منذ أن أعلنت "الإدارة الذاتية" استعدادها لإجراء الانتخابات المحلية في مناطق سيطرتها لم تتوقف التهديدات التركية بشأن استهداف مشروعها، إذ ترى تركيا أن الانتخابات هي وسيلة لترسيخ الهياكل الحوكمية للإدارة بشكل يصعّب تقويضها في المستقبل. تزامناً مع ذلك، شهد مسار التقارب التركي مع نظام الأسد تطورات نوعية[1]، بمساعٍ حثيثة من موسكو لتسريع مسار التقارب بين الجانبين ورعاية لقاء ثنائي على المستوى الرئاسي يجمع أردوغان مع بشار الأسد، استعداداً لمرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية واحتمالية عودة ترامب للسلطة وتداعيات ذلك على المنطقة، إضافة إلى المخاوف الإقليمية المتعلقة باندلاع حرب جديدة في لبنان وامتداد تأثيراتها إلى الساحة السورية.
أثارت أجواء هذا التقارب مخاوف الإدارة، معتبرة ذلك "خطراً وجودياً" عليها واصفة هذا المسار بأنه "مؤامرة كبيرة ضد الشعب السوري"[2]. يتناول تقدير الموقف هذا دوافع تركيا للتقارب مع نظام الأسد، والسيناريوهات المتوقعة لكيفية تعاطي الإدارة الذاتية مع الواقع الجديد.
مرَّت السياسة التركية تجاه سورية منذ 2011 بتحولات عديدة متأثرة بالمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، من دعم التحول الديمقراطي إلى استراتيجية أمنية-عسكرية تركز على حماية حدودها ومحاربة "الإرهاب" من خلال التدخل العسكري المباشر ودعم الجيش الوطني السوري.
وبعد دخول الملف السوري في حالة الاستعصاء السياسي وتجميد الصراع مما أدى إلى تثبيت الحدود الأمنية التي تفصل بين مناطق السيطرة، زاد العبء على تركيا من حيث استمرار وجود ملايين اللاجئين على أراضيها، واستمرار التهديد الأمني على حدودها، ووجود اتفاقات أمنية مع الولايات المتحدة وروسيا تعيق أي عمل عسكري جديد. وفي هذا السياق تأتي المحاولات التركية للتقارب مع نظام الأسد بدعم روسي بحثاً عن مسارات بديلة لتحقيق مصالح تركيا وحفظ أمنها القومي.
ويمكن قراءة الحماس التركي للتقارب مع النظام في بعدين أساسيين، أولهما مرتبط بالتطورات الإقليمية-الدولية ويتجلى في ثلاثة دوافع رئيسية:
أما البعد الثاني فهو مرتبط بديناميات السياسة التركية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الملفات المطروحة على الطاولة معقدة وتفوق قدرات الجانبين على تحقيقها، حيث تتشابك مصالح الفواعل المحليين والإقليميين والدوليين في سورية، وليس من السهولة مناقشة كثير من الملفات بين تركيا ونظام الأسد بمعزل عن بقية الفاعلين. وهنا يمكن تحديد الدوافع التركية بأربع أولويات رئيسية:
لا شك أن مسار التقارب التركي مع النظام طويل الأمد، وقد يستغرق الكثير من الوقت لتحقيق النتائج التي يرجوها الطرفان، إلا أن "الإدارة الذاتية" لم تعد تملك رفاهية المناورة بين الأطراف الإقليمية والدولية، فهي تدرك أن تغير السياسة التركية استراتيجي وليس تكتيكياً، وأن هذا التقارب سيقلل من خياراتها المتاحة ويضعها في مواجهة تحديات صعبة، لا سيما أنه سيقطع الطريق أمام أي اتفاق مستقبلي بينها وبين النظام. وفي حال قررت الإدارة الأمريكية الجديدة سحب قواتها كلياً أو جزئياً من شرق سورية؛ فستكون "الإدارة الذاتية" أمام تهديد حقيقي لمستقبل وجودها على خارطة الفاعلين السوريين المحليين.
وتتراوح السيناريوهات المتوقعة لكيفية تعاطي الإدارة مع التطورات الجديدة بين السيناريوهات الثلاثة التالية:
في الختام، ليس من المرجح أن يصل التقارب بين تركيا ونظام الأسد إلى مستويات متقدمة، إلا أن المسار الجديد الذي بدأته تركيا في تعاطيها مع الملف السوري سيكون له تداعيات كبيرة على المشهد العام وعلى مستقبل "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية بشكل خاص. وتدرك الإدارة أن التطبيع التركي مع النظام سيقلل من فرص استمرارها كفاعل سوري محلي، وسيقطع الطريق أمام أي اتفاق مستقبلي مع النظام، لا سيما في حال وصول دونالد ترامب مجدداً إلى السلطة في الولايات المتحدة ورغبته في تحسين العلاقات مع تركيا وروسيا واحتمالات سحب قواته كلياً أو جزئياً من سورية.
[1] بعد تصريح رئيس الوزراء العراقي حول المبادرة العراقية الخاصة برعاية المفاوضات المباشرة بين الطرفين، توالت التصريحات التركية حول الخطوات التطبيعية القادمة، لا سيما مع الإشارة التي أرسلها النظام عبر وزير خارجيته فيصل المقداد الذي تحدث بإيجابية عن مسار التقارب مع تركيا بشرط "إعلان استعدادها للانسحاب" وتقديم تعهدات بذلك، الأمر الذي يشير الى تراجع النظام عن انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية كشرط مسبق لأي خطوات نحو تطبيع العلاقات بين الجانبين. فيما اعتبر وزير الخارجية التركي أن وقف القتال بين النظام والمعارضة لفترة طويلة أمر بالغ الأهمية يقتضي من النظام تقييم مرحلة الهدوء هذه بعقلانية لتحقيق السلام مع معارضيه، وإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وتوحيد الجهود مع المعارضة لمكافحة "الإرهاب" وخاصة حزب العمال الكردستاني.
[2] إلى الرأي العام، الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال شرق سوريا، 29.06.2024، https://2u.pw/55NOF4Lh
[3] أردوغان يقر بخسارة حزبه في الانتخابات البلدية، الجزيرة 01.04.2024، https://2u.pw/rKwXEDk6
يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسة والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر نيسان 2024، حيث تزداد مؤشرات عدم الاستقرار في مختلف مناطق النفوذ مع استمرار حالة الانغلاق السياسي، ففي إدلب تستمر الاحتجاجات الشعبية ضد هيئة تحرير الشام، وفي شمال شرق سورية تحاول "الإدارة الذاتية" الالتفاف على الاستحقاقات السياسية والأمنية والحوكمية المطلوبة لكسب "شرعية محلية" من خلال الإعلان عن اجراء انتخابات بلدية تقاطعها العديد من القوى السياسية والشعبية. أمنياً، في الوقت الذي تخيم فيه حالة السيولة الأمنية وعدم الاستقرار على المشهد الميداني، يستمر مؤشر انتعاش تنظيم داعش بالتصاعد مع تزايد عملياته الأمنية فيما يحاول التحالف الدولي تكثيف حملاته الأمنية لمنع انطلاقة جديدة للتنظيم. كما لا تزال الجغرافية السورية مسرحاً لحرب الوكالة الإيرانية- الإسرائيلية. على الصعيد الاقتصادي، كان إعلان الأمم المتحدة عن نيتها انشاء صندوق للتعافي المبكر انطلاقاً من دمشق دون توضيح آليات عمل الصندوق والجهات المانحة مثار قلق لدى السوريين، في الوقت الذي تستمر فيه تداعيات السياسيات الاقتصادية الكارثية للفاعلين المحليين، في مختلف مناطق النفوذ، على الشعب السوري؛ حيث تزداد تحديات تأمين الاحتياجات الأساسية مع زيادة تكاليف المعيشة في سورية بنسبة 61 بالمئة مقارنة بالعام الماضي.
ثنائية "اللاستقرار والعطالة السياسية"
أقر الكونجرس الأمريكي قانون " الكبتاغون 2"، الذي يمنح الحكومة الامريكية صلاحيات واسعة في معاقبة شبكات تهريب المخدرات أو تصنيعها أو تهريبها أو الاستفادة من الريع الناجم عنها، بصرف النظر عن جنسيته، كما يسمح القانون بإصدار عقوبات جديدة ضد المتورطين في هذه التجارة. ومن المتوقع أن يساهم هذا القانون إلى جانب الإجراءات الدولية والأمريكية السابقة في تقييد عمليات تمويل نظام الأسد والميليشيات المرتبطة به والمتورطة بشكل كبير في عمليات تصنيع وتهريب المخدرات.
في سياق آخر ومع استمرار الانغلاق في الملف السياسي، تراجع الحديث حول عقد الجولة التاسعة من أعمال اللجنة الدستورية على الرغم من تأكيد الأطراف الدولية والإقليمية المستمر على ضرورة العودة إلى مسار اللجنة، ومن المتوقع عدم انعقاد أعمال اللجنة في المستقبل القريب بسبب غياب التوافق حول مكان انعقاد اجتماعات اللجنة.
من جهة أخرى، تنوي الأمم المتحدة إطلاق برنامج خاص للتعافي المبكر في سورية انطلاقاً من دمشق بهدف إقامة مشاريع في عدد من القطاعات الاقتصادية بتمويل من بعض المانحين غير التقليديين تحت مظلة دولية. وفي حين يرتبط التعافي المبكر بالفاعلين المعنيين ومصالحهم واشتراطاتهم، الأمر الذي يجعل منه مقاربة ليست تقنية فحسب وإنما ذات مضمون سياسي تتباين فيها المبادئ والأولويات بما يفسر التعريفات المتعددة له، فإن صندوق التعافي، المزمع إنشاؤه، يحمل فرصاً بقدر ما يحتويه من مخاطر، الأمر الذي يستوجب حوكمة الصندوق بمبادئ توجيهية وأطر معيارية، لضمان مساهمته في تحقيق الاستقرار ودفع العملية السياسية التفاوضية.
محلياً، وفي إطار سعيها لزيادة أوراق القوة وكسب شرعية شعبية تحاول قسد تطوير نموذجها الحوكمي وتنظيم البيئة القانونية في مناطق سيطرتها عبر إعلان إجراء انتخابات محلية للبلديات في نهاية شهر أيار القادم. وأصدرت الإدارة قانون تنظيم عمل البلديات في الوقت الذي أعلنت فيه قوى سياسية أنها لن تشارك في هذه الانتخابات معتبرة إياها غير شرعية كونها لا تستند الى إرادة شعبية أو توافق بين القوى السياسية. وتعتبر مقاطعة القوى السياسية لهذه الانتخابات أحد المؤشرات التي تدلل على شكلانية هذه الانتخابات وعدم جدية الإدارة في تطبيق إصلاحات حقيقية فيما يتعلق بتهيئة بيئة سياسية وقانونية سليمة لتوسيع دائرة التمثيل وصناعة القرار في مؤسساتها.
من جهة أخرى، رحب مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) بوثيقة المناطق الثلاث التي صدرت عن نشطاء وأكاديميين في السويداء ودرعا وحلب، ووثيقة تجمع العمل الوطني في الساحل السوري، حيث أكد بيان مسد على أهمية وحدة السوريين دون إقصاء أو تهميش، وذلك عبر الحوار المباشر وصولاً الى الحل السياسي وفق القرارات الدولية.
وفي إدلب استمرت الاحتجاجات الشعبية ضد هيئة تحرير الشام، ويبدو أن هذه الاحتجاجات تربك الهيئة وتشغلها عن المشهد السوري العام حيث تعتبر هذه أكبر أزمة تواجهها وتهدد شرعية وجودها.
ولم تسفر "الخطوات الإصلاحية" التي اتخذتها الهيئة على الصعيد الاقتصادي والحوكمي في إيقاف هذه الاحتجاجات([1])، إلا أن الهيئة تحرص على استمرارها في سياسة الاحتواء وتجنب الاصطدام المباشر مع المحتجين واستخدام القوة المفرطة ضدهم.
ارتفاع مؤشرات السيولة الأمنية
في سياق تفاعل حرب غزة وتأثيرها على المشهد الأمني في سورية، استهدف الطيران الإسرائيلي مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، وقد تسبب القصف بمقتل 13 شخصاً من بينهم محمد رضا زاهدي قائد الحرس الثوري الإيراني في سورية ولبنان. ويعد هذا الاستهداف الأول من نوعه سواء من حيث مكانة القيادي الإيراني أو مكان الاستهداف، إذ يعد زاهدي رجل إيران الأول في سورية ولبنان، ومسؤول عن معظم سياسات إيران فيهما، وتعد هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها القصف الاسرائيلي مبنىً دبلوماسياً إيرانياً في سورية، حيث كان التركز على المواقع العسكرية والأمنية وطرق ومخازن الأسلحة.
كما شهد هذا الشهر ارتفاعاً في مؤشرات استهداف القواعد الأمريكية في سورية بعد أن توقفت بشكل شبه كامل منذ شباط الماضي، الأمر الذي يؤكد على استمرار تدهور الواقع الأمني السوري في ظل المواجهة والتنافس المستمر بين القوى الفاعلة الإقليمية والدولية على الجغرافية السورية.
بالمقابل، ارتفعت وتيرة النشاط العسكري الروسي، حيث استهدف الطيران، الحربي والمسير، مواقع قرب قاعدة التنف الأمريكية في البادية، كما أجرت تدريباً عسكرياً مشتركاً مع قوات النظام في قاعدة طرطوس البحرية، ويأتي هذا النشاط المتزايد ضمن الجهود الروسية لرفع مستوى كفاءة وفاعلية قوات النظام والتي بدأت منذ أشهر عبر تدريبات على استخدام الطيران المسير وصولاً إلى التدريبات البحرية، وهي تدريبات تأتي في سياق دعم موسكو للمؤسسة العسكرية للنظام مقابل الدعم الإيراني للميليشيات.
في الجنوب السوري، لاتزال المنطقة ميداناً للفوضى الأمنية وعمليات الاغتيال المتبادل، إذ شهدت محافظة درعا مقتل عدد من ضباط وعناصر قوات النظام والأجهزة الأمنية التابعة له جراء استهدافهم بالعبوات الناسفة وإطلاق النار والاشتباكات في الصنمين ودرعا البلد وبصر الحرير وريف درعا الغربي، وارتفعت عمليات استهداف قوات النظام لجهة نوعية وعدد حالات الاغتيال والاشتباكات وتنظيمها، حيث تعرضت الحواجز العسكرية في ريف درعا الغربي والقنيطرة لهجمات متزامنة أوقعت قتلى وجرحى في صفوف قوات النظام، كما أعلن مقاتلون ملثمون تشكيل " كتيبة الظل" بهدف مواجهة التواجد الإيراني والميليشيات المرتبطة به في مناطق درعا والقنيطرة.
في إدلب، لا تزال ديناميات الصراع الداخلي بين قيادات هيئة تحرير الشام وتفاعل "قضية العملاء" وتصاعد الاحتجاجات الشعبية تلقي بظلالها على الواقع الأمني للمنطقة، إذ تعرض القيادي في هيئة تحرير الشام أبو ماريا القحطاني لعملية اغتيال أثر تفجير انتحاري استهدفه في مدينة سرمدا، وتعرض عدد من الناشطين الفاعلين في تنظيم المظاهرات لاعتداءات ومحاولات اغتيال، إلا أنَّ تداعيات الأحداث لم تخرج عن سيطرة هتش. كما لا تزال المنطقة عرضة لهجمات الطيران المسير، الذي زاد تعويل النظام عليها في استهداف مناطق شمال غربي سورية، بالإضافة إلى القصف المدفعي.
في شرق سورية، جدد الطيران التركي استهداف البنية التحتية والموارد الاقتصادية والمنشآت النفطية في مناطق سيطرة قسد. وفي سياق مكافحة نشاط تنظيم الدولة، نفَّذ التحالف الدولي 28 عملية ضد مواقع التنظيم، أسفرت عن مقتل 7 عناصر واعتقال 27 آخرين. من جهته نفذ التنظيم 15 عملية استهدف خلالها " قوات سوريا الديمقراطية"، وتوزعت العمليات في دير الزور والحسكة وحلب، كما أسفر استهداف التنظيم لحافلة تابعة لميليشيا لواء القدس عن مقتل 21 عنصراً. وتشير عمليات تنظيم داعش الأخيرة إلى استمراره في عملية التعافي واستعادة النشاط في الجغرافية السورية بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها، كما تعيده مجدداً إلى قائمة مهددات الأمن والاستقرار في سورية والإقليم.
التعثر الاقتصادي كسمة عامة
بعد التحسن المؤقت لليرة السورية خلال شهر رمضان انخفضت قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية 14250 أمام الدولار الأمريكي. ويؤكد هذا التراجع ارتباط التحسن بمعدل الحوالات الخارجية الآتية إلى السوق مقابل ارتفاع الطلب على الليرة.
كما رفع مصرف سورية المركزي سعر صرف الدولار الخاص بالحوالات بمقدار مئة ليرة، بعد أكثر من شهر على ثبات السعر، ورفع كذلك سعر صرف الدولار الخاص بالجمارك بعد أربعة أشهر على رفع قيمته بنحو 30%. ومن شأن ارتفاع الدولار الجمركي أن يساهم في زيادة تكاليف المواد الخام والسلع والخدمات المستوردة من الخارج وهو ما قد ينعكس سلباً على العملية الإنتاجية وتوفر السلع في السوق، وبالمحصلة على السكان بعد ارتفاع الأسعار في السوق تزامناً مع انخفاض القوة الشرائية، حيث ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من 5 أفراد خلال شهر آذار الماضي إلى نحو 12.5 مليون ليرة، في وقت لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور 278 ألفاً و910 ليرات، أي أقل من 20 دولاراً.
وفي أول مشاركة له بموسم الحج منذ 12 عاماً، استغلّ النظام الموسم لتعزيز قيمة الليرة من خلال تحديد طريقة تسديد رسوم الحج بالدولار الأمريكي من جهة، وإلزام الحجاج المستنكفين بإعادة استبدال الليرة السورية بالدولار.
من جهة أخرى، رفعت حكومة النظام أسعار البنزين والمازوت والغاز المنزلي، وتأتي هذه الزيادة في إطار رفع أسعار المحروقات بشكل دوري كل 15 يوم تماشياً مع استراتيجية النظام بتخفيض الدعم. ولا يزال ارتفاع أسعار الطاقة أحد الحوامل الرئيسية لمعدل التضخم. وعلى إثر زيادة أسعار الكهرباء طالب صناعيون في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام بضرورة إصدار قرارات سريعة لتخفيض تعرفة الكهرباء الصناعية تفادياً للخسائر الكبيرة في القطاع، حيث أصبحت سورية أغلى دولة في تسعيرة الكهرباء بين دول الجوار، ويهدد ارتفاع الكهرباء، إضافة إلى فقدان مادة الفيول لتشغيل المولدات، إلى توقف صناعة النسيج والألبسة بشكل كامل.
في شمال غرب سورية، دعت وزارة الزراعة في حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، المزارعين الراغبين بزراعة محصول القطن ضمن مشروع “القرض العيني الحسن” لعام 2024، إلى الاكتتاب على البذار المطلوبة والمحروقات والسماد. في حين زادت مساحات زراعة البصل في رأس العين بريف الحسكة على أمل تحقيق أرباح بعد خسائر تعرض لها المزارعون في محصولي القطن والقمح إثر كسادهما وعدم وجود سوق تصريف لهما، إضافة إلى تحكم التجار بتحديد السعر. وبحثاً عن الربح أيضاً شهد عام 2024 إقبالاً واسعاً من المزارعين في إدلب على زراعة الكمون، أكثر من الزراعات التقليدية المعتادة كالقمح والشعير إذ بلغت المساحة المزروعة بشكل تقريبي 4350 هكتاراً في إدلب وأريافه وإضافة إلى الكمون فقد زادت زراعة العصفر في إدلب وريف حلب بشكل ملحوظ نظراً لمقاومة النبتة لتقلبات المناخ، وأسعارها المرتفعة في السوق. وعلى صعيد الأسعار فقد شهدت سلة النفقات الأدنى قيمة للبقاء على قيد الحياة (SMEB)، والتي تعد مؤشراً لتكاليف الأصناف الأساسية التي تحتاجها أسرة مكونة من 6 أفراد لمدة شهر، زيادة في تكلفتها بنسبة 61 بالمئة خلال العام الماضي؛ حيث تعكس هذه الزيادات التحديات المتزايدة التي تواجه الأسر في تأمين احتياجاتها الأساسية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
أما في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، تسعى "الإدارة الذاتية" لزيادة نسبة فرض الضرائب بهدف تغطية العجز المالي في ميزانيتها، حيث فرضت على أصحاب محطات الوقود دفع مبلغ مالي جديد قيمته عشرة آلاف دولار مقابل استمرار تزويدها بالوقود أو تعرضها للإغلاق في حال عدم الدفع، وتعمل الإدارة منذ أشهر على إصدار قرارات جديدة من شأنها توفير مصادر ومبالغ مالية في خزينتها العاجزة عن تأمين رواتب موظفيها مطلع كل شهر. وتلقي هذه الزيادات أعباء مالية جديدة على السكان تؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة وإثارة سخط التجار وأصحاب المشاريع والشركات.
من ناحية أخرى تسعى الإدارة لزيادة استلام محصول القمح عبر زيادة مراكز التسليم إلى 30 مركز بقدرة استيعابية تفوق المليون ونصف المليون طن، وهو الإنتاج المتوقع في مناطق شمال شرق سورية، كما عقدت عدد من الورشات والاجتماعات بهدف تخفيف أعباء وتكاليف نقل وتكييس القمح عن المزارعين، وتأتي هذه الخطوات في سياق التنافس بين نظام الأسد والإدارة الذاتية للحصول على قمح المنطقة.
([1]) أعلنت هيئة تحرير الشام عن سلسلة من الإجراءات لاحتواء الاحتجاجات منها، استحداث إدارة "الأمن العام" التي ستعمل تحت إشراف حكومة الإنقاذ، إضافة الى إعادة هيكلة الجناح العسكري، كما أصدرت حكومة الإنقاذ عفواً عاماً عن المعتقلين، وأعلنت عن تخفيض رسوم بعض المواد الخدمية وسياسات ضريبية جديدة، وإطلاق حوار مع المجتمع المدني.
للمزيد: https://bit.ly/48WyxWp
• يأتي القانون رقم (1) لعام 2024 المتعلق بتنظيم عمل الاتحاد الوطني لطلبة سورية بعد شهرين من إصدار القانون (16) لعام 2023 المتعلق بإنشاء هيئة الصندوق الوطني للتسليف الطلابي، كما يأتي بعد 58 عاماً من المرسوم التشريعي رقم 130 لعام 1966 الذي أصدره الرئيس نور الدين الأتاسي والمتعلق بإنشاء الاتحاد وقوننة عمله بعد 3 سنوات من احتكار "مجلس قيادة الثورة" الذي نفذ انقلاب 1963 لكل مساحات الفعل والتفاعل المدني ، وإعلانه عن تشكيل الاتحاد كذراعٍ طلابي لحزب البعث. ومنذ ذاك الوقت ونظام الأسد يطوع العمل الطلابي ضمن مساعيه لضبط المجتمع، مع تعديل القوانين المتعلقة به تزامناً مع المتغيرات الداخلية والخارجية.
• أكد القانون أن الاتحاد هو منظمة شعبية "تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري" وهو منصوص عليه في النسخة الأخيرة من النظام الداخلي للاتحاد لعام 2020، ويأتي هذا التأكيد للتماهي مع سردية النظام التي بدأت بعد إقرار قانون قيصر( 2019) وزلزال ( 2023) بأن المجتمع المدني يملك مساحات عمل حرة في مناطق سيطرته، وأنه غير مرتبط وظيفياً ولا هيكلياً ولافردياً بمؤسسات الدولة وشبكات النظام، وذلك لهدفين: الأول "إعادة رسم الصورة" وفك الارتباط الشكلي عن النظام وقدرتها بحكم "تمثيلها المستقل للمجتمع" القيام بدور إغاثي وتنموي، وبالتالي عدم موضوعية استهدافها في سياسات العقوبات الدولية خاصة بعد ورود اسم الأمانة السورية للتنمية ضمن مسودة القرار الأميركي المرتبط بمنع التطبيع مع الأسد ومراقبة نشاطات الأمانة ، أما الهدف الثاني فيتمثل بالتخلي عن مسؤولية "انتهاكات الأفراد " المنتسبين إلى الاتحاد والتي حصلت خلال سني الثورة وعدم ربطها مع النظام والدولة في حال إطلاق مسار قانوني دولي ضدهم، إذ أضاف القانون صلاحية لرئيس الاتحاد لم تُذكر ضمن النظام الداخلي وهي "تمثيل الاتحاد أمام القضاء والغير"، وإنشاء لجنة من خمسة أشخاص للمراقبة والتفتيش غير موجودة ضمن هيكلية الاتحاد المنصوص عليها في كل نسخ النظام الداخلي للاتحاد وآخرها نسخة 2020.
• جمع هذا القانون كل مصادر تمويل الاتحاد التي كانت سابقاً موزعة بين قرارات مجلس التعليم العالي واللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات والنظام الداخلي للاتحاد، وألغى العمل بالمرسوم التشريعي رقم 87 لعام 2010 والمتضمن أحقية الاتحاد بالحصول على نسبة 0.5% من مجمل رسوم وأقساط الجامعات الخاصة والمُنشآت التابعة لها(2)، إذ رفع القانون النسبة إلى 1%، وخصص القانون نسبة 1.5% من بعض الموارد الذاتية للجامعات الحكومية ومنشآتها، وبذلك ستتجاوز ميزانية الاتحاد كل النقابات والاتحادات التي تعتمد ميزانيتها فقط على اشتراكات أعضائها وعائدات مرافقها، وقد شرعنت ذلك القرارات السابقة مثل قرار مجلس التعليم العالي رقم 274 لعام2011 والذي خصص للاتحاد نسبة 20% من بدلات الاستثمار بالمطاعم والمنتديات التابعة للوزارة بينما لم تتجاوز نسبة نقابة المعلمين 15% (3).
• أكد القانون بمادته رقم (10) وهي غير موجودة في النظام الداخلي أن "الانتماء لحزب سياسي غير مرخص أو أي تنظيم أو تجمع معادٍ للدولة يستوجب الفصل"، بينما حسب النظام الداخلي يُفصل العضو في حالة انتمائه لاتجاه سياسي أو تنظيمي معادٍ لمبادئ الاتحاد.(4) وعلى الرغم من القوانين والمراسيم التي تم سَنُها؛ مازال الاتحاد شأنه شأن اتحاد شبيبة الثورة وطلائع البعث والاتحاد الرياضي العام يتبع إدارياً لمكتب الشباب المركزي في حزب البعث، وبالتالي مازال الارتباط الهيكلي بين الكيانات الطلابية في مناطق الأسد وحزب البعث قائماً على الرغم من دستور عام 2012 الذي ألغى هذا الارتباط ظاهرياً.
• يُعتبر الاتحاد أكثر الكيانات "المدنية" المرتبطة بنظام الأسد نشاطاً خارج سورية، وذلك لأهمية دوره كأحد أدوات الأسد في الضبط المجتمعي وتحقيق الاختراق عبر تواصل الاتحاد مع المنظمات الدولية المعنية بالتعليم، مما يُفضي إلى أهمية رفع قدرتها المادية لتكون قادرة على زيادة فعاليتها في المرحلة القادمة بعد قوننة الأسد لسرديته أن الاتحاد كيان مستقل.
• تتركز سياسة الأسد في المرحلة القادمة على مجتمعه "المدني" كأداة قد تكون ناجعة كخطوة أولى لجلب تمويل له، وكخطوة لاحقة لفتح مسارات تكسر جليد العلاقات مع الدول الأوروبية، وذلك بعد فشله في تحقيق تقدم سياسي مستدام بسبب ارتباطه بتنازلات أخرى مثل تجارة الكبتاغون، أما الجانب "المدني" مرتبط بتعزيز السردية دون تقديم تنازلات، لذلك من المهم بمكان متابعة العلاقة المتشابكة بين المجتمع "المدني" وأجهزة النظام الأمنية والعسكرية، وذلك في سبيل تقنين قدرة الأسد على فتح مساحات دولية عبر أذرعه "المدنية".
([1]) موقع مجلس الشيوخ الأميركي، 26/09/2023 https://shorturl.at/bepMZ .
([2]) موقع مجلس الشعب السوري، https://shorturl.at/jnKU4 .
([3]) موقع مجلس التعليم العالي، قرار رقم 274 لعام 2011 https://bit.ly/3GgluD9 .
([4]) النظام الداخلي للاتحاد الوطني لطلبة سورية، صفحة 30.
شهدت محافظة السويداء في آب 2023 عودة المظاهرات المطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي والانتقال السياسي في سورية ، وجاء ذلك الحراك بدايةً رداً على رفع أسعار المحروقات وبعض السلع الأخرى، ولكن سرعان ما تحولت المطالب إلى سياسية تُطالب بتطبيق القرار 2254 والمناداة بإسقاط النظام وذلك بتأييدٍ من المرجعيات الدينية التي شاركت في التظاهرات. يحاول تقدير الموقف أدناه الوقوف على ما جرى في السويداء خلال النصف الأول من عام 2023 ، وتفكيك خارطة المطالب المحلية وتأُثيرها على المنطقة الجنوبية، كما سيفند طبيعة السياسات التي سينتهجها النظام وحلفائه (روسيا – ايران) والميليشيات التابعة لهم في المنطقة، وتلمُّس الاتجاهات المستقبلية للمشهد الميداني في السويداء.
شكلت انتفاضة أهالي السويداء في تموز 2022 ضد المليشيات المتورطة في عمليات الخطف وتجارة المخدرات مفترق طرقِ في المحافظة، حيث كانت تلك الانتفاضة مدعومة بشكل كامل من المرجعيات الدينية من جهة وأيضاً رافقتها مظاهرات بسبب سوء الأحوال المعيشية نتيجة قرار رفع " الدعم الحكومي" عن عدد كبير من العائلات في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد([1]). وكنتاج لتلك الانتفاضة أعادت الميليشيات تموضعها ما بين الفواعل المحلية،فمنها من استمر بالوقوف مع الأفرع الأمنية التابعة للنظام ومنها من انحاز للحراك الشعبي، وقسم التزم الحياد بالتزامن مع تراجع فعاليتها ودورها، ويمكن تقسيم هذا التموضع وفق الآتي ( انظر الجدول رقم 1):
والجدير بالملاحظة في هذا السياق استمرار نشاط المجموعات المرتبطة بإيران بشكل مباشر عبر شعبة المخابرات العسكرية أو بحزب الله اللبناني في محافظة السويداء وريفها، وتعتبر عصب المصالح الإيرانية في المنطقة سواء بتأمين خطوط تهريب المخدرات أو محاولات زعزعة الأمن داخل المحافظة لتثبيت فكرة أن الفوضى الأمنية هي السائدة وأن المحفاظة بحاجة لإعادة دور الدولة الضامنة للسلم المحلي، وتصدير السويداء على أن فيها صراع داخلي قد يتطور إلى حرب أهلية في غياب وجود الدولة.
وبالنظر إلى ديناميات حراك آب 2023 يُلاحظ أن هذا الحراك يختلف عما سبقه فيما يلي:
كان فشل هجوم "تنظيم الدولة" على الريف الشرقي للسويداء عام 2018 سبباً في تغير السياسة الأمنية للنظام اتجاه المحافظة،حيث أبدت الفصائل المحلية تكاتفاً ضد هجوم التنظيم وذلك تحت فلسفة "صيانة الأرض والعرض" التي دعت لها المرجعيات الدينية حينها، تَبعه توكيل مهمة الضبط الأمني إلى اللواء كفاح ملحم (معاون شعبة المخابرات العسكرية حينها ورئيس الشعبة لاحقاً) حيث سعى إلى تفكيك الفصائل المحلية وأبرزها رجال الكرامة والتشجيع على الانشقاق عنها عبر تغذية الخلافات البينية ودعم الفصائل مالياً، ونتيجة لمحاولات ملحم تم عقد اتفاق بينه ملحم و بين تلك المجموعات ينص على "اطلاق الصلاحيات وتولي مهمة التسويات لجل المطلوبين أمنياً وضمهم لمجموعاتهم مقابل عدم المساس بأجهزة الدولة لاسيما الأفرع الأمنية" التي كانت مستهدفة بالحراك الشعبي([3]).
استمرت وتيرة تشكيل جماعات مسلحة محلية تختلف تبعيتها بين شعبة المخابرات العسكرية من خلال فرع الأمن العسكري، وفرع المخابرات العامة (أمن الدولة)، بالإضافة إلى العلاقات المباشرة مع إيران عبر حزب الله أو غير المباشرة معها حتى تموز عام 2022، حيث أطلقت حركة رجال الكرامة وبدعوة من المرجعيات الدينية حملة واسعة ضد العصابات المحلية المُشرفة على الخلل الأمني في المنطقة وأكبرها حركة الفجر بقيادة راجي فلحوط، ونتج عن تلك الانتفاضة تغير في خارطة الفصائل المحلية وأدواتها وفعاليتها وآليات تمويلها ( انظر الجدول 1)، حيث عَمِلت المرجعيات الدينية على اطلاق مسار للمصالحة تستهدف فيه الفصائل التي تورطت في عمليات الزعزعة الأمنية بأن تسلم الفصائل سلاحها المتوسط والثقيل لرجال الكرامة وتُغادر منطقة نفوذها، كما جرت عدة محاولات اغتيال لقادة عدة فصائل فانعكس ذلك على ثِقل الفصيل وفعاليته ضمن الخارطة الأمنية ضمن المحافظة.
ويُلاحظ أن أكثر الفصائل تَمُسكاً بمقراتهم ويُشكلون تهديداً للسلم المحلي في المحافظة هي الفصائل المُرتبطة بإيران أو حزب الله، حيث تشرف تلك الفصائل على خطوط التهريب بالإضافة لقيامها بعمليات الخطف وصناعة المخدرات والاتجار بها ونقلها إلى الحدود، ومن جانب آخر اعتمدت حركة رجال الكرامة وأهالي السويداء بشكل عام على أداة خطف ضباط الأمن مقابل كل حالة اعتقال يقوم بها نظام الأسد سواء على مدخل المدينة أو في العاصمة دمشق، حيث قامت الحواجز في شهر تموز 2023 باعتقال 6 شباب من المحافظة، قوبل ذلك بخطف 35 ضابط أمنٍ من طرف أهالي السويداء حتى تمت مبادلة المعتقلين بين الطرفين لاحقاً.
تتأثر السيناريوهات المتوقعة بعوامل داخلية متعلقة بتركيبة المدينة وبين خيارات النظام بالتعامل مع الحراك الأخير، وعلى الرغم من ضعف المدينة اقتصادياً ولكنها تمتلك ثقلاً مهما لنظام الأسد لا سيما أنها تشكل ممراً أساسياً لتهريب الكبتاغون، إضافة أن تموضعها إلى جانب درعا المماثلة في الحراك المُنطلق في آب 2023 شكل جيباً معارضاً قد يتجاوز الخلافات التي سعى النظام لتغذيتها بين المدينتين خلال سني الثورة،وأهم مايُميز التركيبة الديمغرافية للسويداء أن المجتمع يمتلك بُعداً إقليمياً في فلسطين ولبنان والعلاقة المتينة بين الشيخ حكمت الهاجري من طرف والشيخ موفق طريف رئيس الطائفة الدرزية ووليد جنبلاط من طرف آخر.
لذلك كان منهج نظام الأسد بالتعامل مع المدينة يقوم على أمرين: أولهما عزل المدينة عن محيطها عبر إشعال فتن طائفية ومناطقية بينهم وبين العشائر وأهالي درعا، ثانيهما استبعاد الحل العسكري المفتوح على غرار باقي المدن التي انطلقت فيها المظاهرات، وبالتالي كان سعي النظام وحلفائه يُركز على أن يصبح وجود الدولة المُصاحب لأفرعها الأمنية مطلباً شعبياً في حال ارتفعت وتيرة الصراعات المحلية في المدينة، بالإضافة لإطلاق يد الميليشيات المحلية للزعزعة الأمنية مما يصب في هدفه، وبناء على امتداد المساحة الجغرافية للحراك ووضوح موقف المرجعيات الدينية للمدينة من مطالب المجتمع المحلي، ورغم ما يمتلكه النظام من خيارات إلا انه يمكن مواجهتها بالتمسك بالمطالب السياسية المتسقة مع القرار 2254 من جهة وبسياسات التماسك المحلي من جهة ثانية وديناميات التكاتف الوطني عبر مساندة السوريين لحراك المحافظة من جهة ثالثة، ومن الخيارات المتوقعة لسياسات النظام حيال هذا الحراك نذكر:
لم تتبلور آلية تعامل نظام الأسد مع المدينة حتى الآن على عكس وضوحه سابقاً بالتعامل العسكري مع المدن الثائرة ضده، مما يوحي أن أولوية النظام حالياً تتركز في منع امتداد الحراك أكثر من إيقافه، وذلك يعود لتراجع إمكانياته على ضبط المدن الكبرى بالتزامن مع تراجع اقتصادي وحالة سخط اقتصادية عامة في مناطقه، وبالتالي قد تكون ورقة الحل باستثمار الأدوات الايرانية ( الفصائل التابعة لها) خصوصاً في حال تعرض خطوط التهريب أو القائمين عليه لأي زعزعة تنتج عن محاولات المجتمع المحلي في السويداء الضغط على النظام وحلفائه.
ولكن تبقى خيارات المجتمع المحلي القائم بالحراك واسعة في حال رفع مستوى التنسيق مع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والحفاظ على سردية الانتقال السلمي للسلطة حسب القرار الأممي 2254، بالتزامن مع إيجاد بدائل محلية في حال أغلق النظام مؤسساته الخدمية في المدينة، وعكس مطالب الحراك إلى تمثيل سياسي خارجي وداخلي يبحث في سيناريوهات أكثر تعقيداً.
أولاً: الخريطة رقم 1 : مقارنة بين عدد نقاط التظاهر والاحتجاج في المحافظة خلال شهر آب 2023 وتلك التي كانت في احتجاجات تموز 2022.
ثانياً: الجدول (1) : العصابات الموجودة في السويداء وتغير نشاطها وأدوارها وتبعيتها بين عامي 2022 و2023
([1])المشهد الأمني في السويداء: قراءة في السياق والمآلات المتوقعة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، يمان زباد 08/08/2022 https://rb.gy/rtqcs
([2])لحظات وصول وفد من عشائر البدو إلى ساحة السير، يوتيوب 24/08/2023 https://www.youtube.com/watch?v=IcSAIMq2oOY
([3])المشهد الأمني في السويداء: قراءة في السياق والمآلات المتوقعة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
لم يكن قرار مجلس الجامعة العربية بعودة الأسد مُفاجئاً، بل جاءت المفاجأة من تسارع الجهود العربية لفتح مسار سياسي يعتبر عودة التواصل مع الأسد هو بداية عمله ويؤدي إلى وجود حل في سوريا، مع أن ماهية هذا الحل بقيت ضبابية بين تصريحات المسؤولين العرب إلى "أن سوريا يجب أن تعود إلى وضعها الطبيعي" أو إنهاء الأزمة السورية أو حتى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
كان مؤتمر عمان الذي سبق قمة جدة والتصريحات المرافقة له توحي بعدم وجود رؤية واضحة لخريطة طريق للحل السياسي، ولكن الاتفاق الوحيد المُنجز هو أنه يجب عودة الأسد إلى الجامعة العربية، وأن ورقة تجارة الأسد بالكبتاغون كانت ناجعة في أن تعيده إلى حضن ما سواء كان عربياً أو غربياً، لأن الأوراق المشابهة كانت فاعلة خلال حكم الأسد الأب والابن، ابتداءً من تهديد الأمن القومي التركي عبر دعمه حزب العمال الكردستاني وإعادة الكرة في دعمه لقوات سوريا الديمقراطية حالياً لإجبار تركيا للتواصل معه من جديد، مروراً بصناعته وتمويله للجماعات المتطرفة في العراق التي جرَّت أميركا لإعادة علاقتها معه لضبط تلك الجماعات وتسليم تفاصيلها.
بعد التقارب الأميركي مع الأسد عقب دفعه نحو إيقاف توجه المقاتلين من سوريا إلى العراق بعد الغزو الأميركي، كانت الورقة الأساسية التي قدمها هي معلومات المتطرفين الذين وصلوا إلى العراق، ونفس الأمر بدت ملامحه بعد اجتماع عمان في بداية أيار 2023، حيث كانت نتائجه أن نفذ الأردن أولى ضرباته الجوية ضد أحد تجار المخدرات على الحدود السورية الأردنية، بالتزامن مع عروض سعودية بتقديم 4 مليارات دولار لنظام الأسد على هيئة مساعدات إنسانية، ولكن جوهرها يكمن في تشجيع الأسد على إيقاف تجارة وتصنيع الكبتاغون، وخاصة بعد أن أصبحت شحنات الكبتاغون تُضبط داخل الأردن والسعودية وليس فقط على حدود البلدين، مما يوحي بتوسع شبكة تجارته لتشمل فواعل محلية في كلِّ من الأردن والسعودية تُساهم في إدخاله ثم توزعه في تلك المجتمعات.
وبناءً على ماستُقدمه البلاد العربية من دعم اقتصادي لمؤسسات الأسد بحجة الزلزال أو غيره، ومدى قدرتها على فتح ثغرات غربية لإعادة تعويم الأسد وإن كان على صعيد المؤسسات المدنية التابعة له، سينعكس هذا المساران على المعلومات والتعاون الذي سيقدمه الأسد للحد من صناعة وتجارة الكبتاغون.
جاءت قمة جدة بجديدين، أولهما عودة الأسد إلى الجامعة ودعوة زيلينسكي إليها في محاولة سعودية للتأكيد على أن الدور العربي الجديد هو محور ثالث لا ينتمي إلى المعسكرين الروسي أو الأميركي، حيث كانت ردة الفعل الأميركية الباردة عقب ضرب الحوثيين لمنشآت أرامكو في السعودية عام 2019 هي النقطة الفاصلة التي جعلت المملكة تُفكر بشكل أوسع اتجاه علاقتها بالولايات المتحدة الأميركية، فبدأت تعيد حساباتها عبر إعادة العلاقات بشكل مبدئي مع إيران وإعادة قراءتها للمشهد العربي عبر محاولة صنع أدوات تحافظ بها على أمنها القومي بعيداً عن الحليف الأميركي.
كانت خطابات المشاركين في القمة مشتركة في محاور الأزمات الحالية الموجودة في المنطقة العربية، وشملت القضية الفلسطينية والسورية واليمنية والسودانية وأيضاً تفاصيل أخرى متعلقة بالأمن المائي والمناخ، وكان الاتفاق على دعم القضية الفلسطينية مشتركاً، بينما الرؤية للحل السوري جاءت ضمن 3 أنواع من التفاعلات: أولها من أكد على القرارات الأممية ومن ضمنها قرار مجلس الأمن 2254 مثل الكويت ومصر، ثانيها من أكد على مسار عمان متجاهلاً المسارات الأخرى مثل الأردن، وثالثها من أكد على الخطوط العريضة التي يجب من خلالها أن تُحل الأزمة السورية مثل الحل السياسي وعودة اللاجئين مثل ليبيا واليمن.
كل تلك التباينات تُفضي إلى أن حضور الأسد للقمة كان هدفاً لأكثرية البلاد العربية وليس وسيلة أو خطوة أولى ضمن رؤية أو مسار سياسي جديد، وتحقيق هذا الهدف كان من أجل إعادة الأوضاع إلى ما قبل 2011 في كل البلدان العربية سعياً للتمترس وانتظار نتيجة تجاذبات القوى الروسية والأميركية، وهذا ما أكده خطاب الأسد وتصريحاته الصحفية قبل المؤتمر بعد لقائه مع قيس سعيد وإشارته إلى أن ما حدث في تونس كان عابراً ولم ينجح المخطط بأن يتم استغلال تونس لكي تكون نموذجاً للفوضى، وبالتالي كان توجه أكثرية البلاد إلى الكُفر بالربيع العربي الذي تغيرت أوضاع البلاد التي انطلق منها.
ختاماً، لم يحمل بيان قمة جدة أية قيمة مضافة أو رؤية سياسية للحل، حتى غابت عنه مبادرة خطوة بخطوة أو حتى التأكيد على استمرار مسار عمان، بل كان الجزء السوري من البيان مؤكداً على الإنجاز الذي حدث بعودة الأسد، وأنه يجب أن يكون هناك تكثيف للجهود من أجل المساعدة الإنسانية لسوريا، ولا يُتوقع أن يكون هناك تغير في خريطة القوى على الأرض أو مناطق النفوذ، حيث لا تملك البلاد العربية قدرة على التأثير في المشهد الداخلي من جهة، مع عدم وجود خيارات من أجل الالتفاف على العقوبات الغربية على الأسد من جهة أخرى، خاصة بعد مشروع القرار الأميركي الأخير المتعلق بمنع التطبيع معه، الذي قد يشمل مراقبة وصول المساعدات لمؤسسات "مدنية" تابعة للأسد وهي الأمانة السورية للتنمية مما يفتح باباً جديداً يتمثل في مراقبة ثم محاسبة ثم فرض عقوبات على أياديه المدنية التي ما زالت تتحرك بِحُرية مثل الهلال الأحمر السوري والاتحاد الوطني لطلبة سوريا، ولكن سيُفتح للأسد نوافذ اقتصادية متمثلة في إعادة التمثيل الدبلوماسي الذي يُفضي إلى فتح السفارات والقنصليات بشكل طبيعي في عدد من البلاد العربية وبالتالي عودة السفارات والقنصليات لكي تكون مصدر تمويل له عبر استمرار ابتزازها للسوريين المغتربين والمهجرين الساعين للحصول على أوراقهم القانونية.
المصدر:
تلفزيون سوريا: https://bit.ly/42jIied
عقب الزلزال الذي ضرب تركيا سورية في 06 شباط/فبراير الماضي، شهدت المنطقة حراكاً دبلوماسياً عربياً حثيثاً تجاه النظام في سورية ضمن إطار دبلوماسية الكوارث وسياسة التطبيع الإقليمي الذي بدأ تبلوره في 2021 من خلال الانفتاح الإماراتي، وذلك إلى جانب استثناء مؤقت وجزئي لبعض القيود الاقتصادية المفروضة على النظام دولياً. يسعى تقدير الموقف هذا لتبيان مستقبل سياسات التطبيع مع النظام من خلال تناول: العوامل المؤثرة في الإجراءات المتخذة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بخصوص سياسات العقوبات المفروضة على النظام ودلالات ذلك؛ ديناميات سياسات التطبيع ودوافع الدول العربية وتركيا بخصوص التطبيع مع النظام كل على حدة؛ تفاعل الديناميات الإقليمية والدولية المحددة لمسار التطبيع.
الفواعل الدولية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)
لم يكن إيجاد حل للملف السوري على قائمة أولويات إدارة بايدن، وإنَّما كانت مقاربة إدارة الملف تقتصر على تجميد الصراع العسكري والإبقاء على خارطة النفوذ الحالية، بهدف منع عودة تنظيم الدولة لنشاطه السابق في المنطقة، والحول دون زيادة نفوذ الفواعل الإقليمية والمحلية الأخرى في الساحة السورية([1]). بالإضافة إلى الإبقاء على آليات العقوبات وعلى رأسها قانون قيصر وإقرار قانون مكافحة الكبتاجون كأداة ضاغطة على النظام، وعقبة أمام إعادة تأهيله دولياً.
بعد ثلاثة أيام على الزلزال، قام مكتب مراقبة الأصول الخارجية في الخزانة الأمريكية بالسماح بالتحويلات المالية المرتبطة بجهود الإغاثة عقب الزلزال - والتي كانت ستكون محظورة بسبب العقوبات - لمدة ستة أشهر فقط([2])، بالتوازي مع تجديد الخارجية الأمريكية رفضها التطبيع مع النظام أو رفع مستوى العلاقة معه، وقيام مجلس النواب الأمريكي بـإدانة محاولات النظام لاستغلال الكارثة لتجنب الضغط والمحاسبة الدولية، والتأكيد على أهمية آلية العقوبات (قانون قيصر) لحماية المدنيين([3]). ناهيك عن قيام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بلقاء ممثلين عن منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" في تركيا([4]).
تعكس جُملة هذه الخطوات صعوبة وجود دلالات سياسية واضحة للتخفيض المؤقت والجزئي للعقوبات حالياً، أو تغيُّر في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سورية والنظام على مستوى الأولويات والمقاربة. لا سيما وأنه سبق للخزانة الأمريكية أن أصدرت قراراً بالسماح لبعض التحويلات المصرفية المحظورة تحت طائلة العقوبات خلال وباء كوفيد-19 لكل من سورية وإيران وفنزويلا، من غير وجود دلالات سياسية لذلك، بهدف تسهيل العمل الإغاثي والصحي([5]).
بشكل مشابه، كان موقف الاتحاد الأوروبي واضحاً بخصوص رفض التطبيع مع النظام في سورية، أو رفع العقوبات عنه، أو البدء بإعادة الإعمار، من غير انخراط النظام بعملية سياسية وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254([6])، وذلك على الرغم من سعي حكومات أوروبية عدة، كاليونان وقبرص وإيطاليا وهنغاريا والنمسا وبولندا للدفع باتجاه سياسات تصب في صالح النظام، أو السعي للبحث عن آليات جديدة لتجاوز ضوابط الاتحاد الأوروبي لزيادة مساحات الفعل في سورية، ناهيك عن قيام بعض هذه الدول - هنغاريا وبلغاريا واليونان وقبرص - باستعادتها لمستويات مختلفة من العلاقات الدبلوماسية لم ترقَ لمستوى التطبيع الكامل بعد، الأمر الذي يرتبط بشكل أساسي بصعود سياسة اليمين الشعبوية، وفرضية قدرة النظام على تأمين الاستقرار ومنع تدفق اللاجئين([7])، لا سيما مع ارتفاع عدد طالبي اللجوء في دول الاتحاد بنسبة 50% في العام 2022، ليصل إلى ما يقارب المليون، الرقم الأعلى منذ 2016، في حين أن عدد السوريين منهم نحو الـ130.000([8]).
على إثر الزلزال وفي 17 شباط/فبراير، قدَّم ثمانية أعضاء في البرلمان الأوروبي مقترح قرار لـ"رفع العقوبات عن سورية[النظام] لغايات إنسانية"، معتبرين أن "العقوبات لم تحقق الأثر المرجو"، وأن "عواقبها أدّت لضرر بالغ على الشعب السوري"([9])، علماً أن البرلمانيين الثمانية ينتمون لمجموعات سياسية متنوعة يمينية ويسارية، كـ"حزب البديل لأجل ألمانيا" اليميني المتطرف، وحزب "مستقلون من أجل التغيير" اليساري في إيرلندا، على سبيل المثال لا الحصر. وعلى الرغم من اختلاف دوافع اليمينيين التي تكمن بمسألة اللجوء ومنع تدفق المزيد من اللاجئين، واليساريين الذين هم معنيون أكثر بالجانب الإنساني، وتقليص نطاق استعمال القوة للاتحاد في الخارج، إلا أن غايتهم التقت في مسار رفع العقوبات، مستغلين حالة الكارثة للدفع أكثر اتجاه إحداث تغيير في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تجاه سورية والنظام.
في 23 شباط/فبراير، أعلن الاتحاد الأوروبي عن تخفيف العقوبات المفروضة على النظام لمدة مؤقتة، من خلال قرار مجلس الاتحاد الأوروبي بتبني "تعديل إنساني إضافي"، بهدف إحداث تسهيل أكبر بسرعة وصول المساعدات الإنسانية لسورية بعد الزلزال. يتضمن القرار رفع حاجة المنظمات الإنسانية للحصول على إذن مسبق من السلطات المختصة في الدول الأعضاء "لإجراء تحويلات أو توفير سلع وخدمات مخصصة للأغراض الإنسانية" للأشخاص والكيانات المدرجة في قائمة العقوبات لمدة ستة أشهر فقط، علماً أن العقوبات الأوروبية لا تشمل الغذاء أو المواد الطبية أو النظام الصحي في سورية([10]).
يأتي القرار الأوروبي في إطار ثلاثة عوامل رئيسة لعبت دوراً بالغ الأهمية في صياغته: (1) حجم الكارثة الإنسانية وضعف الآليات الدولية في الاستجابة، (2) الديناميات الأوروبية الداخلية التي تكمن بالضغوط الداخلية لتغيير سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه سورية والنظام، وهو ما تجلَّى بمقترح القرار من البرلمانيين الثمانية لرفع العقوبات عن النظام، (3) قرار الخزانة الأمريكية بمنح الإذن للتحويلات المتعلقة بمساعدات الزلزال في سورية لمدة ستة أشهر.
الفواعل الإقليمية (الدول العربية وتركيا)
كانت كل من الإمارات وسلطنة عُمان والجزائر والأردن الدول الأبرز التي سعت لإعادة تأهيل النظام عربياً، وذلك لدوافع وأسباب مختلفة. فضمن سعيها للعب دور إقليمي بارز على المستوى السياسي ودافعها الاقتصادي المرتبط بملف إعادة الإعمار في سورية، قادت الإمارات جهود التطبيع مع النظام منذ بدايتها، إذ كانت الدولة الأولى التي طبَّعت العلاقات مع النظام وافتتحت سفارتها في دمشق بعام 2018([11])، ومن ثمَّ رفع مستوى العلاقة لتشمل الاتصال المباشر بين رئيس النظام بشار الأسد ومحمد بن زايد([12])، وتبادل الزيارات على مستوى وزارتي الخارجية([13]) والاقتصاد([14]) في الربع الأخير من عام 2021، قبل قيام بشار الأسد بزيارة دولة الإمارات كأول دولة عربية يزورها منذ 2011 وذلك في آذار/مارس 2022([15]).
في الوقت ذاته وبدوافع مختلفة، دخلت العلاقات الأردنية مع النظام مسار التطبيع رسمياً على مستوى التواصل المباشر بين الملك عبدالله الثاني وبشار الأسد([16])، والتنسيق على مستوى وزارات الدفاع([17])، وتطور العلاقات التجارية عقب فتح الحدود السورية - الأردنية ما انعكس بزيادة الصادرات من سورية إلى الأردن، والصادرات السورية عبر الأردن كبلد عبور إلى السعودية([18])، وذلك في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الأردن واستضافته لعدد كبير من اللاجئين السوريين. ناهيك عن مسألة أمن الحدود كأولوية أردنية مرتبطة بالمخدرات والنفوذ الإيراني، ساعياً لتحقيق مكاسب جزئية، أمنية واقتصادية، في ظل استمرار الاستعصاء السياسي.
على المستوى الإقليمي العربي، سعت الجزائر - التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية بالنظام والتي تمتلك علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية وثيقة مع روسيا ([19])- لإعادة النظام للجامعة العربية في القمة العربية التي عُقدت في العاصمة الجزائرية في تشرين الثاني/نوفمبر 2022([20])، إلا أن الانقسام العربي بشأن المسألة، وثبات موقف قطر والسعودية المناهض للتطبيع، التي أعلنت حينها عن "ضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن" بما يخص الشأن السوري قبيل القمة العربية؛ حال دون ذلك([21]). بالمقابل، كانت سلطنة عُمان الدولة الخليجية الوحيدة التي حافظت على علاقاتها الدبلوماسية مع النظام، والدولة الخليجية الأولى التي تقوم بتعيين سفير لها في دمشق، منذ تعليق دول مجلس التعاون الخليجي العمل الرسمي بسفاراتها في سوريا عام 2011([22])، الأمر الذي يرجع لتقاليد السياسة الخارجية العمانية، والتي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أي دولة في العالم منذ وصول السلطان قابوس إلى العرش في عام 1970([23]).
لهذا، لم يكن من المفاجئ زيارة بشار الأسد إلى العاصمة مسقط كثاني عاصمة عربية يزورها بعد أبو ظبي([24])، والتي توازت مع زيارة وزراء خارجية الإمارات والأردن لدمشق، ووفد برلماني من عدد من الدول العربية. بالإضافة للاتصالات التي جرت بين بشار الأسد والرئيس الجزائري، والرئيس الموريتاني، وملك البحرين، وكذلك قيام الرئيس التونسي قيس سعيد برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع النظام([25])، إذ لا يوجد تطور حقيقي أو تغيُّر في مواقف هذه الدول تجاه النظام باعتبار أنها تمتلك علاقات دبلوماسية جيدة نسبياً مع النظام، إلَّا أنها تفتقد قدرتها على لعب دور وساطي - كالإمارات أو عُمان - في إعادة تأهيل النظام عربياً.
أما مصر، وعلى الرغم من الأهمية الجيوسياسية الكبيرة لها، فلا يُعتبر التواصل الرسمي المصري مع النظام على المستوى الرئاسي وزيارة وزير الخارجية المصري لدمشق([26]) ذلك التغيُّر اللافت، فقد حافظت مصر على حياد إيجابي تجاه النظام من خلال إعادة التمثيل الدبلوماسي في دمشق عام 2013([27])، بالتوازي مع عدم قطع صلاتها بالمعارضة عبر استضافتها لـ"تيار الغد السوري" المعارض بقيادة أحمد الجربا منذ 2016. ويأتي الحراك الدبلوماسي المصري الأخير في سياق مواكبتها للحراك الدبلوماسي للدول العربية المطبِّعة، بانتظار وضوح مواقف الدول الأخرى وعلى رأسها السعودية، إذ لا تلعب مصر حالياً دوراً ريادياً في السياسة العربية تجاه سورية، لا سيما مع وجود ملفات خارجية أكثر أهميةً لها كالملف الليبي وأمن المياه في سياق العلاقات مع إثيوبية.
بالمقابل، ومع ثبات الموقف القطري([28]) والكويتي([29]) المناهض للتطبيع مع النظام، يتضِّح أن الموقف السعودي في طور التبلور، مع وجود رغبة سعودية واضحة في إعادة تفعيل الدور العربي في سورية، بما يشمل الحوار مع النظام، ما تجلَّى برؤية وزارة خارجيتها بخصوص عدم جدوى سياسة عزل النظام، وعن بدء "تشكل نهج آخر لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين" في ظل الاستعصاء السياسي([30])، وقيام المملكة بإرسال مساعدات إنسانية لمناطق سيطرة المعارضة والنظام كل على حدة، في إطار دبلوماسية الكارثة/الزلزال([31])، ناهيك عن اللقاءات الأمنية الاستخباراتية قبل الزلزال بين السعودية والنظام.
على الرغم من وضوح تغيُّر المقاربة السعودية بخصوص النظام، إلا أن الموقف السعودي ما زال بطيء التبلور، إذ إنه من غير المتوقع التطبيع السعودي السريع أو الكامل مع النظام من غير وضوح صفقة تقنية، لا سيما بما يخص النفوذ الإيراني، ضمن إطار مبادرة عربية لتسوية جزئية، قد تحدث تغييراً في مسار الاستعصاء الراهن.
أما بالنسبة لتركيا، فقد كانت الرغبة التركية واضحة في إعادة النظر في طبيعة العلاقة مع النظام في سورية، وهو ما تجلَّى في عقد اجتماع بين وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات لكل من تركيا وروسيا والنظام في موسكو في كانون الأول/ديسمبر 2022([32]). وعلى الرغم من وجود اجتماع مرتقب سابقاً بين تركيا وروسيا والنظام على مستوى وزراء الخارجية في شباط/فبراير الماضي([33])، إلا أن الاجتماع تأجل نظراً لظروف الزلزال، ومن المتوقع عقده خلال شهر آذار/مارس الحالي([34]).حيث لم تسهم دبلوماسية الكوارث في زيادة وتيرة مسار التطبيع على المستوى السياسي بين تركيا والنظام، مقارنةً بأثرها في رفع مستوى العلاقات التركية - المصرية التي تجلَّت بالزيارة الأولى لوزير خارجية مصري لتركيا منذ عشر سنوات([35]).
لهذا، وبالأخذ بعين الاعتبار الفجوة الكبيرة بين الجانبين، تركيا والنظام، تبقى إمكانية أن يحقق مسار التطبيع بين تركيا والنظام تقدماً ملموساً على المدى المنظور منخفضة، نظراً الانشغال الداخلي التركي بكارثة الزلزال والانتخابات المقبلة. إلَّا أن ذلك لا يغيِّر من واقع حضورها كملف انتخابي، وأهمية التطبيع في السياسة الخارجية التركية على المدى المتوسط، لاعتبارات أمنية، ولاعتبارات سياسية داخلية تتعلق بملف اللاجئين، ورؤية أغلب الأحزاب السياسة لتطبيع العلاقات مع النظام كعامل مساهم في ملف العودة.
مستقبل التطبيع وتفاعل الديناميات الدولية والإقليمية
دولياً، سيبقى النظام في حالة من العزلة الدولية في ظل استمرارية العقوبات الأمريكية والأوروبية، والتي تأتي استثناءاتها الأخيرة المؤقتة ضمن ملف إدارة الشأن الإغاثي والإنساني، من غير وجود مؤشرات عن دلالات سياسية لذلك. ومن غير المرجَّح أن يكون لكارثة الزلزال أثرٌ في إعادة تأهيل النظام دولياً، أو حدوث تغيُّر على المستوى الكلِّي في السياسة الأمريكية أو الأوروبية تجاه النظام، لا سيما مع استمرار حالة الاستقطاب الغربي - الروسي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وعلى الرغم من عدم وجود موقف غربي لمواجهة روسيا على الساحة السورية، كذلك الموجود في أوكرانيا، إلا أن الموقف الغربي ما زال ممانعاً لإعادة تأهيل الأسد أو منح روسيا نصراً في سورية.
إقليمياً، لا يبدو أن العقوبات الأمريكية والأوروبية بشكلها الحالي عائقٌ أمام تطبيع العلاقات بين النظام ودول الإقليم، إلا أنها ستبقى محدِّدة لمستوى وشكل هذا التطبيع، إذ لم يكن للرفض الدبلوماسي الغربي أثرٌ في منع تطوُّر هذا المسار الذي بدأ يتبلور منذ 2021. وفي ظل غياب بوادر حل سياسي دولي في المدى المنظور، سيستمر مسار التطبيع السياسي الثنائي بين النظام ودول الإقليم، مع شمله لتفاهمات أمنية واقتصادية محدودة مراعية للعقوبات الدولية، بيد أن عودة النظام للجامعة العربية ما يزال مستعبداً حالياً، مع عدم وجود موقف عربي موحد ومبادرة عربية رسمية للحل على المستويات الأمنية والسياسية، وصعوبة تقديم ذلك دولياً في الوقت الراهن، وارتباط ذلك أيضاً بمدى تجاوب سلوك النظام مع الخطوات العربية في كل من ملفات: تهريب المخدرات، وطبيعة العلاقة مع إيران، وعودة اللاجئين.
بالنسبة للنظام، فإن امتلاكه – فرضياً – الرغبة في إنجاز تفاهمات بخصوص الملفات الثلاثة لا يعني امتلاكه القدرة على ذلك، على الأقل فيما يخص العلاقة مع إيران التي غدت متجذرة في سورية عسكرياً وأمنياً واقتصادياً. فهو يجد هذه المبادرات كمساحة مناورة سياسية بين مبادرتين: العربية والروسية - التركية، وفرصة لإعادة تأهيله إقليمياً عبر تفاهمات ثنائية، من غير الدخول في مسار حل سياسي شامل، ناهيك عن كونها فرصة اقتصادية في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها، والاستنزاف الذي يشهده حليفه الروسي في أوكرانيا، والاضطرابات التي تواجهها إيران داخلياً. بيد أن ذلك لا يُغيِّر من حقيقة أن إخراج إيران من سورية لم يعد أقل صعوبةً من إخراجها من لبنان أو العراق، ومن غير الواقعي الظن بأن الدبلوماسية هي الأداة المثلى لذلك.
([1]) فاضل خانجي، الملف السوري في وثيقة "استراتيجية الأمن القومي" الأمريكية، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 21 تشرين الأول/أكتوبر 2022، الرابط: https://cutt.us/CC3ZZ
([2]) Treasury Issues Syria General License 23 To Aid In Earthquake Disaster Relief Efforts, U.S. Department of the Treasury, 09 February 2023, Link: https://cutt.us/Ar4ho
([3]) H.Res.132 - Responding to the earthquakes in Türkiye and Syria on February 6, 2023., Congress.gov, 17 Feb 2023, Link: https://cutt.us/QhrsZ
([4]) بلينكن يلتقي ممثلين عن "الخوذ البيضاء" السورية في تركيا، العربي الجديد، 19 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/fPE73
([5]) Treasury Issues Additional COVID-19-related Sanctions Authorizations and Guidance, U.S. Department of the Treasury, 17 June 2021, Link: https://cutt.us/8bIDQ
([6]) EU reiterates refusal to normalize ties with Syrian regime, Asharq al-Awsat, 05 February 2023, Link: https://cutt.us/eDjxH
([7]) Charles Lister, Is the EU starting to wobble on freezing out Assad?, Foreign Policy, 27 October 2022, https://cutt.us/WfoNy
([8]) Almost 1 million asylum applications in the EU+ in 2022, European union agency for asylum, 22 February 2023, Link: https://cutt.us/Tg3x9
([9]) Motion for a resolution - B9-0155/2023, European Parliament, 17 February 2023, Link: https://cutt.us/kRZbW
([10]) Earthquake in Türkiye and Syria: EU amends restrictive measures in place regarding Syria to facilitate the speedy delivery of humanitarian aid, Council of the EU, 23 February 2023, Link: https://cutt.us/zcu9p
([11]) الإمارات تعيد فتح سفارتها في دمشق، البيان، 28 كانون الأول/ديسمبر 2018، الرابط: https://cutt.us/lGruZ
([12]) صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد يتلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس السوري، وزارة الخارجية والتعاون الدولي للإمارات، 21 أيلول/سبتمبر 2021، الرابط: https://cutt.us/Nfstp
([13]) فخامة الرئيس بشار الأسد يستقبل سمو الشيخ عبدالله بن زايد في دمشق، وزارة الخارجية والتعاون الدولي للإمارات، 09 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، الرابط: https://cutt.us/MtGFA
([14]) الإمارات وسوريا تبحثان تطوير العلاقات الاقتصادية وتوسيع الشراكة، العين الإخبارية، 06 تشرين الأول/أكتوبر 2021، الرابط: https://cutt.us/rhoMS
([15]) صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد يستقبل الرئيس بشار الأسد، وزارة الخارجية والتعاون الدولي للإمارات، 19 آذار/مارس 2022، الرابط: https://cutt.us/WyBBi
([16]) الملك يتلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس السوري، وكالة الأنباء الأردنية، 04 تشرين الأول/أكتوبر 2021، الرابط: https://cutt.us/jID9q
([17]) رئيس هيئة الأركان يستقبل نظيره السوري، وكالة الأنباء الأردنية، 19 أيلول/سبتمبر 2021، الرابط: https://cutt.us/KFt7F
([18]) ARMENAK TOKMAJYAN, Jordan Edges Toward Syria, Carnegie Middle East Center, 29 March 2022, Link: https://cutt.us/WPGDx
([19]) سياسة الجزائر الخارجية على مفترق طرق، منتدى فكرة، 09 آب/أغسطس 2022، الرابط: https://cutt.us/kkUnV
([20]) القمة العربية: بدء اجتماع الزعماء العرب في الجزائر وغياب قادة السعودية والإمارات والكويت والمغرب، بي بي سي العربية، 01 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، الرابط: https://cutt.us/zFAVr
([21]) الخطاب الملكي السنوي لأعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى، جريدة أم القرى، 16 تشرين الأول/أكتوبر 2022، الرابط: https://cutt.us/Pri9n
([22]) سفير سلطنة عُمان يسلم أوراق اعتماده لوزير الخارجية السوري، سي إن إن عربي، 04 تشرين الأول/أكتوبر 2020، الرابط: https://cutt.us/uL3an
([23]) بريت سودتيك وجورجيو كافييرو، الخطوات الدبلوماسية لسلطنة عمان في سوريا، منصة صدى - مركز كارينغي، 03 شباط/فبراير 2021، الرابط: https://cutt.us/Iit1I
([24]) جلالةُ السُّلطان المعظم يستقبل الرئيس السُّوري الذي قام بزيارة عمل إلى سلطنة عُمان، وزارة خارجية عُمان، 20 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/vaLOF
([25]) قراءة تحليلية في مدى تغير مواقف الدول من نظام الأسد؛ مجرد ضوضاء أم زلزال سياسي؟، مركز الحوار السوري، 02 آذار/مارس 2023، الرابط: https://cutt.us/o29pW
([26]) بشار الأسد يعرب عن تقديره البالغ لمبادرة الرئيس السيسي بالاتصال هاتفياً عقب الزلزال، وكالة أنباء الشرق الأوسط، 27 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/tdN9z
([27]) حسن صعب، العلاقات المصرية ـ السورية 2014-2021، المعهد المصري للدراسات، 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، الرابط: https://cutt.us/Crsjy
([28]) وسط موجة تطبيع عربي.. قطر تجدد رفضها التقارب مع نظام الأسد، الخليج أونلاين، 01 آذار/مارس 2023، الرابط: https://cutt.us/YpLcR
([29]) وزير خارجية الكويت: ليس لدينا خطط للتواصل مع "الأسد"، الخليج أونلاين، 19 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/GXg3p
([30]) فيصل بن فرحان: الحوار مع سورية مطلوب.. لا جدوى من عزلها، جريدة عكاظ، 19 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/XPp29
([31]) مركز الملك سلمان للإغاثة.. أول الواصلين إلى سورية، جريدة عكاظ، 13 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/QONbO
وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثامنة إلى حلب لمساعدة ضحايا الزلزال، جريدة عكاظ، 14 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/32UQh
([32]) موسكو تحتضن اجتماعاً لوزراء دفاع تركيا وروسيا وسوريا، وكالة الأناضول، 29 كانون الأول/ديسمبر 2022، الرابط: https://cutt.us/EKq51
([33]) أنقرة: اجتماع مرتقب لوزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا مطلع فبراير، ديلي صباح، 12 كانون الثاني/يناير 2023، الرابط: https://cutt.us/3jM42
([34]) تشاووش أوغلو: اجتماع رباعي في موسكو لمناقشة الملف السوري، وكالة الأناضول، 08 آذار/مارس 2023، الرابط: https://cutt.us/ChUVp
([35]) الرقم: 59، التاريخ: 26 فبراير/ شباط 2023، بيان صحفي حول زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى تركيا، وزارة الخارجية التركية، 26 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/nRozH
قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أيمن الدسوقي تصريحاً لجريدة عنب بلدي ضمن تقرير معمق بعنوان "على حساب الزلزال.. قرارات تشير لصفقة بين دمشق وواشنطن" تحدث فيه عن أسباب تأخر استجابة الأمم المتحدة لكارثة الزالزل في الشمال السوري، والمؤشرات على أن صفقة ما تم التوصل لها بين النظام السوري وأطراف أخرى، من خلال وساطة يُرجح الباحث أن الإمارات ورائها لأسباب عدة، وكيف أن النظام هو المستفيد الأول من هذه الصفقة.
للمزيد:http://bit.ly/3EWFWZV
يبقى احتمال انهيار نظام الأسد قائماً، تحت وطأة الأزمات التي يعايشها، بالمقابل هنالك ديناميات معاكسة لإعادة توطيد سلطته، عبر التلاعب بشبكات النخب، والتحصل على شرعية وأدوات، تتيحها مساحات المناورة المتشكلة خارجياً، مع ما يعتري تلك العملية من تحديات جمة.
منح التدخل العسكري الروسي النظام السوري اليد الطولى على خصومه، تجلى ذلك بتمدده ميدانياً، وتثمير ذلك سياسياً في مسارات عطلت قدرة خصومه على المبادرة، ليتلاشى احتمال إسقاطه بالقوة من الخارج، معلناً انتصاره على "الإرهاب"، والترويج لمرحلة عنوانها "الأمن والاستقرار" و"الرخاء وإعادة الإعمار". مع توقف المعارك الكبرى، دخلت سورية مرحلة تجميد النزاع التي يمكن توصيف أبرز ملامحها بأنها؛ مناطق نفوذ لقوى إقليمية ودولية، ترتكز على تسويات مؤقتة، وتسودها مسارات سياسية معلقة ومبادرات قيد الاختبار، فاعلوها قوى اسُتنزفت وأخرى تعيد ضبط بوصلتها، فضلاً عن مشهد أمني هش وخواصر رخوة، تحمل في طياتها مخاطر للتصعيد محلياً وإقليمياً. لا تكتمل الصورة إلا بذكر الفشل الحوكمي والانهيار الاقتصادي والتفكك المتزايد للنسيج المجتمعي، الذي تتشاركه مناطق النفوذ على حد سواء.
توضحت معالم هذه الأزمات أكثر في مناطق سيطرة النظام السوري، مع انهيار حاد لليرة السورية، وتعطل النشاطين الاقتصادي والحكومي بفعل أزمة حوامل الطاقة، ليعود النقاش مجدداً للواجهة داخل أروقة صناع القرار، ومراكز الدراسات ومؤسسات المعارضة، حول تداعيات هذه الأزمات على النظام واحتمالية تصدعه وانهياره، بالوقت الذي فشلت فيه العسكرة بذلك.
هنالك فرضيتين للإجابة على هذا التساؤل، تفترض الأولى عجز النظام عن التعاطي مع أزماته لمحدودية موارده وإشكالياته البنيوية المزمنة، وهذا من شأنه تحفيز التنافس داخله، وقيوداً أقل على الأطراف للتحرك بعيداً عن المركز تحقيقاً لمصالحهم الخاصة، وبالتالي إضعاف قدرته على السيطرة، تبدو معها احتمالات انهياره قائمة. بالمقابل، تفترض الثانية بأن مشهد الأزمات الراهن ما هو إلا صيرورة لديناميات سابقة لعام 2011، أججتها الحرب وزادت من كلفها، وعلى الرغم من وطأة هذه الأزمات ومخاطرها العالية، إلا أنها نالت من المجتمع والدولة أكثر من النظام الذي يعتاش على الأزمات، جاهداً في توطيد سطوته وإعادة تشكيل بنيته في مرحلة ما بعد الصراع، من خلال التلاعب بشبكات النخب([1]) ، واستغلال الفرص التي تتيحها ساحات المناورة الناشئة خارجياً، علماً أنها عملية مكلفة وذات تحديات عالية، ولكن لا بد للنظام منها للبقاء. وعليه تحاول هذه الورقة تحليل حالته.
على شفا الانهيار:اقتصاد متداعي وأمل غائب
تغدو مؤشرات الانهيار قائمة ولحظته مؤجلة لحين، فالاقتصاد متداعي ومقومات الإنتاج معطلة وكلفه مرتفعة، فضلاً بأن الليرة ليست بأفضل حالاتها، والتداعيات الاجتماعية لما سبق كارثية، ولا ينسحب ذلك على أنشطة اقتصاد الحرب المزدهرة، والمحصلة لا أمل يلوح بالأفق.
تعاكس سورية التوقعات السائدة بحدوث تحسن في النمو الاقتصادي عقب توقف النزاع، إذ شهدت مزيداً من التدهور الاقتصادي الحاد رغم تراجع العمليات العسكرية منذ ربيع عام 2020. تبعاً لتقديرات المركز السوري لبحوث السياسات، تجاوزت الخسائر التراكمية للاقتصاد السوري حاجز 650 مليار دولار نهاية عام 2021، كما انكمش الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 بحوالي الخمس مقارنة بما كان عليه عام 2019، وكان قطاعي الزراعة والخدمات الحكومية الأكثر تأثراً، حيث تراجعا بنسبة 34% و30% على التوالي في عام 2021 مقارنة بما سبقه، مدفوعين بالجفاف وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، وتراجع القيمة الحقيقية للأجور في القطاع الحكومي.
تظهر المؤشرات عجزاً متنامياً في الموزانة العامة، قدرها وزير مالية النظام السوري لعام 2023 بحوالي 4860 مليار ليرة سورية ([2])،يتم تغطيتها بأوراق مالية حكومية وقروض داخلية (بلغت سندات الخزينة ما مجموعه حوالي 750 مليار ليرة سورية، بين عامي 2020-2022([3])، وأخرى خارجية تتضارب التقديرات بخصوصها. كان لانهيار الاقتصاد وسياسات البنك المركزي إلى جانب الأزمة اللبنانية، أثر مباشر في تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، حيث تراجعت بنسبة 215% في عام 2020، و75% في عام 2021، و93% في عام 2022 مع تجاوز سعر الصرف في السوق السوداء حاجز 7000 ليرة سورية في كانون الأول 2022.
يعتبر انهيار الليرة السورية إلى جانب عوامل أخرى لا تقل أهمية مثل أزمة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، عوامل محركة وراء التضخم المرتفع. تبعاً لتقارير اقتصادية، ارتفع الرقم القياسي العام للأسعار بمقدار 6 أضعاف، والأسعار الغذائية بمقدار 6.7 ضعفاً خلال الفترة بين 2019-منتصف 2022، وبمقارنة المؤشرات على مستوى مناطق النفوذ، سجلت مناطق سيطرة النظام السوري أعلى مستوى للتضخم العام والغذائي([4]) .
ترك الانهيار الاقتصادي آثاره على المجتمع السوري، يمكن تلمسها في تسارع وتيرة انهيار الأمن الغذائي، مع تقديرات أممية تفيد بوجود 12 مليون سوري يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي لغاية ربيع 2022، بزيادة قدرها 51% مقارنة بعام 2019([5]) ، وتوقعات بأن يتجاوز الرقم 15 مليون في عام 2023([6]).كذلك يلحظ تغير في هيكل الفقر، مع إنزلاق السوريين من حالة فقراء ضمن حد الفقر الأعلى والأدنى إلى فقراء تحت خطر الفقر المدقع، لتحل محافظتي درعا ودمشق بالمرتبة الثانية والثالثة على التوالي في معدلات الفقر المدقع على مستوى سورية([7]). إلى جانب ما سبق، تدهورت الظروف المعيشية للسكان، ذلك ما أظهره تدهور المؤشر المركب للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتنمية البشرية، بما يفوق 10% بين عامي 2020-2012، تبعاً للمركز السوري لبحوث السياسات، مجبراً السكان على التكيف من خلال؛ تقنين احتياجاتهم الأساسية، والاعتماد أكثر على الحوالات والمساعدات الإنسانية، وما تقدمه الدولة من خدمات شحيحة، فضلاً عن الانخراط في أنشطة اقتصاد الحرب المزدهرة، إلى جانب الهجرة لمن استطاع إليها سبيلاً([8]) .
منذ الثمانينات، كان تراجع الخدمات الحكومية نمطاً ثابتاً، عززته السياسات النيولبرالية في عهد بشار الأسد([9])،في حين أثر الدمار الواسع الذي خلفته الحرب والأزمات الاقتصادية، كذلك الفساد المستشري المقدرة نسبته تبعاً لمصادر بــ 20-25% من إجمالي الناتج المحلي([10])،على قدرة مؤسسات الدولة على تقديم الخدمات مقارنة بما قبل عام 2011. يظهر ذلك في تواتر الأزمات الخدمية كأزمة المحروقات، التي اضطرت حكومة النظام إلى إعلان عطلة رسمية لعدة أيام، نظراً لعدم امتلاكها حلول جذرية، بالوقت الذي يتم فيه تحميل عبء الخدمات أكثر، على مجموعة من الجهات الفاعلة دولياً ومحلياً، إلى جانب الشبكات غير الرسمية للنظام السوري، في ظل تساؤلات حول قدرتها على ملئ الفجوات التي خلفها انسحاب الدولة.
بخلاف الاقتصاد الانتاجي المتعثر، ازدهرت أنشطة اقتصاد الحرب كالتهريب وتجارة المخدرات، حيث أشارت عدة تقارير إلى تورط هياكل أمنية وشخصيات قيادية في النظام إلى جانب شركاء آخرون، لتقدر مصادر القيمة الإجمالية لتجارة الكبتاغون بحوالي 5.7 مليارات دولار على الأقل في عام 2021([11])، تتيح للنظام موارد للتعاطي مع استحقاقاته للبقاء في السلطة.
التلاعب بالنخب ومساعي البقاء
اضطر النظام إلى توسيع شبكاته من النخب للتعاطي مع الاستحقاقات التي ولدها الحراك الثوري، ملتقطاً أنفاسه مع التدخل العسكري الروسي، مانحاً إياه ذلك التركيز على التهديدات الداخلية، عبر التلاعب بشبكات النخب، وتمكين شبكاته غير الرسمية ومؤسساته الخاصة، علماً بأن المهمة تعترضها تحديات جسام.
أوجد الحراك الثوري بيئة سياسية وأمنية جديدة، حملت معها لاعبين جدد كأمراء الحرب والوسطاء المحليين ورجال الأعمال، إلى جانب نخبة ما قبل عام 2011، الناجين من حملات الإقصاء والانشقاق، ليضم النظام هؤلاء جميعاً إلى شبكاته غير الرسمية مع الحرص على مركزيته، بغرض التعامل مع الديناميات الناشئة للحراك واستحقاقاته. أتاحت المسؤوليات والسلطات التي تحصلت عليها هذه النخب_ لأداء أدوار كانت حكراً على الدولة_ هامشاً من الاستقلالية وحضوراً متنامياً في قطاعات نشاطها، أثارت مخاوف القصر الجمهوري، الذي عمل تدريجياً على إعادة تشكيلهم، إما عبر تحجيمهم وإقصائهم، أو فرض مزيد من القيود عليهم أو عبر إعادة تنظيمهم بأدوات ناعمة، ذلك ما يمكن لحظه في المجال الاقتصادي.
يعتبر رامي مخلوف مثالاً على النخب التي أقصاها الأسد، فعلى الرغم من الدور المحوري الذي لعبه في الاقتصاد السوري، والثقة الممنوحة له لإدارة أموال العائلة الحاكمة، والاعتماد عليه للالتفاف على العقوبات الغربية والأمريكية، وما قدمته ذراعه الخدمية جمعية البستان الخيرية، من خدمات اجتماعية حيوية للقاعدة الاجتماعية للنظام، ودورها في الحشد والتعبئة للقتال دفاعاً عنه، إلا أن ذلك لم يشفع له، ليتم تفكيك مراكز قوته بالوقت الذي تعاظم فيه دوره. إن دلت قصة مخلوف على شيء، فهي أن الأسد لن يقبل باتفاقيات مشاركة السلطة مع أحد في مرحلة ما بعد الصراع، بما فيهم المقربون منه والأكثر ولاءً له، كذلك حرصه على مركزة مصادر الريع بين يديه، فتراكم رأسمال يساعده في بناء وتوسيع شبكاته من المحسوبيات([12])، والاستقلالية عن دعم النخب المحيطة به للبقاء.
منذ عام 2016، اتخذ النظام السوري إجراءات بحق مجتمع رجال الأعمال، تصاعدت وتيرتها منذ منتصف عام 2020، في ظل انهيار الليرة السورية وتحت تأثير الأزمة اللبنانية وقانون قيصر، وصلت حد الابتزاز المباشر والإكراه([13])، ولم يسلم من تلك الضغوط أولئك الذين لديهم صلات مع القصر الجمهوري([14]) .إلى جانب ما سبق، تم العمل على إعادة تنظيم النخب الاقتصادية بإجراءات ملطفة، يمكن لحظها بانتخابات غرف التجارة لعام 2020، حيث شهدت غرفتي دمشق وحلب معدلاً مرتفعاً من تجديد أعضائها، جزء منهم من النخبة الصاعدة التي راكمت ثرواتها خلال الحرب، وتربطهم صلات وثيقة بشخصيات من القصر الجمهوري([15]).
الأولوية لشبكات النظام ومؤسساته الخاصة
يستغل النظام الفجوات التي أحدثها تراجع دور الدولة، ومساحات الفراغ الناشئة في مجمع رجال الأعمال، للدفع بشبكاته غير الرسمية للتمدد سيما في المناطق ذات الأولوية له. تظهر العديد من الروايات سطوة متنامية لمكتب أسماء الأسد في ترتيبات السياسة الداخلية، وتوجيه العمل الحكومي([16])، فضلاً عن توسع ذراعها الأمانة السورية للتنمية بين عامي 2014-2020، مع إطلاقها لثمانية برامج جديدة أهمها جريح وطن، في ظل رعاية خاصة له من القصر الجمهوري، وتحصلها على تمويل من جهات مانحة بعضها أممي، باعتبارها أحد الشركاء الحصريين للجهات المانحة الراغبة بالعمل في مناطق سيطرة النظام، بذلك استطاعت الأمانة توفير منظومة متنوعة من الخدمات الاجتماعية طالت حوالي 1.5 مليون مستفيد في عام 2019، ولعل الأهم تمددها في الساحل لملئ فراع شبكات مخلوف التي تم حلها، ظهر ذلك في استجابتها لأزمة الحرائق عام 2020([17]).
قبل عام 2011، كانت المؤسسة العامة للتبغ مصدر هام لإيرادات خزينة الدولة، سيما في ظل ارتفاع الطلب محلياً على التبغ، حيث قدرت قيمة ما حولته للخزينة العامة بحوالي 19 مليار ليرة سورية عام 2009([18])، حوالي 420 مليون دولار، لتنخفض إلى حوالي 45 مليون دولار في عام 2021 ([19]) . في حين يمكن رد هذا الانخفاض إلى تراجع قدراتها الإنتاجية نظراً لما طالها من دمار، إلى جانب العقوبات المفروضة عليها منذ عام 2012، فإن السبب غير المعلن مزاحمتها من قبل شركة 1970 للتبغ، التي أقصت آل جابر ومخلوف من قطاع التبغ. تلك الشركة يبدو بأن لها صلات مع اللواء ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة،([20]) التي تدير بدورها تجارة الدخان المهرب عبر الموانئ والحدود التي تتواجد فيها([21]) ، ورعاية نقله إلى السوق المحلية والدول المجاورة كلبنان، من خلال التعاون مع حزب الله ووسطاء من سكان المناطق الحدودية([22]).
لا تبدو مساعي النظام في تمكين شبكاته أمراً يسيراً، فما تقدمه من خدمات يكاد لا يكفي الاحتياجات الأساسية راهناً، فكيف مع التدهور الحاد المتوقع للظروف الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً بأن قدرتها على الاستمرارية مرهون بتحصلها على تمويل، يبدو أنه في تراجع في ظل انخفاض التمويل الدولي للأزمة السورية([23])، واستهداف أنشطة اقتصاد الحرب للنظام. كذلك لا يبدو بأن لهذه الشبكات الحضور والقدرة على التعبئة ذاتها في جميع مناطق سيطرة النظام، إذ أنها أكثر حضوراً في المناطق التي بقيت تحت سيطرته، وتلك التي استعاد السيطرة عليها بالقوة العسكرية، منها في المناطق التي تنحسر فيها سلطته وتخضع لتقييدات فرضتها جماعات محلية أو تأثير حليفيه، هذا ما أظهره تحليل أداء شبكات النظام خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2021([24]).
في حين لم تظهر لغاية الآن مقاومة يعول عليها من قبل مجمع رجال الأعمال بما فيهم مخلوف، ضد الإجراءات المتخذة بحقهم لأسباب منها؛ قوة الإجراءات القسرية المتخذة بحقهم، وضعف شبكاتهم وترابطهم، وتخوفهم من كلف المواجهة المرتفعة، إلا أن تمدد شبكات النظام الاقتصادية ومساعيه لاحتكار مصادر الريع، يتوقع لها أن تصطدم باستحواذات حليفيه على القطاعات الاقتصادية الحيوية، كما يتوقع بأن تحفز مساعيه مستويات أعلى من المنافسة مع شركائه العاملين في أنشطة اقتصاد الحرب، إلى جانب عدم استقرار نخبة النظام الاقتصادية في ظل التلاعب المستمر بها، ليكون التعويل على المؤسستين الأمنية والعسكرية
إعادة ترتيب المؤسستين الأمنية والعسكرية
اتخذ النظام سلسلة من الإجراءات طالت المؤسستين العسكرية والأمنية، في مسعاه لضمان ولائها، وتمكينها من استعادة احتكار سلطة القهر مجدداً، كذلك احتواء تأثيرات حليفيه، في حين ما يزال مبكراً الحكم على مساعيه.
تجنباً للمشاكل المحتملة لتسريح الميليشيات، سواءً لحدوث نزاعات فيما بينها، أو تحويلها لأعداء ناقمين على النظام، لجأ الأخير إلى دمجها بمؤسسته العسكرية بطرق بدائية، على غرار ما فعل بدمج درعي القلمون والساحل في قوات الحرس الجمهوري([25]). كذلك تنظيم وضع القوات العاملة مع الإيرانيين في عام 2017 ضمن أفواج للدفاع المحلي([26]) ،ليتم البدء بتخفيض عديدها بنسبة 25% في صيف عام 2022، ودمج المسرحين منهم في المؤسسة العسكرية([27]). يعزز نهج النظام السابق نشوء منظومة عسكرية هجينة، يحتاج معها لوقت وموارد كبيرة لمعالجة اختلالاتها، فضلاً بأن جهود الدمج تصطدم بتحديات أبرزها، مواصلة إيران تطويع مقاتلين محليين ضمن ميليشياتها، مستغلة الاحتياج الاقتصادي المتنامي، وضعف قدرة جيش النظام على الانتشار على كامل الجغرافية السورية.
منطلقاً من مكانته وصلاحياته، لجأ بشار الأسد إلى التلاعب بالنخبة العسكرية والأمنية، عبر إجراء تعيينات ومناقلات دورية للقيادات العليا، سيما المشكوك في ولائهم، أو الذين لعبوا دوراً في تثبيت نظامه، ومن لاحقتهم تهم فساد وعقوبات وانتهاكات، أو المرشحين ليشكلوا مراكز قوة بما لديهم من امتدادات محلية أو روابط من الحلفاء. يتضح ما سبق أكثر في المؤسسة العسكرية التي تعرضت لاستنزاف كبير وترهل ملحوظ، جعلها أكثر عرضة لتأثيرات خارجية ومحلية، إلا أن معدل تغير قيادات الفرق لدى قوات نخبة النظام أقل مما هي عليه لدى فرق الجيش الأخرى، فعلى سبيل المثال، منذ بداية عام 2011 ولغاية 2022، تناوب على قيادة الفرقة الرابعة ثلاث ألوية أخرهم ماهر الأسد منذ عام 2018 وما يزال في منصبه، في حين تناوب خمسة ألوية على قيادة الفرقة الأولى أخرهم اللواء جابر علي جابر منذ آيار 2022. كذلك يوحي قرار الأسد تعيين وزير جديد للدفاع، وآخر لرئاسة الأركان في ربيع عام 2022 عقب شغوره منذ عام 2018، إمتلاكه هامش مناورة بعيداً عن حليفيه، ورغبته بترقية جيل من الضباط لرتب عليا، مستبدلاً بذلك أولئك الذين ساهموا في حماية نظامه، بما لا يجعله مديناً لهم بالبقاء.
إلى جانب ما سبق، بدا واضحاً حجم اهتمام النظام بتعزيز قوات النخبة لديه عبر زيادة عديد أفرادها وتشكيلاتها، ونشرها خارج قواعدها في العاصمة دمشق كما في حالة الحرس الجمهوري([28])، إلى جانب تطوير أدائها القتالي من خلال تنفيذها لعدد من المشاريع العسكرية العملياتية بإشراف روسي، فضلاً عن منحها امتياز إدارة أنشطة اقتصاد الحرب كما هو حال الفرقة الرابعة ([29])، بأسلوب مشابه لما دأب عليه قبل عام 2011، من حيث التركيز على وحدات نخبته، دون بقية تشكيلات الجيش السوري، والتي يبدو أن خطط إصلاحه مؤجلة لحين.
بالانتقال إلى المؤسسة الأمنية، ما تزال الأجهزة الأمنية متماسكة رغم ما لحق بها من خسائر، كذلك يلحظ بأن ثلاثة من قيادات الأجهزة الأمنية ما يزالون في مناصبهم منذ عام 2019، وهم رؤساء المخابرات العسكرية والجوية والعامة أو ما يعرف بأمن الدولة، في حين تمت إحالة اللواء ناصر العلي رئيس شعبة الأمن السياسي للتقاعد مطلع عام 2021 مع عدم التمديد له، ليحل مكانه اللواء غيث شفيق فياض ديب منذ شباط 2021. قد يوحي ما سبق باهتمام الأسد باستقرار عمل هذه الأجهزة، إلى جانب ثقته بقادة هذه الأجهزة في إنجاز ما كلفوا به، أو مراعاة لتوازنات معينة ذات صبغة مناطقية/ طائفية، ويكفي الإشارة بأن تعيين هؤلاء جاء في ذروة الخلاف مع مخلوف.
إضافة لما ورد أعلاه، يلحظ تنامي دور اللواء حسام لوقا مدير إدارة المخابرات العامة داخل المنظومة الأمنية، ومن مؤشرات ذلك توليه الإشراف على عدد من الملفات الأمنية داخلياً مثل؛ المصالحات والمعتقلين والمنطقتين الجنوبية والشرقية، فضلاً عن إدارة العلاقات الخارجية مع مشاركته في المنتدى العربي الاستخباراتي في تشرين الثاني 2021، وزيارته للمملكة العربية السعودية في كانون الأول 2022، ناهيك عن تنسيقه العالي مع روسيا، في إشارات قد يكون المقصود بها تهيئته للحلول مكان اللواء علي مملوك في رئاسة مكتب الأمن الوطني، أو تعويل الأسد على المخابرات العامة للتعاطي مع استحقاقات ملفات ما بعد الصراع، سيما في ظل الحديث عن دورات تأهيل خارجية لمجموعة من النقباء في سلك الشرطة، لرفد الأجهزة الأمنية وخاصة أمن الدولة برؤساء أقسام، وإعدادهم ليكونوا قيادات صف ثاني([30]).
تواجه الأجهزة الأمنية إشكاليات متعددة بعضها موروث، كمواصلتها عدم التنسيق البيني فيما بينها، والتنافس القائم بينها، وانتشار الفساد داخلها. أيضاً، وفي حين أن أذرعها قوية في مناطق لم يفقد النظام السيطرة عليها، أو استعادها عبر تدميرها عسكرياً وتجريفها ديموغرافياً، تواجه منافسة ومقاومة في المناطق التي تتشاركها مع قوات حليفة، أو تتواجد فيها مجموعات محلية مناوئة للنظام، كما في درعا والسويداء على سبيل المثال. كذلك يواجه النظام تحدي ترميم منظومته الأمنية بقيادات قادرة على إدارة الملفات الأمنية والتواصل مع نظرائهم في الخارج، بخلاف القيادات الأمنية السابقة وتلك القائمة حالياً، ممن راكموا خبرة في إدارة العمل الأمني ومعروفين لنظرائهم في الخارج، يحتاج النظام إلى وقت كافي لتجهيز قيادات صف ثاني ضمن الأجهزة الأمنية، وهذا ما سيترك تأثيراً على مسارات التنسيق الأمني وقنوات التواصل مع الخارج.
الاتكاء على الخارج: الريع والشرعية
كان الأسد معزول إقليمياً ودولياً، ومع رجحان كفته ميدانياً وسياسياً ضد خصومه بإسناد روسي حاسم، بدأت دول ومنظمات إعادة تقييم موقفها تجاهه، مدفوعة باعتبارات داخلية وديناميكات إقليمية ومصالح خارجية تحركها اعتبارات متعددة، لتطرح مبادرات بمسميات عدة، يجد فيها النظام فرصة لكسر العزلة المفروضة عليه، والتحصل على ريع يحتاجه وشرعية لتثبيت نظامه، إلا أن تصلبه وتفلت أوراق القوة من يديه، يقلل من المكاسب المتوقعة لهذه المبادرات.
منذ عام 2011، تعرض النظام لضغوط إقليمية ودولية، جعلته محاصراً ومعزولاً، ليكون التدخل الروسي عام 2015 نقطة تحول في مسار الحراك الثوري، أصابت خصوم الأسد بالإحباط من خطط إسقاطه. وفي سياق من التنافس الإقليمي والتهديدات الأمنية والتحولات الدولية، وجد بعض الخصوم أنفسهم مضطرين لتقييم موقفهم تجاه الأسد، والتجاوب مع المساعي الروسية، هذا ويمكن تأطير مساعي الانفتاح على الأسد ضمن ثلاث موجات. في كانون الأول 2018، أعلنت الإمارات والبحرين إنهاء العزلة الدبلوماسية مع النظام، ومحركها في ذلك دعم دمشق في إطار التنافس الجيوساسي مع تركيا وإيران([31]). خبت الموجة الأولى من الانفتاح على النظام، لتعاود مجدداً الانتعاش في عام 2021 بتوقعات إضافية، نظر لها مراكز دراسات غربية تحت عنوان الخطوة_ خطوة([32])، فضلاً عن ديناميكية إقليمية أوسع قائمة على تهدئة التنافس الجيوسياسي لصالح ترتيبات مصلحية اقتصادية. في هذا السياق، برز حراك أردني على خط واشنطن لإعادة إحياء خط الغاز العربي، بغية دعم اقتصاده المأزوم وإنجاز تكامل إقليمي اقتصادي، واحتواء النفوذ الإيراني على حدوده الشمالية من بوابة استعادة العلاقات مع دمشق ودعمها([33])، لتعقد لقاءات أمنية وزيارات لوفود اقتصادية بين البلدين، يبدو بأنها لم تثمر.
في عام 2022، تزعمت تركيا الموجة الثالثة من الانفتاح على النظام، أسس لها ضغط روسي، وقنوات لم تنقطع بين الجانبين سيما أمنياً، وفي حين لا يمكن إنكار البعد الداخلي في دفع أنقرة للتواصل مع دمشق، وهي على أعتاب انتخابات حاسمة في عام 2023 يحتاجها الحزب الحاكم، فإن مخاوفها الأمنية من طروحات تجميد الصراع([34])، وشرعنة ما هو قائم، في ظل عدم تجاوب الإدارة الأمريكية بشكل جدي مع هواجسها، دفعها للتواصل مع النظام السوري، في ظل انخفاض التوقعات من أن يثمر المسار عن اختراقات نوعية.
لم تكن مبادرات التطبيع مع النظام بمستوى توقعات الدول التي باشرتها، فضلاً بأن بعضها ما يزال قيد الاختبار، فطروحات استعادة الدور العربي مع دمشق لجذبها بعيداً عن طهران، وتقوية موقفها في مواجهة تركيا لم تؤتي أكلها، فضلاً بأن الدعم المقدم للحيلولة دون انهيار الدولة السورية، ما يزال دون المستوى المطلوب للتعامل مع الاحتياجات الهائلة في ظل قيود غربية وأمريكية، فضلاً عن استئثار الأسد ونخبته بموارد الريع القادم من الخارج. في حين لا يمكن التقليل من احتمالات انخراط دول أخرى في مسار التطبيع مع النظام، إلا أن التعويل عليه كشريك مسؤول لمعالجة ملفات أمنية وإنسانية، وتكامله مع المسارات الإقليمية الناشئة اقتصادياً، مسألة فيها نظر لعدة أسباب منها؛ بنية النظام الذي يقتات على الأزمات والريع المتولد عنها لا على حلها، مقاربة النظام في استنزاف الخصوم لا بناء شراكات معهم، سقف مطالب النظام المرتفع للتحصل على تنازلات وضمانات أمنية واقتصادية دونما تقديم تنازلات نوعية، عدم امتلاك النظام حرية العمل محلياً وإقليمياً في ظل تقيد يداه من قبل حليفيه، وافتقاده للموارد الكافية للمضي قدماً، وتفلت أوراق إقليمية من يديه.
بالمقابل، يسعى النظام لتسويق المبادرات وكأنها نصر سياسي له وإقراراً بشرعيته، إذ أنها تكسر العزلة المفروضة عليه، وعلى خطى إعادة دمجه تدريجياً في المنظومة الإقليمية كفاعل، فضلاً بأنها تخضع الأزمة السورية لمسارات تفاوض ثنائية مع الدول، وما يعنيه ذلك من نسف طروحات الحل السياسي أممياً مع المعارضة السورية. أما اقتصادياً، يريد النظام من هذه المبادرات التحصل على دعم يمكنه من مواجهة استحقاقاته الاقتصادية والإنسانية، ويبدو بأن مساعيه تكللت بنجاح محدود، مع إمداده بدعم من دولة الإمارات تبعاً لمصادر صحفية([35])، يحول دون سقوطه، لكنه غير كافي لمواجهة استحقاقاته وتحدياته.
الخاتمة
يشهد الاقتصاد السوري سلسلة من الانهيارات المتواصلة، تجعل الوضع قابلاً للانفجار في أي لحظة، ومع تراجع دور الدولة وخدماتها، والعبء المتنامي على مجموعة من موفري الخدمات المحليين والخارجيين، بما يفوق استطاعتهم في ظل انخفاض التمويل المخصص لسورية، فإن النتائج ستكون كارثية على الدولة والمجتمع السوريين، ليكون الانخراط في أنشطة اقتصاد الحرب أكثر جاذبية، ولآخرين خيار النزوح والهجرة الحل الوحيد.
في ظل هذه البيئة من التأكل المتواصل والانهيارات المتتالية، يجد نظام الأسد نفسه مضطراً للمضي قدماً لتوطيد سلطته، عبر مد شبكاته غير الرسمية وتقوية هياكله الخاصة، وإعادة ترتيب وضع مؤسستيه الأمنية والعسكرية، معتمداً على حلول بدائية، وأدوات تمزج ما بين الإكراه والتدخل الناعم، مع العلم أن مساعيه لن تبصر النور في المدى المنظور، لما يواجه جهوده من تحديات جسام لا يمتلك الموارد والقدرات لمعالجتها، ليراهن على عامل الوقت ليس إلا.
تنطوي عملية إعادة بناء النظام وتوطيد سلطته على درس هام، يتمثل بنهج الأسد رفض اتفاقيات مشاركة السلطة في مرحلة ما بعد الصراع، واستعداده لإقصاء أي مصدر للخطر مهما كان مقرباً، كذلك حرصه على مركزة مصادر الريع بين يديه، بما يجعله مستقلاً عن دعم النخب المحيطة به، لتكون النتيجة ضغوط أكثر على النخب للتحكم بها، ومساحات أقل للتحرك من داخل النظام، وبنية أكثر تصلباً.
تتفاوت توقعات الدول فيما يتعلق بالانفتاح على نظام الأسد، وبغض النظر عن المسارات التي اتخذتها، إلا أنها أعطت الأسد انطباعاً مفاده بأن مواصلة التعنت يفي بالغرض ويجلب مكاسب بالنهاية، وبالتالي مواصلة سياسة الصبر الإستراتيجي التي لا يملك سواها في ظل تفلت أوراق قوة من يده محلياً وإقليمياً، مراهناً على ضعف خصومه المحليين، وابتزاز الخارج بمزيد من الفوضى، للتحصل على مكاسب تعينه على بقاء نظامه. وفي ظل منح الأسد هدايا مجانية دونما مقابل، وغياب فعل سياسي جاد من المعارضة لترتيب إدارة مناطقها محلياً، والتحرك دبلوماسياً وتفعيل دور الجاليات السورية خارجياً، لا يتوقع إلحاق الهزيمة بنظام الأسد في المدى المنظور، بالتعويل فقط على الأزمات التي يشهدها.
([1]) النخب هي؛ أولئك الذين تكمن أفضليتهم في النسبية في وصولهم إلى الأجهزة القسرية، والفرص الاقتصادية والثروة والمؤسسات الحكومية ورأس المال الاجتماعي، والذي يؤدي تعاونهم المتعمد مع النظام دوراً في مهماً في بقائه. للمزيد مراجعة، عمار الشمايلة، آلان الأوسكان، محمد زهر، تحولات نخبة النظام الحاكم في الحرب الأهلية السورية (2016-2021): مقاربة سوسيو-اقتصادية. مجلة عمران، العدد 40/ المجلد 10. ربيع 2022. https://bit.ly/3CJXzLn
([2]) عجز الموازنة السورية يزداد في 2023.. زيادة الرواتب “ممكنة”، عنب بلدي، 01 تشرين الثاني 2022. https://bit.ly/3w02p2Z
([3]) إياد الجعفري، سوريا..ولعبة تدوير الدين العام الداخلي، المدن، 27 كانون الثاني 2022. https://bit.ly/3kjds56
([4]) المركز السوري لبحوث السياسات، دليل المركز السوري لبحوث السياسات لأسعار المستهلك في سوريا لفترة تشرين الأول 2020- حزيران 2022. 08 كانون الأول 2022. https://bit.ly/3vVbj1V
([5]) برنامج الأغذية العالمي: الجوع في سوريا يبلغ مستويات تاريخية، والملايين على شفير الهلاك، الأمم المتحدة، 09 آيار 2022. https://bit.ly/3X4IxHZ
([6]) Humanitarian needs in Syria have reached their worst levels since conflict began nearly 12 years ago, the Security Council heard on Wednesday. UN. 21 Dec 2022. https://bit.ly/3WiWu49
([7]) الفقر الأعلى: معدل الفقر الإجمالي. أما الفقر الأدنى: فهو معدل الفقر الشديد كمؤشر على عدم تلبية الاحتياجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة. أما الفقر المدقع كمؤشر على الحرمان من الغذاء. للمزيد مراجعة دليل المركز السوري لبحوث السياسات لأسعار المستهلك في سوريا لفترة تشرين الأول 2020- حزيران 2022.
([8]) أشارت دراسة لمركز السياسات وبحوث العمليات بأن 63% من المستطلع أرائهم في دمشق في عام 2021، قد عبروا عن رغبتهم بالهجرة. للمزيد مراجعة سلطان جلبي، الاتجاه نحو الهجرة في العاصمة السورية دمشق. مركز السياسات وبحوث العمليات. 2021. https://bit.ly/3X1lfTy. يتقاطع ما سبق مع تقديرات إحصائية غير رسمية بارتفاع معدل الهجرة منذ عام 2019 ليسجل 8 لكل ألف نسمة، ليكون المعدل أكبر مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. للمزيد زياد غصن، أزمة ديموغرافية في سوريا: الهجرة تُكمل ما بدأته الحرب، الميادين، 16 تشرين الثاني 2021. https://bit.ly/3iwOSgg
([9]) Joseph Daher. State Institutions and Regime Networks as Service Providers in Syria. Middle East Directions. 2020. https://bit.ly/3ZweKd5
([10])زياد غصن : /64/ مليار ليرة سورية قيمة مبالغ الفساد ومحاربته ليست بالتنظير، المشاهد، 15 أيلول 2022. https://bit.ly/3QuUIeT
([11]) بعوائد بلغت 5.7 مليارات دولار عام 2021.. "دولة الكبتاغون" بمناطق النظام السوري، الجزيرة، 27 أيلول 2022. https://bit.ly/3X3BXlb
([12]) Joseph Daher, The Syrian Presidential Palace Strengthens its Concentration of Power: The Rift Makhlouf-Assad. Middle East Directions. 13 May 2020. https://bit.ly/3VZam3e
([13]) سنان حتاحت، البقاء أم الرحيل؟ معضلة رجال الأعمال السوريين المستقلّين، Middle East Directions، تشرين الثاني 2021. https://bit.ly/3iry6PX
([14]) الأسد يوسع حملته على التجار..لتشمل عمّ زوجته طريف الأخرس، المدن، 21 أيلول 2021. https://bit.ly/3Qy0SdY
([15])جوزيف ضاهر، غرف التجارة السورية في العام ٢٠٢٠: صعود نخبة جديدة من رجال الأعمال، Middle East Directions، نيسان 2021. https://bit.ly/3QGUph1
([16])في عام 2021، أرسل مكتب السيدة أسماء الأسد عقوداً إلى وازرة التربية، تلزمهم بتعهيد مناقصة طباعة الكتب المدرسية إلى عدد من شركات القطاع الخاص. مقابلة أجراها الكاتب مع مصدر محلي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية. صيف عام 2021. يتقاطع ما سبق مع حضور دانا بشكور مديرة مكتب أسماء الأسد مع وزير التربية دارم طباع في موسكو خلال توقيع اتفافية في المجال التربوي مع روسيا. اتفاقية تعاون بين وزارة التربية وجامعة روسية، سانا، 28 تشرين الأول 2021. https://bit.ly/3W5fOBK
([17])سباق التبرعات مستمر.. “الأمانة السورية للتنمية” تجمع ستة مليارات ليرة لمتضرري الساحل، عنب بلدي، 15 تشرين الأول 2020. https://bit.ly/3WaPaak
([18]) عفراء محمد، زراعة التبغ في الساحل.. من ضيع أمجاد الماضي، E syria، 22 تشرين الأول 2010. https://bit.ly/3nfBXxY
([19]) 15 مليار و820 مليون ليرة ارباح المؤسسة العامة للتبغ للعام الماضي، الصفحة الرسمية لوزارة الصناعة على الفيس بوك، تاريخ الزيارة 25 حزيران 2022. https://bit.ly/3bsHfUp
([20]) شركة دخان تابعة لـ ماهر الأسد تسيطر على سوق التبغ المستورد في سوريا، تلفزيون سوريا، 28 آب 2021. https://bit.ly/3iH21Dx
([21])عدنان عبد الرزاق، الموانئ السورية تبيض ذهباً لنظام الأسد... تهريب وسلاح ومخدرات، العربي الجديد، 8 كانون الثاني 2022. https://bit.ly/3bwXEY0
([22]) مصدر وزاري للشرق الأوسط: الدخان الأجنبي المهرب يحرم الخزينة من ملايين الدولارات، النشرة، 13 أيلول 2019. https://bit.ly/3HTwbMa
([23]) زياد غصن، التمويل الإنساني يتراجع في سوريا: التّعليم والصحّة والتعافي المبكر الأكثر تضرراً، الميادين، 22 تشرين الثاني 2022. https://bit.ly/3vX26WH
([24])فريق مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا، الشبكات والتعبئة والمقاومة في الانتخابات الرئاسية في سوريا لعام ٢٠٢١، Middle East Directions، 02 تموز 2021. https://bit.ly/3IJNWjk
([25]) خضر خضور، الميليشيات المسببة للمتاعب، ديوان/ مركز كارنيجي للشرق الأوسط، 07 تشرين الثاني 2018. https://bit.ly/3CGk9UP
([26])يزن شهداوي، النظام السوري يقترح دمج المليشيات الإيرانية رسمياً في قواته، العربي الجديد، 08 أيار 2017. https://bit.ly/3X7N8tb
([27])مقابلة أجراها الكاتب مع مقاتل في قوات الدفاع المحلي بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي. صيف 2021.
([28])"الحرس الجمهوري".. تشكيلات جديدة لتعزيز حماية الأسد منها "اقتحام نسائى" (صور وأسماء)، زمان الوصل، 29 أيار 2021. https://bit.ly/3J6tdGI
([29]) للمزيد مراجعة، أيمن الدسوقي، شبكة اقتصاد الفرقة الرابعة خلال الصراع السوري، Middle East Directions، 13 كانون الثاني 2020. https://bit.ly/3k5FMHM
([30])ورشة داخلية أجراها مركز عمران حول تقييم حالة النظام السوري. اسطنبول، كانون الأول 2022.
([31]) البحرين والإمارات تعيدان فتح سفارتيهما في سوريا: قرقاش: الدور العربي ضروري لمواجهة التغوّل الإيراني والتركي. أخبار الخليج. 28 كانون الأول 2018. https://bit.ly/3IK4xnj
([32]) Like, A Path to Conflict Transformation in Syria. A Framework for a Phased Approach. Carter center. Jan 2021. https://bit.ly/3ZDEe8o and Raphael Parens and Yaneer Bar Yam. Step by Step to Peace in Syria. New England Complex Systems Institute. 09 Feb 2016. https://bit.ly/3kjb4v1
([33]) “خط الغاز العربي”..بوابة اقتصادية لتطبيع سياسي مع نظام الأسد؟. السورية نت. 29 أيلول 2021. https://bit.ly/3QHeEv4
([34]) Charles Lister. Freeze and Build: A Strategic Approach to Syria Policy. Middle East Institute. 14 March 2022. https://bit.ly/3Xg82q6
([35]) عدنان عبد الرزاق، الإمارات تدعم الأسد بالدولار: شحنات عملة من أبوظبي إلى دمشق وراء تحسن الليرة، العري الجديد، 03 كانون الأول 2020. https://bit.ly/3X9STGA
كانت الانقلابات العسكرية متتالية ومتتابعة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ومنها انقلابُ لويس ميزا في بوليفيا عام 1980، حيث لم يستطع ميزا تحسينَ اقتصادِ بلاده أو إيجاد سبل لرفع المستوى المعيشي للمواطنين، فعمل على تحويل الدولة إلى مصنعٍ ومتجرٍ للمخدرات وتصديرها إلى أميركا اللاتينية بالتزامن مع مجازره ضد الشعب البوليفي عبر مؤسساته القائمة على المخدرات، مما أدى إلى نهاية حكمه بعد عام واحد ومحاكمته لاحقاً بعد 15 عام، وأطلقت الولايات المتحدة الأميركية على النظام البوليفي حينها مصطلح دولة المخدرات “narco-state”، إشارة إلى الدولة التي تستخدم تجارة المخدرات كمصدر اقتصادي أساسي لتمويل نظامها الحاكم واستبداده.
أقرَّ مجلس النواب الأميركي في 21 أيلول 2022 قانوناً ينص على تعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات وتجارتها ورَبَطَهُ بشبكات نظام بشار الأسد، وفي خطابه أمام مجلس النواب قال النائب فرينش هيل “نظام الأسد أصبح دولة مخدرات”، وبذلك استجلب النائب توصيفاً مضى على إطلاقه أكثر من 40 عاماً ليصِفَ مدى خطورة الأسد ودوره في عملية تصنيع وتصدير المخدرات ليس فقط باتجاه الدول المجاورة له بل حتى نحو دول المنطقة ككل.
مشرفو المخدرات في مؤتمر تحويل التعليم
عُقدت في نيويورك منتصف أيلول 2022 قمة تحويل التعليم، التي هدفت إلى الارتقاء بالعملية التعليمية حول العالم وصياغة سياسات جديدة من شأنها تعزيز التنسيق بين البلدان المشاركة، ورفع سوية التعليم في البلدان التي تعاني من الأزمات والحروب، وتم توجيه الدعوات إلى الدول، ومن بينها دعوة لنظام الأسد لإرسال مسؤولي التعليم فيها للمشاركة وعقد ورش العمل، وقد ضمَّ وفد النظام خيرة خبرائه في مجال الإشراف على تجارة المخدرات وترويجها في الوزارات والمؤسسات القائمين عليها وهم: دارين سليمان رئيسة الاتحاد الوطني لطلبة سورية، دارم الطباع وزير التربية والتعليم، سومر طاهر رئيس اتحاد شبيبة الثورة ومحمد عزت عربي كاتبي رئيس منظمة طلائع البعث.
حيث عزز وزير التعليم المشارك في القمة من علاقته بشبكات المخدرات عبر ابنه مهاب، الذي هاجمته صفحات مؤيدة معتبرة أنه يملك شبكة كبيرة لتجارة المخدرات مطالبة أباه الوزير بعدم التدخل لإيقاف الإجراءات المطالبة باعتقاله، في حين انتشرت تجارة المخدرات في عدد من المدارس الواقعة تحت سيطرة النظام بشكل علني وعلى مرأى من الكوادر التدريسية والإدارية كما في مدارس مدينة السويداء.
إذ تشكلت شبكات المخدرات هناك في المنشآت التعليمية وتحت حماية الميليشيات المسلحة المرتبطة بالأفرع الأمنية، أما على صعيد تمثيل طلاب التعليم الجامعي في القمة عبر تواجد دارين سليمان، فيُشار إلى أن السكنات الجامعية أصبحت مكاناً لترويج الدعارة والمخدرات ضمن مسيرة “التطوير والإصلاح”، وقد انتشرت فضائح متتالية آخرها محاولة قتل طالبة في السكن الجامعي بجامعة البعث بتورطٍ مباشر من علي حمادي مسؤول فرع الاتحاد الوطني لطلبة سورية في الجامعة، وبذلك جاء وفد نظام الأسد إلى القمة في نيويورك، حاملاً معه خبرته في تحويل مؤسسات البلاد التعليمية إلى حطام بسبب البراميل التي دمرتها وتحويل المتبقي منها إلى مصانع ومتاجر كبتاغون لتمويل مخابراته ومرتزقته.
ثنائية الإرهاب والمخدرات
كشفت تسريبات ويكيليكس عدداً كبيراً من الوثائق المرتبطة بسورية، أحدها كان الاجتماع بين دانييل بنيامين منسّق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية، وفيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري آنذاك في شباط 2011 بمشاركة مدير المخابرات العامة علي مملوك، دار الاجتماع حول الجماعات الإرهابية في العراق، وقد لخصَ مملوك سياسة الأسد في التعامل مع الجماعات المتطرفة بقوله: “النجاح السوري تمثل في اختراق المجموعات الإرهابية، وحصول سورية على ثروة من المعلومات، نحن من حيث المبدأ لا نهاجمهم أو نقتلهم، بل نتمدد داخل هذه المنظمات عن طريق اختراقها بعناصرنا”.
تمثلت سياسة نظام الأسد الهادفة لكسب ود الدول الغربية وإعادة تطبيعها معه خاصة بعد القطيعة التي حلت بينهم وبين الأسد بعد ضلوعه في اغتيال رفيق الحريري ودعمه للجماعات المتطرفة في العراق، عبر تقديم الأسد نفسه على أنه القادر على تفكيك تلك الجماعات التي ساهم هو في وجودها وبذلك انضم إلى حلف مكافحة الإرهاب، بعد أن كان نظامه معبراً للمتطرفين باتجاه العراق، ويشرح دافيد دبليو ليش في كتابه سقوط مملكة الأسد تغير الموقف الأميركي تجاه بشار الأسد من وضع سورية على لائحة الدول المتوقع شن عملية عسكرية عليها بعد العراق، إلى التنسيق معها باعتبارها فاعلاً أساسياً في عملية مكافحة الإرهاب بحكم معرفة النظام واختراقه لتلك الجماعات عبر عناصر أو قيادات تابعة له.
يُعيد الأسد اليوم سلوكه في صناعة الفزاعة ثم إقناع الدول بالتطبيع معه من أجل القضاء عليها ولكن في قضية المخدرات، فتزامناً مع مشاركة نظام الأسد في مؤتمر مكافحة المخدرات في حزيران 2022؛ كانت الجمارك الأردنية تُحبط محاولة تهريب شحنة مخدرات قادمة من سورية باتجاه الأراضي الأردنية، ومع تسارع أخبار إحباط عمليات تهريب المخدرات من سورية، جاء قرار مجلس النواب الأميركي بشكل مباشر تجاه الأسد، معتبراً إياه المسؤول الأول عن كثافة المخدرات القادمة من الأراضي السورية، واستخدم القرار ضمن بنوده قانون Kingpin الذي ينص على محاربة الأشخاص المسؤولين عن تجارة المخدرات حول العالم.
لم يكن الحراك الأميركي منعزلاً عن التحقيقات الغربية بخصوص تورط الأسد بشكل مباشر في عمليات تصنيع المخدرات، فقد نشرت مجلة دير شبيغل الألمانية تحقيقاً حول تورط بشار الأسد بتجارة المخدرات بعد تحقيقات قامت بها السلطات الألمانية مع متورطين تم القبض عليهم، وأكد التحقيق أن التجارة تتم بشكل مباشر عن طريق جيش الأسد وخاصة الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد التي تشرف على تصنيعه وإخراجه من سورية.
ختاماً، يستخدم الأسد اليوم ورقتين في سبيل تطبيع علاقاته مع دول المنطقة والدول الغربية، أولهما استخدام ورقة الجماعات الإرهابية مثل قوات سوريا الديمقراطية وثانيهما ورقة المخدرات لدفع الدول المتضررة للتعاون معه من أجل مكافحتها، مستخدماً إياهما كأوراق أخيرة بعد فشل محاولات روسيا وبعض الدول العربية في إعادته إلى الحضن العربي وتحسين علاقته مع الدول الغربية بالمساعي الدبلوماسية والسياسية، وبعد القانون الأميركي خسر الأسد أحد أوراقه واقتصرت فعالية ملف المخدرات على تأمين مصدر اقتصادي يعوّض بشكل جزئي الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه في محاولة لإبقائه قائماً إلى حين حدوث متغيرات دولية أو انهياره تماماً.