شهدت سورية منذ بداية الثورة في عام 2011 حالة من الاضطراب السياسي والعسكري، تمثلت في التشتُّت والانقسام الذي عانت منه القوى المعارضة لنظام الأسد. هذا التشتت، الذي شمل الفصائل العسكرية والهيئات السياسية، أسهم في إضعاف قدرة المعارضة على تحقيق أهداف الثورة، وجعلها تواجه تحديات كبيرة على مختلف الأصعدة. ومع مرور الوقت، برزت “هيئة تحرير الشام” كقوة مهيمنة في شمال غرب سورية، حيث استطاعت تطوير نفسها عسكريًا وسياسيًا رغم التصنيف الإرهابي لها.
مع تصاعد الأحداث، أصبح مشهد الصراع السوري أكثر تعقيدًا، حيث برزت تحولات استراتيجية في موقف “هيئة تحرير الشام”، التي تبنّت نهجًا براغماتيًا لبناء دولة أو شبه دولة في المناطق التي تسيطر عليها. في سياق هذا التحول، كانت عملية “ردع العدوان” نقطة فارقة في تطور المعارضة، حيث شهدت مرحلة جديدة من التنسيق العسكري والسياسي بين الفصائل، متجاوزة الانقسامات السابقة، وتركزت جهودها على استعادة الاستقرار في المناطق المحررة وتحقيق نموذج حكم متماسك.
ومع تحول مسار الصراع، كان تحرير دمشق أحد أبرز الأحداث التي شكلت نقطة تحول محورية، حيث انهار النظام بعد تدمير دفاعاته الأساسية، ما فتح الطريق أمام مرحلة جديدة من التحديات التي تواجهها المعارضة في إدارة الدولة السورية الجديدة. هذا السياق يشكّل اختبارًا حقيقيًا في بناء الدولة من خلال تحكمها في المؤسسات الحكومية والقدرة على تقديم الخدمات الأساسية للسكان، وسط الأزمات الإنسانية والاقتصادية التي يعاني منها الشعب السوري.
تمحورت المشكلة الرئيسية للقوى المعارضة على مدار الـ 13 عامًا الماضية في عدم وجود تنسيق فعّال، سواء بين الفصائل المسلحة أو بين الهيئات السياسية، ما نتج عنه ضعف في الأداء المشترك وفشل في تحقيق أهداف الثورة.
في البداية، تجسّد هذا التشتت في تعدد الجماعات المسلحة، وعدم وجود قيادة موحدة قادرة على تنسيق الجهود بين مختلف الفصائل. هذا التشرذم جعل المعارضة السورية تتسم بالفوضوية، حيث كانت كل جماعة تعمل بشكل منفصل، دون أن تكون هناك آلية فعالة للانسجام أو التنسيق فيما بينها.
أدّى التشظي الواسع إلى تصاعد الخلافات والانقسامات بين الفصائل. لا سيما أن هذه الجماعات كانت تتبنى توجهات أيديولوجية متعددة، ما أسهم في تنامي الصراعات الداخلية بدلًا من التوحد لمواجهة نظام الأسد، ناهيك عن تداخل المصالح الإقليمية والدولية الذي لعب دورًا كبيرًا في تعميق هذا التشتت، حيث ارتبطت بعض الفصائل بداعمين خارجيين ذوي مصالح متباينة، ما ساهم في زيادة تفكيك صفوف المعارضة.
شكّل ارتباط بعض الفصائل بأنظمة إقليمية ودولية تهديدًا أيديولوجيًا وسياسيًا لبعضها البعض، مع بروز تدخلات أجنبية معقدة، أبرزها التدخل الروسي الذي شكّل نقطة تحول حاسمة في الحرب السورية، ما منح نظام الأسد تفوقًا استراتيجيًا على الأرض، على حساب السيطرة العسكرية لقوى المعارضة السوري، حيث فقدت حوالي 70% من المناطق التي كانت تحت سيطرتها.
شكلت خسارة المدن والمناطق الحيوية مثل حلب الشرقية عام 2016 والغوطة الشرقية عام 2018، ضربة موجعة أثّرت على مصداقية المعارضة وحجم قوتها العسكرية. تلك الخسائر أظهرت مستوى الضعف في التنسيق العسكري والسياسي، الأمر الذي أسهم في تعزيز موقف النظام وحلفائه سياسيًا، كما أن انتشار جماعات متطرفة مثل “داعش” و”جبهة النصرة” في بعض المناطق ساهم في تشويه صورة المعارضة في الداخل والخارج، ما جعلها تفقد جزءًا من دعمها الشعبي والدولي.
وإلى جانب الشق العسكري، كان فشل المعارضة السورية في بناء كيان سياسي موحد من أبرز العوامل التي أسهمت في تراجعها، حيث فشلت جميع محاولات توحيد صفوف المعارضة تحت جسم سياسي جامع. ورغم جهود المجتمع الدولي لتأسيس كيانات مثل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” و”هيئة التفاوض”، فإن هذه المحاولات باءت بالفشل بسبب الانقسامات المتعددة على الصعيد السياسي والأيديولوجي، وانفكاك الارتباط بينها وبين الفواعل المحلية.
عجز المعارضة عن بناء رؤية سياسية موحدة ساهم أيضًا في تراجع دورها في المحافل الدولية، ما جعلها غير قادرة على التأثير في مسار الأحداث. في وقت كانت القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، قد بدأت في إعادة توجيه أولوياتها بعيدًا عن دعم المعارضة السورية.
أبرز التحولات الدولية تجسد في قرار إدارة ترامب عام 2017 بوقف برنامج تسليح المعارضة المعتدلة، وهو ما أضعف قدرتها على مقاومة النظام. وعزّز هذا الواقع حقيقة أن المؤتمرات الدولية مثل أستانا وسوتشي قد عملت على تثبيت مناطق خفض التصعيد، وهو ما تمّت ترجمته عمليًا إلى تجميد حالة النزاع لصالح نظام الأسد. تضاف إلى ذلك التغيرات في المواقف الإقليمية لبعض الدول الداعمة للمعارضة، كالسعودية والإمارات، والتي ساهمت في عزلها سياسيًا، وزادت من صعوبة موقفها على الساحة الدولية.
في ظل هذه البيئة المضطربة، برزت “هيئة تحرير الشام” كلاعب رئيسي في شمال غرب سورية، حيث استطاعت رغم نشأتها من رحم تنظيم القاعدة، أن تبني نفسها بشكل تدريجي على الصعيدَين العسكري والسياسي.
رغم تصنيفها كمنظمة إرهابية، تمكنت “تحرير الشام” من إجراء تحولات استراتيجية جعلتها تفرض نفسها كقوة مهيمنة في المناطق التي تسيطر عليها. كان أهم هذه التحولات هو تبني نهج براغماتي يعتمد على بناء دولة أو شبه دولة في مناطق سيطرتها، إذ أقدمت على إنشاء “حكومة الإنقاذ السورية” في عام 2017، التي عملت على تكوين إدارة مدنية منظمة تشمل مؤسسات حكومية، محاكم، ونظامًا ماليًا دقيقًا، بالإضافة إلى ضبط أمن داخلي عالي المستوى.
رغم أن هذه الخطوة قد اُعتبرت رمزية في بعض الأحيان، فإنها منحت الهيئة درجة من الشرعية المحلية، وحسّنت قدرتها على ضبط الحياة المدنية والمجتمعية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
عسكريًا، عززت “هيئة تحرير الشام” من قدراتها من خلال تحديث قواتها، إذ قامت بإعادة هيكلة جيشها على أساس الانضباط العسكري الصارم. منها تشكيل كلية عسكرية وكلية شرطة، تم تبني تقنيات حديثة، بما في ذلك الطائرات المسيَّرة التي أحدثت فارقًا كبيرًا في موازين القوة العسكرية، وأدّت إلى تحسين تكتيكات الهيئة في المعارك مع قوات النظام وحلفائه. هذا التطور العسكري مكّن الهيئة من فرض هيمنتها في بعض المناطق، وزيّن صورتها كقوة ميدانية قادرة على تغيير مجريات الحرب لصالحها.
من الناحية الاقتصادية، واجهت “هيئة تحرير الشام” تحديات كبيرة بسبب ندرة الموارد في المنطقة، لكنها استطاعت تخطي هذه العقبات عبر فرض السيطرة على المعبر الحدودي مع تركيا، وإحداث معبر مع مناطق غصن اليزيتون لجباية الضرائب والرسوم الجمركية، بالإضافة إلى احتكارات واسعة، ما أعطاها إمكانية تمويل عملياتها العسكرية والإدارية بشكل مستقل، وعزز قوتها المالية وتمكينها من ترسيخ سلطتها في المناطق الخاضعة لها.
في مراحلها الأخير، كادت الاضطرابات الشعبية ضد “هيئة تحرير الشام” التي نظمها “حزب التحرير” أن تغير المشهد المحلي في إدلب كليًا، حيث ارتبطت الاحتجاجات في بعض مناطق إدلب وريف حلب الغربي بعوامل محلية ومناطقية، مثل التهميش الذي تعرضت له مدينة الأتارب، ما دفع إلى خروج تظاهرات ضد الجولاني بعد إطلاق حملة “لا لتهميش الأتارب”.
توزُّع الناشطين وكثافة السكان لعبا دورًا في انتشار التظاهرات، وبينما انتشرت في إدلب بشكل كبر غابت عن مناطق جبل الزاوية لضعف عدد السكان وقلة الناشطين. في المقابل، غابت المظاهرات عن مناطق مثل الدانا وحارم وسلقين، بسبب زيادة الوجود الأمني لـ”هيئة تحرير الشام” أو ضعف الحراك المدني.
تمكن الجولاني من تعزيز قدرته على ضبط الواقع الداخلي للهيئة والمناطق الخاضعة لسيطرتها، بعد مقتل القيادي أبو ماريا القحطاني، حيث شكّل مقتله نقطة تحول في تسوية بعض التوترات الداخلية داخل الهيئة، ما أتاح للجولاني تعزيز سلطته وزيادة قبضته الأمنية على المناطق التي كانت تشهد بعض الفوضى والاحتجاجات.
استطاع الجولاني استثمار هذه الفترة لزيادة تأثيره، من خلال اتخاذ إجراءات أمنية مشددة ضد أي تحركات معارضة داخل مناطق نفوذه. كما عززت الهيئة من عملياتها الاستخباراتية والمراقبة، ما جعل من الصعب تنظيم تظاهرات واسعة أو حركات احتجاجية ضد سياسات الهيئة، وبالتالي خفضت فرص تصاعد أي حراك معارض لها.
تمكنت “هيئة تحرير الشام” من توحيد القوى المحلية تحت قيادتها، حيث عملت على تحجيم تأثير الفصائل المنافسة وتعزيز دورها كقوة مركزية في المنطقة. ورغم الاستمرار في مواجهة الضغوط السياسية والعسكرية، فإن الهيئة استطاعت تقديم نفسها كفاعل أساسي في الحرب السورية، يملك من القوة ما يسمح له بإعادة تشكيل الواقع الميداني والسياسي في الشمال السوري.
“ردع العدوان” ومرحلة الفصل
تمثل عملية “ردع العدوان” نقطة تحول رئيسية في الصراع السوري، حيث عكست قدرة المعارضة المسلحة على الجمع بين الحسم العسكري والإدارة السياسية لتحقيق أهداف استراتيجية تتجاوز المكاسب الميدانية.
على الصعيد العسكري، أظهرت العملية درجة عالية من التنظيم والتنسيق، إذ تمكنت غرفة العمليات المشتركة بقيادة “هيئة تحرير الشام”، برئاسة أبو محمد الجولاني، من تحقيق انضباط فصائلي غير مسبوق.
غرفة العمليات هذه جمعت تحت مظلتها العديد من الفصائل، مثل “حركة أحرار الشام” و”الجبهة الوطنية للتحرير”، ما ساهم في تجاوز الانقسامات التي كانت تعيق الفاعلية القتالية في الماضي. فالمعركة الأخيرة على جبهات إدلب وحلب وحماة، أثبتت أن التعاون الميداني يمكن أن يخلق قوة تكتيكية فعّالة قادرة على مواجهة قوات نظام الأسد المدعومة من حلفائها الإقليميين والدوليين.
أحد أبرز العوامل التي عززت نجاح العملية، كان الاستخدام المبتكر للطائرات المسيَّرة، التي أدارتها “كتيبة شاهين”. هذه المسيَّرات لم تكن مجرد أدوات استطلاع، بل أصبحت وسيلة رئيسية لتنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف النظام، ما مكّن الفصائل من تحقيق تفوق تكتيكي ملحوظ.
إضافة إلى ذلك، اعتمدت القوات العسكرية على تقنيات متقدمة أخرى، مثل المناظير الليلية والأسلحة الموجهة لتوسيع قدراتها الميدانية، ما ساهم في تحسين أدائها في العمليات الليلية والصراعات الممتدة، علاوة على ذلك لعب الانضباط العسكري دورًا محوريًا في نجاح العملية، فالمقاتلون في صفوف الفصائل أظهروا انضباطً عسكريًا عاليًا خلال المعارك، حيث التزموا بالقوانين التنظيمية والتعليمات العسكرية.
انعكس الانضباط ضمن قوات “ردع العدوان” على تنفيذ العمليات بشكل منظم، ما ساعد في تعزيز التنسيق بين القوات المختلفة وحسن توزيع المهام على الجبهات. كان هذا الانضباط حجر الزاوية في التنسيق السلس بين كتل العسكرية المختلفة، كما أنه أتاح للمقاتلين القيام بمناورات معقدة وتنفيذ ضربات دقيقة ضد قوات النظام.
الانغماسيون، الذين شكلوا جزءًا أساسيًا من العمليات القتالية، أظهروا قدرة استثنائية على ضرب خطوط العدو بشكل مفاجئ وفعّال، خاصة على جبهتَي حلب وحماه، من خلال تكتيكات الاقتحام السريع والضربات المباغتة.
استطاع هؤلاء المقاتلون إرباك قوات النظام، ما خلق فجوات في دفاعات النظام وساهم في تعطيل خطوط الإمداد والاتصال. كانت هذه العمليات تتطلب مستوى عاليًا من التدريب والانضباط، حيث كان الانغماسيون يتعرضون لمخاطر كبيرة من أجل إحداث تأثير مباشر على تقدم القوات النظامية.
سياسيًا، لم تقتصر أهداف عملية “ردع العدوان” على كسب المعارك، بل سعت إلى ترسيخ نموذج للحكم المؤسساتي في المناطق المحررة حديثًا، من خلال إعادة تفعيل المؤسسات الحكومية بشكل منظم ودون إقصاء للموظفين السابقين للنظام، حيث اختارت القيادة نهجًا متسامحًا يهدف إلى بناء الثقة بين السكان المحليين. هذا النهج كان جزءًا من استراتيجية أوسع لتحقيق الاستقرار طويل الأمد، حيث تم تفادي الأعمال الانتقامية التي قد تثير اضطرابات مجتمعية.
النجاح في السيطرة على ثاني أكبر مدينة في سورية تحول إلى حالة ترميزية لإعادة فرض السيادة الوطنية، لكنه جاء مشفوعًا بخطوات عملية لتعزيز شرعية القيادة، منها الالتزام بمبدأ “الشرعية الخدمية”. عبر توفير الخدمات الأساسية للسكان، مثل الخبز والوقود، إضافة إلى ضبط الأمن الداخلي، نجحت القيادة في كسب التأييد الشعبي، ما عزز من مكانة المعارضة كبديل مقبول للنظام السوري.
الأبعاد الإنسانية والاقتصادية: بناء الاستقرار في خضمّ النزاع
رغم أن عملية “ردع العدوان” ركزت في الأساس على الحسم العسكري، فإن القيادة أدركت أن الاستقرار لا يمكن تحقيقه دون معالجة الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية للسكان المحليين، فالمناطق المحررة عانت من أزمات متعددة نتيجة الصراع الطويل، بما في ذلك نقص الخدمات الأساسية وتدهور البنية التحتية.
في هذا السياق، أظهرت القيادة مرونة كبيرة في التعامل مع الموارد المحدودة، حيث تبنّت استراتيجية فعّالة لإعادة توزيع الموارد المحلية لتلبية احتياجات السكان، ما ساهم في تفادي سيناريوهات الفوضى الاقتصادية التي عادةً ما تصاحب انهيار المؤسسات في مناطق النزاع.
تمثلت الخطوة الأولى في تحسين الأمن الداخلي لضمان استقرار الحياة اليومية للسكان، حيث نجحت الفصائل في إنشاء نظام أمني يعتمد على ضبط الموارد البشرية وتفعيل الشرطة المحلية، هذه الإجراءات كانت ضرورية لتجنب انتشار الفوضى وتعزيز الثقة بين السكان والقيادة.
في الجانب الاقتصادي، واجهت القيادة تحديات هائلة بسبب ضعف البنية التحتية والتمويل. رغم ذلك، تمكنت من تأمين احتياجات أساسية للسكان، مثل المواد الغذائية والمحروقات، ما خلق بيئة مستقرة ساعدت على تحسين نوعية الحياة في المناطق المحررة.
هذا التوجه الخدمي لم يكن مجرد استجابة لحاجات السكان، بل كان جزءًا من استراتيجية شاملة لكسب القلوب والعقول، حيث أدركت القيادة أن النجاح العسكري لن يكون له قيمة ما لم يصاحبه رضا شعبي واسع.
كان للدور الإقليمي، خصوصًا الدعم التركي، عاملًا حاسمًا في نجاح هذه الجهود. رغم غياب الدعم الدولي المباشر، حيث ساهمت تركيا في تعزيز قدرات الفصائل من خلال توفير تقنيات حديثة ودعم لوجستي غير معلن وسياسي، ما أتاح للمعارضة فرصة لتحسين أدائها العسكري والاقتصادي.
على الصعيد الإنساني، حرصت القيادة على تقديم صورة متسامحة ومتماسكة تعكس رؤية جديدة لإدارة التنوع الطائفي والديني في سورية. في هذا السياق، أظهرت تعاملًا إيجابيًا مع المجتمعات الشيعية والمسيحية في المناطق المحررة، كمسحيي مدينة حلب، وسكان نبل والزهراء، ما ساعد على تهدئة التوترات الطائفية التي كانت تؤجّج الصراع.
هذا النهج لم يقتصر على تحسين العلاقات مع المكونات المحلية، بل ساهم أيضًا في تعزيز صورة المعارضة أمام المجتمع الدولي كقوة جامعة قادرة على إدارة التنوع بفعالية.
بذلك، تكون عملية “ردع العدوان” قد حققت نموذجًا استثنائيًا لإدارة الأزمات في بيئة سياسية واجتماعية معقدة. من خلال الجمع بين الحسم العسكري، الحنكة السياسية، والإدارة المجتمعية، نجحت العملية في تحقيق أهداف متعددة الأبعاد تجاوزت حدود المواجهة العسكرية المباشرة مع نظام الأسد.
أثبتت التجربة أن النجاح في مناطق النزاع لا يقتصر على التفوق الميداني، بل يتطلب استراتيجية شاملة تعالج الاحتياجات الإنسانية، تعزز الشرعية السياسية، تبني توافقات مجتمعية طويلة الأمد، التركيز على تقديم الخدمات الأساسية، تعزيز الأمن، واحترام التنوع الديني والطائفي كان حجر الزاوية في هذا النموذج.
تحرير دمشق: “ردع العدوان” واختبار الدولة
إن ما أنجزته عملية “ردع العدوان” في مراحلها الأولى -سيطرتها على كامل محافظة حلب-، يمثل تحولًا استراتيجيًا بالغ الأهمية على الصعيدَين العسكري والسياسي. فقد أسفرت العمليات العسكرية الناجحة عن كسر خطوط الدفاع الأخيرة في حماة، ما أدّى إلى تمدد سيطرة المعارضة على مناطق واسعة، وأسهم في تصدع نظام الأسد وجيشه بشكل غير مسبوق.
فتح هذا التقدم العسكري المباغت جبهات أخرى في درعا والسويداء وشرق حمص، وهو ما هيَّأ الطريق أمام تحرير دمشق، نقطة القلب لنظام الأسد. مع تحرير العاصمة، انهار النظام رغم كل محاولاته البائسة في الصمود، ليجد رأس النظام نفسه في نهاية المطاف هاربًا، بعد أن فشل في تنفيذ أي من خطواته العسكرية والسياسية الأخيرة.
أدّى هذا التحرير إلى حالة من الفوضى الكبيرة في دمشق، حيث شهدت المدينة عمليات سطو وسرقة نفّذتها مجموعات صغيرة من بعض السكان الذين استفادوا من الانفلات الأمني. مع ذلك، كانت هناك خطوات هامة في مواجهة هذا الوضع، إذ قامت “إدارة العمليات العسكرية” بتنسيق إجراءات عملية لاستعادة الاستقرار.
تمثلت أولى خطواتها بالاتصال برئيس مجلس الوزراء السابق للحفاظ على الوزارات والمؤسسات الحكومية، كما تم التنسيق مع البعثات الدبلوماسية للبقاء في عملها، وهو ما ساهم في تجنب حالة الفراغ السياسي، وضمان استمرارية بعض المؤسسات الحكومية الحيوية.
كانت هذه الاستراتيجية بمثابة اختبار حقيقي لإمكانية التنسيق والعمل المنظم في ظل الظروف الصعبة، حيث تم العمل على تأمين المؤسسات الحكومية والسيطرة على الأوضاع الأمنية. هذا التماسك الذي أظهرته “غرفة العمليات العسكرية “ساعد في فتح آفاق جديدة للاستقرار، وكان له دور فاصل في تعزيز إمكانية الدعم الدولي لإعادة بناء الدولة السورية والمجتمع.
كان هذا الدعم حيويًا في مساعي تحقيق السلم الأهلي، وهو ما ظهر في تغيُّر المواقف الدولية، من دول إقليمية ودولية ومنظمات دولية، التي أظهرت استعدادها لدعم المرحلة الانتقالية في سورية.
في هذا السياق، عملت قوات المعارضة على ضبط الأمن الداخلي في دمشق التي كانت تعاني من التشتت والفوضى، عبر سحب السلاح من المدنيين وضمان أمن الأحياء. إلا أن هذا الاستقرار الداخلي لم يكن خاليًا من التحديات، حيث نشطت “إسرائيل” على الجبهة الجنوبية، وقامت بغارات جوية استهدفت أكثر من 100 موقع عسكري في محيط العاصمة، ما يعكس تعقيد الوضع الإقليمي وتأثير القوى الخارجية على مجريات الأحداث في سورية.
تحديات وفرص
في إطار الجهود المبذولة للحفاظ على المؤسسات الحكومية السورية بعد انهيار النظام، قامت قيادة “غرفة العمليات العسكرية” بتكليف الحكومة السورية السابقة بقيادة الجلالي للمساعدة في تنظيم المرحلة الانتقالية.
وبعد يومين من هذه الخطوة، أعلنت القيادة العامة تكليف محمد البشير رئيس حكومة الإنقاذ في إدلب، بتشكيل حكومة مؤقتة لإدارة شؤون دمشق لمدة 3 أشهر تنتهي في 1 مارس/ آذار 2025، وقد أخذ البشير معه وزراء حكومته من إدلب لاستلام مهامهم في الوزارات بدمشق، في خطوة تهدف إلى إعادة تنظيم الجهاز الحكومي وتعزيز استقرار البلاد في هذه المرحلة الحرجة.
لن تكون مهمة الحكومة الجديدة سهلة وإنما ستواجه تحديات جمّة لا يمكن حصرها، إلا أنه يمكن تحديد أكثرها وضوحًا في هذه المرحلة، أهمها:
إدارة الدولة بشكل شامل
ستكون مهمة الحكومة الجديدة في إدارة سورية بشكل موحد أمرًا بالغ الصعوبة في ظل تنوع المكونات الطائفية والسياسية، في ظل غياب إشراك جميع الفئات والمكونات في عملية إعادة البناء السياسي والاجتماعي، وهو ما يفاقم التحدي.
بعض الفصائل أو المكونات قد تجد أن مصالحها مهددة نتيجة هذه العملية، ما قد يؤدي إلى معارضتها أو مقاومتها لهذا التوجه، خاصة إذا شعرت أن سياساتها أو توجهاتها قد تتأثر سلبًا في أعادة بناء الجيش والقوات المسلحة.
إعادة بناء الجيش والقوات المسلحة
تعرض الجيش السوري لتدمير شبه كامل بسبب الهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة، فضلًا عن تفكُّك قوى الأمن الداخلي. إعادة بناء هذه المؤسسات الحيوية ستكون عملية طويلة ومعقدة تحتاج إلى تأهيل ضباط وجنود، فضلًا عن إصلاح الأنظمة الأمنية لضمان الحفاظ على الأمن الوطني.
بقاء رموز النظام السابق في الحياة السياسية والدبلوماسية
تواجه الحكومة الجديدة معضلة في مسألة بقاء رموز النظام السابق في المناصب الدبلوماسية والسياسية. الحكومة أمام خيارَين: إما إبقاء هؤلاء الأشخاص في المحافل الدولية لما لديهم من خبرة، وإما استبدالهم بعناصر جديدة قد تفتقر إلى الكفاءة الدبلوماسية، ما سيؤثر على قدرة الحكومة الجديدة على بناء علاقات دولية قوية.
إعادة هيكلة الفصائل العسكرية
توحيد الفصائل العسكرية المنتشرة في مختلف مناطق سورية تحت قيادة وزارة الدفاع يمثل تحديًا أمنيًا، فضلًا عن ضرورة جمع الأسلحة من المدنيين، فإن الوضع العسكري المعقد سيزيد من صعوبة هذه المهمة، ما يتطلب تنسيقًا عالي المستوى بين الفصائل المختلفة لضمان انضباط الجيش وتجنب أي صراعات داخلية.
العدالة الانتقالية ومحاسبة مجرمي الحرب
مشكلة العدالة الانتقالية تظل عقبة رئيسية أمام الحكومة الجديدة، حيث يتعين محاسبة العديد من الشخصيات المتورطة في جرائم ضد الإنسانية خلال فترة حكم النظام السابق. إرساء العدالة في ظل انهيار النظام ووجود مئات المتورطين سيكون عملية صعبة ومعقدة من الناحية القانونية والسياسية.
تواجد القوات الأجنبية في سورية، سواء كانت روسية أو أمريكية أو تركية، يشكل تهديدًا لاستقلالية القرار الوطني. ستواجه الحكومة الجديدة ضغوطًا من هذه القوى الأجنبية التي تسعى لتعزيز مصالحها في الساحة السورية، وسيكون من الضروري الحفاظ على سيادة سورية بينما تتعامل مع التحديات الناتجة عن هذه التدخلات الدولية.
تتمثل الفرص المتاحة أمام الحكومة الجديدة في عدة جوانب مهمة، تساهم في تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي في البلاد.
أولًا، توفر الجغرافيا السورية وإمكانيات التوسع نحو الشرق، ما يتيح الوصول إلى موارد حيوية مثل النفط والغاز، بالإضافة إلى إمكانية تعزيز الاستثمار الزراعي في المناطق الخصبة. كما أن فتح المعابر الحدودية سيعزز فرص جذب رؤوس الأموال الأجنبية، ما يساهم في دعم الاقتصاد السوري.
ثانيًا، هناك احتمال كبير في رفع العقوبات الأمريكية والغربية عن سورية بعد تغيُّر المعطيات الميدانية والسياسية في سورية، وهو ما قد يساهم في انتعاش اقتصادي كبير، ويؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الدولي لإعادة إعمار البلاد.
من جهة أخرى، يمثل خروج إيران من المنطقة نقطة تحول مهمة في سورية، من شأنه أن يسهم في تسريع انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، وبالتالي يعتبر مؤشرًا على قدرة الحكومة الجديدة في مكافحة الإرهاب وحماية السيادة الوطنية.
إضافة إلى ذلك، يحظى التأييد الدولي الواسع للحفاظ على استقرار ووحدة الأراضي السورية بتأثير إيجابي في تعزيز الاستقرار السياسي في البلاد، ما يمهّد لإعادة بناء سورية بعيدًا عن التدخلات الأجنبية.
ختامًا، يمكن التأكيد على أن الصراع السوري قد شهد تحولات استراتيجية عميقة، أثّرت بشكل كبير على الأوضاع العسكرية والسياسية في البلاد. لقد نجحت “هيئة تحرير الشام” في تعزيز حضورها وتوسيع نفوذها، ما أدّى إلى تعديل موازين القوى المحلية، وجعلها طرفًا رئيسيًا في المعادلة العسكرية والسياسية، رغم التصنيفات الدولية التي تضعها في خانة التنظيمات الإرهابية.
أسفر هذا الصراع عن مشهد معقد من القوى المتنازعة، وهو ما يعكس الحاجة الملحّة إلى مقاربة شاملة لحلّ النزاع، تقوم على إعادة بناء الهياكل السياسية والأمنية في سورية بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوري، ويساهم في تحقيق الاستقرار والسلام المستدامَين.
ورغم الصعوبات المستمرة في إتمام التسوية السياسية، فإن التغيرات التي شهدتها سورية تؤكد على ضرورة العمل المشترك بين مختلف الأطراف، وتدعو إلى تكثيف الجهود من أجل التوصل إلى حل شامل يضمن استقرار البلاد، ويحقق العدالة الاجتماعية والتنموية لجميع السوريين.
المصدر: نون بوست
بتاريخ 6 تشرين الأول 2020 وخلال مقابلته مع موقع السورية نت؛ أوضح الباحث في مركز عمران للراسات الاستراتيجية معن طلاع أن نظام الأسد فرض ثلاث شروط لانخراطه في العملية الدستورية كاعتبار مخرجاتها بمثابة مقترحات دستورية تعرض على مجلس الشعب والاستفتاء، وأن تبدأ العملية في جنيف ولكن تٌخرج من دمشق، إضافة الى عدم وجود إطار زمني محدد لعمل اللجنة الدستورية.
وأكد طلاع أن هذه الشروط جعلت استحقاق الدستور هو استحقاق حكومي أكثر مما هو استحقاق سياسي، وبالتالي فإن النظام أراد تعطيل كافة استحقاقات القرار 2254 والمضي باستحقاقاته بغية فرض واقع سياسي جديد يرتجي به الشرعنة والقبول الدولي.
المصدر السورية نت: https://bit.ly/36PVvlT
شارك الباحث منير الفقير، بندوة نقاشية افتراضية بعنوان: تغيرات المؤسسة الدينية في دمشق بعد انتفاضة 2011، عقدها مركز كارنيغي للشرق الأوسط، وذلك بتاريخ 24 حزيران 2020،
غيرت انتفاضة 2011 في سوريا المشهد الديني السني في دمشق بشكل كامل، فمن جهة أخرج النظام شخصيات دينية فاعلة بارزة أُجبرت على تشكيل كيان ديني معارض "المجلس الإسلامي السوري"، ومن جهة أخرى أعاد النظام تشكيل من بقي من المؤسسات الدينية المتنافسة داخل دمشق على عينه. سلب هذا التغيير المؤسسة الدينية داخل دمشق استقلاليتها المالية والإدارية، التي تعد من أهم ميزاتها، وأتاح الفرصة لرجال الدين السنة في ريف دمشق لدخول ساحة المنافسة في المجال الديني، كما وضعت المجلس الإسلامي السوري أمام تحديات كبيرة، أهمها أنه يعمل من المنفى.
قدم الباحث في مركز عمران، بدر ملا رشيد تصريحاً ضمن مادة نشرتها جريدة عنب بلدي بعنوان: من "كورونا" إلى المواجهة المباشرة.. ماذا وراء التوترات بين “الإدارة الذاتية” والنظام في القامشلي.
رأى فيها الباحث أنه يمكن إدراج التوتر، فيما يخص اتهام “الإدارة الذاتية” للنظام بمحاولة نشر “كورونا” في شمال شرقي سورية، ضمن عدة أطر، منها مواجهة إهمال النظام لضبط عملية نقل المسافرين من دمشق إلى القامشلي دون أي تنسيق مع “الإدارة الذاتية”، وتسهيل الطريق لكثير من المسافرين ليعبروا دون المرور بحواجز “أسايش” (الذراع الأمنية لـ”قوات سوريا الديمقراطية”) في المنطقة، وفق قوله.
مضيفاً ملا رشيد لعنب بلدي أن سلوك النظام هذا يقابله سعي “الإدارة الذاتية” لتوجيه رسالة للأهالي في المنطقة بأنها تقوم بعملية مواجهة احتمال انتشار الفيروس، والتأكيد على أنها السلطة الفعلية في المنطقة.
للمزيد انقر الرابط المصدر:https://bit.ly/3aKarA7
أجرى موقع SY24 مقابلة صحفية مع الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، محمد منير الفقير، حول منح حكومة نظام الأسد الحق لإحدى الشركات دون الإفصاح عن هوية هذه الشركة، الحق في تحويل العقار المشاد عليه مقهى الحجاز ومحطة الحجاز والمحلات القديمة في قلب العاصمة دمشق، إلى مجمع سياحي وفندق خمس نجوم.
حيث رأى الفقير أن هذا المشروع يأتي في سياق عدة مشاريع نفذتها شركة دمشق القابضة، ويبدو أن الشركة نفسها ستكون في هذا المشروع.
مؤكداً الفقير أن هذا المشروع نتيجة لسياسات اتبعها محافظ دمشق السابق بشير الصبان بخصوص دمشق والكل يعلم علاقاته القوية مع إيران والمشاريع التي نفذها في دمشق القديمة لصالحها، وكل ذلك يدل على التوجه لتغيير وجه دمشق الحضاري وتغيير صبغتها الحضاري”.
كما أشار الباحث إلى أن ما يجري هو تجني فاضح على ثقافة دمشق وعلى هويتها الحضارية القديمة وهي سياسة يتبعها النظام، ومن الواضح أن إيران لها مصلحة فيها”.
لافتاً الباحث إلى أمر خطير وهو محاولة تشويه الأوابد العثمانية في دمشق، أو أي شيء يشير للأتراك بدمشق يبدو أن هناك محاولة لطمسه وتشويهه، مؤكداً أن فعل مثل هذا الأمر هو “طمس لتاريخ هذه الحقبة التي تواجد خلالها العثمانيون في دمشق”.
ملخص تنفيذي
تركزت أولويات حكومة النظام السوري خلال شهر آب 2018 على الملفات التالية: تحديث المنظومة القانونية، عودة اللاجئين، مكافحة الفساد، التحضير لانتخابات الإدارة المحلية.
أنهى مجلس الوزراء دراسة التشريعات الصادرة في سورية، وذلك ضن خطة أعدتها الأمانة العامة لمجس الوزراء بهدف تهيئة البيئة القانونية لمرحلة "ما بعد الحرب"، حيث شملت الدراسة 949 تشريعاً صدروا في الفترة الممتدة منذ ما قبل 1970 لغاية 2018، لتخلص الدراسة إلى اقتراح تعديل 190 تشريع قانوني. ([1])
كما حظي ملف عودة اللاجئين بأهمية من قبل الفريق الحكومي تمثلت بإحداث "هيئة التنسيق لعودة المهجرين في الخارج"([2])، وتتألف اللجنة بموجب القرار من وزير الإدارة المحلية والبيئة رئيساً وعضوية معاوني وزراء الخارجية والمغتربين والداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والإعلام وممثلين عن وزارة المصالحة الوطنية والجهات المختصة، هذا وقد عقدت الهيئة اجتماعها الأول منوهةً بعودة ثلاثة ملايين ونصف مهجر إلى مناطقهم في الداخل (دير الزور، الغوطة الشرقية، الرقة المحررة، حمص، حلب، القنيطرة).([3])
في ملف مكافحة الفساد، أقر اجتماع حكومي تطوير عمل الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية، سيما فيما يتعلق بالهيكلية الإدارية وتدريب الكوادر البشرية وتقييمها وتأمين المباني والآليات والتجهيزات وتفعيل الأتمتة والربط الشبكي بين المركز والفروع، وتشكيل فرق عمل خاصة في كل من "الهيئة والجهاز" لتنفيذ مهام محددة وإعداد تقارير تتبع دورية عن جميع قضايا الفساد "قيد التحقيق" وإرسالها لمجلس الوزراء. هذا وأوضحت آمنة الشماط رئيسة الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش عن تفعيل قانون الكسب غير المشروع، الذي يطبق بشكل سري ولا يستطيع أحد الاطلاع على ذلك إلا الجهات المعنية فقط.([4])
في سياق مكافحة الفساد، كشف موقع موالي للنظام عن قضية فساد في صناعة الاسمنت تصل قيمتها إلى 5 مليارات ل.س (حوالي 11 مليون $) سورية، وهو ما أدى إلى توقيف كل من؛ مدير عام المؤسسة العامة للإسمنت ومدير إسمنت عدرا وعدد من المدراء والعاملين في معمل إسمنت عدرا.
بالانتقال إلى ملف الإدارة المحلية، واصلت وزارة الإدارة المحلية والبيئة دعمها لمجالس الوحدات الإدارية واقتصرت خلال شهر آب على دعم عدد من الوحدات الإدارية في محافظة طرطوس، كمساهمة من الوزارة في إنشاء البنى التحتية للمناطق الحرفية والصناعية في هذه الوحدات الإدارية، وقد توزعت المساهمة المالية بين 40 مليون ل.س (تقريباً 89 ألف $) لبلدة الروضة، و20 مليون ل.س لكل من بلدتي الصفصافة ودوير الشيخ سعد.
أما ملف انتخابات الإدارة المحلية، بلغ عدد طلبات الترشح لمجالس الإدارة المحلية 49096 مرشحاً في جميع المحافظات، تم قبول 41482 ممن استوفوا الشروط القانونية المنصوص عليها في اللوائح والقوانين الناظمة للانتخابات، وذلك بحسب ما أعلن عنه رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات.
أما بخصوص الناخبين، فقدرت الهيئة العليا للقضاء عددهم بــ 16.349.357 مليون ممن يحق لهم الانتخاب، توزعوا بين 8222701 ناخبة، و8126156 ناخب.
عدد المنشئات الصناعية والحرفية المنتجة في النصف الأول من 2018
توزع المنشئات العاملة في النصف الأول من 2018 بحسب القطاعات
تسعى حكومة النظام جاهدة إلى استقطاب الأموال ودفع عجلة النمو الاقتصادي، وفي مسعاها ذلك فإنها تراهن على معرض دمشق الدولي الذي سوف يعقد في أيلول 2018، وقد كشفت المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية عن مشاركة 46 دولة من أبرزها: روسيا وبيلاروسيا والهند وإيران، كما يقُدر عدد الشركات التجارية المشاركة بـــ 2000 شركة، من بينها وكالات من دول أوربية مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا.
كذلك تعمل حكومة النظام على تقديم تسهيلات لرجال الأعمال لإقامة مشاريع اقتصادية، وفي هذا الصدد صادقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على تأسيس 8 شركات في شهر آب 2018 بحسب ما هو مرفق في الجدول، ليبلغ عدد الشركات المسجلة خلال النصف الأول من 2018 حوالي 859 شركة مقسمة بين: 432 سجلاً لشركات التضامن، و77 لشركات التوصية، 23 لشركات المساهمة، و327 لشركات محدودة المسؤولية.
تواصل العلاقات الاقتصادية السورية_ الروسية تطورها، حيث شهد شهر آب توقيع عدد من العقود الاقتصادية بين الجانبين من أبرزها:
كذلك من المقرر عقد الملتقى الثاني لرجال الأعمال السوري الروسي خلال فعاليات الدورة الستين لمعرض دمشق الدولي، ويتوقع أن يشارك بهذا المعرض 70 شركة روسية، ويضاف إلى ما سبق تقديم الجانب السوري مقترحاً لتحويل "جمهورية القرم" منطقة رئيسية للتجارة مع روسيا.
أما مع الجانب الإيراني، ما تزال المفاوضات جارية لتوقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي طويل الأمد بين الجانبين، وقد أفاد معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية لشؤون العلاقات الدولية عن إنجاز 75% من المسائل ذات الصلة بالاتفاقية، كما قام أمير أميني معاون وزير الطرق وبناء المدن الإيراني بزيارة إلى دمشق على رأس وفد اقتصادي، حيث التقى عدداً من المسؤولين السوريين كوزير النقل والأشغال العامة والإسكان ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية وهيئة التخطيط والتعاون الدولي، وعن نتائج الزيارة:
تواصل الحكومة تنويع شراكاتها الاقتصادية وتمتين علاقاتها من الدول التي تعتبرها صديقة لها وفي هذا السياق، بحث وزير الصناعة مع السفير البيلاروسي في دمشق ووفد شركة ماز البيلاروسية، العرض المقدم من الشركة لإقامة خطي إنتاج للشاحنات والباصات في سورية. كذلك دعا سفير سورية في الهند الشركات الهندية ورجال الأعمال الهنود للمشاركة في الدورة 60 لمعرض دمشق الدولي.
واصلت حكومة النظام تركيزها على ملف مكافحة الفساد، في محاولة منها للرد على ما يثار حولها من شبهات بالفساد والتي تزايدت في الآونة الأخيرة، إلا أن تأكيد رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بخصوص سرية تطبيق قانون الكسب غير المشروع، من شأنه أن يقلل من مصداقية الجهود المبذولة لمكافحة الفساد، ويجعل منها عنواناً إعلامياً وأداة لتصفية الحسابات داخل الجهاز الحكومي.
فيما يخص انتخابات الإدارة المحلية، تدل المؤشرات القائمة على ضعف مصداقيتها ولامبالاة المواطنين تجاهها، وكذلك تفرد حزب البعث فيها بعيداً عن حلفائه في الجبهة الوطنية التقدمية، حيث لوحظ تضارب البيانات الصادرة عن اللجنة القضائية العليا للانتخابات بخصوص عدد طلبات الترشيح، حيث أعلن رئيس اللجنة عن استقبال 49096 طلب ترشح في جميع المحافظات([8])، ليعود ويعلن عن ترشح 55164 شخص لانتخابات الإدارة المحلية([9])، دون تفسير التباين في الأرقام المصرح عنها.
ولا يبدو بأن جهود النظام في حشد السكان للمشاركة في انتخابات الإدارة المحلية قد تكللت بالنجاح، وهو ما يمكن التدليل عليه بلامبالاة السكان تجاه الانتخابات سيما عقب إعلان البعث لقوائم "الوحدة الوطنية"([10])، ولعل عزوف المرشحين عن إطلاق حملات انتخابية([11]) وانسحاب بعضهم الآخر([12]) مؤشرين بأن النتائج قد حسمت مسبقاً ووفق ترتيبات معينة دون الحاجة لخوض غمار الانتخابات.
يبدو بأن حزب البعث قد حسم خياره بالاستئثار بمعظم مقاعد المجالس المحلية، وما يعنيه ذلك من تهميش لأحزاب الجبهة الوطنية، فعلى سبيل المثال تضمنت قائمة "الوحدة الوطنية" لمجلس مدينة اللاذقية 50 مرشحاً كان لحزب البعث 39 مقعداً في حين توزعت المقاعد المتبقية بين 7 للمستقلين و4 لأحزاب الجبهة الوطنية([13])، كذلك حظيت أحزب الجبهة الوطنية بمرشح واحد في قائمة "الوحدة الوطنية" لمجلس محافظة السويداء مقابل 44 مرشح لحزب البعث و8 مستقلين.([14])
قاد توجه البعث إلى تصعيد الخلافات بينه وبين حلفائه في الجبهة الوطنية، وهو ما ظهر جلياً بانسحاب مرشحي الحزب السوري القومي الاجتماعي من انتخابات الإدارة المحلية في محافظة السويداء رداً على قائمة "الوحدة الوطنية" الإقصائية التي أعلنها البعث([15])، ويمكن لهذا الموقف أن يتطور وينسحب على بقية أحزاب الجبهة وفي حال تحقق ذلك فإن ذلك من شأنه أن يعيد النظر بتجربة الجبهة الوطنية التقدمية.
خدمياً، أظهرت الوقائع تعرض عدة مناطق لأزمة مياه خانقة تمركز معظمها بمحافظة ريف دمشق كما في ضاحية الأسد وصحنايا والتل، كما برزت أيضاً في ريف حماة الغربي ومدينة حمص. وفي جانب آخر تزايدت شكاوى السكان من رفع أجور النقل في عدد من المحافظات كما في حي الورود (مساكن الحرس) في دمشق، كما استمرت أزمة القمامة في عدد من المدن والبلدات كما في جرمانا وحي المزة 86 في العاصمة وأشرفية صحنايا أيضاً، ولعل الأبرز ظهور أزمة وقود في عدد من المحافظات من أبرزها اللاذقية وطرطوس والتي أرجعها موظفو الحكومة لتهريب الوقود إلى لبنان.
إن توسع نطاق سيطرة النظام بدعم مباشر من حليفيه، دون إحكام السيطرة الكلية على الموارد الطبيعية (النفط، الغاز)، من شأنه أن يظهر محدودية القدرات المالية والحوكمية للنظام، سيما مع استمرار العقوبات الاقتصادية والإحجام الأممي عن تمويل عمليات إعادة الإعمار، الأمر الذي يعزز احتمالية تعرض مناطق سيطرته لأزمات خدمية أكثر حدة في المستقبل المنظور.
شهدت العلاقة بين النظام السوري ومجلس سورية الديمقراطي توتراً ملحوظاً في شهر آب بخلاف ما كان متوقعاً، وهو ما ظهر في وقف مسد لإمدادات النفط باتجاه مناطق النظام وكذلك الحد من عمليات تسليم القمح، واعتقال مرشحي الانتخابات المحلية([16]) والإعلان عن الإدارة الذاتية المشتركة في شمال وشرق البلاد([17])، ويشير التوتر القائم إلى فشل مفاوضات الطرفين في تحقيق اختراق فيما يتعلق بالملفات الإشكالية كاللامركزية وإدارة الموارد الطبيعية والخدمات، ويمكن إرجاع فشل المفاوضات إلى توضح أكثر لاستراتيجية الإدارة الأمريكية في سورية وانتقالها للضغط الاقتصادي والسياسي على النظام وحلفائه.
اقتصادياً، يتزايد اعتماد النظام على الجانب الروسي في توريد القمح، سيما في ظل تدهور الإنتاج السوري من القمح (انخفض بنسبة 60% منذ 2011 حيث كان يبلغ آنذاك 4 مليون طن)، حيث ارتفعت كميات القمح الروسية الموردة لسورية من 47 ألف طن في 2015 لتتجاوز مليوني طن بين بداية 2017 ومنتصف 2018 بحسب البيانات الحكومية. كما تشهد العلاقات الاقتصادية بين الجانبين الروسي والسوري تنامياً ملحوظاً معبراً عنه بعدد الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين خلال شهر آب، ولعل الملاحظ تنامي الانخراط الروسي في قطاعات اقتصادية خارج النفط والغاز والسياحة كالعقار والصناعة وكذلك الزراعة.
بالمقابل، ما تزال اتفاقية التعاون الاستراتيجية طويلة الأمد قيد التفاوض بين الجانبين السوري والإيراني، حيث تمارس إيران من خلال زيارة مسؤوليها المتكررة إلى دمشق ضغوطاً على النظام للتوقيع على هذه الاتفاقية والحصول على امتيازات واسعة تشمل ميناء بحري وسكك حديدية ومناطق صناعية وعقارية، الأمر الذي لا يلقى تأييداً واسعاً داخل أروقة صنع القرار في دمشق.
([1]) دانيه الدوس، تطوير تشريعات القطاع الحكومي بما ينسجم مع توجهات عمل الدولة ومشروع الإصلاح الإداري، تشرين، تاريخ 02-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2N2vQxC
([2]) إحداث هيئة تنسيق لعودة المهجرين في الخارج، تشرين، تاريخ 05-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2N2XVou
([3]) وضع رؤية مشتركة وخطة عمل لعودة المهجرين السوريين من الخارج، موقع وزارة الإدارة المحلية والبيئة، تاريخ 09-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2oWEVcM
([4]) محمد زكريا، هيئة الرقابة والتفتيش تؤكد أن قانون الكسب غير المشروع مطبق لكنه محاط بالسرية، جريدة البعث، تاريخ 02-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2CDMDlA
([5]) البيانات الواردة في الجدول بحسب تصريحات وبيانات اللجنة القضائية العليا للانتخابات.
([6]) الضريبة غير المباشرة: نوع من أنواع الضريبة التي يتم تحصيلها لمصلحة الحكومة من خلال وسيط، وتفرض على الإنفاق أو الاستهلاك أو المبيعات، وذلك على خلاف الضرائب المباشرة التي تُفرض على الدخل والأصول والأرباح.
([7]) الدخل التشغيلي: دخل المصرف المتأتي من صافي إيرادات الفوائــد وصـــافي إيرادات العمولات والرســـوم، وصافي الأرباح التشغيلية الناتجة عن تقييم العملات الأجنبيــة، ومن خسائر أو أرباح غير محققة ناتجة عن إعادة تقييم مركز القطع البنيوي، إضافة إلى أرباح موجودات مالية للمتاجرة أو متوافرة للبيع والإيرادات التشغيلية الأخرى.
([8]) انتخابات الادارة المحلية. أكثر من 49 ألفا إجمالي طلب ترشيح، جريدة البعث، تاريخ 02-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2oYAPRx
([9]) محمد منار حميجو، قبول 34500 طلب ترشح ما عدا ثلاث محافظا، جريدة الوطن، تاريخ 08-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2x1rtJ9
([10]) صحفيون ينتقدون مسار الانتخابات… سنضع ورقة بيضاء، سناك سوري، تاريخ 11-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2oX3jLl
([11]) محمد منار حميجو، فقر في الحملات الإعلانية لانتخابات الإدارة المحلية … الأخرس لـ«الوطن»: لم يصلنا إلا عدد قليل من طلبات الإعلان، جريدة الوطن، تاريخ 03-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2NFTC21
([12]) بعد صدور قوائم «البعث». مرشح للانتخابات ينسحب: «النتائج وضعت سلفاً» !، سناك سوري، تاريخ 09-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2N1TRVr
([13]) «البعث» يعلن قائمة اللاذقية. أحزاب الجبهة والمرأة نالوا من “الجمل أذنه”، موقع سناك سوري، تاريخ 09-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2QmX8gc
([14]) “البعث” يعطي حلفاءه مقعداً واحداً في قائمة “السويداء” التي وصفت بـ “الذكورية”، سناك سوري، تاريخ 08-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2CLiqBi
([15]) في سابقة تاريخية… حزب جبهوي ينسحب من الانتخابات، سناك سوري، 11-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2O7eRqh
([16]) «قسد» تعتقل مرشحين لـ «الإدارة المحلية» بالحسكة وتدعم داعش بدير الزور، جريدة الوطن، تاريخ 20-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2O8QybA
([17]) الإعلان عن تأسيس إدارة ذاتية كردية مشتركة في سوريا، موقع روسيا اليوم، تاريخ 06-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2NsNTfR
لجأ النظام السوري في الآونة الأخيرة إلى إبلاغ ذوي معتقلين في سجونه عن وفاتهم، عبر منحهم شهادات وفاة رسمية، من دون تبيان سبب الوفاة أو مكانها، أو حتى تسليم الجثامين المعتقلين، في توجه واضح لتصفية قضية المعتقلين رسمياً، وبشكل قانوني، من دون ضجيج وبتواطؤ دولي غريب.
واستغل النظام الوضع الميداني وانكسارات المعارضة وتحولات السياقين الإقليمي والدولي، لـ"تسوية" ملف المعتقلين، على طريقته الخاصة، بناءً على نصائح روسية لإعادة تأهيله وتثبيته. وأبلغ النظام عبر مؤسساته، عن مقتل حوالي 3000 من المعتقلين لديه، ممن قضوا تحت التعذيب. وكان لريف دمشق النصيب الأكبر بـ1300 معظمهم من داريا والمعضمية، اللتين تعرض فيهما النظام لمعارضة شرسة قبل أن يتمكن من استعادة السيطرة عليهما، وطرد سكان داريا بالكامل.
ويتوقع أن يزداد عدد المُصرح عن وفاتهم في المعتقلات، في الأيام المقبلة، في ظل استمرار النظام بإرسال قوائم بأسماء المعتقلين المتوفيين لديه، على دفعات. ويعود تاريخ القتل، بحسب معظم شهادات الوفاة، إلى الفترة الممتدة بين العامين 2013-2015، عندما كان النظام منكفئاً ميدانياً ومحاصراً سياسياً. ويوحي ذلك بأن عملية قتل المعتقلين، جاءت بهدف الانتقام، أو رغبة من النظام في التخلص من عبئهم تحسباً لانهياره.
وبغية امتصاص نقمة ذوي المعتقلين، وعدم إثارة ردود فعل المجتمع الدولي والناشطين الحقوقيين، واستكمالاً لطمس معالم الجريمة، حرص النظام على قوننة العملية، عبر منح ذوي المعتقلين شهادات وفاة رسمية، من دون أي ذكر لأسباب الوفاة، أو مكانها، لإخفاء أنها تمت في معتقلاته. كما حرص النظام على إتمام العملية وفق الإجراءات الرسمية المعمول بها، من خلال قيام دوائر الأحوال المدنية بإبلاغ أهالي المعتقلين بوفاتهم، إما بشكل مباشر أو عن طريق المختار أو مدراء النواحي أو لجان المصالحة، للإيحاء بأن الوفاة "طبيعية". وحرص النظام على الاحتفاظ بجثامين المعتقلين المتوفيين، وعدم تسليمها لأهاليهم، إضافة إلى منع أجهزته الأمنية أهالي المعتقلين من إقامة أي مراسم عزاء، فضلاً عن الضغط عليهم وترهيبهم للقول بأن الوفاة كانت لأسباب طبية، أو نتيجة "عمليات إرهابية". وبذلك يحاول النظام حماية نفسه قانونياً، من تحمل مسؤولية وفاة المعتقلين لديه، وبما يضعف محاولات محاكمته مستقبلاً.
وتفيد بعض المصادر بأن النظام قد يعلن عفواً شاملاً في الفترة المقبلة، وتسويق ذلك إعلامياً وديبلوماسياً، للدلالة على تغيّر ملموس في سلوكه وجديته في معالجة الملفات الإشكالية. وهو ستقوم روسيا بتوظيفه في سبيل إعادة تأهيل النظام دولياً، كما يتوقع أن تلقى جهود النظام هذه ترحيباً من قبل دول ترغب بالانفتاح عليه، إذ ستعتبر ذلك مؤشراً إيجابياً يتطلب منها "ضرورة" الانخراط مع النظام لتشجيعه على القيام بخطوات مماثلة. ويتوقع أن يقوم النظام وحليفه الروسي بحملة مضادة على المعارضة، وتحميلها مسؤولية التقصير في معالجة ملف المعتقلين لديها، بل وأيضاً الدفع لمحاكمة قياداتها بحجة ارتكابها "جرائم ضد الإنسانية".
ولا تخرج "تسوية ملف المعتقلين" عما تشهده سوريا من "تسوية" لبقية الملفات كالنازحين واللاجئين والإصلاح الأمني والعدالة الانتقالية والحل السياسي والدستور، إذ تتم تصفيتها تدريجياً، بحجة الواقعية السياسية التي تفترضها لغة المصالح.
وكان ملف المعتقلين والمغيبين قسراً في سجون النظام قد شكّل أحد أبرز الملفات مستعصية الحل في الملف السوري، بعدما فشلت الديبلوماسية التفاوضية، في جنيف واستانة وسوتشي، في إحراز أي تقدم يذكر في هذا الصدد. ويعود السبب إلى تعنت النظام وتغييب المجتمع الدولي لهذا الملف عن أجندة التفاوض، لصالح ملفات أخرى يعتبرها أكثر أهمية. كما لم تتمكن المفاوضات المحلية بأشكالها ومسمياتها المتعددة، من الإفراج عن المعتقلين، بعدما أفرغها النظام من مضامينها وأجهض مفاعيلها وغاب الضامن عنها. ولم تكلل جهود الشاهد قيصر بالنجاح، رغم توثيقه للجريمة بالصورة، وما تبع ذلك من الدعم بشهادات حية لمعتقلين نجوا من مسالخ الموت. فبقي ملف المعتقلين الهاجس الأبرز لذويهم والناشطين الحقوقيين ممن يتخوفون من تكرار مأساة الثمانينات، في حين يممت المعارضة السورية وجهتها دستورياً بعيداً عن الملفات الإشكالية التي لا طاقة لها بها، مبررة ذلك بمقولات الواقعية السياسية.
المصدر جريدة المدن: https://bit.ly/2LWCi4p