ملخص عام
يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسة والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر نيسان 2024، حيث تزداد مؤشرات عدم الاستقرار في مختلف مناطق النفوذ مع استمرار حالة الانغلاق السياسي، ففي إدلب تستمر الاحتجاجات الشعبية ضد هيئة تحرير الشام، وفي شمال شرق سورية تحاول "الإدارة الذاتية" الالتفاف على الاستحقاقات السياسية والأمنية والحوكمية المطلوبة لكسب "شرعية محلية" من خلال الإعلان عن اجراء انتخابات بلدية تقاطعها العديد من القوى السياسية والشعبية. أمنياً، في الوقت الذي تخيم فيه حالة السيولة الأمنية وعدم الاستقرار على المشهد الميداني، يستمر مؤشر انتعاش تنظيم داعش بالتصاعد مع تزايد عملياته الأمنية فيما يحاول التحالف الدولي تكثيف حملاته الأمنية لمنع انطلاقة جديدة للتنظيم. كما لا تزال الجغرافية السورية مسرحاً لحرب الوكالة الإيرانية- الإسرائيلية. على الصعيد الاقتصادي، كان إعلان الأمم المتحدة عن نيتها انشاء صندوق للتعافي المبكر انطلاقاً من دمشق دون توضيح آليات عمل الصندوق والجهات المانحة مثار قلق لدى السوريين، في الوقت الذي تستمر فيه تداعيات السياسيات الاقتصادية الكارثية للفاعلين المحليين، في مختلف مناطق النفوذ، على الشعب السوري؛ حيث تزداد تحديات تأمين الاحتياجات الأساسية مع زيادة تكاليف المعيشة في سورية بنسبة 61 بالمئة مقارنة بالعام الماضي.
ثنائية "اللاستقرار والعطالة السياسية"
أقر الكونجرس الأمريكي قانون " الكبتاغون 2"، الذي يمنح الحكومة الامريكية صلاحيات واسعة في معاقبة شبكات تهريب المخدرات أو تصنيعها أو تهريبها أو الاستفادة من الريع الناجم عنها، بصرف النظر عن جنسيته، كما يسمح القانون بإصدار عقوبات جديدة ضد المتورطين في هذه التجارة. ومن المتوقع أن يساهم هذا القانون إلى جانب الإجراءات الدولية والأمريكية السابقة في تقييد عمليات تمويل نظام الأسد والميليشيات المرتبطة به والمتورطة بشكل كبير في عمليات تصنيع وتهريب المخدرات.
في سياق آخر ومع استمرار الانغلاق في الملف السياسي، تراجع الحديث حول عقد الجولة التاسعة من أعمال اللجنة الدستورية على الرغم من تأكيد الأطراف الدولية والإقليمية المستمر على ضرورة العودة إلى مسار اللجنة، ومن المتوقع عدم انعقاد أعمال اللجنة في المستقبل القريب بسبب غياب التوافق حول مكان انعقاد اجتماعات اللجنة.
من جهة أخرى، تنوي الأمم المتحدة إطلاق برنامج خاص للتعافي المبكر في سورية انطلاقاً من دمشق بهدف إقامة مشاريع في عدد من القطاعات الاقتصادية بتمويل من بعض المانحين غير التقليديين تحت مظلة دولية. وفي حين يرتبط التعافي المبكر بالفاعلين المعنيين ومصالحهم واشتراطاتهم، الأمر الذي يجعل منه مقاربة ليست تقنية فحسب وإنما ذات مضمون سياسي تتباين فيها المبادئ والأولويات بما يفسر التعريفات المتعددة له، فإن صندوق التعافي، المزمع إنشاؤه، يحمل فرصاً بقدر ما يحتويه من مخاطر، الأمر الذي يستوجب حوكمة الصندوق بمبادئ توجيهية وأطر معيارية، لضمان مساهمته في تحقيق الاستقرار ودفع العملية السياسية التفاوضية.
محلياً، وفي إطار سعيها لزيادة أوراق القوة وكسب شرعية شعبية تحاول قسد تطوير نموذجها الحوكمي وتنظيم البيئة القانونية في مناطق سيطرتها عبر إعلان إجراء انتخابات محلية للبلديات في نهاية شهر أيار القادم. وأصدرت الإدارة قانون تنظيم عمل البلديات في الوقت الذي أعلنت فيه قوى سياسية أنها لن تشارك في هذه الانتخابات معتبرة إياها غير شرعية كونها لا تستند الى إرادة شعبية أو توافق بين القوى السياسية. وتعتبر مقاطعة القوى السياسية لهذه الانتخابات أحد المؤشرات التي تدلل على شكلانية هذه الانتخابات وعدم جدية الإدارة في تطبيق إصلاحات حقيقية فيما يتعلق بتهيئة بيئة سياسية وقانونية سليمة لتوسيع دائرة التمثيل وصناعة القرار في مؤسساتها.
من جهة أخرى، رحب مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) بوثيقة المناطق الثلاث التي صدرت عن نشطاء وأكاديميين في السويداء ودرعا وحلب، ووثيقة تجمع العمل الوطني في الساحل السوري، حيث أكد بيان مسد على أهمية وحدة السوريين دون إقصاء أو تهميش، وذلك عبر الحوار المباشر وصولاً الى الحل السياسي وفق القرارات الدولية.
وفي إدلب استمرت الاحتجاجات الشعبية ضد هيئة تحرير الشام، ويبدو أن هذه الاحتجاجات تربك الهيئة وتشغلها عن المشهد السوري العام حيث تعتبر هذه أكبر أزمة تواجهها وتهدد شرعية وجودها.
ولم تسفر "الخطوات الإصلاحية" التي اتخذتها الهيئة على الصعيد الاقتصادي والحوكمي في إيقاف هذه الاحتجاجات([1])، إلا أن الهيئة تحرص على استمرارها في سياسة الاحتواء وتجنب الاصطدام المباشر مع المحتجين واستخدام القوة المفرطة ضدهم.
ارتفاع مؤشرات السيولة الأمنية
في سياق تفاعل حرب غزة وتأثيرها على المشهد الأمني في سورية، استهدف الطيران الإسرائيلي مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، وقد تسبب القصف بمقتل 13 شخصاً من بينهم محمد رضا زاهدي قائد الحرس الثوري الإيراني في سورية ولبنان. ويعد هذا الاستهداف الأول من نوعه سواء من حيث مكانة القيادي الإيراني أو مكان الاستهداف، إذ يعد زاهدي رجل إيران الأول في سورية ولبنان، ومسؤول عن معظم سياسات إيران فيهما، وتعد هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها القصف الاسرائيلي مبنىً دبلوماسياً إيرانياً في سورية، حيث كان التركز على المواقع العسكرية والأمنية وطرق ومخازن الأسلحة.
كما شهد هذا الشهر ارتفاعاً في مؤشرات استهداف القواعد الأمريكية في سورية بعد أن توقفت بشكل شبه كامل منذ شباط الماضي، الأمر الذي يؤكد على استمرار تدهور الواقع الأمني السوري في ظل المواجهة والتنافس المستمر بين القوى الفاعلة الإقليمية والدولية على الجغرافية السورية.
بالمقابل، ارتفعت وتيرة النشاط العسكري الروسي، حيث استهدف الطيران، الحربي والمسير، مواقع قرب قاعدة التنف الأمريكية في البادية، كما أجرت تدريباً عسكرياً مشتركاً مع قوات النظام في قاعدة طرطوس البحرية، ويأتي هذا النشاط المتزايد ضمن الجهود الروسية لرفع مستوى كفاءة وفاعلية قوات النظام والتي بدأت منذ أشهر عبر تدريبات على استخدام الطيران المسير وصولاً إلى التدريبات البحرية، وهي تدريبات تأتي في سياق دعم موسكو للمؤسسة العسكرية للنظام مقابل الدعم الإيراني للميليشيات.
في الجنوب السوري، لاتزال المنطقة ميداناً للفوضى الأمنية وعمليات الاغتيال المتبادل، إذ شهدت محافظة درعا مقتل عدد من ضباط وعناصر قوات النظام والأجهزة الأمنية التابعة له جراء استهدافهم بالعبوات الناسفة وإطلاق النار والاشتباكات في الصنمين ودرعا البلد وبصر الحرير وريف درعا الغربي، وارتفعت عمليات استهداف قوات النظام لجهة نوعية وعدد حالات الاغتيال والاشتباكات وتنظيمها، حيث تعرضت الحواجز العسكرية في ريف درعا الغربي والقنيطرة لهجمات متزامنة أوقعت قتلى وجرحى في صفوف قوات النظام، كما أعلن مقاتلون ملثمون تشكيل " كتيبة الظل" بهدف مواجهة التواجد الإيراني والميليشيات المرتبطة به في مناطق درعا والقنيطرة.
في إدلب، لا تزال ديناميات الصراع الداخلي بين قيادات هيئة تحرير الشام وتفاعل "قضية العملاء" وتصاعد الاحتجاجات الشعبية تلقي بظلالها على الواقع الأمني للمنطقة، إذ تعرض القيادي في هيئة تحرير الشام أبو ماريا القحطاني لعملية اغتيال أثر تفجير انتحاري استهدفه في مدينة سرمدا، وتعرض عدد من الناشطين الفاعلين في تنظيم المظاهرات لاعتداءات ومحاولات اغتيال، إلا أنَّ تداعيات الأحداث لم تخرج عن سيطرة هتش. كما لا تزال المنطقة عرضة لهجمات الطيران المسير، الذي زاد تعويل النظام عليها في استهداف مناطق شمال غربي سورية، بالإضافة إلى القصف المدفعي.
في شرق سورية، جدد الطيران التركي استهداف البنية التحتية والموارد الاقتصادية والمنشآت النفطية في مناطق سيطرة قسد. وفي سياق مكافحة نشاط تنظيم الدولة، نفَّذ التحالف الدولي 28 عملية ضد مواقع التنظيم، أسفرت عن مقتل 7 عناصر واعتقال 27 آخرين. من جهته نفذ التنظيم 15 عملية استهدف خلالها " قوات سوريا الديمقراطية"، وتوزعت العمليات في دير الزور والحسكة وحلب، كما أسفر استهداف التنظيم لحافلة تابعة لميليشيا لواء القدس عن مقتل 21 عنصراً. وتشير عمليات تنظيم داعش الأخيرة إلى استمراره في عملية التعافي واستعادة النشاط في الجغرافية السورية بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها، كما تعيده مجدداً إلى قائمة مهددات الأمن والاستقرار في سورية والإقليم.
التعثر الاقتصادي كسمة عامة
بعد التحسن المؤقت لليرة السورية خلال شهر رمضان انخفضت قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية 14250 أمام الدولار الأمريكي. ويؤكد هذا التراجع ارتباط التحسن بمعدل الحوالات الخارجية الآتية إلى السوق مقابل ارتفاع الطلب على الليرة.
كما رفع مصرف سورية المركزي سعر صرف الدولار الخاص بالحوالات بمقدار مئة ليرة، بعد أكثر من شهر على ثبات السعر، ورفع كذلك سعر صرف الدولار الخاص بالجمارك بعد أربعة أشهر على رفع قيمته بنحو 30%. ومن شأن ارتفاع الدولار الجمركي أن يساهم في زيادة تكاليف المواد الخام والسلع والخدمات المستوردة من الخارج وهو ما قد ينعكس سلباً على العملية الإنتاجية وتوفر السلع في السوق، وبالمحصلة على السكان بعد ارتفاع الأسعار في السوق تزامناً مع انخفاض القوة الشرائية، حيث ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من 5 أفراد خلال شهر آذار الماضي إلى نحو 12.5 مليون ليرة، في وقت لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور 278 ألفاً و910 ليرات، أي أقل من 20 دولاراً.
وفي أول مشاركة له بموسم الحج منذ 12 عاماً، استغلّ النظام الموسم لتعزيز قيمة الليرة من خلال تحديد طريقة تسديد رسوم الحج بالدولار الأمريكي من جهة، وإلزام الحجاج المستنكفين بإعادة استبدال الليرة السورية بالدولار.
من جهة أخرى، رفعت حكومة النظام أسعار البنزين والمازوت والغاز المنزلي، وتأتي هذه الزيادة في إطار رفع أسعار المحروقات بشكل دوري كل 15 يوم تماشياً مع استراتيجية النظام بتخفيض الدعم. ولا يزال ارتفاع أسعار الطاقة أحد الحوامل الرئيسية لمعدل التضخم. وعلى إثر زيادة أسعار الكهرباء طالب صناعيون في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام بضرورة إصدار قرارات سريعة لتخفيض تعرفة الكهرباء الصناعية تفادياً للخسائر الكبيرة في القطاع، حيث أصبحت سورية أغلى دولة في تسعيرة الكهرباء بين دول الجوار، ويهدد ارتفاع الكهرباء، إضافة إلى فقدان مادة الفيول لتشغيل المولدات، إلى توقف صناعة النسيج والألبسة بشكل كامل.
في شمال غرب سورية، دعت وزارة الزراعة في حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، المزارعين الراغبين بزراعة محصول القطن ضمن مشروع “القرض العيني الحسن” لعام 2024، إلى الاكتتاب على البذار المطلوبة والمحروقات والسماد. في حين زادت مساحات زراعة البصل في رأس العين بريف الحسكة على أمل تحقيق أرباح بعد خسائر تعرض لها المزارعون في محصولي القطن والقمح إثر كسادهما وعدم وجود سوق تصريف لهما، إضافة إلى تحكم التجار بتحديد السعر. وبحثاً عن الربح أيضاً شهد عام 2024 إقبالاً واسعاً من المزارعين في إدلب على زراعة الكمون، أكثر من الزراعات التقليدية المعتادة كالقمح والشعير إذ بلغت المساحة المزروعة بشكل تقريبي 4350 هكتاراً في إدلب وأريافه وإضافة إلى الكمون فقد زادت زراعة العصفر في إدلب وريف حلب بشكل ملحوظ نظراً لمقاومة النبتة لتقلبات المناخ، وأسعارها المرتفعة في السوق. وعلى صعيد الأسعار فقد شهدت سلة النفقات الأدنى قيمة للبقاء على قيد الحياة (SMEB)، والتي تعد مؤشراً لتكاليف الأصناف الأساسية التي تحتاجها أسرة مكونة من 6 أفراد لمدة شهر، زيادة في تكلفتها بنسبة 61 بالمئة خلال العام الماضي؛ حيث تعكس هذه الزيادات التحديات المتزايدة التي تواجه الأسر في تأمين احتياجاتها الأساسية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
أما في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، تسعى "الإدارة الذاتية" لزيادة نسبة فرض الضرائب بهدف تغطية العجز المالي في ميزانيتها، حيث فرضت على أصحاب محطات الوقود دفع مبلغ مالي جديد قيمته عشرة آلاف دولار مقابل استمرار تزويدها بالوقود أو تعرضها للإغلاق في حال عدم الدفع، وتعمل الإدارة منذ أشهر على إصدار قرارات جديدة من شأنها توفير مصادر ومبالغ مالية في خزينتها العاجزة عن تأمين رواتب موظفيها مطلع كل شهر. وتلقي هذه الزيادات أعباء مالية جديدة على السكان تؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة وإثارة سخط التجار وأصحاب المشاريع والشركات.
من ناحية أخرى تسعى الإدارة لزيادة استلام محصول القمح عبر زيادة مراكز التسليم إلى 30 مركز بقدرة استيعابية تفوق المليون ونصف المليون طن، وهو الإنتاج المتوقع في مناطق شمال شرق سورية، كما عقدت عدد من الورشات والاجتماعات بهدف تخفيف أعباء وتكاليف نقل وتكييس القمح عن المزارعين، وتأتي هذه الخطوات في سياق التنافس بين نظام الأسد والإدارة الذاتية للحصول على قمح المنطقة.
([1]) أعلنت هيئة تحرير الشام عن سلسلة من الإجراءات لاحتواء الاحتجاجات منها، استحداث إدارة "الأمن العام" التي ستعمل تحت إشراف حكومة الإنقاذ، إضافة الى إعادة هيكلة الجناح العسكري، كما أصدرت حكومة الإنقاذ عفواً عاماً عن المعتقلين، وأعلنت عن تخفيض رسوم بعض المواد الخدمية وسياسات ضريبية جديدة، وإطلاق حوار مع المجتمع المدني.