كما أن الخروج من الالتزام مع الميليشيات أسهل كثيراً من أن يكون الالتزام بعقد مع الدولة وهي ميزة إضافية تُضاف للمفاضلة الواردة في الأعلى.
إن الدعوات المنتشرة للتطوع تُشير صراحة للجهة التي يتم التطوع بها كالأمن العسكري أو الفرقة 25، بمقابل دعوات لصالح ميليشيات أخرى، وبشكل عام تُشير قدرة دعوات التطوع ومن يقف وراءها على تسوية التخلف أو الفرار إلى قوة وارتباط الميليشيا بقيادة النظام، ولكن بأي حال لا يعتبر هذا التطوع رسمياً بشكل كامل، ويمكن وصفه بالتطوع الهجين.
تدفع الإغراءات الواردة بدعوات التطوع بالميليشيات إلى تفضيلها على المؤسسة العسكرية الرسمية، حيث يمكن المفاضلة على الشكل التالي ([10]):
تبدو هذه السياسة ضمن توجه النظام نحو عسكرة المجتمع السوري وتحويل العسكرة لمهنة رائجة ومنتشرة في صفوفه، ثم الاستفادة من هذ التحول نحو استخدام السوريين كمرتزقة داخلياً أو حتى خارجياً، إذ لم يعد خافياً التجارب السابقة لمشاركة السوريين كمرتزقة في الصراع الليبي إضافة لما يدور حديثاً حول مشاركة ومقتل عدد من أفراد الفرقة 25 مهام خاصة التابعة للجيش السوري على جبهة مدينة "خيرسون" الأوكرانية وهم يقاتلون بجانب القوات الروسية هناك، حيث تحدثت تقارير عن وجود ما يقارب 2000 مقاتل سوري في أوكرانيا، قامت روسيا بتجهيزهم وتدريبهم خصيصاً للمشاركة في غزوها لأوكرانيا([11]).
بجميع الأحوال لا يعني هذا أن هناك عزوفاً تاماً عن التطوع في المؤسسة العسكرية، حيث يفضل عدد من الشباب التطوع رسمياً من أجل الحصول على امتيازات عسكرية ومادية مستقبلاً، بحيث يمتلك الشاب شبكة غير رسمية ترعاه وتُسهم في قبوله ضمن صفوف إحدى الكليات العسكرية، ثم تُسهم لاحقاً في فرزه العسكري لمكان خدمة معين سواء في الأمن أو في وحدات عسكرية قيادية على أن يكون الولاء لا التعليم العسكري هو المعيار الأول من أجل الترقية في الرتب والمناصب، حيث لا ينظر هؤلاء المتطوعين للراتب على أنه دخلهم الوحيد شهرياً، ويمكن القول أيضاً أن التطوع كضابط بعد أن كان شبه محصور في طائفة معينة بات الآن أقرب لأن يكون محصوراً ضمن طبقة معينة تتمتع بالنفوذ والمال.
يُسهم النظام السوري بشكل مباشر بتحويل الشباب السوريين نحو الارتزاق العسكري وعرض بندقيتهم للإيجار حيث يفضل أغلب الشباب القاطنين في مناطق سيطرته التطوع في صفوف الميليشيات على حساب التطوع بالمؤسسة العسكرية الرسمية، حيث يُشير هذا إلى وجود خلل بنيوي وظيفي يُضاف إلى سلسة التدمير التي قام بتنفيذها النظام على مدار عقود، ويثبت يوماً بعد يوم فشل النظام في بناء مؤسسات فاعلة ووطنية، وغاية النظام هي العبور من عنق الزجاجة بأي تكلفة كانت على أن تُبقيه في سدّة الحكم بغض النظر عن أي نتائج أخرى.
([1]) "لم يسجل نصف العدد المطلوب.. النظام السوري يمدد فترة القبول في كلياته الحربية"، تلفزيون سوريا، تاريخ النشر: 28/9/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3CcFhRC
([2])"تمديد فحص القبول للراغبين بالانتساب إلى الكليات العسكرية"، وزارة الدفاع السورية، تاريخ النشر: 14/9/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Ma3koV
([3]) "قبول دفعة جديدة من الشبان والشابات الراغبين بالانتساب إلى الكليات العسكرية"، وزارة الدفاع السورية، تاريخ النشر: 1/7/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3M7jteJ
([4]) عبدالله الغضوي، "روسيا تنهي مهمة إعادة هيكلة الجيش السوري.. بعد الفشل"، معهد الشرق الأوسط، تاريخ النشر: 20/7/2021، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3RxbDfL
([5]) "لواء القدس الفلسطيني: من الدعم الإيراني إلى الروسي"، المدن، تاريخ النشر: 5/2/2019، رابط إلكتروني: https://bit.ly/2IWWrdB
([6]) Navvar saban, “Factbox: Iranian influence and presence in Syria”, Atlantic Council, Publish Date: November 5, 2020, Link: https://bit.ly/3MfnmhR
([7])نصر إبراهيم، "القوات الرديفة من الفقر إلى القبر.. كيف عبث النظام بمصير الآلاف؟"، وكالة نورث بريس، تاريخ النشر: 6/1/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3UXvzvb
([8]) "زيادة بقيمة 20 ألف ليرة على التعويض الشهري لجرحى قوات الدفاع الشعبي"، رئاسة مجلس الوزراء، تاريخ النشر: 28/12/2021، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3fK32ZE
([9])"الأسد يصدر أمراً إدارياً بإنهاء الاحتفاظ والاستدعاء للخدمة العسكرية لبعض فئات الجيش السوري"، روسيا اليوم، تاريخ النشر: 27/8/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3EiYmEA
([11]) "رصد أول مجموعة سورية تُقتل في أوكرانيا"، صحيفة ليفانت نيوز، تاريخ النشر: 5/10/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3C7r7Bf